اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

قوله : «من الرّبا» متعلّق ببقي ، كقولهم : «بقيت منه بقية» ، والذي يظهر أنه متعلق بمحذوف ؛ على أنه حال من فاعل «بقى» ، أي : الذي بقي حال كونه بعض الربا ، فهي تبعيضية.

ونقل ابن عطية هنا أنّ العدويّ ـ وهو أبو السّمّال ـ قرأ (١) «من الرّبو» بتشديد الراء مكسورة ، وضمّ الباء بعدها واو. قال شهاب الدين : قد تقدم أنّ أبا السّمّال إنما قرأ «الرّبا» في أول الآية الكريمة بواو بعد فتحة الباء ، وأنّ أبا زيد حكى عن بعضهم : أنه ضمّ الباء ، وقدّمت تخريجهما على ضعفه.

وقال ابن جنّي (٢) : «شذّ هذا الحرف في أمرين :

أحدهما : الخروج من الكسر إلى الضم بناء لازما.

والآخر : وقوع الواو بعد الضمة في آخر الاسم ، وهذا شيء لم يأت إلّا في الفعل ؛ نحو : يغزو ويدعو ، وأمّا «ذو» الطائية بمعنى الذي فشاذة جدا ، ومنهم من يغيّر واوها ، إذا فارق الرفع ، فيقول : «رأيت ذا قام».

ووجه القراءة أنه لمّا فخّم الألف انتحى بها الواو التي الألف بدل منها ، على حدّ قولهم : الصّلاة والزكاة ، وهي بالجملة قراءة شاذة». قال شهاب الدين : غيره يقيّد هذه العبارة ، فيقول : «ليس في الأسماء المعربة واو قبلها ضمة» حتى يخرج عنه «ذو» بمعنى الذي ، و «هو» من الضمائر ، وابن جنّي لم يذكر القيد استثناء «ذو الطائية» ويرد عليه نحو «هو» ، ويرد على العبارة «ذو» بمعنى صاحب ؛ فإنّها معربة في آخرها واو بعد ضمة.

وقد أجيب عنه بأنها تتغيّر إلى الألف والياء فلم يبال بها ، وأيضا فإنّ ضمة الدّال عارضة ، إذ أصلها الفتح ، وإنما ضمّت ؛ إتباعا على ما تقرر في إعراب الأسماء الستة في كتب النحو.

وقوله : «بناء لازما» تحرّز من وجود الخروج من كسر إلى ضمّ ، بطريق العرض ؛ نحو : الحبك ؛ فإنه من التداخل ، ونحو : «الرّدء» موقوفا عليه ، فالخروج من كسر إلى ضمّ في هاتين الكلمتين ، ليس بلازم.

وقوله : «منهم من يغيّر واوها» المشهور بناؤها على الواو مطلقا ، وقد تعرب ؛ كالتي بمعنى صاحب ؛ وأنشدوا : [الطويل]

١٢٦٨ ـ فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا (٣)

__________________

(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٧٥.

(٢) ينظر : المحتسب لابن جني ١ / ١٤٢.

(٣) البيت لمنظور بن سحيم ينظر الدرر ١ / ٢٦٨ ، وشرح التصريح ١ / ٦٣ ، ١٣٧ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١١٥٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٣٠ ، وشرح المفصل ٣ / ١٤٨ ، والمقرب ١ / ٥٩ ، والمقاصد النحوية ١ / ١٢٧ ، وللطائي في مغني اللبيب ٢ / ٤١٠ ، وأوضح المسالك ١ / ٤٢ ، وتخليص ـ

٤٦١

ويروى : «من ذو» على الأصل.

فصل

قوله : (إِنْ كُنْتُمْ) شرط ، وجوابه محذوف عند الجمهور ، أي : فاتّقوا ، وذروا ، ومتقدّم عند جماعة ، وقيل : «إن» هنا بمعنى إذ ؛ وهذا مردود.

فإن قيل : كيف قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) ثم قال (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فالجواب من وجوه :

الأول : أن هذا كما يقال إن كنت أخي فأكرمني ، معناه : إنّ من كان أخا ، أكرم أخاه.

الثاني : أنّ معناه إن كنتم مؤمنين قبله ، أي : معترفين بتحريم الرّبا.

الثالث : إن كنتم تريدون استدامة حكم الإيمان.

الرابع : يا أيّها الذين آمنوا ، بلسانهم ، ذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم.

الخامس : ما تقدم أنّ «إن» بمعنى «إذ».

فصل في سبب النزول

في سبب النزول روايات :

الأولى : أن أهل مكة كانوا يرابون ، فلما أسلموا عند فتح مكة ، أمرهم الله تعالى بهذه الآية ، أن يأخذوا رؤوس أموالهم دون الزيادة (١).

الثانية : قال مقاتل : نزلت في أربعة إخوة من ثقيف : مسعود ، وعبد [ياليل] ، وحبيب ، وربيعة ، وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي ، كانوا يداينون بنى المغيرة بن عبد الله بن عمير بن مخزوم وكانوا يرابون. فلما ظهر النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على الطائف ، أسلم هؤلاء الإخوة ، فطلبوا رباهم من بني المغيرة. فقال بنو المغيرة : والله ما نعطي الرّبا في الإسلام ، وقد وضعه الله تعالى عن المؤمنين ، فاختصموا إلى عتّاب بن أسيد ، فكتب عتّاب ـ وكان عامل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقصة الفريقين ، وكان ذلك مالا عظيما ؛ فنزلت الآية (٢).

__________________

ـ الشواهد ص ٥٤ ، ١٤٤ ، وشرح الأشموني ١ / ٧٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٠ ، ٨٢ ، وشرح عمدة الحافظ ص ١٢٢ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٤.

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٤٧) وعزاه لعبد بن حميد عن الضحاك.

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٤٧) وانظر تفسير الرازي (٧ / ٨٧).

٤٦٢

الثالثة : قال عطاء ، وعكرمة : نزلت في العباس بن عبد المطّلب ، وعثمان بن عفّان ـ رضي الله عنهما ـ وكانا قد أسلفا في التمر ، فلما حضر الجذاذ ، قال لهما صاحب التمر : إن أنتما أخذتما حقكما ، لا يبقى لي ما يكفي عيالي! فهل لكما أن تأخذا النصف ، وتؤخّرا النّصف ؛ وأضعف لكما؟ ففعلا ، فلما جاء الأجل ، طلبا الزيادة ، فبلغ ذلك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنهاهما فأنزل الله هذه الآية ؛ فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما (١).

الرابعة : قال السّدّيّ : نزلت في العباس ، وخالد بن الوليد ، وكانا شريكين في الجاهلية ، يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير ، وناس من ثقيف ، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا ؛ فأنزل الله هذه الآية (٢). فقال النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في «حجة الوداع» في خطبته يوم عرفة «ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهليّة موضوعة ، وإنّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ، كان مسترضعا في بني سعد ؛ فقتله هذيل ، وربا الجاهليّة موضوع ، وأوّل ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب ؛ فإنه موضوع كلّه» (٣).

فصل

قال القاضي (٤) قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يدلّ على أنّ الإيمان لا يتكامل إذا أصرّ الإنسان على الكبائر ، ولا يصير الإنسان مؤمنا على الإطلاق ، إلّا إذا اجتنب كل الكبائر.

والجواب : لمّا دلّت الدلائل الكثيرة المذكورة في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) على أنّ العمل خارج عن مسمّى الإيمان ، كانت هذه الآية محمولة على كمال الإيمان وشرائعه ، فكان التقدير : إن كنتم عاملين بمقتضى شرائع الإيمان ، وهذا وإن كان تركا للظاهر لكنا ذهبنا إليه ؛ لتلك الدلائل.

فإن قيل : كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين؟

قلنا : هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل كما جاء في الخبر «من أهان لي وليّا ، فقد بارزني بالمحاربة» ، وعن جابر ، عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من لم يدع المخابرة ، فليأذن بحرب من الله ورسوله» وقد جعل كثير من المفسرين والفقهاء قوله : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة : ٣٣] أصلا في قطع الطريق من المسلمين ، فثبت أن ذكر هذا النوع من التهديد مع المسلمين وارد في كتاب الله وسنة رسوله.

وفي الجواب عن السؤال وجهان :

الأول : أن المراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢ ـ ٢٣).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢) وانظر «تفسير الرازي» (٧ / ٨٧).

(٣) أخرجه مسلم كتاب الحج (١٤٧) وانظر تفسير ابن الجوزي «زاد المسير» (١ / ٣٣٢).

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٧.

٤٦٣

الثاني : أن المراد منه نفس الحرب ، وفيه تفصيل ؛ فنقول : إنّ المصرّ على فعل الربا ، إذا كان من شخص ، وقدر الإمام عليه قبض عليه وأجرى فيه حكم الله من التّعزير ، والحبس إلى أن تظهر منه التوبة ، وإن كان المصر ممن له عسكر وشوكة ، حاربه الإمام ، كما يحارب الفئة الباغية ، وكما حارب أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ مانعي الزكاة ، وكذا القول لو اجتمعوا على ترك الأذان ، وترك دفن الموتى ، فإنه يفعل بهم ما ذكرناه.

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من عامل بالربا ، يستتاب ، فإن تاب ، وإلّا ضرب عنقه (١).

والقول الثاني : أنه خطاب للكفار ، وأن معنى قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : معترفين بتحريم الربا (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي : فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ومن ذهب إلى هذا القول ، قال : إنّ فيه دليلا على أنّ من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام ، فهو خارج من ملة الإسلام ، كافر كما لو كفر بجميع شرائعه.

قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ) فالمعنى على القول الأول : وإن تبتم عن معاملة الربا ، وعلى الثاني : من استحلال الربا (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) أي : لا تظلمون الغريم بطلب الزيادة على رأس المال (وَلا تُظْلَمُونَ) أي : بنقصان رأس المال.

قوله : (لا تَظْلِمُونَ) فيها وجهان :

أظهرهما : أنها لا محلّ لها ؛ لاستئنافها ، أخبرهم تعالى بذلك ، أي : لا تظلمون غيركم بأخذكم الزيادة منه ، ولا تظلمون أنتم ـ أيضا ـ بضياع رؤوس أموالكم.

والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال من الضمير في «لكم» والعامل ما تضمّنه الجارّ من الاستقرار ؛ لوقوعه خبرا وهو رأي الأخفش.

وقرأ الجمهور الأول مبنيّا للفاعل ، والثاني مبنيا للمفعول. وروى أبان (٢) ، والمفضّل ، عن عاصم بالعكس. ورجّح الفارسي (٣) قراءة العامة ؛ بأنها تناسب قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ) في إسناد الفّعلين إلى الفاعل ، فتظلمون مبنيا للفاعل أشكل بما قبله. وقال أبو البقاء (٤) رحمه‌الله : يقرأ بتسمية الفاعل في الأوّل ، وترك التسمية في الثاني ؛ ووجهه : أنّ منعهم من الظلم أهمّ ؛ فبدئ به ، ويقرأ بالعكس ، والوجه فيه : أنه قدّم ما تطمئن به نفوسهم من نفي الظلم عنهم ، ثم منعهم من الظلم ، ويجوز أن تكون القراءتان بمعنى واحد ؛ لأنّ الواو لا ترتّب.

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٨.

(٢) انظر : السبعة ١٩٢ ، والحجة ٢ / ٤١٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٥٣ والدر المصون ١ / ٦٦٧.

(٣) انظر : الحجة للقراء السبعة ٢ / ٤١٤.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٧.

٤٦٤

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٢٨٠)

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) : في «كان» هذه وجهان :

أحدهما : ـ وهو الأظهر ـ أنها تامة بمعنى حدث ، ووجد ، أي : وإن حدث ذو عسرة ، فتكتفي بفاعلها كسائر الأفعال ، قيل : وأكثر ما تكون كذلك إذا كان مرفوعها نكرة ، نحو : «قد كان من مطر».

والثاني : أنها الناقصة والخبر محذوف. قال أبو البقاء (١) : «تقديره : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حقّ ، أو نحو ذلك» وهذا مذهب بعض الكوفيين في الآية ، وقدّر الخبر : وإن كان من غرمائكم ذو عسرة. وقدّره بعضهم : وإن كان ذو عسرة غريما.

قال أبو حيّان (٢) : «وحذف خبر كان لا يجيزه أصحابنا ؛ لا اختصارا ، ولا اقتصارا ، لعلّة ذكروها في كتبهم. وهي أنّ الخبر تأكّد طلبه من وجهين :

أحدهما : كونه خبرا عن مخبر عنه.

والثاني : كونه معمولا للفعل قبله ، فلما تأكدت مطلوبيته ، امتنع حذفه.

فإن قيل : أليس أن البصريين لمّا استدلّ عليهم الكوفيون في أنّ «ليس» تكون عاطفة بقوله : [الرمل]

١٢٦٩ ـ ..........

إنّما يجزي الفتى ليس الجمل (٣)

تأوّلوها على حذف الخبر ؛ وأنشدوا شاهدا على حذف الخبر قوله : [الكامل]

١٢٧٠ ـ ..........

يبغي جوارك حين ليس مجير (٤)

وإذا ثبت هذا ، ثبت في سائر الباب.

فالجواب أن هذا مختصّ بليس ؛ لأنها تشبه لا النافية ، و «لا» يجوز حذف خبرها ، فكذا ما أشبهها».

__________________

(١) ينظر : المصدر السابق.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥٤.

(٣) عجز بيت للبيد وصدره :

إذا أقرضت قرضا فاجزه

ينظر ديوانه (١٧) ، أوضح المسالك (٣ / ٣٨) ، التصريح ١ / ١٩١ اللسان قرض ، الدر المصون ١ / ٦٦٨.

(٤) عجز بيت لشمردل الليثي وصدره :

لهفي عليك للهفة من خائف

ينظر المغني (٧٠٠) ، التصريح (١ / ٢٠٠) ، الأشموني ١ / ٢٥٦ ، الهمع ١ / ١١٦ ، العيني ٢ / ١٠٣ ، الدرر ١ / ٨٥ ، الدر المصون ١ / ٦٦٨.

٤٦٥

وتقوّى الكوفيّون بقراءة عبد الله ، وأبيّ (١) ؛ وعثمان : «وإن كان ذا عسرة» أي : وإن كان الغريم ذا عسرة. قال أبو عليّ : في «كان» اسمها ضميرا تقديره : هو ، أي : الغريم ، يدلّ على إضماره ما تقدّم من الكلام ؛ لأنّ المرابي لا بدّ له ممّن يرابيه.

وقرأ (٢) الأعمش : «وإن كان معسرا» قال الدّاني ، عن أحمد بن موسى : «إنها في مصحف عبد الله كذلك».

ولكنّ الجمهور على ترجيح قراءة العامة وتخريجهم القراءة المشهورة. قال مكي (٣) : وإن وقع ذو عسرة ، وهو سائغ في كلّ الناس ، ولو نصبت «ذا» على خبر «كان» ، لصار مخصوصا في ناس بأعيانهم ؛ فلهذه العلة أجمع القرّاء المشهورون على رفع «ذو».

وقد أوضح الواحديّ هذا ، فقال : «أي : وإن وقع ذو عسرة ، والمعنى على هذا يصحّ ، وذلك أنه لو نصب ، فقيل : وإن كان ذا عسرة ، لكان المعنى : وإن كان المشتري ذا عسرة ، فنظرة ؛ فتكون النظرة مقصورة عليه ، وليس الأمر كذلك ؛ لأن المشتري ، وغيره إذا كان ذا عسرة ، فله النظرة إلى الميسرة».

وقال أبو حيّان (٤) : من نصب «ذا عسرة» ، أو قرأ «معسرا» فقيل : يختصّ بأهل الرّبا ، ومن رفع ، فهو عامّ في جميع من عليه دين ، قال : «وليس بلازم ، لأنّ الآية إنما سيقت في أهل الربا ، وفيهم نزلت» قال شهاب الدين : وهذا الجواب لا يجدي ؛ لأنه وإن كان السياق كذا ، فالحكم ليس خاصا بهم.

وقرئ (٥) «ومن كان ذا عسرة» ، وقرأ (٦) أبو جعفر «عسرة» بضم السين.

فصل

قال ابن الخطيب (٧) : لما كنت ب «خوارزم» ، وكان هناك جمع من أكابر الأدباء ،

__________________

(١) وهي قراءة ابن عباس.

انظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥٤ ، والدر المصون ١ / ٦٦٨.

(٢) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٧٦ ، وعبارة الداني كما أوردها ابن عطية ليس فيها ذكر لمصحف عبد الله ، قال : قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى : وكذلك في مصحف أبي بن كعب ...» ولعل عمدة المصنف هاهنا ما ذكره السمين الحلبي في الدر ١ / ٦٦٨ ، ووافقه أبو حيان ٢ / ٣٥٤.

وانظر : التخريجات النحوية ٣٦٣ ، والقرطبي ٣ / ٢٥١.

(٣) ينظر ؛ المشكل لمكي ١ / ١١٧.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥٤.

(٥) وهي قراءة أبان بن عثمان كما في البحر المحيط ٢ / ٣٥٤.

(٦) انظر : إتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٥٨.

(٧) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٨.

٤٦٦

فأوردت عليهم إشكالا في هذا الباب ، فقلت : إنكم تقولون : إنّ «كان» إذا كانت ناقصة ، أنها تكون فعلا ؛ وهذا محال ؛ لأن الفعل ما دلّ على اقتران حدث بزمان ، فقولك «كان» يدل على حصول معنى الكون في الزمان الماضي ، وإذا أفاد هذا المعنى ، كانت تامة ، لا ناقصة ، فهذا الدليل يقتضي أنها إن كانت فعلا ، كانت تامة لا ناقصة ، وإن لم تكن تامة لم تكن فعلا ألبتة ؛ بل كانت حرفا ، وأنتم تنكرون ذلك ؛ فبقوا في هذا الإشكال زمانا طويلا ، وصنّفوا في الجواب عنه كتبا ، وما أفلحوا فيه ، ثم انكشف لي فيه سرّ أذكره ـ هاهنا ـ وهو : أنّ «كان» لا معنى له إلّا أنه حدث ، ووقع ، ووجد إلّا أن قولك وجد ، وحدث على قسمين :

أحدهما : أن يكون المعنى وجد ، وحدث الشيء ؛ كقولك : وجد الجوهر ، وحدث العرض.

والثاني : أن يكون المعنى وجد ، وحدث موصوفية الشيء بالشيء ، فإذا قلت : كان زيد عالما ، فمعناه : حدث في الزمان الماضي موصوفية زيد بالعلم.

والقسم الأول هو المسمّى ب «كان» التامة.

والقسم الثاني : هو المسمّى ب «الناقصة» وفي الحقيقة : فالمفهوم من «كان» في الموضعين هو الحدوث ، والوقوع إلّا أنه في القسم الأول المراد حدوث الشيء في نفسه فلا جرم كان الاسم الواحد كافيا والمراد في القسم الثاني حدوث موصوفية أحد الأمرين بالآخر ، فلا جرم لم يكن الاسم الواحد كافيا ، بل لا بدّ فيه من ذكر الاسمين حتى يمكنه أن يشير إلى موصوفية أحدهما بالآخر ، وهذا من لطائف الأبحاث.

فأما إن قلنا إنه فعل ، كان دالّا على وقوع المصدر في الزمان الماضي فحينئذ تكون تامة لا ناقصة ، وإن قلنا إنه ليس بفعل بل حرف ، فكيف يدخل فيه الماضي والمستقبل ، والأمر ، وجميع خواصّ الأفعال؟ وإذا حمل الأمر على ما قلناه ، تبيّن أنه فعل وزال الإشكال بالكلية.

المفهوم الثالث ل «كان» أن تكون بمعنى «صار» ؛ وأنشدوا : [الطويل]

١٢٧١ ـ بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها

قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها (١)

وعندي أنّ هذا اللفظ ـ هاهنا ـ محمول على ما ذكرناه ، فإنّ معنى «صار» أنّها حدثت موصوفية الذات بهذه الصفة ، بعد أنها ما كانت موصوفة بذلك ؛ فتكون «كان» هنا أيضا بمعنى حدث ، ووقع ؛ إلّا أنه حدوث مخصوص وهو أنه حدث موصوفية الذات بهذه الصفة ، بعد أن كان الحاصل موصوفية الذات بصفة أخرى.

__________________

(١) تقدم برقم ٣٨٧.

٤٦٧

المفهوم الرابع : أن تكون زائدة ؛ وأنشدوا : [الوافر]

١٢٧٢ ـ سراة بني أبي بكر تسامى

على كان المسوّمة الجياد (١)

و «العسرة» : اسم من الإعسار ، ومن العسر ، وهو تعذّر الموجود من المال ؛ يقال : أعسر الرجل ، إذا صار إلى حالة العسرة ، وهي الحالة التي يتعسّر فيها وجود المال.

قوله : «فنظرة» الفاء جواب الشرط ، و «نظرة» خبر مبتدأ محذوف ، أي : فالأمر أو فالواجب ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : فعليكم نظرة.

وقرأ العامّة : «نظرة» بزنة «نبقة». وقرأ الحسن (٢) ، ومجاهد ، وأبو رجاء : «فنظرة» بتسكين العين ، وهي لغة تميمية يقولون : «كبد» في «كبد» و «كتف» في «كتف» (٣).

وقرأ عطاء «فناظرة» على فاعلة ، وقد خرّجها أبو إسحاق (٤) على أنها مصدر نحو : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [الواقعة : ٢] (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) [غافر : ١٩] (أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) [القيامة : ٢٥]. وقال الزمخشري : «فناظره ، أي : فصاحب الحقّ ناظره ، أي : منتظره ، أو صاحب نظرته على طريقة النسب ؛ كقولهم : مكان عاشب ، وباقل ؛ بمعنى ذو عشب ، وذو بقل ، وعنه : «فناظره» على الأمر بمعنى : فسامحه بالنظرة ، وباشره بها» فنقله عنه القراءة الأولى يقتضي أن تكون قراءته «ناظر» اسم فاعل مضافا لضمير ذي العسرة ، بخلاف القراءة التي قدمها عن عطاء ، فإنها «ناظرة» بتاء التأنيث ، ولذلك خرّجها الزّجّاج على المصدر. وقرأ (٥) عبد الله : «فناظروه» أمرا للجماعة بالنظرة ، فهذه ستّ قراءات مشهورها واحدة.

وهذه الجملة لفظها خبر ، ومعناها الأمر ؛ كقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) [البقرة : ٢٣٣] وقد تقدّم. والنظرة : من الانتظار ، وهو الصبر والإمهال.

تقول : بعته الشيء بنظرة وبإنظار. قال : (قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) [الأعراف : ١٥] (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر : ٣٨].

__________________

(١) ينظر : الرازي ٧ / ٨٩.

(٢) انظر : الشواذ ١٧ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٧٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٥٤ ونسبها أبو حيان ـ أيضا ـ إلى الضحاك وقتادة.

وانظر : الدر المصون ١ / ٦٦٩ ، وإتحاف ١ / ٤٥٨.

(٣) وقرأ بها مجاهد.

انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٧٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٥٤ ، والدر المصون ١ / ٦٦٩.

(٤) ينظر : معاني القرآن للزجاج ١ / ٣٥٩.

(٥) انظر : السبعة ١٩٢ ، والكشف ١ / ٣١٩ ، والحجة ٢ / ٤١٤ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٣ ، وحجة القراءات ١٤٩ ، وشرح شعلة ٣٠٤ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٣٣ ، والعنوان ٧٦ ، وإتحاف ١ / ٤٥٨.

٤٦٨

قوله : (إِلى مَيْسَرَةٍ) قرأ نافع وحده : «ميسرة» بضمّ السّين ، والباقون بفتحها. والفتح هو المشهور ؛ إذ مفعل ، ومفعلة بالفتح كثير ، ومفعل بالضم ، معدوم ؛ إلا عند الكسائي ، فإنه أورد منه ألفاظا ، وأمّا مفعلة ، فقالوا : قليل جدّا وهي لغة الحجاز ، وقد جاءت منها ألفاظ ، نحو : المسرقة ، والمقبرة ، والمشربة ، والمسربة ، والمقدرة ، والمأدبة ، والمفخرة ، والمزرعة ، ومعربة ، ومكرمة ، ومألكة.

وقد ردّ النحاس (١) الضمّ ؛ تجرؤا منه ، وقال : «لم تأت مفعلة إلّا في حروف معدودة ليس هذه منها ، وأيضا فإنّ الهاء زائدة ، ولم يأت في كلامهم مفعل ألبتة» انتهى.

وقال سيبويه (٢) : «ليس في الكلام مفعل» قال أبو عليّ : «يعني في الآحاد». وقد حكى سيبويه «مهلك» مثلّث اللّام ، وقال الكسائيّ : «مفعل» في الآحاد ، وأورد منه مكرما في قول الشاعر : [الرجز]

١٢٧٣ ـ ليوم روع أو فعال مكرم (٣)

ومعون في قول الآخر ـ هو جميل ـ : [الطويل]

١٢٧٤ ـ بثين ، الزمي «لا» ؛ إنّ «لا» إن لزمته

على كثرة الواشين أيّ معون (٤)

ومألكا في قول عديّ : [الرمل]

١٢٧٥ ـ أبلغ النّعمان عنّي مألكا

أنّه قد طال حبسي وانتظاري (٥)

وهذا لا يرد على سيبويه لوجهين :

أحدهما : أنّ هذا جمع لمكرمة ، ومعونة ، ومألكة ، وإليه ذهب البصريون ، والكوفيون خلا الكسائي ، ونقل عن الفراء أيضا.

والثاني : أن سيبويه لا يعتدّ بالقليل ، فيقول : «لم يرد كذا» وإن كان قد ورد منه الحرف والحرفان ، لعدم اعتداده بالنادر القليل.

__________________

(١) ينظر : إعراب القرآن للنحاس ١ / ٢٩٦.

(٢) ينظر : الكتاب لسيبويه ٢ / ٣٢٨.

(٣) البيت لأبي الأخزر الحماني ينظر الكتاب ٢ / ٣٧٩ ، الخصائص ٣ / ٣١٢ ، معاني الفراء ٢ / ١٥٢ ، الدر المصون ١ / ٦٧٠.

(٤) ينظر : ديوانه ص ٢٠٨ ، وأدب الكاتب ص ٥٨٨ ، ولسان العرب (أكل) ، (كرم) ، (عون) ، (أيا) ، وشرح شواهد الشافية ص ٦٧ ، والخصائص ٣ / ٢١٢ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٦٨ ، والمحتسب ١ / ١٤٤ ، والممتع في التصريف ١ / ٧٩ ، والمنصف ١ / ٣٠٨ ، إصلاح المنطق ص ٢٢٣ ، والدر المصون ١ / ٦٧٠.

(٥) ينظر : ديوانه (٩٣) ، المحتسب ١ / ٤٤ ، حاشية يس ٢ / ٧٩ ، البحر ٢ / ٣٥٥ ، الاشتقاق (٢٦) ، الأغاني ٢ / ٩٤ ، خزانة الأدب ٨ / ٥١٣ ، شواهد المغني ٢ / ٦٥٨ ، الشعر والشعراء ١ / ٢٣٥ ، المنصف ٢ / ١٠٤ ، جمهرة اللغة ص ٩٨٢ ، الممتع في التصريف ١ / ٧٩ ، الدر المصون ١ / ٦٧٠.

٤٦٩

وإذا تقرّر هذا ، فقد خطّأ النحويون مجاهدا ، وعطاء في قراءتهما : «إلى ميسره» بإضافة «ميسر» مضموم السين إلى ضمير الغريم ؛ لأنهم بنوه على أنه ليس في الآحاد مفعل ، ولا ينبغي أن يكون هذا خطأ ؛ لأنه على تقدير تسليم أنّ مفعلا ليس في الآحاد ، فميسر هنا ليس واحدا ، إنما هو جمع ميسرة ، كما قلتم أنتم : إنّ مكرما جمع مكرمة ، ونحوه ، أو يكون قد حذف تاء التأنيث للإضافة ؛ كقوله : [البسيط]

١٢٧٦ ـ إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا

وأخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا (١)

أي : عدة الأمر ؛ ويدلّ على ذلك أنهم نقلوا عنهما ، أنهما قرآ أيضا : «إلى ميسره» بفتح السين ، مضافا لضمير الغريم ، وهذه القراءة نصّ فيما ذكرته لك من حذف تاء التأنيث للإضافة ؛ لتوافق قراءة العامّة : «إلى ميسرة» بتاء التأنيث.

وقد خرّجها أبو البقاء (٢) على وجه آخر ، وهو أن يكون الأصل : «ميسوره» فخفّف بحذف الواو ؛ اكتفاء بدلالة الضمة عليها ، وقد يتأيّد ما ذكره على ضعفه ، بقراءة عبد الله ، فإنه قرأ : إلى «ميسورة» بإضافة «ميسور» للضمير ، وهو مصدر على مفعول ؛ كالمجلود والمعقول ، وهذا إنما يتمشّى على رأي الأخفش ؛ إذ أثبت من المصادر زنة مفعول ، ولم يثبته سيبويه.

«والميسرة» : مفعلة من اليسر ، واليسار الذي هو ضدّ الإعسار ، وهو تيسر الموجود من المال ومنه يقال أيسر الرجل ، فهو موسر ، أي : صار إلى حالة وجود المال فالميسرة ، واليسر ، والميسور : الغنى.

فصل في سبب نزول «وإن كان ذو عسرة»

لما نزل قوله : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) قال بنو عمرو الثّقفي : بل نتوب إلى الله ، فإنه لا طاقة لنا بحرب الله ورسوله ، فرضوا برأس المال ، فشكى بنو المغيرة العسرة ، وقالوا : أخّرونا إلى أن تدرك الغلّات ، فأبوا أن يؤخروا ؛ فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) يعني وإن كان الذي عليه الدّين معسرا ، (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) ، يعني : أنظروه إلى اليسار ، والسّعة.

فصل في بيان حكم الإنظار

اختلفوا في حكم الإنظار : هل هو مختصّ بالربا ، أو عامّ في كل دين؟ فقال ابن عباس ، وشريح ، والضحاك ، والسدي ، وإبراهيم : الآية في الربا ، وذكر عن شريح أنّه أمر

__________________

(١) البيت للفضل بن العباس : ينظر الخصائص ٣ / ١٧١ ، والتصريح ٢ / ٣٩٦ ، والأشموني ٢ / ٢٣٧ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٦ ، الدر المصون ١ / ٦٧٠.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٧.

٤٧٠

بحبس الخصم ، فقيل له : إنه معسر ، فقال شريح إنما ذلك في الربا ، والله تعالى قال في كتابه العزيز (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨].

وقال جماعة منهم مجاهد : إنها عامّة في كل دين (١) ؛ لعموم قوله تعالى : (ذُو عُسْرَةٍ) ولم يقل ذا عسرة.

فصل

والإعسار : هو ألّا يجد في ملكه ما يؤدّيه بعينه ، ولا يكون له ما لو باعه ، لأمكنه أداء الدّين من ثمنه خارجا عن مسكنه وثيابه ، ولا يجوز أن يحبس من لم يجد إلّا قوت يوم لنفسه وعياله ، وما لا بدّ لهم من كسوة لصلاتهم ودفع البرد والحرّ عنهم.

واختلفوا : إذا كان قويّا ، هل يلزمه أن يؤاجر نفسه من صاحب الدّين ، أو غيره؟

فقال بعضهم : يلزمه ذلك ، كما يلزمه إذا احتاج لنفسه ، أو لعياله.

وقال بعضهم : لا يلزمه ذلك ، واختلفوا أيضا إذا بذل للمعسر ما يؤدّي به الدّين ، هل يلزمه قبوله والأداء ، أو لا يلزمه؟ فأما من له بضاعة كسدت عليه فواجب عليه أن يبيعها بالنقصان إن لم يكن إلّا ذلك ، ويؤدّيه في الدّين.

فصل في تحريم حبس المعسر

إذا علم الإنسان أنّ غريمة معسر ـ حرم عليه حبسه ، وأن يطالبه بما له عليه ووجب عليه إنظاره إلى يساره ، فإن ارتاب في إعساره ، جاز له حبسه إلى أن يظهر إعساره ، فإذا ادّعى الإعسار وكذّبه الغريم ، فإن كان الدّين عن عوض ، كالبيع ، والقرض ، فلا بدّ له من إقامة البيّنة على أنّ ذلك العوض قد هلك ، وإن كان الدّين عن غير عوض كالإتلاف ، والصّداق ، والضّمان ؛ فالقول قول المعسر ؛ لأن الأصل الفقر وعلى الغريم إقامة البينة.

فصل

قال المهدويّ (٢) : قال بعض العلماء : هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية من بيع من أعسر.

قال القرطبيّ (٣) : وحكى مكيّ : أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمر به في صدر الإسلام.

قال ابن عطية : فإن ثبت فعل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فهو نسخ ، وإلّا فليس بنسخ.

قال الطّحاوي (٤) : كان الحرّ يباع في الدّين أول الإسلام ، إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه ؛ حتى نسخ الله ذلك بقوله : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ).

__________________

(١) ينظر تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٠.

(٢) ينظر تفسير القرطبي ٣ / ٢٤٠.

(٣) ينظر المصدر السابق.

(٤) ينظر المصدر السابق.

٤٧١

واحتجّوا بما رواه الدّارقطنيّ من حديث مسلم بن خالد الزّنجي ، قال : حدثنا زيد ابن أسلم عن ابن البيلمانيّ ، عن سرّق ، قال : كان لرجل عليّ مال ـ أو قال ـ دين فذهب إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلم يصب لي مالا ، فباعني منه ، أو باعني له ؛ أخرجه البزّار بإسناد طويل ، ومسلم بن خالد الزنجي ، وعبد الرحمن البيلماني لا يحتجّ بهما.

قوله : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) مبتدأ وخبره «خير» وقرأ عاصم (١) : بتخفيف الصاد ، والباقون : بتثقيلها. وأصل القراءتين واحد ؛ إذ الأصل : تتصدّقوا ، فحذف عاصم إحدى التاءين: إمّا الأولى ، وإمّا الثانية ، وتقدّم تحقيق الخلاف فيه ، وغيره أدغم التاء في الصاد ، وبهذا الأصل قرأ عبد الله (٢) : «تتصدّقوا». وحذف مفعول التصدّق للعلم به ، أي : بالإنظار ؛ لقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لا يحلّ دين رجل مسلم ، فيؤخره ؛ إلّا كان له بكلّ يوم صدقة» (٣) وهذا ضعيف ؛ لأن الإنظار ثبت وجوبه بالآية ، فلا بد من حمل هذه الآية على فائدة جديدة ، ولأن قوله (خَيْرٌ لَكُمْ) إنما يليق بالمندوب ، لا بالواجب. وقيل : برأس المال على الغريم ، إذ لا يصحّ التصدق به على غيره ؛ كقوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة : ٢٣٧].

قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جوابه محذوف ، و (أَنْ تَصَدَّقُوا) بتأويل مصدر مبتدأ ، و «خير لكم» خبره.

فصل في تقدير مفعول «تعلمون» ونصب «يوما»

وتقدير مفعول «تعلمون» فيه وجوه :

أحدها : إن كنتم تعلمون أنّ هذا التصدّق خير لكم إن عملتموه.

الثاني : إن كنتم تعلمون فضل التصدّق على الإنظار والقبض.

الثالث : إن كنتم تعلمون أنّ ما يأمركم به ربّكم أصلح لكم.

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٢٨١)

قوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) الآية انتصب قوله «يوما» على المفعول به ، لا على الظرف ؛ لأنه ليس المعنى واتّقوا في هذا اليوم ، لكن المعنى تأهّبوا للقائه ، بما تقدّمون من العمل الصالح ، ومثله : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً)

__________________

(١) انظر : السبعة ١٩٣ ، والكشف ١ / ٣١٩ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٣٤ ، وشرح شعلة ٣٠٤ ، والعنوان ٧٦ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٤ ، وإتحاف ١ / ٤٥٨.

(٢) انظر المحرر الوجيز ١ / ٣٧٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٥٦.

(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٧ / ٩١).

٤٧٢

[المزمل : ١٧] أي : كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا وصفه ، مع الكفر بالله تعالى.

فصل في آخر ما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من القرآن

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هذه آخر آية نزلت على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذلك لأنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما حجّ نزلت (وَيَسْتَفْتُونَكَ) [النساء : ١٧٦] وهي آية الكلالة ثم نزلت ، وهو واقف بعرفة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] ثم نزل (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) فقال جبريل ـ عليه‌السلام ـ يا محمد ضعها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة ، وعاش رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعدها أحدا وثمانين يوما (١) ، وقيل أحدا وعشرين يوما.

وقال ابن جريج : تسع ليال (٢).

وقال سعيد بن جبير : سبع ليال ، وقيل : ثلاث ساعات ، ومات يوم الاثنين ، لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول ، حين زاغت الشمس ، سنة إحدى عشرة من الهجرة (٣).

وقال الشعبي ، عن ابن عباس : آخر آية نزلت على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ آية الرّبا (٤).

قوله تعالى : (تُرْجَعُونَ فِيهِ) : هذه الجملة في محلّ نصب ؛ صفة للظرف. وقرأ أبو عمرو (٥) : «ترجعون» بفتح التاء ؛ مبنيا للفاعل ، والباقون بضمّ التّاء مبنيا للمفعول. وقرأ الحسن (٦) : «يرجعون» بياء الغيبة ؛ على الالتفات. قال ابن جنّي (٧) : «كأنّ الله تعالى رفق بالمؤمنين عن أن يواجههم بذكر الرّجعة ، إذ هي ممّا تتفطّر لها القلوب ، فقال لهم : «واتّقوا» ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة ، فقال : يرجعون».

واعلم أنّ الرجوع لازم ومتعدّ ، وعليه خرّجت القراءتان.

فصل في المراد باليوم

قال القاضي : اليوم : عبارة عن زمان مخصوص ، وذلك لا يتّقى ؛ إنّما يتقى ما يحدث

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٠) والطبراني كما في «المجمع» (٦ / ٣٢٤).

وقال الهيثمي : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٥٣) وزاد نسبته لأبي عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤١) عن ابن جريج.

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٥٣).

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١ / ٢٦٦.

(٥) انظر : السبعة ١٩٣ ، والكشف ١ / ٣١٩ ، والعنوان ٧٦ ، والحجة ٢ / ٤١٧ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٤ ، وحجة القراءات ١٤٩ ، وشرح شعلة ٣٠٤ ، وإتحاف ١ / ٤٥٩.

(٦) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٧٨ ، والبحر المحيط ٢ / ٤٥٦ ، والدر المصون ١ / ٦٧١.

(٧) ينظر : المحتسب لابن جني ١ / ١٤٥.

٤٧٣

فيه من الشّدة ، والأهوال ، واتقاء تلك الأهوال لا يمكن إلّا في دار الدّنيا بمجانبة المعاصي ، وفعل الواجبات ؛ فصار قوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً) يتضمن الأمر بجميع أنواع التكليف.

قال جمهور العلماء : المراد بهذا اليوم المحذّر منه هو يوم القيامة.

وقيل يوم الموت ، قال ابن عطية : والأول أصحّ.

فصل

اعلم أنّ الرجوع إلى الله ليس المراد منه ، ما يتعلق بالمكان والجهة ؛ فإن ذلك محال على الله تعالى ، وليس المراد الرجوع إلى علمه ، وحفظه ؛ فإنه معهم أينما كانوا ، لكن كل ما في القرآن من الرجوع إلى الله ، فله معنيان :

الأول : أن الإنسان له ثلاثة أحوال مرتّبين ، فالأولى : كونهم في بطون أمّهاتهم لا يملكون نفعهم ، ولا ضرّهم ؛ بل المتصرف فيهم ليس إلّا الله تعالى.

والثانية : بعد خروجهم من البطون ، فالمتكفل بإصلاح أحوالهم في أوّل الأمر الأبوان ، ثم بعد ذلك ، يتصرف بعضهم في بعض ، في حكم الظاهر.

الثالثة : بعد الموت وهناك لا يتصرف فيهم إلّا الله تعالى ، فكأنه بعد الخروج عن الدنيا عاد إلى الحالة التي كان عليها قبل الدخول في الدنيا ، فهذا معنى الرجوع إلى الله.

المعنى الثاني : أن المراد يرجعون إلى ما أعدّ الله لهم من ثواب ، وعقاب.

قوله : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) معناه : أنّ المكلف يصل إليه جزاء عمله بالتمام ، كما قال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ، ٨] ، وقال : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء : ٤٧].

وفي تأويل قوله : (ما كَسَبَتْ) وجهان :

أحدهما : فيه حذف تقديره : جزاء ما كسبت.

والثاني : أنّ المكتسب إنّما هو الجزاء في الأصل ، فقوله (ما كَسَبَتْ) معناه : ذلك الجزاء وهذا أولى ؛ لأنه لا يحتاج إلى الإضمار.

قوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) جملة حالية من «كلّ نفس» وجمع اعتبارا بالمعنى ، وأعاد الضمير عليها أولا مفردا في «كسبت» اعتبارا باللفظ ، وقدّم اعتبار اللفظ ؛ لأنه الأصل ، ولأنّ اعتبار المعنى وقع رأس فاصلة ؛ فكان تأخيره أحسن.

قال أبو البقاء (١) : ويجوز أن يكون حالا من الضمير في : «يرجعون» على القراءة بالياء ، ويجوز أن يكون حالا منه ـ أيضا ـ على القراءة بالتاء ، على أنّه خروج من

__________________

(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٨.

٤٧٤

الخطاب إلى الغيبة ؛ كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] ، قال شهاب الدين : ولا ضرورة تدعو إلى ذلك.

فإن قيل : لما قال (تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) فهم منه عدم الظلم ، فيكون قوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) من باب التكرير.

فالجواب : أنه تعالى لما قال (تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) دلّ على إيصال العذاب إلى الكفار والفسّاق ، فكان لقائل أن يقول : كيف يليق بأكرم الأكرمين تعذيب عبيده؟ فأجاب بقوله (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) والمعنى : أن العبد هو الذي ورط نفسه ؛ لأن الله تعالى مكّنه ، وأزاح عذره ، فهو الذي أساء إلى نفسه.

وهذا الجواب إنّما يستقيم على أصول المعتزلة ، وأمّا على أصولنا ، فالله سبحانه مالك الخلق ، يتصرف في ملكه كيف شاء ، وأراد ؛ فلا يكون ظلما.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢٨٢)

في كيفية النظم وجهان :

الأول : أنّ تعالى لمّا ذكر الإنفاق في سبيل الله ، وهو يوجب تنقيص المال ، وذكر الرّبا ، وهو ـ أيضا ـ سبب تنقيص المال ، وختم هذين الحكمين بالتهديد بقوله (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) والتقوى تسدّ على الإنسان أكثر أبواب المكاسب ، والمنافع ـ أتبع ذلك بأن ندبه إلى كيفية حفظ المال الحلال ، وصونه عن الفساد ، فإن القدرة على الإنفاق في سبيل الله ، وعلى ترك الرّبا ، وعلى ملازمة التقوى ، لا يتم إلّا عند حصول المال ؛ فلأجل هذا بالغ في الوصيّة بحفظ المال ، ونظيره (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) [النساء : ٥] فحثّ على الاحتياط في أمر الأموال ؛ لكونها سببا لمصالح المعاش والمعاد.

٤٧٥

قال القفّال (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ ويدلّ على ذلك : أنّ ألفاظ القرآن جارية في الأكثر على الاختصار ، وفي هذه الآية بسط شديد ؛ ألّا ترى أنّه قال تعالى (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) ، ثم قال ثانيا : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) ، ثم قال ثالثا : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ، فكان هذا كالتّكرار لقوله : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) ؛ لأنّ العدل هو ما علّمه الله ، ثم قال رابعا : «فليكتب» وهذا إعادة للأمر الأول ؛ ثم قال خامسا : «فليملل (الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) وفي قوله : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) كفاية عن قوله : «فليملل (الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) ؛ لأنّ الكاتب بالعدل إنّما يكتب ما يملّ عليه ، ثم قال سادسا : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) ، وهذا تأكيد ، ثم قال سابعا : (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) ، وهذا كالمستفاد من قوله : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) ، ثم قال ثامنا : «ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله» ، وهو أيضا تأكيد لما مضى ، ثم قال تاسعا : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ، وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) ، فذكر هذه الفوائد الثلاثة لتلك التّأكيدات السّالفة (٢) ، وكلّ ذلك يدلّ على المبالغة في التّوصية بحفظ المال الحلال ، وصونه عن الهلاك ؛ ليتمكن الإنسان بواسطته من الإنفاق في سبيل الله ، والإعراض عن مساخط الله : من الرّبا ، وغيره ، والمواظبة على تقوى الله.

الوجه الثاني : قال بعض المفسرين (٣) : إنّ المراد بهذه المداينة «السّلم» فإن الله تبارك وتعالى لما منع من الرّبا في الآية المتقدّمة ؛ أذن في السّلم في هذه الآية ، مع أنّ جميع المنافع المطلوبة من الرّبا حاصلة في السّلم ، وبهذا قال بعض العلماء : لا لذّة ، ولا منفعة يوصل إليها بالطّريق الحرام ، إلا والله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سبحانه وتعالى ـ وضع لتحصيل تلك اللّذّة طريقا حلالا ، وسبيلا مشروعا.

فصل

قال سعيد بن المسيّب : بلغني أنّ أحدث القرآن بالعرش آية الدّين (٤).

التداين تفاعل من الدّين كتبايع من البيع ، ومعناه : داين بعضكم بعضا ، وتداينتم : تبايعتم بدين.

يقال : داينت الرجل أي : عاملته بدين ، وسواء كنت معطيا ، أم آخذا ؛ قال رؤبة : [الرجز]

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٤.

(٢) في ب : السابقة.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٤.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٦) عن سعيد بن المسيب وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٥٤) وعزاه للطبري.

٤٧٦

١٢٧٧ ـ داينت أروى والدّيون تقضى

فمطلت بعضا وأدّت بعضا (١)

ويقال : دنت الرجل : إذا بعته بدين ، وأدنته أنا : أخذت منه بدين ففرّقوا بين فعل وأفعل.

قال ابن الخطيب (٢) : قال أهل اللغة القرض غير الدين ؛ لأنّ القرض أن يقرض الرجل الإنسان دراهم أو دنانير أو حبا أو تمرا وما أشبه ذلك ، ولا يجوز فيه الأجل ، والدّين يجوز فيه الأجل ويقال من الدّين : ادّان إذا باع سلعته بثمن إلى أجل ، ودان يدين إذا أقرض ودان إذا استقرض ؛ وأنشد الأحمر : [الطويل]

١٢٧٨ ـ ندين ويقضي الله عنّا وقد نرى

مصارع قوم لا يدينون ضيّع (٣)

فصل في بيان إباحة السلف

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لما حرم الله تعالى الرّبا ؛ أباح السّلف ، وقال : أشهد أن السّلف المضمون إلى أجل مسمّى ، قد أحلّه الله في كتابه ، وأذن فيه ثمّ قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)(٤).

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : نزلت في السّلف ؛ لأنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قدم المدينة وهم يسلفون الثّمار السّنتين ، والثّلاث ؛ فقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من أسلف ؛ فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم» (٥).

وقال آخرون : المراد القرض ، وهو ضعيف ؛ لأن القرض لا يشترط فيه الأجل والآية فيها اشتراط الأجل ، وقال أكثر المفسّرين البياعات على أربعة أوجه :

أحدها : بيع العين بالعين ، وذلك ليس بمداينة ألبتة.

والثاني : بيع الدّين بالدّين ، وهو باطل ، فلا يدخل تحت الآية. بقي قسمان ، وهما بيع العين بالدّين ، وهو بيع الشّي بثمن مؤجّل ، وبيع الدّين بالعين ، وهو المسمّى ب «السّلم» وكلاهما داخلان تحت هذه الآية الكريمة.

__________________

(١) ينظر : ديوانه (٧٩) ، الكتاب ٢ / ٣٠٠ ، الخصائص ٢ / ٩٦ ، البحر ٢ / ٣٥٧ ، الدر المصون ١ / ٦٧٢.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٤.

(٣) البيت للعجير السلولي. ينظر : اللسان (دين) ، الرازي ٧ / ٩٤.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٥) وعبد الرزاق (٤ / ٢٥٢) والشافعي في «الأم» (٣ / ٨٠ ـ ٨١) والحاكم في «المستدرك» (٢ / ٢٨٦) والبيهقي (٦ / ١٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٥٤) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني.

(٥) أخرجه البخاري (٣ / ١٧٥) كتاب السلم باب السلم في وزن معلوم رقم (٢٢٤٠) ومسلم (٥ / ٥٥) وأبو داود (٣٤٦٣) والنسائي (٢ / ٢٢٦) والترمذي (١ / ٢٤٦) والشافعي (١٣١٢) وابن ماجه (٢٢٨٠) وابن الجارود (٦١٤ ، ٦١٥) وأحمد (١ / ٢١٧ ، ٢٢٢ ، ٢٨٢ ، ٣٥٨) عن ابن عباس.

٤٧٧

فإن قيل : المداينة : مفاعلة ، وحقيقتها أن يحصل من كلّ واحد منهما دين ، وذلك هو بيع الدّين بالدّين ، وهو باطل بالاتفاق.

فالجواب : أنّ المراد من «تداينتم» : تعاملتم ، والتّقدير تعاملتم بما فيه دين.

فإن قيل : قوله «تداينتم» يدلّ على الدّين ، فما الفائد في قوله : «بدين».

فالجواب من وجوه :

أحدها : قال ابن الأنباريّ (١) : التّداين يكون لمعنيين :

أحدهما : التّداين بالمال ؛ والتّداين بمعنى المجازاة من قولهم : «كما تدين تدان» (٢) فذكر الدين لتخصيص أحد المعنيين.

الثاني : قال الزّمخشريّ : وإنّما ذكر الدّين ؛ ليرجع الضمير إليه في قوله تبارك وتعالى «فاكتبوه» إذ لو لم يذكر (٣) ، لوجب أن يقال : فاكتبوا الدّين.

الثالث : ذكره ليدلّ به على العموم ، أي : أي دين كان من قليل ، أو كثير من قرض ، أو سلم ، أو بيع دين إلى أجل.

الرابع : أنّه تبارك وتعالى ذكره للتّأكيد كقوله تبارك وتعالى (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠] وقوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨].

الخامس : قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : إنّ المداينة مفاعلة ، وهي تتناول بيع الدّين بالدّين وهو باطل ، فلو قال إذا تداينتم لبقي النص مقصورا على بيع الدين بالدين وهو باطل فلما (٥) قال : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) كان المعنى : إذا تداينتم تداينا يحصل فيه دين واحد وحينئذ يخرج عن بيع الدّين بالدين ، ويبقى بيع العين بالدّين أو بيع الدّين بالعين ، فإن الحاصل في كلّ واحد منهما دين واحد لا غير.

فإن قيل : إن كلمة «إذا» لا تفيد العموم ، والمراد من الآية العموم ؛ لأن المعنى كلّما تداينتم بدين فاكتبوه فلم عدل عن كلما وقال : (إِذا تَدايَنْتُمْ).

فالجواب : أنّ كلمة «إذا» ، وإن كانت لا تقتضي العموم إلا أنّها لا تمنع من

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٥.

(٢) علقه البخاري في صحيحه (٨ / ٦) وقال الحافظ في «الفتح» : وقد ورد هذا في حديث مرفوع أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهذا وهو مرسل رجاله ثقات ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضا عن أبي قلابة عن أبي الدرداء موقوفا وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء وله شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه.

(٣) في ب : يوجب.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٥.

(٥) في ب : فلو

٤٧٨

العموم ، وها هنا قام الدّليل على أنّ المراد هو العموم ؛ لأنه تعالى بين العلّة في الأمر بالكتابة في آخر الآية ، وهي قوله تعالى : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ ، وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) والمعنى إذا وقعت المعاملة بالدّين ، ولم يكتب فالظّاهر أنه تنسى الكيفيّة فربّما توهم الزّيادة ، فطلب الزّيادة ظلما ، وربّما توهم النّقصان ، فترك حقّه من غير حمد ولا أجر ، فأمّا إذا كتب كيفيّة الواقعة أمن من هذه المحذورات ، فلمّا دلّ النّصّ على أن هذا هو العلّة ، وهي قائمة في الكلّ كان الحكم أيضا حاصلا في الكلّ.

قوله تعالى : «إلى أجل» : متعلّق بتداينتم ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنه صفة لدين ، و «مسمّى» صفة لدين ، فيكون قد قدّم الصفة المؤولة على الصّريحة ، وهو ضعيف ، فكان الوجه الأول أوجه.

والأجل : في اللغة هو الوقت المضروب لانقضاء الأمد ، وأجل الإنسان هو الوقت لانقضاء عمره ، وأجل الدّين لوقت معيّن في المستقبل ، وأصله من التّأخير يقال : أجل الشّيء بأجل أجولا إذا تأخّر ، والآجل : نقيض العاجل.

فإن قيل : المداينة لا تكون إلا مؤجلة ، فما فائدة ذكر الأجل بعد ذكر المداينة؟

فالجواب : إنّما ذكر الأجل ليمكنه أن يصفه بقوله «مسمّى» والفائدة في قوله «مسمّى» ليعلم أنّ من حقّ الأجل أن يكون [معلوما] كالتّوقيت بالسّنة ، والأشهر ، والأيّام ، فلو قال إلى الحصاد ، أو إلى الدياس ، أو إلى رجوع قدوم الحاج ؛ لم يجز لعدم التّسمية.

وألف «مسمّى» منقلبة عن ياء ، تلك الياء منقلبة عن واو ؛ لأنه من التّسمية ، وقد تقدّم أنّ المادّة من سما يسمو.

فصل

والأجل يلزم في الثّمن في البيع ، وفي السّلم بحيث لا يكون لصاحب الحقّ الطلب قبل محله ، وفي القرض ، لا يلزم الأجل عن أكثر أهل العلم.

قال القرطبي (١) : شروط السّلم تسعة ، ستّة في المسلم فيه ، وثلاثة في رأس مال السّلم.

أمّا السّتّة التي في المسلم فيه فأن يكون في الذّمّة (٢) ، وأن يكون موصوفا (٣) ، وأن يكون الأجل معلوما ، وأن يكون مؤجّلا ، وأن يكون عام الوجود عند الأجل ، وأمّا الثلاثة

__________________

(١) ينظر : القرطبي ٣ / ٢٤٥.

(٢) وقولهم : في الذمة : معنى الذمة في اللغة : العهد ، وعن الفقهاء : هي وصف شرعي يصير به الإنسان أهلا للإلزام والالتزام ، وهذا الوصف هو السبب في صحّة تكليف الشخص بالحقوق له أو عليه.

(٣) وقولهم : موصوف : المراد به : أن يكون السلم فيه مبينة أوصافه التي يختلف بها الثمن عادة ، بحيث تنفى عنه الجهالة الفاحشة المؤدية للمنازعة.

٤٧٩

التي في رأس مال السلم ، فأن يكون معلوم الجنس ، معلوم المقدار ، وأن يكون نقدا.

قوله : «فاكتبوه» الضّمير يعود على «بدين».

فصل

أمر الله تعالى في المداينة بأمرين :

أحدهما : الكتابة بقوله «فاكتبوه».

الثاني : الإشهاد. بقوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ، وفائدة الكتابة والإشهاد أنّ دخول الأجل تتأخّر فيه المطالبة ، ويتخلّله النّسيان (١) ويدخله الجحد ، فالكتابة سبب لحفظ المال من الجانبين ، لأنّ صاحب الدّين إذا علم أنّ حقّه مقيّد بالكتابة ، والإشهاد تحذر من طلب زيادة ، ومن تقديم المطالبة قبل حلول الأجل ، والمديون يحذر من الجحد ، ويأخذ قبل حلول الدّين في تحصيل المال ليتمكن من أدائه وقت الحلول.

فصل

القائلون بأن ظاهر الأمر النّدب ، لا إشكال عليهم ، واختلف القائلون بأن ظاهر الأمر الوجوب ، فقال عطاء ، وابن جريج والنّخعي بوجوب الكتابة (٢) ، وهو اختيار محمد بن جرير الطّبري ، قال النّخعي : يشهد ، ولو على دستجة بقل (٣).

وقال جمهور الفقهاء : هذا أمر ندب ؛ لأنّا نرى جمهور المسلمين في جميع ديار المسلمين يبيعون بالأثمان المؤجّلة من غير كتابة ، ولا إشهاد ، وذلك إجماع على عدم وجوبها ، ولأنّ في إيجابها حرج شديد ، ومشقّة عظيمة. وقال تعالى : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨].

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت بالحنيفيّة السّهلة السّمحة» (٤).

وقال الحسن ، والشّعبيّ ، والحكم بن عتيبة : كانا واجبين ثمّ نسخا بقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ)(٥) [البقرة : ٢٨٣].

وقال التيمي : سألت الحسن عنها فقال : إن شاء أشهد ، وإن شاء لم يشهد ، ألا تسمع قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [البقرة : ٢٨٣].

__________________

(١) في ب : الإنسان.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٧) عن ابن جريج.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٩٦.

(٤) أخرجه أحمد (٥ / ٢٦٦) وابن سعد (١ / ١ / ١٢٨) والخطيب في «تاريخ بغداد» (٧ / ٢٠٩) وانظر تفسير القرطبي (١٩ / ٣٩).

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٨ ـ ٤٩ ـ ٥٠٠) عن الشعبي والحسن.

٤٨٠