اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

١٢٤٧ ـ وصمّ صلاب ما يقين من الوجى

كأنّ مكان الرّدف منه على رال (١)

أي : ليس بهن وجى ، فيشتكين من أجله ؛ وقال الأعشى : [البسيط]

١٢٤٨ ـ لا يغمز السّاق من أين ولا وصب

ولا يعضّ على شرسوفه الصّفر (٢)

معناه : ليس بساقه أين ، ولا وصب ؛ فيغمزها.

وقال الفراء (٣) قريبا منه ، فإنه قال : «نفى الإلحاف عنهم ، وهو يريد جميع وجوه السؤال ؛ كما تقول في الكلام : «قلّ ما رأيت مثل هذا الرجل» ولعلك لم تر قليلا ، ولا كثيرا من أشباهه».

وجعل أبو بكر الآية الكريمة عند بعضهم من باب حذف المعطوف ، وأن التقدير : لا يسألون الناس إلحافا ، ولا غير إلحاف ، كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] ، أي : والبرد.

وقال بعضهم (٤) : إنّ السائل الملحف الملح ، هو الذي يستخرج المال بكثرة تلطّفه ، فقوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) أي : لا يسألون الناس بالرّفق ، والتّلطّف ، وإذا لم يوجد السؤال على هذا الوجه ، فبأن لا يوجد على وجه العنف أولى.

وذكر ابن الخطيب ـ رحمه‌الله ـ فيها ثلاثة أوجه أخر :

أحدها : أنه ليس المقصود من قوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) وصفهم بأنهم لا يسألون الناس إلحافا ؛ لأنه تعالى وصفهم قبل ذلك بالتعفّف ، وإذا علم أنهم لا يسألون ألبتة ، قد علم ـ أيضا ـ أنهم لا يسألون الناس إلحافا ، بل المراد التّنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافا ، مثاله : إذا حضر عندك رجلان : أحدهما عاقل ، وقور ثابت ، والآخر طيّاش مهذار سفيه ، فإذا أردت أن تمدح أحدهما ، وتعرض بالآخر ، قلت : فلان ، رجل عاقل وقور قليل الكلام ، لا يخوض في الترّهات ، ولا يشرع في السفاهات ، ولم يكن غرضك من قولك : لا يخوض في التّرّهات ، والسفاهات ، وصفه بذلك ؛ لأن ما تقدم من الأوصاف الحسنة يغني عن ذلك ؛ بل غرضك التنبيه على مذمّة الثاني ؛ فكذا هاهنا قوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) بعد قوله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) الغرض منه التنبيه على مذمّة من يسأل الناس إلحافا.

وثانيها : أنه تعالى بيّن فيما تقدّم شدّة حاجة هؤلاء الفقراء ومن اشتدت حاجته ، فإنه لا يمكنه ترك السؤال ؛ إلّا بإلحاح شديد منه على نفسه ، فقوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً)

__________________

(١) ينظر : ديوانه (٣٦) ، الدر المصون ١ / ٦٥٨.

(٢) ينظر : مفردات الراغب (٣٠١) ، الدر المصون ١ / ٦٥٩.

(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٨١.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٧٢.

٤٤١

أي : لا يسألون الناس ، وإنّما أمكنهم ترك السؤال عندما ألحّوا على النفس ، ومنعوها بالتكليف الشّديد عن ذلك السؤال ، ومنه قول عمر بن الخطّاب : [الوافر]

١٢٤٩ ـ ولي نفس أقول لها إذا ما

تنازعني : لعلّي أو عساني (١)

وثالثها : أنّ من أظهر من نفسه آثار الفقر ، والمذلّة ، والمسكنة ؛ ثم سكت عن السؤال ، فكأنّه أتى بالسؤال الملحّ الملحف ؛ لأن ظهور أمارات الحاجة ، تدلّ على الحاجة ، وسكوته يدل على أنه ليس عنده ما يدفع تلك الحاجة ، ومتى تصوّر الإنسان من غيره ذلك ، رقّ له قلبه جدّا ، وصار حاملا له على أن يدفع إليه شيئا ، فكان إظهار هذه الحالة هو السؤال على سبيل الإلحاف ، فقوله : (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) معناه : أنهم سكتوا عن السؤال ، لكنّهم لا يضمّون إلى ذلك السكوت من رثاثة الحال ، وإظهار الانكسار ما يقوم مقام السؤال على سبيل الإلحاف ، بل يزيّنون أنفسهم عند الناس ، ويتجملون عند الخلق ، ويجعلون فقرهم وحاجتهم بحيث لا يطلع عليها إلّا الخالق.

فصل

قال ابن عبد البرّ (٢) : من أحسن ما روي من أجوبة الفقهاء في معاني السّؤال وكراهيته ومذهب أهل الورع فيه. ما حكاه الأثرم عن أحمد بن حنبل ، وقد سئل عن المسألة ، متى تحل؟ قال : إذا لم يكن عنده ما يغدّيه ويعشيه ، قيل لأبي عبد الله : فإن اضطرّ إلى المسألة؟ قال : هي مباحة إذا اضطر.

قيل له : فإن تعفّف؟ قال : ذلك خير له ، وقال : ما أظن أنّ أحدا يموت من الجوع ؛ الله يأتيه برزقه ، ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدريّ : «من استعفف أعفّه الله».

قال أبو بكر : وسمعته يسأل عن الرجل الذي لا يجد شيئا ؛ أيسأل الناس ، أم يأكل الميتة؟ فقال : أيأكل الميتة ، وهو يجد من يسأله؟ هذا شنيع.

قال القرطبيّ (٣) : فإن جاءه شيء من غير سؤال ، فله أن يقبله ولا يرده ؛ إذ هو رزق رزقه الله ، لما روي أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أرسل إلى عمر بن الخطّاب بعطاء ، فردّه ؛ فقال له رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لم رددته؟» فقال : يا رسول الله ، أليس أخبرتنا أنّ خيرا لأحدنا ألّا يأخذ شيئا؟ فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنّما ذاك عن المسألة ، فأمّا ما كان من غير مسألة ،

__________________

(١) ينظر تذكرة النحاة ص ٤٤٠ ، خزانة الأدب ٥ / ٣٣٧ ، ٣٤٩ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢٤ ، شرح التصريح ١ / ٢١٣ ، شرح المفصل ٢ / ١٢٠ ، ٧ / ١٢٣ ، الكتاب ٢ / ٣٧٥ ، المقاصد النحوية ٢ / ٢٢٩ ، أوضح المسالك ١ / ٣٣٠ ، الجنى الداني ص ٤٦٦ ، الخزانة ٥ / ٣٦٣ ، الخصائص ٣ / ٥ ، رصف المباني ص ٢٤٩ ، شرح المفصل ٣ / ١٠ ، ١١٨ ، المقتضب ٣ / ٧٢ ، المقرب ١ / ١٠١.

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٢٣.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٢٣.

٤٤٢

فإنّما هو رزق رزقكه الله». فقال عمر بن الخطّاب : «والّذي نفسي بيده ، لا أسأل شيئا ، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلّا أخذته» (١).

والإلحاف ، والإلحاح ، واللّجاج ، والإحفاء ، كلّه بمعنى ، يقال : ألحف ، وألحّ في المسألة : إذا لجّ فيها.

وفي الحديث : «من سأل وله أربعون ، فقد ألحف» (٢) ، واشتقاقه من اللّحاف ؛ لأنه يشتمل الناس بمسألته ، ويعمّهم ؛ كما يشتمل اللّحاف من تحته ويغطّيه ؛ ومنه قول ابن أحمر يصف ذكر نعام ، يحضن بيضه بجناحيه ، ويجعل جناحه لها كاللّحاف : [الوافر]

١٢٥٠ ـ يظلّ يحفّهنّ بقفقفيه

ويلحفهنّ هفهافا ثخينا (٣)

وقال آخر في المعنى : [الرمل]

١٢٥١ ـ ثمّ راحوا عبق المسك بهم

يلحفون الأرض هدّاب الأزر (٤)

أي : يلبسونها الأرض ، كإلباس اللّحاف للشيء. وقيل : بل اشتقاق اللفظة من «لحف الجبل» وهو المكان الخشن ، ومجازه أنّ السائل لكثرة سؤاله كأنه استعمل الخشونة في مسألته ، وقيل : بل هي من «لحفني فلان» ، أي : أعطاني فضل ما عنده ، وهو قريب من معنى الأوّل.

قوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) هو نظير قوله (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) ، وليس بتكرار ؛ لأنه لمّا قال في الآية الأولى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ

__________________

(١) أخرجه بهذا اللفظ أبو يعلى (١ / ١٥٦) رقم (١٦٧) وابن أبي شيبة (٦ / ٥٥٣) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣ / ١٠٠) وقال : هو في الصحيح باختصار ورواه أبو يعلى ورجاله موثقون.

والذي في الصحيح أخرجه البخاري كتاب الزكاة باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة (١٤٧٣) وكتاب الأحكام باب رزق الحاكم والعاملين عليها (٧١٦٤) ومسلم (١٠٤٥) والنسائي (٥ / ١٠٥) والدارمي (١ / ٣٨٨) والبيهقي (٦ / ١٨٤) عن عمر قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطيني العطاء فأقول : أعطه من هو أفقر مني فقال : خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك» واللفظ للبخاري.

(٢) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في «الكبير» (٣ / ١٥٩) والبيهقي (٧ / ٢٤) وأبو نعيم في «الحلية (١ / ١٦١) عن أبي ذر.

وذكره الهيثمي في «المجمع» (٩ / ٣٣١) وقال : ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس وهو ثقة.

وأخرجه النسائي (٥ / ٩٨) وابن خزيمة (٢٤٤٨) عن ابن عمرو مرفوعا بلفظ : من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف.

(٣) البيت لعمرو بن أحمر : ينظر البحر ٢ / ٣٢٩ ، الأزهري ٥ / ٣٧٧ ، ٨ / ٢٩٧ ، الدر المصون ١ / ٦٥٩.

(٤) البيت لطرفة بن العبد : ينظر ديوانه (٦٥) ، الأشموني ٢ / ١٩٠ ، جمهرة اللغة ص (٥٥٥) ، المقاصد النحوية ٣ / ٢٠٨ ، عمدة الحافظ ص ٤٥٦ ، اللسان : لحف ، الدر المصون ١ / ٦٥٩.

٤٤٣

خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) فهم منه التوفية من غير بخس ، ولا نقصان ، وذلك لا يمكن إلّا بالعلم بمقدار العمل ، وكيفية جهاته المؤثرة في استحقاق الثواب.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢٧٤)

قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) : مبتدأ ، وخبره الجملة من قوله (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ودخلت الفاء ؛ لما تضمّنه الموصول من معنى الشرط. وقال ابن عطية رحمه‌الله : «وإنما يوجد الشّبه ـ يعني بين الموصول ، واسم الشرط ـ إذا كان الموصول موصولا بفعل ، وإذا لم يدخل على الموصول عامل يغيّر معناه». قال أبو حيّان (١) ـ رحمه‌الله ـ : «فحصر الشّبه فيما إذا كان «الّذي» موصولا بفعل ، وهذا كلام غير محرّر ، أمّا قوله : «الّذي» فلا يختصّ ذلك ب «الذي» ، بل كلّ ما كان موصولا غير الألف واللام ، حكمه حكم الذي» بلا خلاف ، وفي الألف واللام خلاف ، ومذهب سيبويه (٢) المنع من دخول الفاء.

الثاني : قوله «موصولا بفعل» فأطلق الفعل واقتصر عليه ، وليس كذلك ، بل شرط الفعل أن يصلح لمباشرة أداة الشرط ، فلو قلت : الذي سيأتيني ، أو لمّا يأتيني ، أو ما يأتيني ، أو ليس يأتيني ـ فله درهم ـ لم يجز شيء من ذلك ؛ لأنّ أداة الشرط لا يصلح أن تدخل على شيء من ذلك ، وأمّا الاقتصار على الفعل ، فليس كذلك ؛ بل الظرف والجارّ والمجرور في الوصل كذلك ، متى كان شيء منهما صلة لموصول ، جاز دخول الفاء.

وقوله : «وإذا لم يدخل على «الّذي» عامل يغيّر معناه» عبارة غير ملخّصة ؛ لأن العامل لا يغيّر معنى الموصول ، إنما يغيّر معنى الابتداء ، بأن يصيّره تمنّيا ، أو ترجّيا ، أو ظنا ، نحو : لعل الذي يأتضيني ، أو ليت الذي يأتيني ، أو ظننت الذي يأتيني ـ فله درهم ، لا يجوز دخول الفاء لتغيّر معنى الابتداء.

وكان ينبغي له ـ أيضا ـ أن يقول : «بشرط أن يكون الخبر مستحقا بالصلة ؛ كالآية الكريمة ؛ لأنّ ترتّب الأجر إنما هو على الإنفاق».

وقول الشيخ أيضا : «بل كلّ موصول» ليس الحكم ـ أيضا ـ مقتصرا على كلّ موصول ، بل كلّ نكرة موصوفة بما يجوز أن يكون صلة مجوّزة لدخول الفاء ، أو ما أضيف إلى تلك النكرة ، أو إلى ذلك الموصول ، أو الموصوف بالموصول ـ حكمه كذلك. وقد تقدمت المسألة.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٧٢ ـ ٧٣.

٤٤٤

فصل في بيان سبب النّزول

في سبب النزول وجوه :

الأول : لما نزل قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، بعث عبد الرّحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصّفة ، وبعث عليّ ـ كرم الله وجهه ـ بوسق تمر ليلا ؛ فكان أحبّ الصّدقتين إلى الله تعالى ، صدقه عليّ ؛ فنزلت الآية.

وقدّم الله تعالى ذكر الليل ؛ ليعرف أنّ صدقة اللّيل كانت أكمل ، رواه الضّحّاك ، عن ابن عبّاس (١).

الثاني : روى مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : نزلت هذه الآية في عليّ ـ رضي الله عنه ـ كان عنده أربعة دراهم ، لا يملك غيرها ، فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا ، وبدرهم سرّا وبدرهم علانية ؛ فقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «ما حملك على هذا؟» فقال : أن أستوجب ما وعدني ربّي ، فقال : «لك ذلك» (٢).

الثالث : قال الزّمخشريّ نزلن في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حين تصدّق بأربعين ألف دينار : عشرة باللّيل ، وعشرة بالنهار ، وعشرة في السّرّ ، وعشرة في العلانية.

الرابع : قال أبو أمامة ، وأبو الدّرداء ، ومكحول ، والأوزاعي : نزلت هذه الآية الكريمة في الذين يربطون الخيل للجهاد ؛ فإنها تعتلف ليلا ونهارا ، وسرا وعلانية ، فكان أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ إذا مرّ بفرس سمين ، قرأ هذه الآية (٣).

وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا ، وتصديقا بوعده ، فإنّ شبعه وريّه وروثه ، وبوله في ميزانه يوم القيامة» (٤).

__________________

(١) انظر : تفسير الفخر الرازي (٧ / ٧٣) و «البحر المحيط» (٢ / ٣٣٤) لأبي حيان.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٩٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٤٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس وانظر غرائب النيسابوري (٣ / ٧٤) وأسباب النزول للواحدي (٦٤) وفتح القدير (١ / ٢٩٤).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٩٦) عن أبي الدرداء وأخرجه ابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٤١) وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والواحدي من طريق حنش الصنعاني عن ابن عباس كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٤١).

وانظر تفسير ابن كثير (١ / ٤٨٢) والقرطبي (٣ / ٢٢٤).

(٤) أخرجه البخاري (٤ / ٩٠) كتاب الجهاد والسير باب الجهاد ماض ـ الخ رقم (٢٨٥٣) والنسائي (٦ / ٢٢٥) وأحمد (٢ / ٣٧٤) والحاكم (٢ / ٩٢) والبغوي في «تفسيره» (١ / ٢٩٦) وفي «شرح السنة» (١٠ / ٣٨٨) والبيهقي (١٠ / ١٦) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٣ / ٢٧٤).

٤٤٥

الخامس : أن الآية الكريمة عامة في الذين يعمون الأوقات ، والأحوال بالصدقة ، تحريضا لهم على الخير.

وفي الآية إشارة إلى أن صدقة السّرّ أفضل ؛ لأنه قدم اللّيل على النهار ، والسر على العلانية في الذكر ، وتقدم نظير هذه الآية ؛ ومدلولها ، وهو مشروط عند الكل بألّا يحصل عقيبه الكفر ، وعند المعتزلة ألّا يحصل عقيبه كبيرة محبطة.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢٧٥)

«الرّبا» في اللّغة (١) : عبارة عن الزّيادة ؛ يقال ربا الشيء يربو ربوا ، ومنه قوله : (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [الحج : ٥] ، أي : زادت ، وأربى الرّجل : إذا عامل في الربا ، ومنه الحديث «من أجبى فقد أربى» ، أي : عامل بالرّبا ، والإجباء : بيع الزرع قبل أن يبدو صلاحه(٢).

والمادة تدلّ على الزيادة والارتفاع ، ومنه الرّبوة. وقال حاتم الطائيّ يصف رمحا : [الطويل]

١٢٥٢ ـ وأسمر خطّيّا كأنّ كعوبه

نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر (٣)

والرّبا : لامه واو ؛ لقولهم : ربا يربو ؛ فلذلك يثنّى بالواو ، ويكتب بالألف. وجوّز الكوفيّون تثنيته بالياء ، وكذلك كتابته ، قالوا : لكسر أوّله ، ولذلك أمالوه ، وليس هذا مختصّا بمكسور الأول ، بل الثّلاثيّ من ذوات الواو ، المكسور الأول ، أو المضمومة ؛ نحو : «ربا» ، و «علا» حكمه ما ذكرته عنهم ، فأمّا المفتوح الأول نحو : عصا ، وقفا ، فلم يخالفوا البصريين ، وكتب في القرآن بخطّ الصحابة بواو بعدها ألف.

وقيل : إنما بالواو ؛ لأنّ أهل الحجاز تعلّموا الخطّ من أهل الحيرة ، وأهل الحيرة يقولون : «الرّبوا» بالواو ، فكتبوها كذلك ، ونقلها أهل الحجاز كذلك ؛ خطّا لا لفظا.

قرأ العدويّ : «الرّبو» كذلك بواو خالصة بعد فتحة الباء (٤). فقيل : هذا القارئ أجرى الوصل مجرى الوقف ، وذلك أنّ من العرب من يقلب ألف المقصور واوا ؛ فيقول : هذه أفعو ، وهذا من ذاك ، إلّا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.

__________________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : ديوانه (٨٠) ، الدر المصون ١ / ٦٦٠.

(٤) انظر : الشواذ ١٧ ، والبحر المحيط ، ٢ / ٣٤٦ ، والدر المصون ١ / ٦٦٠.

٤٤٦

وقد حكى أبو زيد ما هو أغرب من ذلك ، فقال : «قرأ بعضهم (١) بكسر الراء ، وضمّ الباء ، وواو بعدها» ، ونسب هذه للغلط ؛ وذلك لأنّ لسان العرب لا يبقي واوا بعد ضمة في الأسماء المعربة ، بل إذا وجد ذلك ، لم يقرّ على حاله ، بل تقلب الضّمّة كسرة ، والواو ياء ، نحو : دلو وأدل ، وجرو وأجر ؛ وأنشد أبو عليّ : [البسيط]

١٢٥٣ ـ ليث هزبر مدلّ عند خيسته

بالرّقمتين له أجر وأعراس (٢)

ونهاية ما قيل فيها : أنّ قارئها قلب الألف واوا ؛ كقولهم في الوقف : أفعو ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف في ذلك ، قيل : ولم يضبط الرّاوي عنه ما سمع ؛ فظنّه بضمّ الباء ؛ لأجل الواو ؛ فنقلها كذلك ، وليت الناس أخلوا تصانيفهم من مثل هذه القراءات التي لو سمعها العامة لمجّوها ، ومن تعاليلها ، ولكن صار التارك لها ، يعده بعضهم جاهلا بالاطّلاع عليها.

ويقال : ربا ورما ، بإبدال بائه ميما ؛ كما قالوا : كثم في كثب. والألف واللام في «الرّبا» : يجوز أن تكون للعهد ، إذ المراد الرّبا الشرعيّ ، ويجوز أن تكون لتعريف الجنس.

فصل في وجه تعلق هذه الآية بالتي قبلها

اعلم أنّ بين الصدقة ، والرّبا مناسبة من جهة التضادّ ؛ لأن الصدقة عبارة عن تنقيص المال بسبب أمر الله تبارك وتعالى بذلك ؛ والرّبا عبارة عن طلب الزيادة على المال مع نهي الله ـ سبحانه وتعالى ـ عنه ، فكانا كالمتضادّين ، ولهذا قال تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧٦] فلما حصلت المناسبة بينهما من هذا النوع ، ذكر حكم الربا عقيب حكم الصدقات ، وخصّ الأكل ؛ لأنه معظم الأمر ؛ كقوله : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء : ١٠] فنبّه بالأكل على ما سواه من وجوه الإتلافات ، ولأنّ نفس الرّبا الذي هو الزيادة لا يؤكل ، وإنما يصرف في المأكول ، وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لعن الله آكل الرّبا ، وموكله وشاهده وكاتبه ، والمحلّل له» (٣) فعلمنا أنّ الحرمة غير مختصة بالأكل.

فصل في تقسيم الرّبا

الرّبا قسمان : ربا النّسيئة ، وربا الفضل.

__________________

(١) ينظر : المصدر السابق.

(٢) البيت لمالك بن خالد (أو خويلد) الخناعي ينظر شرح أشعار الهذليين ١ / ٤٤٢ ، ولسان العرب (عرس) ، ولمالك بن خالد أو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ١ / ٢٢٦ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٦٩ ، وشرح المفصل ٤ / ١٢٣ ، ٥ / ٣٥. والدر المصون ١ / ٦٦٠.

(٣) أخرجه مسلم كتاب المساقاة باب لعن الله آكل الربا وموكله رقم (١٥٩٧) وأبو داود (البيوع باب ٤) والترمذي (١٢٠٦) وابن ماجه (٢٢٧٧) والنسائي (٨ / ١٤٧) والبيهقي (٥ / ٢٨٥) وابن حبان (١١٢) والبغوي في «شرح السنة» (٨ / ٥٤) والخطيب (١١ / ٤٢٣).

٤٤٧

أمّا ربا النسيئة ، فهو الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهليّة ، وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كلّ شهر قدرا معينا ، ويكون رأس المال باقيا ، ثم إذا حلّ الدّين طالبوا المديون برأس المال فإن تعذر عليه الأداء زادوا (١) في الحقّ والأجل ، فهذا هو الرّبا الذي كانوا يتعاملون به في الجاهلية.

وأمّا «ربا الفضل» فهو أن يباع منّ من الحنطة بمنوين منها ، أو ما أشبه ذلك.

وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه كان لا يحرّم إلّا القسم الأول ، فكان يقول لا ربا إلّا في النّسيئة ، وكان يجوّز ربا الفضل ؛ فقال له أبو سعيد الخدريّ : أشهدت ما لم تشهد ، أو سمعت من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما لم نسمع! ثمّ روى له الحديث المشهور في هذا الباب ، ثم قال أبو سعيد : لا أواني وإيّاك ظلّ بيت ، ما دمت على هذا.

ثمّ روي أنه رجع عنه.

قال محمد بن سيرين : كنّا في بيت ، ومعنا عكرمة ، فقال رجل : يا عكرمة ، أما تذكر ونحن في بيت فلان ، ومعنا ابن عباس فقال : إنما كنت استحللت الصرف برأيي ، ثم بلغني أنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حرّمه ، فاشهدوا أنّي حرمته ، وبرئت منه إلى الله.

وحجّة ابن عباس أنّ قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) يتناول بيع الدرهم بالدّرهمين نقدا ؛ وقوله : (وَحَرَّمَ الرِّبا) [لا يتناوله ؛ لأن الرّبا عبارة عن الزيادة ، وليست كلّ زيادة محرمة ؛ بل قوله : (وَحَرَّمَ الرِّبا)](٢) إنما يتناول العقد المخصوص المسمّى فيما بينهم ربا ، وذلك هو ربا النّسيئة ، فكان ذلك مخصوصا بالنّسيئة ؛ فثبت أنّ قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) يتناول ربا الفضل ، وقوله (وَحَرَّمَ الرِّبا) لا يتناوله ؛ فوجب أن يبقى على الحلّ ولا يمكنه أن يقال إنما يحرمه بالحديث ؛ لأنه يقتضي تخصيص ظاهر القرآن بخبر الواحد ، وهو غير جائز وهذا هو عرف ابن عباس ، وحقيقته راجعة إلى أنّ تخصيص القرآن بخبر الواحد : هل يجوز أم لا؟

وأمّا جمهور العلماء ، فقد اتفقوا على تحريم الربا في القسمين ، أمّا القسم الأوّل ، ربا النّسيئة فبالقرآن ، وأمّا ربا الفضل ، فبالخبر ، ثم إن الخبر دلّ على حرمة ربا الفضل في الأشياء الستة ، ثم اختلفوا. فقال جمهور الفقهاء (٣) : حرمة ربا الفضل غير مقصورة على هذه النسيئة ؛ بل ثابتة في غيرها بالعلّة الجامعة وقال نفاة القياس : بل الحرمة مقصورة عليها.

فصل في سبب تحريم الربا

ذكروا في سبب تحريم الرّبا وجوها :

__________________

(١) في ب : فلا يصبر عليه إلا إذا زاد.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : العلماء.

٤٤٨

أحدها : أنه يفضي إلى أخذ الإنسان مال غيره من غير عوض ؛ لأنه إذا باع الدّرهم بالدرهمين نقدا أو نسيئة ، فقد حصل له زيادة درهم من غير عوض ومال الإنسان له حرمة عظيمة ، قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» (١) ؛ فكان أخذ ماله بغير عوض محرّما.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون لبقاء رأس المال في يده مدّة مديدة عوضا عن الدّرهم

الزّائد؟ لأنّ رأس المال لو بقي في يد مالكه ، لتمكّن من التجارة به ، والربح ، فلمّا تركه في يد المديون ، وانتفع المديون به ، لم يبعد أن يدفع إلى ربّ المال ذلك الدرهم الزّائد ؛ عوضا عن انتفاعه بماله.

فالجواب أنّ هذا الانتفاع المذكور أمر موهوم قد يحصل له منه كسب ، وقد لا يحصل ، وأخذ الدرهم الزائد أمر متيقن فتفويت المتيقن لأجل أمر موهوم ، لا ينفكّ عن نوع ضرر.

وثانيها : أنّ الرّبا يمنع النّاس عن الاشتغال بالمكاسب ؛ لأنه إذا حصّل الدرهم بالربا ، فلا يكاد يحتمل مشقّة التّكسّب بالتجارة ، والصناعة ، فيفضي إلى انقطاع منافع الخلق ، ومن المعلوم أنّ [مصالح العالم](٢) لا تنتظم إلّا بالتجارات ، والعمارات ، والحرف ، والصّناعات.

وثالثها : أنّ الربا يفضي (٣) إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض ؛ لأن الرّبا إذا حرم ، طابت النفوس بقرض الدرهم ، واسترجاع مثله ، ولو حلّ الربا ، لكانت حاجة المحتاج تحمله حاجته على أخذ الدرهم بالدرهمين ، فيفضي ذلك إلى قطع المواساة ، والمعروف ، والإحسان.

ورابعها : أنّ الغالب أنّ المقرض يكون غنيّا ، والمستقرض يكون فقيرا ، فالقول بتجويز الرّبا تمكين للغني من أن يأخذ من الفقير الضّعيف مالا زائدا (٤) ، وهو غير جائز برحمة الرّحيم.

وخامسها : أنّه غير معقول المعنى.

قوله : «لا يقومون» الظّاهر أنّها خبر الموصول المتقدّم ، وقال بعضهم : إنها حال ، وهو سهو ، وقد يتكلّف تصحيحه بأن يضمر الخبر ؛ كقراءة من قرأ (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف : ٨] ؛ وقوله : [الطويل]

__________________

(١) أخرجه البزار (١٣٧٢ ـ كشف) وأبو نعيم في «الحلية» (٧ / ٣٣٤) والدارقطني (٣ / ٢٦).

وذكره الهيثمي في «المجمع» (٤ / ١٧٢) وقال : رواه البزار وأبو يعلى وفيه محمد بن دينار وثقه ابن حبان وجماعة وضعفه جماعة وبقية رجال أبي يعلى ثقات ورجال البزار فيهم عمرو بن عثمان الكلابي وثقه ابن حبان وقال الأزدي : متروك.

(٢) في ب : منافع الخلق.

(٣) في ب : يؤدي.

(٤) في ب : ما لا بد.

٤٤٩

١٢٥٤ ـ ... لا أنا باغيا

 .......... (١)

في أحد الوجهين.

والمراد القيام يوم القيامة أو من القبور.

قوله : (إِلَّا كَما يَقُومُ) فيه الوجهان المشهوران وهما :

النصب على النعت ؛ لمصدر محذوف ، أي : لا يقومون إلا قياما مثل قيام الذي يتخبطه الشيطان ، وهو المشهور عند المعربين.

أو النصب على الحال من ضمير ذلك المصدر المقدّر ، أي : لا يقومونه ، أي : القيام إلّا مشبها قيام الذي يتخبطه الشيطان ، وهو رأي سيبويه (٢) ، وقد قدّمت تحقيقهما.

و «ما» الظاهر أنها مصدرية ، أي : كقيام. وجوّز بعضهم أن تكون بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، والتقدير : إلا كالقيام الذي يقومه الذي يتخبّطه الشّيطان ، وهو بعيد.

و «يتخبّطه» يتفعّله ، وهو بمعنى المجرد أي يخبطه ؛ فهو مثل : تعدّى الشيء وعداه فو تفعّل بمعنى فعل ، نحو تقسّمه : بمعنى قسمه ، وتقطّعه : بمعنى قطعه. ومعنى ذلك مأخوذ من خبط البعير بأخفافه : إذا ضرب بها الأرض. ويقال : فلان يخبط خبط عشواء ؛ قال علقمة : [الطويل]

١٢٥٥ ـ وفي كلّ حيّ قد خبطت بنعمة

فحقّ لشأس من نداك ذنوب (٣)

وقال زهير : [الطويل]

١٢٥٦ ـ رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته ومن تخطئ يعمّر فيهرم (٤)

والتخبط معناه : الضّرب على غير استواء ، ويقال للرجل الذي يتصرف في أمر ولا يهتدي فيه ، إنه يخبط خبط عشواء ، وخبط البعير الأرض بأخفافه ، وتخبطه الشيطان ، إذا مسّه بخبل ، أو جنون ؛ لأنه كالضّرب على غير استواء في الإدهاش.

قوله : «من المسّ» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه متعلق بيتخبّطه من جهة الجنون ، فيكون في موضع نصب ، قاله أبو البقاء(٥).

__________________

(١) تقدم برقم (٤٢٠).

(٢) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ١١٦.

(٣) البيت لعلقمة الفحل ينظر ديوانه ص ٤٨ ، والكتاب ٤ / ٤٧١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٠٠ ، وشرح المفصل ٥ / ٤٨ ، ١٠ / ١٥١ ، ولسان العرب (جنب) ، (شأس) ، (خبط) ، ومجالس ثعلب ص ٩٧ ، وسر صناعة الإعراب ص ٢١٩ ، والممتع في التصريف ص ٣٦١ ، والمنصف ٢ / ٣٣٢.

(٤) ينظر ديوانه (٢٩) الشنقيطي (٨٦) الدر المصون ١ / ٦٦١.

(٥) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٦.

٤٥٠

الثاني : أنه يتعلّق بقوله تبارك وتعالى : (لا يَقُومُونَ) ، أي : لا يقومون من المسّ الذي بهم ، إلا كما يقوم المصروع.

الثالث : أنه يتعلّق بقوله : «يقوم» ، أي : كما يقوم المصروع من جنونه ؛ ذكر هذين الوجهين الأخيرين الزمخشريّ.

قال أبو حيّان (١) : وكان قدّم في شرح المسّ أنه الجنون ، وهذا الذي ذهب إليه في تعلّق «من المسّ» بقوله : (لا يَقُومُونَ) ضعيف ؛ لوجهين :

أحدهما (٢) : أنه قد شرح المسّ بالجنون ، قلت : وهو باب في البلاغة مشهور ، وهو أعلى رتب التشبيه ؛ ومنه قوله : [الطويل]

١٢٥٧ ـ ورمل كأوراك العذارى قطعته

 ..........(٣)

فصل في دفع شبهة في تحليل الرّبا

القوم كانوا في تحليل الرّبا على هذه الشّبهة ، وهي (٤) أنّ من اشترى ثوبا بعشرة ، ثمّ باعه بأحد عشر ، فهذا حلال ؛ فكذا إذا باع العشرة بأحد عشر ، يجب أن يكون حلالا ؛ لأنّه لا فرق في العقل بين الصّورتين ، فهذا في ربا الفضل ، وكذلك ـ أيضا ـ في ربا النّسيئة ؛ لأنه لو باع الثوب الذي يساوي عشرة في الحال بأحد عشر إلى شهر ، جاز ؛ فكذا إذا أعطى العشرة بأحد عشر إلى شهر ، وجب أن يجوز ؛ لأنه لا فرق في العقل (٥) بينهما ، وإنما جاز ذلك ، لحصول التراضي من الجانبين ، فكذا هاهنا ، لما حصل التراضي من الجانبين ، وجب أن يجوز أيضا ، والبياعات إنّما شرعت لدفع الحاجة ، ولعل الإنسان أن يكون صفر اليد في الحال ، شديد الحاجة ، ويكون له في المستقبل من الزمان أموال كثيرة ، فإذا لم يجز الرّبا ، لم يعطه ربّ المال مجانا ، فيبقى الإنسان في الشدة ، والحاجة ، وبتقدير جواز الربا فيعطيه (٦) ربّ المال ؛ طمعا في الزيادة ، والمديون يردّه عند وجدان المال ، وإعطاء تلك الزيادة عند وجدان المال ، أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال ، فهذا يقتضي حلّ الرّبا ، كما قلنا في سائر البياعات (٧) أنّها إنما شرعت ؛ لدفع الحاجة ، فهذه شبهة القوم.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٤٨.

(٢) ذكر الوجه الأول ولم يذكر الوجه الثاني.

(٣) صدر بيت لذي الرمة وعجزه :

إذا جللته المظلمات الحنادس

ينظر ديوانه ١١٣١ ، الخصائص ١ / ٣٠٠ ، الدر المصون ١ / ٦٦٣.

(٤) في ب : وهو.

(٥) في ب : الفصل.

(٦) في ب : يعطيه.

(٧) في ب : الساعات.

٤٥١

فأجابهم الله تعالى بقوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) ، وتوجيه هذا الجواب أنّ ما ذكرتم معارضة للنّصّ بالقياس ؛ وهو (١) لا يجوز.

فصل في دفع شبهة لنفاة القياس

تمسّك نفاة القياس بهذه الآية ، فقالوا : لو كان الدّين بالقياس ، لكانت هذه الشبهة لازمة ، فلمّا بطلت ، علمنا أن الدين بالنّصّ لا بالقياس.

وفرّق القفّال (٢) بينهما ، فقال : من باع ثوبا يساوي عشرة بعشرين ، فقد جعل ذات الثّوب مقابلة بالعشرين ، فلمّا حصل التراضي (٣) على هذا التقابل ، صار كلّ واحد منهما مقابلا للآخر في المالية عندهما ، فلم يكن أخذ من صاحبه شيئا بغير عوض. أمّا إذا باع العشرة بالعشرة ، فقد أخذ العشرة الزائدة من غير عوض ، ولا يمكن أن يقال : إنّ غرضه هو الإمهال في الأجل ؛ لأن الإمهال ليس إلّا مالا أو شيئا يشار إليه ، حتى يجعله عوضا عن (٤) العشرة الزائدة ؛ فافترقا.

فإن قيل : ما الحكمة في قلب هذه القضية؟ ومن حقّ القياس أن يشبه محل الخلاف بمحل الوفاق ؛ لأن حلّ البيع متفق عليه ، وهم أرادوا قياس الربا عليه ؛ فكان نظم الكلام أن يقال : إنما الرّبا مثل البيع ، فقلبه ، وقال : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا)؟

فالجواب أنّه لم يكن مقصود القوم أن يتمسّكوا بنظم القياس ، بل كان غرضهم (٥) أنّ البيع والرّبا متماثلان في جميع الوجوه المطلوبة ، فكيف يجوز تخصيص أحد المثلين بالحلّ ، والآخر بالحرمة ، وعلى هذا التقدير : فأيّهما قدّم ، أو أخّر جاز.

قوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) الظاهر أنه من كلام الله تعالى ، أخبر بأنه أحلّ هذا ، وحرّم ذاك ، وعلى هذا ؛ فلا محلّ لهذه الجملة من الإعراب. وقال بعضهم : «هذه الجملة من تتمّة قول الذين يأكلون الربا ، فتكون في محلّ نصب بالقول ؛ عطفا على المقول» وهو بعيد جدا ، لأنّ القائل بأنّ هذا من كلام الكفّار ، لا يتمّ إلّا بإضمار زيادة ، إمّا بأن يحمل ذلك على الاستفهام ؛ على سبيل الإنكار ، أو يحمل ذلك على الرّواية من قول المسلمين ، والإضمار خلاف الأصل ، وعلى الأول لا يحتاج إلى الإضمار ، فكان أولى أيضا فإنّ المسلمين ـ أبدا ـ يتمسّكون في جميع مسائل البيع بهذه الآية ، ولو كان ذلك من كلام الكفّار ، لما جاز لهم الاستدلال به. وأيضا ، فقوله بعده : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ..) إلى قوله : «... خالدون» يقتضي أنّهم لما تمسّكوا بقولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) فالله تعالى قد كشف عن فساد تلك الشّبهة ، وبيّن ضعفها ، فلو لم

__________________

(١) في ب : وهذا.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٠ ،

(٣) في ب : بالتراخي.

(٤) في ب : من.

(٥) في ب : يحرضهم.

٤٥٢

يكن قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) من كلام الله تعالى ، لم يكن أجاب عن تلك الشبهة ، فلم يكن قوله (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ) ـ لائقا بهذا الموضع.

فصل

ذهب بعض العلماء إلى أنّ قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) من المجملات التي لا يجوز التمسك بها.

قال ابن الخطيب (١) : وهو المختار عندي لوجوه :

الأول : أنه ثبت في «أصول الفقه» أنّ الاسم المفرد المحلّى ب «لام» التّعريف ، لا يفيد العموم ألبتّة ، بل ليس فيه إلّا تعريف الماهيّة ، ومتى كان كذلك ، كفى في العمل ثبوت حكمه في الصورة الواحدة.

الثاني : سلّمنا أنه يفيد العموم ، ولكنا لا نشكّ في أنّ إفادته العموم أضعف من إفادة ألفاظ الجمع للعموم ، مثلا قوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وإن أفاد الاستغراق إلّا أن قوله : «وأحل الله البيعات» أقوى في إفادة الاستغراق فثبت أن قوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) لا يفيد (٢) الاستغراق إلّا إفادة ضعيفة ، ثم بتقدير العموم لا بدّ أن يتطرق إليها تخصيصات كثيرة خارجة عن الحصر والضبط ، ومثل هذا العموم لا يليق بكلام الله تعالى ، وكلام رسوله ؛ لأنه كذب ، والكذب على الله محال.

فأما العامّ الذي يكون موضع التخصيص منه قليلا جدّا ، فذلك جائز ؛ لأن إطلاق لفظ الاستغراق على الأغلب عرف مشهور في كلام العرب.

الثالث : روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : خرج رسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الدنيا ، وما سألناه عن الربا. ولو كان هذا اللفظ مفيدا للعموم ، لما قال ذلك ؛ فعلمنا أنّ هذه الآية من المجملات.

الرابع : أن قوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) يقتضي أن يكون كل بيع حلالا ، وكل ربا حراما ؛ والرّبا : هو الزيادة ، فأول الآية أباح جميع البيوع ، وآخرها حرّم الجميع ؛ فلا يعرف الحلال من الحرام بهذه الآية ؛ فكانت مجملة ، ووجب الرجوع في معرفة الحلال ، والحرام إلى بيان الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

قوله : (فَمَنْ جاءَهُ) يحتمل أن تكون شرطية وهو الظاهر ، وأن تكون موصولة ، وعلى كلا التقديرين فهي في محلّ رفع بالابتداء.

وقوله : (فَلَهُ ما سَلَفَ) هو الخبر ، فإن كانت شرطية ، فالفاء واجبة ، وإن كانت موصولة ، فهي جائزة ، وسبب زيادتها ما تقدّم من شبه الموصول لاسم الشرط. ويجوز

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨١.

(٢) في ب : وإن أفاد.

٤٥٣

حال كونها شرطية وجه آخر ، وهو أن تكون منصوبة بفعل مضمر يفسّره ما بعده ، وتكون المسألة من باب الاشتغال ، ويقدّر الفعل بعدها ؛ لأنّ لها صدر الكلام ، والتقدير : فأيّ شخص جاءت الموعظة جاءته ، ولا يجوز ذلك فيها موصولة ؛ لأنّ الصلة لا تفسّر عاملا ؛ إذ لا يصحّ تسلّطها على ما قبلها ، وشرط التفسير صحة التسلّط. وسقطت علامة التأنيث من فعل الموعظة لأن ثانيها غير حقيقي ولأنها في معنى الوعظ وأيضا للفصل بين الفعل ، وفاعله بالمفعول. وقرأ أبيّ (١) والحسن : «جاءته» على الأصل.

قوله : (مِنْ رَبِّهِ) يجوز أن تكون متعلقة بجاءته ، وتكون لابتداء الغاية ؛ مجازا ، وأن تتعلّق بمحذوف على أنها صفة لموعظة ، أي : موعظة من موعظات ربه ، أي : بعض مواعظه.

وقوله : (فَانْتَهى) نسق على «جاءته» عطفه بفاء التعقيب ، أي : لم يتراخ انتهاؤه عن مجيء الموعظة.

وقوله : (وَمَنْ عادَ) الكلام على «من» هذه في احتمال الشرط ، والموصول ، كالكلام على التي قبلها.

«عاد» ، أي : رجع ، يقال : عاد يعود عودا ، ومعادا ، وعن بعضهم : أنها تكون بمعنى «صار» ؛ وأنشد : [الطويل]

١٢٥٨ ـ وبالمحض حتّى عاد جعدا عنطنطا

إذا قام ساوى غارب الفحل غاربه (٢)

وأنشد : [الطويل]

١٢٥٩ ـ تعدّ لكم جزر الجزور رماحنا

ويرجعن بالأسياف منكسرات (٣)

والضمير في قوله «فأمره» يعود على «ما سلف» ، أي : وأمر ما سلف إلى الله ، أي : في العفو عنه وإسقاط التّبعة منه. وقيل : يعود على المنتهي المدلول عليه بانتهى ، أي : فأمر المنتهي عن الربا إلى الله ؛ في العفو ، والعقوبة.

وقيل : يعود على ذي الرّبا في أن ينتبه على الانتهاء ، أو يعيده إلى المعصية.

وقيل : يعود على الرّبا ، أي : في عفو الله عمّا شاء منه ، أو في استمرار تحريمه.

قال الواحديّ (٤) «السّلوف» : التقدم ، وكلّ شيء قدمته أمامك فهو سلف ، ومنه الأمم السّالفة ، وسالف الذكر ، وله سلف صالح : آباء متقدّمون ، ومنه (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً)

__________________

(١) انظر : الشواذ ١٧ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٧٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٤٩ ، والدر المصون ١ / ٦٦٣.

(٢) البيت لفرعان التميمي ينظر لسان العرب (ضجر) والمقاصد النحوية ٢ / ٣٩٨ ، وشرح الأشموني ١ / ١١٠ ، والدر المصون ١ / ٦٦٤.

(٣) ينظر : الهمع ١ / ١٢ ، الدرر ١ / ٨٣ ، الدر المصون ١ / ٦٦٤.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٢.

٤٥٤

[الزخرف : ٥٦] أي : أمة متقدمة تعتبر بهم من بعدهم ، وتجمع السّلف على : أسلاف وسلوف ، والسالفة والسّلاف : المتقدّمون في حرب أو سفر ، والسالفة من الوجه ؛ لتقدّمها ؛ قال: [الوافر]

١٢٦٠ ـ وميّة أحسن الثّقلين جيدا

وسالفة وأحسنه قذالا (١)

والسّلفة : ما يقدّم من الطعام للضّيف. يقال : «سلّفوا ضيفكم ، ولهّنوه» أي : بادروه بشيء مّا ، ومنه : السّلف في الدّين ؛ لأنه تقدّمه مال.

والسّالفة : العنق ؛ لتقدّمه في جهة العلو ، والسلفة : ما قدم قبل الطعام ، وسلافة الخمر : صفوتها ؛ لأنه أوّل ما يخرج من عصيرها.

فصل في تأويل ما سلف

قال الزجاج : أي صفح له عمّا مضى من ذنبه ، قبل نزول هذه الآية ؛ كقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، وضعّف ؛ بأن قبل نزول الآية في التحريم ، لم يكن ذلك حراما ، ولا ذنبا ؛ فكيف يقال المراد من الآية الصفح عن ذلك الذنب مع أنه ما كان هناك ذنب؟ والنهي المتأخر لا يؤثر في الفعل المتقدم! ولأنه تعالى أضاف ذلك إليه بلام التمليك ، وهو قوله : «فله ما سلف» أي : كلّ ما أكل من الرّبا ، وليس عليه ردّه ، فأمّا ما لم يقض بعد ، فلا يجوز له أخذه ، وإنما له رأس ماله فقط ؛ كما بيّنه تعالى في قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) [البقرة : ٢٧٩].

فصل

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله ـ : في قوله تعالى : (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) وجوه للمفسرين ، والذي أقوله : إنّ هذه الآية مختصة بمن ترك استحلال الرّبا من غير بيان أنه ترك أكل الربا ، أو لم يترك ؛ ويدلّ عليه مقدمة الآية ومؤخّرتها.

أمّا مقدمة الآية ؛ فلأن قوله (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى) ليس فيه بيان أنه انتهى عماذا ، فلا بدّ وأن يصرف ذلك إلى المدلول السابق ، وأقرب المذكورات إلى هذه الكلمة قولهم : (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) فكان قوله : «فانتهى» عائدا إليه فيكون المعنى : فانتهى عن هذا القول.

وأما مؤخرة الآية فقوله : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) معناه

__________________

(١) البيت لذي الرمة ينظر ديوانه ص ١٥٢١ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٦ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٩٣ ، والخصائص ٢ / ٤١٩ ، والدرر ١ / ١٨٣ ، وشرح المفصل ٦ / ٩٦ ، ولسان العرب ١١ / ٨٨ (ثقل) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٤٩ ، ورصف المباني ص ١٦٨ ، وشرح شذور الذهب ص ٥٣٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٩.

٤٥٥

عاد إلى الكلام المتقدم ، وهو استحلال الرب ا «فأمره إلى الله» ثم هذا الإنسان إمّا أن يقال : إنه كما انتهى عن استحلال الربا ، انتهى ـ أيضا ـ عن أكل الربا ، وليس كذلك ؛ فإن كان الأول كان هذا الشخص مقرا بدين الله عالما بتكليف الله تعالى ؛ فحينئذ يستحق المدح والتعظيم ، لكنّ قول ه «فأمره إلى الله» ليس كذلك ؛ لأنه يدلّ على أنه تعالى إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له ، فثبت أن هذه الآية لا تليق بالكافر ، ولا بالمؤمن المطيع ، فلم يبق إلّا أنها تختصّ بمن أقرّ بحرمة الرّبا ، ثم أكل الربا ؛ فهذا أمره إلى الله إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له ، فهو كقوله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨]. ثم قال : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أي ومن عاد إلى استحلال الربا ، حتى يصير كافرا ، وفيها دليل على أنّ الخلود لا يكون إلّا للكافر.

قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)(٢٧٦)

قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي) : الجمهور على التخفيف في الفعلين من : محق ، وأربى. وقرأ (١) ابن الزبير : ورويت عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «يمحّق ، ويربّي» بالتشديد فيهما.

والمحق : النقص ، يقال : محقته فانمحق ، وامتحق ؛ ومنه المحاق في القمر ؛ قال : [البسيط]

١٢٦١ ـ يزداد حتّى إذا ما تمّ أعقبه

كرّ الجديدين نقصا ثمّ ينمحق (٢)

وأنشد ابن السّكّيت : [الطويل]

١٢٦٢ ـ وأمصلت مالي كلّه بحياته

وما سست من شيء فربّك ماحقه (٣)

ويقال : هجير ما حق : إذا نقص كلّ شيء بحرّه.

وقد اشتملت هذه الآية على نوعين من البديع :

أحدهما : الطّباق في قوله : «يمحق ، ويربي» فإنهما ضدّان ، نحو : (أَضْحَكَ وَأَبْكى) [النجم : ٤٣].

والثاني : تجنيس التغاير في قوله : «الرّبا ، ويربي» إذ أحدهما اسم والآخر فعل.

فصل في بيان وجه النّظم

لما كان الداعي إلى فعل الرّبا ، تحصيل الزيادة ، والصارف عن الصدقات الاحتراز عن نقص الخيرات ـ بيّن تعالى ـ هاهنا ـ أنّ الربا وإن كان زيادة ، فهو نقصان في الحقيقة ، وأن الصدقة وإن كانت نقصا في الصورة ، فهي زيادة في المعنى ، فلا يليق

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥٠ ، المحرر الوجيز ١ / ٣٧٣ ، والدر المصون ١ / ٦٦٣.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٤٦ ، الدر المصون ١ / ٦٦٤.

(٣) ينظر : إصلاح المنطق (٢٧٩) ، والدر المصون ١ / ٦٦٤.

٤٥٦

بالعاقل أن يلتفت إلى ما يقضي به الطبع ، والحسّ من الدواعي والصّوارف ؛ بل يعوّل على ما ندبه الشرع إليه ؛ فهذا وجه النظم.

فصل

اعلم أن محق الربا ، وإرباء الصدقات يحتمل أن يكون في الدنيا ، وأن يكون في الآخرة.

أما محق الربا في الدنيا فمن وجوه :

أحدها : أنّ الغالب في المربي ـ وإن كثر ماله ـ أنه تؤول عاقبته إلى الفقر وتزول البركة عن ماله ؛ قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «الرّبا وإن كثر فإنّ عاقبته تصير إلى قلّ» (١).

وثانيها : أنه وإن لم ينتقص ماله ، فإن عاقبته الذّمّ والنقص ، وسقوط العدالة ، وزوال الأمانة ، وحصول اسم الفسق ، والقسوة ، والغلظة.

ثالثها : أنّ الفقراء الذين يشاهدون أنه أخذ أموالهم بسبب الربا ، يلعنونه ، ويبغضونه ، ويدعون عليه ؛ وذلك يكون سببا لزوال الخير ، والبركة عنه في نفسه وماله.

الرابع : أنه متى اشتهر بين الناس بأنه إنما جمع ماله من الرّبا ، توجهت إليه الأطماع ، وقصده كلّ ظالم ، ومارق وطمّاع ، ويقولون : إنّ ذلك المال ليس له في الحقيقة ، فلا يترك في يده.

وأمّا أن الربا سبب للمحق في الآخرة فمن وجوه :

أحدها : قال ابن عباس : معنى هذا المحق : أن الله تعالى لا يقبل منه صدقة ، ولا جهادا ولا حجّا ، ولا صلة رحم (٢).

ثانيها : أن مال الدنيا لا يبقى عند الموت ، ويبقى عليه التبعة ، والعقوبة ، وذلك هو الخسار الأكبر.

وثالثها : ثبت في الحديث : أنّ الأغنياء يدخلون الجنّة بعد الفقراء بخمسمائة عام (٣) ، فإذا كان الغنى من الحلال كذلك ، فما ظنّك بالغنى من الحرام المقطوع به فذلك هو المحق والنقصان!

وأمّا «إرباء الصدقات» فيحتمل ـ أيضا ـ أن يكون في الدنيا ، وأن يكون في الآخرة.

__________________

(١) أخرجه أحمد (١ / ٣٩٥ ، ٤٢٤) والحاكم (٢ / ٣٧) وابن عدي (٤ / ١٣٣٣).

وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٣.

(٣) أخرجه الترمذي (٢٣٥٤) وابن ماجه (٤١٢٢) وابن حبان (٢٥٦٧ ـ موارد) وأبو يعلى (١٠ / ٤١١) رقم (٦٠١٨) وابن أبي شيبة (١٣ / ٢٤٦) رقم (١٦٢٣٩) وأبو نعيم في «الحلية» (٧ / ٩١ ، ٢٥٠) من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : «يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمس مئة سنة». وقال الترمذي : حسن صحيح وصححه ابن حبان.

٤٥٧

أما في الدنيا : فمن وجوه :

أحدها : أن من كان لله كان الله له ، فإذا كان الإنسان يحسن إلى عبيد الله ، فالله تعالى لا يتركه ضائعا ، ولا جائعا في الدنيا ، وقد ورد في الحديث أنّ ملكا ينادي كلّ يوم : «اللهمّ يسّر لكلّ منفق خلفا ، ولكل ممسك تلفا» (١).

وثانيها : أنه يزداد كلّ يوم في جاهه ، وذكره الجميل ، وميل القلوب إليه.

وثالثها : أن الفقراء يعينونه بالدعاء الخالص من قلوبهم.

ورابعها : أنّ الأطماع تنقطع عنه ، فإنه متى اشتهر بإصلاح مهمّات الفقراء ، والضعفاء ؛ فكلّ أحد يحترز عن منازعته ، وكلّ ظالم ، وطمّاع يتخوف من التعرض إليه ، اللهم إلّا نادرا ، فهذا هو المراد بإرباء الصدقات في الدّنيا.

وأما إرباؤها في الآخرة ، فروى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنّ الله تعالى يقبل الصّدقات ولا يقبل منها إلّا الطّيّب ويأخذها بيمينه فيربّيها كما يربّي أحدكم مهره أو فلوّه حتى إنّ اللقمة تصير مثل أحد» (٢) وتصديق ذلك بيّن في كتاب الله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) [التوبة : ١٠٤].

وقال ابن الخطيب (٣) : ونظير قوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) المثل الذي ضربه فيما تقدم بصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا ونظير قوله : (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) المثل الذي ضربه الله بحبة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة.

قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) اعلم أن الكفّار فعّال من الكفر ، ومعناه : أن ذلك عادته ، والعرب تسمي المقيم على الشيء بهذا فتقول : فلان فعّال للخير أمّار به و «الأثيم» فعيل بمعنى فاعل ، وهو الآثم ، وهو ـ أيضا ـ مبالغة في الاستمرار على اكتساب الإثم والتمادي فيه ، وذلك لا يليق إلّا بمن ينكر تحريم الربا ، فيكون جاحدا.

وفيه وجه آخر وهو أن يكون «الكفّار» راجعا إلى المستحلّ «والأثيم» يكون راجعا إلى من يفعله مع اعتقاد التحريم ؛ فتكون الآية الكريمة جامعة للفريقين.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٢٧٧)

__________________

(١) أخرجه البخاري (٣ / ٣٥٧) كتاب الزكاة : باب اللهم أعط منفقا خلفا ، حديث (١٤٤٢) من حديث أبي هريرة.

(٢) أخرجه أحمد (٢ / ٤٧١) والطبراني في «الصغير» (١ / ١١٩) والبغوي في «شرح السنة» (٦ / ١٣٠) وابن عدي في «الكامل» (٤ / ١٦٤٦) عن أبي هريرة.

وأخرجه الطبراني في «الأوسط» كما في المجمع (٣ / ١١٤) عن عائشة وقال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٨٤.

٤٥٨

اعلم أنّ من عادته تعالى في القرآن الكريم مهما ذكر وعيدا ، ذكر بعده وعدا فلما بلغ هاهنا في وعيد المرابي ، أتبعه بهذا الوعد ، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية.

واحتجّ من قال بأن العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان بهذه الآية ، فإنه عطف عمل الصالحات على الإيمان ؛ والمعطوف يغاير المعطوف عليه.

وأجيب عنه بأنه قال : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) ولا نزاع في أن إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، داخلان تحت عمل الصالحات ، فكذا ما ذكرتم ، وأيضا قال تبارك وتعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [النحل : ٨٨] وقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) [البقرة : ٣٩] ويمكن أن يجاب بأن الأصل حمل كل لفظة على فائدة جديدة ، ترك العمل به عند التّعذر ، فيبقى في غير موضع التعذر على الأصل.

فإن قيل إنّ الإنسان إذا بلغ عارفا بالله تعالى وقبل وجوب الصلاة والزكاة عليه ، ثم مات ، فهو من أهل الثواب بالاتفاق ، فدلّ على أن استحقاق الثواب لا يتوقّف على حصول العمل.

وأيضا فقد يثيب الله تعالى المؤمن الفاسق الخالي عن جميع الأعمال ، وإذا كان كذلك فكيف وقف الله هاهنا حصول الأجر على حصول العمل؟

فالجواب : أنه تبارك وتعالى إنما ذكر هذه الخصال ؛ لا لأجل أنّ استحقاق الثواب مشروط بهذا ، بل لأجل أنّ لكل واحد منهما أثرا في جلب الثواب ، كما قال في ضدّ هذا (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الفرقان : ٦٨] ثم قال : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان: ٦٨] ومعلوم أنّ من ادعى مع الله إلها آخر لا يحتاج في استحقاقه العذاب إلى عمل آخر ، وإنما جمع الله الزّنا ، وقتل النّفس ، مع دعاء غير الله إلها ؛ لبيان أنّ كل واحد من هذه الخصال يوجب العقوبة.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)(٢٧٩)

اعلم أنه تعالى لمّا بيّن في الآية المتقدمة أنّ من انتهى عن الربا ، فله ما سلف ؛ فقد يظنّ أنه لا فرق بين المقبوض منه ، وبين الباقي في ذمّة الغريم ، فبين في هذه الآية الكريمة بقوله (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي : الذي لم يقبض فالزيادة حرام ، وليس لهم أن يأخذوا إلّا رؤوس أموالهم ، فقال : (اتَّقُوا اللهَ) والاتقاء إنما يكون باتقاء ما نهى عنه ، (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) يعني : إن كنتم قد قبضتم منه شيئا ، فيعفو عنه ، وإن لم تقبضوه أو لم تقبضوا بعضه ، فالذي لم يقبض حرام قبضه ، وهذه الآية دليل على أحكام الكفّار إذا أسلموا ؛ لأن ما مضى في زمن الكفر ، فإنه لا ينقض ، ولا يفسخ ، وما لم يوجد منه

٤٥٩

شيء في حال الكفر ، فحكمه حكم الإسلام ، فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم ، ولا يجوز في الإسلام فمعفوّ عنه ، وإن وقع على مهر حرام ، وقبضته المرأة ، فقد مضى ، وليس لها شيء ، وإن لم تقبضه فلها مهر مثلها دون المسمى.

قوله تعالى : (وَذَرُوا) : فتحت العين من «ذر» ؛ حملا على «دع» ، إذ هو بمعناه ، وفتحت في «دع» ؛ لأنه أمر من «يدع» ، وفتحت من «يدع» ، وإن كان قياسها الكسر ؛ لكون الفاء واوا ؛ [كيعد] لكون لامه حرف حلق.

ووزن «ذروا» : علوا ؛ لأنّ المحذوف الفاء لا يستعمل منه ماض إلّا في لغيّة ، وكذلك «دع».

وقرأ الحسن (١) : «ما بقى» بقلب الكسر فتحة ، والياء ألفا ، وهي لغة لطيّئ ، ولغيرهم ؛ ومنه قول علقمة : [الطويل]

١٢٦٣ ـ زها الشّوق حتّى ظلّ إنسان عينه

يفيض بمغمور من الدّمع متأق (٢)

وقال آخر : [الوافر]

١٢٦٤ ـ وما الدّنيا بباقاة علينا

وما حيّ على الدّنيا بباق (٣)

ويقولون في الناصية : ناصاة. وقرأ الحسن (٤) أيضا : «بقي» بتسكين الياء ، قال المبرد : «تسكين ياء المنقوص في النصب من أحسن الضرورة ، هذا مع أنّه معرب ، فهو في الفعل الماضي أحسن» قال شهاب الدين : وإذا كانوا قد حذفوها من الماضي صحيح الآخر ، فأولى من حرف العلة ، قال : [مجزوء الرمل]

١٢٦٥ ـ إنّما شعري قيد

قد خلط بجلجلان (٥)

وقال جرير في تسكين الياء : [البسيط]

١٢٦٦ ـ هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم

ماضي العزيمة ما في حكمه جنف (٦)

وقال آخر : [الطويل]

١٢٦٧ ـ لعمرك لا أخشى التّصعلك ما بقي

على الأرض قيسيّ يسوق الأباعرا (٧)

__________________

(١) انظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥١ ، والدر المصون ١ / ٦٦٤.

(٢) ينظر ديوانه (٧٢) ، البحر (٢ / ٣٥١) ، الدر المصون ١ / ٦٦٥.

(٣) ينظر الإنصاف ٧٥ ، والدر المصون ١ / ٦٦٥.

(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٧٥ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٥١ ، والدر المصون ١ / ٦٦٥.

(٥) تقدم برقم ١٣٤.

(٦) البيت لجرير ينظر ديوانه ص ١٧٥ ، والمحتسب ١ / ١٤١ ، والكشاف ٤ / ٤٥٦ ، والدر المصون ١ / ٦٦٥.

(٧) ينظر : القرطبي ٣ / ٢٧٩ ، سيبويه ١ / ١٤١ ، البحر ٢ / ٣٥١ ، الدر المصون ١ / ٦٦٥.

٤٦٠