اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

«لا نعلم ذلك في لسان العرب». ونسبة الإتاء إليها مجاز.

وقرأ نافع (١) وابن كثير وأبو عمرو «أكلها» بضمّ الهمزة ، وسكون الكاف ، وهكذا كلّ ما أضيف من هذا إلى مؤنث ، إلّا أبا عمرو ، فإنه يثقّل ما أضيف إلى غير ضمير ، أو إلى ضمير المذكر ، والباقون : بالتثقيل مطلقا ، وسيأتي إيضاح هذا كلّه. والأكل بالضم : الشيء المأكول والأكلة في المعنى مثل الطّعمة ؛ وأنشد الأخفش : [الطويل]

١٢٢٢ ـ فما أكلة إن نلتها بغنيمة

ولا جوعة إن جعتها بغرام (٢)

وقال أبو زيد : يقال : إنه لذو أكل ، إذا كان له حظّ من الدنيا. وبالفتح مصدر ، وأضيف إلى الجنّة ؛ لأنها محلّه أو سببه ومعنى «ضعفين» أي : ضعفت في الحمل ؛ لأن ضعف الشيء مثله زائدا عليه ، وقيل : ضعف الشيء مثلاه.

قال عطاء : حملت في سنة من الرّيع ما يحمل غيرها في سنتين (٣).

وقال عكرمة : حملت في السنة مرّتين (٤).

وقال الأصمّ (٥) : ضعف ما يكون في غيرها.

قوله : (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ). الفاء : جواب الشرط ، ولا بدّ من حذف بعدها ؛ لتكمل جملة الجواب. واختلف في ذلك على ثلاثة أوجه :

فذهب المبرد إلى أنّ المحذوف خبر ، وقوله : «فطلّ» مبتدأ ، والتقدير : «فطلّ يصيبها». وجاز الابتداء هنا بالنكرة ؛ لأنها في جواب الشرط ، وهو من جملة المسوّغات للابتداء بالنكرة ، ومن كلامهم : «إن ذهب عير ، فعير في الرّباط».

والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : فالذي يصيبها طلّ.

والثالث : أنه فاعل بفعل مضمر ؛ تقديره : فيصيبها طلّ ، وهذا أبينها.

إلّا أنّ أبا حيّان (٦) قال ـ بعد ذكر الثلاثة الأوجه ـ «والأخير يحتاج فيه إلى حذف الجملة الواقعة جوابا ، وإبقاء معمول لبعضها ؛ لأنه متى دخلت الفاء على المضارع ، فإنما هو على إضمار مبتدأ ؛ كقوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] [أي : فهو ينتقم] ، فكذلك يحتاج إلى هذا التقدير هنا ، أي : فهي ، أي : الجنة يصيبها طلّ ، وأمّا في

__________________

(١) انظر : السبعة ١٩٠ ، والكشف ١ / ٣١٣ ، والعنوان ٧٥ ، والحجة ٢ / ٣٩٤ ، وإعراب القراءات ١ / ١٠٠ ، وشرح شعلة ٢٩٧ ، وإتحاف ١ / ٤٥٢.

(٢) ينظر : الرازي ٧ / ٥٠.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥١ ، والبغوي ١ / ٢٥٢.

(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٥٢.

(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥١.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

٤٠١

التقديرين السابقين ، فلا يحتاج إلّا إلى حذف أحد جزئي الجملة». قال شهاب الدّين : وفيما قاله نظر ؛ لأنّا لا نسلّم أن المضارع بعد الفاء الواقعة جوابا يحتاج إلى إضمار مبتدأ. ونظير الآية قول امرئ القيس : [الوافر]

١٢٢٣ ـ ألا إن لا تكن إبل فمعزى

كأنّ قرون جلّتها العصيّ (١)

فقوله «فمعزى» فيه التقادير الثلاثة.

وادّعى بعضهم أنّ في هذه الآية الكريمة تقديما وتأخيرا ، والأصل : «أصابها وابل ، فإن لم يصبها وابل فطلّ فآتت أكلها ضعفين» حتى يجعل إيتاؤها الأكل ضعفين على الحالين : من الوابل ، والطّلّ ، وهذا لا حاجة إليه ؛ لاستقامة المعنى بدونه ، والأصل عدم التقديم والتأخير ، حتى يخصّه بعضهم بالضرورة.

والطّلّ : المستدقّ من القطر الخفيف وقال مجاهد : «هو النّدى (٢)» وهذا تجوّز منه ؛ ويقال : طلّه النّدى وأطلّه أيضا ؛ قال : [الطويل]

١٢٢٤ ـ ولمّا نزلنا منزلا طلّه النّدى

 ..........(٣)

ويجمع «طلّ» على طلال ؛ نقول : طلّت الأرض ، وأطلها النّدى فهي مطلولة قال الماوردي : وزرع الطّلّ أضعف من زرع المطر ، وأقلّ ريعا (٤).

فصل

هذا مثل ضربه الله تعالى ؛ لعمل المؤمن المخلص ، فيقول : كما أنّ هذه الجنة تريع في كل حال ، ولا تخلف سواء قلّ المطر أو كثر ؛ كذلك يضعّف الله صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمنّ ، ولا يؤذي سواء قلّت نفقته أو كثرت ، وذلك أن الطّلّ إذا كان يدوم ، يعمل عمل الوابل الشديد.

وقيل : معناه إن لم يصبها وابل حتى تضاعف ثمرتها ، فلا بدّ وأن يصيبها طلّ يعطي ثمرا دون ثمر الوابل ، فهي على كلّ حال لا تخلو من ثمرة ، فكذلك من أخرج صدقة لوجه الله تعالى ، لا يضيع كسبه ؛ قليلا كان ، أو كثيرا.

قوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هذا وعد ، ووعيد.

قرأ الجمهور : تعملون خطابا وهو واضح ، فإنه من الالتفات من الغيبة إلى

__________________

(١) ينظر : ديوانه (١٣٦) ، البحر ٢ / ٣٢٦ ، دمنهوري ٤٨ ، ٧٣ ، والدر المصون ١ / ٦٤١.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٣٩) عن السدي ، وذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٢٥٢) عن السدي أيضا.

(٣) ينظر : البحر ٢ / ٣١٤ ، الدر المصون ١ / ٦٤٢.

(٤) سقط في ب.

٤٠٢

الخطاب الباعث على فعل الإنفاق الخالص لوجه الله تعالى ، والزاجر عن الرياء والسمعة. وقرأ الزهري (١) : بالياء على الغيبة ، ويحتمل وجهين :

أحدهما : أن يعود على المنفقين.

والثاني : أن يكون عاما فلا يخصّ المنفقين ، بل يعود على الناس أجمعين ؛ ليندرج فيهم المنفقون اندراجا أوليا.

والمراد من البصير : العليم ، أي : هو تبارك وتعالى عالم بكمية النفقات وكيفيتها والأمور الباعثة عليها ، وأنه تعالى يجازي بها.

قوله تعالى : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(٢٦٦)

هذا مثال آخر ذكره الله تعالى في حقّ من يتبع إنفاقه بالمنّ والأذى ، «الودّ» : هو المحبة الكاملة ، والهمزة في «أيودّ» للاستفهام ، وهو بمعنى الإنكار ، وإنما قال : «أيودّ» ، ولم يقل أيريد ؛ لأنا ذكرنا أن المودة هي المحبة التامة ، ومعلوم أن محبة كلّ أحد لعدم هذه الحالة محبة كاملة ، فلهذا ذكر هذا اللفظ في جانب الثبوت ؛ تنبيها على الإنكار التّام ، والنفرة البالغة إلى الحد الذي لا مزيد فوقه.

قوله تعالى : (مِنْ نَخِيلٍ) في محلّ رفع ؛ صفة لجنة ، أي : كائنة من نخيل. و «نخيل» فيه قولان :

أحدهما : أنه اسم جمع.

والثاني : أنه جمع «نخل» الذي هو اسم الجنس ، ونحوه : كلب وكليب ، قال الراغب : «سمّي بذلك ؛ لأنه منخول الأشجار ، وصفيّها ؛ لأنه أكرم ما ينبت» وذكر له منافع وشبها من الآدميين.

والأعناب : جمع عنبة ، ويقال : «عنباء» مثل «سيراء» بالمدّ ، فلا ينصرف. وحيث جاء في القرآن ذكر هذين ، فإنما ينصّ على النخل دون ثمرتها ، وعلى ثمرة الكرم دون الكرم ؛ لأنّ النخل كلّه منافع ، وأعظم منافع الكرم ثمرته دون باقيه.

قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) هذه الجملة في محلّها وجهان :

أحدهما : أنّها في محلّ رفع ؛ صفة لجنة.

والثاني : أنها في محلّ نصب ، وفيه أيضا وجهان ، فقيل : على الحال من «جنّة» ؛ لأنها قد وصفت. وقيل : على أنها خبر [تكون] نقله مكيّ.

__________________

(١) انظر : الشواذ ١٦ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٦٠ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٢٦ ، والدر المصون ١ / ٦٤٢.

٤٠٣

قوله : (لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) جملة من مبتدإ ، وخبر ، فالخبر قوله : «له» و (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) هو المبتدأ ، وذلك لا يستقيم على الظاهر ، إذ المبتدأ لا يكون جارّا ومجرورا ؛ فلا بدّ من تأويله. واختلف في ذلك :

فقيل : المبتدأ في الحقيقة محذوف ، وهذا الجارّ والمجرور صفة قائمة مقامه ، تقديره : «له فيها رزق من كلّ الثمرات ، أو فاكهة من كلّ الثمرات» فحذف الموصوف ، وبقيت صفته ؛ ومثله قول النّابغة : [الوافر]

١٢٢٥ ـ كأنّك من جمال بني أقيش

يقعقع خلف رجليه بشنّ (١)

أي : جمل من جمال بني أقيش ، وقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات: ١٦٤] أي : وما منّا أحد إلّا له مقام.

وقيل : «من» زائدة تقديره : له فيها كلّ الثمرات ، وذلك عند الأخفش ؛ لأنه لا يشترط في زيادتها شيئا.

وأمّا الكوفيّون : فيشترطون التنكير ، والبصريون يشترطونه وعدم الإيجاب ، وإذا قلنا بالزيادة، فالمراد بقوله : (كُلِّ الثَّمَراتِ) التكثير لا العموم ، لأنّ العموم متعذّر.

قال أبو البقاء (٢) : ولا يجوز أن تكون «من» زائدة ، لا على قول سيبويه ولا قول الأخفش ؛ لأنّ المعنى يصير : له فيها كل الثمرات ، وليس الأمر على هذا ، إلّا أن يراد به هنا الكثرة لا الاستيعاب ، فيجوز عند الأخفش ؛ لأنه يجوّز زيادة «من» في الواجب.

فإن قيل : كيف عطف «وأصابه» على «أيودّ»؟ وكيف يجوز عطف الماضي على المستقبل؟

فالجواب : من وجوه :

أحدها : أنّ الواو للحال ، والجملة بعدها في محلّ نصب عليها ، و «قد» مقدّرة أي : وقد أصابه ، وصاحب الحال هو «أحدكم» ، والعامل فيها «يودّ» ، ونظيرها : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] ، وقوله تعالى : (وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا) [آل عمران : ١٦٨] أي : وقد كنتم ، وقد قعدوا.

والثاني : أن يكون قد وضع الماضي موضع المضارع ، والتقدير «ويصيبه الكبر» كقوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ) [هود : ٩٨] أي : يوردهم. قال

__________________

(١) هو النابغة الجعدي ينظر ديوانه ص ١٢٦ ، وخزانة الأدب ٥ / ٦٧ ، ٦٩ ، والكتاب ٢ / ٣٤٥ ، ولسان العرب (وقش) ، (قعع) ، (شنن) ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٨ ، وشرح المفصل ٣ / ٥٩ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٦٧ ، وبلا نسبة في لسان العرب (خدر) ، (أقش) ، (دنا) ، والمقتضب ٢ / ١٣٨ ، شرح المفصل ١ / ٦١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٠١ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٨٤. والدر المصون ١ / ٦٤٣.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٣.

٤٠٤

الفراء (١) : يجوز ذلك في «يودّ» ؛ لأنه يتلقّى مرة ب «أن» ومرة ب «لو» ، فجاز أن يقدّر أحدهما مكان الآخر.

الثالث : أنه حمل في العطف على المعنى ؛ لأنّ المعنى : أيودّ أحدكم أن لو كانت ، فأصابه الكبر ، وهذا الوجه فيه تأويل المضارع بالماضي ؛ ليصحّ عطف الماضي عليه ، عكس الوجه الذي قبله ، فإنّ فيه تأويل الماضي بالمضارع. واستضعف أبو البقاء (٢) هذا الوجه ؛ بأنه يؤدّي إلى تغيير اللفظ مع صحّة المعنى.

والزمخشريّ نحا إلى هذا الوجه ـ أيضا ـ فإنه قال «وقيل : يقال : وددت لو كان كذا ؛ فحمل العطف على المعنى ، كأنه قيل : أيودّ أحدكم لو كانت له جنّة ، وأصابه الكبر».

قال أبو حيان : «وظاهر كلامه أن يكون «أصابه» معطوفا على متعلّق «أيودّ» وهو «أن تكون» ؛ لأنه في معنى «لو كانت» ، إذ يقال : أيودّ أحدكم لو كانت ، وهذا ليس بشيء ؛ لأنه يمتنع من حيث المعنى أن يكون معطوفا على «كانت» التي قبلها «لو» ؛ لأنه متعلّق الودّ ، وأمّا «أصابه الكبر» فلا يمكن أن يكون متعلّق الودّ ؛ لأنّ «أصابه الكبر» لا يودّه أحد ولا يتمنّاه ، لكن يحمل قول الزمخشريّ على أنه لمّا كان «أيودّ» استفهاما معناه الإنكار جعل متعلّق الودادة الجمع بين الشيئين ، وهما : كون جنة له ، وإصابة الكبر إياه ، لا أنّ كلّ واحد منهما يكون مودودا على انفراده ، وإنما أنكروا ودادة الجمع بينهما».

قوله تعالى : (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ) هذه الجملة في محلّ نصب على الحال من الهاء في «وأصابه» ، وقد تقدّم اشتقاق الذريّة. وقرئ «ضعاف» ، وضعفاء ، وضعاف ، منقاسان في ضعيف ، نحو : ظريف ، وظرفاء ، وظراف ، وشريف ، وشرفاء وشراف.

قوله : (فَأَصابَها إِعْصارٌ) هذه الجملة عطف على صفة الجنة قبلها ، قاله أبو البقاء (٣). يعني على قوله تعالى : (مِنْ نَخِيلٍ) وما بعده.

وأتى في هذه الآيات كلّها بلفظ الإصابة نحو فأصابه وابل ، وأصابه الكبر ، فأصابها إعصار ؛ لأنه أبلغ ، وأدلّ على التأثير بوقوع الفعل على ذلك الشيء ، من أنه لم يذكر بلفظ الإصابة ، حتى لو قيل : «وبل» ، و «كبر» ، «وأعصرت» لم يكن فيه ما في لفظ الإصابة من المبالغة.

والإعصار : الريح الشديدة المرتفعة ، وتسمّيها العامّة : الزّوبعة. وقيل : هي الريح السّموم ، سمّيت بذلك ؛ لأنها تلفّ كما يلفّ الثوب المعصور ، حكاه المهدوي. وقيل : لأنها تعصر السّحاب ، وتجمع على أعاصير ، قال : [البسيط]

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٥.

(٢) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.

(٣) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.

٤٠٥

١٢٢٦ أ ـ وبينما المرء في الأحياء مغتبط

إذ هو في الرّمس تعفوه الأعاصير (١)

والإعصار من بين سائر أسماء الريح ، مذكر ، ولهذا رجع إليه الضمير مذكّرا في قوله : «فيه نار».

و «نار» يجوز فيه الوجهان : أعني الفاعلية ، والجارّ قبلها صفة ل «إعصار» والابتدائية ، والجارّ قبلها خبرها ، والجملة صفة «إعصار» ، والأول أولى ؛ لما تقدّم من أنّ الوصف بالمفرد أولى ، والجارّ أقرب إليه من الجملة.

قوله : «فاحترقت» أي : أحرقها ، فاحترقت ، فهو مطاوع لأحرق الرباعي ، وأمّا «حرق» من قولهم : «حرق ناب الرجل» إذا اشتدّ غيظه ، فيستعمل لازما ، ومتعدّيا ، قال : [الطويل]

١٢٢٦ ب ـ أبى الضّيم والنّعمان يحرق نابه

عليه فأفضى والسّيوف معاقله (٢)

روي برفع «نابه» ونصبه ، وقوله (كَذلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمُ الْآياتِ) إلى آخره قد تقدّم نظيره.

فصل

قال عبيد بن عمير : قال عمر ـ رضي الله عنه ـ لأصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيمن ترون هذه الآية نزلت (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ؟) قالوا : الله أعلم ، فغضب عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال : قولوا : نعلم ، أو لا نعلم ، فقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ يا ابن أخي ، قل ولا تحقر نفسك ، فقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : ضربت مثلا لعمل فقال عمر : أيّ عمل؟ فقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لعمل منافق ، ومراء ، قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : لأي رجل؟ قال لرجل غني يعمل بطاعة الله ، بعث الله له الشيطان ؛ فعمل بالمعاصي ؛ حتى أحرق أعماله (٣).

وقال المفسّرون (٤) : هذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المنافق ، والمرائي ، يقول : عمله في حسنه كحسن الجنّة ، ينتفع به ، كما ينتفع صاحب الجنّة بالجنة.

__________________

(١) البيت لعثير بن لبيد أو حريث بن جبلة أو أبي عيينة المهلبي. وهو في أمالي القالي ٢ / ١٧٧ ، ورصف المباني ٣١٨ ، والدرر ١ / ١٧٣ ، واللسان (دهر) ، والدر المصون ١ / ٦٤٤.

(٢) البيت لزهير : ينظر ديوانه (١٤٣) ، الكامل ١ / ١٢٠ ، الجمهرة ٢ / ١٣٩ ، المحتسب ١ / ٥٨ ، البحر ٢ / ٣١٥ ، الحماسة للمرزوقي ٢ / ٥٧٦ ، التهذيب : حرق ، الدر المصون ١ / ٦٤٤.

(٣) أخرجه البخاري (٦ / ٦٧) كتاب التفسير باب سورة البقرة رقم (٤٥٣٨) والطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٤٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٠٢) وزاد نسبته لابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٤) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٥٣.

٤٠٦

«من نخيل وأعناب» وإنما خصهما بالذكر ؛ لأنهما أشرف الفواكه وأحسنها منظرا حيث تكون باقية على الأشجار ، ووصف تلك الجنّة بأن الأنهار تجري من تحتها ، وذلك زيادة في الحسن ، وأنّ فيها من كلّ الثمرات ، وهذا سبب لكمال حال هذه الجنّة من الرؤية ، والمنظر ، وكثرة النّفع ، والرّيع ، ولا يمكن الزيادة على ذلك ، فإذا كبر أو ضعف وصار له أولاد ضعاف ، أي : بسبب الصّغر ، والطفوليّة ، فإنه إذا صار كبيرا ؛ عجز عن الاكتساب ، وكثرت جهات حاجاته في مطعمه ، وملبسه ، ومسكنه ، ومن يقوم بخدمته ، وتحصيل مصالحه ، فإذا تزايدت حاجاته ، وتناقصت جهات مكسبه ، أصاب جنّته إعصار فيه نار فاحترقت ، وهو أحوج ما يكون إليها ، وضعف عن إصلاحها ؛ لكبره ، وضعف أولاده عن إصلاحها ؛ لصغرهم ، فلم يجد هو ما يعود به على أولاده ، ولا أولاده ما يعودون به عليه ، فبقوا جميعا متحيرين عجزة لا حيلة بأيديهم ، كذلك يبطل الله عمل هذا المنافق ، والمرائي حيث لا مغيث لهما ، ولا توبة ، ولا إقالة ، ونظير هذه الآية الكريمة (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر : ٤٧] وقوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣].

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)(٢٦٧)

اعلم أنه تعالى لما ذكر الانفاق على قسمين ، وبين كل قسم وضرب له مثلا ، ذكر في هذه الآية كيفية الإنفاق.

قوله تعالى : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) : في مفعول «أنفقوا» قولان :

أحدهما : أنه المجرور ب «من» ، و «من» للتبعيض ، أي : أنفقوا بعض ما رزقناكم.

والثاني : أنه محذوف قامت صفته مقامه ، أي : شيئا ممّا رزقناكم ، وتقدّم له نظائر.

و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية ، والعائد محذوف ؛ لاستكمال الشروط ، أي : كسبتموه ، وأن تكون مصدرية أي : من طيّبات كسبكم ، وحينئذ لا بدّ من تأويل هذا المصدر باسم المفعول ، أي : مكسوبكم ، ولهذا كان الوجه الأول أولى.

و (مِمَّا أَخْرَجْنا) عطف على المجرور ب «من» بإعادة الجار ، لأحد معنيين : إمّا التأكيد ، وإمّا للدلالة على عامل آخر مقدر ، أي : وأنفقوا ممّا أخرجنا. ولا بدّ من حذف مضاف ، أي : ومن طيبات ما أخرجنا. و «لكم» متعلّق ب «أخرجنا» ، واللام للتعليل. و «من الأرض» متعلّق ب «أخرجنا» ، و «من» لابتداء الغاية.

قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) الجمهور على «تيمّموا» ، والأصل : تتيمموا بتاءين ، فحذفت إحداهما تخفيفا : إمّا الأولى ، وإمّا الثانية ، وقد تقدّم تحريره عند قوله : (تُظْهِرُونَ) [البقرة : ٨٥].

٤٠٧

وقرأ (١) البزّيّ هنا وفي مواضع أخر بتشديد التاء ، على أنه أدغم التاء الأولى في الثانية ، وجاز ذلك هنا وفي نظائره ؛ لأنّ الساكن الأول حرف لين ، وهذا بخلاف قراءته (ناراً تَلَظَّى) [الليل : ١٤] (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ) [النور : ١٥] فإنه فيه جمع بين ساكنين ، والأول حرف صحيح ، وفيه كلام لأهل العربية ، يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

قال أبو علي (٢) : هذا الإدغام غير جائز ؛ لأنّ المدغم يسكّن ، وإذا سكّن ، وجب أن تجلب همزة الوصل عند الابتداء به كما جلبت في أمثلة الماضي ، نحو (فَادَّارَأْتُمْ) [البقرة : ٧٢] و (ارْتَبْتُمْ) [المائدة : ١٠٦] و (اطَّيَّرْنا) [النمل : ٤٧].

لكن أجمعوا على أنّ همزة الوصل لا تدخل على المضارع.

وقرأ ابن عباس (٣) ، والزّهريّ «تيمّموا» بضم التاء ، وكسر الميم الأولى ، وماضيه : يمّم ، فوزن «تيمّموا» على هذه القراءة : تفعّلوا من غير حذف ، وروي عن عبد الله (٤) «تؤمّموا» من أمّمت ، أي : قصدت.

والتيمم : القصد ، يقال : أمّ ك «ردّ» ، وأمّم ك «أخّر» ، ويمّم ، وتيمّم بالتاء ، والياء معا ، وتأمّم بالتاء والهمزة. وكلّها بمعنى قصد. وفرّق الخليل ـ رحمه‌الله ـ بينها بفروق لطيفة ، فقال : «أمّمته أي قصدت أمامه ، ويمّمته : قصدته من أيّ جهة كان».

والخبيث والطيب : صفتان غالبتان ، لا يذكر موصوفهما ؛ قال تعالى : (وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) [النور : ٢٦] ، (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) [الأعراف : ١٥٧] ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من الخبث ، والخبائث» (٥).

قوله : «منه تنفقون» «منه» متعلّق بتنفقون ، وتنفقون فيها ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها في محلّ نصب على الحال من الفاعل في «تيمّموا» أي : لا تقصدوا الخبيث منفقين منه ، قالوا : وهي حال مقدّرة ، لأن الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه ، قاله أبو البقاء (٦) وغيره.

__________________

(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٦٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٠ ، والدر المصون ١ / ٦٤٥ ، وشرح شعلة ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥٥.

(٣) وقرأ بها مسلم بن جندب.

انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٦٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣١ ، والدر المصون ١ / ٦٤٥.

(٤) انظر : السابق.

(٥) أخرجه البخاري (١ / ٧٩) كتاب الوضوء باب ما يقال عند الخلاء (١٤٢) ، (٨ / ١٢٨) كتاب الدعوات باب الدعاء عند الخلاء رقم (٦٣٢٢) ومسلم (١ / ١٩٥) وأبو داود (١ / ٢) والنسائي (١ / ٩) والترمذي ١ / ١٠) وابن ماجه (١ / ١٢٨) وأحمد (٣ / ٩٩ ، ١٠١ ، ٢٨٢). وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.

٤٠٨

والثاني : أنها حال من الخبيث ؛ لأن في الجملة ضميرا يعود إليه ، أي : لا تقصدوا منفقا منه.

والثالث : أنه مستأنف منه ابتداء إخبار بذلك ، وتمّ الكلام عند قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) ثم ابتدأ خبرا آخر ، فقال : تنفقون منه ، وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم ، كأن هذا عتاب للناس ، وتقريع.

والتقدير : تنفقون مع أنكم لستم بآخذيه إلا مع الإغماض ، فهو استفهام على سبيل الإنكار. قال شهاب الدّين : وهذا يردّه المعنى.

فصل في بيان المراد من النفقة

اختلفوا في المراد بهذه النفقة : فقال الحسن : المراد بها الزكاة المفروضة (١) ؛ لأن هذا أمر ، والأمر للواجب.

وقال قوم : صدقة التطوع ؛ لما روي عن علي ، والحسن ، ومجاهد : أنهم قالوا : كانوا يتصدّقون بشرار ثمارهم ، ورديء أموالهم (٢) ؛ فنزلت هذه الآية.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال جاء رجل ذات يوم بعذق خشف فوضعه في الصّدقة. فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «بئس ما صنع صاحب هذا» (٣) فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال آخرون : المراد الفرض ، والنفل ؛ لأن المفهوم من الأمر ترجيح جانب الفعل على جانب الترك من غير أن يكون فيه بيان أنه يجوز الترك أو لا يجوز وهذا المفهوم قدر مشترك بين الفرض والنّفل ؛ فوجب أن يدخلا فيه ، فعلى القول بأنّه الزكاة فنقول : ظاهر الآية يدلّ على وجوب الزكاة في كل مال يكتسبه الإنسان ، من الذّهب ، والفضّة ، والتجارة ، وزكاة الإبل ، والغنم ، والبقر ؛ لأن ذلك مما يوصف بأنه مكتسب.

قال القرطبيّ (٤) : والكسب يكون بتعب بدن ، وهي الإجارة ، أو مقاولة في تجارة ، وهو البيع ، والميراث داخل في هذا ؛ لأن غير الوارث قد كسبه.

وقال ابن خويزمنداد : ولهذه الآية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أولادكم من طيّبات ما كسبتم فكلوا من أموال أولادكم هنيئا» (٥).

__________________

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦١٢) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن هذه الآية ... فذكره.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٦٢) عن مجاهد.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٦١) عن عطاء بمعناه.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٠٨.

(٥) أخرجه أحمد (٦ / ٤١) والنسائي (٧ / ٢٤١) وأبو داود كتاب البيوع باب ٧٩ وابن ماجه (٢٢٩٢) ـ

٤٠٩

قوله : (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) يدلّ على وجوب الزّكاة في كل ما تنبته الأرض ، على ما هو قول أبي حنيفة ـ رحمه‌الله تعالى ـ وخصّ مخالفوه هذا العموم بقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ليس في الخضروات صدقة» (١). وأستدل أبو حنيفة ـ رحمه‌الله ـ أيضا بهذه الآية الكريمة على وجوب إخراج الزكاة من كلّ ما أنبتته الأرض ، قليلا كان ، أو كثيرا ؛ لظاهر الآية وخصّ مخالفوه هذا العموم بقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (٢).

أما المعدن والرّكاز فقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «العجماء جرحها جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الرّكاز الخمس» (٣). الجبار : الهدر الذي لا شيء فيه ، والعجماء : الدّابّة ، والرّكاز : هو ما دفنه أهل الجاهلية وعليه علامتهم.

فصل

اختلفوا في الطّيب : فقيل : هو الجيد ، فعلى هذا يكون الخبيث هو الرديء. وقال

__________________

ـ والترمذي (٢ / ٢٨٧) وسعيد بن منصور (٢٢٨٨ ، ٢٢٨٩) والبيهقي (٧ / ٤٨٠) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤ / ١٥٨) والحميدي (٢٤٦) وأبو نعيم في «تاريخ أصفهان» (١ / ٢٨٨). وقال الترمذي : هذا حديث حسن.

(١) أخرجه الدارقطني (٢ / ٩٥) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (٢ / ٤٩٨) عن علي بن أبي طالب مرفوعا.

وأخرجه الدارقطني (٢ / ٩٦) والبزار (١ / ٤١٩ ـ ٤٢٠ ـ كشف) والطبراني في «الأوسط» كما في «مجمع الزوائد» (٣ / ٦٨) عن طلحة مرفوعا.

وقال الهيثمي : وفيه الحارث بن نبهان وهو متروك وقد وثقه ابن عدي وأخرجه الدارقطني (٢ / ٩٦) عن أنس مرفوعا.

وأخرجه الدارقطني أيضا (٢ / ٩٧) من حديث معاذ بن جبل مرفوعا.

وللحديث شاهد عن عائشة مرفوعا بلفظ : ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة.

أخرجه الدارقطني (٢ / ٩٥).

(٢) أخرجه البخاري (٢ / ٢١٩) كتاب الزكاة باب ما أدي ذكاته ... (رقم (١٤٠٥) ، (٣ / ٢٣٤) كتاب الزكاة باب الورق رقم (١٤٤٧) ومسلم (٣ / ٦٦) ومالك (١ / ٢٤٤) وأبو داود (١٥٥٨) والنسائي (١ / ٣٤٢) والترمذي (١ / ١٢٢) والدارمي (١ / ٣٨٤ ـ ٣٨٥) وابن ماجه (١٧٩٣) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (١ / ٣١٤) وابن أبي شيبة (٤ / ٧ ، ١٠) وابن الجارود (١٧٣ ، ١٨١) والبيهقي (٤ / ١٢٠) والطيالسي (٢١٩٧) وأحمد (٣ / ٦ ، ٣٠ ، ٤٥ ، ٥٩).

(٣) أخرجه البخاري (٢ / ٢٥٨) كتاب الزكاة باب في الركاز الخمس رقم (١٤٩٩) ، (٩ / ٢١) كتاب الديات باب المعدن جبار رقم (٦٩١٢) ومسلم (٣ / ١٢٧ ـ ١٢٨) وأبو داود (٣٠٨٥) والنسائي (١ / ٣٤٥) والترمذي (١ / ٢٥٩) وابن ماجه (٢٥٠٩) والدارمي (١ / ٣٩٣) وابن الجارود (١٩١) والبيهقي (٤ / ١٥٥) والطيالسي (٢٣٠٥) وأحمد (٢ / ٢٣٩ ، ٢٥٤ ، ٢٧٤ ، ٢٨٥ ، ٤١٥). وليس عند ابن ماجه إلا لفظ : وفي الركاز الخمس.

وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

٤١٠

ابن مسعود ، ومجاهد ، والسدّي : الطيب هو الحلال ، وعلى هذا ، فالخبيث هو الحرام.

حجة الأول ما ذكرنا في سبب النزول ، ولأن المحرم لا يجوز أخذه ؛ لا بإغماض ولا غيره ، والآية تدلّ على جواز أخذه بالإغماض.

قال القفّال (١) ـ رحمه‌الله ـ : ويمكن أن يجاب عن هذا بأن الإغماض : المسامحة ، وترك الاستقصاء ، فيكون المعنى : ولستم بآخذيه ، وأنتم تعلمون أنه محرّم ؛ إلّا أن ترخصوا لأنفسكم أخذ الحرام ، ولا تبالون من أيّ وجه أخذتم المال أمن حلال ، أم حرام.

واحتجّوا ـ أيضا ـ بقوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران: ٩٢] وذلك يؤكد أنّ المراد بالطيب هو النّفيس الذي يستطاب تملكه ، لا الخسيس الذي يرفضه كل أحد واحتجّ القاضي (٢) للقول الثاني : بأنّا أجمعنا على أن الطيّب في هذه الآية ؛ إمّا الجيد ؛ وإما الحلال ، فإذا بطل الأول ، تعيّن الثاني.

وإنما قلنا : بطل الأول ؛ لأن المراد لو كان هو الجيد ، لكان ذلك أمرا بإنفاق مطلق الجيّد سواء كان حلالا أو حراما ، وذلك غير جائز ، والتزام التخصيص خلاف الأصل ؛ فتعين الحلال.

قال ابن الخطيب (٣) : ويمكن أن يذكر فيه قول ثالث ، وهو : أن المراد من «الطّيّب» ـ هاهنا ـ ما يكون طيّبا من كلّ الوجوه ، فيكون طيّبا بمعنى : الحلال ، ويكون طيّبا بمعنى : الجودة ، وليس لقائل أن يقول إنّ حمل اللفظ المشترك على مفهوميه ، لا يجوز ؛ لأنا نقول : الحلال إنما يسمى طيّبا ؛ لأنه يستطيبه العقل ، والدّين ، والجيد : إنما يسمّى طيبا ؛ لأنه يستطيبه الميل ، والشهوة. فمعنى الاستطابة مفهوم واحد مشترك بين القسمين ، فكان اللفظ محمولا عليه. إذا ثبت أنّ المراد منه الجيد الحلال ؛ فنقول : الأموال الزكاتيّة إما أن تكون كلّها شريفة ، أو كلها خسيسة ، أو تكون متوسطة أو مختلطة ، فإن كان الكل شريفا ، كان المأخوذ بحساب الزكاة كذلك ، وإن كان الكل خسيسا ، كانت الزكاة كذلك ، أيضا ، ولا يكون ذلك خلافا للآية ؛ لأن المأخوذ في هذه الحالة لا يكون خسيسا من ذلك المال بل إذا كان في المال جيد ورديء ، فحينئذ يقال للإنسان : لا تجعل الزكاة من رديء مالك ، وأمّا إن كان المال مختلطا ، فالواجب هو الوسط ، قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لمعاذ حين بعثه إلى اليمن : «إيّاك وكرائم أموالهم» (٤) وأما إن قلنا : المراد صدقة التطوع أو كلاهما ،

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥٤.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٧ / ٥٥.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) أخرجه البخاري (٣ / ٤١٨) كتاب الزكاة باب أخذ الصدقة من الأغنياء (١٤٩٦) ومسلم (١ / ٥٠) كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (١٩) وأبو داود (١٥٨٤) والنسائي (١ / ٣٤٨) والترمذي (١ / ١٢٢) وابن ماجه (١٧٨٣) والدارمي (١ / ٣٧٩) وابن أبي شيبة (٤ / ٥) والبيهقي (٤ / ـ

٤١١

فنقول : إنّ الله تعالى ندبهم إلى التقرّب إليه بأفضل ما يملكونه ، كمن يتقرب إلى السّلطان بتحفة ، وهدية ، فلا بدّ وأن تكون تلك التحفة أفضل ما في ملكه ، فكذا ـ ها هنا ـ.

قوله : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) هذه الجملة فيها قولان :

أحدهما : أنها مستأنفة لا محلّ لها من الإعراب ، وإليه ذهب أبو البقاء (١).

والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال ، ويظهر هذا ظهورا قويا عند من يرى أن الكلام قد تمّ عند قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) وما بعده استئناف ، كما تقدّم.

والهاء في «بآخذيه» تعود على «الخبيث» وفيها ، وفي نحوها من الضمائر المتصل باسم الفاعل ؛ قولان مشهوران :

أحدهما : أنها في محلّ جر ، وإن كان محلّها منصوبا ؛ لأنها مفعول في المعنى.

والثاني : ـ وهو رأي الأخفش ـ أنها في محلّ نصب ، وإنما حذف التنوين ، والنون في نحو : «ضاربيك» للطافة الضمير ، ومذهب هشام أنه يجوز ثبوت التنوين مع الضمير ، فيجيز : «هذا ضاربنك» بثبوت التنوين ، وقد يستدلّ لمذهبه بقوله : [الطويل]

١٢٢٧ ـ هم الفاعلون الخير والآمرونه ..

 ..........(٢)

وقوله الآخر : [الطويل]

١٢٢٨ ـ ولم يرتفق والنّاس محتضرونه

 ..........(٣)

فقد جمع بين النون النائبة عن التنوين ، وبين الضمير.

قوله : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا) الأصل : إلّا بأن ، فحذف حرف الجرّ مع «أن» فيجيء فيها القولان : أهي في محلّ جرّ ، أم نصب؟ وهذه الباء تتعلّق بقوله : «بآخذيه». وأجاز أبو البقاء (٤) ـ رحمه‌الله ـ أن تكون «أن» وما في حيّزها في محلّ نصب على الحال ، والعامل فيها «آخذيه». والمعنى : لستم بآخذيه في حال من الأحوال إلا في حال الإغماض ، وقد تقدّم أنّ سيبويه (٥) ـ رحمه‌الله ـ لا يجيز أن تقع «أن» ، وما في حيّزها موقع الحال. وقال

__________________

ـ ٩٦) ، (٧ / ٧ ، ٨) وابن خزيمة (٢٢٧٥ ، ٢٣٤٦) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٣٥٧).

(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.

(٢) تقدم برقم (٧٧٥).

(٣) صدر بيت وعجزه :

جميعا وأيدي المعتفين رواهقه

ينظر : خزانة الأدب ٤ / ٢٦٦ ، ٢٧١ ، شرح المفصل ٢ / ١٢٥ ، والكتاب ١ / ١٨٨ ، والمقرب ١ / ١٢٥ ، الكامل ٣١٧ ، والدر المصون ١ / ٦٤٦.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.

(٥) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ١٩٥.

٤١٢

الفراء (١) : المعنى على الشرط والجزاء ؛ لأنّ معناه : إن أغمضتم أخذتم ، ولكن لمّا وقعت «إلّا» على «أن» ، فتحها ، ومثله ، (إِلَّا أَنْ يَخافا) [البقرة : ٢٢٩] (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) [البقرة: ٢٣٩]. وهذا قول مردود.

والجمهور على : «تغمضوا» بضمّ التاء ، وكسر الميم مخففة ؛ من «أغمض» ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه على حذف مفعوله ، تقديره : تغمضوا أبصاركم ، أو بصائركم.

والثاني : في معنى ما لا يتعدّى ، والمعنى إلّا أن تغضوا ، من قولهم : «أغضى عنه».

وقرأ (٢) الزهريّ : «تغمضوا» بضم التاء ، وفتح الغين ، وكسر الميم مشددة ؛ ومعناها كالأولى. وروي عنه أيضا : «تغمضوا» بفتح التاء ، وسكون الغين ، وفتح الميم ؛ مضارع «غمض» بكسر الميم ، وهي لغة في «أغمض» الرباعي ، فيكون ممّا اتفق فيه فعل وأفعل.

وروي عن اليزيديّ (٣) : «تغمضوا» بفتح التاء ، وسكون الغين ، وضمّ الميم.

قال أبو البقاء (٤) ـ رحمه‌الله ـ : «وهو من : يغمض ، كظرف يظرف ، أي : خفي عليكم رأيكم فيه».

وروي عن الحسن (٥) : «تغمّضوا» بضمّ التاء ، وفتح الغين ، وفتح الميم مشددة على ما لم يسمّ فاعله. وقتادة كذلك ، إلا أنه خفّف الميم ، والمعنى : إلّا أن تحملوا على التغافل عنه ، والمسامحة فيه. وقال أبو البقاء (٦) ـ رحمه‌الله ـ في قراءة قتادة : «ويجوز أن يكون من أغمض ، أي : صودف على تلك الحال ؛ كقولك : أحمدت الرجل ، أي : وجدته محمودا» وبه قال أبو الفتح.

وقيل فيها أيضا : إنّ معناها إلّا أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه.

والإغماض : في اللغة غضّ البصر ، وإطباق الجفن ، وأصله من الغموض ، وهو الخفاء ، يقال : هذا كلام غامض أي خفي الإدراك.

قال القرطبيّ (٧) : من قول العرب : أغمض الرجل ؛ إذا أتى غامضا من الأمر ؛ كما

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٧٨.

(٢) انظر : الشواذ ١٦ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٦٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٢ ، والدر المصون ١ / ٦٤٧.

(٣) انظر : البحر المحيط ٢ / ٣٣٢ ، والدر المصون ١ / ٦٤٧.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.

(٥) انظر : السابق ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٦٣.

(٦) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ١١٤.

(٧) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢١٢.

٤١٣

تقول : أعمن الرجل : إذا أتى عمان ، وأعرق : إذا أتى العراق ، وأنجد : إذا أتى نجدا ، وأغار : إذا أتى الغور الذي هو تهامة.

أو من أغمض الرجل في أمر كذا : إذا تساهل فيه ، والغمض : المتطامن الخفيّ من الأرض ، فقيل المراد به في الآية المساهلة ؛ لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه ؛ لئلا يرى ذلك ، ثم كثر ذلك ؛ حتى جعل كل تجاوز ، ومساهلة في البيع ، وغيره إغماضا ، فتقديره في الآية : لو أهدي إليكم مثل هذه الأشياء ، لما أخذتموها إلّا على استحياء ، وإغماض ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟! قاله البراء (١).

وقيل معناه : لو كان لأحدكم على رجل حقّ ، فجاءه بهذا لم يأخذه إلّا وهو يرى أنه قد أغمض له عن حقّه ، وتركه (٢).

وقال الحسن ، وقتادة : لو وجدتموه يباع في السوق ، ما أخذتموه بسعر الجيد ؛ إلّا إذا أغمضتم بصر البائع ، يعني أمرتموه بالإغماض ، والحطّ من الثمن.

ثم قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) والمعنى أنّه غنيّ عن صدقاتكم ، و «الحميد» أي : محمود على ما أنعم بالبيان.

وقيل : قوله : «غنيّ» كالتّهديد على إعطاء الرديء في الصدقات ، و «حميد» : بمعنى حامد ، أي : أنا أحمدكم على ما تفعلونه من الخيرات ، وهو كقوله تعالى : (فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء : ١٩].

قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٢٦٨)

قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ...) الآية : مبتدأ وخبر ، وتقدّم اشتقاق الشيطان ، وما فيه عند الاستعاذة. ووزن يعدكم : يعلكم بحذف الفاء ، وهي الواو ؛ لوقوعها بين ياء ، وكسرة ، وقرأ الجمهور : «الفقر» بفتح الفاء ، وسكون القاف ، وروى أبو حيوة ، عن بعضهم : «الفقر» بضم الفاء وهي لغة ، وقرئ «الفقر» بفتحتين.

والوعد : يستعمل في الخير ، والشّرّ ؛ قال تعالى في الخير : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً) [الفتح : ٢٠] وقال في الشّرّ : (النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الحج : ٧٢] ويمكن أن يحمل هذا على التهكم به كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١] فإذا لم يذكر الخير والشر ، قلت في الخير : وعدته ، وفي الشر أوعدته ؛ قال : [الطويل]

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٥٥.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

٤١٤

١٢٢٩ ـ وإنّي إن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (١)

والفقر والفقر لغتان ؛ وهو الضعيف بسبب قلّة المال ، وأصله في اللغة : كسر الفقار ، يقال : رجل فقير وفقر ، إذا كان مكسور الفقار ؛ قال طرفة : [الرمل]

١٢٣٠ ـ ..........

إنّني لست بموهون فقر (٢)

وسيأتي له مزيد بيان في قوله : «للفقراء».

فصل في المراد من الآية

معنى الآية الكريمة أن الشيطان يخوّفكم الفقر ، ويقول للرجل : أمسك عليك مالك ؛ فإنك إذا تصدقت به افتقرت.

وهذه أوجه اتصال هذه الآية بما قبلها.

قيل المراد ب «الشيطان» : إبليس ، وقيل : شياطين الجن ، والإنس.

وقيل : النّفس الأمّارة بالسّوء.

(وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) أي : بالبخل ، ومنع الزكاة (٣).

قال الكلبي : كلّ فحشاء في القرآن فهو الزنا إلّا هذا ، والفاحش عند العرب : البخيل ، قال طرفة : [الطويل]

١٢٣١ ـ أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المتشدد (٤)

«يعتام» : منقول من عام فلان إلى اللبن ، إذا اشتهاه ، وقد نبّه الله تعالى في هذه الآية الكريمة على لطيفة ، وهي أنّ الشيطان يخوفه أولا بالفقر ، ثم يتوصل بهذا التخويف إلى أن يأمره بالفحشاء ، ويغريه على البخل ؛ وذلك لأن البخل صفة مذمومة عند كل أحد فالشيطان لا يمكنه تحسين البخل في عينه إلّا بتقديم تلك المقدمة ، وهي التخويف من الفقر ، وقيل «الفحشاء» : هو أن يقول : لا تنفق الجيد من مالك في طاعة الله تعالى ؛ لئلا تصير فقيرا ؛ فإذا أطاع الرجل الشيطان في ذلك ، زاد الشيطان فيمنعه من الإنفاق بالكلية ؛ حتى لا يعطي الجيد ، ولا الرديء ، وحتى يمنع الحقوق الواجبة ، فلا يؤدّي الزكاة ، ولا

__________________

(١) البيت لعامر بن الطفيل : ينظر ديوانه ص (٥٨) ، إنباه الرواة ٤ / ١٣٩ مراتب النحويين ص (٣٨) ، اللسان : وعد. والقرطبي ٥ / ٢١٥.

(٢) عجز بيت وصدره :

وإذا تلسنني ألسنتها

ينظر : ديوانه ص ٥٣ ، واللسان (فقر) ، الرازي ٧ / ٥٧.

(٣) ينظر تفسير البغوي ١ / ٢٥٦.

(٤) ينظر : ديوانه (٣٤) ، اللسان (فحش) ، الرازي ٧ / ٥٧ ، البحر المحيط ٢ / ٣٣٣.

٤١٥

يصل الرحم ، ولا يردّ الوديعة ، فإذا صار هكذا ، سقط وقع الذنوب عن قلبه ، ويصير غير مبال بارتكابها ، وهناك يتّسع الخرق ، ويصير مقداما على كلّ الذنوب ، وذلك هو الفحشاء ، وتحقيقه : أنّ لكل خلق طرفين ، ووسطا ، فالطرف الكامل : هو أن يكون بحيث يبذل كلّ ما يملكه في سبيل الله : الجيّد ، والرديء ، والطرف الفاحش النّاقص لا ينفق شيئا في سبيل الله : لا الجيد ، ولا الرديء ، والمتوسط بأن يبخل بالجيد ، وينفق الرديء ، فالشيطان إذا أراد نقله من الطرف الفاضل إلى الطرف الفاحش ، لا يمكنه إلّا بأن يجره إلى الوسط ، فإن عصى الإنسان الشيطان في هذا المقام ، انقطع طمع الشيطان عنه ، وإن أطاعه فيه ، طمع في أن يجرّه من الوسط إلى الطرف الفاحش ، فالوسط : هو قوله تعالى : (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) والطرف الفاحش قوله تعالى : (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ).

وقال القرطبيّ (١) : «الفحشاء» : المعاصي ، قال : ويجوز في غير القرآن : ويأمركم الفحشاء بحذف الباء ، وأنشد سيبويه : [البسيط]

١٢٣٢ أ ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

فقد تركتك ذا مال وذا نشب (٢)

فصل في بيان هل الفقر أفضل من الغنى؟!

تمسك بعضهم (٣) بهذه الآية في أنّ الفقر أفضل من الغنى ، لأن الشيطان إنما يبعد العبد من الخير ، وهو بتخويفه الفقر يبعد منه.

قال ابن عطية : وليس في الآية حجّة ؛ لقوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ : ٣٩] ثم قال : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) لذنوبكم ، كقوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) [التوبة : ١٠٣].

وفي الآية لفظان يدلان على كمال هذه المغفرة :

أحدهما : التنكير في لفظ «المغفرة» ، والمعنى : مغفرة وأيّ مغفرة.

والثاني : قوله : (مَغْفِرَةً مِنْهُ) يدل على كمال حال هذه المغفرة ؛ لأن كمال كرمه ونهاية جوده ، معلوم لجميع العقلاء ، فلما خص هذه المغفرة بكونها منه ، علم أنّ

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢١٣.

(٢) البيت لعمرو بن معدي كرب ينظر ديوانه ص ٦٣ ونسب أيضا لخفاف بن ندبة ينظر ديوانه ص ١٢٦ وللعباس بن مرداس ينظر ديوانه ص ١٣١ ونسب أيضا لأعشى طرود ولزرعة بن خفاف ينظر الكتاب ١ / ٣٧ خزانة الأدب ١ / ٣٣٩ ـ ٣٤٢ و ٩ / ١٢٤ ، المحتسب ١ / ٥١ ـ ٣٧٢ ، المقتضب ٢ / ٣٦ ـ ٨٦ ـ ٣٢١ شرح أبيات سيبويه ١ / ٢٥٠ ، شرح شواهد المغني ص ٧٢٧ مغني اللبيب ص ٣١٥ ، الأشباه والنظائر ٤ / ١٦ ، ٨ / ٥١ ، اللامات ص ١٣٩ شرح المفصل ٨ / ٥٠ ، شرح شذور الذهب ص ٤٧٧ ، الدرر ٥ / ١٨٦.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢١٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٣٦٤.

٤١٦

المقصود تعظيم حال هذه المغفرة ؛ لأنّ عظم المعطي يدلّ على عظم العطيّة.

قوله : «منه» فيه وجهان :

أحدهما : أن يتعلّق بمحذوف ؛ لأنه نعت لمغفرة.

والثاني : أن يكون مفعولا متعلقا بيعد ، أي : يعدكم من تلقاء نفسه.

و «فضلا» صفته محذوفة ، أي : وفضلا منه ، وهذا على الوجه الأول ، وأمّا الثاني ، فلا حذف فيه.

فصل

يحتمل أن يكون المراد من كمال هذه المغفرة ما قاله في آية أخرى : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠] ، ويحتمل أن يجعل شفيعا في غفران ذنوب سائر المذنبين (١) ، ويحتمل أن يكون المقصود أمرا لا يصل إليه عقلنا ما دمنا في دار الدنيا ، فإن تفاصيل أحوال الآخرة أكثرها محجوبة عنا ، ما دمنا (٢) في الدنيا.

وأمّا معنى الفضل ، فهو الرزق ، والخلف المعجّل في الدنيا.

ثم قال تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ) ، أي : واسع المغفرة والقدرة قادر على إغنائكم (٣) ، وإخلاف ما تنفقونه «عليم» لا يخفى عليه ما تنفقون ؛ فهو يخلفه عليكم.

قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢٦٩)

قال السّدّي : هي النبوة (٤).

وقال ابن عباس ، وقتادة : علم القرآن : ناسخه ، ومنسوخه ، ومحكمه ، ومتشابهه ، ومقدّمه ، ومؤخره ، وحلاله ، وحرامه ، وأمثاله (٥).

قال الضحاك : في القرآن مائة وتسع آيات ، ناسخة ومنسوخة ، وألف آية حلال وحرام ، لا يسع المؤمنين تركهن ، حتى يتعلموهنّ ، ولا يكونوا كأهل النهروان فإنهم تأوّلوا آيات من القرآن في أهل القبلة ، وإنما أنزلت في أهل الكتاب ، جهلوا علمها ، فسفكوا بها الدماء ، وانتهبوا الأموال ، وشهدوا علينا بالضلال ، فعليكم تعلم القرآن ؛ فإنه من علم فيما أنزل ؛ لم يختلف في شيء منه.

__________________

(١) في ب : الزنوب.

(٢) في ب : ما دامت.

(٣) في ب : عقابكم.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٧٩) عن السدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦١٦) وعزاه لعبد بن حميد عن ابن عباس.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٧٦) وزاد السيوطي نسبته في «الدر المنثور» (١ / ٦١٦) لابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس موقوفا.

٤١٧

وقال مجاهد : هي القرآن ، والعلم ، والفقه (١) ، وروى ابن أبي نجيح عنه هي الإصابة في القول ، والفعل (٢).

وقال إبراهيم النخعيّ : هي معرفة معاني الأشياء ، وفهمها (٣).

وروي عن مقاتل ، قال : تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه :

أحدها : مواعط القرآن. قال : (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) [البقرة : ٢٣١] وفي النساء (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [النساء : ١١٣] يعني المواعظ ومثلها في آل عمران.

وثانيها : الحكمة بمعنى : الفهم ، والعلم قال (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم : ١٢] وفي لقمان (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) [لقمان : ١٢] يعني الفهم ، والعلم ، وفي الأنعام (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) [الأنعام : ٨٩] وفي «ص» (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) [ص : ٢٠].

وثالثها : النبوة.

ورابعها : القرآن بما فيه من عجائب الأسرار ، قال في النحل : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ)(٤) [النحل : ١٢٥] وفي هذه الآية (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وعند التحقيق ترجع هذه الوجوه إلى العلم.

قال أبو مسلم : الحكمة : فعلة من الحكم ، وهي كالنّحلة : من النّحل ، ورجل حكيم إذا كان ذا حجى ، ولبّ ، وإصابة رأي وهو في هذا الموضع في معنى الفاعل ، ويقال : أمر حكيم ، أي : محكم.

قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ) : الجمهور على «يؤتي» «ومن يؤت» بالياء فيهما ، وقرأ (٥) الريع بن خيثم : بالتاء على الخطاب فيهما. وهو خطاب للباري ؛ على الالتفات.

وقرأ الجمهور : «ومن يؤت» مبنيا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل ضمير «من» الشرطية ، وهو المفعول الأول فتكون في محل رفع ، و «الحكمة» مفعول ثان.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٧٦).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٧٧) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦١٦) وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد.

(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ٢٥٧.

(٤) انظر : «التفسير الكبير» للفخر الرازي (٧ / ٥٩).

(٥) الذي ذكر عن الربيع أنه قرأ بالتاء في «تؤتي» و «تشاء». انظر : الشواذ ١٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٤ ، والدر المصون ١ / ٦٤٨.

٤١٨

وقرأ (١) يعقوب : «يؤت» مبنيا للفاعل ، والفاعل ضمير الله تعالى ، و «من» مفعول مقدم ، و «الحكمة» مفعول ثان ؛ كقولك : «أيّا يعط زيدا درهما أعطه درهما» ويدل لهذه القراءة قراءة الأعمش (٢).

وقال الزمخشريّ : بمعنى «ومن يؤته الله». قال أبو حيان : «إن أراد تفسير المعنى ، فهو صحيح ، وإن أراد الإعراب ، فليس كذلك ؛ إذ ليس ثمّ ضمير نصب محذوف ، بل مفعول «يؤت» من الشرطية المتقدمة». قال شهاب الدين : ويؤيّد تقدير الزمخشري قراءة الأعمش.

قوله : (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) جواب الشرط ، والماضي المقترن بقد ، الواقع جوابا للشرط ، تارة يكون ماضي اللفظ مستقبل المعنى ، كهذه الآية الكريمة ، فهو الجواب حقيقة ، وتارة يكون ماضي اللفظ ، والمعنى نحو : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ) [فاطر : ٤] فهذا ليس جوابا ، بل الجواب محذوف ، أي : فتسلّ ، فقد كذّبت رسل ، وسيأتي له مزيد بيان إن شاء الله تعالى.

والتنكير في «خيرا» قال الزمخشريّ : يفيد التعظيم ، كأنه قال : فقد أوتي [أيّ] خير كثير». قال أبو حيّان (٣) : وتقديره هكذا ، يؤدي إلى حذف الموصوف ب «أيّ» وإقامة الصفة مقامه ، فإنّ التقدير : فقد أوتي خيرا أي خير كثير ، وحذف «أيّ» الواقعة صفة ، وإقامة المضاف إليها مقامها ، وكذلك وصف ما يضاف إليه «أيّ» الواقعة صفة ، نحو : مررت برجل أيّ رجل كريم ، وكلّ هذا يحتاج في إثباته إلى دليل ، والمحفوظ عن العرب : أنّ «أيّا» الواقعة صفة تضاف إلى ما يماثل الموصوف نحو :

١٢٣٢ ب ـ دعوت امرأ أيّ امرئ فأجابني

وكنت وإيّاه ملاذا وموئلا (٤)

وقد يحذف المصوف ب «أي» ؛ كقوله : [الطويل]

١٢٣٣ أ ـ إذا حارب الحجّاج أيّ منافق

علاه بسيف كلّما هزّ يقطع (٥)

تقديره : منافقا أيّ منافق ، وهذا نادر ، وقد تقدم أنّ تقدير الزمخشريّ كذلك ، أعني كونه حذف موصوف «أيّ» كقراءة الأعمش بإثبات «ها» الضمير و «من» في قراءته مبتدأ ، لاشتغال الفعل بمعموله ، وعند من يجوّز الاشتغال في أسماء الشّرط ، والاستفهام ، يجوز في

__________________

(١) انظر : الشواذ ١٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٤ ، والدر المصون ١ / ٦٤٨ ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٥٥.

(٢) انظر : الشواذ ١٧ ، والتخريجات النحوية ٨٠ ، ٢٧٧ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٤ ، والدر المصون ١ / ٦٤٨.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٣٥٥.

(٤) ينظر : الدرر ١ / ٧٠ ، وهمع الهوامع ١ / ٩٢ ، البحر المحيط ٢ / ٣٣٥.

(٥) البيت للفرزدق : ينظر ديوانه (٣٦٠) ، والدرر ١ / ٧١ ، همع الهوامع ١ / ٩٣ ، والبحر المحيط ٢ / ٣٣٥ ، والدر المصون ١ / ٦٤٩.

٤١٩

«من» النصب بإضمار فعل ، وتقديره متأخرا والرفع على الابتداء ، وقد تقدم نظائر هذا.

فصل في دفع شبهة للمعتزلة

احتجّوا بهذه الآية الكريمة على أنّ فعل العبد مخلوق لله تعالى ؛ لأن الحكمة إن فسرناها بالعلم ، لم تكن مفسرة بالعلوم الضرورية ؛ لأنها حاصلة للبهائم ، والمجانين ، والأطفال ، وهذه الأشياء لا توصف بأنها حكمة ، فهي مفسرة بالعلوم النظرية ، وإن فسرناها بالأفعال الحسية فالأمر ظاهر ، وعلى التقديرين : فيلزم أن يكون حصول العلوم النظرية ، والحسية ثابتا من غيرهم ، وبتقدير مقدّر من غيرهم ، وذلك الغير ليس إلا الله تعالى بالاتفاق.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من الحكمة النبوة أو القرآن ، أو قوة الفهم أو الخشية ، على ما قال الرّبيع بن أنس (١)؟

فالجواب : إنّ الدليل الذي ثبت بالتواتر أنه يستعمل لفظ الحكيم في غير الأنبياء فتكون الحكمة مغايرة للنبوة والقرآن ، بل هي مفسرة : إمّا بمعرفة حقائق الأشياء ، أو بالإقدام على الأفعال الحسنة الصائبة ، وعلى التقديرين ، فالمقصود حاصل فإن حاولت حمل الإيتاء على التوفيق ، والإعانة ، والألطاف ، قلنا : كل ما فعله من هذا الجنس في حق المؤمنين ، فقد فعل مثله في حق الكفّار ، مع أن هذا المدح العظيم لا يتناولهم ، فعلمنا أن الحكمة المذكورة في هذه الآية شيء آخر سوى فعل الألطاف.

قوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) وأصل «يذّكّر» : يتذكّر ، فأدغم.

«وأولوا الألباب» ذوو العقول ، ومعناه : أن الإنسان إذا تأمّل ، وتدبر هذه الأشياء ، وعرف أنها لم تصل إلّا بإيتاء الله تعالى ، وتيسيره ، كان من أولي الألباب.

قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)(٢٧٠)

قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) كقوله : (ما نَنْسَخْ) [البقرة : ١٠٦] (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) [البقرة : ١٩٧] وقد تقدّم. وأيضا تقدّم الكلام في مادة «نذر» في قوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] ، إلّا أنّ النّذر له خصوصيّة : وهو عقد الإنسان ضميره على شيء ، يقال : نذر فهو ناذر ؛ قال عنترة : [الكامل]

١٢٣٣ ب ـ الشّاتمي عرضي ولم أشتمهما

والنّاذرين إذا لم القهما دمي (٢)

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي.

(٢) ينظر : ديوانه (٢٢٢) ، شرح القصائد العشر (٣٧٧) ، العيني ٢ / ٥٥١ ، الأشموني ٢ / ٢٤٦ ، التصريح ٢ / ٦٩ ، شرح شواهد الألفية ٣ / ٥٥١ والمقاصد النحوية ٣ / ٥٥١ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٥٩. والأغاني ٩ / ٢١٢ ، البحر ٢ / ٣٢٨ ، الدر المصون ١ / ٦٤٩.

٤٢٠