اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

[النساء : ٩٢] ، أي : لكن إن كان خطأ (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ) [النساء : ٩٢].

فصل

ظاهر الآية يدل على اشتراط حصول الخوف للرّجل والمرأة ، فنقول : الأقسام الممكنة فيه أربعة :

إمّا أن يكون الخوف من قبل المرأة فقط ، أو من قبل الزوج فقط ، أو لا يحصل الخوف من قبل واحد منهما ، أو يكون الخوف من قبلهما معا ، فإن حصل الخوف من قبل المرأة ؛ بأن تكون المرأة ناشزا مبغضة للرّجل ، فههنا يحلّ للزّوج أخذ المال منها ؛ ويدلّ عليه ما روي في سبب نزول الآية : أن جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى تزوّجها ثابت بن قيس بن شماس ، وكانت تبعضه أشدّ البغض ، وهو يحبّها أشدّ الحبّ ، فأتت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وقالت : فرّق بيني وبينه فإنّي أبغضه ، ولقد رفعت طرف الخباء فرأيته يجيء في أقوام ، فكان أقصرهم قامة وأقبحهم وجها وأشدّهم سوادا ، وأنا أكره الكفر بعد الإسلام. فقال ثابت : يا رسول الله ، فلتردّ عليّ الحديقة الّتي أعطيتها ؛ فقال لها : «ما تقولين؟» قالت : نعم وأزيده فقال عليه الصلاة والسلام : لا ، حديقته فقط. ثم قال لثابت : «خذ منها ما أعطيتها وخلّ سبيلها» ففعل ، فكان أوّل خلع في الإسلام (١). وفي «سنن أبي داود» : أنّ المرأة كانت حفصة بنت سهل الأنصاري (٢).

فإن قيل : قد شرط في هذه الآية خوفهما معا ، فكيف قلتم : إنّه يكفي حصول الخوف منها فقط.

فالجواب : أنّ هذا الخوف ـ وإن كان أوّله من جهة المرأة ـ فقد يترتّب عليه الخوف الحاصل من جهة الزّوج ، فإنها إذا كانت مبغضة للزّوج إذا لم تعطه ، فربّما ضربها وشتمها ، وربّما زاد على قدر الواجب ، فحصل الخوف لهما جميعا ؛ أمّا من جهتها فخوفها على نفسها من عصيان الله ، وأمّا من جهته ، فقد يزيد على قدر الواجب.

فأما أن يحصل الخوف من قبل الزّوج فقط ؛ بأن يضربها أو يؤذيها حتى تلتزم الفدية ، فهذا المال حرام ؛ للآية المتقدّمة.

وأما القسم الثالث : ألا يحصل الخوف من أحد منهما ، فقد ذكرنا أنّ أكثر المجتهدين قال بجواز الخلع ، والمال المأخوذ حلال ، وقال قوم إنه حرام.

وأما إن كان الخوف حاصلا منهما ، فالمال حرام أيضا ؛ لأن الآيات المتقدّمة تدلّ

__________________

(١) أخرجه البخاري (٣ / ٤٦٥) والنسائي (٢ / ١٠٤) وابن الجارود (٧٥٠) والبيهقي (٧ / ٣١٣) عن ابن عباس.

(٢) أخرجه مالك (٢ / ٥٦٤) رقم (٣١) وأبو داود (٢٢٢٧) والنسائي (٢ / ١٠٥) والبيهقي (٧ / ٣١٣ ـ ٣١٤) وابن حبان (١٣٢٦) وابن الجارود (٧٣٤) عن حبيبة بنت سهل الأنصارية.

١٤١

على حرمة أخذ ذلك المال ، إذا كان السّبب حاصلا من قبل الزّوج ، وليس فيه تقييد بأن يكون من جانب المرأة سبب أم لا ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أفرد بهذا القسم آية آخرى ؛ وهي قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) [النساء : ٣٥] ، ولم يذكر فيه أخذ المال ، وهذا التقسيم إنما هو فيما بين المكلّفين وبين الله ـ تعالى ـ فأمّا في الظّاهر ، فهو جائز.

فصل في قدر ما يجوز الخلع به

اختلفوا في قدر ما يجوز الخلع به :

فقال الشّعبي والزّهري والحسن البصري وعطاء وطاوس : لا يجوز أن يأخذ فوق ما أعطاها ؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لامرأة ثابت حين قالت له : نعم ، وأزيده ، قال : «لا ، حديقته فقط» (١) ، وهو قول عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ (٢).

قال سعيد بن المسيّب : بل دون ما أعطاها حتّى يكون الفضل (٣).

وأما سائر الفقهاء فإنّهم جوّزوا المخالعة بالأزيد والأقلّ والمساوي.

فصل

قال قوم : الخلع تطليقة ، وهو قول علي ، وعثمان ، وابن مسعود ، والحسن والشّعبي ، والنّخعي ، وعطاء ، وابن السّائب ، وشريح ، ومجاهد ، ومكحول ، والزّهري وهو قول أبي حنيفة وسفيان وأحد قولي الشّافعي وأحد الرّوايتين عن أحمد.

والقول الثاني للشّافعي ، وبه قال محمّد وإسحاق وأبو ثور.

حجّة القول الأوّل : أنه لو كان فسخا ، لما صحّ الزّيادة على المهر المسمّى كالإقالة في البيع ، ولأنّه لو كان فسخا فإذا خالعها ولم يذكر المهر ، وجب أن يجب عليها المهر ؛ كالإقالة في البيع ، فإن الثّمن يجب ردّه وإن لم يذكره. ولما لم يكن كذلك ، ثبت أن الخلع ليس بفسخ ، وإذا بطل ذلك ، ثبت أنّه طلاق.

حجة القول الثّاني : قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ثم ذكر الطّلاق ؛ فقال : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة : ٢٣٠] ولو كان الخلع طلاقا ، لكان الطّلاق أربعا ، وهذا الاستدلال نقله الخطّابي في «معالم السّنن» عن ابن عبّاس ، وأيضا أن النّبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أذن لثابت بن قيس في مخالعة امرأته ، ولم يستكشف هل هي حائض أو في طهر جامعها فيه ، مع أنّ الطّلاق في هاتين الحالتين حرام منهيّ عنه ،

__________________

(١) تقدم.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٧٤ ـ ٥٧٥).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٧٥) عن سعيد بن المسيب.

١٤٢

يجب أو يستكشف عنه ، فلما لم يستكشف بل أمره بالخلع مطلقا ، دلّ على أن الخلع ليس بطلاق.

وأيضا روى أبو داود في «سننه» عن عكرمة ، عن ابن عبّاس : أن امرأة ثابت بن قيس لما اختلعت ، جعل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عدّتها حيضة (١).

قال الخطّابي : وهذا أدلّ شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق ؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] فلو كانت هذه طلقة ، لم يقتصر على قرء واحد.

قوله : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) مبتدأ وخبر ، والمشار إليه جميع الآيات من قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) إلى هنا.

وقوله : (فَلا تَعْتَدُوها) أصله : تعتديوها ، فاستثقلت الضمّة على الياء ؛ فحذفت ، فسكنت الياء وبعدها واو الضمير ساكنة ، فحذفت الياء ؛ لالتقاء الساكنين ، وضمّ ما قبل الواو ؛ لتصحّ ، ووزن الكلمة تفتعوها.

قال أبو العبّاس المقري : ورد لفظ «الاعتداء» في القرآن بإزاء ثلاثة معان :

الأول : الاعتداء : تعدّي المأمورات والمنهيّات ؛ قال ـ تعالى ـ : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) [البقرة : ٢٢٩].

والثاني : «الاعتداء» القتل ؛ قال تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) [البقرة : ١٧٨] أي : من قتل بعد قبول التّوبة.

الثالث : «الاعتداء» الجزاء ؛ قال ـ تعالى ـ : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] أي : جاوزه.

فصل

قال القرطبي (٢) : إذا اختلعت منه برضاع ابنها منه حولين جاز ، وفي الخلع بنفقتها على الابن بعد الحولين مدّة معلومة قولان :

أحدهما : يجوز ؛ قاله سحنون.

والثاني : لا يجوز ؛ رواه ابن القاسم عن مالك.

ولو اشترط على امرأته في الخلع نفقة حملها ، وهي لا شيء لها ، فعليه النفقة إذا لم يكن لها مال تنفق منه ، فإن أيسرت بعد ذلك رجع عليها.

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢٢٢٩) وقال : وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا.

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٩٣.

١٤٣

قال مالك : ومن الحقّ أن يكلّف الرّجل نفقة ولده وإن اشترط على أمّه نفقته إذا لم يكن لها ما تنفق عليه.

قوله : (وَمَنْ يَتَعَدَّ) «من» شرطية في محلّ رفع بالابتداء ، وفي خبرها الخلاف المتقدّم.

وقوله : «فأولئك» جوابها ، ولا جائز أن تكون موصولة ، والفاء زائدة في الخبر لظهور عملها الجزم فيما بعدها ، و «هم» من قوله : «فأولئك هم» يحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون فصلا.

والثاني : أن يكون بدلا.

و «الظّالمون» على هذين خبر «أولئك» والإخبار بمفرد.

والثالث : أن يكون مبتدأ ثانيا ، و «الظّالمون» خبره ، والجملة خبر «أولئك» ، والإخبار على هذا بجملة. ولا يخفى ما في هذه الجملة من التأكيد ؛ من حيث الإتيان باسم الإشارة للبعيد ، وتوسّط الفصل والتعريف بالألف واللام في «الظّالمون» أي : المبالغون في الظلم. وحمل أولا على لفظ «من» ، فأفرد في قوله «يتعدّ» ، وعلى معناها ثانيا ، فجمع في قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

فصل

و «حدود الله» : أوامره ونواهيه ، وهي : ما منع الشرع من المجاوزة عنه ، وفي المراد من «الظّلم» هنا ثلاثة أوجه :

أحدها : اللّعن لقوله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود : ١٨].

وثانيها : أن الظّلم [اسم ذمّ وتحقير ، فيكون جاريا مجرى الوعيد.

وثالثها : أنّ إطلاق الظلم](١) هنا تنبيه على أن الإنسان ظلم نفسه ؛ حيث أقدم على المعصية ، وظلم المرأة : بتقدير ألا تتمّ عدّة الرجل ، أو كتمت شيئا ، ممّا خلق الله في رحمها ، أو ترك الرجل الإمساك بالمعروف ، والتّسريح بالإحسان ، أو أخذ شيئا مما أتاها بغير سبب من نشوز ، فكل هذه المواضع تكون ظلما للغير.

قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٢٣٠)

أي : من بعد الطلاق الثالث ، فلمّا قطعت «بعد» عن الإضافة بنيت على الضّمّ ؛ لما تقدّم تقريره. و «له» و «من بعد» ، و «حتى» ثلاثتها متعلقة ب «يحلّ». ومعنى «من»:

__________________

(١) سقط في ب ..

١٤٤

ابتداء الغاية ، واللام للتّبليغ ، وحتّى للتعليل ، كذا قال أبو حيّان (١) ، قال شهاب الدّين : والظّاهر أنها للغاية ؛ لأنّ المعنى على ذلك ، أي : يمتدّ عدم التحليل له إلى أن تنكح زوجا غيره ، فإذا طلّقها وانقضت عدّتها منه حلّت للأول المطلّق ثلاثا ، ويدلّ على هذا الحذف فحوى الكلام.

و «غيره» صفة ل «زوجا» ، وإن كان نكرة ، لأنّ «غير» وأخواتها لا تتعرّف بالإضافة ؛ لكونها في قوّة اسم الفاعل العامل.

و «زوجا» هل هو للتقييد أو للتوطئة؟ وينبني على ذلك فائدة ، وهي أنه إن كان للتقييد : فلو كانت المرأة أمة ، وطلّقها زوجها ، ووطئها سيّدها ، لم تحلّ للأول ؛ لأنه ليس بزوج ، وإن كانت للتوطئة حلّت ؛ لأنّ ذكر الزوج كالملغى ، كأنه قيل : حتى تنكح غيره ، وإنّما أتى بلفظ «زوج» ؛ لأنه الغالب.

فإن قيل : ما الحكمة في إسناد النّكاح إلى المرأة دون الرجل فقال «حتّى تنكح زوجا»؟

فالجواب : فيه فائدتان :

إحداهما : ليفيد أنّ المقصود من هذا النكاح الوطء ، لا مجرّد العقد ؛ لأن المرأة لا تعقد عقد النكاح ، بخلاف الرجل ؛ فإنه يطلّق عند العقد.

الثانية : لأنّه أفصح ، لكونه أوجز.

فإن قيل : فقد أسند النّكاح إلى المرأة في قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليّها فنكاحها باطل» (٢) وإنما أراد العقد.

فالجواب : أن هذا يدلّ لنا ؛ لأنّ جعل إسناد النكاح إلى المرأة ، والمراد به العقد ، يكون باطلا ، وكلامنا في إسناد النّكاح الصّحيح.

قال أهل اللّغة : النكاح في اللغة : هو الضّمّ والجمع ، يقال : تناكحت الأشجار ، إذا انضم بعضها إلى بعض.

فصل

الذين قالوا : بأن التسريح بالإحسان هو الطّلقة الثالثة ، قالوا : إنّ قوله : (فَإِنْ طَلَّقَها) تفسير للتسريح بالإحسان.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٢١٣.

(٢) أخرجه أبو داود (٢٠٨٣) والترمذي (١ / ٢٠٤) وابن ماجه (١٨٧٩) وأحمد (٦ / ٤٧ ، ١٦٥) والشافعي (١٥٤٣) والدارمي (٢ / ١٣٧) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٤) وابن الجارود (٧٠٠) وابن حبان (١٢٤٨ ـ موارد) والدارقطني (٣٨١) والحاكم (٢ / ١٦٨) والبيهقي (٧ / ١٠٥) والطيالسي (١٤٦٣).

وقال الترمذي : هو عندي حسن. وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين.

١٤٥

واعلم أن للزّوج مع المرأة بعد الطلقة الثانية ثلاثة أحوال :

إمّا أن يراجعها ، وهو المراد بقوله : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ).

أو يتركها ؛ حتى تنقضي عدّتها وتبين ، وهو المراد بقوله : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ).

والثالث : أنه إذا راجعها ، وطلّقها ثالثة ؛ وهو المراد بقوله : (فَإِنْ طَلَّقَها).

فهذه الأقسام الثلاثة ؛ يجب تنزيل الألفاظ الثلاثة عليها ؛ ليطابق كلّ لفظ معناه ، فأمّا إن جعلنا التّسريح بالإحسان ، عبارة عن الطّلقة الثّالثة ، كنّا قد صرفنا لفظتين إلى معنى واحد ؛ على سبيل التّكرار ، وأهملنا القسم الثالث ، ومعلوم أنّ الأوّل أولى ، ووقوع الخلع بين هاتين الآيتين ، كالأجني ، ونظم الآية : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).

فإن قيل : إذا كان النّظم الصّحيح هو هذا ، فما السبب في إيقاع الخلع فيما بين هاتين الآيتين؟

فالجواب : أنّ الرجعة والخلع لا يصحّان ؛ إلّا قبل الطّلقة الثالثة ، وأمّا بعدها ، فلا يصحّ شيء من ذلك ، فلهذا السّبب ذكر الله حكم الرجعة ، ثم أتبعه بذكر الخلع ، ثم ذكر بعد الكلّ حكم الطّلقة الثالثة ؛ لأنها كالخاتمة.

فصل في شروط حل المطلقة ثلاثا لزوجها

مذهب الجمهور : أنّ المطلقة ثلاثا لا تحلّ لزوجها ؛ إلّا بشروط وهي :

أن تعتدّ منه ، وتتزوّج بغيره ، ويطأها ثم يطلّقها ، وتعتدّ من الآخر.

وقال سعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيّب : تحلّ بمجرد العقد (١).

واختلف العلماء في ثبوت اشتراط الوطء ؛ هل ثبت بالكتاب ، أو بالسنة؟ قال أبو مسلم الأصفهانيّ (٢) : الأمران معلومان بالكتاب.

قال ابن جنّي : سألت أبا عليّ عن قولهم : نكح المرأة ، فقال : فرّقت العرب بالاستعمال ، فإذا قالوا : نكح امرأته ، أو زوجته ، أراد المجامعة ، وعلى هذا فالزّوجية مقدّمة على النكاح ، الذي هو الوطء ، وإذا كان كذلك فقوله «تنكح زوجا غيره» ، أي : تتزوّج بزوج ، وينكحها ، أي : يجامعها (٣).

وروي في سبب النزول أنّ الآية نزلت في تميمة ، وقيل : عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضري كانت تحت ابن عمّها ، رفاعة بن وهب بن عتيك القرظيّ ، فطلقها ثلاثا ، قالت عائشة: جاءت امرأة رفاعة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : إني كنت عند رفاعة ،

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٩٠.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

١٤٦

فطلقني فبت طلاقي ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنّما معه مثل هدبة الثوب ، وإنه طلّقني قبل أن يمسّني ؛ أفأرجع إلى ابن عمّي؟ فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا ؛ حتّى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك» والمراد ب «العسيلة» : الجماع ، فروي أنها لبثت ما شاء الله ، ثم رجعت إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالت : إن زوجي قد مسّني ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «كذبت في قولك الأوّل ، فلن أصدّقك في الآخر» ، فلبثت حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتت أبا بكر ، فقالت : يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرجع إلى زوجي الأول ؛ فإن زوجي الآخر قد مسني؟ فقال لها أبو بكر : قد شهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أتيته ، وقال لك ما قال ؛ فلا ترجعي إليه ، فلما قبض أبو بكر ، أتت عمر ، وقالت له مثل ذلك ، فقال : «لئن رجعت إليه لأرجمنّك» (١).

ولأن المقصود من توقيف الحل على اشتراط الوطء هو زجر الزوج ، وإنّما يحصل بتوقيف الحل على اشتراط الوطء ، فأما مجرد العقد ، فليس فيه نفرة ، فلا يصلح جعله زاجرا.

فصل

قال بعض العلماء : إذا طلق زوجته ، واحدة أو اثنتين ثم نكحت زوجا آخر ، فأصابها ، ثم عادت إلى الأول بنكاح جديد ، عادت على ما بقي من طلاقها.

وقال أبو حنيفة : بل يملك عليها ثلاثا ، كما لو نكحت زوجا بعد الثلاث.

فصل هل يلحق المختلفة الطلاق

قال القرطبيّ (٢) : استدلّ بعض الحنفية بهذه الآية ، على أنّ المختلعة يلحقها الطلاق ؛ لأنّ الله شرع صريح الطلاق بعد المفاداة ، لأن «الفاء» حرف تعقيب ، فيبعد أن يرجع إلى قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ؛ لأنّ الأقرب عوده إلى ما يليه ، كالاستثناء.

فصل

لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المحلّل والمحلّل له (٣).

__________________

(١) أخرجه بهذا اللفظ ابن المنذر كما في «الدر المنثور» (١ / ٥٠٥) وأخرجه باختصار البخاري (٣ / ٣٣٣) كتاب الشهادات باب شهادة المختبئ رقم (٢٦٣٩) ومسلم (١ / ٤٠٧) وأحمد (٦ / ٢٢٩) والنسائي (٢ / ٨٠) والترمذي (١ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩) وابن ماجه (١٩٣٢) والدارمي (٢ / ١٦١ ـ ١٦٢) والطيالسي (١٤٣٧ و ١٤٧٣).

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٩٧.

(٣) ورد من حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعلي بن أبي طالب وجابر وابن عباس وعقبة بن عامر.

حديث عبد الله بن مسعود : أخرجه النسائي (٢ / ٩٨) والترمذي (١ / ٢٠٩) والدارمي (٢ / ١٥٨) وابن أبي شيبة (٧ / ٤٤ ـ ٤٥) والبيهقي (٧ / ٢٠٨) وأحمد (١ / ٤٤٨). وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. وأورده الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (٣ / ١٧٠) وقال : من طرق عن نافع عن ابن عمر. وصححه ابن ـ

١٤٧

قال القرطبيّ (١) : ومدار التحليل على الزوج سواء شرط التحليل ، أو نواه ، فمتى كان ذلك فسد نكاحه.

فصل

قال القرطبيّ (٢) : وطء السيّد لأمته التي طلقها زوجها ، لا يحلّها ؛ إذ ليس بزوج وكذلك النكاح الفاسد.

فصل

قال القرطبي (٣) : سئل سعيد بن المسيّب ، وسليمان بن يسار ، عن رجل زوّج عبدا له ، جارية له ، فطلّقها العبد البتّة ، ثم وهبها سيّدها له ، هل تحل له بملك اليمين؟

فقالا : لا تحلّ له ، حتى تنكح زوجا غيره (٤).

فصل

سئل ابن شهاب ، عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها ، وقد كان طلقها واحدة ؛ فقال : تحل له بملك يمينه ، ما لم يبت طلاقها ، فإن بتّ طلاقها ، فقال : لا تحلّ له ، حتى تنكح زوجا غيره (٥).

فإن قيل : إذا طلّق المسلم الذمية ثلاثا ؛ فتزوجت بعده ذميا ، ودخل بها ، حلت للأول ؛ لأن الذّمي زوج.

قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها) الضمير المرفوع عائد على «زوجا» النكرة ، أي : فإن طلّقها ذلك الزوج الثاني ، وأتى بلفظ «إن» الشرطية دون «إذا» ؛ تنبيها على أنّ طلاقه يجب أن يكون باختياره ، من غير أن يشترط عليه ذلك ؛ لأنّ «إذا» للمحقق وقوعه و «إن» للمبهم وقوعه ، أو المتحقّق وقوعه المبهم زمان وقوعه ؛ نحو قوله تعالى : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤].

قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) الضمير في «عليهما» يجوز أن يعود على المرأة ، والزوج

__________________

القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري. حديث أبي هريرة : أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٤٥) وابن الجارود (٦٨٤) والبيهقي (٧ / ٢٠٨) وأحمد (٢ / ٣٢٣). وعزاه الحافط ابن حجر في «التلخيص» (٣ / ١٧٠) لإسحق بن راهويه والبزار. حديث علي بن أبي طالب : أخرجه أبو داود (٢٠٧٦) والترمذي (١ / ٢١٠) وابن ماجه (١٩٣٥) والبيهقي (٧ / ٢٠٩) وأحمد (١ / ٨٣ ، ٨٧ ، ٩٣ ، ١٠٧). حديث ابن عباس : أخرجه ابن ماجه (١٩٣٤). حديث عقبة بن عامر : أخرجه ابن ماجه (١٩٣٦) والحاكم (٢ / ١٩٨) والبيهقي بلفظ ألا أخبركم بالتيس المستعار لعن الله المحلل والمحلل له. وقال الحاكم : صحيح الاسناد ووافقه الذهبي.

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٩٩.

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٩٩.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٠٠.

(٤) انظر : المصدر السابق.

(٥) ينظر : تفسير القرطبي (٣ / ١٠٠).

١٤٨

الأول المطلّق ثلاثا ، أي : فإن طلّقها الثاني ، وانقضت عدّتها منه ، فلا جناح على الزوج المطلّق ثلاثا ، ولا عليها ؛ أن يتراجعا.

وهذا يؤيد قول من قال : إن الرجل إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين ، فتزوجت غيره ، وأصابها ، ثم عادت إلى الأول بنكاح جديد ، أنّها تعود على ما بقي من طلاقها ؛ لأنه سمّى هذا العود بعد الطلاق الثلاث رجعة ، فبعد طلقة وطلقتين أولى بهذا الاسم ، وإذا ثبت هذا الاسم ، كان رجعة ، والرجعية تعود على ما بقي من طلاقها. ويجوز أن يعود عليها ، وعلى الزوج الثاني ، أي : فلا جناح على المرأة ولا على الزوج الثاني ، أن يتراجعا ما دامت عدّتها باقية ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف تلك الجملة المقدّرة ، وهي «وانقضت عدّتها» ، وتكون الآية قد أفادت حكمين ، أحدهما : أنها لا تحلّ للأول ؛ إلّا بعد أن تتزوج بغيره ، والثاني : أنه يجوز أن يراجعها الثاني ، ما دامت عدّتها منه باقية ، ويكون ذلك دفعا لوهم من يتوهّم أنها إذا نكحت غير الأول حلّت للأول فقط ، ولم يكن للثاني عيها رجعة.

وهو الذي عوّل عليه سعيد بن المسيّب في أنّ التحليل يحصل بمجرد العقد ؛ لأن الوطء لو كان معتبرا ، لكانت العدة واجبة ، وهذه الآية تدل على سقوط العدّة ؛ لأن «الفاء» في قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) يدلّ على أنّ حل المراجعة حاصل عقيب طلاق الزوج الثاني ، إلّا أنه يجاب بأنّ هذا المخصوص بقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨].

قوله : (أَنْ يَتَراجَعا) ، أي : «في أن» ، ففي محلّها القولان المشهوران : قال الفراء : موضعهما نصب بنزع الخافض ، وقال الكسائي ، والخليل : موضعهما خفض بإضمار ، و «عليهما» خبر «لا» ، و «في أن» متعلّق بالاستقرار ، وقد تقدّم أنه لا يجوز أن يكون «عليهما» متعلقا ب «جناح» ، والجارّ الخبر ، لما يلزم من تنوين اسم «لا» ؛ لأنه حينئذ يكون مطوّلا.

قوله : (إِنْ ظَنَّا) شرط جوابه محذوف عند سيبويه (١) لدلالة ما قبله عليه ، ومتقدّم عند الكوفيين وأبي زيد. والظّنّ هنا على بابه من ترجيح أحد الجانبين ، وهو مقوّ أن الخوف المتقدّم بمعنى الظّنّ. وزعم أبو عبيدة وغيره أنه بمعنى اليقين ، وضعّف هذا القول الزمخشري لوجهين ، أحدهما من جهة اللفظ وهو أنّ «أن» الناصبة لا يعمل فيها يقين ، وإنما ذلك للمشدّدة والمخففة منها ، لا تقول : علمت أنّ يقوم زيد ، إنما تقول : علمت أن يقوم زيد. والثاني من جهة المعنى : فإنّ الإنسان لا يتيقّن ما في الغد وإنما يظنّه ظنا.

__________________

(١) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٤٤٨.

١٤٩

قال أبو حيان : أمّا ما ذكره من أنه لا يقال : «علمت أنّ يقوم زيد» فقد ذكره غيره مثل الفارسي وغيره ، إلّا أن سيبويه (١) أجاز : «ما علمت إلا أن يقوم زيد» فظاهر هذا الردّ على الفارسي. قال بعضهم الجمع بينهما أنّ «علم» قد يراد بها الظّنّ القويّ كقوله : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة ١٠] ، وقوله : [الوافر]

١١١٣ ـ وأعلم علم حقّ غير ظنّ

وتقوى الله من خير العتاد (٢)

فقوله : «علم حق» يفهم منه أنه قد يكون علم غير حق ، وكذا قوله «غير ظنّ» يفهم منه أنه قد يكون علم بمعنى الظن. وممّا يدلّ على أنّ «علم» التي بمعنى «ظنّ» تعمل في «أن» الناصبة قول جرير : [البسيط]

١١١٤ ـ نرضى عن النّاس إنّ النّاس قد علموا

ألّا يدانينا من خلقه أحد (٣)

ثم قال أبو حيان : «وثبت بقول جرير وتجويز سيبويه أنّ «علم» تعمل في «أن» الناصبة ، فليس بوهم من طريق اللفظ كما ذكره الزمخشري. وأمّا قوله : «لأنّ الإنسان لا يعلم ما في الغد» فليس كما ذكر ، بل الإنسان يعلم أشياء كثيرة واقعة في الغد ويجزم بها» قال شهاب الدين : وهذا الردّ من الشيخ عجيب جدا ، كيف يقال في الآية : إنّ الظن بمعنى اليقين ، ثم يجعل اليقين بمعنى الظن المسوغ لعلمه في «أن» الناصبة. وقوله «لأنّ الإنسان قد يجزم بأشياء في الغد» مسلّم ، لكن ليس هذا منها.

وقوله : «أن يقيما» إمّا سادّ مسدّ المفعولين ، أو الأول والثاني محذوف ، على حسب المذهبين المتقدمين.

فصل

كلمة «إن» في اللغة للشرط ، والمعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط ؛ فظاهر الآية يقتضي : أنه متى لم يحصل هذا الظن لم يحصل جواز المراجعة وليس الأمر كذلك ؛ فإنّ جواز المراجعة ثابت ، سواء حصل هذا الظنّ ، أو لم يحصل ، إلّا أنا نقول : ليس المراد أنّ هذا شرط لصحة المراجعة ؛ بل المراد منه أنه يلزمهم عند المراجعة بالنّكاح الجديد رعاية حقوق الله تعالى ، وقصد الإقامة لحدود الله.

قال طاوس : إن ظنّ كلّ واحد منهما ، أنه يحسن عشرة صاحبه (٤).

وقيل : حدود الله : فرائضه ، أي إذا علما أنه يكون منهما الصلاح بالنكاح الثاني.

__________________

(١) ينظر : الكتاب لسيبويه ١ / ٣٦٨.

(٢) ينظر البحر ٢ / ٢١٣ ، الدر المصون ١ / ٥٦٣.

(٣) ينظر ديوانه (٢٦١) ، الأشموني ٣ / ٣٨٢ ، الهمع ٢ / ٢٢ ، الدرر ٢ / ٢ ، الدر المصون ١ / ٥٦٣.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٠١.

١٥٠

فمتى علم الزوج أنه يعجز بنفقة زوجته ، أو صداقها ، أو شيء من حقوقها الواجبة عليه ؛ فلا يحلّ له أن يتزوجها ؛ حتى يبيّن لها. وكذلك لو كانت تعلم أنها تمنعه من الاستمتاع ، كان عليها أن تبين.

وكذلك لا يجوز له أن يغرّها بنسب يدعيه ، ولا مال له ، ولا صناعة يذكرها ، وهو كاذب ، وكذلك لو كان بها علة ، تمنع من الاستمتاع من جنون ، أو جذام ، أو برص ، أو داء في الفرج ؛ لم يجز لها أن تغرّه ، وعليها أن تبيّن له ما بها ، كما يجب على بائع السّلعة. وكان النبي ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ تزوج امرأة ، فوجد بكشحها (١) برصا ؛ فردّها ، وقال : «دلّستم عليّ» (٢).

فصل هل على الزوجة خدمة الزوج؟

نقل القرطبيّ (٣) عن ابن خويزمنداد قال : اختلف أصحابنا : هل على الزوجة خدمة الزوج؟

فقال بعضهم : ليس عليها خدمته ؛ لأن العقد إنما يتناول الاستمتاع ، لا الخدمة ؛ قال تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) [النساء : ٣٤].

وقال بعضهم : عليها خدمة مثلها ؛ فإن كانت شريفة المحلّ ، فعليها التدبير للمنزل ، وإن كانت متوسطة الحال ، فعليها أن تفرش الفراش ، ونحو ذلك ، وإن كانت دون ذلك ، فعليها أن تقمّ البيت ، وتطبخ ، وتغسل ، وإن كانت من نساء الكرد ، والدّيلم والجبل في بلدهن كلّفت ما تكلف نساؤهم المسلمين من ذلك ؛ قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

قوله : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) «تلك» إشارة إلى ما بينهما من التّكاليف.

«يبيّنها» في هذه الجملة وجهان :

أحدهما : أنها في محلّ رفع ، خبرا بعد خبر ، عند من يرى ذلك.

والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال ، وصاحبها «حدود الله» والعامل فيها اسم الإشارة.

وقرئ (٤) : «نبيّنها» بالنون ، ويروى عن عاصم ، على الالتفات من الغيبة إلى التكلم ؛ للتعظيم.

__________________

(١) الكشح : ما بين الخاصرة الضّلع الخلفي ، وهو من لدن السّرّة إلى المتن ، وقيل : الكشح : ما بين الحجبة إلى الإبط. ينظر لسان العرب ٥ / ٣٨٨٠.

(٢) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤ / ٣٠٠).

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٠٢.

(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٠٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٢١٣ ، والدر المصون ١ / ٥٦٤.

١٥١

فإن قيل : «تلك» إشارة إلى ما بيّنه من التكاليف ؛ وقوله «نبيّنها» إشارة إلى الاستقبال ، والجمع بينهما متناقض!

فالجواب : أنّ هذه النصوص التي تقدمت أكثرها عامة ، لا يتطرق إليها تخصيصات كثيرة ، وأكثر تلك المخصّصات إنّما عرفت بالسّنّة ، فكأنه قال : إن هذه الأحكام التي تقدمت ، هي حدود الله ، وسيبينها الله تعالى كمال البيان ، على لسان النبي ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وهو كقوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤].

وقيل : «تلك حدود الله» يعني : ما تقدّم ذكره من الأحكام يبيّنها الله لمن يعلم أن الله أنزل الكتاب ، وبعث الرسل ؛ ليعملوا بأوامره ، وينتهوا عن نواهيه.

و «لقوم» متعلق ب «يبيّنها» ، و «يعلمون» في محل خفض صفة ل «قوم» ، وخص العلماء بالذكر ؛ لأنّهم هم المنتفعون بالبيان دون غيرهم ، وقيل : خصّهم بالذّكر لقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨] وقيل : عنى به العرب ؛ لعلمهم باللسان.

وقيل : أراد من له علم ، وعقل ؛ كقوله : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣] والمقصود أنه لا يكلف إلّا عاقلا ، عالما بما يكلّف.

قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢٣١)

قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ) : شرط ، جوابه «فأمسكوهنّ» ، وقوله : «فبلغن» عطف على فعل الشرط ، والبلوغ : الوصول إلى الشيء : بلغه يبلغه بلوغا ؛ قال امرؤ القيس : [الطويل]

١١١٥ ـ ومجر كغلّان الأنيعم بالغ

ديار العدوّ ذي زهاء وأركان (١)

ومنه : البلغة ، والبلاغ : اسم لما يتبلّغ به.

قوله تعالى : «بمعروف» في محلّ نصب على الحال ، وصاحبها : إمّا الفاعل أي : مصاحبين للمعروف ، أو المفعول ، أي : مصاحبات للمعروف.

قوله : «ضرارا» فيه وجهان :

أظهرهما : أنه مفعول من أجله ، أي : لأجل الضّرار.

__________________

(١) ينظر : ديوانه (١٩٣) ، البحر ٢ / ٢٥١ ، الدر المصون ١ / ٥٦٤.

١٥٢

والثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، أي : حال كونكم مضارّين لهنّ.

قوله : «لتعتدوا» هذه لام العلّة ، أي : لا تضارّوهنّ على قصد الاعتداء عليهن ، فحينئذ تصيرون عصاة لله تعالى ، وتكونوا معتدين ؛ لقصدكم تلك المعصية.

وأجاز أبو البقاء (١) : أن تكون لام العاقبة ، أي : الصيرورة ، كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، وفي متعلقها وجهان :

أحدهما : أنه (لا تُمْسِكُوهُنَّ).

والثاني : أنه المصدر ، إن قلنا : إنه حال ، وإن قلنا : إنه مفعول من أجله ، تعلّقت به فقط ؛ وتكون علة للعلة ؛ كما تقول : «ضربت ابني ؛ تأديبا ؛ لينتفع» ، فالتأديب علة للضرب ، والانتفاع علة للتأديب ، ولا يجوز أن تتعلّق ـ والحالة هذه ـ ب (لا تُمْسِكُوهُنَّ).

و «تعتدوا» منصوب بإضمار «أن» ، وهي وما بعدها في محلّ جر بهذه اللام ، كما تقدّم تقريره ، وأصل «تعتدوا» : تعتديوا ، فأعلّ كنظائره.

قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أدغم أبو الحارث (٢) ، عن الكسائي ، اللام في الذال ، إذا كان الفعل مجزوما كهذه الآية ، وهي في سبعة مواضع في القرآن : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة : ٢٣١] في موضعين ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) [آل عمران : ٢٨] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً) [النساء : ٣٠] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) [النساء : ١١٤] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) [الفرقان : ٦٨] ، (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [المنافقون : ٩]. وجاز لتقارب مخرجيهما ، واشتراكهما في : الانفتاح ، والاستفال ، والجهر.

وتحرّز من غير المجزوم نحو : يفعل ذلك. وقد طعن قوم على هذه الرواية ، فقالوا : لا تصحّ عن الكسائي ؛ لأنها تخالف أصوله ، وهذا غير صواب.

فصل في سبب النزول

هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار يدعى : ثابت بن يسار ، طلّق امرأته ، حتى إذا قارب انقضاء عدّتها ، راجعها ، ثمّ طلّقها ؛ يقصد مضارّتها (٣).

فإن قيل : ذكر هذه الآية بعد قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) تكرير لكلام واحد ، في موضوع واحد ، من غير زيادة فائدة ، وهو لا يجوز؟!

__________________

(١) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٦.

(٢) الليث بن خالد روى عنه سلمة بن عاصم توفي سنة ٢٤٠ ه‍ ينظر غاية النهاية ٢ / ٢٤.

(٣) تقدم.

١٥٣

فالجواب : أمّا على قول أصحاب أبي حنيفة ، فالسؤال ساقط عنهم ؛ لأنهم حملوا قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) على أن الجمع بين الطلقات غير مشروع ، وإنّما المشروع هو التفريق ، فإن تلك الآية في بيان كيفية الجمع والتفريق ، وهذه في بيان كيفية المراجعة.

وأمّا على قول أصحاب الشافعي ، الذين حملوا تلك الآية على كيفية المراجعة ، فلهم أن يقولوا : إنّ من ذكر حكما يتناول صورا كثيرة وكان إثبات ذلك الحكم في بعض تلك الصور أهمّ ، أن يعيد بعد ذلك الحكم العامّ تلك الصورة الخاصّة مرّة أخرى ؛ ليدلّ ذلك التكرير على أن في تلك الصورة من الاهتمام ، ما ليس في غيرها ، وها هنا كذلك ؛ لأنّ قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) فيه بيان أنه لا بدّ في مدّة العدّة من أحد هذين الأمرين ، ومن المعلوم أنّ رعاية أحد هذين الأمرين عند مشارفة زوال العدة ، أولى بالوجوب من سائر الأوقات التي قبله ؛ لأن أعظم أنواع الإيذاء ، أن يطلقها ، ثم يراجعها مرتين عند آخر الأجل ؛ حتى تبقى في العدة تسعة أشهر ، فلمّا كان هذا أعظم أنواع المضارة ، حسن إعادة حكم هذه الصورة ، تنبيها على أنّ هذه الصورة أعظم اشتمالا على المضارة ، وأولى بأن يحترز المكلف عنها.

فصل في معنى الإمساك بالمعروف

قال القرطبيّ (١) : الإمساك بالمعروف ، هو القيام بما يجب لها من حقّ على زوجها ؛ وكذلك قال جماعة من العلماء : إنّ من الإمساك بالمعروف أنّ الزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة ، أن يطلقها ، فإن لم يفعل خرج عن حدّ المعروف ، فيطلّق عليه الحاكم من أجل الضرر اللّاحق بها ؛ لأن في بقائها عند من لا يقدر على نفقتها ، ضررا ، والجوع لا يصبر أحد عليه ، وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيدة ، وأبو ثور ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وهو قول عمر ، وعلي ، وأبي هريرة.

وقال سعيد بن المسيّب : إنّ ذلك سنة ، ورواه أبو هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقالت طائفة : لا يفرّق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلّق النفقة بذمّته ، بحكم الحاكم ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠].

وحجّة الأوّلين الآية ، وقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «تقول المرأة إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلّقني». رواه البخاري في «صحيحه» (٢).

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٠٢.

(٢) أخرجه البخاري (٩ / ٤١٠) كتاب «النفقات» : باب وجوب النفقة حديث رقم [٥٣٥٥] من حديث أبي هريرة.

١٥٤

فصل

قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) إشارة إلى المراجعة ، واختلف العلماء في كيفيتها ؛ فقال الشّافعيّ : لما لم يكن النكاح والطلاق إلّا بكلام ، لم تكن الرجعة ـ أيضا ـ إلّا بكلام.

وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد : تصحّ بالوطء.

حجة الشافعي : أنّ ابن عمر طلّق زوجته ، وهي حائض ؛ فسأل عمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، فقال : «مره فليراجعها» (١) فأمره ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بالمراجعة في تلك الحال. والوطء في زمن الحيض لا يجوز. وقد يجاب عن هذا ؛ بأنّنا لم نخصّ الرجعة في الوطء ، بل قد يكون في صورة بالوطء ، وفي صورة بالقول.

وحجّة أبي حنيفة ، قوله تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أمر بمجرد الإمساك ، والوطء إمساك ، فوجب أن يكون كافيا.

فإن قيل : إنه تعالى أثبت حقّ المراجعة عند بلوغ الأجل ، وبلوغ الأجل وهو عبارة عن انقضاء العدّة ، لا يثبت حقّ المراجعة.

فالجواب من وجهين :

الأول : أنّ المراد مشارفة البلوغ لا نفس البلوغ ؛ كقول الرجل إذا قارب البلد : «قد بلغنا» ، وقول الرجل لصاحبه : «إذا بلغت مكّة ، فاغتسل بذي طوى» يريد مشارفة البلوغ ، لا نفس البلوغ ، وهو من باب مجاز إطلاق اسم الكلّ على الأكثر.

الثاني : الأجل اسم للزمان ، فنحمله على الزمان الذي هو آخر زمان يمكن إيقاع الرجعة فيه ، بحيث إذا مات ، لا يبقى بعده إمكان الرجعة على هذا ، فلا حاجة إلى المجاز.

فإن قيل : لا فرق بين قوله : «أمسكوهنّ بمعروف» ، وبين قوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) ؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضدّه (٢) ، فما فائدة التكرار؟

__________________

(١) أخرجه البخاري (٧ / ٧٣) كتاب الطلاق باب إذا طلقت الحائض رقم (٥٢٥٢) ومسلم (٤ / ١٨٠) ومالك (٢ / ٥٧٦) رقم (٥٣) والشافعي في «مسنده» (١٦٣٠) وأبو داود (٢١٧٩ ، ٢١٨٠) والنسائي (٢ / ٩٤) والدارمي (٢ / ١٦٠) وابن أبي شيبة (٧ / ٧٥) وابن ماجه (٢٠١٩) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٣١) وابن الجارود (٧٣٤) والبيهقي (٧ / ٣٢٣) وأحمد (٢ / ٦ ، ٥٤ ، ٦٣ ، ١٠٢) من طرق عن نافع عن ابن عمر.

(٢) وقبل ذكر مذاهب العلماء في هذه المسألة يجدر بنا أن نبين أن عبارات القوم قد اختلفت في التعبير عنها :

فمنهم من عبر عنها بقوله : «الأمر بالشيء نهي عن ضده ، أو يستلزم النهي عن ضده».

ومنهم من عبر بقوله : «وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه».

ولكن نستطيع الموازنة بين هاتين العبارتين بذكر الفرق بين الضد والنقيض لورودهما فيهما.

١٥٥

فالجواب : الأمر لا يفيد إلّا مرة واحدة ؛ فلا يتناول كلّ الأوقات ؛ أمّا النهي فإنه يتناول

__________________

ـ وبيانه أن كل واجب كالقعود مثلا المطلوب بقولنا اقعد له أمران منافيان له أحدهما يسمى ضدا والآخر يسمى نقيضا ، وكل منهما يغاير الآخر لأن النقيض ينافي الواجب بذاته ، وهو عدم القعود حيث إن النقيضين هما الأمران اللذان أحدهما وجودي ، والآخر عدمي لا يجتمعان ولا يرتفعان كالقعود وعدمه في المثال الذي قدمنا ، بخلاف الضد كالقيام فإنه ينافيه بالعرض أي باعتبار أنه يحقق المنافي بذاته وهو النقيض لأن الضدين هما الأمران الوجوديان اللذان لا يجتمعان ، وقد يرتفعان كالقعود والقيام فإنهما لا يجتمعان في شخص واحد في وقت واحد ، وقد يرتفعان ويأتي بدلهما الاضطجاع مثلا إلا أن كل واحد من أضداد القعود يحقق النقيض وهو عدم القعود ؛ لأنه فرد من أفراده فلم يكن التنافي بين الواجب وضدّه ذاتيا ، بل لأن أحدهما يقتضي نقيض الآخر الذي ينافيه بالذات ، وهذا إذا كان النقيض له أفراد هي أضداد الواجب يحققه كل واحد منها.

أما إذا لم يكن له إلا فرد واحد هو ضد الواجب ولا يتحقق النقيض إلا به اعتبر ذلك الضد مساويا للنقيض كالحركة والسكون فإن السكون يساوي عدم الحركة لأن عدم الحركة لا يتحقق إلا بالسكون وأخذ مع ضده حكم النقيض فلا يجتمعان ولا يرتفعان إذ لا تجتمع حركة وسكون في وقت واحد في شيء واحد ولا يرتفعان كذلك ، بل لا بد أن يكون الشيء متصفا بأحدهما ضرورة أن الشيء الواحد لا يخلو عن حركة أو سكون.

والمدقق في هاتين العبارتين يجد بينهما ثلاثة فروق.

١ ـ أن التعبير بقولهم : «وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه» لا يفيد إلا حكم النقيض في الوجوب. أما حكمه في الندب فلا ، بخلاف التعبير بقولهم «الأمر بالشيء الخ» فإنه يفيد حكم الضد فيهما لأن الأمر بالشيء بصيغته عند عدم القرينة التي تصرف عن الوجوب إلى الندب يدل على الوجوب ومع القرينة الصارفة يدل على الندب. فالتعبير بالأمر يتناول الوجوب والندب ، والتعبير بالنهي يتناول التحريم والكراهة لأن النهي إن كان جازما فهو التحريم ، وإن كان غير جازم فهو الكراهة.

ومن هذا المنطلق يكون الأمر بالشيء دالا على تحريم الضد إن كان الأمر للوجوب. ودالا على كراهته إن كان الأمر للندب فيكون التعبير بقولهم : «الأمر بالشيء نهي عن ضده» مفيدا لحكم الضد في النوعين.

٢ ـ أن التعبير بقولهم «وجوب الشيء الخ» فيه بيان لحكم النقيض في الوجوب مطلقا أي : سواء كان الوجوب مأخوذا من صيغة الأمر ، أو مأخوذا من غيرها مثل فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقياس وغير ذلك ، بخلاف التعبير بقولهم «الأمر بالشيء الخ» فإنه لا يفيد إلا حكم الضد في الوجوب المأخوذ من صيغة الأمر دون حكم الضد في الوجوب المستفاد من غيرها كما سبق.

٣ ـ أن التعبير بقولهم «الأمر بالشيء نهي عن ضده الخ» يفيد أن محل الخلاف في هذه المسألة هو ضد المأمور به وليس نقيضه. أما التعبير بقولهم : «وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه» فإنه يفيد أن نقيض الواجب موضع خلاف بينهم ، وأن من العلماء من يقول «بأن الأمر بالشيء ليس دالا على النهي عن نقيضه» وهو باطل لأن الإجماع منعقد على أن نقيض الواجب منهي عنه ؛ لأن إيجاب الشيء هو طلبه مع المنع من تركه والمنع من الترك هو النهي عن الترك ، والترك هو النقيض ، فيكون النقيض منهيا عنه. فالدال على الإيجاب وهو الأمر دال على النهي عن النقيض لأنه جزؤه ضرورة أن الدال على الكل يكون دالا على الجزء بطريق التضمن. وإذا كان الأمر كذلك تعين أن يكون الخلاف في الضد فقط ، ووجب أن يكون التعبير عن ذلك النزاع بما يدل صراحة على محله ، والذي يفيد ذلك هو العبارة الأولى لا الثانية. ـ

١٥٦

كلّ الأوقات ، فلعلّه يمسكها بالمعروف في الحال ، ولكن في قلبه أن يضارّها في الزمان المستقبل ، فلما قال : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) اندفعت الشبهات ، وزالت الاحتمالات.

فصل في بيان معنى الضرار

و «الضرار» : هو المضارّة ؛ قال تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) [التوبة : ١٠٧] ، ومعناه راجع إلى إثارة العداوة ، وإزالة الألفة ، وإيقاع الوحشة ؛ وذكر المفسرون فيه وجوها (١) :

أحدها : ما تقدّم في سبب نزول الآية من تطويل العدّة تسعة أشهر ، فأكثر.

ثانيها : «الضرار» سوء العشرة.

وثالثها : تضييق النفقة ، وكانوا يفعلون في الجاهلية أكثر هذه الأعمال ؛ لكي تختلع المرأة عنه بمالها.

__________________

ويرى أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني في أول أقواله إلى أن الأمر بشيء معين إيجابا أو ندبا نهي عن ضده الوجودي تحريما أو كراهة سواء كان الضد واحدا كالتحرك بالنسبة إلى السكون المأمور به في قول القائل اسكن ، أو أكثر كالقيام وغيره بالنّسبة إلى القعود المطلوب للآمر بقوله : اقعد.

ومعنى كونه نهيا أن الطلب واحد ، ولكنه بالنسبة إلى السكون في مثالنا أمر ، وبالنّسبة إلى التحرك نهي كما يكون الشيء الواحد بالنّسبة إلى شيء قريبا وإلى آخر بعيدا. ومثل الشيء المعين في ذلك الشيء الواحد المبهم من أشياء معينة بالنظر إلى مفهومه وهو الأحد الذي يدور بينها فإن الأمر به نهي عن ضده الذي هو ما عداها بخلافه بالنظر إلى فرده المعين فليس الأمر به نهيا عن ضده منها.

وذهب القاضي الباقلاني في آخر أقواله والإمام الرازي وسيف الدين الآمدي وأيضا القاضي عبد الجبار وأبو الحسين من المعتزلة إلى أن الأمر بشيء معين مطلقا يدل على النهي عن ضده استلزاما. فالأمر بالسكون يستلزم النهي عن التحرك أي طلب الكف عنه.

وذهب أبو المعالي الجويني والغزالي إلى أن الأمر بشيء معين مطلقا لا يدل على النهي عن ضده لا مطابقة ولا التزاما.

وذهب بعض العلماء إلى أن أمر الإيجاب يدل على النهي عن ضده التزاما دون أمر الندب فلا يدل على النهي عن ضده لا مطابقة ولا التزاما.

والذي نختاره من هذه الآراء : أن الأمر بالشيء إيجابا أو ندبا يستلزم النهي عن ضده تحريما أو كراهة.

ينظر المحصول ١ / ٢ / ٣٣٤ البرهان ١ / ٢٥٠ ـ ٢٥٢ اللمع (١١) التبصرة ١٨٩ المنخول ١١٤ المستصفى ١ / ٨١ الإحكام للآمدي ٢ / ١٥٩ ، شرح الكواكب المنير ٣ / ٥١ المسودة ص (٤٩) أصول السرخسي ١ / ٩٤ شرح تنقيح الفصول ص ٣٥ المعتمد ١ / ١٠٦ جمع الجوامع ١ / ٣٨٦ تيسير التحرير ١ / ٤٦٣ فواتح الرحموت ١ / ٩٧ القواعد والفوائد الأصولية ص ١٨٣ التمهيد للإسنوي ٩٤ ـ ٩٥ شرح العضد ٣ / ٨٥ كشف الأسرار ٢ / ٣٢٨ التلويح على التوضيح ٢ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ إرشاد الفحول (١٠١) روضة الناظر ص ٢٥ المدخل ص (١٠٢).

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٩٤.

١٥٧

قوله تعالى : (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فيه وجوه :

أحدها : ظلم نفسه ؛ بتعريضها للعذاب.

وثانيها : ظلم نفسه ؛ بأن فوّت عليها منافع الدنيا والدّين :

أمّا منافع الدنيا : فإنّه إذا اشتهر بين الناس بهذه المعاملة القبيحة فلا يرغب أحد في تزويجه ، ولا معاملته.

وأما منافع الدّين فتضييعه للثواب الحاصل على حسن عشرة الأهل ، والثواب على الانقياد لأحكام الله تعالى.

قوله : (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) فيه وجوه :

أحدها : أنّ من أمر بشيء ، فلم يفعله بعد أن نصّب نفسه منصب الطائعين ، يقال : إنه استهزأ بذلك الأمر ولعب به ؛ فعلى هذا يكون المراد أنّ من وصلت إليه هذه التكاليف المتقدمة من العدّة ، والرّجعة ، والخلع ، وترك المضارّة ، ويسأم لأدائها يكون كالمستهزئ بها ، وهذا تهديد عظيم للعصاة من أهل الصلاة ، وغيرهم.

وثانيها : ولا تتسامحوا في تكاليف الله تعالى ، ولا تتهاونوا بها.

وثالثها : قال أبو الدّرداء : كان الرجل يطلّق في الجاهلية ، ويقول : «طلّقت ، وأنا لاعب» ويعتق ، وينكح ، ويقول مثل ذلك ؛ فنزلت هذه الآية ، فقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : «من طلّق ، أو حرّر ، أو نكح ، فزعم أنّه لاعب فهو جدّ» (١).

وروى أبو هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ ؛ الطّلاق والنّكاح والعتاق» (٢).

ورابعها : قال عطاء : معناه أنّ المستغفر من الذنب إذا كان مصرّا عليه ، أو على غيره ، كان مستهزئا بآيات الله تعالى (٣).

وقال مالك في «الموطأ» : بلغنا أنّ رجلا قال لابن عبّاس : إني طلقت امرأتي مائة مرّة ، فماذا ترى؟ فقال ابن عبّاس : طلّقت منك بثلاث ؛ وسبع وتسعون اتخذت آيات الله هزوا (٤).

__________________

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٥٠٩) وعزاه لابن أبي عمر في مسنده وابن مردويه في تفسيره عن أبي الدرداء.

(٢) أخرجه أبو داود (٢١٩٤) والترمذي (١ / ٢٢٣) وابن ماجه (٢٠٣٩) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٥٨) وابن الجارود (٧١٢) والحاكم (٢ / ١٩٨) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٤٦) عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي : حديث حسن غريب. وقال الحاكم : صحيح الإسناد وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين ورده الذهبي بقوله : قلت : فيه لين.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٩٥.

(٤) ذكره مالك في الموطأ (٢ / ٥٥٠) كتاب الطلاق رقم (٣).

١٥٨

والأقرب هو الأوّل ؛ لأنه تهديد بعد ذكر تكاليف ، فيكون تهديدا عليها ، لا على غيرها. ولمّا رغّبهم في أداء التكاليف بالتهديد ، رغبهم ـ أيضا ـ بذكر نعمه عليهم في الدنيا والدين ، فقال : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) أي : بالإسلام ، وبيان الأحكام. ويجوز في «عليكم» وجهان :

أحدهما : أن يتعلّق بنفس «النعمة» ، إن أريد بها الإنعام ؛ لأنها اسم مصدر ؛ كنبات من أنبت ، ولا تمنع تاء التأنيث من عمل هذا المصدر ؛ لأنه مبنيّ عليها كقوله : [الطويل]

١١١٦ ـ فلو لا رجاء النّصر منك ورهبة

عقابك قد كانوا لنا كالموارد (١)

فأعمل «رهبة» في «عقابك» ، وإنما المحذور أن يعمل المصدر الذي لا يبنى عليها ، نحو : ضرب وضربة ، ولذلك اعتذر الناس عن قوله : [الطويل]

١١١٧ ـ يحايي به الجلد الّذي هو حازم

بضربة كفّيه الملا وهو راكب (٢)

بأنّ الملا ، وهو السراب ، منصوب بفعل مقدّر لا بضربة.

والثاني : أن يتعلّق بمحذوف ، على أنه حال من «نعمة» إن أريد بها المنعم به ، فعلى الأول تكون الجلالة في محلّ رفع ، لأنّ المصدر رافع لها تقديرا ؛ إذ هي فاعلة به ، وعلى الثاني في محلّ جرّ لفظا وتقديرا.

قوله (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ) يجوز في «ما» وجهان :

أحدهما : أن تكون في محلّ نصب ؛ عطفا على «نعمة» ، أي : اذكروا نعمته والمنزّل عليكم ، فعلى هذا يكون قوله : «يعظكم» حالا ، وفي صاحبها ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه الفاعل في «أنزل» وهو اسم الله تعالى ، أي : أنزله واعظا به لكم.

والثاني : أنه «ما» الموصولة ، والعامل في الحال : اذكروا.

والثالث : أنه العائد على «ما» المحذوف ، أي : وما أنزله موعوظا به ، فالعامل في الحال على هذا القول وعلى القول الأول «أنزل».

والثاني من وجهي «ما» : أن تكون في محلّ رفع بالابتداء ، ويكون «يعظكم» على هذا في محلّ رفع ؛ خبرا لهذا المبتدأ ، أي : والمنزّل عليكم موعوظ به. وأول الوجهين أقوى وأحسن.

__________________

(١) البيت من شواهد الكتاب ١ / ١٨٩ ، المفصل لابن يعيش ٦ / ٦١ ، حاشية يس ٢ / ٦٣ ، الدر المصون ١ / ٤٦٥.

(٢) البيت ينظر : الهمع ٢ / ٩٢ ، العيني ٣ / ٥٢٧ ، حاشية يس ١ / ٣١٦ ، الدرر ٢ / ١٢٢ ، الدر المصون ١ / ٥٦٥.

١٥٩

قوله : «عليكم» متعلّق ب «أنزل» ، و «من الكتاب» متعلّق بمحذوف ، لأنه حال ، وفي صاحبه وجهان :

أحدهما : أنه «ما» الموصولة.

والثاني : أنه عائدها المحذوف ، إذ التقدير : أنزله في حال كونه من الكتاب.

و «من» يجوز أن تكون تبعيضية ، وأن تكون لبيان الجنس عند من يرى ذلك.

والضمير في «به» يعود على «ما» الموصولة.

والمراد من «الكتاب» : القرآن ، ومن «الحكمة» : «السّنّة». يعظكم به أي : يخوفكم به ، ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : في أوامره ، ولا تخالفوه في نواهيه ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

قوله تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢٣٢)

الكلام في صدر هذه الآية كالتي قبلها ، إلّا أنّ الخطاب في : «طلّقتم» للأزواج ، وفي : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) للأولياء ؛ لأنه يروى في سبب نزول هذه الآية وجهان :

الأول : أنّ معقل بن يسار زوّج أخته جميل بن عبد الله بن عاصم ، وقيل : كانت تحت أبي الدّحداح (١) عاصم بن عدي بن عجلان فطلقها ، ثم تركها حتىّ انقضت عدّتها ، ثم ندم ؛ فجاء يخطبها ، فقال : زوجتك ، وفرشتك ، وأكرمتك ؛ فطلقتها ثم جئت تخطبها؟! لا والله ، لا تعود إليك أبدا ، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه ، فقال لها معقل : إنه طلّقك ثمّ تريدين مراجعته؟ وجهي من وجهك حرام ، إن راجعته ؛ فأنزل الله هذه الآية ، فدعا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ معقل بن يسار ، وتلا عليه الآية ، فقال : رغم أنفي لأمر

__________________

(١) عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة بن حرام البلوي العجلاني حليف الأنصار.

كان سيد بني عجلان ، وهو أخو معن بن عدي ويكنى : أبا عمرو ، يقال : أبا عبد الله ، واتفقوا على ذكره في البدريين ، ويقال : إنه لم يشهدها بل خرج فكسر فرده النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الروحاء واستخلفه على العالية من المدينة وله ذكر في الصحيح من حديث سهل بن سعد في قصة المتلاعنين ، وغاير البغوي بين عاصم بن عدي العجلاني وبين عاصم والد أبي القداح ، فوهم ، وصرح ابن خزيمة في صحيحه بأن والد ابن القداح هو عاصم بن عدي العجلاني ، وقال ابن سعد وابن السكن وغيرهما : مات سنة خمس وأربعين وهو ابن مائة وخمس عشرة وقيل : عشرين وقال الزبير بن بكار في ترجمة عبد الرحمن بن عوف : ومن ولده عمر ومعن وزيد وأمهم سهلة بنت عاصم بن عدي العجلاني كان عبد العزيز بن عمران يحدث عن أبيه عن جده عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال عاش عاصم بن عدي عشرين ومائة سنة ، فلما حضرته الوفاة بكى عليه أهله فقال : لا تبكوا عليّ إنما فنيت فناء وذكر الطبري أنه كان قصير القامة ينظر الإصابة ترجمة رقم (٤٣٤٦) ، الأعلام ٣ / ٢٤٨.

١٦٠