اللّباب في علوم الكتاب - ج ٢

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٢

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٤٣

٨١٣ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما

أبو حجر إلّا ليال قلائل (١)

أي : بين الخير وبيني.

و «له» متعلّق ب «مسلمون» ، قدم للاهتمام به لعود الضمير على الله ـ تعالى ـ أو لتناسب الفواصل.

فصل في الكلام على الآية

قدم الإيمان بالله ؛ لأن من لا يعرف الله يستحيل أن يعرف نبيّا أو كتابا ، فإذا عرف الله ، وآمن به عرف أنبياءه ، وما أنزل عليهم.

وقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فيه وجهان :

الأول : لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، بل نؤمن بالكل ، روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم وقولوا : آمنّا بالله وما أنزل ...» (٢) الآية.

الثاني : لا نقول : إنهم متفرقون في أصول الديانات ، بل هم يجتمعون على الأصول التي هي الإسلام كما قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) [الشورى : ١٣].

[فإن قيل : كيف يجوز الإيمان بإبراهيم وموسى وعيسى مع القول بأن شرائعهم منسوخة؟

قلنا : نحن نؤمن بأن كل واحد من تلك الشرائع كان حقّا في زمانه ، فلا تلزمنا المناقضة ، وإنما تلزم المناقضة لليهود والنصارى ؛ لاعترافهم بنبوة من ظهر المعجز على يده ، ولم يؤمنوا](٣).

وقوله : «ونحن مسلمون» يعني أن إسلامنا لأجل طاعة الله لا لأجل الهوى.

قوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١٣٧)

«الباء» في قوله (بِمِثْلِ) فيه أقوال :

__________________

(١) البيت للنابغة الذبياني. ينظر ديوانه : ص ١٢٠ ، وشرح التصريح : ٢ / ١٥٣ ، وشرح عمدة الحافظ : ص ٦٤٨ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ١٦٧ ، وأوضح المسالك : ٣ / ٣٩٦ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٤٣٠ ، والدر المصون : ١ / ٣٨٦.

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٥) تعليقا كتاب الشهادات باب : لا يسأل أهل الشرك ، (٩ / ١٩٨) رقم (٧٣٦٢) كتاب الاعتصام باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تسألوا أهل الكتاب ، (٩ / ٢٨٠) رقم (٧٥٤٢) كتاب التوحيد باب ما يجوز من تفسير التوراة وأخرجه البيهقي (١٠ / ١٦٣) والبغوي في «شرح السنة» (١ / ٢٦٩).

(٣) سقط في ب.

٥٢١

أحدها : أنها زائدة كهي في قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) [البقرة : ١٩٥] وقوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ) [مريم : ٢٥] ؛ وقوله : [البسيط]

٨١٤ ـ ..........

سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (١)

والثاني : أنها بمعنى «على» ، أي : فإن آمنوا على مثل إيمانكم بالله.

والثالث : أنها للاستعانة كهي في «نجرت بالقدّوم» ، و «كتبت بالقلم» ، والمعنى : فإن دخلوا في الإيمان بشهادة مثل شهادتكم. وعلى هذه الأوجه ، فيكون المؤمن به محذوفا ، و «ما» مصدرية ، والضمير في «به» عائدا على الله ـ تعالى ـ والتقدير : فإن آمنوا بالله إيمانا مثل إيمانكم به ، و «مثل» هنا فيها قولان :

أحدهما : أنها زائدة ، والتقدير : بما آمنتم به ، وهي قراءة عبد الله (٢) بن مسعود ، وابن عباس [وذكر البيهقي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لا تقولوا بمثل ما آمنتم به ، فإن الله ـ تعالى ـ ليس له مثل (٣) ، ولكن قولوا بالذي آمنتم به ، وهذا يروى قراءة أبيّ](٤) ونظيرها في الزيادة قول الشاعر : [السريع أو الرجز]

٨١٥ ـ فصيّروا مثل كعصف مأكول (٥)

وقال بعضهم : هذا من مجاز الكلام تقول : هذا أمر لا يفعله مثلك ، أي : لا تفعله أنت.

والمعنى : فإن آمنوا بالذي آمنتم به ، نقله ابن عطية ، وهو يؤول إلى إلغاء «مثل» وزيادتها.

والثاني : أنها ليست بزائدة ، والمثليّة متعلقة بالاعتقاد ، أي : فإن اعتقدوا بمثل اعتقادكم ، أو متعلقة بالكتاب ، أي : فإن آمنوا بكتاب مثل الكتاب الذي آمنتم به ، والمعنى : فإن آمنوا بالقرآن الذي هو مصدق لما في التوراة والإنجيل ، وهذا التأويل ينفي زيادة «الباء».

قال ابن الخطيب (٦) رحمه‌الله تعالى : وفيها وجوه ، وذكر في بعضها أن المقصود

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١١٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٥٨) وزاد نسبته لابن أبي حاتم والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس.

(٢) سقط في ب.

(٣) عجز بيت للقتال الكلابي ، وصدره :

هن الحرائر لا ربات أحمرة

ينظر ديوانه : (٥٣) ، مجالس ثعلب : ١ / ٣٠١ ، المغني : ١ / ٢٩ ، الخزانة : ٣ / ٦٦٧ ، المخصص : ١٤ / ٧٠ ، الجنى الداني : (٢١٧) ، الدر المصون : ١ / ٣٨٦.

(٤) انظر الشواذ : ١٠ ، والمحرر الوجيز : ١ / ٢١٦ ، والبحر المحيط : ١ / ٥٨١ ، والدر المصون : ١ / ٣٨٦.

(٥) تقدم برقم (٢٢٤).

(٦) ينظر الفخر الرازي : ٤ / ٧٦.

٥٢٢

منه التثبيت ، والمعنى : إن حصلوا دينا آخر مثل دينكم ، ومساويا له في الصحة والسداد ، فقد اهتدوا ، ولمّا استحال أن يوجد دين آخر يساوي هذا الدين في الصواب والسّداد استحال الاهتداء بغيره ونظيره قولك للرجل الذي تشير عليه : هذا هو الرأي الصواب ، فإن كان عندك رأي أصوب منه فاعمل به ، وقد علمت أن لا أصوب من رأيك ، [ولكنك تريد تثبيت صاحبك ، وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه](١).

وقيل : إنكم آمنتم بالفرقان من غير تصحيف وتحريف ، فإن آمنوا بمثل ذلك ، وهو التوراة من غير تصحيف وتحريف ، فقد اهتدوا ؛ لأنهم يتوصّلون به إلى معرفة نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقيل : فإن صاروا مؤمنين بمثل ما به صرتم مؤمنين ، فقد اهتدوا.

و «ما» في قوله : (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ) فيها وجهان :

أحدهما : أنها بمعنى الذي ، والمراد بها حينئذ : إما الله ـ تعالى ـ بالتأويل المتقدم عند من يجيز وقوع (ما) على أولي العلم نحو : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس : ٥].

وإما الكتاب المنزل.

[والثاني : أنها مصدرية ، وقد تقدم ذلك.

والضمير في «به» فيه أيضا وجهان :

أحدهما : أنه يعود على الله ـ تعالى ـ كما تقدم](٢).

والثاني : أن يعود على (ما) إذا قيل : إنها بمعنى الذي.

قوله : (فَقَدِ اهْتَدَوْا) جواب الشرط في قوله : (فَإِنْ آمَنُوا) ، وليس الجواب محذوفا ، كهو في قوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ) [فاطر : ٤٠] ، لأن تكذيب الرسل ماض محقق هناك ، فاحتجنا إلى تقدير جواب.

وأما هنا فالهداية منهم لم تقع بعد ، فهي مستقبلة معنى ، وإن أبرزت في لفظ المعنى.

[قال ابن الخطيب : والآية تدل على أن الهداية كانت موجودة قبل هذا الاهتداء ، وتلك الهداية لا يمكن حملها إلا على الدلائل التي نصبها الله تعالى وكشف عنها ، وبين وجوه دلالتها ، ثم بيّن وجه الزجر وما يلحقهم إن تولوا ، فقال : «وإن تولوا فإنهم في شقاق»](٣).

قوله : (فِي شِقاقٍ) خبر لقوله : «هم» ، وجعل الشقاق ظرفا لهم ، وهم مظروفون له مبالغة في الإخبار باستعلائه عليهم ، وهو أبلغ من قولك : هم مشاقّون ، وفيه : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) [الأعراف : ٦٦] ونحوه.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في ب.

٥٢٣

والشّقاق : مصدر من شاقّه يشاقّه نحو : ضاربه ضرابا ، ومعناه المخالفة والمعاداة.

وفي اشتقاقه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه من الشّق وهو الجانب. وذلك أن أحد المشاقين يصير في شقّ صاحبه ، أي : جانبه ؛ قال امرؤ القيس : [الطويل]

٨١٦ ـ إذا ما بكى من خلفها انصرفت له

بشقّ وشقّ عندنا لم يحوّل (١)

أي : بجانب.

الثاني : أنه من المشقة ، فإن كلّا منهما يحرص على ما يشقّ على صاحبه.

الثالث : أنه من قولهم : «شققت العصا بيني وبينك» ، وكانوا يفعلون ذلك عند تعاديهم.

فصل في الكلام على الآية

قال ابن الخطيب : معناه إن تركوا مثل هذا الإيمان فقد التزموا المناقضة ، والعاقل لا يلتزم المناقضة ألبتة ، فحيث التزموها علمنا أنه ليس غرضهم طلب الدين ، والانقياد للحق ، وإنما غرضهم المنازعة ، وإظهار العداوة.

قال ابن عباس وعطاء رضي الله عنهما (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) أي : في خلاف منذ فارقوا الحقّ ، وتمسّكوا بالباطل ، فصاروا مخالفين لله.

وقال أبو عبيدة ومقاتل : (فِي شِقاقٍ) ، أي : في ضلال.

وقال ابن زيد : في منازعة ومحاربة.

وقال الحسن : في عداوة (٢).

قال القاضي : ولا يكاد يقال في المعاداة على وجه الحق ، أو المخالفة التي لا تكون معصية : إنه شقاق ، وإنما يقال ذلك في مخالفة عظيمة توقع صاحبها في عداوة الله وغضبه ولعنته وفي استحقاق النّار ، فصار هذا القول وعيدا منه تعالى لهم ، وصار وصفهم بذلك دليلا على أنهم معادون للرسول ، مضمرون له السوء مترصّدون لإيقاعه في المحن ، فعند هذا آمنه الله ـ تعالى ـ من كيدهم ، وآمن المؤمنين من شرّهم ومكرهم ، [فقال : «سيكفيكهم الله» تقوية لقلبه وقلوب المؤمنين](٣).

و «الفاء» في قوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ) تشعر بتعقيب الكفاية عقب شقاقهم ، وجيء ب «السين» دون «سوف» ؛ لأنها أقرب منها زمانا بوضعها ، ولا بد من حذف مضاف أي:

__________________

(١) تقدم برقم (٢٣٦).

(٢) أخرج بعض هذه الآثار الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٣٧).

(٣) سقط في ب.

٥٢٤

فسيكفيك شقاقهم ؛ لأن الذوات لا تكفى إنما تكفى أفعالها ، والمكفي به محذوف ، أي : بمن يهديه الله ، أو بتفريق كلمتهم.

[ولقد كفى بإجلاء بني النضير ، وقتل بني قريظة ، وبني قينقاع ، وضرب الجزية على اليهود والنصارى](١).

قوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي : السميع لأقوالهم ، العليم لأحوالهم.

وقيل : السميع لدعائك العليم بنيتك ، فهو يستجيب لك ويوصلك لمرادك. [وروي أن عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان يقرأ في المصحف ، فقتل فقطرت نقطة من دمه على قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ).

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم ، قد أخبره بذلك (٢)](٣).

والكاف والهاء والميم في موضع نصب مفعولان ؛ ويجوز في غير القرآن الكريم : «فسيكفيك».

فصل في الكلام على سمع الله وعلمه

واحتجوا بقوله تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) على أن سمعه تعالى زائد على علمه بالمسموعات ، وإلا يلزم التكرار ، وهو غير جائز ، فوجب أن يكون صفة كونه تعالى سميعا أمرا زائدا على وصفه بكونه عليما.

قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ)(١٣٨)

قرأ الجمهور «صبغة» بالنصب.

وقال الطبري رحمه‌الله : من قرأ (٤) : «ملّة إبراهيم» بالرفع قرأ «صبغة» بالرفع (٥) وقد تقدم أنها قراءة ابن هرمز ، وابن أبي عبلة.

فأما قراءة الجمهور ففيها أربعة أوجه :

أحدها : أن انتصابها انتصاب المصدر المؤكد ، وهذا اختاره الزمخشري ، وقال : «هو الذي ذكره سيبويه ، والقول ما قالت حذام» انتهى قوله.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) أخرجه الحاكم (٣ / ١٠٣) وسكت عنه ورده الذهبي بقوله : كذب بحت وفي الإسناد أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٥٩) عن أبي سعيد مولى بني أسد وعزاه لابن أبي داود في «المصاحف» وأبي القاسم بن بشران في أماليه ، وأبي نعيم في المعرفة وابن عساكر.

وذكره أيضا (١ / ٢٥٩) عن نافع بن أبي نعيم بمعناه ، وعزاه لابن أبي حاتم.

(٣) سقط في ب.

(٤) سبق تخريج هذه القراءة.

(٥) قراءة الرفع على أنها خبر المبتدأ محذوف ، أي : ذلك الإيمان صبغة الله. ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٤.

٥٢٥

واختلف حينئذ عن ماذا انتصب هذا المصدر؟

فقيل : عن قوله : (قُولُوا : آمَنَّا).

وقيل عن قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).

وقيل : عن قوله : (فَقَدِ اهْتَدَوْا).

الثاني : أن انتصابها على الإغراء أي : الزموا صبغة الله.

وقال أبو حيان (١) وهذا ينافره آخر الآية ، وهو قوله : (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) [فإنه خبر والأمر ينافي الخبر] إلا أن يقدر هنا قول ، وهو تقدير لا حاجة إليه ، ولا دليل من الكلام عليه.

الثالث : أنها بدل من «ملة» وهذا ضعيف ؛ إذ قد وقع الفصل بينهما بجمل كثيرة.

الرابع : انتصابها بإضمار فعل أي : اتبعوا صبغة الله ، ذكر ذلك أبو البقاء مع وجه الإغراء ، وهو في الحقيقة ليس زائدا فإنّ الإغراء أيضا هو نصب بإضمار فعل.

قال الزمخشري (٢) رحمه‌الله : وهي ـ أي الصبغة ـ من «صبغ» كالجلسة من «جلس» ، وهي الحالة التي يقع عليها الصّبغ ، والمعنى : تطهير الله ؛ لأن الإيمان يطهر النّفوس.

فصل في الكلام على الصّبغ

الصّبغ ما يلون به الثياب ويقال : صبغ الثوب يصبغه بفتح الباء وكسرها وضمها ثلاث لغات صبغا بفتح الصاد وكسرها.

و «الصّبغة» فعلة من صبغ كالجلسة من جلس ، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ.

ثم اختلفوا في المراد بصبغة الله على أقوال :

الأول : أنه دين الله ، وذكروا في تسمية دين الله بالصبغة وجوها.

أحدها : أن بعض النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ، ويقولون : هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد بولده ذلك قال : الآن صار نصرانيا فأمر المسلمون أن يقولوا : آمنا وصبغنا الله صبغة لا مثل صبغتكم ، وإنما جيء بلفظ الصّبغة على طريق المشاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار : [اغرس كما يغرس فلان ، تريد رجلا يصطنع الكرم.

والسبب في إطلاق لفظ الصبغة على الدين طريقة المشاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار وأنت تريد أن تأمره بالكرم](٣) : اغرس كما يغرس فلان ، تريد رجلا مواظبا على الكرم.

__________________

(١) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٤.

(٢) ينظر الكشاف : ١ / ١٩٦.

(٣) سقط في أ.

٥٢٦

ونظيره قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٤ ـ ١٥] ، (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] ، (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] ، (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) [هود : ٣٨].

وثانيها : اليهود تصبغ أولادها يهودا ، والنصارى تصبغ أولادها نصارى بمعنى يلقونهم ، فيصبغونهم بذلك لما يشربون في قلوبهم.

عن قتادة قال ابن الأنباري رحمه‌الله يقال : فلان يصبغ فلانا في الشيء ، أي : يدخله فيه ، ويلزمه إياه كما يجعل الصبغ لازما للثوب. وأنشد ثعلب : [الطويل]

٨١٧ ـ دع الشّرّ وانزل بالنّجاة تحرّزا

إذا أنت لم يصبغك بالشّرع صابغ (١)

وثالثها : سمي الدين صبغة ؛ لأن هيئته تظهر بالمشاهدة من أثر الطّهارة والصلاة قال الله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح : ٢٩].

[وقال مجاهد والحسن وأبو العالية وقتادة رضي الله تعالى عنهم : أصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم فيما يسمونه المعمودية ، وصبغوه بذلك ليطهروه به ، وكأنه الختان ؛ لأن الختان تطهير ، فلما فعلوا ذلك قالوا : الآن قد صار نصرانيا حقّا ، فرد الله تعالى عليهم بقوله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)(٢) وهي الإسلام فسمى الإسلام صبغة استعارة ومجازا من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر أثر الصبغ في الثوب.

قال بعض شعراء ملوك «همدان» : [المتقارب]

٨١٨ ـ وكلّ أناس لهم صبغة

وصبغة همدان خير الصّبغ

صبغنا على ذاك أبناءنا

فأكرم بصبغتنا في الصّبغ (٣)](٤)

ورابعها : قال القاضي : قوله : (صِبْغَةَ اللهِ) متعلّق بقوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة : ١٣٦] إلى قوله : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فوصف هذا الإيمان منهم بأنه صبغة الله تعالى ؛ ليبيّن أن المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله ، وبين الدّين الذي اختاره المبطل ظاهرة جلية ، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذي الحسّ السليم.

القول الثاني : أن صبغة الله فطرته ، وهو كقوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ١٣٦].

__________________

(١) ينظر الرازي : ٤ / ٧٩.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١١٧ ـ ١١٨ ، ١١٩) عن مجاهد والحسن وقتادة وذكره السيوطي بمعناه في «الدر المنثور» (١ / ٢٥٩) عن قتادة ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم وابن المنذر.

(٣) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٣ ، القرطبي : ٢ / ٩٨.

(٤) سقط في ب.

٥٢٧

ومعنى هذا الوجه أن الإنسان موسوم في تركيبه وبنيته بالعجز والفاقة ، والآثار الشاهدة عليه بالحدوث والافتقار إلى الخالق ، فهذه الآثار كالصبغة له وكالسّمة اللّازمة. [قال القاضي رحمه‌الله تعالى : من حمل قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) على الفطرة فهو مقارب في المعنى لقول من يقول : هو دين الله ؛ لأن الفطرة التي أمروا بها هو الدين الذي تقتضيه الأدلّة من عقل وشرع ، وهو الدين أيضا الذي ألزمكم الله ـ تعالى ـ التمسّك به ، فالنفع به سيظهر دنيا ودين ، كظهور حسن الصبغة ، وإذا حمل الكلام على ما ذكرنا ، لم يكن لقول من يقول إنما قال ذلك لعادة جارية لليهود والنصارى ، وفي صبغ يستعملونه في أولادهم معنى ؛ لأن الكلام إذا استقام على أحسن الوجوه بدونه ، فلا فائدة فيه](١).

القول الثالث : أن صبغة الله هي الختان ، الذي هو تطهير ، أي كما أن المخصوص الذي للنصارى تطهير لهم ، فكذلك الختان تطهير للمسلمين قاله أبو العالية.

القول الرابع : قال الأصم رحمه‌الله تعالى : إنه حجة الله.

القول الخامس : قال أبو عبيدة رحمه‌الله تعالى : إنه سنة الله.

وأما قراءة الرفع فتحتمل وجهين :

أحدهما : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : ذلك الإيمان صبغة الله.

والثاني : أن تكون بدلا من «ملّة» ؛ لأن من رفع «صبغة» رفع «ملة» كما تقدم فتكون بدلا منها كما قيل بذلك في قراءة النصب.

قال القرطبي رحمه‌الله تعالى : وقيل : الصّبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام ، بدلا من معمودية النصارى ، ذكر ذلك الماوردي رحمه‌الله تعالى. وعلى هذا التأويل يكون غسل الكافر واجبا ، وبهذا المعنى جاءت السّنة الثابتة في قيس بن عاصم وثمامة بن أثال حين أسلما.

وقيل : إن القربة إلى الله تعالى يقال لها : صبغة ؛ حكاه ابن فارس في «المجمل».

قوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ) مبتدأ وخبر ، وهذا استفهام معناه النفي أي : لا أحد ، و «أحسن» هنا فيها احتمالان :

أحدهما : أنها ليست للتفضيل ؛ إذ صبغة غير الله منتف عنها الحسن.

والثاني : أن يراد التفضيل باعتبار من يظنّ أن في «صبغة» غير الله حسنا لا أن ذلك بالنسبة إلى حقيقة الشيء.

و «من الله» متعلق بأحسن ، فهو في محل نصب.

و «صبغة» نصب على التمييز من أحسن ، وهو من التمييز المنقول من المبتدأ

__________________

(١) سقط في ب.

٥٢٨

والتقدير : ومن صبغته أحسن من صبغة الله ، فالتفضيل إنما يجري بين الصّبغتين لا بين الصّابغين. [وهذا غريب معنى ، وغني عن القول كون التمييز منقولا عن المبتدأ](١).

قوله تعالى : (وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) جملة من مبتدأ وخبر معطوف على قوله : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) فهي في محلّ نصب بالقول.

قال الزمخشري : وهذا العطف يرد قول من زعم أن (صِبْغَةَ اللهِ) بدل من «ملّة» ، أو نصب على الإغراء بمعنى عليكم صبغة الله لما فيه من فكّ النظم ، وإخراج الكلام عن التئامه واتساقه.

قال أبو حيان : وتقديره في الإغراء : عليكم صبغة ليس بجيد ؛ لأن الإغراء إذا كان بالظروف والمجرورات لا يجوز حذف ذلك الظرف ولا المجرور ، ولذلك حين ذكرنا وجه الإغراء قدّرناه : ب «الزموا صبغة الله» انتهى. كأنه لضعف العمل بالظّروف والمجرورات ضعف حذفها وإبقاء عملها.

قوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)(١٣٩)

الاستفهام في قوله : (أَتُحَاجُّونَنا) للإنكار والتوبيخ.

والجمهور : «أتحاجوننا» بنونين الأولى للرفع ، والثانية نون «نا».

وقرأ زيد والحسن والأعمش ـ رحمهم‌الله ـ بالإدغام.

وأجاز بعضهم حذف النون الأولى.

فأما قراءة الجمهور فواضحة.

وأما قراءة الإدغام فلاجتماع مثلين ، وسوغ الإدغام وجود حرف المد واللين قبله القائم مقام الحركة.

وأما من حذف فبالحمل على نون الوقاية كقراءة (٢) : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر : ٥٤] ؛ وقوله : [الوافر]

٨١٩ ـ تراه كالثّغام يعلّ مسكا

يسوء الفاليات إذا فليني (٣)

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ستأتي في الحجر آية (٥٤).

(٣) البيت لعمرو بن معد يكرب. ينظر ديوانه : ص ١٨٠ ، وخزانة الأدب : ٥ / ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ٣٧٣ ، والكتاب : ٣ / ٥٢٠ ، ولسان العرب : ١٥ / ٦٣ (فلا) ، والمقاصد النحوية : ١ / ٣٧٩ ، وشرح أبيات سيبويه : ٢ / ٣٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ٢١٣ ، والدرر : ١ / ٢١٣ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر : ١ / ٨٥ ، وجمهرة اللغة : ص ٤٥٩ ، وشرح المفصل : ٣ / ٩١ ، ولسان العرب : ٢ / ٢٤٦ (حيج) ، ومغني اللبيب : ٢ / ٦٢١ ، والمنصف : ٢ / ٣٢٧ ، وهمع الهوامع : ١ / ٦٥ ، والدر المصون : ١ / ٣٨٩.

٥٢٩

يريد «فلينني»» ، وهذه الآية مثل قوله : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] ، فإنه قرئت بالأوجه الثلاثة : الفكّ والإدغام والحذف ، ولكن في المتواتر.

وهنا لم يقرأ في المشهور كما تقدّم إلا بالفكّ.

ومحلّ هذه الجملة النصب بالقول قبلها.

والضمير في «قل» يحتمل أن يكون للنبي ـ عليه‌السلام ـ أو لكلّ من يصلح للخطاب ، والضمير المرفوع في : (أَتُحَاجُّونَنا) لليهود والنصارى ، أو لمشركي العرب أو للكلّ.

و «المحاجّة» مفاعلة من حجّه يحجّه.

فصل في تحرير معنى المحاجّة

اختلفوا في تلك المحاجة : فقيل : هي قولهم : إنهم أولى بالحق والنبوة لتقدم النبوة فيهم ، والمعنى : أتجادلوننا في أن الله اصطفى رسوله من العرب لأمتكم ، وتقولون : لو أنزل الله على أحد لأنزل عليكم ، وترونكم أحق بالنبوة منا.

وقيل : هي قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] وقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] ، وقولهم : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) [البقرة : ١٣٥] قاله الحسن رضي الله عنه.

وقيل : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) أي : أتجادلوننا في دين الله.

وقوله : (فِي اللهِ) لا بد من حذف مضاف أي : في شأن الله ، أو دين الله.

قوله : (وَهُوَ رَبُّنا) مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال ، وكذا ما عطف عليه من قوله : (وَلَنا أَعْمالُنا) ولا بد من حذف مضاف أي : جزاء أعمالنا ، ولكم جزاء أعمالكم.

فصل

قوله : (وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) فيه وجهان :

الأول : أنه أعلم بتدبير خلقه ، وبمن يصلح للرسالة ، وبمن لا يصلح لها ، فلا تعترضوا على ربكم ، فإنّ العبد ليس له أن يعترض على ربه ، بل يجب عليه تفويض الأمر إليه.

الثاني : أنه لا نسبة لكم إلى الله ـ تعالى ـ إلا بالعبودية وهذه النسبة مشتركة بيننا وبينكم ، فلم ترجّحون أنفسكم علينا ، بل الترجيح من جانبنا ؛ لأنا مخلصون له في العبودية ، ولستم كذلك ، وهذا التأويل أقرب.

قوله تعالى : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) المراد منه النّصيحة في الدين ، كأنه تعالى قال لنبيه : قل لهم هذا القول على وجه الشّفقة والنصيحة ، أي : لا يرجع إليّ من أفعالكم

٥٣٠

القبيحة ضرر حتى يكون المقصود من هذا القول دفع ذلك الضرر ، وإنما المراد [نصحكم](١) وإرشادكم إلى الأصلح.

قوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١٤٠)

قال القرطبي رحمه‌الله : وجمع إسحاق : أساحيق.

وحكى الكوفيون : أساحقة ، وأساحق ؛ وكذا يعقوب ويعاقيب ويعاقبة ويعاقب.

قال النحاس رحمه‌الله : فأما إسرائيل فلا نعلم أحدا يجيز حذف الهمزة من أوّله ، وإنما يقال : «أساريل».

وحكى الكوفيون «أسارلة» ، و «أسارل». والباب في هذا كله أن يجمع مسلّما فيقال: «إبراهيمون» ، و «إسحاقون» ، و «يعقوبون» ، والمسلّم لا عمل فيه.

قال القرطبي رحمه‌الله تعالى وقوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ) : قرأ حمزة (٢) ، والكسائي ، وحفص ، وابن عامر بتاء الخطاب ، والباقون بالياء.

فأما قراءة الخطاب ، فتحتمل «أم» فيها وجهين :

أحدهما : أن تكون المتّصلة ، والتعادل بين هذه الجملة وبين قوله : (أَتُحَاجُّونَنا) فالاستفهام عن وقوع أحد هذين الأمرين : المحاجّة في الله ، أو ادعاء على إبراهيم ، ومن ذكر معه اليهودية والنصرانية ، وهو استفهام إنكار وتوبيخ كما تقدم ، فإنّ كلا الأمرين باطل.

قال ابن الخطيب : إن كانت متّصلة تقديره : بأي الحجّتين تتعلّقون في أمرنا؟ أبالتّوحيد فنحن موحدون ، أم باتباع دين الأنبياء فنحن متّبعون؟

والثاني : أن تكون المنقطعة ، فتتقدر ب «بل» والهمزة على ما تقدر في المنقطعة على أصح المذاهب.

والتقدير : بل أتقولون؟

والاستفهام للإنكار والتوبيخ أيضا فيكون قد انتقل عن قوله : أتحاجوننا وأخذ في الاستفهام عن قضية أخرى ، والمعنى على إنكار نسبة اليهودية والنصرانية إلى إبراهيم ومن ذكر معه ، [كأنه قيل : أتقولون : إن الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ كانوا قبل نزول التوراة والإنجيل هودا أو نصارى](٣).

__________________

(١) في أ : صلاحكم.

(٢) انظر السبعة : ١٧١ ، والحجة : ٢ / ٢٢٨ ، وحجة القراءات : ١١٥ ، والعنوان : ٧٢ ، وشرح الطيبة : ٤ / ٧١ ، وشرح شعلة : ٢٧٨ ، وإتحاف : ١ / ٤١٩.

(٣) سقط في ب.

٥٣١

وأما قراءة الغيبة فالظاهر أن «أم» فيها منقطعة على المعنى المتقدم ، وحكى الطبري عن بعض النحويين أنها متّصلة ؛ لأنك إذا قلت : أتقوم أم يقوم عمرو ؛ أيكون هذا أم هذا ، أورد ابن عطية هذا الوجه فقال : هذا المثال غير جيّد ؛ لأن القائل غير واحد ، والمخاطب واحد ، والقول في الآية من اثنين ، والمخاطب اثنان غيران ، وإنما تتّجه معادلة «أم» للألف على الحكم المعنوي ، كأن معنى قل : أتحاجوننا : «أيحاجون يا محمد أم تقولون».

وقال الزمخشري (١) : وفيمن قرأ بالياء لا تكون إلّا منقطعة.

قال أبو حيان (٢) رحمه‌الله تعالى : ويمكن الاتصال مع قراءة الياء ، ويكون ذلك من الالتفات إذا صار فيه خروج من خطاب إلى غيبة ، والضمير لناس مخصوصين.

وقال أبو البقاء (٣) : أم تقولون يقرأ بالياء ردّا على قوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ) ، فجعل هذه الجملة متعلّقة بقوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ) ، وحينئذ لا تكون إلا منقطعة لما عرفت أن من شرط المتصلة تقدم همزة استفهام أو تسوية مع أن المعنى ليس على أن الانتقال من قوله : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ) إلى قوله : «أم يقولون» حتى يجعله ردّا عليه ، وهو بعيد عنه لفظا ومعنى.

وقال أبو حيان (٤) : الأحسن في القراءتين أن تكون «أم» منقطعة ، وكأنه أنكر عليهم محاجتهم في الله ، ونسبة أنبيائه لليهودية والنصرانية ، وقد وقع منهم ما أنكر عليهم ألا ترى إلى قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) [آل عمران : ٦٥] الآيات.

وإذا جعلناها متصلة كان ذلك غير متضمن وقوع الجملتين ، بل إحداهما ، وصار السؤال عن تعيين إحداهما ، وليس الأمر كذلك إذ وقعا معا.

وهذا الذي قاله الشيخ حسن جدا.

و «أو» في قوله : (هُوداً أَوْ نَصارى) كهي في قوله : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] وقد تقدم تحقيقه.

قوله تعالى : (قُلْ : أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ).

معناه : أن الله أعلم ، وخبره أصدق ، وقد أخبر في التوراة والإنجيل ، وفي القرآن على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم كانوا مسلمين مبرئين عن اليهودية والنصرانية.

فإن قيل : إنما يقال هذا فيمن لا يعلم ، وهم علموه وكتموه ، فكيف يصح الكلام؟

فالجواب : من قال : إنهم كانوا على ظنّ وتوهم ، فالكلام ظاهر ، ومن قال : علموا وجحدوا ، فمعناه : أن منزلتكم منزلة المعترضين على ما يعلم أن الله أخبر به ، فلا ينفعه ذلك مع إقراره بأن الله ـ تعالى ـ أعلم.

__________________

(١) ينظر الكشاف : ١ / ١٩٧.

(٢) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٧.

(٣) ينظر الإملاء : ١ / ٦٦.

(٤) ينظر البحر المحيط : ١ / ٥٨٧.

٥٣٢

[و «أم» في قوله تعالى : (أَمِ اللهُ) متصلة ، والجلالة ، عطف على «أنتم» ، ولكنه فصل بين المتعاطفين بالمسؤول عنه ، وهو أحسن الاستعمالات الثلاثة ؛ وذلك أنه يجوز في مثل هذا التركيب ثلاثة أوجه : تقدم المسؤول عنه نحو قوله : «أأعلم أم الله» ، وتوسطه نحو (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) ، وتأخيره نحو : أأنتم أم الله أعلم.

وقال أبو البقاء رحمه‌الله تعالى : (أَمِ اللهُ) مبتدأ ، والخبر محذوف أي : أم الله أعلم ، و «أم» هنا متصلة ، أي : ربكم أعلم ، وفيه نظر ؛ لأنه إذا قدر له خبرا صناعيا صار جملة ، و «أم» المتصلة لا تعطف الجمل ، بل المفرد وما في معناه. وليس قول أبي البقاء بتفسير معنى ، فيغتفر له ذلك ، بل تفسير إعراب ، والتفصيل في قوله : (أَعْلَمُ) على سبيل الاستهزاء ، وعلى تقدير أن يظن بهم علم ، فيكون من الجهلة ، وإلا فلا مشاركة ، ونظيره قول حسان : [الوافر]

٨٢٠ ـ أتهجوه ولست له بكفء

فشرّكما لخير كما الفداء (١)

وقد علم أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ خير الكل](٢).

قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ).

في «من» من قوله : (مِنَ اللهِ) أربعة أوجه :

أحدها : أنها متعلقة ب «كتم» ، وذلك على حذف مضاف أي : كتم من عباد الله شهادة عنده.

الثاني : أن تتعلق بمحذوف على أنها صفة لشهادة بعد صفة ؛ لأن «عنده» صفة لشهادة ، وهو ظاهر قول الزمخشري رحمه‌الله ، فإنه قال : و «من» في قوله : (شَهادَةً مِنَ اللهِ) مثلها في قولك : «هذه شهادة مني لفلان» إذا شهدت له ، ومثله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ١].

الثالث : أنها في محلّ نصب على الحال من المضمر في «عنده» يعني : من الضمير المرفوع بالظّرف لوقوعه صفة ، ذكره أبو البقاء رحمه‌الله تعالى.

الرابع : أن يتعلّق بذلك المحذوف الذي تعلق به الظرف ، وهو «عنده» لوقوعه صفة ، والفرق بينه وبين الوجه الثاني أن ذلك له عامل مستقل غير العامل في الظرف.

قال أبو البقاء : ولا يجوز أن تعلق «من» بشهادة لئلّا يفصل بين الصلة والموصول بالصفة يعني : أن «شهادة» مصدر مؤول بحرف مصدري وفعل ، فلو علّقت «من» بها لكنت قد فصلت بين ما هو في معنى الموصول ، وبين أبعاض الصّلة بأجنبي ، وهو الظرف الواقع صفة لشهادة.

__________________

(١) تقدم برقم (٢٨٢).

(٢) سقط في ب.

٥٣٣

وفيه نظر من وجهين :

أحدهما : لا نسلم أن «شهادة» ينحل إلى الموصول وصلته فإن كل مصدر لا ينحل لهما.

والثاني : سلمنا ذلك ، ولكن لا نسلم والحالة هذه أن الظرف صفة ، بل هو معمول لها ، فيكون بعض الصلة أجنبيّا حتى يلزم الفصل به بين الموصول وصلته ، وإنما كان طريق منع هذا بغير ما ذكر ، وهو أن المعنى يأبى ذلك.

و «كتم» يتعدّى لاثنين ، فأولهما في الآية الكريمة محذوف تقديره : كتم النّاس شهادة ، والأحسن من هذه الوجوه أن تكون «من الله» صفة لشهادة أو متعلّقة بعامل الظرف لا متعلقة ب «كتم» ، وذلك أن كتمان الشهادة مع كونها مستودعة من الله عنده أبلغ في الأظلمية من كتمان شهادة مطلقة من عبادة الله.

وقال في «ري الظمآن» : في الآية تقديم وتأخير ، والتقدير : ومن أظلم من الله ممن كتم شهادة حصلت له كقولك : «ومن أظلم من زيد من جملة الكلمتين للشهادة» ، والمعنى : لو كان إبراهيم وبنوه يهودا أو نصارى ، ثم إن الله كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم الشهادة أظلم منه ، لكن لما استحال ذلك مع عدله وتنزيهه عن الكذب علمنا أن الأمر ليس كذلك.

قال أبو حيان : وهذا متكلّف جدّا من حيث التركيب ، ومن حيث المدلول. أما التركيب فإن التقديم والتأخير من الضّرائر عند الجمهور.

وأيضا فيبقى قوله : (مِمَّنْ كَتَمَ) متعلقا : إما ب «أظلم» ، فيكون ذلك على طريق البدلية ، ويكون إذ ذاك بدل عام من خاص ، وليس بثابت ، وإن كان بعضهم زعم وروده ، لكن الجمهور تأولوه بوضع العامّ موضع الخاص ، أو تكون «من» متعلقة بمحذوف ، فتكون في موضع الحال ، أي : كائنا من الكاتمين.

وإمّا من حيث المدلول ، فإن ثبوت الأظلمية لمن جرّ ب «من» يكون على تقدير ، أي : إن كتمها فلا أحد أظلم منه ، وهذا كله معنى لا يليق به ـ تعالى ـ وينزه كتابه عنه.

قوله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وعيد وإعلام بأنه لم يترك أمرهم سدى ، وأنه يجازيهم على أعمالهم.

والغافل الذي لا يفطن إلى الأمور إهمالا منه ؛ مأخوذ من الأرض الغفل ، وهي التي لا علم لها ولا أثر عمارة.

وناقة غفل : لا سمة بها.

ورجل غفل : لم يجرب الأمور. وقال الكسائي : «أرض غفل لم تمطر» ، غفلت عن الشيء غفلة وغفولة ، وأغفلت الشيء : تركته على ما ذكر منك.

٥٣٤

فإن قيل : ما الحكمة في عدوله عن قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ) إلى (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ).

فالجواب : أن نفي النقائص وسلبها عن صفات الله ـ تعالى ـ أكمل من ذكر الصفات مجردة عن ذكر نفي نقيضها ، فإن نفي النقيض يستلزم إثبات النقيض وزيادة ، والإثبات لا يستلزم نفي النقيض ؛ لأن العليم قد يفضل عن النقيض ، فلما قال الله تعالى : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) دلّ ذلك على أنه عالم ، وعلى أنه غير غافل ، وذلك أبلغ في الزجر المقصود من الآية.

فإن قيل : قد قال تعالى في موضع آخر : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) [يوسف : ١٩].

فالجواب : أن ذلك سيق لمجرد الإعلام بالقصّة لا للزجر ، بخلاف هذه الآية ، فإن المقصود

بها الزجر والتهديد.

قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٤١)

اعلم أنه ـ تعالى ـ لما حاجّ اليهود في هؤلاء الأنبياء عقبه بهذه الآية ليكون وعظا لهم ، وزجرا حتى لا يتّكلوا على فضل الآباء ، فكلّ واحد يؤخذ بعمله.

وأيضا أنه تعالى لما ذكر حسن طريقة الأنبياء الذين ذكرهم في هذه الآيات بين أن الدليل لا يتم بذلك ، بل كل إنسان مسؤول عن عمله ، ولا عذر له في ترك الحق بأن يتوهم أنه متمسّك بطريقة من تقدم ؛ لأنهم أصابوا أو أخطئوا لا ينفع هؤلاء ولا يضرهم لئلا يتوهم أن طريقة الدين التقليد.

فإن قيل : لم كررت هذه الآية؟

فالجواب من وجهين :

الأول : قال الجبّائي : إنه عنى بالآية الأولى إبراهيم ، ومن ذكر معه ، والثانية أسلاف اليهود.

قال القاضي : هذا بعيد ؛ لأن أسلاف اليهود والنصارى لم يجر لهم ذكر مصرح ، وموضع الشبهة في هذا القول أن القوم لما قالوا في إبراهيم وبنيه : إنهم كانوا هودا ، فكأنهم قالوا : إنهم كانوا على مثل طريقة أسلافنا من اليهود ، فصار سلفهم في حكم المذكورين فجاز أن يقول : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) ويعنيهم ولكن ذلك كالتعسّف ، بل المذكور السابق هو إبراهيم وبنوه ، فقوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ) يجب أن يكون عائدا إليهم.

الوجه الثاني : أنه متى اختلفت الأوقات والأحوال والمواطن لم يكن التّكرار عبثا ، فكأنه ـ تعالى ـ قال : ما هذا إلا بشر ، فوصف هؤلاء الأنبياء فيما أنتم عليه من الدين لا يسوغ التقليد في هذا [الجنس](١) ، فعليكم بترك الكلام في تلك الأمة ، فلها ما كسبت ،

__________________

(١) في أ : الدين.

٥٣٥

وانظروا فيما دعاكم إليه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن ذلك أنفع لكم ، وأعود عليكم ، ولا تسألون إلا عن عملكم.

قال القرطبي رحمه‌الله تعالى : كررها ، لأنها تضمّنت معنى التهديد والتخويف ، أي : إذا كان أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بكسبهم ، فأنتم أحرى ، فوجب التأكيد فلذلك كررها.

تمّ الجزء الثّاني ، ويليه الجزء الثّالث

وأوّله : «قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) ...

٥٣٦

فهرس المحتويات

تتمة تفسير سورة البقرة

الآية : ٤٠

٣

فصل في المراد بالبر في الآية

٢٩

فصل في النعمة

٦

فصل في سبب هذا التعجب

٢٩

فصل في حد النعمة

٦

فصل في دفع شبه المبتدعة في اشتراطهم العدالة في الأمر بالمعروف

٣٠

فصل في بيان هل لله نعمة على الكافر في الدنيا

٧

فصل في ماهية العقل

٣٠

فصل في النعم المخصوصة ببني إسرائيل

٨

فصل في خلق أفعال العباد

٣٠

فصل في سبب تذكيرهم بهذه النعم

٨

الآية : ٤٥

٣١

فصل في المراد بالعهد المأمور بوفائه

١٠

فصل في فضل الصلاة

٣٢

الآية : ٤١

١٣

الآية : ٤٦

٣٤

فصل في بيان المخاطبين في الآية

١٤

فصل في أوجه ورود لفظ الظن

٣٦

فصل في الباعث على كفر زعماء اليهود

١٨

فصل في رؤية الله تعالى

٣٧

الآية : ٤٢

٢٠

الآية : ٤٧

٤٥

فصل في المراد من قوله تعالى : «الحق بالباطل»

٢٢

الآية : ٤٨

٤٧

فصل في المراد بالكتمان

٢٣

فصل في بيان أن خطاب الله لبني إسرائيل هو كذلك للعرب

٤٧

الآية : ٤٣

٢٤

فصل في سبب نزول الآية

٥٢

فصل في عدم تأخير البيان عن الحاجة

٢٦

فصل في الشفاعة

٥٢

فصل في أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع

٢٦

الآية : ٤٩

٥٢

الآية : ٤٤

٢٦

فصل في السوء الذي ضرب على بني إسرائيل

٥٨

فصل في السبب الباعث على تقتيل الأبناء

٦٠

الآية : ٥٠

٦٢

٥٣٧

فصل في البحر الذي أغرق فيه فرعون وقومه

٦٤

أو بمعناها

 ٩٦

فصل في نعم الله على موسى وقومه في تلك الواقعة

٦٤

فصل في بيان التبديل

١٠١

فصل في فضل يوم عاشوراء

٦٥

فصل في الباعث على تبديلهم

١٠١

الآيتان : ٥١ ، ٥٢

٦٧

فصل في لغات الرجز

١٠٢

فصل في قصة موسى بعد نجاة قومه

 ٦٩

فصل في تفسير الظلم

١٠٣

فصل في معنى أربعين ليلة

 ٧٠

الآية : ٦٠

١٠٥

فصل في فوائد من قصة بني إسرائيل

 ٧٢

فصل في بيان أن الاستسقاء كان في التّيه

١٠٩

فصل في ردّ شبهة للمعتزلة

 ٧٣

فصل في جنس الشجرة

١٠٩

فصل في تفسير المعتزلة للعفو في الآية

 ٧٥

فصل في المراد بالحجر

١١٠

الآية : ٥٣

 ٧٦

فصل في وجوه الإعجاز في انفجار الحجر

١١١

فصل في الرد على المعتزلة

 ٧٦

فصل في كلام المعتزلة

١١٢

الآية : ٥٤

 ٧٨

الآية : ٦١

١١٣

فصل في الرد على المعتزلة

 ٧٨

فصل في لفظ أدنى

 ١٨

فصل في نظم الآية

٧٩

فصل في معنى الآية

١١٩

فصل في كيفية قتل أنفسهم

 ٨٣

فصل في بيان أنه هل عصوا بذلك السؤال

١٢١

الآيتان : ٥٥ ، ٥٦

 ٨٤

فصل في المراد ب «مصر»

١٢٢

فصل في زمان هذه الواقعة

 ٨٦

فصل في أوجه ورود لفظ الحق

١٣٠

الآية : ٥٧

 ٨٨

الآية : ٦٢

١٣٢

فصل في اختلافهم في تكليف من بعث بعد موته

 ٨٨

فصل في تفسير الصابئين

١٣٦

فصل في اشتقاق الغمام

٨٩

الآيتان : ٦٣ ، ٦٤

١٣٨

فصل في سبب تقديم المن على السلوى

 ٩٠

فصل في تفسير فضل الله عليهم

١٤٤

الآيتان : ٥٨ ، ٥٩

٩٢

الآيتان : ٦٥ ، ٦٦

١٤٥

فصل في المراد بالباب

 ٩٥

فصل في قصة عدوانهم بالصيد

١٤٨

فصل في تفسير «الحطة»

 ٩٦

فصل في المقصود من ذكر هذه القصة

١٥٠

فصل في بيان التلفظ بالحطة

الآيات : ٦٧ ـ ٧٣

١٥٣

فصل في قصة القتيل

١٥٤

فصل في الباعث على تعجبهم

١٥٦

٥٣٨

فصل في بيان هل كفر قوم موسى بسؤالهم ذلك؟

١٥٦

الآيتان : ٧٦ ، ٧٧

١٩٧

فصل في الغاية من وصف البقرة

١٦١

فصل في إعراب الآية

١٩٨

فصل في الاستثناء بالمشيئة

١٦٧

فصل في أن المراد بالسؤال هو التخويف والزجر

٢٠١

فصل في الإرادة الكونية

١٦٧

الآيتان : ٧٨ ، ٧٩

٢٠٢

فصل في مذهب المعتزلة في المشيئة

١٦٨

فصل في الاستدلال بالآية على أمور

٢٠٢

فصل في تقدير المشيئة

١٦٨

فصل في بطلان التقليد في الأصول

٢٠٦

فصل في ضبط الحيوان بالصفة

١٧١

فصل في سبب هذا الوعيد

٢١٠

فصل في تحقيق أنهم لم يكفروا

١٧٣

فصل في الرد على المعتزلة

٢١١

فصل في النسخ بالأشقّ

١٧٤

الآية : ٨٠

٢١٢

فصل في سبب تثاقلهم

١٧٨

فصل في مدة الحيض

٢١٣

فصل في نسبة القتل إلى جميعهم

١٧٩

فصل في الاستدلال بالآية على أمور

٢١٥

فصل في بيان المضروب به

١٨٠

الآية : ٨١

٢١٦

فصل في نظم الآية

١٨٢

فصل في لفظة «بلى»

٢١٨

فصل في توريث القاتل

١٨٢

الآية : ٨٢

٢٢٥

الآية : ٧٤

١٨٣

فصل في الاستدلال بالآية

٢٢٥

فصل في أوجه شدة القسوة من الحجارة

١٨٦

الآية : ٨٣

٢٢٦

فصل في الرد على المعتزلة

١٨٦

فصل في مرتكب الكبيرة

٢٢٦

فصل في تولد الأنهار

١٨٧

فصل في مدلول «الميثاق»

٢٢٩

الآية : ٧٥

١٩١

فصل في وجوه ذكر البر بالوالدين مع عبادة الله

٢٣١

فصل في المقصود بالآية

١٩١

فصل في وجوب تعظيم الوالدين وإن كانا كافرين

٢٣١

فصل في قبائح اليهود

١٩١

فصل في أحكام تؤخذ من الآية

 ٢٣٣

فصل في تسلية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم

١٩٣

فصل في رعاية اليتيم

٢٣٤

فصل في إعراب الآية

١٩٣

فصل في بيان هل الكفار داخلون في المخاطبة بالحسنى

٢٣٩

فصل في تعيين الفريق

١٩٥

فصل في أن الإحسان كان واجبا عليهم

٢٤٠

فصل في كلام القدرية والجبرية

١٩٦

فصل في ذم العالم المعاند

١٩٦

فصل في بيان أنهم إنما فعلوا ذلك لأغراض

١٩٦

٥٣٩

الآيتان : ٨٤ ، ٨٥

٢٤٤

فصل في التكرار

٢٩١

فصل في معنى العدوان واشتقاقه

٢٥٠

فصل في فاعل الإشراب

٢٩٣

فصل فيما أخذ الله على بني إسرائيل

٢٥٣

الآيتان : ٩٤ ، ٩٥

٢٩٤

فصل في المراد بالكفر والإيمان في الآية

٢٥٦

فصل في سؤالات واردة

٢٩٦

فصل في المراد بالخزي في الآية

٢٥٨

فصل في بيان متى يتمنى الموت

٢٩٨

الآية : ٨٦

٢٥٩

الآية : ٩٦

٣٠٠

فصل في تفسير تخفيف العذاب

٢٦٠

فصل في بيان أن بالآية غيبين

٣٠٠

الآية : ٨٧

٢٦١

فصل في المراد بالذين أشركوا

٣٠٢

فصل في تعيين الرسل المقفى بهم

٢٦٢

الآيتان : ٩٧ ، ٩٨

٣٠٦

فصل في لفظ عيسى

٢٦٣

الآية : ٩٩

٣١٧

فصل في المراد ب «روح القدس»

٢٦٦

الآية : ١٠٠

٣١٨

الآية : ٨٨

٢٦٩

الآية : ١٠١

٣٢١

فصل في بيان الذي استحق به بنو إسرائيل نهاية الذم

٢٦٩

الآية : ١٠٢

٣٢٣

فصل في كلام المعتزلة

٢٧٠

فصل في المراد بقوله تعالى : «واتبعوا»

٣٢٥

الآية : ٨٩

٢٧٣

فصل في الباعث على نسبتهم السحر لسليمان

٣٢٦

فصل في الاستفتاح

٢٧٥

فصل في ماهية السحر

٣٢٩

الآية : ٩٠

٢٧٧

فصل في مذهب الشافعي في السحر

٣٣١

فصل في نعم وبئس

٢٧٨

فصل في خرق الساحر للعادات

٣٣٢

فصل في إعراب المخصوص بالمدح في أسلوب «نعم»

٢٧٩

فصل في إمكان السحر

٣٣٣

فصل في شرط نعم وبئس

٢٧٩

فصل في أنّ معجزات الله ليست من قبيل السّحر

٣٣٤

فصل في المراد بالشراء في الآية

٢٨١

فصل في أن العلم بالسحر ليس بمحظور

٣٣٤

فصل في تفسير الغضب

٢٨٤

فصل في أمور لا تكون من السحر ألبتة

٣٣٥

الآية : ٩١

٢٨٥

فصل في أن الساحر كافر أم لا؟

٣٣٥

فصل في بيان ما تشير إليه الآية

٢٨٨

فصل في سؤال الساحر حلّ السحر عن المسحور

٣٣٦

الآية : ٩٢

٢٩٠

الآية : ٩٣

٢٩١

٥٤٠