إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر

الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبدالغني الدمياطي

إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر

المؤلف:

الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبدالغني الدمياطي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2192-8
الصفحات: ٦٢٤

سورة قريش

قال الجمهور مكية وقيل مدنية وآيها أربع عراقي ودمشقي وخمس حجازي وحمصي خلافها من جوع حجازي ، وحمصي.

واختلف في (لِإِيلافِ) [الآية : ١] فابن عامر بالهمزة من غير ياء بوزن لعلاف (١) مصدر ألف ثلاثيا ككتب كتابا قال ألف الرجل ألفا وإلافا وقرأ أبو جعفر بياء ساكنة بلا همز (٢) وذلك أنه لما أبدل الثانية ياء حذف الأولى على غير قياس والباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة (٣) مصدر آلف رباعيا على وزن أكرم.

واختلف في (إِيلافِهِمْ) [الآية : ٢] فأبو جعفر بهمزة مكسورة بلا ياء كقراءة ابن عامر في الأولى (٤) فهو ألف ثلاثيا والباقون بالهمزة وياء ساكنة بعدها (٥) فكلهم على إثبات الياء في الثاني غير أبي جعفر.

المرسوم أجمع المصاحف على إثبات الياء في ليلف وحذفها في الفهم وحذف الألف قبل الفاء فيهما.

__________________

(١) أي : (لئلاف). [أ].

(٢) أي : (ليلاف). [أ].

(٣) أي : (لإيلاف). [أ].

(٤) أي في التعليق (٢) أعلاه. [أ].

(٥) أي : (إيلافهم). [أ].

٦٠١

سورة أرأيت

مكية وآيها ست حجازي ودمشقي وسبع عراقي وحمصي خلافها آية يراءون عراقي وحمصي.

وقرأ (أرأيت) بتسهيل الثانية نافع وأبو جعفر زاد الأزرق إبدالها ألفا مع المد للساكنين وحذفها الكسائي ووقف حمزة بالتسهيل بين بين فقط (وغلظ) الأزرق لام (صلاتهم) ويوقف لحمزة على (يراءون) بالتسهيل كالواو مع المد والقصر والرسم متحد حيث لم تصور فلا يوقف بالواو.

المرسوم (أرأيت) بحذف الألف بعد الراء في بعض المصاحف.

٦٠٢

سورة الكوثر

مدنية وقيل مكية وآيها ثلاث وقرأ (شانِئَكَ) [الآية : ٣] بإبدال الهمزة ياء مفتوحة أبو جعفر كوقف حمزة (١).

__________________

(١) الباقون : (شانئك). [أ].

٦٠٣

سورة الكافرون

مكية وقيل مدنية وآيها ست مر للأزرق ترقيق الراء المضمومة في نحو (الكافرون) في أصح الوجهين وأمال (عابدون) و (عابد) كل ما فيها هشام من طريق الحلواني وفتحه من طريق الداجوني كالباقين وفتح ياء الإضافة من (ولي دين) نافع والبزي بخلفه وهشام وحفص والوجهان للبزي في الشاطبية وغيرها وصححهما في النشر لكن قال إن الإسكان أكثر وأشهر وأثبت الياء من دين يعقوب في الحالين وافقه الحسن وصلا ففيها ياء إضافة وزائدة (وَلِيَ دِينِ) [الآية : ٦].

٦٠٤

سورة النصر

مدنية وعن أبي عمرو في أوسط أيام التشريق بمنى في حجة الوداع وآيها ثلاث. فواصلها الفتح أفواجا توابا. أمال (جاءَ) هشام بخلفه وابن ذكوان وحمزة وخلف ويوقف لحمزة على نحو (أَفْواجاً) بالتحقيق وبإبدالها ياء مفتوحة لأنه متوسط بغيره المنفصل.

٦٠٥

سورة تبت

مكية (١) وآيها خمس.

واختلف في (لَهَبٍ) [الآية : ١] الأول فابن كثير بإسكان الهاء وافقه ابن محيصن والباقون بفتحها لغتان كالنهر والنهر والفتح أكثر استعمالا وخرج بالأول الثاني المتفق على الفتح وأمال (ما أَغْنى) و (سَيَصْلى) [الآية : ٣] حمزة والكسائي وخلف وبالفتح والصغرى الأزرق وحيث فتح سيصلى غلظ لامها وحيث قلل رققها حتما فيهما لما مر أن التغليظ والإمالة ضدان.

واختلف في (حَمَّالَةَ) [الآية : ٤] فعاصم بالنصب على الذم وقيل على الحال من وامرأته لأنها فاعل لعطفها عليه وحمالة حينئذ نكرة حيث أريد بها الاستقبال أي حالها في النار كذلك وافقه ابن محيصن والباقون بالرفع خبر محذوف أو خبر امرأته وفي جيدها خبر ثان ومن جعله صفة لامرأته قدر المضي فيه لأنه قد وقع على الحقيقة فتتعرف حينئذ بالإضافة وجعلها بعضهم بدل كل منها.

__________________

(١) انظر الإتقان للإمام السيوطي : (١ / ٢٥). [أ].

٦٠٦

سورة الإخلاص

مكية في قول الحسن ومجاهد وقتادة مدنية في قول ابن عباس وغيره وآيها أربع عراقي ومدني وخمس مكي وشامي (خلافها) آية لم يلد مكي وشامي وقرأ (كُفُواً) [الآية : ٤] بإبدال الهمزة واوا في الحالين حفص والباقون بالهمز وأسكن الفاء حمزة ويعقوب وخلف (١) وضمها الباقون (٢) لغتان ويوقف عليه لحمزة بالنقل على القياس المطرد وبالإبدال واوا مفتوحة مع إسكان الفاء على الرسم والوجهان صحيحان وحكي ثالث بين بين وهو ضعيف ورابع ضم الفاء مع إبدال الهمزة واوا كقراءة حفص والعمل على خلافه كما في النشر نقلا عن الداني.

__________________

(١) أي : (كفؤا). [أ].

(٢) أي : (كفؤا). [أ].

٦٠٧

سورة الفلق

مكية وقيل مدنية قيل وهو الصحيح وآيها خمس.

واختلف في (النَّفَّاثاتِ) [الآية : ٤] فرويس من طريق النخاس بالمعجمة والجوهري كلاهما عن التمار عنه النافثات بألف بعد النون وكسر الفاء مخففة بلا ألف بعدها وهي قراءة عاصم عن الجحدري وغيره ورويت عن الكسائي وقطع بها لرويس في المبهج والتذكرة وانفرد أبو الكرم في مصباحه عن روح بضم النون وتخفيف الفاء (١) نفاثة وهو ما تنفثه من فيك وعن الحسن بضم النون وتشديد الفاء وفتحها وألف بعدها بلا ألف بعد النون (٢) كالتفاحات والباقون كذلك لكن بفتح النون (٣) جمع نفاثة وهي رواية ما في أصحاب التمار عنه عن رويس والرسم محتمل للقراآت الأربع لحذف الألفين في جميع المصاحف والكل مأخوذ من النفث وهو شبه النفخ يكون في الرقية ولا ريق معه فإن كان معه ريق فهو الثفل.

__________________

(١) أي : (النّفاثات). [أ].

(٢) أي : (النّفّاثات). [أ].

(٣) أي : (النّفّاثات). [أ].

٦٠٨

سورة الناس

مكية (١) وقيل مدنية وآيها ست مدني وعراقي وسبع مكي وشامي وخلافها آية الوسواس مكي وشامي وأمال (الناس) الخمس محضة الدوري عن أبي عمرو من طريق أبي الزعراء عنه وهو الذي في التيسير وبه كان يأخذ الشاطبي عنه وجها واحدا وروى فتحه عنه سائر أهل الأداء قال في النشر والوجهان صحيحان عندنا من رواية الدوري وافقه اليزيدي والباقون بالفتح والله تعالى أعلم.

__________________

(١) انظر الإتقان للإمام السيوطي : (١ / ٢٥) ، (٢ / ١٢٨٨). [أ].

٦٠٩

باب التكبير

الأكثرون على ذكره هنا وهو الأنسب كما ذكره صاحب النشر (١) لتعلقه بالختم والدعاء وغير ذلك وذكره بعضهم كالهذلي وصاحب الأصل مع البسملة وبعضهم عند سورة الضحى كابن شريح وسبب التكبير ما رواه الحافظ أبو العلاء بإسناده عن البزي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انقطع عنه الوحي فقال المشركون قلى محمدا ربّه فنزلت سورة والضحى فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله أكبر تصديقا لما كان ينتظر من الوحي وتكذيبا للكفار وأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكبر إذا بلغ الضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم تعظيما لله تعالى واستصحابا للشكر وتعظيما لختم القرآن وهو أعنى التكبير سنة ثابتة لما ذكر ولقول البزي أيضا عن الشافعي وضي الله عنه قال لي إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال الإمام أبو الطيب هو سنة مأثورة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن الصحابة والتابعين وهذا عام خارج الصلاة وداخلها كما يأتي النص عليه إن شاء الله تعالى وأعلم أن التكبير صح عن أهل مكة قرائهم وعلمائهم وأئمتهم ومن روى عنهم صحة استفاضت وذاعت وانتشرت حتى بلغت حد التواتر قاله الحافظ الشمس ابن الجزري رحمه‌الله تعالى قال أبو الطيب ابن غلبون والتكبير سنة بمكة لا يتركونها ولا يعتبرون رواية البزي وغيره وقال الأهوازي والتكبير عند أهل مكة سنة مأثورة يستعملونه في قراءتهم والدرس والصلاة وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي بن كعب مرفوعا وقال حديث صحيح الإسناد قال الحافظ ابن الجزري قلت لم يرفع أحد حديث التكبير سوى البزي وسائر الناس ورووه موقوفا عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما وروينا عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن نبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا يقتضي تصحيحه كما قاله شيخنا الحافظ ابن كثير وانتهى (٢).

وقد صح عن ابن كثير من روايتي البزي وقنبل وورد عن أبي عمرو من رواية السوسي وكذا عن أبي جعفر لكن من رواية العمري وافقه ابن محيصن فأما البزي فلم يختلف عنه وفيه واختلف عن قنبل فالجمهور من المغاربة على عدم التكبير له وهو الذي

__________________

(١) انظر النشر : (٢ / ٤٠٥). [أ].

(٢) جميع هذه الأقوال مأخوذة من كتاب النشر لابن الجزري : (٢ / ٤٠٥ إلى ٤٢٩). [أ].

٦١٠

في التيسير وغيره وروى التكبير عنه جمهور العراقين وبعض المغاربة والوجهان في الشاطبية وغيرها وأما السوسي فقطع له الحافظ أبو العلاء من جميع طرقه وقطع له به في التجريد من طريق ابن حبيش من أول ألم نشرح إلى آخر الناس ، وروي عنه سائر الرواة ترك التكبير كالجماعة وقد أخذ بعضهم بالتكبير لجميع القراء وهو الذي عليه العمل عند أهل الأمصار في سائر الأقطار وكان بعضهم يأخذ به في جميع سور القرآن ذكره الحافظ أبو العلاء والهذلي عن الخزاعي قال الهذلي وعند الدينوري كذلك يكبر من أول كل سورة لا يختص بالضحى وغيرها للجمع وإليه أشار في طيبة (١) النشر بقوله : «وروي عن كلهم أول كل يستوي» والحاصل أن الآخذين به لجميع القراء منهم من أخذ به في جميع سور القرآن ومنهم من أخذ به خاتمة والضحى وهو ما تقدم (٢) ، وأما صيغة التكبير فأعلم أنهم اتفقوا على أن لفظه الله أكبر قبل البسملة والجمهور على تعيين هذا اللفظ بعينه للبزي من غير زيادة ولا نقصان وقد زاد جماعة قبله التهليل ولفظه لا إله إلا الله والله كبر. وهي طريق ابن الحباب عنه من جميع طرقه وطريق هبة الله عن أبي ربيعة وابن فرح أيضا عن البزي ، وقد روى النسائي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن الأغر قال أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أشهد عليهما أنه قال إن العبد إذا قال لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه وزاد بعض الآخذين بالتهليل مع التكبير ولله الحمد وهي طريق عبد الواحد عن ابن الحباب وطريق ابن فرح عن البزي ، وأما قنبل فقطع له جمهور المغاربة بالتكبير فقط وهو الذي في الشاطبية وتلخيص أبي معشر وزاد التهليل له أكثر المشارقة وبه قطع العراقيون من طريق ابن مجاهد وقطع ابن فارس له به من طريق ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهما قال الداني في جامعه والوجهان يعني التكبير وحده ومع التهليل عن البزي وقنبل صحيحان جيدان وهو معنى قول الطيبة : والكل للبزي ورووا قنبلا من دون حمد إلا أن أبا الكرم روى عن ابن الصباح عن قنبل وعن أبي ربيعة عن البزي لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد كذا في النشر (٣).

قال في التقريب ولم يروه أي التهليل أحد فيما نعلم عن السوسي وقد كان تكبيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخر قراءة جبرائيل وأول قراءته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن ثمة تشعب الخلاف في محله فمنهم من قال به من أول ألم نشرح ميلا إلى أنه لأول السورة أو آخر الضحى ميلا إلى أنه لآخر السورة وفي التيسير وفاقا لأبي الحسن بن غلبون كوالده أبي الطيب أنه من آخر الضحى وفي المستنير من أول ألم نشرح وكذا في إرشاد أبي العز وغيره ومنهم من قال به من أول الضحى كأبي علي البغدادي في روضته. وأما انتهاؤه فمبنى على ما تقدم فمن ذهب إلى

__________________

(١) وهو في متن الطيبة ص : (١١٨). [أ].

(٢) أي ما يعزوه للنشر : (٢ / ٤٠٥). [أ].

(٣) انظر النشر : (٢ / ٤١٠). [أ].

٦١١

أنه لأول السورة لم يكبر في آخر الناس سواء كان ابتداء التكبير عنده من أول ألم نشرح أو من أول الضحى ومن جعل الابتداء من آخر الضحى كبر في آخر الناس وأما قول الشاطبي رحمه‌الله تعالى إذا كبروا في آخر الناس مع قوله وبعض له من آخر الليل أي من أول الضحى المقتضى ظاهرة أن يكون ابتداء التكبير من أول الضحى وانتهاؤه آخر الناس فيخالف ما تأصل فيتعين حمله على تخصيص التكبير آخر الناس بمن قال به من آخر الضحى كما هو مذهب صاحب التيسير وغيره ويكون معنى قوله إذا كبروا في آخر الناس أي إذا كبر من يقول بالتكبير في آخر الناس يعني الذين قالوا به من آخر الضحى ويأتي على ما تقدم من كون التكبير لأول السورة أو آخرها حال وصل السورة بالسورة ثمانية أوجه اثنان منها على تقدير أن يكون التكبير لآخر السورة واثنان على تقدير أن يكون لأولها ثلاثة محتملة على التقديرين والثامن ممتنع وفاقا وهو وصل التكبير بآخر السورة والبسملة مع القطع عليها لما مر في باب البسملة فأما الوجهان المبنيان على تقدير كونه لآخر السورة فأولهما وصل التكبير بآخر السورة والقطع عليه ووصل البسملة بأول السورة نص عليه في التيسير وغيره وهو ظاهر كلام الشاطبي ثانيهما وصل التكبير بآخر السورة والوقف عليه والوقف على البسملة نص عليه أبو معشر (١) والفاسي (٢) والجعبري (٣) وغيرهم.

وأما الوجهان المبنيان على تقدير كون التكبير لأول السورة فأولهما قطع التكبير عن آخر السورة ووصله بالبسملة ووصلها بأول السورة نص عليه ابن سوار وغيره ولم يذكر في الكفاية سواه وثانيهما قطعه عن آخر السورة ووصله بالبسملة مع القطع عليها والابتداء بأول السورة وهو ظاهر كلام الشاطبية ونص عليه الفاسي في شرحه وابن مؤمن ومنعه الجعبري.

قال في النشر (٤) ولا وجه لمنعه إلا على تقدير أن يكون التكبير لآخر السورة وإلا فعلى أن يكون لأولها لا يظهر لمنعه وجه إذ غايته أن يكون كالاستعاذة ولا شك في جواز وصلها بالبسملة وقطع البسملة عن القراء كما مر.

وأما الثلاثة المحتملة فأولها وصل التكبير بآخر السورة وبالبسملة وبأول السورة نص عليه الداني وصاحب الهداية واختاره الشاطبي ثانيها قطعه عن آخر السورة وعن البسملة ووصل البسملة بأول السورة نص عليه أبو معشر وابن مؤمن ويظهر من كلام الشاطبي

__________________

(١) أي الطبري في كتابه التلخيص. النشر : (١ / ٧٧). [أ].

(٢) أي الفاسي في كتابه شرح الشاطبية. النشر : (١ / ٦٤). [أ].

(٣) أي الجعبري في كتابه شرح الشاطبية. النشر : (١ / ٦٤). [أ].

(٤) انظر : (٢ / ٤٢٩). [أ].

٦١٢

ونص عليه الفاسي والجعبري وغيرهما ثالثها القطع عن آخر السورة وعن البسملة وقطع البسملة عن أول السورة نص عليه ابن مؤمن والفاسي والجعبري وهو ظاهر من كلام الشاطبي ومنعه مكي ولا وجه لمنعه على كلا التقديرين كما في النشر والمراد بالقطع هنا الوقف المعروف لا القطع الذي هو الإعراض ولا السكت الذي هو دون تنفس وهذا هو الصواب كما نبه عليه في النشر متعقبا للجعبري في القطع السكت المعروف بأنه شيء انفرد به لم يوافقه أحد عليه فإن وقع آخر السورة ساكن أو منون كسر للساكنين نحو فارغب الله أكبر لخبر الله أكبر ثوابا الله أكبر مسد الله كبر وإن كان محركا ترك على حاله وحذفت همزة الوصل لملاقاته نحو الأبتر الله أكبر وتحذف صلة الضمير من نحو ربه الله أكبر وإذا وصلته بالتهليل أبقيته على حاله (وإن كان منونا أدغم في اللام نحو حامية لا إله إلا الله) ويجوز المد للتعظيم عند من أحذ به لأصحاب القصر كما مر بل كان بعض المحققين يأخذون به هنا مطلقا ويقولون المراد به هنا الذكر فنأخذ بما نختار وهو المد للتعظيم مبالغة في النفي ذكره في النشر.

وليعلم أن التهليل مع التكبير مع الحمد عند من رواه حكمه حكم التكبير لا يفصل بعضها من بعض بل يوصل جملة واحدة هكذا لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد فلا يتأتى فيه إلا الأوجه السبعة المتقدمة بين السورتين ولا يجوز الحمدلة مع التكبير إلا أن يكون التهليل معه قال الشمس ابن الجزري (١) ولا أعلمني قرأت بالحمدلة سوى الأوجه الخمسة مع تقدير كون التكبير لأول السورة ويمتنع وجه الحمدلة من أول الضحى لأن صاحبه لم يذكره فيه ولا يجوز التكبير في رواية السوسي إلا في وجه البسملة بين السورتين لأن راوي التكبير لا يجيز بين السورتين سوى البسملة ويحتمل معه كل من الأوجه السابقة إلا أن القطع على الماضية أحسن في مذهبه لأن البسملة عنده ليست آية كما هي عند ابن كثير بل هي عنده للتبرك وكذا لا يجوز له التكبير من أول الضحى لأنه خلاف روايته كما مر ولو قرئ لحمزة بالتكبير عند من رواه فلا بد من البسملة معه لأن القارئ ينوي الوقف على آخر السورة فيصير مبتدئا للسورة التالية وحيث ابتدأ بها فلا بد من البسملة وإذا قرئ برواية التكبير وأريد القطع على آخر سورة فإن قلنا إن التكبير لآخر السورة كبر وقطع القراءة وإذا أراد بعد ذلك بسمل للسورة بلا تكبير وإن قلنا إنه لأول السورة فإنه يقطع على أخر السورة بلا تكبير وإذا ابتدأ بالتالية كبر إذا لا بدّ من التكبير إما لآخر السورة وإما لأولها حتى لو سجد آخر العلق فإنه يكبر أولا لآخر السورة ثم يكبر للسجدة على القول بأنه للآخر وأما على القول بأنه للأول فإنه يكبر للسجدة فقط ويبتدئ بالتكبير لسورة القدر (٢).

__________________

(١) أي : في كتابه النشر كما تقدم .. [أ].

(٢) هذه الأقوال كلها من كتاب النشر في القراءات العشر محمد بن الجزري : (٢ / ٤٠٥ إلى ٤٢٩). [أ].

٦١٣

وليس الاختلاف في الأوجه السبعة السابقة اختلاف رواية حتى يحصل الخلل بعدم استيعابها بين كل سورتين في الرواية بل هو اختلاف تخيير لكن الإيتان بوجه منها مختص يكون التكبير لآخر السورة وبوجه مما يختص بكونه لأولها وبوجه مما يحتملها متعين إذ الاختلاف في ذلك اختلاف رواية فلا بد منه إذا قصد جمع الطرق كما في النشر قال الجعبري وليس في إثبات التكبير مخالفة للرسم لأن مثبته لم يلحقه بالقرآن كالاستعاذة وأما حكمه في الصلاة فقد روينا عن الحافظ الجليل أبي الخير شمس الدين محمد بن الجزري بسنده المتصل إلى الإمام عبد الحميد بن جريج عن مجاهد أنه كان يكبر من والضحى إلى الحمد قال ابن جريح فأرى أن يفعله الرجل إماما كان أو غير إمام وروى الحافظ الثاني بسنده إلى الحميدي قال سألت سفيان يعني ابن عيينة قلت يا أبا محمد أرأيت شيئا مما فعله الناس عندنا يكبر القارئ في شهر رمضان إذا ختم يعني في الصلاة فقال رأيت صدقة بن عبد الله بن كثير الأنصاري يؤم الناس منذ أكثر من سبعين سنة فكان إذا ختم القرآن كبر وروى السخاوي عن أبي محمد الحسن بن محمد بن عبد الله القرشي أنه صلّى بالناس التراويح خلف المقام بالمسجد الحرام فلما كانت ليلة الختم كبر من خاتمة الضحى إلى آخر القرآن في الصلاة فلما سلم إذا بالإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضى الله عنه قد صلّى وراءه قال فلما أبصرني قال لي أحسنت أصبت السنة وقال الإمام المحقق أبو الحسن علي بن جعفر في التبصرة : ابن كثير يكبر من خاتمة الضحى إلى أن قال في الصلاة وغيرها وقد مر ما أسنده البزي عن الإمام الشافعي إن تركت التكبير فقد تركت سنة من سنن نبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في النشر بعد أن أطال في بيان ذلك : فقد ثبت التكبير في الصلاة عن أهل مكة فقهائهم وقرائهم وناهيك بالإمام الشافعي وسفيان بن عيينة وابن جريح وابن كثير وغيرهم قال وأما غيرهم فلم نجد عنهم في ذلك نصا حتى أصحاب الشافعي مع ثبوته عن إمامهم وإنما ذكره استطرادا السخاوي والجعبري وكلاهما من أئمة الشافعية والعلامة أبو شامة وهو من أكبر أصحاب الشافعي بل هو ممن وصل إلى رتبة الاجتهاد قلت وكذا العلامة خاتمة المجتهدين سيدي محمد البكري صاحب الكنز كما نقله عنه بعض أجلاء أصحابه ولفظه رضي الله عنه : ويستحب إذا قرأ في الصلاة سورة الضحى أو بعدها إلى آخر القرآن أن يقول بعدها لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد قياسا على خارج الصلاة فإن العلة قائمة وهي تعظيم الله وتكبيره والحمد على قمع أعداء الله وأعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال وهل يأتي ذلك سرا أو جهرا أو يقال فيها ما قيل في السورة إن كانت الصلاة جهرية جهر أو سرية أسر ثم قال وينبغي أن يسر به مطلقا وتكون السكتة التي قبل الركوع بعد هذا فإذا فرغ منه قال اللهم إني أسألك من فضلك انتهى وظاهره ندب ذلك أعني التكبير في الصلاة في الختم وغيره حتى لو قرأ أي سورة من سور التكبير كالكافرون والإخلاص مثلا في ركعتين كبر وهو واضح للعلة السابقة لكن قوله : وينبغي أن يسر به يخالفه ما نقله ابن العماد من استحباب الجهر بالتكبير بين السور

٦١٤

ولم يقيد بخارج الصلاة وكذا نقله ابن حجر الهيتمي في شرح الكتاب عن البدر الزركشي وأقره وهو أيضا ظاهر النصوص السابقة والذين ثبت عنهم التكبير في الصلوات منهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد الشروع في السورة كبر وبسمل ثم ابتدأ السورة ومنهم من كان يكبر إثر كل سورة ثم يكبر للركوع حتى ينتهي إلى آخر الناس فإذا قام في الركعة الثانية قرأ الفاتحة وما تيسر من أول سورة البقرة قال في النشر رأيت في الوسيط للإمام الكبير أبي الفضل الرازي الشافعي رحمه‌الله ما هو نص على التكبير في الصلاة فالقصد أني تتبعت كلام الفقهاء من أصحابنا فلم أر لهم نصا غير ما ذكرت وكذا لم أر للحنفية ولا للمالكية وأما الحنابلة فقال الفقيه الكبير أبو عبد الله محمد بن مفلح في كتاب الفروع له وهل يكبر لختمه من الضحى أو ألم نشرح آخر كل سورة روايتان ولم تستحبه الحنابلة لقراءة غير ابن كثير وقيل ويهلل انتهى (١).

__________________

(١) انظر النشر : (٢ / ٤٢٩). [أ].

٦١٥

خاتمة فيما يتعلق بختم القرآن العظيم

اعلم أن خاتمين للقرآن الكريم علي ثلاثة أحوال (١) فمنهم من كان إذا ختم أمسك عن الدعاء وأقبل على الاستغفار وهذا حال من غلب عليه الخوف من الله تعالى وشهود التقصير في العمل ولم يأمنوا من الآفات وخشوا مناقشة الحساب فأقبلوا على الاستغفار وقنعوا بأن يخرجوا من العمل كفافا لا لهم ولا عليهم ومنهم قوم كانوا إذا اختموا دعوا تعالى وشهدوا من أنفسهم العبودية له تعالى ووجدوا من أنفسهم الفقر والفاقة إلى ربهم وعاينوا منه سعة الرحمة وعموم الفضل للمحسن والمسيء وإسباغ النعم على المقبل وعلى المدبر فأطمعهم ذلك وقوى رجاءهم في الله تعالى وعلموا أن القرآن الكريم شافع مشفع فلم يهلهم أمر ذنوبهم وإن عظمت فمدوا إلى الله تعالى يد المسألة وتضرعوا إليه وابتهلوا وعلموا أن لا ملجأ من الله إلا إليه مع ملاحظة قوله تعالى : ادعوني استجب لكم وإذا سألك عبادي عني فإني قريب فكان دعاؤهم عبودية لله تعالى ومنهم قوم كانوا يصلون الخاتمة بالفاتحة عوداً على بدء مر غير فصل بينهما لا بدعاء ولا بغيره لوجهين :

أحدهما ما رواه الترمذي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقول الله تعالى : من شغله القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» (٢).

والثاني ما في ذلك من التحقق بمعنى الحلول والارتحال في الحديث المروي من طريق عبد الله ابن كثير عن درياس مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد لله ثم قرأ من البقرة وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام. قال الحافظ ابن الجزري وإسناده حسن ورواه أبو الشيخ وروى فيه حديثاً مسلسلاً بالتكبير وقراءة الفاتحة وأول البقرة وهي خمس آيات بالعدد الكوفي وأربع في غيره لأن الكوفي

__________________

(١) هذه الخاتمة ملخصة من كتاب النشر لابن الجزري فإن أردت الزيادة فارجع إلى : (٢/٤٤٠). [أ].

(٢) رواه الإمام الترمذي وللحديث روايات وردود كما يذكر المؤلف وقد توسع الحافظ الإمام محمد بن الجزري في ذلك. للمزيد انظر : (٢/٤٥٠). [أ].

٦١٦

يعد ألم وحده إلى ابن كثير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في النشر وصار العمل على هذا في أمصار المسلمين في قراءة ابن كثير وغيرها ويسمونه الحال المرتحل أي الذي حل في قراءته آخر الختمة وارتحل إلى ختمة أخرى فلا يزال سائراً إلى الله تعالى وعكس بعضهم فقال الحال المرتحل الذي يحل في ختمة عند فراغة من الأخرى والأول أظهر كما في النشر وأصل هذا الحديث في جامع الترمذي من حديث صالح المزي عن قتادة عن زرارة عن ان عباس قبل يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله تعالى قال احال المرتحل ورواه أبو الحسن بن غلبون وزاد فيه يا رسول الله ما الحال المرتحل؟ قال : فتح القرآن وختمه صالحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله كلما حل ارتحل. لكن الحديث تكلم فيه من جهة صالح المزي وهو وقطع بصحته أبو محمد مكي وضعفه أبو شامة (١) وقال إن مداره علي صالح المزي وهو وإن كان عبداً صالحاً فهو ضعيف وفسر الحال المرتحل بالمجاهد كلما ختم غزوة افتتح أخرى وأجيب بأنه ليس مدار الحديث على صالح بل رواه زيد بن أسلم وغيره كما بينه بياناً شافياً حافظ الوقت صاحب النشر قال وقد روى الحافظ أبو عمرو الداني بإسناد صحيح عن الأعمش عن إبراهيم قال كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن أن يقرؤوا من أوله آيات وهذا صريح في صحة ما اختاره القراء وذهب إليه السلف وليس المراد لزوم ذلك بل من فعله فهو حسن ولا حرج في تركه ومنهم قول يطعمون الطعام للفقراء شكراً لله تعالى على ما أولاهم من نهمة الختم وهؤلاء قوم بسطتهم رؤية النعمة في الطاعة من الله تعالى ففرحوا بها وقاموا بشيء من واجب شكرها وقد قال الله تعالى : (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) فيتبغي الجمع بين هذه الأربعة فيصل الخاتمة بالفاتحة ويتعرض لنفحات الله تعالى بالاستغفار ثم الدعاء ثم يطعم الطعام وأما ما اعتيد من تكرار سورة الإخلاص ثلاث مرات فقال في النشر إنه لم يقرأ به ولا نعلم أحداً نص عليه من القراء والفقهاء سوى أبي الفخر حامد بن علي بن حسنويه القزويني في كتاب حلية القراء فإنه قال فيه القراء كلهم قرؤوا سورة الإخلاص مرة واحدة إلا الهرواني بفتح الهاء والراء عن الأعشى فإنه أخذ بإعادتها ثلاثاً والمأثور مرة واحدة قال أعني صاحب النشر والظاهر أن ذلك كان اختياراً من الهرواني فإن هذا لم يعرف في رواية الأعشى ولا ذكره أحد من علمائنا وقد صار العمل على هذا في أكثر البلاد عند الختم والصواب ما عليه السلف لئلا يعتقد ان ذلك ستة ولهذا نص أئمة الحنابلة على أنه لا تكرر سورة الصمد قالوا وعنه يعنون أحمد لايجوز انتهى كلام النشر (٢) قيل والحكمة فيه ما أورد أنها تعدل ثلث القرآن فيحصل به ثواب ختمة.

فإن قيل كان ينبغي أن تقرأ أربعاً ليحصل ختمتان فالجواب إن المراد أن يكون على

__________________

(١) انظر كتاب إبراز المعاني لأبي شامة : (٤٩٩). [أ].

(٢) وهو مأخوذ منه : (٢/٤٤٠ إلى ٤٥٢). [أ].

٦١٧

يقين من حصول ختمة إما التي قرأها وإما التي حصل ثوابها بتكرير السورة فهو جبر لما لعله حصل في القرآن من خلل انتهى.

ثم إن الدعاء (١) عند الختم سُنّة تلقاها الخلف عن السلف ويشهد له حديث جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قرأ القرآن أو قال من جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة إن شاء عجلها له في الدنيا وإن شاء ذخرها له في الآخرة رواه الطبراني وكذا البيهقي وقال في إسناده ضعف وكان محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله إذا كان أول ليلة من رمضان اجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم فيقرأ في كل ركعة عشر آيات وكذلك إلى أن يختم القرآن وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة ويكون ختمة عند الإفطار كل ليلة ويقول عنى كل ختمة دعوة مستجابة وعن حبيب بن أبي عمرة قال إذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه وعن مجاهذ تنزل الرحمة عند ختم القرآن وكان أنس بن مالك يجمع أهله وجيرانه عند الختم رجاء بركته وكان كثير من السلف يستحب الختم يوم الاثنين وليلة الجمعة واختاره بعضهم وهو صائم آخر عند الإفطار وللدعاء آداب كثيرة لا بأس بذكر شيء منها منها بل أهمها الإخلاص بأن يقصد الله تعالى في دعائه لوجهه ومنها تقديم عمل صالح من صدقة أو غيرها ومنها تجنب الحرام أكلاً وشرباً ولبساً وكسباً ومنها الوضوء لحديث فيه ومنها استقبال القبلة لحديث فيه عن ابن مسعود ومنها رفع اليدين للحديث المشهور إن ربكم الخ وينبغي كشفهما حالة الرفع ومنها الجثو على الركب والمبالغة في الخضوع لله تعالى والخشوع بين يديه ويحسن التأدب مع الله تعالى وفي حديث فيه ضعف لكن له شاهد قوي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا ختم القرآن دعا قائماً وقد كان بعض السلف يدعو للحتم وهو ساجد ومنها أن لا يتكلف السجع في الدعاء ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وانظر إلى اسجع في الدعاء واجتنبه فإني عهدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يفعل إلا ذلك أي الاجتناب ومنها الثناء على الله تعالى أولاً وآخراً وكذا الصلوات علي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى علي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستغفر وبه فقد طلب الخير من مكانه. رواه البيهقي في الشعب وفيه أبان وهو ضعيف ومنها تأمين الداعي والمستمع ومنها أن يسأل الله تعالى حاجته كلها حتى شسع نعله لحديث ابن حبان ومنها أن يدعو وهو متيقن الإجابة يحضر قلبه ويعظم رغبته ومنها مسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء لحديث فيه ومنها اختيار الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوتي جوامع الكلم ولم يدع حاجة إلى غيره ولنا فيه أسوة حسنة وقد روى أبو منصور الأرجاني عن داوود بن قيس قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عند ختم القرآن : اللهم أرحمني بالقرآن العظيم واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت وارزقني تلاوته آناء الليل والنهار

__________________

(١) للمزيد انظر النشر : (٢/٤٥٢). [أ].

٦١٨

واجعله لي حجة يا رب العالمين. قال الحافظ ابن الجزري وهذا الحديث لا أعلم ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ختم القرآن حديث غيره وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك رواه أبو داوود من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (وكان) من دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل ومن عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وضلع الدين وغلبة الرجال اللهم اغفر خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ونفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وارزقني علماً ينفعني اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر اللهم إني أسألك عيشة تقية وميتة سوية ومرداً غير مخز ولا فاضح اللهم أعنا علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك آمين اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها يا أرحم الراحمين اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة اللهم عافني في جسدي وعافني في بصري واجعله الوارث مني اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة اللهم اجعل خير عملي آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم ألقاك فيه. واختلف في إهداء ثوات الختمة ونحوها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقيل بمنعه لعدم الإذن فيه بخلاف الصلاة عليه وسؤال الوسيلة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأنه تحصيل للحاصل لأن له مثل أجر من تبعه وأجازة الشيخ أبو بكر الموصلي قال بل هو مستحب وتبعه كثيرون وهذا هو الراجح عندنا معاشر الشافعية بل قال العلامة ابن حجر المكي في باب الإجازة من شرحه لمنهاج النوري إن القول الأول وهم وأصال في الاستدلال لأرجحية الثاني وحكى الغزالي عن ابن الموفق أنه حج عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حججاً وذكر القضاعي أنها ستون حجة وذكر محمد بن إسحاق أنه ختم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثر من ثلاثة عشر ألف ختمة وضحى عنه مثل ذلك واستحب بعضهم أن يختم الدعاء بقوله (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) [الآية : ١٨٠ ـ ١٨٢] و (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) [الآية : ٤٣] وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه مستعيناً به متوسلاً إليه في ذلك بنبيه سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأسأله أن يسبل علينا ستره الجميل وأن يعفو عني وعن والدي وأولادي ومشايخي وإخواني والمسلمين وأن يعطف علينا نبيتا

٦١٩

سيدنا محمداً صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبمن علينا بجواره في الحياة وبعد الممات مع رضاه عنا في عافية بلا محنة وأن يجعل ما أعانني عليه من جمع هذا التلخيص خالصاً لوجهه وأن ينفع به أهله ويعرفهم قدره وأن يرحم به والدي كما ربياني صغيراً وأستودع الله تعالى ديني ونفسي وجميع ما أنعم به علي وأهلي وأصحابي والحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه حمداً يوافي نعمه ويكافىء مزيده يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك سباحنك لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وصل أبداً أفضل صلواتك على سيدنا عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم عليه تسليما كثيراً وزده تشريفاً تكريماً وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة آمين وصل وسلم على جميع الأنبياء وآل كل وعلينا معهم بعدد معلوماتك آمين (١).

__________________

(١) للمزيد انظر كتاب النشر في القراءات العشر للإمام محمد بن الجزري من (٢/٤٥٢ إلي ٢/٤٦٧). [أ].

٦٢٠