إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر

الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبدالغني الدمياطي

إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر

المؤلف:

الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبدالغني الدمياطي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2192-8
الصفحات: ٦٢٤

فاعِلٌ) بالكهف [الآية : ٢٣] جعلوا الألف علامة فتحة الشين كما هو في الاصطلاح الأول.

واختلفوا : فيما سواه ، والصحيح أنها لم تزد في غيره.

وكتبوا : في كل المصاحف بعد ميم مائة ألفا كيف جاءت موحدة ، ومثناة ، وواقعة موقع الجمع للفرق بينه ، وبين منه نحو : (مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ، ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ)(١).

واثبتوا : ألف ابن ، وابنت حيث وقعا وصفا ، أو خبرا ، أو مخبرا عنه نحو : (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ ، إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ ، إِحْدَى ابْنَتَيَ)(٢).

وكذا : كتبوا ألفا في (الظُّنُونَا ، والرَّسُولَا ، والسَّبِيلَا ولَأَذْبَحَنَّهُ ، ولَأَوْضَعُوا ، ولَإِلَى الْجَحِيمِ ، وَلا تَيْأَسُوا ، أَفَلَمْ يَيْأَسِ) ، وبين الجيم والياء في جايء نحو : جاى بالنبيين ، كما في مصاحف الأندلسيين ، وهم يعولون على المدني.

وأما زيادة الياء : فاتفقوا على زيادتها على اللفظ في ملأ المجرور المضاف إلى مضمر نحو : إلى فرعون وملائه من فرعون وملائهم وفي نبإى المرسلين ومن آناء الليل بطه وتلقاءى نفسي بيونس ومن وراءى حجاب بالشورى وإيتائ ذي القربى بالنحل بلقاءى ربهم ولقاءى الآخرة بالروم بأييكم المفتون بنيناها بأييد أفإين مات أفإين مت.

وأما زيادة الواو : فاتفقوا على زيادة واو ثانية على اللفظ الموضوع لجمع ذي بمعنى صاحب كيف تصرف إعرابه ، وكذا المشار به كيف جاء نحو : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ، يا أُولِي الْأَلْبابِ ، غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ، وأُولاتُ الْأَحْمالِ ، وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٣).

وأما الثالث وهو البدل : فاتفقوا على رسم الألف المتطرفة ياء ، وإن اتصلت بضمير ، أو هاء تأنيث المنقلبة عن ياء ، وإن لقيت ساكنة غير ياء ، أو عن واو صائرة ياء ، أو كالياء في الأسماء المتمكنة ، والأفعال نحو : (الْهُدى ، والْقُرى ، وفَتًى ، وقرى ، وَالْمَوْتى ، والْأَسْرى ، وشَتَّى ، وأَدْنى ، وأَزْكى * ، والْأَعْلى ، ومُوسى ، والْبُشْرى ، والذِّكْرى ، والسَّلْوى ، والْمُنْتَهى ، وأَكْدى ، ومَثْواهُ ، ومَجْراها ، ومُرْساها* ، وإِحْداهُما ، وإِحْداهُنَ ، ثُمَّ هَدى وسَعى ، ورَمى ، وأَغْنى ، وتردى ، واسْتَوى ، وأَبْقى ، واعْتَدى ، واسْتَعْلى ، وأَدْراكُمْ ، ولا أَدْراكُمْ ، وجَلَّاها ، وأَرْساها ، وفَسَوَّاهُنَ ، وتَصْلى ، ويُدْعى ، ويَرْضى ، ويَتَوَفَّاكُمْ ، يَخْشى ، وتَتَمارى)(٤).

واستثنوا : من النوعين مواضع فاتفقوا على رسم ألفها ألفا.

منها : جزئية تذكر في محالها من أواخر السور إن شاء الله تعالى (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) حيث وقعت. [أ].

(٥) هذه الآيات كلها ستذكر في موضعها مفصلة من السور فليعلم. [أ].

٢١

ومنها : كلية ، وهي كل ألف جاورت ياء قبلها ، أو بعدها ، أو اكتنفاها نحو : الدنيا ، والعليا والحوايا ، ورؤياك ، ومحياهم ، ثم هداى ، ومثواي ، وبشراي ، ونحو : محياي ، ورؤياي ، ثم : فأحياكم ، فأحيا به ، ومن أحياها ، وأمات وأحيا ، إلا يحيى اسما ، أو فعلا ، وكذا : وسفيها بالشمس ، فرسمت بالياء.

واختلف : في (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا) ففي بعض المصاحف بالياء وفي بعضها بالألف.

ورسموا : ألف : أنى ، وعسى ياء كذلك حيث وقعا ، وكذا : حتى ، وبلى ، وعلى ، وهدى ، وإلى حيث وقعن نحو : أنى شئتم ، وعسى الله ، وحتى يقول ، وبلى من ، وعلى هدى ، وإلى السماء.

واتفقوا : على رسم نون التأكيد الخفيفة ألفا في (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ ، ولَنَسْفَعاً) يوسف [الآية : ٣٢] العلق [الآية : ١٥] وكذا نون إذا عاملة ، ومهملة ألفا نحو : (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ ، وإِذاً لَأَذَقْناكَ وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ) وعلى رسم كأين بنون حيث وقعت نحو : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ ، وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ).

وكتبوا : بالواو وألف الصلاة : والزكوة والحيوة ، والربوا غير مضافات ، والغدوة ، ومشكوة ، والنجوة ، ومنوة (١).

ورسموا : بالهاء هاء التأنيث إلا (رَحْمَتَ) بالبقرة ، والأعراف ، وهود ، ومريم ، والروم ، والزخرف ، و (نِعْمَتَ) بالبقرة ، وآل عمران ، والمائدة ، وإبراهيم ، والنحل ، ولقمان ، وفاطر ، والطور و (سُنَّتُ) بالأنفال ، وفاطر ، وغافر ، و (امْرَأَتُ) مع زوجها و (كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى) (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ) و (الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ) و (معصيت) و (شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) و (قُرَّتُ عَيْنٍ) و (جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) و (بَقِيَّتُ اللهِ) و (يا أَبَتِ) و (أُولاتُ) و (مَرْضاتِ) و (هَيْهاتَ) و (ذاتَ) و (ابْنَتَ) و (فِطْرَتَ)(٢).

وأما الرابع : وهو الوصل والفصل فنحو : فيما ، وعما ، وإن لم ، فيأتي إن شاء الله تعالى أواخر السور ، وفي باب الوقف على المرسوم.

وأما الخامس وهو الهمز : فكتبوا صورته بالحرف الذي يؤول إليه في التخفيف أو يقرب منه وأهملوا المحذوفة فيه ، ورسموا المبتدأة ألفا ، وإليه أشار ابن معطى بقوله :

وكتبوا الهمز على التخفيف

وأولا بالألف المعروف

فقياس الهمزة المبتدأة تحقيقا ، أو تقديرا أن ترسم ألفا ، والمتوسطة ، والمتطرفة الساكنة حرفا ـ يجانس حركة سابقها ، فيكون ألفا بعد الفتحة ، وياء بعد الكسرة ، وواوا

__________________

(١) حيث وقعت. [أ].

(٢) سيأتي بيانها في موضعها. [أ].

٢٢

بعد الضمة ، والمتحركة الساكن ما قبلها صحيحا ، أو معتلا أصلا ، أو زائدا لا يرسم لها صورة إلا المضمومة ، والمكسورة المتوسطتين بعد الألف ، فتصور المكسورة ياء ، والمضمومة واوا ، والمتحرك ما قبلها تصور حرفا يجانس حركتها إلا المفتوحة بعد ضمة ، فواو ، وبعد كسرة فياء ، وقد وقعت مواضع في الرسم على غير قياس لمعان تذكر إن شاء الله تعالى في باب وقف حمزة وهشام على الهمز.

وقد اتفقوا : على رسم همزة أولاء إذا اتصلت بها التنبيه واوا حيث جاءت نحو : هؤلاء إن ، وعلى رسم همزة : يومئذ ، وحينئذ ، ولئلا ، ولئن بالياء.

ورسمت : الهمزة الثانية في (اشْمَأَزَّتْ) بالزمر [الآية : ٤٥] و (امْتَلَأْتِ) ب ق [الآية : ٣٠] ألفا في الحجازي ، والشامي ، وأقل العراقية ، ولم يرسم لها صورة في أكثرها.

واتفقوا : على رسم همزة الوصل ألفا إن لم يدخل عليها أداة ، أو دخلت نحو : (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) ونحو : (بِاللهِ ، وتَاللهِ) إلا في خمسة أصول لم يرسم لها صورة :

الأول : همزة لام التعريف الداخل عليها لام الجر ، والابتداء نحو : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ).

الثاني : الهمزة الداخلة على همزة فاء الكلمة إذا دخلت عليها واو العطف نحو : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ) أو فاء نحو : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ).

الثالث : الهمزة الداخلة على أمر المخاطب من : (سَأَلَ) بعد واو العطف نحو : (وَسْئَلُوا اللهَ ، وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا) أو فائه نحو : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ).

الرابع : الهمزة الداخلة عليها همزة استفهام نحو : (آلذَّكَرَيْنِ) الأنعام : ١٤٣ ـ ١٤٤].

الخامس : همزة اسم المجرور بالباء المضاف إلى الله نحو : بسم الله ، ويأتي إن شاء الله تعالى بيان رسم الحروف التي لم تطرد في مواضعها.

السادس : الذي فيه قراءتان نحو : (مُلْكِ ، ويَخْدَعُونَ ، ووَعَدَنا ، والرِّيحُ)(١) والله الموفق.

وأما الركن الثالث : وهو علم العربية فاعلم أنه لما كان إنزال القرآن العزيز إنما وقع بلسان العرب توقف الأمر في أدائه على معرفة كيفية النطق عندهم ، وذلك قسمان : معرفة : الإعراب المميز للخطأ من الصواب ، والثاني : معرفة كيفية نطقهم بكل حرف ذاتا ، وصفة ، وقد وضع لكل منهما كتب مخصوصة ، فأضربنا عنهما إيثارا للاختصار.

فصل : لا بأس بذكر شيء من آداب القرآن العظيم ، والقارئ ، وما ينبغي لمريد

__________________

(١) انظر فرش الحروف الصفحة : (١١٨) وما بعدها. [أ].

٢٣

علم القراءات ، وما يتعلق بذلك كالفرق بين القراءة ، والرواية ، والطريق ، والوجه ، وكيفية جمع القراءات لمسيس الحاجة لجميع ذلك.

ليعلم : أن طلب حفظ القرآن العزيز والاجتهاد في تحرير النطق بلفظه والبحث عن مخارج حروفه ، وصفاتها ، ونحو ذلك ... وإن كان مطلوبا حسنا لكن فوقه ما هو أهم منه ، وأولى ، وأتم ، وهو فهم معانيه والتفكر فيه ، والعمل بمقتضاه ، والوقوف عند حدوده ، والتأدب بآدابه قال الغزالي (١) رحمه‌الله تعالى : أكثر الناس منعوا من فهم القرآن لأسباب ، وحجب سد لها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن منها :

أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها ، قال : وهذا يتولاه شيطان وكّل بالقراء ليصرفهم عن فهم معاني كلام الله تعالى ، فلا يزال يحملهم على ترديد الحروف يخيل إليهم أنها لم تخرج من مخارجها ، فهذا يكون تأمله مقصورا على ذلك ، فأنى تنكشف له المعاني ، وأعظم ضحكة للشيطان من كان مطيعا لمثل هذا التلبيس ، ثم قال : وتلاوة القرآن حق تلاوته أن يشترك فيه اللسان ، والعقل ، والقلب ، فحظ اللسان تصحيح الحروف ، وحظ العقل تفسير المعاني ، وحظ القلب الاتعاظ ، والتأثر ، والانزجار ، والائتمار ، فاللسان يرتل ، والعقل ينزجر ، والقلب يتعظ انتهى.

وفي الجامع الكبير للسيوطي رحمه‌الله تعالى من حديث أبي بن كعب. أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى بالناس ، فقرأ عليهم سورة ، فأغفل منها آية ، فسألهم هل تركت شيئا ، فسكتوا ، فقال : ما بال أقوام يقرأ عليهم كتاب الله تعالى لا يدرون ما قرئ عليهم فيه ، ولا ما ترك هكذا كانت بنو إسرائيل خرجت خشية الله من قلوبهم ، فغابت قلوبهم ، وشهدت أبدانهم ، ألا وإن الله عزوجل لا يقبل من أحد عملا حتى يشهد بقلبه ما يشهد ببدنه ـ وفي الحديث ـ هلك المتنطعون هم المتعمقون الغالون الذين يتكلمون بأقصى حلوقهم ـ مأخوذ من النطع وهو ما ظهر من الغار الأعلى (٢).

وإذا أراد القارئ : القراءة ، فلينظف فمه بالسواك ، ويتطهر ، ويتطيب ، وليكن في مكان نظيف ، والمسجد أفضل بشرطه ، والمختار عدم الكراهة في الحمام ، والطريق ما لم يشتغل ، وإلا كره كحش ، وبيت الرحى ، وهي تدور ، أو فمه متنجس لا محدث ، فلا يكره ، ويسن الجهر بها إن أمن رياء ، وتأذي أحد من نحو نائم ، ومصل ، وقارئ. لحديث البياضي ، وهو صحيح : «لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن» ، وأما الحديث الدائر بين الناس «ما أنصف القارئ المصلى» ، فقال الحافظ ابن حجر لا أعرفه ويغني

__________________

(١) الغزالي هو : الإمام محمد بن محمد (أبو حامد). (ت ٥٠٥ ه‍) (١١١١ م). [أ].

الأعلام : (٧ / ٢٢).

(٢) رواه السيوطي في الجامع الصغير عن ابن مسعود رضي الله عنه ورقمه : (٩٥٩٤). [أ].

٢٤

عنه لا يجهر بعضكم الخ قال : وهو صحيح في الموطأ وغيره انتهى (١).

وإلا أسر ، والجلوس للقراءة لأنه أقرب إلى التوقير ، وأن يكون مستقبلا متخشعا متدبرا بسكينة مطرقا رأسه غير متربع ، وغير جالس على هيئة التكبر ، وفي الصلاة أفضل مع البكاء ، والتباكي ، ويساعده على ذلك التدبر ، ويردد الآية له ولغيره كابتغاء تكثير الحسنات ، وأن يحسن صوته بالقراءة ، ويسن طلب القراءة من حسنه والإصغاء لها ، وإذا مرّ بآية رحمة سأل الله تعالى من فضله أو آية عذاب استعاذ ، وإن مرت به آية فيها اسم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى عليه وسلم سواء القارئ والسامع ولو كان القارئ مصليا لكن بالضمير كصلى الله وسلم لا اللهم صلى على محمد للاختلاف في بطلان الصلاة بركن قولي ، ويتأكد ذلك عند (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) الأحزاب [الآية : ٥٦] ويقول بعد (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) الإسراء [الآية : ١٠٩] اللهم اجعلني من : الباكين إليك الخاشعين لك ، وبعد (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) الأعلى [الآية : ١] ، سبحان ربي الأعلى ، وبعد (بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) التين [الآية : ٨] ، بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ، رواه أبو داود مرفوعا (٢) ، وبعد آخر المرسلات ، آمنا بالله تعالى ، وكان إبراهيم النخعي إذا قرأ نحو و (قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) و (قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ـ خفض بها صوته ، وأن يجتنب الضحك ، واللغط ، والحديث خلال القراءة ، فيكره إلا لحاجة ، قال الحليمي : ويكره التحدث بحضورها لغير مصلحة ، ولا يعبث بيده ، ولا ينظر إلى ما يلهي قلبه عن التدبر ، وإذا عرض له خروج ريح ، فليمسك عن القراءة حتى يخرج ، ثم يعود للقراءة ، وكذا إذا تثاءب أمسك عنها ، ويقطعها لابتداء السلام ندبا ولرده وجوبا ، وكذا يقطعها ندبا للحمد بعد العطاس ، والتشميت ، ولإجابة المؤذن ، ولا بأس بقيامه إذا ورد عليه من يطلب القيام له شرعا ، وإذا مرّ بآية سجدة تلاوة سجد ندبا ، وأوجبه الحنفية.

ويتأكد : عليه أن يتعاهد القرآن ، فنسيان شيء منه كبيرة كما أوضحه ابن حجر المكي في كتابه : الزواجر لحديث أبي داود ، وغيره عرضت علي ذنوب أمتي ، فلم أر ذنبا أعظم من سورة ، أو آية أوتيها رجل ، ثم نسيها ، وليقل ندبا أنسيت كذا لا نسيته للنهي عنه في الحديث (٣).

ويندب : تقبيل المصحف وتطييبه وجعله على كرسي ، والقيام له كما قاله النووي ، وكتبه ، وإيضاحه إكراما له ، ونقطه وشكله صيانة له عن التحريف ، وأول من أحدث نقطة وشكله الحجاج بأمر عبد الملك بن مروان ، وأما نقل قراءات شتى في مصحف واحد بألوان مختلفة فقال الداني : لا أستجيزه لأنه من أشد التخليط ، والتغيير للمرسوم ، وقال

__________________

(١) الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده ورقمه : (١٨٥٤٣). ولم أجده في الموطأ. [أ].

(٢) الحديث لم أجد لفظه ولكن معناه في سنن أبي داود : (٢ / ٨٠). [أ].

(٣) رواه أبو داود عن سعد بن عبادة رضي الله عنه ورقمه فيه : (١٤٧٤). [أ].

٢٥

الجرجاني في كتابه تفسير كلمات القرآن بين أسطره : من المذموم انتهى.

وقراءته في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب لأن النظر في المصحف عبادة أخرى نعم إن زاد خشوعه ، وحضور قلبه في القراءة عن ظهر القلب فهي أفضل قاله النووي رحمه‌الله تعالى تفقها ، واعتمده الأستاذ أبو الحسن البكري قدس‌سره ، ويجب رفع ما كتب عليه شيء من القرآن ، وكذا كل اسم معظم ، وورد أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لم يعطوا فضيلة قراءته ، فهم حريصون على استماعه ، وقيل : إن مؤمني الجن يقرءونه ، ويأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بختمه آخر الكتاب.

ومن أراد علم القراءات عن تحقيق : فلا بدّ له من حفظ كتاب كامل يستحضر به اختلاف القراء ، ثم يفرد القراءات التي يريدها بقراءة راو راو ، وشيخ شيخ ، وهكذا ، وكان السلف لا يجمعون رواية إلى أخرى ، وإنما ظهر جمع القراءات في ختمة واحدة أثناء المائة الخامسة في عصر الداني ، واستمر إلى هذه الأزمان لكنه مشروط بإفراد القراءات ، وإتقان الطرق ، والروايات (١).

واعلم : أن الخلاف إما أن يكون للشيخ كنافع ، أو للراوي عنه كقالون ، أو للراوي عن الراوي ، وإن سفل كأبي نشيط عن قالون ، والقزاز عن أبي نشيط أو لم يكن كذلك فإن كان للشيخ بكماله أي : مما اجتمعت عليه الروايات ، والطرق عنه فقراءة ، وإن كان للراوي عن الشيخ ، فراوية ، وإن كان لمن بعد الرواة ، وإن سفل ، فطريق ، وما كان على غير هذه الصفة مما هو راجع إلى تخيير القارئ فيه فهو وجه (مثاله) إثبات البسملة بين السورتين قراءة ابن كثير ، ومن معه ، ورواية قالون عن نافع ، وطريق الأصبهاني عن ورش ، وطريق صاحب الهادي (٢) عن أبي عمرو ، وطريق صاحب العنوان (٣) عن ابن عامر ، وأما الأوجه ، فثلاثة الوقف على العالمين ، ونحوه ، وثلاثة البسملة بين السورتين لمن بسمل ، فلا تقل ثلاث قراءات ، ولا ثلاث روايات ، ولا ثلاث طرق ، بل : ثلاثا أوجه ، وتقول للأزرق في نحو : (آدَمَ ، وأُوتُوا) ثلاث طرق ، والفرق بين الخلافين أن خلاف القراءات ، والروايات ، والطرق خلاف نص ، ورواية ، فلو أخل القارئ بشيء منها كان نقصا في الرواية ، وخلاف الأوجه ليس كذلك إذ هو على سبيل التخيير ، فبأي وجه أتى القارئ أجزأ في تلك الرواية ، ولا يكون إخلالا بشيء منها ، فلا حاجة لجمعها في موضع واحد بلا داع ، ومن ثمة كان بعضهم لا يأخذ منها إلا بالأصح ، ويجعل الباقي مأذونا فيه ، وبعضهم لا يلتزم شيئا ، بل يترك القارئ يقرأ بما شاء ، وبعضهم يقرأ بواحد في موضع ، وبآخر في غيره ليجتمع الجميع بالمشافهة ، وبعضهم بجمعها في أو

__________________

(١) للمزيد انظر النشر لابن الجزري : (١ / ٣٣ ، ٣٥). [أ].

(٢) هو الإمام ابن سفيان المالكي. ا ه النشر : (١ / ٦٦). [أ].

(٣) هو الإمام إسماعيل بن خلف الأنصاري. ا ه النشر : (١ / ٦٤). [أ].

٢٦

موضع ، أو موضع ما. وجمعها في كل موضع تكلف مذموم : وإنما ساغ الجمع بين الأوجه في نحو التسهيل في وقف حمزة لتدريب القارئ ، فيكون على سبيل التعريف ، فلذا لا يكلف العارف بها في كل محل.

وإذا تقرر ذلك : فليعلم أنه يشترط على جامع القراءات شروط أربعة : رعاية الوقف والابتداء ، وحسن الأداء ، وعدم التركيب ، وأما : رعاية الترتيب ، والتزام تقديم قارئ بعينه ، فلا يشترط ، وكثير من الناس يرى تقديم قالون ، أولا ، ثم ورشا ، وهكذا على حسب الترتيب السابق ، ثم بعد إكمال السبعة يأتي بالثلاثة ، والماهر عندهم هو الذي ، لا يلتزم تقديم شخص بعينه ، فإذا وقف على وجه لقارئ يبتدئ لذلك القارئ بعينه ، ثم يعطف الوجه الأقرب إلى ما ابتدأ به عليه ، وهكذا إلى آخر الأوجه (١).

واختلف : في كيفية الأخذ بالجمع ، فمنهم من يرى الجمع بالوقف ، وهي طريق الشاميين ، وكيفيته أنه إذا أخذ في قراءة من قدمه لا يزال يقرأ حتى يقف على ما يحسن الابتداء بتاليه ، ثم يعود إلى القارئ التالي إن لم يكن داخلا في سابقه ثم يفعل بكل قارئ حتى ينتهي الخلف ، ثم يبتدئ مما بعد ذلك الوقف ، ومنهم من يرى الجمع بالحرف ، وهي طريق المصريين بأن يشرع في القراءة فإذا مرّ بكلمة فيها خلف أعاد تلك الكلمة بمفردها حتى يستوفي ما فيها من الخلاف فإن كانت مما يسوغ الوقف عليه ، وقف ، واستأنف ، وإلا وصلها بآخر وجه انتهى إليه حتى ينتهي إلى موقف فيقف ، وإن كان الخلف مما يتعلق بكلمتين كمد المنفصل ، والسكت على ذي كلمتين ، وقف على الكلمة الثانية واستأنف الخلاف ، وهذه أوثق في استيفاء أوجه الخلاف ، وأسهل في الأخذ ، وأخصر والأول أشد في الاستحضار ، وأسد في الاستظهار.

وللشمس ابن الجزري : وجه ثالث مركب من هذين وهو (٢) : أنه إذا ابتدأ بالقارئ ينظر إلى من يكون من القراء أكثر موافقة له فإذا وصل إلى كلمة بين القارئين فيها خلف وقف وأخرجه معه ، ثم وصل حتى ينتهي إلى وقف سائغ ، وهكذا حتى ينتهي الخلاف ، ومنهم من يرى كيفية التناسب فإذا ابتدأ بالقصر مثلا أتى بالمرتبة التي فوقه ، ثم كذلك حتى ينتهي لآخر مراتب المد وكذا في عكسه ، وإن ابتدأ بالفتح أتى بعده بالصغرى ، ثم بالكبرى ، وإن ابتدأ بالنقل أتى بعده بالتحقيق ، ثم بالسكت القليل ، ثم ما فوقه ، وهذا لا يقدر على العمل به الأقوى الاستحضار (مهمة) هل يسوغ للجامع إذا قرأ كلمتين رسمتا في المصاحف كلمة واحدة وكانت ذات أوجه نحو هؤلاء يآدم مثلا وأراد استئناف بقية أوجهها أن يبتدئ بأول الكلمة الثانية فيقول آدم بالتوسط ثم بالقصر مثلا مع حذف أداة النداء لفظا للاختصار ، قال في الأصل : لم أر في ذلك نقلا ، والذي يظهر عدم الجواز ،

__________________

(١) للمزيد انظر النشر : (١ / ٢١٠). [أ].

(٢) انظر هذه الأوجه في النشر في القراءات العشر : (١ / ٢٢٤). [أ].

٢٧

قال : ويؤيده ما يأتي إن شاء الله تعالى في مرسوم الخط أنه لا يجوز الوقف على ما اتفق على وصله إلا برواية صحيحة كما نصوا عليه انتهى. وهذا هو الذي أخذناه عن شيخنا رحمه‌الله تعالى (١).

خاتمة : قال الإمام أبو الحسن السخاوي في كتابه جمال القراء. خلط هذه القراءات بعضها ببعض خطأ ، وقال النووي رحمه‌الله تعالى. وإذا ابتدأ القارئ بقراءة شخص من السبعة ، فينبغي أن لا يزال على تلك القراءة ما دام للكلام ارتباط ، فإذا انقضى ارتباطه ، فله أن يقرأ بقراءة أخرى ، والأولى دوامه على تلك القراءة ما دام في ذلك المجلس ، وقال الجعبري : والتركيب ممتنع في كلمة ، وفي كلمتين إن تعلقت إحداهما بالأخرى ، وإلا كره ، قال في النشر : قلت : وأجازه أكثر الأئمة مطلقا ، وجعلوا خطأ مانعى ذلك محققا ، قال ، والصواب عندنا في ذلك التفصيل فنقول إن كانت إحدى القراءتين مترتبة على الأخرى ، فالمنع من ذلك منع تحريم كمن يقرأ (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) البقرة [الآية : ٣٧] برفعهما ، أو بنصبهما ، ونحو : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) آل عمران [الآية : ٣٧] بالتشديد والرفع ، و (أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) وشبهه مما لا تجيزه العربية ، ولا يصح في اللغة ، وأما ما لم يكن كذلك فإنا نفرق فيه بين مقام الرواية ، وغيرها فإن قرأ بذلك على سبيل الرواية لم يجز أيضا من حيث إنه كذب في الرواية ، وإن لم يكن على سبيل الرواية ، بل على سبيل القراءة ، والتلاوة ، فإنه جائز صحيح مقبول لا منع منه ، ولا حظر وإن كنا نعيبه على أئمة القراءات من حيث وجه تساوي العلماء بالعوام لا من وجه أن ذلك مكروه ، أو حرام إذ كل من عند الله تعالى نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وسلم تخفيفا عن الأمة ، وتسهيلا على أهل هذه الملة ، فلو أوجبنا عليهم قراءة كل رواية على حدة لشق عليهم ، وانعكس المقصود من التخفيف ، وعاد الأمر بالسهولة إلى التكليف انتهى. ملخصا ، والله تعالى أعلم (٢).

باب الاستعاذة

هي مستحبة عند الأكثر ، وقيل واجبة ، وبه قال الثوري ، وعطاء لظاهر الآية ، وقال بعضهم : موضع الخلاف إنما هو في الصلاة خاصة أما في غيرها ، فسنة قطعا ، وعلى الأول هي سنة عين لا سنة كفاية ، فلو قرأ جماعة جملة شرع لكل واحد الاستعاذة (٣).

__________________

(١) شيخه هو الشبراملسي انظر الصفحة : (٦) وهذا الكلام منقول عن ابن الجزري في النشر من الصفحة (١ / ٢٢٠) وما بعدها فليعلم. [أ].

(٢) لقد تكلم المؤلف بإيجاز في هذه المقدمة الجامعة المانعة وإذا أردت الزيادة دونما ترك صغيرة ولا كبيرة فعليك بالنشر الكبير للعلامة شمس الدين محمد بن الجزري رحمه‌الله تعالى حيث أفاد بغزارة وشمل كل أخذ ورد في هذه المسائل المنصرمة. [أ].

(٣) انظر باب الاستعاذة في التبصرة لملكي العتيبي : (٢٤٥). [أ].

وفى النشر : (١ / ٢٤٣).

٢٨

والذي اتفق عليه الجمهور : قديما ، وحديثا أنها قبل القراءة ، وقيل بعدها ، ونقل عن حمزة ، وقيل قبلها بمقتضى الخبر ، وبعدها بمقتضى القرآن جمعا بين الأدلة ، ونقل الثاني عن مالك ، وغيره لم يصح ، وكذا الثالث ، والمختار لجميع القراء في كيفيتها : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وهو المأخوذ به عند عامة الفقهاء ، وحكى فيه الإجماع لكنه تعقب بما روى من الزيادة ، والنقص ، فلا حرج على القارئ في الإتيان بشيء من صيغ الاستعاذة مما صح عند أئمة القراء (١).

فمما ورد : في الزيادة على اللفظ المتقدم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم نص عليه الداني في الجامع ورواه أصحاب السنن الأربعة عن أبي سعيد الخدري بإسناد جيد ، وروى ذلك عن الحسن مع زيادة ، إن الله هو السميع العليم مع الإدغام ، وعن الأعمش من رواية المطوعي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ، وعن الشنبوذي كذلك لكن بالإدغام (٢).

ومما ورد في النقص عنه : ما في حديث جبير بن مطعم المروي في أبي داود أعوذ بالله من الشيطان فقط (٣).

ويستحب : الجهر بها عند الجميع إلا ما صح من إخفائها من رواية المسيبي عن نافع ، ولحمزة وجهان : الإخفاء مطلقا ، والجهر أول الفاتحة فقط ، والمراد بالإخفاء الإسرار على ما صوبه في النشر ، ومحل الجهر حيث يجهر بالقراءة فإن أسر القراءة أسر الاستعاذة لأنها تابعة ، وهذا في غير الصلاة أما فيها فالمختار الإسرار مطلقا. وقيد أبو شامة إطلاقهم اختيار الجهر بحضرة سامع ، ويجوز الوقف على التعوذ ، ووصله بما بعده بسملة كان أو غيرها من القرآن ، وظاهر كلام الداني : أن الأول وصلها بالبسملة وأما من لم يسم ، فالأشبه الوقف على الاستعاذة ، ويجوز الوصل ، وعليه لو التقى مع الميم مابابابايىيثلها نحو (الرجيم ما ننسخ) أدغم من مذهبه الإدغام كما يجب حذف همزة الوصل في نحو (الرجيم اعلموا أنما) (٤).

تتمة : إذا قطع القارئ القراءة لعارض من سؤال ، أو كلام يتعلق بالقراءة لم يعده بخلاف ما إذا كان الكلام أجنبيا ، ولو رد السلام فإنه يستأنف الاستعاذة ، وكذا لو كان القطع إعراضا عن القراءة.

__________________

(١) انظر ما قاله ابن الجزري في هذا الحديث ورواته. النشر : (١ / ٢٤٥). [أ].

(٢) الحديث مروي في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في أول باب من رأى الاستفتاح في الصلاة بسبحانك ورقمه : (٧٧٥). [أ].

(٣) لم أجد في سنن أبي داود سوى الحديث السابق أعلاه وكذا حديث للسيدة عائشة رضي الله عنها ورقمه : (٧٨٥) وفيه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم». [أ].

(٤) إن في بحث الاستعاذة أخذ ورد في النصوص أسهب الكلام فيها العلامة محمد بن الجزري في نشره فانظر للمزيد : (١ / ٢٤٣) وما بعدها. [أ].

٢٩

باب الإدغام

جرى كثير على ذكره بعد الفاتحة لأجل الرحيم ملك ، ومشى في الأصل ، وتبعته على رسمهم في جعله أول الأصول لما ذكر ، وأخرت سورة الفاتحة ومعها البسملة لأول الفرش لتجتمع السور ، وهو عندهم اللفظ بساكن ، فمتحرك بلا فصل من مخرج واحد فقولهم اللفظ بساكن ، فمتحرك جنس يشمل المظهر ، والمدغم ، والمخفي ، وبلا فصل أخرج المظهر ، ومن مخرج أخرج المخفي ، وهو قريب من قول النشر اللفظ بحرفين حرفا كالثاني لأن قوله بحرفين يشمل الثلاث ، وقوله حرفا خرج به المظهر ، وقوله كالثاني خرج به المخفي ، وهو نوعان كبير وصغير ، الأول الكبير ، وهو ما كان الأول من المثلين ، أو المتجانسين ، أو المتقاربين متحركا.

ثم إن لأبي عمرو من روايتي الدوري والسوسي في هذا النوع أعني : الكبير مذهبين الإدغام ، والإظهار كما أن له من الروايتين في الهمز الساكن مذهبين التخفيف بالإبدال ، والتحقيق ، فيتركب من البابين ثلاثة مذاهب كل منها صحيح مقروء به (١)

الإظهار مع الإبدال لأن تحقيق الهمز أثقل من إظهار المتحرك ، فخفف الأثقل ، ولا يلزم تخفيف الثقيل ، وهو أحد وجهي التيسير من قراءته على الفارسي كالجامع من قراءته على أبي الحسن.

الثاني : الإدغام مع الإبدال للتخفيف وهو في جميع كتب أصحاب الإدغام من الروايتين جميعا ، وهو عن السوسي في الشاطبية ، والثاني في التيسير ، وهو المأخوذ به اليوم من طريق الحرز ، وأصله ، وبه كان يقرئ الشاطبي رحمه‌الله كما ذكره السخاوي ، وهو مستند أهل العصر في تخصيص السوسي بوجه واحد.

الثالث : الإظهار مع تحقيق الهمز عملا بالأصل الثابت عن أبي عمرو من جميع الطرق ، وأما الإدغام مع الهمز ، فلا يجوز عند أئمة القراء عن أبي عمرو لما فيه من تخفيف الثقيل دون الأثقل نعم يجوز ذلك ليعقوب كما هو قاعدته كما يأتي ، فالأولى أن يحتج لأبي عمرو بالاتباع ، وأما منع الإدغام مع مد المنفصل لأبي عمر ، وأيضا ، فلقوله في التيسير : إذا أدرج ، أو أدغم لم يهمز ، فخص الإدراج الذي هو الإسراع بالمد ، والإدغام بالإبدال ، وسيعلم مما يأتي إن شاء الله تعالى جواز مد المنفصل مع الإبدال ، فقول النويري في شرحه الطيبة هنا ، والإبدال لا يكون إلا مع القصر إن أراد به السوسي من طريق الحرز ، فمسلم وإلا ففيه نظر لأن كلا من الدوري والسوسي روى عنه مد المنفصل ، وتحقيق الهمز والإبدال ، ولم يصرح أحد من المصنفين من طريق الطيبة

__________________

(١) وقد أكد ذلك أكثر أئمة الإقراء وعلى رأسهم العلامة محمد بن الجزري في نشرة : (١ / ٢٧٤) وما بعدها. [أ].

٣٠

وأصلها التي هي طرق كتابنا هذا بمنع المد مع الإبدال ، وإنما صرحوا بامتناع الإدغام مع تحقيق الهمز كما تقدم ومع مد المنفصل وما ذكره أعني النويري في باب الهمز بناء على ما ذكره هنا ، فليتفطن له. نبه عليه شيخنا رحمه‌الله تعالى مثال اجتماع الهمز مع الإدغام ـ يأتهم تأويله ـ كذلك كذب ففيه الثلاثة المتقدم بيانها ، ويمتنع الرابع ومثال اجتماع الإدغام مع المد (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ) الأنعام [الآية : ٥٠] فيمتنع المد مع الإدغام ويجوز الثلاثة الباقية ومثال اجتماعها أعني الإدغام والهمز والمد (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) يوسف [الآية : ٣٧] ويتحصل فيها ثمانية أوجه يمتنع منها ثلاثة ، وهي الإدغام مع الهمز ، والمد ، والإدغام مع الهمز ، والقصر ، والإدغام مع البدل ، والمد ، وتجوز الخمسة الباقية.

ثم : إن للإدغام شروطا ، وأسبابا ، وموانع فشروطه في المدغم أن يلتقي الحرفان خطا سواء التقيا لفظا ، أم لا ، فدخل نحو : أنه هو فلا تمنع الصلة ، وخرج نحو : أنا نذير ، وفي المدغم فيه كونه أكثر من حرف إن كان من كلمة ليدخل نحو : (خَلَقَكُمْ) ويخرج نحو : (نَرْزُقُكَ ، وخَلَقَكَ) وأسبابه : التماثل ، وهو أن يتحدا مخرجا ، وصفة كالباء في الباء والكاف في الكاف والتجانس وهو : أن يتفقا مخرجا ، ويختلفا صفة كالدال في التاء والتاء في الطاء والثاء في الذال والتقارب هو : أن يتقاربا مخرجا أو صفة ، أو مخرجا وصفة وموانعه قسمان : متفق عليه ، ومختلف فيه ، فالمتفق عليه : ثلاثة. الأول : كونه منونا أو مشددا أو تاء ضمير. فالمنون نحو : (غَفُورٌ رَحِيمٌ ، سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، سارِبٌ بِالنَّهارِ ، نِعْمَةٌ تَمُنُّها ، فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ، رَجُلٌ رَشِيدٌ)(١). لأن التنوين حاجز قوي جرى مجرى ، الأصول ، فمنع من التقاء الحرفين بخلاف صلة (إِنَّهُ هُوَ) لعدم القوة ولا تمنع زيادة الصفة في المدغم ، ولذا أجمعوا على إدغام (بَسَطْتَ) المائدة [الآية : ٢٨] ونحوها. والمشدد نحو : (رَبِّ بِما ، مَسَّ سَقَرَ ، فَتَمَّ مِيقاتُ ، الْحَقُّ كَمَنْ ، أَشَدَّ ذِكْراً) ووجه ضعف المدغم فيه عن تحمل المشدد لكونه بحرفين ، وتاء الضمير متكلما ، أو مخاطبا نحو : (كُنْتُ تُراباً ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ ، كِدْتَ تَرْكَنُ ، خَلَقْتَ طِيناً ، جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) وسيأتي إن شاء الله تعالى (جِئْتَ شَيْئاً) بمريم [الآية : ٢٧] ولا يخفي أن في إطلاقهم تاء الضمير على نحو : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) تجوز إذا التاء فيه ليست ضميرا على الصحيح ، بل حرف خطاب ، والضمير أن والمختلف فيه من الموانع الجزم ، وقد جاء في المثلين في قوله تعالى : و (يَخْلُ لَكُمْ ، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ ، وَإِنْ يَكُ كاذِباً) وفي المتجانسين (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ) وألحق به (وَآتِ ذَا الْقُرْبى)(٢) وفي المتقاربين في قوله : (وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً) والمشهور الإعتداد بهذا المانع في المتقاربين ، وإجراء الوجهين في غيره ، وموانع الإدغام عند الحسن البصري : التشديد ، والتنوين فقط لإدغام تاء المتكلم ، والمخاطب نحو :

__________________

(١) حيث وقعت. [أ].

(٢) حيث وقعت. [أ].

٣١

(كُنْتُ تُراباً ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) فإذا وجد الشرط ، والسبب ، وارتفع المانع جاز الإدغام فإن كانا مثلين : أسكن الأول ، وأدغم في الثاني ، وإن كانا غير مثلين : قلب كالثاني ، وأسكن ، ثم أدغم ، وارتفع اللسان عنهما دفعة واحدة من غير وقف على الأول ، ولا فصل بحركة ، ولا روم ، وليس بإدخال حرف في حرف بل الصحيح أن الحرفين ملفوظ بهما كما حققنا طلبا للتخفيف قاله في النشر (١).

ثم إن : هذا النوع ، وهو الإدغام الكبير ينقسم إلى مثلين ، وغيره (٢).

أما : المدغم من المثلين ، فسبعة عشر حرفا الباء ، والتاء ، والثاء ، والحاء ، والراء ، والسنن ، والعين ، والغين ، والفاء ، والقاف ، والكاف ، واللام ، والميم ، والنون ، والواو ، والهاء ، والياء نحو : (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ ، الشَّوْكَةِ تَكُونُ ، حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ، النِّكاحِ حَتَّى ، شَهْرُ رَمَضانَ ، النَّاسَ سُكارى ، يَشْفَعُ عِنْدَهُ ، يَبْتَغِ غَيْرَ ، خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ ، الرِّزْقِ قُلْ ، رَبَّكَ كَثِيراً ، لا قِبَلَ لَهُمْ ، الرَّحِيمِ مالِكِ ، نَحْنُ نُسَبِّحُ ، هُوَ وَالَّذِينَ ، فِيهِ هُدىً ، يَأْتِيَ يَوْمٌ)(٣).

واختلف : المدغمون فيما إذا جزم الأول وذلك في قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ ، ويَخْلُ لَكُمْ ، وَإِنْ يَكُ كاذِباً) والوجهان في الشاطبية وغيرها ، وصححها في النشر (٤) وكذا اختلفوا في (آلَ لُوطٍ) ، وهي في أربعة مواضع اثنان في الحجر [الآية : ٥٩ ، ٦١] ، والثالث في النمل [الآية : ٥٦] ، والرابع في القمر [الآية : ٣٤] ، وعلل الإظهار فيها بقلة الحروف ، ولكن نقض ذلك بإدغام (لَكَ كَيْداً) والأولى التعليل بتكرار إعلال عينه إذ أصل آل عند سيبويه أهل فقلبت الهاء همزة توصلا إلى الألف ، ثم الهمزة ألفا لاجتماع الهمزتين لكن حمل صاحب النشر ما روي عن أبي عمرو من قوله لقلة حروفها على قلة دورها في القرآن قال : فإن قلة الدور ، وكثرته معتبرة وكذا اختلفوا في الواو إذا وقع قبلها ضمة نحو : (هُوَ وَالَّذِينَ ، هُوَ وَالْمَلائِكَةُ) ووقع في ثلاثة عشر موضعا ، وبالإدغام أخذ أكثر المصريين ، والمغاربة ، وبالإظهار أخذ أكثر البغداديين ، واختاره ابن مجاهد ، ومن جعل علة الإظهار فيه المد عورض بإدغامهم يأتي يوم ، ونحوه ، ولا فرق بينهما قاله الداني في جامع البيان ، وبالوجهين قرأت وأختار الإدغام لاطراده أما إذا أسكنت الهاء من هو ، وذلك في ثلاثة مواضع (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ، وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ، وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) فلا خلاف في الإدغام حينئذ خلافا لما وقع في شرح الإمام أبي عبد الله الموصلي المعروف بشعلة

__________________

(١) انظر الصفحة : (١ / ٢٧٤) وما بعدها. [أ].

(٢) كما ذكره العلامة محمد بن الجزري : (١ / ٢٧٥). [أ].

(٣) حيث وقعت. [أ].

(٤) وذكرها الطبري مفصلة في أواخر السور في كتابه التلخيص في القراءات الثمان وكذا الواسطي في الكنز. [أ].

٣٢

للشاطبية قال في النشر : بعد أن نقل عن جامع البيان عدم الخلاف في إدغامه ، والصحيح أنه لا فرق بين (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) وبين (الْعَفْوَ وَأْمُرْ) وبين (فَهِيَ يَوْمَئِذٍ) إذ لا يصح نص عن أبي عمرو ، وأصحابه بخلافه واختلفوا أيضا في (اللَّائِي يَئِسْنَ) بالطلاق [الآية : ٤] على وجه إبدال الهمزة ياء ساكنة ، وقد ذكرها الداني في الإدغام الكبير ، وتعقب بأن محلها الصغير لسكون الياء ، وأجيب بأن وجه دخولها فيه قلبها عن متحرك ، وقد ذهب الداني ، والشاطبي ، والصفراوي ، وغيرهم إلى إظهار الياء فيها لتوالي الإعلال لأن أصلها (اللَّائِي) بياء ساكنة بعد الهمز كقراءة ابن عامر ، ومن معه ، فحذفت الياء لتطرفها ، وانكسار ما قبلها ، فصارت كقراء قالون ، ومن معه ، ثم أبدلت الهمزة ياء ساكنة على غير قياس لثقلها ، فحصل في الكلمة إعلالان ، فلا تعل ثالثا بالإدغام ، وذهب الآخرون إلى الإدغام قال في النشر ، قلت وكل من وجهي الإظهار ، والإدغام ظاهر مأخوذ به ، وبهما ، قرأت على أصحاب أبي حيان عن قراءتهم بذلك عليه ، وليسا مختصين بأبي عمرو ، بل يجريان لكل من أبدل معه ، وهما البزي ، واليزيدي واتفقوا على إظهار (يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) من أجل الإخفاء قبله ، ولم يدغم من المثلين في كلمة واحدة إلا قوله تعالى : (مَناسِكَكُمْ) بالبقرة [الآية : ٢٠٠] و (ما سَلَكَكُمْ) بالمدثر [الآية : ٤٢] أظهر ما عداهما نحو (جِباهُهُمْ ، ووُجُوهُهُمْ ، وأَ تُحَاجُّونَنا ، وبِشِرْكِكُمْ) خلافا للمطوعي عن الأعمش كما يأتي إن شاء الله تعالى وأما المدغم من المتجانسين ، والمتقاربين فهو ضربان أيضا في كلمة اصطلاحية ، وفي كلمتين أما ما كان من كلمة ، فلم يدغم منه إلا القاف في الكاف إذا تحرك ما قبل القاف ، وكان بعد الكاف ميم جمع لتحقق الثقل بكثرة الحروف ، والحركات نحو : (خَلَقَكُمْ ، ورَزَقَكُمُ ، وواثَقَكُمْ ، وسَبَقَكُمْ) لا ماضي غيرهن ، ونحو : (نَخْلُقْكُمْ ونَرْزُقُكُمْ ، نُغْرِقْهُمْ) ولا مضارع غيرهن فإن سكن ما قبل القاف نحو : (مِيثاقَكُمْ ، ما خَلْقُكُمْ) أو لم يأت بعد الكاف ميم جمع نحو : (خَلَقَكَ ، ونَرْزُقُكَ) فلا خلاف في إظهاره إلا إذا كان بعد الكاف نون جمع ، وهو طلقكن فقط بالتحريم ففيه خلاف لكراهة اجتماع ثلاث تشديدات في كلمة قال صاحب النشر (١) : وعلى إطلاق الوجهين فيها من علمناه من قراء الأمصار ا ه وأما ما كان من كلمتين فإن المدغم من الحروف في مجانسه ، أو مقاربه بشرط انتفاء الموانع المتقدمة ستة عشر حرفا وهي الباء ، والتاء ، والثاء ، والجيم ، والحاء ، والدال ، والذال ، والراء ، والسين ، والشين والضاد ، والقاف ، والكاف واللام ، والميم ، والنون ، وقد جمعت في قولك : رض سنشد حجتك بذل قثم فالباء : تدغم في الميم في قوله تعالى : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) فقط ، وهو في خمسة مواضع لاتحاد مخرجهما ، وتجانسهما في الانفتاح ، والاستفال ، والجر ، وليس منه موضع آخر البقرة لسكون الباء ، فمحاه الصغير ، وفهم من تخصيص (يُعَذِّبُ) خروج

__________________

(١) انظر : (١ / ٢٧٥). [أ].

٣٣

نحو : (سَنَكْتُبُ ما قالُوا ، ويَضْرِبَ مَثَلاً) والتاء تدغم في عشرة أحرف : الثاء ، والجيم ، والذال ، والزاي ، والسين ، والشين ، والصاد ، والضاد والطاء ، والظاء ففي الثاء نحو (بِالْبَيِّناتِ ثُمَ ، ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَ) واختلف عنه في (الزَّكاةَ ثُمَ) بالبقرة ، و (التَّوْراةَ ثُمَ) الجمعة [الآية : ٥] لأنهما مفتوحان بعد ساكن ، فروى إدغامهما ابن حبش من طريقي الدوري ، والسوسي ، وبذلك قرأ الداني من الطريقين ، وروى أصحاب ابن مجاهد عنه الإظهار لخفة الفتحة بعد السكون ، وفي الجيم نحو : (الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ) ، ورثة (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) وفي الذال نحو : (الْآخِرَةِ ذلِكَ ، الدَّرَجاتِ ذُو) واختلف في (وَآتِ ذَا الْقُرْبى ، فَآتِ ذَا الْقُرْبى) كلاهما من أجل الجزم ، أو ما في حكمه ، وبالوجهين قرأ الداني ، وأخذ الشاطبي ، وأكثر المصريين وفي الزاي نحو : (بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا) وفي السين نحو (الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ) وفي الشين نحو (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) واختلف في (جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) بمريم [الآية : ٢٧] وعلل الإظهار بكون تاء جئت للخطاب ، وبحذف عينه الذي عبر عنه الشاطبي بالنقصان ، وذلك لأنهم لما حولوا فعل المفتوح العين الأجوف اليائي إلى فعل بكسرها عند اتصاله بتاء الضمير ، وسكنوا اللام ، وهي الهمزة هنا ، وتعذر القلب نقلوا كسرة الياء إلى الجيم ، فحذفت الياء للساكنين ، ولكن ثقل الكسرة سوغ الإدغام ، وبالوجهين أخذ الشاطبي ، وسائر المتأخرين وفي الصاد نحو : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) الصافات [الآية : ١] نحو : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) العاديات [الآية : ١] وفي الطاء نحو : (الصَّلاةَ طَرَفَيِ) هود [الآية : ١١٤] واختلف في (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ) النساء [الآية : ١٠٢] لمانع الجزم لكن قوى الإدغام هنا للتجانس ، وقوة الكسر ، والطاء ورواه الداني ، والأكثرون بالوجهين. وأما (بَيَّتَ طائِفَةٌ) النساء [الآية : ٨١] فأدغمه أبو عمرو وجها واحدا كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى وفي الظاء نحو : (الْمَلائِكَةُ ظالِمِي) والثاء تدغم في خمسة أحرف : التاء ، والذال ، والسين ، والشين ، والضاد ففي التاء نحو : (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) وفي الذال نحو : (الْحَرْثِ ذلِكَ) لا غير وفي السين نحو : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ) وفي الشين نحو (حَيْثُ شِئْتُما) وفي الضاد نحو (حَدِيثُ ضَيْفِ) فقط والجيم تدغم في موضعين أحدهما في الشين في (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) على خلاف بين المدغمين ، والثاني في التاء في (ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ) والحاء تدغم في العين في حرف وهو (زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) على خلاف فيه أيضا بين المدغمين والدال تدغم في عشرة أحرف : التاء ، والثاء ، والجيم ، والذال ، والزاي ، والسين ، والشين ، والصاد ، والضاد ، والظاء إلا أن تكون الدال مفتوحة ، وقبلها ساكن فإنها لا تدغم إلا في التاء لقوة التجانس. ففي التاء نحو : (الْمَساجِدِ تِلْكَ ، بَعْدَ تَوْكِيدِها) وفي الثاء (يُرِيدُ ثَوابَ) وفي الجيم نحو : (داوُدُ جالُوتَ) وفي الذال نحو : (الْقَلائِدَ ذلِكَ) وفي الزاي (يَكادُ زَيْتُها) وفي السين نحو : (الْأَصْفادِ سَرابِيلُهُمْ) وفي الشين نحو : (وَشَهِدَ شاهِدٌ) وفي الصاد (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ) وفي الضاد (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) وفي الظاء (مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) والذال تدغم في السين

٣٤

في قوله تعالى : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) موضعي الكهف وفي الصاد في قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً) فقط والراء تدغم في اللام نحو : (أَطْهَرُ لَكُمْ ، الْمَصِيرُ لا يُكَلِّفُ ، النَّهارِ لَآياتٍ) فإن فتحت ، وسكن ما قبلها أظهرت نحو (الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) النحل [الآية : ٨] وتقدم التنبيه على أن زيادة الصفة في المدغم كالتكرير هنا لا تمنع إدغامه فيما دونه لإجماعهم على إدغام (أَحَطْتُ) مع قوة الطاء ، ولو سلم ، فالتكرير أمر عدمي عارض في الراء لا متأصل ، فلا يقويها والسين تدغم في الزاي في قوله تعالى : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) التكوير [الآية : ٧] وفي الشين في قوله تعالى : (الرَّأْسُ شَيْباً) مريم [الآية : ٣] باختلاف بين المدغمين فيه ، وأجمعوا على إظهار (لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) لخفة الفتحة بعد السكون والشين تدغم في حرف واحد ، وهو السين من قوله تعالى : (ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) على خلاف بين المدغمين والضاد تدغم في الشين في قوله تعالى : (لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ) لا غير بخلاف أيضا وأما إدغام (الْأَرْضَ شَقًّا) فغير مقروء به لانفراد القاضي أبي العلاء به عن ابن حبش والقاف تدغم في الكاف إذا تحرك ما قبلها نحو : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) وتقدم الكلام على نحو : خلقكم مع طلقكن ، و (نَرْزُقُكَ) فإن سكن ما قبلها لم تدغم نحو : (وَفَوْقَ كُلِ) والكاف تدغم في القاف إذا تحرك ما قبلها نحو : (لَكَ قالَ) فإن سكن ما قبلها لم تدغم نحو : (وَتَرَكُوكَ قائِماً) واللام تدغم في الراء إذا تحرك ما قبلها بأي حركة نحو : (رُسُلُ رَبِّكَ ، أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ، كَمَثَلِ رِيحٍ) فإن سكن ما فيها أدغمها مكسورة ، أو مضمومة فقط نحو : (يَقُولُ رَبَّنا ، إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) فإن انفتحت بعد الساكن نحو : (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) امتنع الإدغام لخفة الفتحة إلا لام قال نحو : (قالَ رَبُّكَ ، قالَ رَجُلانِ) فإنها تدغم حيث وقعت لكثرة دورها والميم تسكن عند الباء إذا تحرك ما قبلها ، فتخفي بغنة نحو : (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) وليس في الإدغام الكبير مخفي غير ذلك عند من أخفاه فإن سكن ما قبلها أظهرت نحو : (إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) ونبه بتسكين الباء على أن الحرف المخفي كالمدغم يسكن ، ثم يخفى لكنه يفرق بينهما بأنه في المدغم يقلب ، ويشدد الثاني بخلاف المخفي والنون تدغم إذا تحرك ما قبلها في الراء ، واللام ، نحو : (تَأَذَّنَ رَبُّكَ ، نُؤْمِنَ لَكَ) فإن سكن ما قبلها أظهرت عندهما نحو : (يَخافُونَ) ، ربهم يكون لهم إلا النون من (نَحْنُ) فقط فإنها تدغم نحو : (نَحْنُ لَكَ) لثقل الضمة مع لزومها ، ولكثرة دورها فهذا ما أدغمه أبو عمرو ، وقد شاركه غيره فقرأ حمزة ، وفاقا له بإدغام التاء في أربعة مواضع ، وهي (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ، فَالزَّاجِراتِ زَجْراً ، فَالتَّالِياتِ ذِكْراً والذَّارِياتِ ذَرْواً) الصافات [الآية : ٢ ـ ٣] والذاريات [الآية : ١] بغير إشارة ، واختلف عن خلاد عنه في (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً ، فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) وبالإدغام قرأ الداني على أبي الفتح ، والوجهان في الشاطبية (١).

__________________

(١) للإمام القاسم بن فيّرة الشاطبي واسمها : حرز الأماني ووجه التهاني. ولكن شهرتها بمتن الشاطبية. [أ].

٣٥

وقرأ يعقوب : بإدغام الباء في الباء في (الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) بالنساء [الآية : ٣٦] وقرأ رويس بإدغام أربعة أحرف كأبي عمرو لكن بلا خلاف : (نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ، إِنَّكِ كُنْتِ) طه [الآية : ٣٣] (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ) المؤمنون [الآية : ١٠١] واختلف عنه في إدغام اثني عشر حرفا (لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ) بالبقر [الآية : ٢٠] (وَجَعَلَ لَكُمْ)(١) النحل [الآية : ٧٢] جميع ما في النحل ، وهو ثمانية ، و (لا قِبَلَ لَهُمْ) النمل [الآية : ٣٧] (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى ، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) بالنجم [الآية : ٤٩] كلاهما بالنجم ، فأدغمها النخاس من جميع طرقه ، وكذا الجوهري كلاهما عن التمار ، وهو الذي لم يذكر الداني ، وأكثر أهل الأداء عن رويس سواه ، فهو الراجح ، ورواها أبو الطيب ، وابن مقسم كلاهما عن التمار عنه بالإظهار ، واختلف عن رويس أيضا لكن من غير ترجيح في أربعة عشر حرفا ثلاثة بالبقرة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ، وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ ، ونَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بعدها ، وفي الأعراف (مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ) وفي الكهف (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) وفي مريم (فَتَمَثَّلَ لَها) وفي طه (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) وفي النحل (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ) وفي الزمر (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) وفي الروم (كَذلِكَ كانُوا) وفي الشورى (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) وفي النجم (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) الأولان ، وفي الانفطار (رَكَّبَكَ كَلَّا) وروى الأهوازي وابن الفحام إدغام (جَعَلَ لَكُمُ) جميع ما في القرآن ، وروى الحمامي التخيير فيها.

وروى أبو الكرم الشهرزوري صاحب المصباح عن يعقوب بكماله إدغام جميع ما أدغمه أبو عمرو من المثلين ، والمتقاربين ، وإليه الإشارة بقول الطيبة :

وقيل عن يعقوب ما لابن العلا

وكذا ذكره أبو حيان في كتابه المطلوب في قراءة يعقوب ، وبه قرأ ابن الجزري عن أصحابه ، وحكاه أبو الفضل الرازي ، واستشهد به للإدغام مع تحقيق الهمزة قال شيخنا ، وذلك لأنهم لما أطلقوا الإدغام عنه ، ولم يشترطوا له ما اشترطوا لأبي عمرو ـ دل على إدغامه بلا شرط. قال : وكما دل على الإدغام مع الهمز يدل عليه مع مد المنفصل ، وهو كذلك كما تقدم التصريح به ، واختص يعقوب عن أبي عمرو بإدغام التاء من (رَبِّكَ تَتَمارى) بالنجم [الآية : ٥٥] ورويس بإدغامها من (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) بسبإ [الآية : ٤٦] وإذا ابتدءا بهاتين الكلمتين ، فبتاءين مظهرتين موافقة للرسم ، والأصل بخلاف الابتداء بتاءات البزي الآتية إن شاء الله تعالى فإنها مرسومة بتاء واحدة فكان الابتداء بها كذلك.

وافق اليزيدي أبا عمرو على إدغام جميع الباب بقسميه اتفاقا واختلافا والحسن على إدغام المثلين في كلمتين فقط ، وزاد تاء المتكلم ، والمخاطب ك (كُنْتُ تُراباً ، أَفَأَنْتَ

__________________

(١) وحيث وقعت. [أ].

٣٦

تُكْرِهُ) وابن محيصن على ما ضم أوله من المثلين في كلمتين نحو : (يَشْفَعُ عِنْدَهُ) ويشير إلى ضم الحرف ، وزاد من المفردة إدغام باقي المثلين إلا أنه أظهر ما اختلف فيه عن أبي عمرو ك (يَخْلُ لَكُمْ) وعنه إدغام القاف في الكاف نحو (خَلَقَكُمْ ، ورَزَقَكُمُ) وعنه من المفردة إدغام جميع المتجانسين ، والمتقاربين إلا أنه أظهر ما اختلف فيه عن أبي عمرو وزاد منها إدغام الضاد في التاء نحو : (أَفَضْتُمْ وَأَقْرَضْتُمُ) وأدغم من المبهج ، والمفردة الضاد في الطاء إذا اجتمعا في كلمة نحو : (اضْطُرَّ ، اضْطُرِرْتُمْ) والظاء في التاء من (أَوَعَظْتَ) ويبقى صوت حرف الإطباق. ووافق الشنبوذي عن الأعمش على إدغام الباء في الباء ، وعلى إخفاء الميم عند الباء نحو : (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) وباء يعذب عند ميم من والمطوعي على إدغام جميع المثلين في كلمتين وزاد مثلي كلمة في جميع القرآن نحو : (جِباهُهُمْ) لتلاقي المثلين ، واستثنى من إدغام التاء (إِلَّا مَوْتَتَنَا) ووافقه ابن محيصن على إدغام (بِأَعْيُنِنا) بالطور [الآية : ٤٨] ، وعنه ، الإظهار من المبهج (١).

فصل

يلتحق بهذا الباب خمسة أحرف

أولها : (بَيَّتَ طائِفَةٌ) بالنساء [الآية : ٨١] أدغم التاء منه في الطاء أبو عمرو وحمزة.

ثانيها : (لا تَأْمَنَّا) بيوسف [الآية : ١١] أجمع الأئمة العشرة على إدغامه ، واختلفوا في اللفظ به ، فقرأ أبو جعفر بإدغامه إدغاما محضا من غير إشارة وسيأتي له إبدال الهمزة الساكنة وافقه الشنبوذي عن الأعمش ، والباقون بالإشارة ، واختلفوا فيها فبعضهم ، يجعلها روما فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا لأن الحركة لا تسكن رأسا بل يضعف صوت الحركة وبعضهم يجعلها إشماما ، وهو عبارة عن ضم الشفتين إشارة إلى حركة الفعل مع الإدغام الصريح قالوا : وتكون الإشارة إلى الضمة بعد الإدغام ، فيصح معه حينئذ الإدغام ، والروم اختيار الداني وبالإشمام قطع أكثر أهل الأداء قال ابن الجزري : وإياه أختار مع صحة الروم عندي وافقهم ابن محيصن ، والحسن ، واليزيدي ، وعن المطوعي عن الأعمش الإظهار المحض ، فينطق بنونين أولاهما : مضمومة والثانية مفتوحة.

ثالثها : (ما مَكَّنِّي) الكهف [الآية : ٩٥] قرأ ابن كثير بإظهار النون ، والباقون : بالإدغام.

رابعها : (أَتُمِدُّونَنِ) بالنمل [الآية : ٣٦] أدغم النون في النون حمزة ، وكذا يعقوب ، والباقون : بالإظهار ، وهي بنونين في جميع المصاحف ، وسيأتي حكم يائها في الزوائد إن شاء الله تعالى (٢).

__________________

(١) كتاب المبهج للإمام سبط الخياط. النشر : (١ / ٨٣). [أ].

(٢) انظر الصفحة : (١١٣). [أ].

٣٧

خامسها : (أَتَعِدانِنِي) بالأحقاف [الآية : ١٧] أدغم هشام النون في النون وافقه الحسن ، وابن محيصن بخلف عنه ، والباقون ، بالإظهار ، وهي كذلك في جميع المصاحف ، ويأتي إن شاء الله تعالى جميع ذلك مبسوطا في محاله من الفرش.

فصل

تجوز الإشارة بالروم والإشمام إلى حركة الحرف المدغم سواء كان مماثلا ، أو مقاربا ، أو مجانسا إذا كان مضموما ، وبالروم فقط إذا كان مكسورا ، وترك الإشارة هو الأصل ، والإدغام الصحيح يمتنع مع الروم دون الإشمام ، والآخذون بالإشارة أجمعوا على استثناء الميم عند مثلها ، وعند الباء ، وعلى استثناء الباء عند مثلها ، وعند الميم ، واستثنى بعضهم الفاء عند الفاء ، وذلك نحو (يَعْلَمُ ما ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِما** ، نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا يُعَذِّبُ مَنْ ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) تنبيهان الأول : كل من أدغم الراء في مثلها :

أو في اللام أبقى إمالة الألف قبلها نحو : (وَقِنا عَذابَ النَّارِ ، والنَّهارِ لَآياتٍ) لعروض الإدغام ، والأصل عدم الاعتداد به ، وروى ابن حبش عن السوسي فتح ذلك حالة الإدغام اعتدادا بالعارض ، والأول مذهب ابن مجاهد ، وأكثر القراء ، وأئمة التصريف ، وقد ترجح الإمالة عند من يأخذ بالفتح في قوله تعالى : (فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ) لوجود الكسر بعد الألف حالة الإدغام قاله في النشر قياسا (١).

الثاني : لا يخلوا ما قبل الحرف المدغم إما أن يكون متحركا ، أو ساكنا فالأول : لا كلام فيه ، والثاني : إما أن يكون معتلا ، أو صحيحا ، فإن كان معتلا أمكن الإدغام معه ، وحسن لامتداد الصوت به ، ويجوز فيه ثلاثة أوجه : المد ، والتوسط ، والقصر كالوقف سواء كان المعتل حرف مد نحو : (الرَّحِيمِ مالِكِ ، فَقالَ لَهُمُ ، يَقُولُ رَبَّنا) أو حرف لين نحو : (قَوْمُ مُوسى ، كَيْفَ فَعَلَ) والمد أرجح وفي النشر لو قيل باختيار المد في حرف المد ، والتوسط في حرف اللين لكان له وجه لما يأتي في باب المد إن شاء الله تعالى (٢) ، وإن كان الساكن صحيحا عسر الإدغام معه لكونه جمعا بين ساكنين ليس أولهما حرف علة ، وذلك نحو : (شَهْرُ رَمَضانَ ، الْعَفْوَ وَأْمُرْ ، زادَتْهُ هذِهِ ، الْمَهْدِ صَبِيًّا) وفيه طريقان ثابتان صحيحان مأخوذ بهما : طريق المتقدمين إدغامه إدغاما صحيحا قال الحافظ البارع المتقن الشمس ابن الجزري : والإدغام الصحيح هو الثابت عند قدماء الأئمة من أهل الأداء ، والنصوص مجتمعة عليه الطريق الثاني : لأكثر المتأخرين أنه مخفي بمعنى مختلس الحركة ، وهو المسمى بالروم المتقدم آنفا ، وهو في الحقيقة مرتبة ثالثة لا إدغام ، ولا إظهار ، وليس المراد الإخفاء المذكور في باب النون الساكنة ، والتنوين ، وفرارهم من

__________________

(١) انظر الصفحة : (١ / ٢٧٥). [أ].

(٢) انظر الصفحة : (٣٧) من هذا الكتاب. [أ].

٣٨

الإدغام الصحيح لما يلزم عليه من التقاء الساكنين على غير حده ، وذلك لأن قاعدة الصرفيين أنه لا يجمع بين ساكنين إلا إذا كان الأول حرف علة مدا أو لينا فإن كان صحيحا جاز وقفا لعروضه لا وصلا ، فحصل من قاعدتهم أنه لا يجمع بين ساكنين ، والأول صحيح في الوصل ، وقد ثبت عن القراء اجتماعهما ، فخاض فيها الخائضون توهما منهم أن ما خالف قاعدتهم لا يجوز ، وهو كما قاله جميع المحققين أنا لا أسلم أن ما خالف قاعدتهم غير جائز بل غير مقيس ، وما خرج عن القياس إن لم يسمع ، فهو : لحن (١) ، وإن سمع ، فهو : شاذ قياسا فقط ، ولا يمتنع وقوعه في القرآن ، وأيضا فهو ملحق بالوقف إذ لا فرق بين الساكن للوقف ، والساكن للإدغام ، ثم نعود ، ونقول دعواهم عدم جوازه ، وصلا ممنوعة ، وعدم وجدان الشيء لا يدل على عدم وجوده في نفس الأمر فقد سمع التقاؤهما من أفصح العرب ، بل أفصح الخلق على الإطلاق صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يروى «نعما المال الصالح للرجل الصالح» قاله أبو عبيدة ، واختاره وناهيك به ، وتواتر ذلك عن القراء ، وشاع ، وذاع ، ولم ينكر ، وهو إثبات مفيد للعلم ، وما ذكروه نفي مستنده الظن ، فالإثبات العلمي أولى من النفي الظني ، ولئن سلمنا أن ذلك غير متواتر فأقل الأمر أن يثبت لغة بدلالة نقل العدول له عمن هو أفصح ممن استدلوا بكلامهم ، فبقي الترجيح في ذلك بالإثبات ، وهو مقدم على النفي ، وإذا حمل كلام المخالف على أنه غير مقيس أمكن الجمع بين قولهم ، والقراءة المتواترة ، والجمع ، ولو بوجه أولى ، وقال ابن الحاجب بعد نقله التعارض بين قولي القراء ، والنحويين ما نصه ، والأولى الرد على النحويين في منع الجواز ، فليس قولهم بحجة إلا عند الإجماع ، ومن القراء جماعة من أكابر النحويين ، فلا يكون إجماع النحويين حجة مع مخالفة القراء لهم ، ثم ولو قدر أن القراء ليس فيهم نحوي ، فإنهم ناقلون لهذه اللغة ، وهم مشاركون للنحويين في نقل اللغة ، فلا يكون إجماع النحويين حجة دونهم ، وإذا ثبت ذلك كان المصير إلى قول القراء أولى لأنهم ناقلوها عمن ثبتت عصمته عن الغلط في مثله ، ولأن القراءة ثبتت متواترة ، وما نقله النحويون آحاد ، ثم لو سلم أنه ليس بمتواتر ، فالقراء أعدل ، وأكثر ، فكان الرجوع إليهم أولى انتهى والله أعلم (٢).

النوع الثاني الإدغام الصغير : وهو ما كان الحرف المدغم منه ساكنا ، وينقسم إلى واجب ، وممتنع ، وجائز.

الأول : إذا التقى حرفان أولهما ساكن نحو : (رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ، يُدْرِكْكُمُ ، يُوَجِّهْهُ ، قالَتْ طائِفَةٌ ، قَدْ تَبَيَّنَ ، أَثْقَلَتْ دَعَوَا) وجب إدغام الأول منهما بشروط ثلاثة الأول : أن لا يكون أول المثلين هاء سكت فإنها لا تدغم لأن الوقف على الهاء منوي نحو : (مالِيَهْ

__________________

(١) أي خطأ لخروجه عن القياس. [أ].

(٢) للمزيد انظر النشر لابن الجزري : (١ / ٢٩٢). [أ].

٣٩

هَلَكَ) ويأتي الكلام عليها في محلها إن شاء الله تعالى الثاني : أن لا يكون حرف مد نحو : (قالُوا وَهُمْ ، فِي يَوْمٍ) لئلا يذهب المد بالإدغام الثالث : أن لا يكون أول الجنسين حرف حلق نحو : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ).

القسم الثاني : الممتنع ، وهو أن يتحرك أولهما ، ويسكن ثانيهما مثاله في كلمة ضللتم وفي كلمتين (قالَ الْمَلَأُ).

القسم الثالث : الجائز ، وهو المراد هنا ، وينحصر في فصول ستة ، وهي : إذ ، وقد ، وتاء التأنيث ، وهل ، وبل ، وحروف قربت مخارجها ، وأحكام النون الساكنة ، والتنوين.

الفصل الأول

في حكم ذال إذ

(١) اختلف في إدغامها في ستة أحرف ، وهي حروف تجد والصفير الصاد ، والسين ، والزاي ، فالتاء نحو : (إِذْ تَبَرَّأَ) البقرة [الآية : ١٦٦] والجيم (إِذْ جاءَ) الصافات [الآية : ٨٤] والدال (إِذْ دَخَلُوا) الذاريات [الآية : ٢٥] والصاد (إِذْ صَرَفْنا) الأحقاف [الآية : ٢٩] ولا ثاني له والسين (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) النور [الآية : ٤٨] والزاي (وَإِذْ زَيَّنَ) الأنفال [الآية : ٤٨] فقرأ أبو عمرو ، وهشام بإدغام الذال في الستة وافقهما اليزيدي ، وابن محيصن ، وأظهرها عند الستة نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وكذا أبو جعفر ، ويعقوب ، واختلف عن ابن ذكوان في الدال ، فأدغم الذال فيها من طريق الأخفش ، وأظهرها من طريق الصوري كالخمسة الباقية ، وقرأ حمزة ، وكذا خلف بإدغامها في التاء ، والدال فقط ، وبإظهارها عند الأربعة الباقية ، وقرأ خلاد ، والكسائي بإدغامها في غير الجيم ، وافقهما الحسن ، وعن الأعمش إدغامها في الزاي ، والصاد ، والسين ، وزاد المطوعي عنه الجيم.

الفصل الثاني

في حكم دال قد

اختلف في إدغامها في ثمانية أحرف الأول : الجيم نحو : (لَقَدْ جاءَكُمْ) الثاني الذال : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) ليس غيره ، الثالث : الزاي (وَلَقَدْ زَيَّنَّا) الرابع : السين : (قَدْ سَأَلَها) الخامس : الشين : (قَدْ شَغَفَها) فقط ، السادس : الصاد (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) السابع : الضاد (قَدْ ضَلُّوا) الثامن : (لَقَدْ ظَلَمَكَ) ، فأدغمها فيهن أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وهشام ، وكذا خلف ، وافقهم الأربعة لكن اختلف عن هشام في (لَقَدْ

__________________

(١) للمزيد انظر النشر لابن الجزري : (٢ / ٢) حيث فصل الكلام أكثر من هذا الموجز. [أ].

٤٠