رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

( وأن يكون ) الخروج يوم ( الاثنين أو الجمعة ) مخيرا بينهما كما هنا وفي كلام جماعة (١) ، أو مرتبا بتقديم الأول وإن لم يتيسر فالثاني كما في الشرائع وكلام آخرين (٢).

والأكثر لم يذكروا سوى الأول (٣) ؛ للنص : قلت له : متى يخرج جعلت فداك؟ قال : « يوم الاثنين » (٤) ونحوه المروي في العيون عن مولانا الحسن العسكري عليه‌السلام (٥).

وعكس الحلبي فلم يذكر سوى الثاني (٦).

قيل : ولعلّه نظر إلى ما ورد في ذم يوم الاثنين وأنه يوم نحس لا يطلب فيه الحوائج ، وأنّ بني أمية تتبرك به ، ويتشاءم به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقتل الحسين عليه‌السلام فيه ، حتى ورد أنّ من صامه أو طلب الحوائج فيه متبركا حشر مع بني أمية (٧) ، وأنّ هذه الأخبار ظاهرة الرجحان على الخبرين المذكورين (٨).

أقول : لكنهما معتضدان بعمل أكثر الأصحاب وإن اختلفوا في الجمود عليهما أو ضمّ الجمعة ، مخيّرا أو مرتبا بينهما ، جمعا بينهما وبين ما دلّ على‌

__________________

(١) منهم العلامة في التذكرة ١ : ١٦٧ ، والشهيدان في اللمعة والروضة ١ : ٣١٩ ، والمحقق السبزواري في الكفاية : ٢٣.

(٢) الشرائع ١ : ١٠٩ ؛ وانظر التحرير ١ : ٤٧ ، والدروس ١ : ١٩٦ ، والبيان : ٢١٨.

(٣) كالصدوق في المقنع : ٤٧ ، والطوسي في النهاية : ١٣٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١١٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٢ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ / ٣٢٢ ، الوسائل ٨ : ٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٢.

(٥) العيون ٢ : ١٦٥ / ١ ، الوسائل ٨ : ٨ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٢ ح ٢.

(٦) راجع الكافي في الفقه : ١٦٢.

(٧) انظر الوسائل ١٠ : ٤٦٠ أبواب الصوم المندوب ب ٢١ ح ٣ ، وج ١١ : ٣٥٧ أبواب آداب السفر ب ٦ ح ٣.

(٨) الحدائق ١٠ : ٤٨٥.

٨١

شرف الجمعة واستجابة الدعاء فيه حتى ورد أن العبد ليسأل الحاجة فيؤخر الإجابة إليه (١).

وكلّ من ساوى بينه وبين الخبرين مكافاة قال بالأول. ومن رجّحهما لفتوى الأصحاب ـ سيّما نحو القاضي والحلّي (٢) اللذين لم يعملا بأخبار الآحاد إلاّ بعد قطعيتها ـ قال بالثاني ، ولعلّه الأقوى.

( والإصحار بها ) إجماعا كما في المعتبر والمنتهى والذكرى (٣) ؛ وللتأسي ، والنصوص ، وفيها الصحيح وغيره ، وفيه : « مضت السنّة أنه لا يستسقى إلاّ بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ، ولا يستسقى في المساجد إلاّ بمكة » (٤).

واستثناء مكة مجمع عليه عندنا وعند أكثر أهل العلم كما في المنتهى (٥).

وعن الإسكافي إلحاق مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها (٦). وهو مع عدم وضوح مستنده سوى القياس الذي لا نقول به يدفعه بعض النصوص بظاهره (٧).

نعم ، ذكر الشهيدان أنه لو حصل مانع من الصحراء كخوف وشبهه

__________________

(١) المقنعة : ١٥٥ ، المحاسن : ٥٨ / ٩٤ ، مصباح المتهجد : ٢٣٠ ، الوسائل ٧ : ٣٨٣ أبواب صلاة الجمعة ب ٤١ ح ١.

(٢) القاضي في المهذّب ١ : ١٤٤ ، الحلي في السرائر ١ : ٣٢٥.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٦٣ ، المنتهى ١ : ٣٥٥ ، الذكرى : ٢٥١.

(٤) التهذيب ٣ : ١٥٠ / ٣٢٥ ، قرب الإسناد : ١٣٧ / ٤٨١ ، الوسائل ٨ : ١٠ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٤ ح ١.

(٥) المنتهى ١ : ٣٥٥.

(٦) نقله عنه في المختلف : ١٢٦.

(٧) الوسائل ٨ : ٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٢.

٨٢

صلّيت فيه بل في سائر المساجد (١). ولا بأس به.

وليكن خروجهم إلى الصحراء في حال كونهم ( حفاة على سكينة ووقار ) كما يخرج في العيدين ، وفي الخبر « يمشي كما يمشي يوم العيدين » (٢).

مضافا إلى الصحيح المتقدم المصرّح باستحباب الأخيرين.

( واستصحاب الشيوخ ) ولا سيّما أبناء الثمانين ( والأطفال والعجائز ) في المشهور بين الأصحاب ، قالوا : لأنهم أقرب إلى الرحمة وأسرع إلى الإجابة.

وفي النبوي : « لو لا أطفال رضّع وشيوخ ركّع وبهائم رتّع لصبّ عليكم العذاب صبّا » (٣).

وفي آخر : « إذا بلغ الرجل ثمانين سنة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر » (٤).

وفي الرضوي في جملة الخطبة المأثورة فيه هنا : « اللهم ارحمنا بمشايخ ركّع وصبيان رضّع وبهائم رتّع وشبّان خضّع » (٥).

وليكونوا ( من المسلمين خاصة ) كما ذكره جماعة (٦) ، فيمنع من الحضور معهم أهل الذمة وجميع الكفّار.

وزاد الحلّي فقال : والمتظاهرين بالفسوق والمنكر والخداعة من أهل‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٥١ ، روض الجنان : ٣٢٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٢ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٤٨ / ٣٢٢ ، الوسائل ٨ : ٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٢.

(٣) سنن البيهقي ٣ : ٣٤٥ ، الجامع الصغير ( للسيوطي ) ٢ : ٤٤٣ بتفاوت يسير.

(٤) الذكرى : ٢٥١ ، وانظر مسند احمد ٢ : ٨٩ ( وفيه : إذا بلغ الرجل التسعين ).

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٤ ، المستدرك ٦ : ١٨١ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٤.

(٦) منهم : العلامة في المنتهى ١ : ٣٥٥ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٢٤.

٨٣

الإسلام (١).

قال في المنتهى : لأنهم أعداء الله تعالى ومغضوب عليهم وقد بدّلوا نعمة الله تعالى كفرا فهم بعيدون من الإجابة ، قال الله تعالى( وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ* ) (٢) ثمَّ ذكر ما روي في حكاية دعاء فرعون حين غار النيل (٣) ، ورجّح عدم المنع (٤).

قيل (٥) : ويعضده خروج المنافقين مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنهم أكثر الناس أو كثير منهم يومئذ ، وكذا خروج المخالفين مع الرضا عليه‌السلام كما تضمنه بعض النصوص (٦) فإنهم الأكثر يومئذ.

ويعضده أيضا ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الله تعالى ربما حبس الإجابة عن المؤمن لحبّ سماع صوته وتضرعه وإلحاحه ، وعجّل الإجابة للكافر لبغض سماع صوته (٧).

على أنهم يطلبون ما ضمنه الله تعالى لهم من رزقهم وهو سبحانه لا يخلف الميعاد.

( والتفريق بين الأطفال وأمهاتهم ) كما ذكره جماعة (٨) ، قالوا : استجلابا للبكاء والخشوع بين يدي الله تعالى ، فربما أدركتهم الرحمة بلطفه.

( و ) أن ( تصلّى جماعة ) للتأسي ، وظواهر النصوص. وتجوز فرادى‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٢٥.

(٢) الرعد : ١٤.

(٣) الفقيه ١ : ٣٣٤ / ١٥٠٢.

(٤) المنتهى ١ : ٣٥٥.

(٥) الحدائق ١٠ : ٤٨٨.

(٦) العيون ٢ : ١٦٥ / ١ ، الوسائل ٨ : ٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٢.

(٧) الوسائل ٧ : ٦١ أبواب الدعاء ب ٢١.

(٨) العلامة في التذكرة ١ : ١٦٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٢٥.

٨٤

بإجماعنا ، بل أهل العلم كافة إلاّ أبا حنيفة كما في المنتهى (١).

( وتحويل الإمام الرداء ) بأن يجعل الذي على يمينه على يساره وبالعكس كما في الصحيح وغيره مستفيضا (٢).

وظاهرها ـ بعد حمل مطلقها على مقيدها ـ استحبابه من الإمام مرّة واحدة بعد الصلاة وصعود المنبر كما عليه الأكثر.

خلافا لبعضهم فذكر التحويل بعد الخطبة (٣) ، ولآخر فأثبته للمأموم أيضا (٤) ، ولجماعة فاستحبّوه ثلاث مرات (٥). ولم نعرف لشي‌ء من ذلك مستندا واضحا.

( واستقبال القبلة ) حال كونه ( مكبّرا ) مائة مرة ( رافعا ) بها ( صوته ، وإلى اليمين مسبّحا ، وإلى اليسار مهلّلا ، وعند استقبال الناس حامدا ) (٦) كل ذلك مائة مرة رافعا بها صوته ، على المشهور المأثور في الخبرين (٧).

خلافا للمفيد وجماعة (٨) في ذكر اليسار واستقبال الناس ، فيحمد في الأول ويستغفر في الثاني ، كلا منهما مائة مرة.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٥٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٩ أبواب صلاة الاستسقاء ب ٣.

(٣) كالصدوق في الفقيه ١ : ٣٣٤ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٦٨.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٣٥ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٦٨ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٢٥.

(٥) منهم : المفيد في المقنعة : ٢٠٨ ، وسلاّر في المراسم : ٨٣ ، والقاضي في المهذّب ١ : ١٤٤.

(٦) في المختصر المطبوع : داعيا.

(٧) الكافي ٣ : ٤٦٢ / ١ وذيله ، التهذيب ١ : ١٤٨ / ٣٢٢ ، الوسائل ٨ : ٥ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ ح ٢ وذيله.

(٨) المفيد في المقنعة : ٢٠٨ ؛ وانظر المراسم : ٨٣ ، والمهذّب ١ : ١٤٤ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥.

٨٥

وللصدوق فيهما أيضا فعكس ما عليه المشهور (١).

ولم نعرف مستندهما ( و ) لا مستند من قال باستحباب أن ( يتابعه الناس ) في ذلك ، أي في الأذكار ورفع الصوت بها أيضا كما عن الحلبي والصدوق والقاضي (٢) ، أو الأذكار خاصة من غير رفع الصوت كما عن الإسكافي والحلّي (٣). ولكن لا بأس بالمتابعة ؛ للتسامح في أدلة السنن.

( والخطبة ) مرتين كما يفعل في العيدين ( بعد الصلاة ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضا (٤) ؛ والنصوص المروية من طرق العامة وطرقنا عموما وخصوصا (٥). والموثق الدال على أنها قبل الصلاة (٦) شاذ يحتمل الحمل على التقية ، فقد حكي في المنتهى وغيره (٧) عن جماعة من العامة.

( والمبالغة في الدعاء ، والمعاودة إن تأخرت الإجابة ) إجماعا منّا كما حكاه في المنتهى ، قال : لأن الله تعالى يحبّ الملحّين في الدعاء ، ولأن الحاجة باقية فكان طلبها بالدعاء مشروعا ، ولأنها صلاة يستدفع بها أذى فكانت‌

__________________

(١) كما نقله عنه في المختلف ١٢٥ ، لكن في الفقيه ١ : ٣٣٤ ، والمقنع : ٤٧ ذكر الكيفية وفق ما عن المشهور.

(٢) الحلبي في الكافي : ١٦٣ ، الصدوق في المقنع : ٤٧ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٤٤.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٢٥ ، السرائر ١ : ٣٢٦.

(٤) منها : ما ذكره الشيخ في الخلاف ١ : ٦٨٧ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٦٨ ، والمحدّث الكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٥.

(٥) الوسائل ٨ : ٥ و١١ أبواب صلاة الاستسقاء ب ١ و٥. ونقل من طرق العامّة في التذكرة ١ : ١٦٨ عن أبي هريرة.

(٦) التهذيب ٣ : ١٥٠ / ٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥١ / ١٧٤٩ ، الوسائل ٨ : ١١ أبواب الاستسقاء ب ٥ ح ٢.

(٧) المنتهى ١ : ٣٥٦ ؛ وانظر المعتبر ٢ : ٣٦٥.

٨٦

مشروعة كالأولى (١).

( ومنها : نافلة شهر رمضان )

( و ) قد اختلفت الروايات ( في ) توظيفها واستحبابها ، إلاّ أنّ ( أشهر الروايات ) وأكثرها وأظهرها بين الأصحاب ، بحيث كاد أن يكون ذلك منهم إجماعا ، كما يستفاد من جملة من العبارات (٢) ، بل بانعقاده صرّح الحلّي والمرتضى والفاضل في المختلف حاكيا له عن الديلمي (٣) ، وربما احتمله عبارة الخلاف أيضا (٤) ، يدل على ( استحباب ألف ركعة ، زيادة على ) النوافل ( المرتبة ) اليومية.

وقول الصدوق بأنه لا نافلة في شهر رمضان زيادة على غيره (٥) شاذ ، كالصحاح الدالة عليه (٦) ، وإن حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا (٧) ، إذ لم نعرفهم ولا نقله غيره ، غير أنه قيل : لأنه لم يتعرض لها والد الصدوق ولا العماني (٨). وهو غير صريح ، بل ولا ظاهر في المخالفة.

مع أنّ ظاهر عبارة الصدوق المشتهر نقل خلافه في المسألة لا يدل على نفي المشروعية ، بل صريحها الجواز (٩) ؛ ولذا نفى عنه الخلاف جماعة (١٠)

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٥٦.

(٢) انظر المهذّب البارع ١ : ٤٣٢ ، ومجمع الفائدة ٣ : ٢٥.

(٣) الحلّي في السرائر ١ : ٣١٠ ، المرتضى في الانتصار : ٥٦ ، المختلف : ١٢٦.

(٤) الخلاف ١ : ٥٣٠.

(٥) انظر الفقيه ٢ : ٨٩.

(٦) الوسائل ٨ : ٤٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٩.

(٧) الخلاف ١ : ٥٣١.

(٨) المختلف : ١٢٦.

(٩) انظر من لا يحضره الفقيه ٢ : ٨٩.

(١٠) منهم : صاحبا المدارك ٤ : ٢٠٠ ، والحدائق ١٠ : ٥١٠.

٨٧

قائلين أنّ غايتها نفي تأكد الفضيلة لا المشروعية. وهو حسن.

فما يقال من : أنّ المسألة من المشكلات (١) لا وجه له ، غير صحة الأخبار المانعة ، وهي معارضة بتلك الروايات المشهورة المتضمنة للموثق وغيره ، المعتضدة بفتوى الأصحاب والإجماعات المنقولة ، وعموم ما دلّ على أن الصلاة خير موضوع (٢) ، مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن ، بناء على الإجماع على الجواز كما عرفته.

والصحاح ـ بعد القطع بشذوذها ـ لا تفيد الحرمة صريحا لينبغي الاحتياط عنها ، مع انها معارضة ـ زيادة على الروايات المشهورة باستحباب ألف ركعة ـ بالنصوص المستفيضة القريبة من التواتر بل لعلّها متواترة بشرعية الزيادة ولو مطلقة ، ومع ذلك فجملة منها صحيحة صريحة في خلاف ما دلّت عليه الصحاح المتقدمة من أنه : ما صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزيادة قطّ ، ولو كان خيرا لم يتركه (٣).

ففي الصحيح : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يزيد في صلاته في شهر رمضان إذا صلّى العتمة صلّى بعدها » الخبر (٤).

ونحوه آخر وغيره (٥).

وحينئذ فينبغي طرحها ، أو حملها على نفي الزيادة في جماعة خاصة كما‌

__________________

(١) الحدائق ١٠ : ٥١٤.

(٢) بحار الأنوار ٧٩ : ٣٠٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٦٨ / ٢٢٣ ، الاستبصار ١ : ٤٦٦ / ١٨٠٤ ، الوسائل ٨ : ٤٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٩ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ١٥٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ٦١ / ٢٠٨ ، الاستبصار ١ : ٤٦١ / ١٧٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٦٠ / ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٦١ / ١٧٩٣ ، ١٧٩٥ ، الوسائل ٨ : ٢٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٢ ح ٢ ، ٣.

٨٨

في التهذيبين (١) ، للصحيح (٢). ولكن لا دلالة له عليه.

أو على نفي الزيادة في النوافل الراتبة ، كما رواها الإسكافي بأربع في صلاة الليل كما في المختلف (٣). وهو أبعد.

أو على نفي كونها سنّة موقتة موظفة لا ينبغي تركها كالرواتب اليومية ، بل إن كانت فهي من التطوعات التي من أحبها وقوي عليها كما يشعر به بعض النصوص المثبتة (٤). ولكن فيه بعد.

أو على التقية كما عن بعض الأجلّة (٥) حاكيا له عن ابن طاوس ، مؤيدا له بأمور ومنها ورد جملة من الأخبار بتكذيب راوي النفي والدعاء عليه (٦). لكنها معارضة ببعض الأخبار الواردة بالعكس (٧) ، مع أنّ بعض الأصحاب حمل الأخبار المثبتة على التقية (٨).

وكيف كان فالمذهب ما عليه الأصحاب.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٦٩ ، الاستبصار ١ : ٤٦٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٨٧ / ٣٩٤ ، التهذيب ٣ : ٦٩ / ٢٢٦ ، الاستبصار ١ : ٤٦٧ / ١٨٠٧ ، الوسائل ٨ : ٤٥ أبواب نافلة شهر رمضان ب ١٠ ح ١.

(٣) المختلف : ١٢٦.

(٤) التهذيب ٣ : ٦١ / ٢٠٩ ، الاستبصار ١ : ٤٦١ / ١٧٩٤ ، الوسائل ٨ : ٢٦ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٥ ح ١.

(٥) نقله صاحب الحدائق ١٠ : ٥١٤ عن بعض المحققين من متأخّري المتأخرين.

(٦) الكافي ٤ : ١٥٥ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٦٨ / ٢٢١ ، ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٦٣ / ١٧٩٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٨ ، ١٠.

(٧) لم نعثر عليه في كتب الحديث ، ورواه المحقق في المعتبر ٢ : ٣٦٦ عن الأصحاب عن محمد ابن مسلم ، ومتنه : سمعت إبراهيم بن هشام يقول : هذا شهر رمضان فرض الله صيامه وسنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيامه ، فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقال : « كذب إبراهيم ابن هشام ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتان قبل الفجر في رمضان وغيره ».

(٨) الوافي ١١ : ٤٣٨.

٨٩

وقد اختلفوا في كيفية توزيع الألف ركعة على الشهر ، فالمشهور أنه يصلّى ( في كل ليلة ) من العشرين الأوّلين ( عشرون ركعة ) موزّعة هكذا ( بعد المغرب ثماني ركعات ، وبعد العشاء اثنتا عشرة ركعة ، وفي العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون ) ركعة موزّعة كما مرّ ، بعد المغرب ثماني ركعات والباقي بعد العتمة ( وفي ليالي الأفراد ) المحتملة لليلة القدر ( في كل ليلة ) منها ( مائة ) ركعة ( مضافا إلى ما عيّن ) فيها من العشرين في الاولى والستين في الأخيرتين.

للنصوص المستفيضة الدالة على هذا التفصيل بتمامه بعد ضمّ بعضها إلى بعض (١) ، وهي متفقة الدلالة على كيفية توزيع العشرين والثلاثين بجعل الثمان بعد المغرب والباقي بعد العشاء مطلقا.

خلافا للنهاية والإسكافي (٢) ، فخيّرا في العشرين بين ذلك وبين عكسه فيصلي اثنتي عشرة ركعة بين المغرب والعتمة ، وثماني ركعات بعد العتمة كما في الموثقة (٣) ، جمعا بينها وبين المستفيضة.

وللقاضي والحلبي (٤) في الثلاثين ، فيصلي ما بين العشاءين اثنتي عشرة ركعة ، وثماني عشرة بعد العشاء كما في الخبر (٥).

وربما يقال هنا بالتخيير أيضا جمعا. ولا بأس به وإن كان المشهور أولى ،

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٨ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧.

(٢) النهاية : ١٤٠ ، ونقله عن الإسكافي في المختلف : ١٢٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٨٨ / ٣٩٧ ، التهذيب ٣ : ٦٣ / ٢١٤ ، الاستبصار ١ : ٤٦٢ / ١٧٩٧ ، الوسائل ٨ : ٣٠ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٣.

(٤) القاضي في المهذّب ب ١ : ١٤٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٥٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٦٢ / ٢١٣ ، الاستبصار ١ : ٤٦٢ / ١٧٩٦ ، الوسائل ٨ : ٢٩ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٢.

٩٠

لكثرة أخباره واشتهاره بين الأصحاب ، بل في الخلاف عليه الإجماع (١).

وفيه الإجماع أيضا على استحباب الثمانين ركعة في ليالي الأفراد زيادة على المئات.

( وفي رواية ) (٢) ( يقتصر ) فيها عن الثمانين ( على المائة ) في كل منها ( ويصلّي ) الثمانين المتخلّفة وهي العشرون في التاسعة عشرة والستون في الليلتين بعدها ( في الجمع ) الأربع ( أربعون ) موزّعة عليها ، فيصلّي في كل يوم جمعة عشراً :

أربعاً ( بصلاة علي عليه‌السلام ) يقرأ فيها بالحمد في كل ركعة وخمسين مرة قل هو الله أحد.

( و ) أربعا بصلاة ( جعفر عليه‌السلام ) يقرأ في الركعة الأولى الحمد وإذا زلزلت ، وفي الثانية الحمد والعاديات ، وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله ، وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد.

( و ) ركعتين بصلاة ( فاطمة عليها‌السلام ) يقرأ في الركعة الأولى بالحمد وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة ، وفي الثانية بالحمد وقل هو الله أحد مائة مرة.

( وعشرون في آخر جمعة ) أي ليلة الجمعة الأخيرة ( بصلاة علي عليه‌السلام ، وفي عشيتها ) ليلة السبت ( عشرون بصلاة فاطمة عليها‌السلام ).

ويوافقها في الاقتصار على المائة غيرها من الروايات (٣) ، وحكي القول بمضمونها عن كثير من القدماء كالمفيد والمرتضى والقاضي والديلمي وابن‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٠٢.

(٢) التهذيب ٣ : ٦٦ / ٢١٨ ، الاستبصار ١ : ٤٦٦ / ١٨٠٢ ، المقنعة : ١٦٨ ، الوسائل ٨ : ٢٨ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٢ أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٦ ، ٨.

٩١

حمزة (١) ، وعزاه في الذكرى إلى أكثر الأصحاب (٢) ، وفي الانتصار الإجماع عليه ، وعليه رتّب الشيخ الدعوات المختصة بالركعات (٣). والتخيير غير بعيد كما هو ظاهر كثير.

( ومنها : صلاة ليلة الفطر ).

( وهي ركعتان يقرأ في الأولى مرة بالحمد وبالإخلاص ألف مرة ، وفي الثانية الحمد والإخلاص ) كلّ منهما ( مرة ) كما في الخبر المنجبر بقول الأصحاب كما في الذكرى (٤) ، مضافا إلى التسامح في أدلة السنن ، وفيه : « من صلاّها لم يسأل الله تعالى شيئا إلاّ أعطاه » (٥).

ولها صلوات مذكورة في محالّها.

( ومنها : صلاة يوم الغدير ).

وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجّة ( قبل الزوال بنصف ساعة ).

( وهي ركعتان ) يقرأ في كل منهما الحمد مرة ، وكلا من التوحيد وآية الكرسي والقدر عشر مرّات ، كما في الخبر ، وفيه : أنها تعدل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ، ومن صلاّها لم يسأل الله تعالى حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلاّ قضيت له كائنة ما كانت الحاجة (٦).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ١٦٥ ، المرتضى في الانتصار : ٥٥ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٤٦ ، الديلمي في المراسم : ٨٢ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١١٧.

(٢) الذكرى : ٢٥٤.

(٣) كما في مصباح المتهجد : ٤٨٧.

(٤) الذكرى : ٢٥٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٧١ / ٢٢٨ ، المقنعة : ١٧١ ، الوسائل ٨ : ٨٥ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ١ ح ١.

(٦) التهذيب ٣ : ١٤٣ / ٣١٧ ، الوسائل ٨ : ٨٩ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٣ ح ١.

٩٢

وضعف السند منجبر بما عرفته ، مضافا إلى أخبار أخر مؤيدة له (١).

فإنكار الصدوق له (٢) ضعيف ، كقول الحلبي باستحباب الجماعة فيها والخطبتين والخروج إلى الصحراء (٣) ، إذ لم نقف له على مستند ، مع مخالفة الأول لعموم الأدلة بإنكار الجماعة في النافلة.

والأولى مراعاة الترتيب الذكري في القراءة ، وعليه جماعة (٤) ، وقدّم آخرون القدر على آية الكرسي ، ويظهر من الحلّي أنّ به رواية (٥).

( ومنها : صلاة ليلة النصف من شعبان ).

وهي عديدة وبكل منها رواية ، فمنها ( أربع ركعات ) يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة والتوحيد مائة مرّة ثمَّ يدعو بالمرسوم كما في المرفوع المروي في الكافي وغيره (٦).

ونحوه الخبر المروي في المصباح ، ولكن في العدد خاصة ، وأما القراءة ففيه أنه « تقرأ في كل ركعة الحمد مرة والتوحيد مائتين وخمسين مرة » (٧).

ومنها : ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد الجحد وفي الثانية بعده التوحيد ، وتقول بعد السلام : سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة ، والحمد لله كذلك ، والله أكبر أربعا وثلاثين مرة ، ثمَّ يدعو بالمروي ، رواه في المصباح (٨). وروي‌

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٦٨٠ ، ٧٠٣ ، تفسير فرات الكوفي : ١١٧ / ١٢٣.

(٢) انظر الفقيه ١ : ٥٥.

(٣) كما في الكافي في الفقه : ١٦٠.

(٤) منهم الشيخ في مصباح المتهجد : ٦٩١ ، والنهاية : ١٤١ ، وسلاّر في المراسم : ٨١ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٣٧٣ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٧١.

(٥) راجع السرائر ١ : ٣١٢.

(٦) الكافي ٣ : ٤٦٩ / ٧ ، التهذيب ٣ : ١٨٥ / ٤١٩ ، الوسائل ٨ : ١٠٦ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٨ ح ٢.

(٧) مصباح المتهجد : ٧٦٩ ، الوسائل ٨ : ١٠٨ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٨ ح ٧.

(٨) مصباح المتهجد : ٧٦٢ ، الوسائل ٨ : ١٠٦ أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٨ ح ٣.

٩٣

فيه غير ذلك.

( ومنها : صلاة ليلة المبعث ويومها ).

وهو السابع والعشرون من رجب.

( وكيفية ذلك ) أي كل من هذه الصلوات ( وما يقال فيه وبعده مذكور في كتب تخصّ به ، وكذا سائر النوافل ) الغير المذكورة في الكتاب ، من أرادها ( فليطلبها هناك ).

٩٤

( المقصد الثالث : في التوابع )

( وهي ) أمور ( خمسة ) :

( الأول : في الخلل الواقع في الصلاة ).

( وهو ) يكون ( إما ) عن ( عمد ) وقصد ( أو سهو ) لعزوب المعنى عن الذهن حتى حصل بسببه الإخلال ( أو شك ) وهو : تردّد الذهن بين طرفي النقيض حيث لا رجحان لأحدهما على الآخر.

والمراد بالخلل الواقع عن عمد أو سهو ترك شي‌ء من أفعالها مثلا ، والواقع بالشك النقص الحاصل للصلاة بنفس الشك ، لا أنه كان سبب ترك كقسيميه.

( أما العمد : فـ ) كلّ ( من أخلّ معه بواجب أبطل صلاته ، شرطا كان ) ما أخلّ به كالطهارة ، والستر ، والوقت والقبلة ( أو جزءا ) وإن لم يكن ركنا كالقراءة ، وأجزائها حتى الحرف الواحد ( أو كيفية ) كالطمأنينة ، والجهر والإخفاف في القراءة ، وترتيب الواجبات بعضها على بعض.

( و ) تعريف العامد بما مرّ يشمل ما ( لو كان جاهلا ) بالحكم الشرعي كالوجوب ، أو الوضعي كالبطلان.

والأصل في جميع ذلك عدم الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا ، فيبقى في عهدة التكليف.

وهذه الكلية ثابتة في جميع مواردها ( عدا الجهر والإخفات ، فإنّ الجهل فيهما عذر ) إجماعا كما مرّ في بحثهما.

( وكذا تبطل لو فعل ) معه ( ما يجب تركه ) في الصلاة كالكلام بحرفين فصاعدا ، ونحوه ممّا مرّ في قواطع الصلاة مع أدلتها.

( وتبطل الصلاة في الثوب المغصوب ، أو الموضع المغصوب ) وكذلك‌

٩٥

فيهما نجسين ( والسجود على الموضع النجس مع العلم ) مطلقا وإن جهل الحكم ( لا مع الجهل بالغصبية والنجاسة ) إذ لا إعادة في الأول مطلقا ، وفي الثاني مع خروج الوقت ، ومع بقائه قولان تقدّما كسائر ما يتعلّق بهذه المسائل في أبحاثها.

لكن لم يتقدم لحكم السجود على الموضع النجس جهلا ذكر لا هنا ، ولا في شي‌ء ممّا وقفت عليه من كتب الفقهاء ، عدا شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان في بحث الصلاة في الثوب النجس فألحقه به وبالبدن في الأحكام (١) ، وهو ظاهر غيره من الأصحاب ، حيث أحالوا الحكم في المقام إلى ذلك البحث وبحث المكان ، مع أنهم لم يذكروه في شي‌ء منهما على الخصوص ، وهو ظاهر فيما ذكرناه من الإلحاق.

ولا ريب فيه إن كان إجماعا ، وإلاّ فللتوقف فيه مجال ؛ فإنّ مقتضى الأصول الإعادة في الوقت هنا ، للشك في الامتثال ، لإطلاق ما دلّ على اشتراط طهارة محل السجود من دون تقييد بصورة العلم وإن احتمل قريبا كطهارة الثوب والبدن ، لكنه ليس بمتحقق كما تحقّق فيهما ، فبمجرده لا يخرج عن إطلاق الأمر القطعي.

نعم لو خرج الوقت لم يعلم وجوب القضاء ؛ بناء على كونه فرضا مستأنفا ، ولا دليل عليه هنا عدا عموم الأمر بقضاء الفوائت ، وهو فرع تحقق الفوت ، ولم يتحقق بعد احتمال اختصاص الشرطية بحال العلم كما في النظائر ، وحينئذ فيدفع القضاء بالأصل السالم عن المعارض.

( وأما السهو : فإن كان عن ركن ) من الأركان الخمسة المتقدمة ( وكان محلّه باقيا ) بأن لا يكون دخل في ركن آخر ( أتى به ) ثمَّ بما بعده بلا خلاف‌

__________________

(١) روض الجنان : ١٦٨.

٩٦

بين أهل العلم كما في المنتهى (١) ؛ لإمكان الإتيان به على وجه لا يؤثر خللا ولا إخلالا بماهية الصلاة ؛ ولفحوى ما دلّ على هذا الحكم في صورة الشك في الجملة.

( وإن كان دخل في ) ركن ( آخر أعاد ) الصلاة ، وذلك ( كمن أخلّ بالقيام حتى نوى ، أو بالنية حتى افتتح ) الصلاة ( أو بالافتتاح حتى قرأ ، أو بالركوع حتى سجد ، أو بالسجدتين حتى ركع ).

بلا خلاف فيما عدا الأخيرين ولا إشكال ، إلاّ في الأول ، فإنه يتوقف على ثبوت ركنية القيام حتى حال النية. ووجهه غير واضح ، خصوصا على مذهب من جعل النية شرطا خارجا عن حقيقة الصلاة ، إلاّ أن يوجّه باشتراط مقارنتها للتكبير الذي القيام ركن فيه قطعا ، وهي لا تتحقق إلاّ حالة القيام ، فتدبر.

ووجه فساد الصلاة بالإخلال بالنية حتى كبّر على القول بجزئيتها واضح.

وكذا على غيره ؛ فإنّ التكبير جزء من الصلاة إجماعا فيعتبر فيه النية وغيرها من الشرائط ، لأن شرط الكل شرط لجزئه ، ويلزم من فوات الشرط فوات المشروط.

وعلى الأشهر الأقوى أيضا فيهما ، بل عليه جمهور متأخري أصحابنا ، بل عامّتهم في الأخير إذا كان السهو في الركعتين الأوليين أو الصبح أو المغرب ؛ وحجتهم عليه ـ بعد الإجماع ظاهرا ـ استلزام التدارك زيادة ركن ، وعدمه نقصانه ، وهما مبطلان ، إجماعا في الثاني ، ونصّا في الأول.

وهذه الحجة عامة للصور المزبورة وغيرها من السهو عن السجدتين إلى أن يركع في أخيرتي الرباعية ، وعن الركوع إلى أن يسجد السجدتين ، مضافة فيه إلى الصحيح : عن الرجل ينسى أن يركع حتى يسجد ويقوم ، قال :

__________________

(١) المنتهى ١ : ٤٠٨.

٩٧

« يستقبل » (١) ونحوه غيره (٢).

وحيث لا قائل بالفرق بينه وبين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة عمّ الحكم لهما ؛ مع اعتضاده بالقاعدة من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى تحت العهدة ، ولا يتيقن الخروج عنها إلاّ باستيناف الصلاة من أوّلها ؛ وإطلاق جملة من المعتبرة :

منها ، الموثق : عن الرجل ينسى أن يركع ، قال : « يستقبل حتى يضع كلّ شي‌ء موضعه » (٣).

والخبر : عن رجل نسي أن يركع ، قال : « عليه الإعادة » (٤).

وقصور السند أو ضعفه مجبور بالشهرة العظيمة المتأخرة والموافقة للقاعدة المتيقنة المشار إليها في الموثقة أيضا بقوله : « حتى يضع كل شي‌ء موضعه » فتعمّ غير موردها أيضا ، وهو جملة الصور في المسألتين.

( وقيل : إن كان ) السهو عن أحد الركنين مع الدخول في الآخر ( في ) الركعتين ( الأخيرتين من الرباعية أسقط الزائد وأتى بالفائت ).

القائل بذلك الشيخ في المبسوط وكتابي الأخبار (٥) ، جمعا بين الأخبار المتقدمة وبين الصحيحين الدالّين على التلفيق مطلقا ، كما حكاه عن بعض‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٤٨ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ / ١٣٤٤ ، الوسائل ٦ : ٣١٢ أبواب الركوع ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ / ١٣٤٧ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ / ١٣٤٣ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ / ١٣٤٦ ، الوسائل ٦ : ٣١٣ أبواب الركوع ب ١٠ ح ٤.

(٥) المبسوط ١ : ١٠٩ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦.

٩٨

الأصحاب (١) وعزاه إليه في المنتهى (٢).

في أحدهما : رجل شكّ بعد ما سجد أنه لم يركع ، فقال : « يمضي في صلاته حتى يستيقن أنه لم يركع ، فإن استيقن أنه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبني صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلاّ بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه » (٣).

وفي الثاني : عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثمَّ ذكر أنه لم يركع ، قال : « يقوم ويركع ويسجد سجدتي السهو » (٤).

وفيه نظر ؛ فإنّ الجمع بذلك فرع التكافؤ ، وليس ، لرجحان الأخبار الأوّلة من وجوه عديدة دون الصحيحين ، سيّما مع تضمن الأول منهما ما لا يقول به الخصم بل ولا أحد من : وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع.

ومنه يظهر شذوذ الثاني رأسا ، وعدم ارتباطه بما نحن فيه أصلا.

ولو سلّم ذلك كلّه فالجمع بذلك فرع الشاهد عليه ، ولم نجده ، عدا ما اشتهر عنه وعن المفيد من أنّ كل سهو يلحق الأوليين في الأعداد والأفعال فهو موجب للإعادة دون الأخيرتين (٥). ولم أتحققه ، بل المتحقق خلافه.

وفي الرضوي : « وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك ، لأنه إذا لم تصحّ لك الأولى لم تصح صلاتك ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها ـ أعني الثانية ـ الأولى ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٩.

(٢) المنتهى ١ : ٤٠٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ / ١٣٤٨ ، الوسائل ٦ : ٣١٤ أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٦ ، الوسائل ٦ : ٣١٥ أبواب الركوع ب ١١ ح ٣.

(٥) نقله عنهما الشهيد في الذكرى : ٢٢٠ ، لاحظ المقنعة : ١٤٥ ، والتهذيب ٢ : ١٥٠.

٩٩

والثالثة ثانية ، والرابعة ثالثة » (١).

وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في خلاف ما ذكراه ، وهو وجوب المحافظة على الركعة الأولى خاصة لا الركعتين معا.

ويؤيده بعض الأخبار المروية عن العلل والعيون عن مولانا الرضا عليه‌السلام قال : « إنما جعل أصل الصلاة ركعتين ، وزيد على بعضها ركعة ، وعلى بعضها ركعتين ، ولم يزد على بعضها شي‌ء ، لأن أصل الصلاة هي ركعة واحدة ، لأن أصل العدد واحد ، فإذا نقصت عن واحدة فليست هي صلاة » الحديث (٢).

وما تضمنه الرضوي من الحكم في المسألة محكي عن والد الصدوق والإسكافي (٣) ، وهو مع ندرته وقصوره عن المقاومة لما مرّ من الأدلة من وجوه عديدة شاذ.

واعلم : أنّ النصوص الدالة على التلفيق مطلقا مختصة بالمسألة الأولى كفتوى الشيخ في كتبه المتقدمة ، فلا وجه لتعديته وإجزائه في الثانية كما حكي عنه في جمله واقتصاده (٤) ؛ ولذا وافق القوم هنا في موضع من المبسوط (٥) لكن قال في موضع آخر منه ما يشعر باتحاد طريق المسألتين واتحاد حكمهما (٦) ؛ ولعلّه الوجه في التعدية ، كما احتجّ لهم في المختلف من أنّ السجدتين مساويتان للركوع في الحكم فانسحب فيهما حكم التلفيق الثابت للركوع (٧).

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ١١٦ ، المستدرك ٤ : ٤٢٩ أبواب الركوع ب ٩ ح ٢.

(٢) عيون الأخبار ٢ : ١٠٦ ، علل الشرائع : ٢٦١ ، الوسائل ٤ : ٥٣ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢٢.

(٣) نقله عنهما في المختلف : ١٣١.

(٤) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ١٨٦ ، الاقتصاد : ٢٦٥.

(٥) المبسوط ١ : ١١٢.

(٦) المبسوط ١ : ١٢٠.

(٧) المختلف : ١٣٠.

١٠٠