رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

والإجماع. نعم يقصّر في الرجوع إذا بلغ مسافة إجماعا ؛ لحصول الشرط ، وخصوص الموثق : عن الرجل يخرج في حاجة له وهو لا يريد السفر ، فيمضي في ذلك فيتمادى به المضيّ حتى يمضي به ثمانية فراسخ ، كيف يصنع في صلاته؟ قال : « يقصّر ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله » (١).

والمراد يقصّر في رجوعه قطعا ، كما أن المراد بالموثق الآخر : عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ، ثمَّ يخرج منها [ فيسير ] خمسة فراسخ أخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك ، ثمَّ ينزل في ذلك الموضع ، قال : « لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ ، فليتم الصلاة » (٢) الإتمام في الذهاب خاصة ؛ لما مضى.

وهل يضمّ إلى الرجوع ما بقي من الذهاب ممّا هو أقل من المسافة؟

أوجه ، ثالثها : نعم إن بلغ الرجوع وحده المسافة ، وإلاّ فلا ، وفاقا لجماعة (٣) ؛ لصدق قصدها ، والتلفيق لا مانع منه هنا ، إذ الظاهر أن الممنوع منه على تقديره إنما هو ما حصل به نفس المسافة لا مطلقا ، وهي في المقام من دونه حاصلة لكن ظاهر الأكثر المحكي عليه الإجماع (٤) العدم مطلقا.

ويعتبر في هذا الشرط استمراره إلى نهاية المسافة ، بلا خلاف فيه أجده ، بل قيل : إنه إجماع (٥) ، ويفهم من جملة ؛ للمعتبرة ، منها : الصحيح في الذي بدا له في الليل بعد أن سافر نهارا : « إن كنت سرت في يومك بريدا لكان عليك‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٢٦ / ٦٦٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٧ ، الوسائل ٨ : ٤٦٩ أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٥ / ٦٦١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٦ / ٨٠٥ ، الوسائل ٨ : ٤٦٩ أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ٣ وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ٢٥ ، وانظر البحار ٨٦ : ٦٢.

(٤) انظر الحدائق ١١ : ٣٣٠.

(٥) انظر مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٦٩ ، والذخيرة : ٤٠٧.

٣٤١

حين رجعت أن تصلي بالقصر ؛ لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك ، وإن كنت لم تسر بريدا فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير » (١).

والخبر في منتظري الرفقة الذين لا يستقيم لهم من دونهم المسافرة : « إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم ، أقاموا أم انصرفوا ، وإن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ، أقاموا أم انصرفوا » (٢).

وفي آخر : « إذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا ، وذلك أربعة فراسخ ، ثمَّ بلغ فرسخين ونيّته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر ، وإن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام ، وإن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيته أعاد الصلاة » (٣).

وضعف السند غير مانع ، كتضمن الصحيح والأخير ما لا يقول به أحد من قضاء الصلاة بعد البداء كما في الأول ، وتحديد المسافة بستة أميال وأنها فرسخان وتصريح صدره بأن التقصير في أربعة فراسخ ؛ لانجبار الأول بالشهرة ، والثاني غير قادح في حجية ما بقي.

وبنحوه يجاب عن تضمن الجميع الأمر بالقصر في نصف المسافة ، والأخير الأمر بإعادة الصلاة المقصورة بعد تغيّر النية مع أنه لا يقول بهما الأكثر ، مع أن الأول محمول على التخيير كما يأتي ، والثاني على الاستحباب ، للصحيح : « تمّت صلاته ولا يعيد » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٨ / ٩٠٩ ، الوسائل ٨ : ٤٦٩ أبواب صلاة المسافر ب ٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٣ / ٥ ، الوسائل ٨ : ٤٦٦ أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٦ / ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ / ٨٠٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٧ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٢ ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ / ٥٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٨ / ٨٠٩ ، الوسائل

٣٤٢

وحمله على خروج الوقت ـ كما في الاستبصار ـ ليس بأولى ممّا ذكرنا.

بل هو أولى ؛ لاعتضاده بالأصل ، واقتضاء امتثال الأمر الإجزاء ، مضافا إلى الشهرة ، وضعف سند المعارض ، وخلوّ ما ذكره من الحمل عن الشاهد ، مع مضادّته لظاهر الصحيح السابق ، ومع ذلك فقد ( رجع عنه ) (١) في النهاية (٢).

( و ) على هذا الشرط ف ( لو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان ) ومحل الرخصة ( ثمَّ توقّع رفقة ) لم يجزم بالمسافرة من دونهم أتمّ. وإن جزم أو بلغ المسافة ( قصّر ما بينه وبين ) مضيّ ( شهر ما لم ينو المقام ) عشرة أيام ، فيتم بعد النية ، كما يتمّ بعد مضيّ الشهر ، بلا خلاف ظاهر إلاّ من الذكرى في الثاني ، فتنظّر فيه (٣) ، وتبعه بعض المعاصرين (٤) ؛ معلّلا بأن مورد النص التردّد في المصر (٥). وفيه نظر ؛ لأنه كثير ، وبعضها وإن اختص به ، إلاّ أن بعضا آخر منها ورد في التردد في الأرض بقول مطلق (٦) ، كما سيظهر.

( ولو كان ) توقّع الرفقة ( دون ذلك ) أي محل الرخصة ( أتم ) مطلقا ؛ لكون التجاوز عنه من الشرائط أيضا ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

واعلم : أن الظاهر أن المعتبر قصد المسافة النوعية ، لا الشخصية ، فلو قصد مسافة معيّنة فسلك بعضها ثمَّ رجع إلى موضع آخر بحيث يكون نهايته مع ما مضى مسافة فإنه يبقى على التقصير ؛ للأصل ، وصدق السفر إلى المسافة ،

__________________

٨ : ٥٢١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٣ ح ١.

(١) في « م » : وافق المشهور.

(٢) النهاية : ١٢٣.

(٣) الذكرى : ٢٥٧.

(٤) صاحب الحدائق ١١ : ٣٣٧.

(٥) انظر الوسائل ٨ : ٥٠٠ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٩ ، ١٣ ، ١٧ ، ٢٠.

(٦) انظر الوسائل ٨ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٣ ، ١٦.

٣٤٣

مع اختصاص ما دلّ من النص والفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عنها ـ بحكم التبادر وغيره ـ بغير محل البحث ، وهو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا ، أو قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.

وبما ذكرنا صرّح في روض الجنان ، إلاّ أنه احتمل في المثال عدم الترخيص ، قال : لبطلان المسافة الأولى بالرجوع عنها ، وعدم بلوغ القصد الثاني مسافة (١).

وهو ضعيف ؛ إذ لا دليل على بطلانها بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها ، لما عرفت من اختصاص النص والفتوى الدالّين عليه بصورة الرجوع عنها أصلا ، وعليه فيرجع إلى حكم الأصل ، وهو استصحاب بقاء وجوب القصر.

ولعلّه لذا أفتى في النهاية بوجوب القصر هنا في الأربعة الإيابية مطلقا (٢) ، مع أن مذهبه فيها إذا قصد في مبدإ السفر تلفيقها ثمانية مع عدم الرجوع ليومه عدم وجوبه ، بل جوازه.

ووجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتم القصر في الثاني من ثبوته واستصحاب وجوبه ، بخلاف الأول ، لثبوته فيه. ومحصّله : حصول موجب القصر الاتفاقي ، وهو قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر في الأول ، دون الثاني ، إذ المسافة المقصودة فيه أوّلا إنما هو الثمانية الملفّقة المختلف في إيجابها القصر أو ترخيصه.

والحاصل : أن الشيخ لم يكتف بالتلفيق في إيجابه القصر إذا حصل في أول السفر وقبل ثبوت القصر ، واكتفى به فيه بعد ثبوته بحصول موجبه من قصد‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٨٥.

(٢) النهاية : ١٢٢.

٣٤٤

الثمانية الممتدة ، وحينئذ فلا يبعد موافقة الشيخ هنا وإن خالفناه ثمّة ، لاختلاف موضوع المسألتين ، سيّما مع اتفاق النصوص المتقدمة قريبا (١) على ما ذكره ، مع سلامتها عن المعارض أصلا ، فتدبّر وتأمل.

( الثاني : أن لا يقطع سفره بعزم الإقامة ) الشرعية في أثنائها ، المتحققة بالوصول إلى الوطن مطلقا ، أو نية الإقامة عشرا ، بلا خلاف بيننا ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة في الثاني ، وفي الأول دونه (٢) ، والصحاح بهما ـ كغيرها ـ مستفيضة قريبة من التواتر ، بل متواترة ، وسيأتي إلى جملة منها الإشارة.

وهي وإن قصرت عن إفادة تمام المدّعى من حصول القطع بهما بحيث يجب التمام في محل الإقامة وقبله وبعده إلى أن يستأنف مسافة أخرى جديدة ، من غير كفاية ضمّ ما بقي بعد القاطع من المسافة إليها قبله ، إلاّ أنها صريحة في وجوب التمام بهما ، فيستصحب إلى تيقن القصر ، وليس إلاّ باستئناف مسافة أخرى ؛ إذ ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها ، لاختصاصه بحكم التبادر بغيرها.

هذا مضافا إلى الإجماعات المحكية ، وتنزيل المقيم عشرا ، أو المتردد ثلاثين يوما أو شهرا منزلة من هو في أهله في الصحيحين : « من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه التمام وهو بمنزلة أهل مكة » (٣) كما في أحدهما.

وفي الثاني : عن أهل مكة إذا زاروا ، عليهم إتمام الصلاة؟ قال : « نعم ،

__________________

(١) سندا لاشتراط استمرار قصد المسافة. منه رحمه الله.

(٢) انظر التذكرة ١ : ١٩٠ ، روض الجنان : ٣٨٦ ، المدارك ٤ : ٤٤١ ، المفاتيح ١ : ٢٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٨٨ / ١٧٤٢ ، الوسائل ٨ : ٥٠١ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٠.

٣٤٥

والمقيم إلى شهر بمنزلتهم » (١) وعموم المنزلة يقتضي الشركة في جميع الأحكام ، ولا يخصّصه خصوص المورد لو كان كما مرّ في غير مقام.

وكيف كان ( فلو عزم مسافة وله في أثنائها منزل ) مملوك له ( قد استوطنه ستّة أشهر ) فصاعدا ولو متفرقة على ما نصّ عليه الجماعة ، ويعضده إطلاق الرواية (٢) ( أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيام أتم ) وسيأتي الكلام فيما يتعلق بالثاني.

وأمّا الأول فالحكم فيه مطلق وإن جزم على السفر قبل تخلّل العشرة.

وظاهر العبارة الاكتفاء بستة أشهر واحدة ماضية ، وهو المشهور ، بل عليه الإجماع في روض الجنان والتذكرة (٣). فإن تمَّ ، وإلاّ فالحجة عليه غير واضحة.

مع أن ظاهر الصحاح المستفيضة اعتبار فعليّة الاستيطان وبقائه على الدوام ، كما هو ظاهر الشيخ وجملة ممّن تبعه (٤) ، بل ظاهر جماعة اعتبارها في كلّ سنة (٥).

ففي جملة منها : « كل منزل لا تستوطنه فليس ذلك بمنزل ، فليس لك أن تتم » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨٧ / ١٧٤١ ، الوسائل ٨ : ٥٠١ أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٣ / ٥٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣١ / ٨٢١ ، الوسائل ٨ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١١.

(٣) روض الجنان : ٣٨٦ ، التذكرة ١ : ١٩٠.

(٤) الشيخ في النهاية : ١٢٤ ؛ وانظر المهذّب ١ : ١٠٦ ، والوسيلة : ١٠٩.

(٥) منهم : الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨٨ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٤٤ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١٢ / ٥١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨١٧ ، الوسائل ٨ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٦ بتفاوت يسير.

٣٤٦

ومنها : ما الاستيطان؟ فقال : « أن يكون له فيها منزل يقيم ستّة أشهر ، فإن كان كذلك أتمّ متى دخلها » (١).

وبه يقيّد إطلاق سابقة ، مع أن المتبادر منه ما يوافقه ؛ لعدم صدق الوطن على ما قصر عن استيطان الستّة عادة ، فتأمل.

وكيف كان ، فوجه ما ذكروه غير واضح ، إلاّ أن يكون الصحيح : عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : « إن كان ممّا سكنه أتم فيه الصلاة ، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر » (٢).

وقريب منه آخر : في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل في الطريق يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال : « يقصّر ، إنما هو المنزل الذي توطّنه » (٣).

وفيه : أنّ راوي الأول روى بعض الصحاح المتقدمة التي هي أظهر دلالة على اعتبار دوام الستّة منهما على الاكتفاء بها في الزمن الماضي ولو مرة.

و« توطّنه » في الثاني يحتمل كونه بصيغة المضارع المفيدة للتجدد الاستمراري من باب التفعل محذوفة فيها إحدى التاءين.

فالمسألة قوية الإشكال وإن كان اعتبار فعليّة الاستيطان ودوامه لا يخلو عن رجحان.

ثمَّ إن ظاهر الصحاح المتقدمة والعبارة ونحوها من عبائر الجماعة ـ ومنهم‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٣ / ٥٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣١ / ٨٢١ ، الوسائل ٨ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١١.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٢ / ٥١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨١٩ ، الوسائل ٨ : ٤٩٤ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٢ / ٥١٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨١٨ ، الوسائل ٨ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٨.

٣٤٧

الصدوق والشيخ وجملة ممّن تبعه والشهيد في اللمعة (١) ـ إناطة الحكم بالاستيطان في المنزل خاصة دون الملك ، وإن تضمّنت اللام لمجيئها للاختصاص ، بل ظهورها فيه ، كما قيل (٢).

خلافا للفاضلين في جملة من كتبهما ومن تأخر عنهما (٣) ، فأناطوه بالملك بشرط الاستيطان في بلده ولو في غيره ، حتى صرّحوا بالاكتفاء في ذلك بالنخلة الواحدة ؛ للموثق (٤).

وفيه : انه كسائر الصحاح وغيرها المتضمنة للأمر بالإتمام بمجرّد الوصول إلى الملك من القرى والضيعة لم يقل بإطلاقها أحد من الطائفة ، والنصوص بخلافها مع ذلك مستفيضة متضمنة للصحيح وغيره دالّة على الأمر بالتقصير ما لم ينو المقام عشرة ، ففي الصحيح : عن الرجل يقصر في ضيعته ، قال : « لا بأس ما لم ينو المقام عشرة أيام ، إلاّ أن يكون له فيها منزل يستوطنه » قلت : ما الاستيطان؟ .. الحديث كما مرّ (٥).

وهو كالصريح ، بل صريح فيما ذكرنا من أن العبرة بالاستيطان في المنزل دون الملك ، وإلاّ لعطفه على إقامة العشرة ولم يخصّه بالمنزل.

ومع ذلك فهي موافقة لمذهب جماعة من العامة كما صرّح به جماعة (٦) ،

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ١ : ٢٨٨ ، الشيخ في النهاية : ١٢٤ ، وتبعه القاضي في المهذّب ١ : ١٠٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٩ ، والحلبي في الكافي : ١١٧ ، اللمعة ( الروضة ١ ) : ٣٧٢.

(٢) راجع الحدائق ١١ : ٣٧٣.

(٣) المحقق في المعتبر ٢ : ٤٦٩ ، والشرائع ١ : ١٣٣ ، العلامة في نهاية الإحكام ٢ : ١٧٦ ، والمختلف : ١٧٠ ؛ وانظر الذكرى : ٢٥٨ ، وروض الجنان : ٣٨٦ ، والتنقيح الرائع ١ : ٢٨٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢١١ / ٥١٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٩ / ٨١٤ ، الوسائل ٨ : ٤٩٣ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٥.

(٥) في ص ٣٤٧.

(٦) منهم المجلسي في البحار ٨٦ : ٣٧ ؛ وانظر الحدائق ١١ : ٣٦٨.

٣٤٨

حاملين لها لذلك على التقية.

ومع ذلك فغايتها إفادة الإتمام في الملك مطلقا ، كما هو ظاهر إطلاقها ، أو بشرط الاستيطان ستة أشهر ، كما هو قضية الجمع بينها وبين غيرها ، وهو لا يستلزم اشتراط الملك ، حتى لو انتفى وحصل الاستيطان في المنزل غير الملك وجب القصر كما ذكروه ، بل وجوب الإتمام فيه لا ينافيه ويجامعه.

وبالجملة : فما ذكروه لا وجه له ، كما صرّح به من متأخري المتأخرين جماعة (١).

لكن يمكن الاعتذار لهم بأن اعتبارهم الملكية انما هو بناء على اكتفائهم في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر ولو مرّة ، من دون اشتراط الفعليّة ، حتى لو هجره بحيث لم يصدق عليه الوطنية عرفا لزمه التمام بمجرّد الوصول إليه ، ولذا اشترطوا دوام الملك أيضا ، إبقاء لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن الأصلي الذي لا خلاف فتوى ونصا في انقطاع السفر به مطلقا ولو لم يكن له فيه ملك ولا منزل مخصوص أصلا.

وعلى هذا فلا ريب في اعتباره ؛ لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان ستة أشهر مع عدم فعليته ودوامه أصلا ، إذ النصوص الدالّة عليه ظاهرها اعتبار فعليّته ، فلم يبق إلاّ الإجماع المحكي والفتاوي ، وهما مختصان بصورة وجود الملك ودوامه ، فعلى تقدير العمل بهما ينبغي تخصيص الحكم بها.

ويرشد إلى ما ذكرنا (٢) أنهم ألحقوا بالملك اتّخاذ البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام ، معربين عن عدم اشتراط الملك فيه ، وإن اختلفوا في اعتبار‌

__________________

(١) انظر الذخيرة : ٤٠٨ ، والحدائق ١١ : ٣٦٥.

(٢) من اختصاص اعتبارهم الملك بصورة الاكتفاء في الوطن القاطع بما حصل فيه الاستيطان ستة أشهر ولو مرّة. منه رحمه الله.

٣٤٩

الاستيطان ستة أشهر فيه كالملحق به ، كما عليه الشهيد في الذكرى وجملة ممن تأخر عنه (١) ، أو العدم كما عليه الفاضل (٢) ، والوطن المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد أفراده ، فلا يعتبر فيه عندهم الملكية كما عرفته.

ويتحصّل ممّا ذكرنا أنه لا أشكال ولا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه المدّة المزبورة كلّ سنة ، ولا في اعتباره في المستوطن فيه تلك المدة مرة. وإنما الخلاف والإشكال في كون مثل الوطن الأخير ولو مع الملك قاطعا ، ولكن الأقوى فيه العدم كما تقدّم ، ومرجعه إلى إنكار الوطن الشرعي وانحصاره في العرفي ، وهو قسمان : أصلي نشأ فيه أو اتّخذه ، وطارئ يعتبر في قطعه السفر فعليّة الاستيطان فيه ستة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة.

( ولو قصد مسافة فصاعدا وله على رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور ) أي الستة أشهر المطلقة ، أو الدائمة الفعلية ، على الاختلاف المتقدم إليه الإشارة ( قصّر في طريقه ) لحصول الشرط فيه ( وأتم في منزله ) لأنه غير مسافر فيه ، لحصول القطع به.

والفرق بين هذه المسألة وما سبق توسّط المنزل المزبور فيه في أثناء أصل المسافة المشترطة ، فلا قصر فيه بالكلية ، ما لم يقصد مسافة أخرى جديدة ، ووقوعه هنا في رأسها مثلا ، فيثبت القصر قبله ، وبالجملة : المنزل قاطع للسفر دون المسافة هنا ، ولهما معا ثمة ، والحكم فيها يناسب الشرطية المقصودة في ظاهر العبارة فلذ فرّعه عليها ، دونه هنا ، فإنه مذكور تبعا للأول للمناسبة بينهما.

وكذلك إقامة العشرة تارة تكون قاطعة لأصل المسافة ، وهي التي تناسب‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٥٨ ؛ وانظر روضة البهية ١ : ٣٧٢ ، والذخيرة : ٤٠٨ ، والمدارك ٤ : ٤٤٥.

(٢) راجع نهاية الإحكام ٢ : ١٧٨.

٣٥٠

الشرطية وفرّع حكمه عليها ، وأخرى تكون قاطعة للسفر دونها ، وسيذكر حكمها إن شاء الله تعالى ، فلا تكرار أصلا.

( وإذا ) عزم مسافة ولم يعزم الإقامة في أثنائها فـ ( قصّر ثمَّ نوى الإقامة ) في أثنائها عشرا ( لم يعد ) ما كان صلاّه قصرا ؛ لما مرّ في الشرط الأول.

( ولو كان ) دخل ( في الصلاة ) بنية القصر ثمَّ عنّ له الإقامة في أثنائها ( أتمّ ) بلا خلاف فيه بيننا أجده ، بل عليه إجماعنا في ظاهر التذكرة (١) ، وقريب منها الخلاف والمنتهى (٢) ، حيث لم ينقلا الخلاف فيه إلاّ من بعض العامة ؛ للعموم كما في الخلاف ، وخصوص الصحيح (٣) وغيره (٤) : عن الرجل يخرج في السفر ثمَّ يبدو له وهو في الصلاة ، قال : « يتم إذا بدت له الإقامة ».

ولو نوى إقامة بعد ما صلّى ركعة ثمَّ خرج وقت تلك الصلاة فإنه يحوّل فرضه إلى الأربع. أما لو خرج قبل أن يصلّي ركعة ثمَّ نوى الإقامة فإنه لا يحوّل فرضه إلى الأربع في حين تلك الصلاة ، لأنها فاتته قصرا ، وبه صرّح في المنتهى أيضا (٥).

( الثالث : أن يكون السفر مباحا ) غير محرّم ( فلا يترخص العاصي ) بسفره ( كالمتّبع للجائر ) في جوره ( واللاهي بصيده ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (٦) ، والمعتبرة به مع ذلك‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٩٣.

(٢) الخلاف ١ : ٥٨٣ ، المنتهى ١ : ٣٩٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٨٥ / ١٢٩٩ ، التهذيب ٣ : ٢٢٤ / ٥٦٤ ، الوسائل ٨ : ٥١١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٠ ح ١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢٤ / ٥٦٥ ، الوسائل ٨ : ٥١١ أبواب صلاة المسافر ب ٢٠ ح ٢.

(٥) المنتهى ١ : ٣٩٨.

(٦) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٤٧٠ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٩٢ ، وصاحب المدارك

٣٥١

مستفيضة.

ففي الصحيح : « من سافر قصّر وأفطر ، إلاّ أن يكون رجلا سفره إلى صيد ، أو في معصية ، أو رسولا لمن يعصي الله تعالى ، أو في طلب عدوّ ، أو شحناء ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم مسلمين » (١).

وفي الموثق : عن الرجل يخرج إلى الصيد ، أيقصّر أو يتم؟ قال : « يتم ، لأنه ليس بمسير حق » (٢).

وإطلاقهما ـ كغيرهما وأكثر الفتاوي وصريح جملة منها (٣) ـ يقتضي عدم الفرق في السفر المحرّم بين ما كان غايته معصية ، كالسفر لقطع الطريق ، أو قتل مسلم ، أو إضرار بقوم مسلمين ؛ أو كان بنفسه معصية ، كالفرار (٤) من الزحف ، والهرب من الغريم مع القدرة على الوفاء.

خلافا لشيخنا الشهيد الثاني فخصّه بالأول ، مدّعيا اختصاص النصوص به (٥). ولا وجه له ، كما صرّح به جماعة (٦).

ثمَّ إطلاق الخبرين ـ كغيرهما ـ بعدم ترخّص الصائد محمول على الغالب في العادة فيما هو مورد لها ، وهو : ما يقصد به اللهو دون الحاجة‌

__________________

٤ : ٤٤٥ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٩.

(١) الكافي ٤ : ١٢٩ / ٣ بتفاوت ، الفقيه ٢ : ٩٢ / ٤٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٤٠ ، الوسائل ٨ : ٤٧٦ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٨ / ٨ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ / ٥٣٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ / ٨٤١ ، الوسائل ٨ : ٤٧٩ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٤.

(٣) كالمدارك ٤ : ٤٤٦.

(٤) في « ح » : كما يتضمّن الفرار ..

(٥) انظر روض الجنان : ٣٨٨.

(٦) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٨٤ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٤٧ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٩.

٣٥٢

والتجارة ، وبه يشعر أيضا الموثقة.

وأظهر منها اخرى : عمّن يخرج من أهله بالصقور والبزاة والكلاب يتنزّه الليلة والليلتين والثلاثة ، هل يقصّر من صلاته أو لا يقصّر؟ قال : « إنما خرج في لهو لا يقصّر » (١).

ونحو هما الخبر : في المتصيد أيقصّر الصلاة؟ قال : « لا ، فإنّ الصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه » (٢).

وآخر : « سبعة لا يقصّرون الصلاة » إلى أن قال : « والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل » (٣).

وأظهر من الجميع المرسل : قلت له : الرجل يخرج إلى صيد مسيرة يوم أو يومين ، أيقصّر أو يتم؟ فقال : « إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصّر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة » (٤).

والرضوي : « وإذا كان ممّا يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم » (٥).

( و ) هما نصّ في أنه ( يقصّر لو كان الصيد للحاجة ) كما أفتى به‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١٨ / ٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ / ٨٤٢ ، الوسائل ٨ : ٤٧٨ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٧ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ / ٥٣٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٥ / ٨٤٠ ، المحاسن : ٣٧١ / ١٢٩ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٨ / ١٠ ، الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ / ٥٣٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ / ٨٤٥ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٥.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٢ ، المستدرك ٦ : ٥٣٣ أبواب صلاة المسافر ب ٧ ح ٢.

٣٥٣

الأصحاب كافة ، من غير خلاف بينهم فيه أجده ، وبه صرّح جماعة (١) ، بل عليه الإجماع في المنتهى والتذكرة (٢).

( و ) اختلفوا فيما ( لو كان للتجارة ) فـ ( قيل : يقصّر صومه ويتم صلاته ) والقائل به أكثر القدماء (٣) ، ومنهم الحلّي مدّعيا كونه إجماعيا وورود رواية بذلك أيضا (٤) ، كما يفهم من المبسوط ، حيث قال : روى أصحابنا (٥).

ولم أر هذه الرواية ، ولا نقلها أحد من أصحابنا ، نعم في الرضوي : « وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر في الصوم » (٦).

والمشهور بين المتأخرين ، بل عليه عامّتهم التقصير في الصلاة أيضا ؛ للعمومات ، وخصوص ما دلّ من الصحاح وغيرها على أنه إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت (٧) ، والإجماع واقع على ثبوت القصر في الصوم على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٨) ، فيثبت في الصلاة أيضا عملا بمقتضاها.

وهو حسن لو لا الإجماع المحكي ، والرواية المرسلة والفقه الرضوي ، المنجبر قصور سندهما بالشهرة القديمة المحقّقة القريبة من الإجماع ، بل لم‌

__________________

(١) منهم : الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ١ : ٢٨٨ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٩ ، والعلامة المجلسي في ملاذ الأخيار ٥ : ٤٠٣.

(٢) المنتهى ١ : ٣٩٢ ، التذكرة ١ : ١٩٢.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ١٢٢ ، القاضي في المهذّب ١ : ١٠٦ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٩١.

(٤) السرائر ١ : ٣٢٧.

(٥) المبسوط ١ : ١٣٦.

(٦) راجع الهامش (٥) من الصحفة السابقة.

(٧) الوسائل ٨ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥.

(٨) كما في المختلف : ١٦١ ، البيان : ٢٦٣ ، مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٨٦.

٣٥٤

ينقل لها مخالف من القدماء عدا المرتضى ، حيث نفى الخلاف بين الأمة في تلازم القصرين (١) ، لكن من غير تنصيص به في المسألة ، وهو غير صريح في المخالفة ، كالعمومات المتقدمة ، لقبولها التخصيص بما مرّ من الرواية وإن لم تكن الآن مشهورة ، لظهور عبارتي المبسوط السرائر في كونها يومئذ مشهورة ، بل ومجمعا عليها كما عرفته ، والشهرة المتأخرة لم تتحقق إلاّ من زمن العلاّمة.

لكنه في التذكرة ـ كغيره ـ ادّعى الشهرة المطلقة على ما اختاره (٢) ، فيمكن أن يوهن بهذه الدعوى دعوى الإجماع المتقدمة.

ويجاب عن المرسلة : بضعف السند ، وعدم وضوح الجابر إلاّ الشهرة القديمة ، وهي معارضة بالشهرة المتأخرة القطعية ، بل مطلقا كما عرفت حكايته في كلام جماعة ، فلا يمكن أن يخصّص بها العمومات المتقدمة ، كما لا يمكن تخصيصها بالرضوي وإن اعتبر سنده في الجملة ، لقصوره عن المقاومة لها والمكافأة.

لكن المسألة بعد لا تخلو عن شبهة ، والاحتياط فيها مطلوب بلا شبهة.

وكما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة ، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخص حينئذ ، وبالعكس ، ويشترط حينئذ كون الباقي مسافة ولو بالعود قطعا. كما يشترط في الأول أيضا لو رجع إلى القصد الأول على قول قوي ؛ للأصل (٣) ، ولا على آخر (٤) ؛ لإطلاق الخبر : « إنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادة ، فإذا عدل عن الجادة أتم ، فإذا رجع إليها قصر » (٥).

__________________

(١) انظر الانتصار : ٥١.

(٢) لم نعثر فيها وغيرها على ادّعاء الشهرة المطلقة ، راجع التذكرة ١ : ١٩٣.

(٣) أي : أصالة بقاء وجوب التمام.

(٤) راجع المنتهى ١ : ٣٩٢.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١٨ / ٥٤٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٧ / ٨٤٦ ، الوسائل ٨ : ٤٨٠ أبواب صلاة المسافر

٣٥٥

وفيه ضعف سندا ، بل ودلالة ، فيشكل الخروج به عن مقتضى الأصل جدّا ، لكن الاحتياط بالجمع بين القولين أولى.

ثمَّ إن إطلاق النص والفتوى يقتضي وجوب التمام على اللاهي بصيده مطلقا.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فإلى ثلاثة أيام (١) ؛ للمرسل (٢).

وهو مع ضعفه نادر ، وفي المختلف : إنه لم يعتبره علماؤنا (٣).

( الرابع : أن لا يكون سفره أكثر من حضره ، كالبدوي ، والمكاري ) بضم الميم وتخفيف الياء ، وهو : من يكري دابته بغيره ويذهب معها فلا يقيم ببلدة غالبا لإعداد نفسه لذلك ( والملاّح ) وهو : صاحب السفينة ( والتاجر ) الذي يدور في تجارته ( والأمير ) الذي يدور في إمارته ( والراعي ) الذي يدور بماشيته ( والبريد ) المعدّ نفسه للرسالة ، وأمين البيدر.

فإن هؤلاء يتمون في أسفارهم بلا خلاف إلاّ من العماني ، فأطلق وجوب القصر على كل مسافر (٤). وهو نادر ، بل على خلافه انعقد الإجماع على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر ، كالانتصار (٥) والخلاف والسرائر (٦) ؛ وهو الحجّة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة.

ففي الصحيح : المكاري والجمّال الذي يختلف وليس له مقام يتم‌

__________________

ب ٩ ح ٦.

(١) كما حكاه عنه في المختلف : ١٦٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٣ ، التهذيب ٣ : ٢١٨ / ٥٤٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ / ٨٤٤ ، الوسائل ٨ : ٤٧٩ أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٣.

(٣) المختلف : ١٦٢.

(٤) كما نقله عنه في المختلف : ١٦٣.

(٥) في « م » زيادة : والفقيه.

(٦) الانتصار : ٥٣ ، الخلاف ١ : ٢٢٤ ، السرائر ١ : ٣٣٨.

٣٥٦

الصلاة ويصوم شهر رمضان » (١).

وفيه : « أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أم حضر : المكاري ، والكريّ (٢) ، والراعي ، والأشتقان (٣) ، لأنه عملهم » (٤).

ونحوه المرفوع القريب منه ، لكن بزيادة الملاّح ، وتفسير الأشتقان بالبريد ، مع إسقاط لفظة « قد » (٥).

وفيه : « ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكارين ، ولا على الجمّالين » (٦).

ونحوه الموثق (٧) وغيره (٨) في الملاّحين والأعراب ، معلّلين بأن بيوتهم معهم.

ويستفاد منها أجمع ـ بعد ضمّ بعضها مع بعض ـ : أنّ وجوب التمام على هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عملهم ، لا لخصوصيّة فيهم ، فلو فرض كثرة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٤ ، الوسائل ٨ : ٤٨٤ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ١.

(٢) الكريّ ـ بالفتح على فعيل ـ : المكتري ، وإن جاء لمكري الدوابّ أيضا ، كما يقتضيه ظاهر العطف وأصالة عدم الترادف. مجمع البحرين ١ : ٣٥٨.

(٣) الأشتقان قيل : هو الأمير الّذي يبعثه السلطان على حفاظ البيادر. وقيل : البريد. مجمع البحرين ٦ : ٢٧٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٦ / ١ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ / ٥٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٨ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٢.

(٥) الخصال : ٣٠٢ / ٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٧ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ١٢.

(٦) التهذيب ٣ : ٢١٤ / ٥٢٥ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ / ٨٢٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٦ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٨.

(٧) الكافي ٣ : ٤٣٧ / ٢ ، الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٤.

(٨) الكافي ٣ : ٤٣٧ ، ٤٣٨ / ٥ ، ٩ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ / ٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٢٩ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٥ ، ٦.

٣٥٧

السفر بحيث يصدق كونه عملا لزم التمام وإن لم يصدق وصف أحد هؤلاء ، كما أنه لو صدق وصف أحدهم ولم يتحقق الكثرة المزبورة لزم القصر.

خلافا للحلّي في الثاني ، فحكم بالتمام فيه ولو بمجرد السفرة الأولى ؛ لإطلاق الأدلة بوجوب التمام على هؤلاء (١).

وهو مع ضعفه بما مضى مقدوح بلزوم حمل المطلقات على الغالب الشائع منها ، وهو من تكرّر منه السفر مرارا ، لا من يحصل منه في المرة الاولى.

ومنه يظهر ضعف ما في المختلف من حكمه بالإتمام في السفرة الثانية مطلقا (٢).

ولجماعة فجعلوا المدار في الإتمام على صدق وصف أحدهم أو صدق كون السفر عمله ، ومنهم الشهيد في الذكرى (٣) ، إلاّ أنه قال : إنّ ذلك إنما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة التي لم يتخللها إقامة عشرة ، كما صرّح به الحلّي في متّخذ السفر عملا له.

وفيه ما عرفته من أن المستفاد من النصوص أن وجوب التمام على أحد هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عمله ، فلا وجه لجعله مقابلا له.

ثمَّ دعوى حصول صدق أحد العنوانين بمجرّد السفرة الثالثة ممنوع ، كيف لا وقد يحصل السفر زائدا عليها ولا يصدق أحدهما؟! وذلك حيث يتفق كثرة السفر مع عدم قصد إلى اتّخاذه عملا ، ومثله يقصّر جدّا ، كما صرّح به بعض متأخري أصحابنا ، فقال بعد نقل ما قدّمناه من الأقوال : وإذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلّقا على الكثرة ، بل على مثل المكاري والجمّال‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٣٣٩.

(٢) المختلف : ١٦٣.

(٣) الذكرى : ٢٥٩.

٣٥٨

ومن اتّخذ السفر عمله ، وجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفا ، فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشر لم يتعلق حكم الإتمام (١). انتهى.

نعم ، يعتبر السفرات الثلاث مع صدق العنوان ، فلا إتمام فيما دونها ولو صدق ؛ لما مرّ من لزوم حمل المطلقات على المتبادر منها ، وليس إلاّ من تكرّر منه السفر ثلاثا فصاعدا ، ويمكن أن يكون مراد الشهيد في اعتباره التعدّد ثلاثا هذا.

وبالجملة : المعتبر عدم اتّخاذ السفر عملا مع تكرره مرة بعد اخرى ، ومعه كذلك يجب التمام كما يستفاد من النصوص على ما قدّمنا.

( و ) ظاهر إطلاق أكثرها وإن اقتضى وجوبه معه مطلقا إلاّ أن ظاهر جملة أخرى منها أن ( ضابطه أن لا يقيم في بلد عشرة ) أيام ، ومنها الصحيحة الأولى المقيدة للمكاري ونحوه بالذي يختلف وليس له مقام.

ونحوها رواية أخرى (٢).

والمراد بالمقام فيهما الإقامة عشرا إجماعا ؛ إذ لا قائل بوجوب التمام مطلقا ـ كما فيهما ـ بإقامة دونها ، مع أنها المتبادر منه حيثما يطلق في النص والفتوى بشهادة التتبع والاستقراء ، مع أن الإقامة دونها حاصلة لكل من كثيري السفر ، لصدقها على إقامة نحو يوم بل وساعة وساعتين مثلا ، ولا يخلو منها أحد منهم جدّا ، وموجب التقييد على هذا عدم وجود كثير سفر يلزمه التمام إلاّ نادرا ، بل مطلقا ، وهو كما ترى.

هذا مضافا إلى المرسل : « عن حدّ المكاري الذي يصوم ويتم ، قال : أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيام وجب عليه‌

__________________

(١) الذخيرة : ٤١٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٨ / ٦٣٦ ، الوسائل ٨ : ٤٧٨ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ١٠.

٣٥٩

التمام والصيام أبدا ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإفطار » (١).

وهو صريح في المدّعى ، وضعف سنده مجبور بالشهرة العظيمة بين أصحابنا حتى نحو الحلّي (٢) الذي لا يعمل إلاّ بالقطعيات ، بل صرّح جملة من المتأخرين (٣) بأن الحكم به معروف بين الأصحاب ، مقطوع به بينهم ، مؤذنين بنفي الخلاف فيه بينهم ، كالماتن في المعتبر (٤) ، حيث نفى الخلاف في وجوب القصر على من كان سفره أكثر من حضره مع الإقامة عشرا.

واشتراط إقامة الأقلّ من العشرة في التمام ظاهر في انتفائه مع الإقامة عشرا. ولا ينافيه مفهوم الشرطية الأخرى ؛ لورودها على الغالب ، لندرة الإقامة عشرا بحيث لا يزيد عليها ، فلا عبرة بمفهومها ، فلا يمكن القدح في الرواية بهذا.

وقريب منها رواية أخرى سيأتي الإشارة إليها (٥) ، إلاّ أنها تضمّنت ما لا يقول به أحد أو الأكثر ، واختصّت بإقامة العشرة في غير البلد أو عمّتها وإقامتها فيه.

وكلاهما غير قادحين في الاستدلال بها هنا بعد انجبارها واعتضادها بفتوى أصحابنا.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٩ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٧ ، الوسائل ٨ : ٤٨٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ١.

(٢) انظر السرائر ١ : ٣٤٠.

(٣) كالشهيد الأول في الذكرى : ٢٦٠ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٩ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٥٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٤٧٢.

(٥) في ص : ٣٦٣ و٣٦٤.

٣٦٠