رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

خلافا لنادر غير معروف ـ وإن حكاه الحلّي والشيخ عن بعض الأصحاب في السرائر والخلاف والمبسوط (١) ـ فلا تقصير إلاّ في السفر.

وللمبسوط والسرائر (٢) ، فتقصر في الحضر جماعة لا فرادى.

ولا دليل على القولين عدا الأصل المخصّص بما مرّ ، مع ندور هما ، ولا سيّما الأول ، وربما أشعر بالإجماع على خلافه عبارة الخلاف والسرائر (٣) ، فلا شبهة في ضعفه كالثاني.

وإطلاق النص والفتوى يقتضي جواز التقصير وإن تمكن من الصلاة بتمامها ، وقيّده في الدروس بعدم التمكن (٤) ، ولعلّه لبعد انصراف الإطلاق بحكم التبادر وغيره إلى غيره ، فيشكل الخروج بمجرّده عن الأصل المقطوع به ، ولا بأس به.

والمشهور أن القصر هنا كما في السفر من ردّ الرباعيتن إلى الركعتين.

خلافا للمحكي عن الإسكافي فالركعتين ينقص منهما واحدة (٥) ، كما في الصحيح (٦) وغيره (٧).

وهو نادر ، ومستنده ـ مع عدم صراحته واحتماله الحمل على ما يؤول إلى الأول ، أو التقية كما صرّح به جماعة (٨) ـ عن المقاومة لما سيأتي من النصوص‌

__________________

ح ٧ ، وفي الجميع : أجزأه تكبيرتان.

(١) السرائر ١ : ٣٤٦ ، الخلاف ١ : ٦٣٧ ، المبسوط ١ : ١٦٣.

(٢) المبسوط ١ : ١٦٥ ، السرائر ١ : ٣٤٨.

(٣) الخلاف ١ : ٦٣٨ ، السرائر ١ : ٣٤٦.

(٤) الدروس : ١ : ٢١٤.

(٥) كما نقله عنه في المختلف : ١٥١.

(٦) الكافي ٣ : ٤٥٨ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٣٠٠ / ٩١٤ ، الوسائل ٨ : ٤٣٤ أبواب صلاة الخوف ب ١ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٣ ، الوسائل ٨ : ٤٣٣ أبواب صلاة الخوف ب ١ ح ٢.

(٨) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٤١٢ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٣ ، وصاحب

٣٢١

المستفيضة قاصر.

( وإذا صلّيت ) هذه الصلاة ( جماعة والعدو في خلاف ) جهة ( القبلة ولا يؤمن هجومه ) أي العدو ( وأمكن أن يقاومه بعض ويصلّي مع الإمام الباقون جاز أن يصلّوا صلاة ذات الرقاع ) بلا خلاف.

( وفي كيفيتها روايتان ) مختلفتان ( أشهرهما رواية الحلبي ) الصحيحة ( عن ) مولانا ( أبي عبد الله عليه‌السلام ) أنه ( قال ) ما حاصله :

( يصلّي الإمام ) في الثنائية ( بالأولى ركعة ويقوم في الثانية ) ويقومون معه فيمتثل (١) قائما ( حتى يتموا ) الركعة الثانية ثمَّ يسلّم بعضهم على بعض ثمَّ ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ( ثمَّ تأتي ) الطائفة ( الأخرى ) فيقومون خلفه ( فيصلي بهم ركعة ) يعني الثانية ( ثمَّ يجلس ويطيل ) التشهد ( حتى يتم من خلفه ) ركعتهم الثانية ( ثمَّ يسلّم بهم ) وينصرفون بتسليمة.

( وفي المغرب يصلّي بالأولى ركعة ) ثمَّ يقوم ويقومون ( ويقف في الثانية حتى يتموا ) الركعتين الباقيتين ويتشهدون ويسلّم بعضهم على بعض وينصرفون ويقفون موقف أصحابهم ( ثمَّ يأتي الآخرون ) ويقفون موقف أصحابهم ( فيصلّي بهم ركعتين ) يقرأ فيهما ( ويجلس عقيب الثالثة ) ويتشهد ( حتى يتم من خلفه ثمَّ يسلّم ) (٢).

ولا خلاف فيما تضمنته في الثنائية فتوى ورواية إلاّ ما سبق إليه الإشارة ، وقد عرفت شذوذه ، بل على خلافه الإجماع في عبائر جماعة كالخلاف والناصرية‌

__________________

الحدائق ١١ : ٢٦٨.

(١) في المصادر : « فيمثل » يقال : مثل بين يديه مثولا : أي : انتصب قائما بين يديه. مجمع البحرين ٥ : ٤٧١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٥ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٧١ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ٤٥٥ / ١٧٦٦ ، المقنع : ٣٩ ، الوسائل ٨ : ٤٣٦ أبواب صلاة الخوف ب ٢ ح ٤.

٣٢٢

وظاهر المنتهى وغيره من كتب الجماعة (١) ، وهو الرواية الثانية في الثنائية من الروايتين المشار إليهما في العبارة إن عمّمناهما فيها إليها ، كما هو ظاهرها ، وصرّح به في التنقيح أيضا (٢) ، لكنها مطلقة غير معلومة الشمول لمفروض المسألة وهو الصلاة في جماعة ، وعلى تقديره فينبغي تقييدها بالنصوص في المسألة ، فيبعد التعميم في العبارة ، ويكون المراد بالروايتين في المغرب خاصة كما في التنقيح عن بعض الشارحين (٣).

والرواية الثانية فيها صحيحه أيضا متضمنة لعكس ما في الاولى من صلاة الإمام ركعتين بالطائفة الاولى وركعة بالأخرى (٤).

ولاختلافهما اختلف الأصحاب ، فبين مقتصر على الاولى غير ذاكر للثانية أصلا وهم الأكثر على الظاهر ، المصرّح به في الذكرى (٥) (٦) ، وبين مخيّر بينهما كأكثر المتأخرين (٧) ، وفاقا لجماعة من القدماء (٨).

واختلف هؤلاء في الأفضل منهما ، فالأكثر ومنهم القدماء على أنّه الاولى ، خلافا للتذكرة فالثانية (٩) ، وفاقا لبعض العامة العمياء (١٠).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٤٠ الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٣ ، المنتهى ١ : ٤٠١ ؛ وانظر المدارك ٤ : ٤١٥.

(٢) التنقيح الرائع ١ : ٢٨٠.

(٣) التنقيح الرائع ١ : ٢٨١.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠١ / ٩١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٥٦ / ١٧٦٧ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ / ٢٥٧ ، الوسائل ٨ : ٤٣٦ أبواب صلاة الخوف ب ٢ ح ٢.

(٥) الذكرى : ٢٦٢.

(٦) في « م » زيادة : والمسالك ( ١ : ٤٨ ).

(٧) منهم : المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٤٧ ، صاحب المدارك ٤ : ٤١٨.

(٨) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٦٤ ، والحلبي في الكافي : ١٤٦.

(٩) التذكرة ١ : ١٩٦.

(١٠) انظر مغني المحتاج ١ : ٣٠٣ ، والمغني لابن قدامة ٢ : ٢٦٢.

٣٢٣

والذي يقتضيه النظر تعيّن الاولى ؛ لكثرتها حتى ادعى العماني تواترها (١) ، وصحة جملة منها ، واعتضادها بفتوى أكثر القدماء ، مع كون جواز العمل بها مقطوعا به بين الفقهاء ؛ ولذا جعله الشيخ رحمه‌الله في الاقتصاد أحوط (٢) ، مع أنّ فى بعضها لراوي الثانية أيضا.

إلاّ أن ظاهر المنتهى (٣) الإجماع على التخيير (٤) ، فلا يبعد المصير إليه جمعا ، مع قيامه عليه شاهدا ، إلاّ أن الاحتياط في العمل بالأولى ، لحصول البراءة بها يقينا.

واحترز بقوله : والعدوّ في غير جهة القبلة ، عمّا لو كان إلى جهتها.

وبقوله : لا يؤمن هجومه ، عمّا لو أمن.

وبقوله : وأمكن أن يقاومه بعض إلى آخره ، عمّا لو احتيج إلى تفريق الطوائف أكثر من فرقتين.

فإنه لا يجوز هذه الصلاة في هذه الصور الثلاث على المشهور بين الأصحاب ، بل المقطوع به في كلامهم ، على ما ذكره في المدارك في الأولى (٥) ، مشعرا بدعوى الإجماع ، كما هو ظاهر المنتهى (٦) ، مع أنه حكى عن التذكرة الخلاف ، لكنّه شاذ.

ولا ريب في الثانية ؛ لانتفاء الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة فيها.

وكذا في الثالثة في الثنائية ؛ لتعذر التوزيع فيها ، أما الثلاثية فقد قطع‌

__________________

(١) كما نقله عنه في المختلف : ١٥١.

(٢) الاقتصاد : ٢٧٠.

(٣) المنتهى ١ : ٤٠٢.

(٤) في « م » زيادة : كما عن صريح الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦١.

(٥) المدارك ٤ : ٤١٤.

(٦) المنتهى ١ : ٤٠٣.

٣٢٤

الشهيدان بجواز هذه الصلاة بتفريق الطوائف ثلاث فرق وتخصيص كل فرقة بركعة (١).

وهو إنما يتم إذا جوّزنا الانفراد اختيارا ، وإلاّ فالمتجه المنع ؛ لأن المروي أنه يصلي في الثلاثية ركعة بقوم وركعتين بالباقين ، وبهذا التحقيق صرّح جماعة كصاحبي المدارك والذخيرة (٢).

( وهل يجب ) على المصلّين ( أخذ السلاح ) وآلة الدفع من نحو السيف والخنجر والسكّين ، وما يكنّ من نحو الدرع والجوشن والمغفر؟

( فيه تردّد ) واختلاف بين الأصحاب ، فبين من قال بالاستحباب كالإسكافي (٣) ، ونفى عنه البعد بعض المتأخرين (٤) ؛ للأصل ؛ وقوة ورود الأمر به في الكتاب للإرشاد (٥) ، وبين من جعل ( أشبهه الوجوب ما لم يمنع أحد واجبات الفرض ) من ركوع أو سجود ، وهم أكثر الأصحاب ، بل عامتهم ، عدا من مرّ ؛ عملا بظاهر الأمر ؛ ومنع كونه للإرشاد بعدم عدم دليل عليه ، ومجرد احتماله غير ضارّ.

وبفحواه يستدل على وجوب الأخذ على الفرق المقاتلة ، مضافا إلى توقف الحراسة الواجبة عليه ، وهو خيرة الحلّي وغيره (٦).

__________________

(١) الذكرى : ٢٦٣ ، المسالك ١ : ٤٧.

(٢) المدارك ٤ : ٤١٤ ، الذخيرة : ٤٠٢.

(٣) نقله عنه في المختلف : ١٥٢.

(٤) كصاحب المدارك ٤ : ٤٢٠.

(٥) النساء : ١٠٢.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٣٤٧ ؛ وانظر نهاية الإحكام ٢ : ١٩٧.

٣٢٥

واحترز بقوله : ما لم يمنع ، عمّا لو منع فإنه لا يجب ، بل لا يجوز إلاّ مع الضرورة فيجب.

( وهنا مسائل ) ثلاث :

( الأولى : إذا انتهى الحال ) في الخوف والقتال ( إلى المسايفة أو المعانقة ) أو نحوهما مما لا يتمكن معه من الصلاة على الوجوه المقررة في أنواع صلاة الخوف ( فـ ) لا تسقط ( الصلاة ) بل تجب ( بحسب الإمكان واقفا أو ماشيا أو راكبا ) ويركع ( ويسجد ) مع الإمكان ولو ( على قربوس سرجه ، وإلاّ ) يتمكن من شي‌ء منهما أو أحد هما أتى بالممكن ( موميا ).

( ويستقبل ) في جميع صلاته ( القبلة ما أمكن ) وإلاّ فبحسب الإمكان في بعض الصلاة ( وإلاّ ) ف ( بتكبيرة الإحرام ) إن أمكن وإلاّ سقط الاستقبال.

( ولو لم يتمكن من الإيماء ) للركوع والسجود ( اقتصر ) بعد نية الصلاة ( على تكبيرتين عن ) الصلاة ( الثنائية و) على ( ثلاث ) تكبيرات ( عن ) الصلاة ( الثلاثية ).

وبالجملة : اقتصر عن كل ركعة بما فيها من الأفعال والأذكار بتكبيرة.

( و ) صورتها أن ( يقول في كل واحدة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر فإنه يجزى عن ) القراءة و ( الركوع والسجود ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، بل عليه الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (١) ، والصحاح بها مستفيضة ، مؤيدة بغيرها من المعتبرة ، لكنها قاصرة عن إفادة التفضيل المذكور في عبائر الجماعة من وجوب الإتيان بالواجبات والشروط بحسب الإمكان ، وإلاّ فما دون ، وإلاّ فالسقوط. إلاّ أنه جاء بعد الإجماع ممّا‌

__________________

(١) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦١ ، وصاحب المدارك ٤ : ٤٢٢ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٤ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٢٨٨.

٣٢٦

دلّ عيل أن : « الميسور لا يسقط بالمعسور » (١).

مع أن في الصحيح : « يصلّي ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة » (٢).

وهو صريح في وجوب الاستقبال في التكبيرة مع الإمكان ، فكذا في غيرها ، لعدم قائل بالفرق بينهما. ولا ينافيه تصريحه بعدم الوجوب في غيرها ؛ لاحتمال وروده مورد الغالب من عدم الإمكان فيه.

وبنحوه يجاب عن إطلاق باقي النصوص الغير المعتبرة للاستقبال ونحوه من الواجبات ، بحملها على الغالب أيضا ، كما يحمل الأمر بالاستقبال في التكبيرة فيه على صورة الإمكان بالاعتبار والإجماع.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق النصوص وأكثر الفتاوي إجزاء التكبيرة مع تعذر الإيماء عن الركعة بما فيها من الأفعال والأذكار حتى تكبيرة الإحرام والتشهد والتسليم ، خلافا لجماعة فاستثنوا الثلاثة (٣) ، وهو أحوط وإن لم يظهر له وجه ، كما صرّح به جمع ممّن تأخر (٤).

واعلم : أن ما ذكروه في كيفية التكبير غير مستفاد من النصوص التي عثرت عليها في المسألة ، بل المستفاد من بعضها إجزاء مجردها (٥) ، ومن آخر التخيير في ترتيب التسبيحات كيف شاء (٦) ، وبذلك اعترف جماعة ومنهم‌

__________________

(١) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٩ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٣ ، الوسائل ٨ : ٤٤١ أبواب صلاة الخوف ب ٣ ح ٨.

(٣) كالعلامة في القواعد ١ : ٤٨ ، والتحرير ١ : ٥٥ ، والشهيدين في الذكرى : ٢٦٥ ، والروض : ٣٨٢.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٤٢٣ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٣٠٠ / ٩١٦ ، الوسائل ٨ : ٤٤٦ أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب ٤ ح ٩.

(٦) الكافي ٣ : ٤٥٧ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٤ ، وفي تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ / ٢٥٧ عن زرارة

٣٢٧

الشهيد في الذكرى (١) ، لكن استجود تعيّن ما ذكروه ، للإجماع على إجزائه ، وعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه.

ولا ريب أنه أحوط ، بل متعيّن إن لم نكتف في إثبات صحة العبادة بالإطلاقات ، وإلاّ فيقين البراءة لعلّه يحصل بها ، إلاّ أن يشكك فيها بتظافر الفتاوي على تقييدها ، مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان فيها بتظاهر الفتاوي على تقييدها ، مع أنها منساقة لبيان كفاية التكبيرة لا بيان كيفيتها ، فلا عبرة بها فيها ، سيّما مع ورود نظائر هذه النصوص في التسبيحات في الأخيرتين مختلفة الكيفية مع الإجماع على وجوب الكيفية المخصوصة هنا ثمة ، فتأمل جدّا.

( الثانية : كل أسباب الخوف يجوز معها القصر ) في العدد بردّ الرباعيات (٢) إلى ركعتين ( و ) في الكيفية ب ( الانتقال ) من الركوع والسجود ( إلى الإيماء ) لهما ( مع الضيق ) وعدم التمكن من الإتيان بهما ( والاقتصار على التسبيح ) بالنهج السابق ( إن خشي ) الضرر ( مع الإيماء ولو كان الخوف من لصّ أو سبع ) أو نحو هما على المشهور ، بل في المعتبر : إن عليه فتوى علمائنا (٣) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ؛ وهو الحجة.

مضافا في الأول إلى إطلاق الصحيح ، بل عمومه : قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصيران جميعا؟ قال : « نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه » (٤) وفي الأحقية التي نبّه عليها عليه‌

__________________

ومحمد بن مسلم ، الوسائل ٨ : ٤٤٥ أبواب صلاة الخوف والمطارة ب ٤ ح ٨.

(١) الذكرى : ٢٦٤.

(٢) في غير « ح » : الرباعيتين.

(٣) المعتبر ٢ : ٤٦١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٤ / ١٣٤٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ / ٩٢١ ، الوسائل ٨ : ٤٣٣ أبواب صلاة الخوف ب ١ ح ١.

٣٢٨

السلام مع ترك الاستفصال عن أسباب الخوف دلالة واضحة على ما ذكرنا.

وقريب منه الصحيح : « الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته » (١) وصلاة المواقفة قصر في الكمية والكيفية ، فكذا صلاة الخائف منهما ، بل ومن غيرهما أيضا ؛ لعدم القائل بالفرق بينهما ، وقوله : « إيماء على دابته » لا يقتضي حصر الشركة فيه ، فتدبر.

وقريب منهما آخر ، أو موثق قريب منه سندا ؛ عن قوله الله عز وجل : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (٢) كيف يصلّي ، وما يقول؟ إن خاف من سبع أو لصّ كيف يصلّي؟ قال : « يكبّر ويومئ برأسه إيماء » (٣) لظهور سياقه في اتحاد الصلاتين حالا ، فتأمل جدا.

وفي الثاني إلى فحوى هذه الصحاح أو ظاهرها ، بل صريح أخيرها ، والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.

وفي الثالث إلى الصحيح في الفقيه ، قال : « وقد رخّص في صلاة الخوف من السبع إذا خشية الرجل على نفسه أن يكبّر ولا يومئ » رواه محمد بن مسلم عن أحد هما عليهما‌السلام (٤). وأخصّيته كسابقيه من المدّعى تجبر بما مضى.

خلافا للمنتهى فتردّد في الأول بعد أن حكى المنع عنه عن بعض أصحابنا (٥) ، ولعلّه الحلّي في السرائر فقد صرّح بذلك فيه (٦) ، ومال إليه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ / ٣٨٣ ، الوسائل ٨ : ٤٤١ أبواب صلاة الخوف ب ٣ ح ٨.

(٢) البقرة : ٢٣٩.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٧ / ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٩٩ / ٩١٢ ، الوسائل ٨ : ٤٣٩ أبواب صلاة الخوف ب ٣ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٩٥ / ١٢٣٤٨ ، الوسائل ٨ : ٤٤١ أبواب صلاة الخوف ب ٣ ح ٥.

(٥) المنتهى ١ : ٤٠٥.

(٦) السرائر ١ : ٣٤٨.

٣٢٩

جماعة من متأخري المتأخرين (١) ؛ اقتصار فيما خالف الأصل الدال على لزوم الإتمام على المتقين نصّا وفتوى ، وليس إلاّ قصر العدد في صلاة السفر أو الخوف من العدو دون نحو السبع.

ويضعّف : بما ذكرنا من الإجماع المنقول ، المعتضد بالصحاح والشهرة العظيمة بين الأصحاب ، وإن كان الإنصاف أن دلالة الصحاح لا تخلو عن شي‌ء لا تطمئن معه النفس في الاستدلال بها لو لا الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة ، بل عدم الخلاف إلاّ من نحو الحلّي ، وهو شاذ ؛ مضافا إلى إشعار تعليق الحكم بالوصف في الآية والرواية بالعلّية ؛ مع قوة ظهور الصحيحة الاولى بل الثانية أيضا.

( الثالثة : الموتحل والغريق يصليان بحسب الإمكان ) فيصلّيان إيماء عن الركوع والسجود مع عم التمكن منهما ( ولا يقصر أحد هما عدد صلاته إلاّ في سفر أو خوف ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك.

استنادا في الأول إلى الاستقراء الكاشف عن لزومه (٢) حيثما يتعذر مبدله.

وفي الثاني إلى الأصل الدال على لزوم التمام إلاّ ما خرج بالدليل ، وليس إلاّ صورة الخوف والسفر المنفيين في محل الفرض.

نعم ، لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ورجا عند قصر العدد السلامة وضاق الوقت اتّجه القصر ، كما استظهره في الذكرى (٣) ، واستحسنه في‌

__________________

(١) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٤٢٥ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٤٠٥ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٢٩٢.

(٢) أي : الإيماء.

(٣) الذكرى : ٢٦٤.

٣٣٠

روض الجنان ، قال : نظرا إلى أنه يجوز له الترك فقصر العدد أولى ، لكن في سقوط القضاء بذلك نظر ، لعدم النص على جواز القصر هنا ، ووجه السقوط حصول الخوف في الجملة كما مرّ ، قال : والحاصل أن علّية مطلق الخوف توجب تطرّق القصر إلى كل خائف ، قال : ووجهه غير واضح ، إذ لا دليل عليه ، والوقوف على المصوص عليه بالقصر أوضح (١). انتهى.

واعترضه جملة من الفضلاء : بأن الحكم بوجوب القصر ينافي الحكم بوجوب القضاء ؛ لأن الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء ، والحكم بوجوب القضاء إنما يكون عند عدم الأداء ، وأيضا : الحكم بوجوب القصر محل تأمل ، وما علّل به ضعيف ؛ إذ لا يلزم من جواز الترك للعجز جواز فعلها مقصورة (٢).

انتهى.

وهو حسن ، إلاّ ظاهر هم الإذعان له فيما ذكره من عدم دليل على القصر في مطلق الخوف ، مع أن الصحيحة الأولى في المسألة السابقة دليل عليه ولو عموما كما مضى ، وكذلك عبائر الفقهاء ومنها عبارة الماتن التي ادعى الإجماع فيها ، فقوله : والوقوف على المنصوص عليه بالقصر أوضح ، ممنوع إن أراد به المنع عن القصر فيما لم ينص عليه بالخصوص ، ومسلّم إنّ أراد بالمنصوص عليه ما يعمّ المنصوص ولو بالعموم ؛ لما عرفت من أنه موجود.

واعلم : أن ظاهر الشهيد اعتبار ضيق الوقت هنا في جواز القصر (٣).

وهو حسن إن اعتبره في مطلق صلاة الخوف ، وبه صرّح الرضوي في صلاة الخائف من اللصّ والسبع (٤) ، وهو الأوفق بالأصول ، وعليه المرتضى في‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٨٢.

(٢) المدارك ٤ : ٤٢٦ ، الذخيرة : ٤٠٥ ، وانظر مجمع الفائدة ٣ : ٣٥٣.

(٣) انظر الذكرى : ٢٦٦.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٨ ، المستدرك ٦ : ٥١٩ أبواب صلاة الخوف ب ٣ ح ٢.

٣٣١

مطلق صلاة ذوي الأعذار (١).

ولكن المشهور عدمه مطلقا ؛ للإطلاقات ، فتوى ونصا ، كتابا وسنّة هنا ، سيّما الصحيحة المتقدمة الدالّة على اتحاد صلاتي السفر والخوف فحوى ، مع الإجماع على عدم اشتراط الضيق في الاولى ، ويشكل إن خصّه بالمقام ، لعدم دليل عليه.

__________________

(١) نقله عنه صاحب الحدائق ١١ : ٢٩٣.

٣٣٢

( الخامس ) من التوابع :

( في ) بيان أحكام ( صلاة المسافر ) التي يجب قصرها كمية.

( والنظر ) فيه تارة ( في الشروط ، و) اخرى في أحكام ( القصر ).

( أما الشروط ف ) هي ( خمسة ).

( الأول : المسافة ) بإجماع العلماء كافة ، كما حكاه جماعة (١) ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، بل متواترة.

( وهي أربعة وعشرون ميلا ) بإجماعنا والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة وإن اختلفت في التأدية ، فبين مؤدّ بما في العبارة كالصحيحين (٢) والحسنين (٣).

وببريدين أو بياض يوم كالصحيح (٤) ، ومثله في ذكر الثاني أحد الصحيحين ، وفي ذكر الأول أحد الحسنين.

وبمسيرة يوم كالصحيح (٥) ، والموثق ، وفيه : « إن ذلك بريدان ثمانية‌

__________________

(١) منهم : العلاّمة في نهاية الإحكام : ٢ : ١٦٨ ، والمنتهى ١ : ٣٨٩ ، وصاحبا المدارك ٤ : ٤٢٨ والحدائق ١١ : ٢٩٨.

(٢) الأول : الفقيه : ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٦ ، الوسائل ٨ : ٤٥٢ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٤.

الثاني : التهذيب ٤ : ٢٢٢ / ٦٤٩ ، الوسائل ٨ : ٤٥٥ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٥.

(٣) الأول : الفقيه ١ : ٢٧٩ / ١٢٦٩ ، التهذيب ٣ : ٢٠٧ / ٤٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٧ ، الوسائل ٨ : ٤٥٢ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٣.

الثاني التهذيب ٤ : ٢٢١ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٤ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٢ / ٦٥١ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ / ٧٨٩ ، الوسائل ٨ : ٤٥٤ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ / ٧٩٩ ، الوسائل ٨ : ٤٥٥ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٦.

٣٣٣

فراسخ » (١).

وبثمانية فراسخ كما فيه وفي أحد الصحيحين ، و [ في ] (٢) غير هما القريب منهما سندا : « إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر ؛ لأن ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال فوجب التقصير في مسيرة يوم » (٣).

ويستفاد منها كغيرها أن الجميع واحد.

وأما ما يخالفها ممّا دلّ على أنّه مسيرة يوم وليلة كما في الصحيح (٤) ، أو ثلاثة برد كما في آخر (٥) ، أو مسيرة يومين كما في الخبر (٦) ، فمع قصوره عن المقاومة لما مرّ من وجوه شتى محمولة على التقية ، فإن بكل منها قائلا من العامة كما حكاه بعض الأجلة (٧).

( والميل أربعة آلاف ذراع تعويلا على المشهور بين الناس ) والمتعارف بينهم ، وعزاه الحلّي إلى بعض اللغويين (٨) ، وفي القاموس دلالة عليه أيضا‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٠٧ / ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ / ٧٨٦ ، الوسائل ٨ : ٤٥٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٨.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.

(٣) الفقيه ١ : ٢٩٠ / ١٣٢٠ ، علل الشرائع : ٢٦٦ / ٩ ، عيون الأخبار ٢ : ١١١ / ١ ، الوسائل ٨ : ٤٥١ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٧ / ١٣٠٥ ، الوسائل ٨ : ٤٥٢ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ / ٨٠٠ ، الوسائل ٨ : ٤٥٤ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٠.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ / ٨٠١ ، الوسائل ٨ : ٤٥٣ أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٩.

(٧) صاحب الحدائق ١١ : ٣٠٠.

(٨) السرائر ١ : ٣٢٨.

٣٣٤

وعزاه إلى المحدّثين (١) ، كالأزهري فيما حكي (٢) ، مؤذنين بدعوى إجماعهم عليه ، وفي المدارك أنه مقطوع به بين الأصحاب (٣) ، وفي غيره لا خلاف فيه بينهم يعرف (٤).

( أو قدر مدّ البصر من الأرض تعويلا على الوضع ) اللغوي المستفاد من الصحاح وغيره (٥).

وربما يفهم من العبارة ونحوها التردد في التفسير الأول حيث نسبه إلى الشهرة ، والثاني إلى أهل اللغة.

ويضعّف : بأن المراد بالشهرة هنا الشهرة العرفية والعادية ، لا الفتوائية ، حتى يفهم منها التردد في المسألة ، وحينئذ فتقديمه على اللغة ذكرا يقتضي ترجيحه عليها ، كما صرّح به في التنقيح ، فقال : والمصنف ذكر التقديرين معا ، وقدّم العرفي على اللغوي ، لتقدمه عليه عند التعارض ، كما تقرّر في الأصول (٦).

وقال بعض مشايخنا : وإنما نسبه إلى الشهرة تنبيها على مأخذ الحكم ، بناء على أن الرجوع إليها في موضوعات الأحكام وألفاظها من المسلّمات.

أقول : وحيث انتفى الخلاف في هذا التقدير وجب الرجوع إليه وإن ورد في النصوص ما يخالفه : من التقدير بألف وخمسمائة ذراع (٧) ، أو ثلاثة آلاف‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٥٤.

(٢) لم نعثر عليه في تهذيب اللغة ؛ نعم ، قاله الفيّومي في المصباح المنير : ٥٨٨ ، ويحتمل وجود النسبة إلى الأزهري في بعض نسخ المصباح كما نبّه عليه صاحب الجواهر ١٤ : ١٩٩.

(٣) المدارك ٤ : ٤٣٠.

(٤) كما في الحدائق ١١ : ٣٠١.

(٥) الصحاح ٥ : ١٨٢٣ ؛ وانظر تهذيب اللغة ١٥ : ٣٩٦.

(٦) التنقيح الرائع ١ : ٢٨٥.

(٧) الفقيه ١ : ٢٨٦ / ١٣٠٣ ، الوسائل ٨ : ٤٦١ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٦.

٣٣٥

وخمسمائة ذراع (١) ، مع ضعف سندهما ومهجوريتهما ولا سيّما الأول.

وقدّر في المشهور الذراع بأربع وعشرين إصبعا ، والإصبع بسبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر ، وقيل : ستّ (٢) ، ولعل الاختلاف بسبب اختلافها.

وعرض كل شعيرة بسبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

وضبط مدّ البصر في الأرض بأنه ما يتميز به الفارس من الراجل للمبصر المتوسط في الأرض المستوية.

ولو وافق أحد هذين التقديرين المسير في بياض اليوم المعتدل قدرا وزمانا ومكانا على الأقوى فذاك ، وإلاّ ففي ترجيحهما عليه كما عليه الشهيد الأول في الذكرى (٣) ، أو العكس كما عليه الثاني في روض الجنان وغيره (٤) ، أو الاكتفاء في لزوم القصر بأيّهما حصل أوّلا كما عليه سبطه (٥) ، أوجه وأقوال ، والاحتياط واضح.

وذكر جماعة (٦) أن مبدأ التقدير من آخر خطّة البلد في المعتدل ، وآخر محلّته في المتسع.

ولا ريب في الأول ؛ لكونه المتبادر من إطلاق الفتوى والنص.

ولعلّ الوجه في الثاني عدم تبادره من الإطلاق ، فيرجع إلى المتبادر منه ، كما يرجع في إطلاق الوجه مثلا غير مستوي الخلقة إلى مستويها ، لكونه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٢ / ٣ ، الوسائل ٨ : ٤٦٠ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٣.

(٢) المصباح المنير : ٥٨٨.

(٣) الذكرى : ٢٥٩.

(٤) روض الجنان : ٣٨٣ ؛ وانظر الذخيرة : ٤٠٧.

(٥) المدارك ٤ : ٤٣٢.

(٦) منهم : ابن فهد في المهذب البارع ١ : ٤٨٢ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٣٦٦ ، وصاحبا المدارك ٤ : ٤٣٢ ، والحدائق ١١ : ٣٠٥ ؛ وانظر المسالك ١ : ٤٩.

٣٣٦

المتبادر دونه. لكن إطلاق التحديد بآخر المحلّة مشكل ، بل ينبغي تقييده بما إذا وافق آخر البلد المعتدل تقديرا ، فتأمل جدّا.

وربما قيل بأن المبدأ هو مبدأ السير بقصد السفر (١).

ولا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بين قطعها في يوم أو أقلّ أو أكثر ، إلاّ إذا تراخى الزمان كثيرا بحيث يخرج عن اسم المسافر عرفا ، كما لو قطع المسافة في شهرين أو ثلاثة فقد جزم في الذكرى بعدم الترخص (٢). ولا بأس به ؛ عملا بالأصل ، واقتصارا فيما خالفه على المتبادر من إطلاق الفتوى والنص ، وليس إلاّ ما صدق معه السفر في العرف.

والبحر كالبرّ في جواز القصر مع بلوغ المسافة بالأذرع وإن قطعت في ساعة ، كما صرّح به جماعة ومنهم المنتهى قائلا إنه لا يعرف في ذلك خلافا (٣).

وإنما يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار أو الشياع أو شهادة البيّنة ، ومع الشك يتم بلا خلاف أعرف ، وبه صرّح في الذخيرة (٤) ؛ عملا بالأصل ، وفي وجوب الاعتبار معه وجهان.

ولو صلّى قصرا حينئذ أعاد مطلقا ولو ظهر أنه مسافة ؛ لأن فرضه التمام ولم يأت به ، وما أتى به لم يؤمر به.

ولو سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثمَّ ظهر أن المقصد مسافة قصر حينئذ وإن قصر الباقي عن مسافة. ولا يجب إعادة ما صلّى تماما قبل ذلك ؛ لأنه صلّى صلاة مأمورا بها فتكون مجزية.

ولو كان لبلد طريقان أحدهما مسافة دون الآخر فسلكه أتم ، وإن عكس‌

__________________

(١) انظر الذخيرة : ٤٠٧.

(٢) الذكرى : ٢٥٨.

(٣) المنتهى ١ : ٣٩٠.

(٤) الذخيرة : ٤٠٧.

٣٣٧

لعلّة غير الترخيص قصر إجماعا ، كما في التذكرة والذخيرة (١) ، وكذا لعلّته على الأظهر الأشهر ، بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه.

خلافا للقاضي فيتم ؛ لأنه كاللاهي بصيده (٢).

ولا ريب في ضعفه ؛ لأن السفر بقصد الترخيص غير محرّم قطعا كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى ، والقياس فاسد عندنا سيّما إذا كان مع الفارق كما هنا.

( ولو كانت ) المسافة ( أربعة فراسخ ) فصاعدا دون الثمانية ( وأراد الرجوع ليومه ) أو لليلته أو الملفّق منهما ، مع اتصال السير عرفا ، دون الذهاب في أول أحد هما والعود في آخر الآخر ، على ما صرّح به. جمع ممن تأخر (٣) من غير خلاف بينهم ولا من غيرهم يظهر ( قصّر ) وجوبا على الأشهر الأقوى ، وعن ظاهر الأمالي أنه من ديننا (٤) ، مشعرا بكونه إجماعا.

وبه نصّ الرضوي : « فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت ، لأن ذهابك ومجيئك بريدان » إلى أن قال : « فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت » (٥).

وقريب منه النصوص المستفيضة ، وفيها الصحاح وغيرها ، منها : عن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨٨ ، الذخيرة : ٤٠٧.

(٢) المهذّب ١ : ١٠٧.

(٣) منهم : العلامة في المنتهى ١ : ٣٩٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٢٨٥ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ٢ : ٥١١ ، الشهيد في الذكرى : ٢٥٩.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٤ ، ٥١٠.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٥٩ ، المستدرك ٦ : ٥٢٨ ، ٥٢٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ، ٣ ح ١ ، ٢.

٣٣٨

التقصير ، فقال : « بريد ذاهبا وبريد جائيا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتى ذبابا (١) قصر ، لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ » (٢).

وهو كالنص في وجوب التقصير ؛ لتعليله فيه بحصول الثمانية التي هي أصل المسافة التي يجب فيها التقصير إجماعا.

ونحوه الموثق المعلّل له بأنه إذا ذهب بريدا وآب بريدا فقد شغل يومه (٣).

وبهذه الأدلة يجمع بين النصوص المتقدمة بكون المسافة ثمانية والصحاح المستفيضة الآمرة بالقصر في أربعة ، بتعميم الأوّلة للثمانية الملفّقة من الأربعة الذهابية والإيابية ، وتقييد الأربعة بها لا مطلقا وإن كان (٤) متبادرا منها ، كما أن الثمانية الذهابية خاصة متبادرة من الأوّلة ، لكن التبادر لا حكم له بعد وجود الصارف عنه من نحو ما قدمناه من الأدلّة.

خلافا للشهيدين وغيرهما من المتأخرين (٥) ، فلم يوجبوا القصر وخيروا بينه وبين التمام ، وفاقا للتهذيب (٦) ؛ جمعا بين أخبار الثمانية والأربعة المطلقة والملفقة ، بحمل الأوّلة على ظواهرها مطلقا (٧) ، وتقييد الأربعة المطلقة بالملفقة ، لأخبارها ، أو من غير تقييدها ، ثمَّ حمل الأمر بالقصر فيها أجمع على الرخصة ترجيحا لأخبار الثمانية.

ولا شاهد له عليه مع إمكان الجمع بما مرّ ، مع كونه أظهر ؛ لوضوح‌

__________________

(١) ذباب : جبل قرب المدينة على نحو من بريد. مجمع البحرين ٢ : ٥٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٧ / ١٣٠٤ ، الوسائل ٨ : ٤٦١ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٤ ، ١٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٩.

(٤) أي الإطلاق.

(٥) الشهيد الأول في الذكرى : ٢٥٦ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٨٤ ؛ وانظر المدارك ٤ : ٤٣٧.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٨.

(٧) أي : في كل من ظاهر امتداد الثمانية ووجوب القصر. منه رحمه الله.

٣٣٩

الشواهد عليه ، مضافا إلى شهرته ، وندرة القول بخلافه في القديم ، إذ ليس إلاّ الشيخ في التهذيب ، وهو على تقدير تسليم مخالفته قد رجع عنه ووافق المشهور في جملة من كتبه (١).

لكن بعض أخبار الأربعة لا يقبل التقييد بالتلفيق مطلقا (٢) ، كالصحيح : إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام ، فأتمّ الصلاة أو أقصّر؟ قال : « قصّر في الطريق وأتمّ في الضيعة » (٣).

لكنه لا يعارض أخبار الثمانية أجمع فليطرح ، أو يحمل على التخيير ـ وسيأتي الكلام فيه ـ أو على التقية ، بمعنى حمل الأمر فيه بالإتمام في الضيعة عليها ، لعدم كونها بنفسها من القواطع عندنا ، وإنما هو مذهب جماعة من العامة (٤) ، كما سيأتي إليه الإشارة إن شاء الله تعالى ، فيرتفع المانع عن الحمل على التلفيق ، فتدبّر.

( ولا بدّ ) في القصر ( من كون المسافة ) المشترطة ( مقصودة ) ولو تبعا كالزوجة والعبد والأسير مع عدم قصدهم الرجوع متى تمكّنوا منه ، أو عدم احتمالهم له لعدم ظهور أماراته.

( فلو قصد ما دونها ثمَّ قصد مثل ذلك أو لم يكن له قصد ) أصلا ( فلا قصر ) مطلقا ( ولو تمادى في السفر ) وقطع مسافات عديدة ؛ بالنص (٥)

__________________

(١) كما في النهاية : ١٢٢ ، والمبسوط ١ : ١٤١.

(٢) لا في يومه ولا في غيره. منه رحمه الله.

(٣) التهذيب ٣ : ٢١٠ / ٥٠٩ ، الاستبصار ١ : ٢٢٩ / ٨١١ ، الوسائل ٨ : ٤٩٦ أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١٤.

(٤) انظر المغني لا بن قدامة ٢ : ١٣٥.

(٥) انظر الوسائل ٨ : ٤٦٨ أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ١ ، ٣.

٣٤٠