رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

الفريضة (١). والدلالة ليست واضحة ؛ لاحتمال الفريضة فيهما الفائتة دون التي تراد فيها الإعادة ، أو كون المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة والثانية المعادة الفريضة ، كما ذكرهما شيخ الطائفة (٢) ، مستدلا عليهما ببعض المعتبرة.

ويحتمل فيهما غير ذلك ممّا ذكره جماعة (٣) ، فلا يمكن أخذ هما لما ذكراه حجة ، سيّما مع مخالفتهما الأصول الشرعية.

وظاهر العبارة ـ ككثير وصريح جماعة (٤) ـ اختصاص استحباب الإعادة بالمنفرد دون الجامع.

خلافا للشهيدين فعمّماه لهما (٥) ؛ للعموم. وفيه منع ، إلاّ أن يدّعى استفادته من بعض الصحاح المتضمنة لترك الاستفصال ، وهو غير بعيد ، ولكنه لا يخلو عن نظر ، ولا ريب أن الأول أحوط.

ونحوه الكلام في استحبابها لمصلّين فرادى ، إلاّ أنّ الاحتياط فيه آكد وأولى.

( وأن يخصّ بالصفّ الأول الفضلاء ) وأهل المزية الكاملة من علم أو‌

__________________

وروض الجنان : ٣٧١.

(١) الأول :

الفقيه ١ : ٢٥١ / ١١٣٢ ، الوسائل ٨ : ٤٠١ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١.

الثاني :

الكافي ٣ : ٣٧٩ / ١ ، التهذيب ٣ : ٥٠ / ١٧٦ ، الوسائل ٨ : ٤٠٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٤ ح ١١.

(٢) راجع التهذيب ٣ : ٥٠ ذيل الحديث ١٧٦.

(٣) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٢٩١ ، والفيض الكاشاني في الوافي ٨ : ١٢٤٧ ، والعلاّمة المجلسي في مرآة العقول ١٥ : ٢٦٨.

(٤) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٣٤٢ ، وصاحب الحدائق ١١ : ١٦٣.

(٥) الدروس ١ : ٢٢٣ ، روض الجنان : ٣٧١.

٢٤١

عمل أو عقل ، وبالصف الثاني من دونهم ، وهكذا ، كما في النصوص (١) ، مضافا إلى الإجماع.

وإطلاقها ـ كالعبارة ونحوها ـ يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة الجنازة وغيرها.

خلافا لجماعة في الأولى ، فجعلوا أفضل الصفوف فيها أواخرها (٢) ، وربما عزي إلى الأصحاب جملة (٣) ، ولا بأس به ؛ للمعتبرة المستفيضة (٤) (٥).

ولا بين جماعة الذكور أو النساء ، خلافا لبعض النصوص العامية في الثانية ، فجعل خير الصفوف فيها أواخرها ، وشرّها أولها ، عكس الاولى (٦).

وليكن يمين الصف لأفاضلهم ؛ لأنه أفضل كما في النصوص ، منها : « فضل ميامن الصفّ على مياسرها فضل الجماعة على صلاة الفرد » (٧).

وفي الذكرى : وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول ؛ لما روي أن الرحمة تنتقل من الإمام إليهم ، ثمَّ إلي يسار الصف ، ثمَّ إلى الباقي ، والأفضل‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٣٠٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٧.

(٢) منهم الحلي في السرائر ١ : ٢٨٢ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٢٠ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٤٥٨.

(٣) الحدائق ١٠ : ٤٠٠.

(٤) الوسائل ٣ : ١٢١ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٩.

(٥) في « م » زيادة : منها : ما رواه خالي العلامة في البحار عن كتاب الإمامة والتبصرة لابن بابويه ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن فضالة ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « الصف الأول في الصلاة أفضل ، والصف الأخير في الجنازة أفضل » ونحوها ما رواه السكوني والفقه الرضوي.

(٦) مسند أحمد ٢ : ٣٤٠ ، سنن ابن ماجه ١ : ٣١٩ / ١٠٠٠ ، سنن الترمذي ١ : ١٤٣ / ٢٢٤.

(٧) الكافي ٣ : ٢٧٣ / ٨ ، الوسائل ٨ : ٣٠٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٨ ح ٢.

٢٤٢

للأفضل (١).

( وأن يسبّح المأموم حتى يركع الإمام إن سبقه بالقراءة ) للموثقين (٢) ، وفي ثالث : « أمسك آية ومجّد الله وأثن عليه ، فإذا فرغ فاقرأ الآية واركع » (٣) ونحوه الرضوي في الصلاة خلف المخالف (٤).

وإطلاق ما عداه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصلاة خلفه أو خلف المرضي المستحب خلفه القراءة فيما إذا كانت جهرية ولم يسمع الهمهمة.

قيل : ويحتمل الاختصاص بالأول ؛ لأنه المتبادر من النص (٥).

( وأن يكون القيام إلى الصلاة إذا قيل : قد قامت الصلاة ) على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي الخلاف في أواسط كتاب الصلاة الإجماع عليه (٦) ؛ الخبرين (٧).

خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف هنا فعند فراغ المؤذّن (٨). وهو غير واضح المستند ، كالقول الآخر المحكي في المختلف عن بعض‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ / ٣ ، التهذيب ٣ : ٣٨ / ١٣٤ ، الوسائل ٨ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ٢ ، ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٣ : ٣٨ / ١٣٥ ، المحاسن : ٣٢٦ / ٧٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٣٥ ح ١.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٥ ، المستدرك ٦ : ٤٨٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٣١ ح ١.

(٥) قال به صاحب المدارك ٤ : ٣٤٤.

(٦) الخلاف ١ : ٣١٧.

(٧) الأول : الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ١.

الثاني : التهذيب ٣ : ٤٢ / ١٤٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨٠ ، أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ٢.

(٨) المبسوط ١ : ١٥٧ ، الخلاف ١ : ٥٦٤.

٢٤٣

الأصحاب من أنه عند قول المقيم حيّ على الصلاة (١).

وبعض الأمور الاعتبارية ـ مع معارضته بالمثل ـ اجتهاد في مقابلة النص المعتبر المنجبر بالعمل ، هذا مع أن القول الأخير محكي عن أبي حنيفة (٢) ، وعن الشافعي ما قبله (٣).

ويظهر عن الخلاف أن النزاع بينهما وبينه إنما هو في الجواز والمشروعية لا الاستحباب والفضيلة ، وهو خلاف مفروض المسألة في كلام الجماعة ، ولذا أنه في الموضع الآخر من الخلاف ادعى الإجماع على المختار.

( ويكره أن يقف المأموم وحده ) خارج الصف ( إلاّ مع العذر ) كامتلاء الصفوف على المشهور ؛ للنهي عنه في النصوص المستفيضة (٤). وإنما حمل على الكراهة مع ظهوره في الحرمة كما عليه الإسكافي (٥) ؛ لضعفها سندا ومقاومة لما دلّ على الجواز ولو مطلقا ، كالصحيح (٦) وغيره (٧) : عن الرجل يقوم في الصفّ وحده ، فقال : « لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد ».

مضافا إلى الأصل ، والإطلاقات ، وخصوص الإجماع المحكي في صريح المنتهى وظاهر المدارك (٨) على الجواز.

__________________

(١) المختلف : ١٦٠.

(٢) حكاه عنه الشيخ في الخلاف ١ : ٣١٧ ، ونقله ابنا قدامة في المغني والشرح الكبير ١ : ٥٣٨.

(٣) انظر المغني والشرح الكبير ١ : ٥٣٨.

(٤) الوسائل ٨ : ٤٠٥ ، ٤٠٧ ، ٤٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ، ٥٨ ، ٧٠.

(٥) نقله عنه في الذكرى : ٢٧٤.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٨٠ / ٨٢٨ ، علل الشرائع : ٣٦١ / ١ ، الوسائل ٨ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٢.

(٧) الفقيه ١ : ٢٥٤ / ١١٤٧ ، الوسائل ٨ : ٤٠٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٧ ح ٤.

(٨) المنتهى ١ : ٣٧٧ ، المدارك ٤ : ٣٤٥.

٢٤٤

( وأن يصلّي نافلة بعد ) الأخذ في ( الإقامة ) كما في الصحيح (١).

ولا يحرم على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخر ؛ للأصل ، مع إشعار الصحيح به ، لتضمنه لفظة : « لا ينبغي ».

خلافا للنهاية وابن حمزة (٢) فالحرمة. والحجّة عليها غير واضحة ، مع مخالفتها لما عرفته ، مضافا إلى الاعتبار ، لأن الجماعة مندوبة فلا تحرم لأجلها النافلة ، إذ لا يحرم تركها ، وهو أقلّ من التشاغل بالنفل رتبة ، فيكون بالجواز أولى.

( الطرف الثاني : يعتبر في الإمام العقل ) حالة الإمامة وإن عرض له الجنون في غيرها. فيجوز لذي الأدوار لكن على كراهة على الأشهر ، وبها قطع الفاضل في موضع من التذكرة (٣) ، وفي آخر منها بالحرمة (٤) ، لحجة غير ناهضة. ولكنها أحوط ؛ خروجا عن الشبهة ، واحتياطا للعبادة.

( والإيمان ) أي الاعتقاد بالأصول الخمسة بحيث يعدّ من الإمامية.

( والعدالة ) وهي ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى التي هي القيام بالواجبات ، وترك المنهيات الكبيرة مطلقا ، والصغيرة مع الإصرار عليها ، وملازمة المروّة التي هي اتّباع محاسن العادات واجتناب مساويها وما ينفر عنه من المباحات ويؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة ، في المشهور بين أصحابنا.

ويأتي الكلام فيها وفيما يتعلق بها في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى.

( وطهارة المولد ) عن الزنا ، ولا بأس بمن تناله الألسن وولد الشبهة.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٦ بتفاوت ، التهذيب ٣ : ٢٨٣ / ٨٤١ ، الوسائل ٥ : ٤٥٢ أبواب الأذان والإقامة ب ٤٤ ح ١.

(٢) النهاية : ١١٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٠٦.

(٣) التذكرة ١ : ١٧٦.

(٤) التذكرة ١ : ١٤٤.

٢٤٥

ولا خلاف بيننا في اشتراط هذه الأمور الأربعة ـ كالبلوغ في الجملة ـ بل عليه دعوى الإجماع في عبائر جماعة حدّ الاستفاضة (١) ، وهي في العدالة كادت تبلغ التواتر ، كالنصوص فيها ، وأما فيما عداها فهي في جملة منه مستفيضة ، وهي ما عدا الإيمان ، وفيها الصحاح وغيرها من المعتبرة.

ففي الصحيح : « لا يصلّينّ أحدكم خلف المجنون وولد الزنا » (٢).

وفي آخر : « خمسة لا يؤمّون الناس على حال » وعدّا منهم (٣).

وأما هو فيدل على اعتباره ـ بعد فحوى ما دلّ على اعتبار العدالة ، بل صريحه إن قلنا بأن المخالف فاسق ـ الصحيح : في الصلاة خلف الواقفية ، فقال : لا (٤).

وقريب منه النصوص الواردة في الصلاة خلف المخالف وأمر المؤتم به بالقراءة خلفه (٥).

( و ) يشترط ( البلوغ ) مطلقا ( على الأظهر ) الأشهر ، وعن المنتهى في كتاب الصوم نفي الخلاف عنه (٦) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ؛ للخبر (٧)

__________________

(١) منهم : المحقق في المعتبر ٢ : ٤٣١ ، والعلامة في نهاية الإحكام ٢ : ١٣٩ ، ١٤٢ ، والشهيد في الذكرى : ٢٦٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٤ ، الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ١ ، التهذيب ٢ : ٢٦ / ٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١١٣ ، التهذيب ٣ : ٢٨ / ٩٨ ، الوسائل ٨ : ٣١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠ ح ٥.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٠٩ أبواب صلاة الجماعة ب ١٠.

(٦) المنتهى ١ : ٥٩٦.

(٧) الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٦٩ ، التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٣٢ ، الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٧.

٢٤٦

المنجبر ضعفه بعمل الأكثر ؛ والأصل الدالّ على عدم سقوط القراءة بفعل الغير إلاّ مع العلم بالمسقط ، وعلى اعتبار العدالة والإيمان المتفرعين على التكليف المفقود فيه بالنص والإجماع ؛ مضافا إلى سائر ما ذكرته في الشرح.

خلافا للمبسوط والخلاف (١) ، فجوّز إمامة المراهق المميّز العاقل ، مدّعيا عليه الإجماع.

وهو موهون بمصير الأكثر ـ على ما صرّح به جمع (٢) بقول مطلق ـ إلى الخلاف ، ومنهم هو في التهذيبين والنهاية والاقتصاد والقاضي (٣) من القدماء ، مع عدم ظهور موافق له عدا المرتضى فيما يحكى عنه في التنقيح (٤).

ومع ذلك فهو معارض بالمثل المترجح عليه بما مرّ ، فالاستدلال به للجواز ضعيف. كالاستدلال له بالنصوص المجوّزة لإمامته مطلقا ، كما في الموثق (٥) وغيره (٦) ، أو إذا كان له عشر سنين كما فيه (٧) ؛ لقصورها عن المقاومة لما مضى من وجوه شتّى ، ومنها قصور دلالتها ، لأعميتها من المدّعى ، لعدم تقييد فيها بشي‌ء من القيود التي ذكرها ، والتقييد بالعشر في بعضها لا يستلزمها.

ولا فرق في إطلاق الأدلة منعا وجوازا بين كونه سلطانا مستخلفا أو غيره ؛

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٤ ، الخلاف ١ : ٥٥٣.

(٢) منهم : الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٣ ، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٢٤٤ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٨٩.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ، النهاية : ١١٣ ، القاضي في المهذّب ١ : ٨٠ ، ولم نعثر عليه في الاقتصاد.

(٤) التنقيح الرائع ١ : ٢٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٦ ، الوسائل ٨ : ٣٢١ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ / ١٦٣٣ ، الوسائل ٨ : ٣٢٣ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٨.

(٧) الفقيه ١ : ٣٥٨ / ١٥٧١ ، الوسائل ٨ : ٣٢٢ أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥.

٢٤٧

خلافا للإسكافي ففرّق ، فقال في الثاني بالأول ، وفي الأول بالثاني (١).

ولا بين إمامته بالبالغين في الفرائض أو في النوافل أو بغيرهم مطلقا ؛ خلافا للدروس ففرّق بين الأول فالأول ، وغيره فالثاني (٢).

ولا أعرف لهما حجة يعتد بها ، سيّما في مقابلة الأدلة المتقدمة مطلقا.

( ولا ) يجوز أن ( يؤم القاعد القائم ) إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في الخلاف والسرائر والتذكرة وغيرها (٣) ، ويظهر أيضا من المنتهى (٤).

وللنبوية المشهورة المروية من طرق الخاصة والعامة : « لا يؤمّن أحد بعدي جالسا » (٥).

وإطلاقه وإن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله أيضا ، إلاّ أنه مقيد بما إذا أمّ قائما ، كما ذكر الأصحاب ، من غير خلاف يعرف بينهم ، وفي روض الجنان الإجماع عليه (٦) ؛ وهو الحجة عليه ، مضافا إلى الأصل والإطلاقات وخصوص ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات (٧) المعمول به بين الأصحاب.

قالوا : وكذا الكلام في جميع المراتب : لا يؤم الناقص الكامل ، فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع ، ويؤيده ـ بعد الأصل في العبادة ـ القوية : « لا يؤمّنّ‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٥٣.

(٢) الدروس ١ : ٢١٩.

(٣) الخلاف ١ : ٥٤٤ ، السرائر ١ : ٢٨١ ، التذكرة ١ : ١٧٧ ؛ وانظر المعتبر ٢ : ٤٣٦ ، والمفاتيح ١ : ١٦٠.

(٤) المنتهى ١ : ٣٧١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٩ ، الوسائل ٨ : ٣٤٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ١ وقد رواه البيهقي في سننه ٣ : ٨٠.

(٦) روض الجنان : ٣٦٤.

(٧) الوسائل ٤ : ٤٥٠ أبواب لباس المصلّي ب ٥١.

٢٤٨

المقيّد المطلقين ، ولا صاحب الفالج الأصحّاء » (١).

( ولا الأمي ) وهو هنا على ما ذكروه من غير خلاف يعرف بينهم : من لا يحسن قراءة الحمد والسورة أو أبعاضهما ولو حرفا أو تشديدا أو صفة ( القارئ ) الذي يحسن ذلك كلّه ، إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في الذكرى (٢).

واحتجّ عليه جماعة (٣) بالنبوي المشهور وغيره : « يؤمكم أقرؤكم » (٤) ولا يخلو عن نظر.

واحترز بالقارئ عن مثله ، فإنه يجوز بلا خلاف مع تساويهما في شخص المجهول أو نقصان المأموم ، وعجزهما عن التعلّم لضيق الوقت ، وعن الايتمام بقارئ أو أتم منهما.

وذكر جماعة (٥) أنه لو اختلفا فيه لم يجز وإن نقص قدر مجهول الإمام ، إلاّ أن يقتدي جاهل الأول بجاهل الآخر ثمَّ ينفرد عنه بعد تمام معلومه ، كاقتداء محسن السورة خاصة بجاهلها ، ولا يتعاكسان.

( ولا المؤوف اللسان ) كالألثغ بالمثلثة ، وهو الذي يبدّل حرفا بغيره مطلقا ، كما عن المبسوط وفي الروضة وغير هما (٦) ؛ أو الراء بالغين أو اللام والسين بالثاء ، كما عن الصحاح وفي المجمع (٧) ؛ أو الراء باللام خاصة ، كما‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١٠٨ ، الوسائل ٨ : ٣٤٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٢ ح ١.

(٢) الذكرى : ٢٦٨.

(٣) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٥٥٠ ، العلامة في المنتهى ١ : ٣٧١.

(٤) مسند أحمد ٣ : ١٦٣.

(٥) منهم : العلامة في نهاية الإحكام ٢ : ١٤٧ ، والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٩٠ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٥٠.

(٦) المبسوط ١ : ١٥٣ ، الروضة ١ : ٣٩١ ؛ وانظر نهاية الأحكام ٢ : ١٤٨.

(٧) الصحاح ٤ : ١٣٢٥ ، مجمع البحرين ٥ : ١٥.

٢٤٩

عن الفراء (١) ، وقيل فيه غير ذلك (٢).

والأليغ بالمثناة من تحت ، وهو الذي لا يبين الكلام.

والتمتام والفأفاء ، وهو الذي لا يحسن تأدية الحرفين على أحد التفسيرين.

( السليم ) لسانه عن ذلك كلّه ، بلا خلاف فيه كالسابق ؛ لإخلاله بالقراءة ، فتكون صلاته عنها خالية ، ولا صلاة إلاّ بفاتحة ، فكيف يضمن قراءة المأموم كما دلّت عليه المعتبرة؟! نعم قالوا : يجوز إمامته بمثله بالنهج الذي ذكر في سابقة.

والأكثر على إلحاق اللاحن في قراءته به مطلقا ؛ لما ذكرنا ، بناء على استلزام اللحن تغيير القرآن عمّا أنزل به.

خلافا للشيخ والحلّي (٣) فجوّزا إمامته للمتقن مطلقا ، كما عليه الأول ، وإذا لم يغيّر اللحن المعنى ، كما عليه الثاني. ولم أعرف مستندهما لا من نصّ ولا من غيره.

( ولا المرأة ذكرا ولا خنثى ) مشكلا لم يعرف ذكوريته عن أنوثيته.

ولا الخنثى مثله ؛ لجواز اختلافهما في الوصفين ، وكون الإمام هو الأنثى.

خلافا لابن حمزة فقال بالجواز هنا (٤) ، وهو نادر.

وهو في حق الأنثى كالرجل في حقها.

والأصل في أصل الحكم ـ المترتب عليه حكم الخنثى ـ بعد الإجماع‌

__________________

(١) نقله عنه في الذكرى : ٢٦٨.

(٢) انظر تهذيب اللغة للأزهري ٨ : ٩٢.

(٣) المبسوط ١ : ١٥٣ ، السرائر ١ : ٢٨١.

(٤) الوسيلة : ١٠٥.

٢٥٠

الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة وروض الجنان والذكرى وغيرها (١) ، النبوي المشهور : « لا تؤمّ المرأة رجلا » (٢).

ونحوه المرتضوي المروي عن الدعائم بزيادة : « ولا تؤمّ الخنثى الرجال ، ولا الأخرس المتكلّمين ، ولا المسافر المقيمين » (٣).

ويستفاد من فحوى العبارة جواز إمامة المرأة بمثلها ، وهو إجماع في النافلة التي يجوز الاجتماع فيها كالاستسقاء ونحوها ، على الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر (٤).

وأما في الفريضة فقولان ، أصحّهما نعم ، وفاقا للأكثر ، بل عليه عامة من تأخر ، وفي صريح الخلاف والتذكرة وظاهر المعتبر والمنتهى الإجماع عليه (٥) ؛ للمعتبرة المستفيضة ، وهي ما بين صريحة في ذلك وظاهرة.

فمن الأوّلة ، النبوي : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أمّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها وجعل لها مؤذّنا (٦).

والخاصي المروي في الفقيه : كيف تصلّي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهنّ رجل؟ قال : « يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة » قيل : ففي صلاة المكتوبة تؤمّ بعضهن بعضا؟ قال : « نعم » (٧).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٥٤٨ ، المعتبر ٢ : ٤٣٨ ، المنتهى ١ : ٣٧٣ ، التذكرة ١ : ١٧٧ ، روض الجنان : ٣٦٥ ، الذكرى : ٢٦٧ ؛ وانظر مفاتيح الشرائع ١ : ١٦٠.

(٢) سنن البيهقي ٣ : ٩٠.

(٣) دعائم الإسلام ١ : ١٥١ ، المستدرك ٦ : ٤٦٦ أبواب صلاة الجماعة ب ١٦ ح ٢.

(٤) انظر روض الجنان : ٣٦٧ ، والحدائق ١١ : ١٨٧.

(٥) الخلاف ١ : ٥٦٢ ، التذكرة ١ : ١٧٧ ، المعتبر ٢ : ٤٢٧ ، المنتهى ١ : ٣٦٨.

(٦) سنن البيهقي ٣ : ١٣٠.

(٧) الفقيه ١ : ١٠٣ / ٤٧٩ ، الوسائل ٣ : ١١٧ أبواب صلاة الجنازة ب ٢٥ ح ٢.

٢٥١

ومن الأخيرة ، الموثق (١) والمرسل (٢) القريب منه : عن المرأة تؤمّ النساء ،؟

قال : « نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن ».

وفي الصحيح : عن المرأة تؤمّ النساء ، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة؟ قال : « قدر ما تسمع » (٣).

ونحوه غيره لرواية مروي في قرب الإسناد عن كتابه بزيادة قوله : وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة والنافلة؟ قال : « لا ، إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء » (٤).

وفي هذه الزيادة تلويح ، بل دلالة على العموم للفريضة زيادة على ما في هذين الخبرين كسابقيهما ، من ترك الاستفصال المفيد للعموم في المقال ، سيّما مع كون الفريضة أظهر الأفراد فتدخل فيها حتما ولو كان دلالتها من باب الإطلاق ، فتأمل.

وقصور الأسانيد أو ضعفها ـ حيث كان ـ مجبور بعمل الأصحاب ، مضافا إلى الأصل والإطلاقات.

خلافا للمرتضى والجعفي والإسكافي (٥) فلا ؛ للصحاح : « تؤمّهنّ في النافلة ، وأما في المكتوبة فلا » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٤ ، الوسائل ٨ : ٣٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١١.

(٢) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ / ١٦٤٥ ، الوسائل ٨ : ٣٣٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٣ / ١٢٠١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ / ٧٦١ ، الوسائل ٨ : ٣٣٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ٧.

(٤) قرب الإسناد : ٢٢٣ / ٨٦٧ ، الوسائل ٦ : ٩٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ٣١ ح ٣.

(٥) حكاه عن السيد في السرائر ١ : ٢٨١ ، وعن الجعفي في الذكرى : ٢٦٥ ، وعن الإسكافي في المختلف : ١٥٤.

(٦) الوسائل ٨ : ٣٣٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٠ ح ١ ، ١٢.

٢٥٢

وأجيب عنها بالندرة في المعتبر والمنتهى (١) ، بل صرّح في الأخير بعدم قائل بها منّا ، مؤذنا بإجماعنا عليه كما قدّمنا. ولو سلّم عدم ندورها فهي غير مكافئة لما قدّمنا ؛ لاعتضاده بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع والإجماعات المنقولة دونها.

مع ظهورها في جواز الجماعة في النافلة مطلقا ، وهو غير مرضي عند أصحابنا كما قدّمنا ، إلاّ أن تقيّد بنافلة تجوز فيها ، لكن فيه صرف للمطلق إلى أندر أفراده ، فهي نادرة من هذا الوجه أيضا ، ولأجله يمكن حملها على التقية ، سيّما وأن ما فيها من التفصيل مذهب جماعة من العامة كما حكاه في المنتهى (٢) ، مع أن المنع مطلقا كما ربما ينسب إلى الجعفي والمرتضى مذهب أكثرهم (٣) وإن اختلفوا فيه كراهة وتحريما.

وعلى هذا فأخبارنا أبعد ممّا عليه أكثر هؤلاء ـ خذلهم الله ـ وأشهر بين أصحابنا ، فتكون بالترجيح أولى ، ولا بدّ من طرح ما خالفها وإن كان صحاحا ، أو حملها على التقية ، أو عدم تأكد الاستحباب كما في الذكرى (٤) ، لا على الكراهة ، لثبوت الاستحباب عندنا ، كما صرّح به في المنتهى (٥) ، مؤذنا بإجماعنا عليه ، كما صرّح به في الخلاف (٦) أيضا.

أو كون المراد من النافلة والمكتوبة الجماعة ، لا الصلاة كما فهمه الجماعة ، كما قيل (٧) ، ولا بأس به وإن بعد غايته ، جمعا بين الأدلة.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٢٧ ، المنتهى ١ : ٣٦٨.

(٢) المنتهى ١ : ٣٦٨.

(٣) نقله عنهم في الحدائق ١١ : ١٩٢ ؛ وانظر المغني والشرح الكبير ٢ : ٣٦.

(٤) الذكرى : ٢٦٥.

(٥) المنتهى ١ : ٣٦٨.

(٦) الخلاف ١ : ٥٦٢.

(٧) الحدائق ١١ : ١٨٩.

٢٥٣

ومن أراد تحقيق المسألة زيادة على ما هنا فعليه بمراجعة الشرح ، فقد أشبعنا الكلام فيها ثمة.

( و ) كلّ من ( صاحب المسجد ) وهو الإمام الراتب فيه ( و ) صاحب ( المنزل ، و) صاحب ( الإمارة ) من قبل العادل في إمارته مع اجتماع الشرائط المعتبرة في الإمامة ( أولى ) بها ( من غيره ) مطلقا ولو كان أفضل منهم ، عدا إمام الأصل مع حضوره ، فإنه أولى منهم ومن غيرهم مطلقا ، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده ، وبه صرّح الفاضل في المنتهى وغيره (١) في الجميع ، وكذا غيره مستفيضا (٢) ، إلاّ أنهم لم يتعرضوا لنقله في أولوية الإمام على غيره مطلقا ، ولكنهم قطعوا بها ، مشعرين بعدم الخلاف فيها أيضا ، بل كونه ضروريا.

والأصل في جميع ذلك بعده النصوص المستفيضة ، وهي فيما يتعلق بما عدا الأول مشهورة من طرق الخاصة (٣) والعامة (٤) ، وفيما يتعلق به الرضوي في موضعين منه : « وصاحب المسجد أحقّ بمسجده » (٥) ، ونحوه الصادقي المروي في الدعائم (٦).

وأظهر منهما النبوي المروي فيه : « وكلّ أهل مسجد أحقّ بالصلاة في مسجدهم إلاّ أن يكون أمير حضر فإنه أحقّ بالإمامة » (٧).

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٧٤ ؛ وانظر نهاية الإحكام ٢ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، والتذكرة ١ : ١٨٠.

(٢) كابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٠ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٤٣٨ ، الشهيد في الذكرى : ٢٧٠ ، الفيض الكاشاني في المفاتيح ١ : ١٦٤ ، صاحب الحدائق ١١ : ١٩٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٥٢ ، المستدرك ٦ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٢٤ ، ١٤٣ ، المستدرك ٦ : ٤٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ٥ ، ٤.

(٦) دعائم الإسلام ١ : ١٥٢ ، المستدرك ٦ : ٤٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ٢.

(٧) دعائم الإسلام ١ : ١٥٢ ، المستدرك ٦ : ٤٧٤ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ١.

٢٥٤

وفي إطلاقه تأييد لما ذكره الشهيدان (١) من رجحان صاحب الإمارة على صاحبيه حيث اجتمعوا ، إلاّ أن يحمل الأمير فيه على الأصلي كما هو الظاهر بحكم التبادر. وعليه فترجيحهما عليه لعلّه أولى كما صرّح به بعض أصحابنا (٢) ؛ لإطلاق النص والفتوى بأنهما في محلّهما أولى ؛ مع عدم معلومية شمول أولوية ذي الإمارة لنحو مفروضنا ، فتأمل جدا.

وذكر جماعة أن أولوية هذه الثلاثة سياسة أدبية ، لا فضيلة ذاتية ، فلو أذنوا لغيرهم انتفت الكراهة (٣) ، ونفى عنه الخلاف في المنتهى (٤).

قالوا : ولا يتوقف أولوية الراتب على حضوره ، بل ينتظر لو تأخر ويراجع إلى أن يضيق وقت الفضيلة فيسقط اعتباره.

مع أن المستفاد من جملة من النصوص خلافه ، منها : « إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدّموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام » قلت : فإن كان الإمام هو المؤذّن ، قال : « وإن كان فلا ينتظرونه ويقدّموا » (٥) وقريب منه آخر (٦) ، والنبوي (٧).

إلاّ أن تقيّد بصورة خوف فوت وقت الفضيلة ؛ جمعا بينها وبين إطلاق ما دلّ على الأولوية من الفتوى والرواية ، لكنه فرع الشاهد عليه وليس ، مع‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٠ ، الروضة ١ : ٣٩٣.

(٢) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٦.

(٣) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٦٦ ، والروضة ١ : ٣٩٣ ، وانظر الذكرى : ٢٧٠.

(٤) المنتهى ١ : ٣٧٤.

(٥) التهذيب ٣ : ٤٢ / ١٤٦ ، الوسائل ٨ : ٣٨٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٧ ، التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٩ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ١.

(٧) انظر صحيح مسلم ١ : ٣١٧ / ١٠٥.

٢٥٥

اختصاص الإطلاق بصورة حضور الإمام الراتب دون الغيبة بحكم التبادر.

وحكم في المنتهى بعدم الانتظار مطلقا ؛ معلّلا ـ بعد النصوص المشار إليها ـ بأن فيه تأخيرا للعبادة في أول وقتها ، وذلك شي‌ء رغب عنه (١) ، هذا.

ولعلّ ما ذكروه أحوط وأولى ؛ إذ ليس في النصوص مع قصور أسانيدها ما يدل على كون الإمام راتبا ، فتأمل جدّا.

ولا فرق في صاحب المنزل بين المالك للعين والمنفعة وغيره كالمستعير ، ولو اجتمعا قيل : فالمالك أولى (٢) ، وقيل : المستعير (٣) ، ولعلّه الأقوى.

ولو اجتمع مالك الأصل والمنفعة فالثاني أولى.

( وكذا الهاشمي ) يقدّم مع استجماعه الشرائط على غيره من عدا الثلاثة لا مطلقا ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة (٤).

وأولويته كذلك مشهورة بين الأصحاب على ما في المختلف (٥) ، أو متأخريهم خاصة كما في روض الجنان ، قال : وأكثر المتقدمين لم يذكروه (٦).

قال في الذكرى : ولم نره مذكورا في الأخبار إلاّ ما روي مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قدّموا قريشا ولا تقدّموهم » (٧) وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى ، نعم هو مشهور‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٣٨٣.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ١٥٥.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٢٥٢.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ١ : ١٥٤ ، والنهاية : ١١١ ، والمحقق في الشرائع ١ : ١٢٥ ، والعلامة في التحرير ١ : ٥٣.

(٥) المختلف : ١٥٦.

(٦) روض الجنان : ٣٦٥.

(٧) انظر الجامع الصغير ٢ : ٢٥٣ / ٦١٠٨ ، ٦١٠٩ ، ٦١١٠.

٢٥٦

في التقديم في صلاة الجنازة من غير رواية تدل عليه ، نعم فيه إكرام للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتبجيله ممّا لا خفاء بأولويته (١).

أقول : ومن بعض ما قدّمنا في بحث صلاة الجنازة يتضح وجه مناقشة في بعض ما ذكره.

( وإذا تشاحّ الأئمة ) فأراد كلّ تقديم الآخر أو تقدّم نفسه على وجه لا ينافي العدالة ( قدّم من يختاره المأموم ) مطلقا على ما ذكره جماعة ، قالوا : لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب (٢).

خلافا لكثير فلم يذكروه ، ولعلّه لإطلاق النص الآتي بالرجوع إلى المرجحات الآتية من غير ذكر لهذا فيه ولا إشارة ، مع قصور التعليل عن إفادة التقييد له ، سيّما وأنه لا يخلو عن إشكال ، كما نبّه عليه في الذخيرة (٣).

ومنه يظهر وجه النظر في ترجيح مختار أكثر المأمومين مع اختلافهم ثمَّ التراجيح الآتية ، كما عن التذكرة (٤) ، سيّما ( و ) قد أطلق أكثر الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في كلام جمع حدّ الاستفاضة ومنهم الذكرى (٥) ، بل ظاهره أنه مذهب الأصحاب عدا التذكرة : أنه ( لو اختلفوا ) أي المأمومون ( قدّم الأقرأ ) منهم أي الأجود قراءة كما ذكره جماعة (٦) ، أو الأكثر كما قيل (٧) ، ونسبه‌

__________________

(١) الذكرى : ٢٧٠.

(٢) كما في الذكرى : ٢٧٠ ، والمدارك ٤ : ٣٥٨.

(٣) الذخيرة : ٣٩١.

(٤) التذكرة ١ : ١٧٩.

(٥) الذكرى : ٢٧٠.

(٦) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٩١ ، والمسالك ١ : ٤٥ ، وصاحب المدارك ٤ : ٣٥٨.

(٧) الذخيرة : ٣٩١.

٢٥٧

في البيان إلى رواية (١) ، ولعلّها ما ورد في الأعمى أنه لا بأس بإمامته إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا (٢). وقيل فيه غير ذلك (٣).

فإن اتفقوا في القراءة جودة وكثرة ( فالأفقه ) في أحكام الصلاة ، فإن تساووا فيها فالأفقه في غيرها ، وفاقا لجماعة (٤) ، لإطلاق الرواية.

خلافا للذكرى فلم يعتبر الزيادة ؛ لخروجها عن كمال الصلاة (٥).

ويضعّف : بعدم انحصار المرجح فيها ، بل كثير منها كمال في نفسه ، وهذا منها ، مع شمول الرواية لها.

فإن تساووا في الفقه والقراءة ( فالأقدم هجرة ) من دار الحرب إلى دار الإسلام ، كما هو الظاهر من الرواية (٦) ، وصرّح به جماعة منهم الفاضل في التذكرة ، ولكن زاد : أو الأسبق إسلاما ، أو يكون من أولاد من تقدّمت هجرته (٧).

وفي الروضة بعد ذكر التفسير الأول : هذا هو الأصل ، وفي زماننا قيل : هو السبق إلى طلب العلم ، وقيل : إلى سكنى الأمصار ، مجازا عن الهجرة الحقيقة ، لأنها مظنة الاتصاف بالأخلاق الفاضلة والكمالات النفسية ، بخلاف القرى والبادية (٨).

__________________

(١) البيان : ٢٣٣.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٨ / ١١٠٩ ، الوسائل ٨ : ٣٣٨ أبواب صلاة الجماعة ب ٢١ ح ٣.

(٣) انظر روضة المتقين ( للمولى محمد تقي المجلسي ) ٢ : ٤٨٨.

(٤) منهم : الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٥ ، وروض الجنان : ٣٦٧ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٩١.

(٥) الذكرى : ٢٧٠.

(٦) الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٧) التذكرة ١ : ١٨٠.

(٨) الروضة ١ : ٣٩٢.

٢٥٨

فإن تساووا في ذلك ( فالأسنّ ) مطلقا ، كما هو المتبادر من الرواية ، أو في الإسلام خاصة كما في الدروس والذكرى (١).

فإن تساووا فيه ( فالأصبح وجها ).

كلّ ذلك للرضوي المصرّح بهذا الترتيب من أوله إلى آخره (٢). ونحوه النبوي فيما عدا الأخير فلم يذكر فيه (٣) ، وعليه جماعة (٤).

وفيه أخبار أخر مختلفة وأقوال متشتتة ، وكلّها متفقة على تقديم الأقرأ على الأفقه ، ونسبه في المنتهى إلى علمائنا (٥) ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، كما هو الظاهر ؛ لاتفاق كلمة الأصحاب والنصوص على ذلك ، إلاّ ما يحكى في التذكرة (٦) عن نادر منّا من المصير إلى عكس ذلك ، واختاره في المختلف (٧) ، وتبعه جمع من متأخري المتأخرين (٨) ؛ لأدلة قوية متينة من الاعتبار والكتاب والسنّة بسطناها في الشرح ، من أرادها فليطلبها ثمة ، إلاّ أنها لا تبلغ قوة المعارضة لما قدّمنا من اتفاق الفتوى والرواية بحيث يقطع بكونه إجماعا كما عرفت من المنتهى حكايته ، فتخصّص به تلك الأدلة.

__________________

(١) الدروس ١ : ٢١٩ ، الذكرى : ٢٧١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٤٣ ، المستدرك ٦ : ٤٧٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٥ ح ٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٦ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٣٥١ أبواب صلاة الجماعة ب ٢٨ ح ١.

(٤) منهم : العلامة في نهاية الإحكام ١ : ١١١ ، والشهيد في البيان : ٢٣٢ ، واللمعة ( الروضة ١ ) : ٣٩٢ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٩١.

(٥) المنتهى ١ : ٣٧٥.

(٦) التذكرة ١ : ١٨٠.

(٧) المختلف : ١٥٥.

(٨) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٣٥٩ ، والفيض في المفاتيح ١ : ١٦٤ ، وصاحب الحدائق ١١ : ٢٠٤.

٢٥٩

واعلم : أن هذا كلّه تقديم استحباب لا تقديم اشتراط وإيجاب ، فلو قدّم المفضول جاز بلا خلاف كما في التذكرة والمنتهى (١). والقول بالإيجاب كما عن ظاهر المبسوط والعماني وصريح الديلمي (٢) شاذ محجوج بالأصل والإطلاقات ، مع قصور سند ما دلّ على وجوب الترتيب من الروايات.

( ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين ) للصحيحين (٣) ، بل مطلق القراءة والأذكار التي يجوز الإجهار فيها ما لم يبلغ العلو المفرط ، كما في الصحيح : « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه شيئا ممّا يقول » (٤).

ويستفاد منه كراهة إسماع من خلفه له شيئا ، كما في أحد الصحيحين المتقدمين أيضا.

وفي الخبر : « لا تسمعنّ الإمام دعاءك خلفه » (٥).

( ولو أحدث ) الإمام ، أو عرض له ضرورة من نحو دخوله في الصلاة من غير طهارة نسيانا ، أو حصول رعاف مخرج له عنها ، أو انتهاء صلاته بأن كان مسافرا ( قدّم من ينوبه ) في الصلاة بهم.

( ولو ) لم يقدّم أو ( مات أو أغمي عليه قدّموا من يتمّ بهم ) الصلاة ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ١٨٠ ، المنتهى ١ : ٣٧٥.

(٢) المبسوط ١ : ١٥٧ ، ونقله عن العماني في الذكرى : ٢٦٩ ، الديلمي في المراسم : ٨٧.

(٣) الأول :

الكافي ٣ : ٣٣٧ / ٥ ، الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٩ ، التهذيب ٢ : ١٠٢ / ٣٨٤ ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ١.

الثاني :

التهذيب ٢ : ١٠٢ / ٣٨٢ ، الوسائل ٦ : ٤٠١ أبواب التشهد ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ أبواب صلاة الجماعة ب ٥٢ ح ٢.

٢٦٠