رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي

رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل - ج ٤

المؤلف:

السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-092-7
الصفحات: ٤٢٥

كما حكاه في السرائر رواية (١) ، ثمَّ الأيام الثلاثة ، ثمَّ صلاة يوم الإفاقة.

وللحمل على الاستحباب شواهد من النصوص ذكرناها في الشرح من أرادها فليراجعها ثمة.

واعلم : أنّ مقتضى إطلاق النصوص ـ كالعبارة ونحوها ـ عدم الفرق بين كون الإغماء بفعل المكلّف أم لا.

خلافا للشهيدين وغيرهما (٢) فقيدوه بالثاني ، وأوجبوا القضاء في الأوّل ، وعزاه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

ولعلّه لانصراف الإطلاقات ـ بحكم التبادر وغيره كالتعليل في جملة من الصحاح بأن ما غلب الله تعالى فهو أولى بالعذر ـ إليه ، دون الأوّل ، فيرجع فيه إلى عموم ما دلّ على قضاء الفوائت. وهو حسن إن سلّم العموم ، ولكنه كما عرفت سابقا ممنوع ؛ إذ هو حيث يصدق الفوت ، ولا يصدق هنا ، لعدم التكليف بالأداء حال الإغماء مطلقا إجماعا ، والأصل براءة الذمة ، وهو كاف في إثبات عدم وجوب القضاء الوارد في النصوص وإن لم تشمله هنا لما مضى. فالقول بعدم وجوب القضاء أقوى لو لم يكن وجوبه إجماعا كما يفهم من الذكرى ، بل وغيرها أيضا (٣).

( وفي ) وجوب ( قضاء الفائت لعدم ما يتطهر به ) من ماء وتراب وما في معناه ( تردّد ) قولان :

من عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت.

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٧٦.

(٢) الشهيد الأوّل في الذكرى : ١٣٥ ، الشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٥٥ ؛ وانظر جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٨ ، والسرائر ١ / ٢٧٦.

(٣) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢.

١٨١

وممّا قدّمناه من تبعية القضاء للأداء مفهوما وإن قلنا بعدم تبعيته له حكما كما هو الأقوى ، ولا أداء هنا على الأشهر الأقوى ، بل في روض الجنان وغيره (١) أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا.

وظاهر هما كونه إجماعا. ولعلّه كذلك وإن حكى الماتن في الشرائع قولا بأنه يصلّي ويعيد (٢) ؛ لندرته ، وعدم معروفية قائلة.

نعم ، حكى المرتضى في الناصرية عن جدّه وجوب الأداء دون القضاء (٣) ، وهو كسابقه نادر محجوج بعموم : « لا صلاة إلاّ بطهور » (٤) مع سلامته عن المعارض.

وحيث لم يثبت الأداء لم يثبت القضاء ؛ لما مضى. وهذا أقوى ، وفاقا للمحكي في المختلف عن المفيد في رسالته إلى ولده والفاضلين وغيرهما (٥).

خلافا للمرتضى في الناصرية والشيخ في المبسوط والحلّي فيما حكي عنهما والشهيدين وغيرهما (٦) فالأول.

وجعلته في الشرح أقوى ، بتخيّل صدق الفوت ، بدعوى ثبوت مطلوبية الأداء وإن لم يكن واجبا ، فإنّ عدم وجوبه بفوات شرط وجوده لا يستلزم عدم‌

__________________

(١) روض الجنان : ١٢٨ ؛ وانظر المدارك ٢ : ٢٤٢.

(٢) الشرائع ١ : ٤٩.

(٣) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٧ ، التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣٦٥ أبواب الوضوء ب ١ ح ١ ، ٦.

(٥) المختلف : ١٤٩ ، المحقق في الشرائع ١ : ١٢٠ ، العلامة في التذكرة ١ : ٨١ ، والقواعد ١ : ٢٣ ؛ وانظر جامع المقاصد ١ : ٤٨٦.

(٦) الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ١٩٠ ، المبسوط ١ : ٣١ ، الحلي في السرائر ١ : ١٣٨ ، الشهيدان في الذكرى : ٢٣ ، والروضة البهية ١ : ٣٥٠ ؛ وانظر المنتهى ١ : ١٤٣ ، والمدارك ٢ : ٢٤٣.

١٨٢

مطلوبيته ، بعد ثبوتها بعموم ما دلّ على مطلوبية الصلاة ومحبوبيتها ، وإلاّ لزم أن يكون الطهور شرطا لوجوبها لا لوجودها ، وهو باطل إجماعا.

وهو كما ترى ؛ لتوقف صحته بوجود عموم يدل على مطلوبية الصلاة الفريضة حين عدم وجوبها ، ولم نجد له أثرا ، عدا العمومات الآمرة بها في أوقاتها ، وهي كما تدل على مطلوبيتها كذا تدل على وجوبها ، فلا تكون من العموم المدّعى في شي‌ء أصلا.

وعموم : « الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر » (١) مخصوص بالنافلة كما يشهد به السياق ، ومع ذلك فيدل على مطلوبية الصلاة ، ولا تكون صلاة إلاّ بشرطها وشروطها ، وإلاّ ففعلها من دونها يكون مبغوضا فكيف يدّعى دلالته على كونها محبوبة حين عدم شرطها؟! وبالجملة : فإنّ انتفاء الشرط على هذا الوجه الذي فرضنا يستلزم انتفاء كون المشروط واجبا لا من حيث انتفائه من حيث هو هو حتى يلزم منه كون الطهور شرطا لوجوبها ، بل من حيث إنّ انتفاءه يستلزم انتفاء القدرة على المشروط ولو شرعا ، وهي شرط في الوجوب إجماعا ، ولذا اتّفق على عدم الوجوب هنا ، فانتفاؤها هنا يستلزم انتفاء وجوب المشروط بها إجماعا ، بل ومطلوبيته أيضا ، حيث لا يكون دليل عليها سوى ما دلّ على الوجوب أيضا كما هو مفروض المسألة على ما قدّمناه.

وحيث لم يجب المشروط الذي هو الأداء ولا يكون مطلوبا لم يصدق القضاء حقيقة فلا يجب أيضا.

ولكن ( أحوطه القضاء ) خروجا عن الشبهة فتوى ، بل ودليلا ، لصدق الفوت في نحو ما نحن فيه حقيقة لغة ، بل وعرفا ، لعدم صدق السلب فيه‌

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٣٢ / ١ ، الخصال : ٥٢٣ / ١٣ ، أمالي الطوسي : ٥٥١ ، الوسائل ٥ : ٢٤٧ أبواب أحكام المساجد ب ٤٢ ح ١.

١٨٣

ظاهرا ، فلا يقال لمن ترك الصلاة لفقد الطهورين : إنه ما فاتته ، كما لا يقال فيما لو تركها بنوم أو نسيان أو نحو هما ذلك ، بل يقال ويطلق الفوت عليه حقيقة ، كما وجد في الأخبار بالنسبة إلى النوم ونحوه كثيرا ، بحيث يستفاد كون الإطلاق على سبيل الحقيقة لا مجازا أو أعم.

وحينئذ فيتقوى شمول عموم ما دلّ على وجوب قضاء الفوائت لما نحن فيه أيضا ، سيّما وقد اشتهر بين الأصوليين أنه يكفى في صدق القضاء حقيقة حصول سبب وجوب الأداء ـ كدخول الوقت مثلا ـ وإن لم تجب فعلا ، ولعلّ وجهه ما ذكرنا.

وبموجب ذلك لا يبعد أن يكون القول بالوجوب أقوى كما اخترناه في الشرح ، لا لما ذكرناه ثمة فإنه غفلة ، بل لما ذكر هنا.

لكن يؤيد ما اخترناه هنا أوّلا ـ بعد الأصل ـ فحوى التعليل في النصوص الواردة في الإغماء بأن كلّ ما غلب الله تعالى فهو بالعذر أولى (١) ؛ لظهوره بل صراحته في أنّ سقوط القضاء في الإغماء موجب عن عدم القدرة على الأداء ، وهو حاصل هنا كما قدّمناه. وخروج نحو النائم غير ضائر ؛ لأن العام المخصّص حجة في الباقي كما مرّ مرارا.

( وتترتب الفوائت ) بعضها على بعض ( كالحواضر ) بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في جملة من العبائر كالخلاف والمعتبر والمنتهى والتنقيح (٢) ؛ لعموم النبوي : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » (٣).

ونحوه الصحيح الآتي في مسألة أن الاعتبار في القضاء بحال الفوات في‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٣.

(٢) الخلاف ١ : ٣٨٢ ، المعتبر ٢ : ٤٠٦ ، المنتهى ١ : ٤٢١ ، التنقيح ١ : ٢٦٧.

(٣) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤ / ١٤٣.

١٨٤

كل من القصر والإتمام (١).

وضعف سند الأول مجبور بالعمل. والدلالة واضحة ؛ لأن الأصل في التشبيه حيث لم يظهر وجه الشبه ولو بتبادر أو غلبة أو شيوع ونحوها ـ كما فيما نحن فيه ـ المشاركة في جميع وجوه الشبه ، كما حقّق في الأصول مستقصى ، ومنها الترتيب هنا.

وورود الصحيح في مورد خاص غير ضائر بعد عموم الجواب وعدم القائل بالفرق بين الأصحاب.

وللصحيح : « إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك [ قضاء ] صلوات فابدأ بأولاهنّ ، فأذّن وأقم لها ثمَّ صلّها ، ثمَّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (٢) وقريب منه آخر (٣).

والأمر للوجوب وإن كان في أخبار الأئمة عليهم‌السلام كما قرّر في الأصول ، سيّما بعد اعتضاده بفتوى المشهور والإجماع المنقول.

وبهما يذبّ عن المناقشات التي تورد على النصوص على تقدير تسليم الورود ، مع أنّ بعضها مردود من غير جهتيهما أيضا كما بيّنته هنا ، وأمّا باقي المناقشات الأخر فقد أوردناها في الشرح مستوفى.

وإطلاق العبارة والنصوص يقتضي عدم الفرق في وجوب الترتيب بين العلم به والجهل. وهو في الأول ـ كما عرفت ـ لا ريب فيه وإن حكى في الذكرى القول بالاستحباب عن بعض الأصحاب (٤) ، لكنه شاذّ وإن مال إليه‌

__________________

(١) انظر ص ١٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٨ : ٢٥٤ أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٤ ، ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٩ / ٣٤٢ ، الوسائل ٨ : ٢٥٤ أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٣.

(٤) الذكرى : ١٣٦.

١٨٥

بعض متأخري متأخري الأصحاب (١).

وأما في الثاني فهو محل خلاف. والأكثر على العدم ؛ لعدم ظهور تبادره من الإطلاق ، بل ظهور عدمه ، كما صرّح به جملة من الأصحاب (٢) ؛ فيدفع وجوب التكرار المحصّل له بالأصل وامتناع التكليف بالمحال والحرج اللازمين لكثير من صور وجوبه ، ولا قائل بالفرق ، كما صرّح به جملة من الأصحاب (٣) ، وهذا القول أنسب بالملة السهلة ، سيّما وأنه اشتهر بين الطائفة.

وآخرون على وجوبه إما مطلقا كما هو خيرة الفاضل في الإرشاد وغيره (٤) ، أو مع ظنه أو وهمه كما في الدروس (٥) ، أو مع ظنه خاصة كما في الذكرى (٦) ، ولا ريب أن هذا القول أحوط وأولى.

وعليه فيصلّي من فاته الظهران من يومين ظهرا بين عصرين أو بالعكس ، لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كل واحدة ، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب وبعدها ، أو عشاء معها فعل السبع قبلها وبعدها ، أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها وبعدها ، وهكذا.

والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات ، وهي اثنان في الأول ، وستّ في الثاني ، وأربعة وعشرون في الثالث ، ومائة وعشرون في الرابع ، حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا في عدد الفرائض المطلوبة. ولو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبعمائة وعشرين ،

__________________

(١) كصاحب الذخيرة : ٣٨٥.

(٢) منهم : صاحب المدارك ٤ : ٢٩٦.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٤٥ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ٣٨٥.

والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ٢٣٣.

(٤) الإرشاد ١ : ٢٧١ ، التذكرة ١ : ٨٢.

(٥) الدروس ١ : ١٤٥.

(٦) الذكرى : ١٣٦.

١٨٦

فتأمل (١). وصحته على الأول (٢) من ثلاث وستين فريضة ، وهكذا.

ويمكن صحتها من دون ذلك بأن يصلّي الفرائض جمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها بواحدة ثمَّ يختمه بما بدأ به منها ، فتصح فيما عدا الأولين من ثلاث عشرة في الثالث ، وإحدى وعشرين في الرابع ، وإحدى وثلاثين في الخامس ، ويمكن فيه بخمسة أيام ولاء والختم بالفريضة الزائدة.

( و ) تترتب ( الفائتة ) الواحدة مطلقا ( على الحاضرة ) وجوبا أيضا ما لم يتضيق وقتها فتقدم إجماعا فيه.

وأما الأول فهو الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة قدماء أصحابنا إلاّ الصدوقين (٣) ، وهما نادران ، بل على خلافهما ووجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة وقتها مطلقا إجماع أصحابنا ، كما حكاه جماعة مستفيضا ، كالشيخ في الخلاف ، والمفيد في بعض رسائله ، والحلّي في السرائر في بحث مواقيت الصلاة ، وابن زهرة في الغنية على ما حكاه عنه في الذخيرة (٤).

وهو ظاهر المرتضى في بعض مسائله ، حيث إنه بعد أن سأله السائل عن حكم المسألة وما يتفرع عليه قاطعا بالإجماع عليه قائلا : إذا كان إجماعنا مستقرا بوجوب تقديم الفائت من فرائض الصلوات على الحاضر منها إلى أن‌

__________________

(١) وجهه ما قيل من أنّ الظاهر أن الاحتمالات في هذه الصورة لا تزيد على ثلاثمائة وستين ، لأنّ السادسة إحدى الخمس وترتيبها على مثلها لا تزيد احتمالا. وتوضيحه : أنّ الفائت إذا كان ظهرين وعصرا فالاحتمالات لا تزيد على ثلاثة ، فإذا أضيف إليها مغرب صارت اثنتي عشرة حاصلة من ضرب عدد الأربع في الثلاثة ، وبإضافة العشاء إليها تصير الاحتمالات ستين. منه رحمه الله.

(٢) أي صحة هذا الفرض الأخير على هذا الضابط الذي هو أول بالنسبة إلى الضابط الآتي.

(٣) نقله عن والد الصدوق في المختلف : ١٤٤ ، الصدوق في المقنع : ٣٣.

(٤) الخلاف ١ : ٣٨٣ ، السرائر ١ : ٢٠٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٢ ، الذخيرة : ٢١١.

١٨٧

يبقى [ من ] (١) وقته مقدار فعله ، فما القول فيمن صلّى حاضرا؟. إلى آخر ما سأل (٢) ، لم ينبهه رحمه‌الله بفساد قطعه وعدم الإجماع ، بل أقرّه على ذلك وأجابه بما أجاب.

وناهيك هذه الإجماعات في إثبات حكم المسألة ، سيّما بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة بين قدماء الطائفة ، بل مطلقا كما صرّح به جماعة (٣).

وظاهر إطلاقاتها عدم الفرق بين الفائتة الواحدة والمتعددة ، ليومه أم لا ، كما هو مقتضى إطلاق أكثر الأدلة على وجوب تقديم الفائتة كتابا وسنّة ، قال سبحانه( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) (٤) وهو في الفائتة كما في الذكرى وغيرها (٥).

ودلّت عليه جملة من المعتبرة ، منها الصحيح : « من نسي شيئا من الصلوات فليصلّ إذا ذكرها ، فإنّ الله عزّ وجل يقول( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » (٦).

وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في العموم ، كالنبوي : « لا صلاة لمن عليه صلاة » (٧).

والصحيح : عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها ، فقال : « يقضيها إذا ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت ، وهذه أحق بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوع بركعة‌

__________________

(١) في النسخ : إلى ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) المسائل الرسية الاولى ( رسائل الشريف المرتضى ٢ ) : ٣٦٣.

(٣) منهم : الشهيد الثاني في الروض : ١٨٨ ، والصيمري في كشف الالتباس على ما حكاه عنه في مفتاح الكرامة ٣ : ٣٩١.

(٤) طه : ١٤.

(٥) الذكرى : ١٣٢ ؛ وانظر المدارك ٤ : ٣٠٠ ، والحدائق ٦ : ٣٣٨.

(٦) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٧) الرسالة السهوية للشيخ المفيد : ١١ ، المستدرك ٣ : ١٦٠ أبواب المواقيت ب ٤٦ ح ٢.

١٨٨

حتى تقضى الفريضة كلّها » (١) وهذا صريح في العموم.

وأصرح منه الصحيح الآخر الطويل المشهور ، فإنّ في آخره : « وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثمَّ بالعشاء ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثمَّ بالغداة ثمَّ صلِّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمَّ صلّ المغرب والعشاء ، ابدأ باولاهما لأنهما جميعا قضاء ، فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس » ، قال : قلت : لم ذلك؟ قال : « لأنك لست تخاف فوتها » (٢).

وقريب منها إطلاق كثير من النصوص المستفيضة المنجبر ضعفها ـ كبعض ما سبقها ـ بالشهرة والإجماعات المستفيضة والاحتياط للعبادة.

فقول الماتن بوجوب تقديم الواحدة دون المتعددة ، لقوله ( وفي وجوب ترتب الفوائت ) المتعددة ( على الحاضرة تردّد ) يظهر وجهه ممّا مرّ وسيأتي ( أشبهه الاستحباب ) لا وجه له ، عدا ما في المدارك (٣) حيث تبعه من الاستناد في الأول إلى الصحيح : عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلّى العصر ، فقال : « إذا كان أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوت المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب أوّلا ثمَّ صلاّها » (٤) ونحوه صحيح آخر (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٣ ، التهذيب ٣ : ١٥٩ / ٣٤١ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٦ ، الوسائل ٨ : ٢٥٦ أبواب قضاء الصلوات ب ٢ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩١ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٣) المدارك ٤ : ٢٩٩.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٣ / ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ / ١٠٧٣ ، الوسائل ٤ : ٢٨٩ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٧.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٦٨ / ١٠٦٩ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٨.

١٨٩

وفي الثاني إلى الصحيح : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة ، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل طلوع الشمس » (١).

ونحوه الخبر بزيادة : « فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » (٢).

وللصحيح : عن الرجل تفوته صلاة النهار ، قال : « يصلّيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » (٣).

قال : ويؤيده الأخبار المتضمنة لاستحباب الأذان والإقامة في قضاء الفوائت (٤) ، والروايات المتضمنة لجواز النافلة ممن عليه فريضة ، كالصحيح : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رقد ، فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس ، ثمَّ استيقظ فركع ركعتين ثمَّ صلّى الصبح ، فقال : يا بلال ما لك؟

قال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله ، قال : وكره المقام وقال : نمتم بوادي الشيطان » (٥).

قال : والظاهر أنّ الركعتين اللتين صلاّهما أوّلا ركعتا الفجر كما في‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٦ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٣ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٠ / ١٠٧٧ ، الاستبصار ١ : ٢٨٨ / ١٠٥٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٨ أبواب المواقيت ب ٦٢ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٢ / ٧ ، التهذيب ٢ : ١٦٣ / ٦٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٤١ أبواب المواقيت ب ٣٩ ح ٦.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٧٠ أبواب قضاء الصلوات ب ٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٦٥ / ١٠٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ / ١٠٤٩ ، الوسائل ٤ : ٢٨٣ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ١.

١٩٠

الصحيح (١).

وهو كما ترى : فإنّ الصحيح الأول نقول بمضمونه.

والثاني معارض بمثله بل وأمثاله ممّا مضى ، فهي أرجح منه بمراتب شتّى ، ومنها تضمنه ـ كالخبر بعده مع ضعف سنده ـ ما هو مذهب العامة من توقيت العشاءين إلى الفجر (٢) ، والمنع عن الصلاة بعد طلوع الشمس إلى أن يذهب شعاعها كما في بحث المواقيت قد مضى ، فتكون بالترجيح أولى وإن تضمّن بعضها الأخير وغيره ممّا لا قائل به ، وهو العدول عن الحاضرة إلى الفائتة بعد الفراغ منها معلّلا بأنها أربع مكان أربع ، لانجباره بالشهرة والإجماعات المستفيضة والاحتياط.

ولا كذلك هذه الصحيحة وما في معناها ؛ لعدم جابر لها مطلقا ، عدا الأصل المعارض بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادات ، والإطلاقات كتابا وسنّة بتوسعة أوقات الصلوات الخمس اليومية ، وهي عامة ، وما ذكرناه من الأدلة خاصة ، فلتكن عليها مقدمة ، مع أنّ في شمولها لنحو المسألة مناقشة لا يخفى وجهها ؛ مع أنّ ظاهر الأمر فيهما الوجوب كما هو ظاهر الصدوقين (٣) ، وأقلّه الاستحباب كما يعزى إليهما (٤) ، ولا يقول به الماتن ومن تبعه.

وبنحوه يجاب عن الصحيحة بعدهما ؛ لتضمنها التخيير الظاهر في تساوي الفردين المخيّر بينهما إباحة ورجحانا ، ولا يقولان به أيضا.

مضافا إلى أنّ صلاة النهار فيها مطلقة تشمل النافلة والفريضة الواحدة والمتعددة ، وتخصيصها بأحد هذه الأفراد جمعا بين الأدلة وإن أمكن ، إلاّ أنه‌

__________________

(١) الذكرى : ١٣٤ ، الوسائل ٤ : ٢٨٥ أبواب المواقيت ب ٦١ ح ٦.

(٢) المغني لابن قدامة ١ : ٤٢٧.

(٣) راجع ص ١٨٧.

(٤) نقله عنهما في المعتبر ٢ : ٤٠٥ ، والذكرى : ١٣٢.

١٩١

يمكن حملها على التقية أو النافلة إن جوّزناها في وقت الفريضة ، والترجيح لهذا ، لما مضى.

مع أنّ إطلاقها معارض بالإطلاقات المتقدمة كتابا وسنة ، وهي أرجح من هذا بمراتب عديدة كما عرفت.

وأما المؤيدات فهي بمكان من الضعف :

أمّا الأول منها وهو استحباب الأذان والإقامة : فلكونهما من توابع الصلاة ومستحباتها ، فيكون التأخير بمقدار هما خارجا عن محل نزاعنا ، سيّما مع كونه إجماعيا ، ولذا يقول به الماتن (١) ونحوه ممّن جعل تقديم الفائتة أولى ، وإلاّ لتناقض حكمهم هذا وتصريحهم باستحبابهما للفائتة أيضا.

وأما الثاني فهو حسن إن قلنا به ، وإلاّ ـ كما هو الأشهر الأقوى ـ فلا تأييد فيه أصلا ، بل ينبغي حمل الأخبار الدالة عليه على التقية قطعا سيّما مع تضمن بعضها ما لا يقول به أصحابنا ، هذا.

ولو صحّ هذا المؤيد للزم صحة القول بالمواسعة مطلقا حتى في الواحدة ، لجريانه فيها أيضا. بل الصحيحة المتقدمة منها صريحة في فعل النافلة قبل الفائتة الواحدة ، وهو ينافي التضييق الذي قالا به فيها ، فتأمل جدّا.

وممّا ذكرناه يظهر ما في القول بالمواسعة مطلقا مع رجحان تقديم الحاضرة وجوبا كما هو ظاهر الصدوقين ، أو استحبابا كما عزي إليهما ، أو بالعكس مطلقا كما هو خيرة الشهيدين وغيرهما (٢) ، أو في غير يوم الفوات وأما فيه فالوجوب كما عليه العلامة (٣).

ويضعّف هذا ـ زيادة على ما مضى ـ عدم شاهد عليه أصلا مع مخالفته‌

__________________

(١) كما في المعتبر ٢ : ١٣٥.

(٢) الشهيد الأول في الروضة ١ : ٣٦٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٤٣.

(٣) في المختلف : ١٤٤.

١٩٢

كمختار الماتن لإجماع القدماء ، بل والمتأخرين أيضا.

وأما ما يورد على أدلة المختار من المناقشات فقد استوفينا الكلام فيها وفي جملة ما يتعلق بالمسألة في الشرح بما لا مزيد عليه ، من أراد التحقيق فيها كما هو فعليه بمراجعته ثمة.

واعلم : أنّ في صحة الحاضرة لو قدّمت على الفائتة حيث يجب تقديمها قولان ، أكثر القدماء المحكي لنا كلامهم على العدم ، ومنهم المرتضى رحمه‌الله والحلّي (١) ، وزادا فمنعا من أكل ما يفضل ممّا يمسك الرمق ومن نوم يزيد على ما يحفظ الحياة ، ومن الاشتغال بجميع المباحات والمندوبات والواجبات الموسّعة قبل القضاء.

وهو حسن إن قلنا بإفادة الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وإلاّ كما هو الأقوى وعليه أكثر متأخري أصحابنا فلا.

نعم ، يشكل الحكم بصحة الضد لو كان عبادة ؛ إذا المقتضي لصحتها ليس إلاّ الأمر ، وهو لا يجامع الأمر بالقضاء المضيّق الثابت قطعا ، لتضادّهما ، وإذا انتفى لم يكن لصحة العبادة معنى ، لفقد مقتضيها ؛ مضافا إلى ظاهر النبوي المتقدم : « لا صلاة لمن عليه صلاة ».

فما ذكروه من بطلان الحاضرة لعلّه أقوى ، كما عليه الماتن في الشرائع (٢) ، وهنا أيضا ، لقوله ( ولو قدّم الحاضرة ) على الفائتة ( مع سعة وقتها ) حال كونه ( ذاكرا ) للفائتة ( أعاد ) الحاضرة بعد أداء الفائتة ، ويظهر من المدارك عدم الخلاف فيه على القول بوجوب تقديم الفائتة حيث فرّعه عليه ، قال : وإلاّ فلا إعادة (٣).

__________________

(١) المسائل الرسية ( رسائل الشريف المرتضى ٢ ) : ٣٦٤ ، الحلّي في السرائر ١ : ٢٧٢.

(٢) الشرائع ١ : ١٢١.

(٣) المدارك ٤ : ٣٠٤.

١٩٣

( ولا يعيد ) ها ( لو سها ) عن الفائتة قولا واحدا ؛ للصحيح الآتي قريبا.

( ويعدل عن الحاضرة إلى الفائتة لو ذكر ) ها ( بعد التلبس ) بالحاضرة ؛ للصحيح :

« إن نسيت الظهر حتى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى فإنما هي أربع ، وإن ذكرت أنك لم تصلّ الاولى وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى وصلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر ، وإن كنت ذكرت أنك لم تصلّ العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صلّيت المغرب فصلّ العصر ، وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمَّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمَّ قم فأتمها بركعتين ثمَّ سلّم ثمَّ صلّ المغرب ، وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمَّ سلّم ثمَّ قم فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمَّ قم فصلّ الغداة » الحديث (١).

ولا خلاف فيه أيضا إلاّ من القائلين بالمواسعة فاستحبوا العدول ولم يوجبوه ، وظاهر الأمر يردّهم.

وإنما يعدل إلى الفائتة مع الإمكان ، وهو حيث لا يتحقق زيادة ركوع على عدد السابقة.

وظاهر الصحيحة جواز العدول مع الفراغ من الفريضة ، ولا قائل به أجده ، وحملها الشيخ في الخلاف على أن المراد بالفراغ ما قاربه (٢). ولا بأس‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٩١ / ١ ، التهذيب ٣ : ١٥٨ / ٣٤٠ ، الوسائل ٤ : ٢٩٠ أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

(٢) الخلاف ١ : ٣٨٦.

١٩٤

به ؛ حذرا من مخالفة الإجماع ، وعملا بما دلّ على أن الصلاة على ما افتتحت عليه (١) ، خرج ما خرج بالنص والإجماع ، وبقي الباقي.

( و ) منه يظهر أنه ( لو ) سها ف ( تلبّس بنافلة ثمَّ ذكر ) أن عليه ( فريضة ) فائتة أو حاضرة ( أبطلها ) أي النافلة ( واستأنف الفريضة ) ولم يجز له العدول.

وأما وجوب الإبطال فمبني على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة ، كما هو الأشهر الأقوى ، وقد مضى في بحث المواقيت مفصّلا ، ويأتي على القول الآخر عدم الوجوب ، لكن في جواز الإبطال حينئذ وعدمه وجهان مبنيان على جواز إبطال النافلة اختيارا أم لا ، وقد تقدّم الكلام في هذا أيضا مستوفى.

( و ) يجب أن ( يقضي ما فات سفرا قصرا ) مطلقا ( ولو كان ) حال القضاء ( حاضرا ، و ) يقضي ( ما فات حضرا تماما ولو كان مسافرا ) فإن العبرة هنا بحال الفوات لا الأداء ؛ إجماعا ، وللمعتبرة المستفيضة ، ففي الصحيح : « يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » (٢).

ولو اختلف الفرض في أول الوقت وآخره ، بأن كان حاضرا ثمَّ سافر ، أو مسافرا فحضر وفاتته الصلاة ، ففي اعتبار حال الوجوب أو الفوات قولان ، أظهر هما ـ وعليه الأكثر ـ الثاني ، وسيأتي البحث فيه في صلاة المسافر إن شاء الله تعالى.

وكما أن الاعتبار في القصر والإتمام بحال الفوات كذلك الاعتبار بحاله‌

__________________

(١) انظر عوالي اللئالي ١ : ٢٠٥ / ٣٤.

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٥ / ٧ ، التهذيب ٣ : ١٦٢ / ٣٥٠ ، الوسائل ٨ : ٢٦٨ أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

١٩٥

في كل من الجهر والإخفات ، فيقضي الجهرية جاهرا فيها ولو نهارا ، والإخفاتية مخفتا فيها ولو ليلا ؛ كلّ ذلك لعموم التشبيه المتقدم والإجماع المحكي في الخلاف (١).

والاعتبار في الكيفية بحال الفعل لا حال الفوت ، فيقضي ما فاته وهو قادر على القيام فيه بأيّ نحو قدر ولو قاعدا أو مضطجعا أو مستلقيا ، وبالعكس ، والوجه فيهما واضح كما بيّنته في الشرح.

( ويقضي المرتد ) مطلقا إذا أسلم كلّ ما فاتته ( زمان ردّته ) إجماعا ؛ لعموم وجوب قضاء الفوائت ، مع سلامته عن المعارض ، عدا حديث جبّ الإسلام (٢). وهو لإطلاقه وعدم عمومه لغة غير معلوم الشمول لنحو المقام ؛ لعدم تبادره منه إلى الأذهان.

( ومن فاتته فريضة ) حضرا ( من يوم ولم يعلمها ) بعينها ( صلّى اثنتين وثلاثا ) معيّنتين للصبح والمغرب ( وأربعا ) مطلقة بين الرباعيات الثلاث ، ناويا بها عمّا في ذمته ، على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة متأخري أصحابنا ، وفي الخلاف والسرائر (٣) الإجماع عليه.

للخبرين (٤) المروي أحدهما في المحاسن عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، وفيه : عن رجل نسي صلاة من الصلوات لا يدري أيّتها هي ، قال : « يصلّي ثلاثا وأربعا وركعتين ، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٨٧.

(٢) عوالي اللئالي ٢ : ٢٢٤ / ٣٨ ، مسند أحمد ٤ : ١٩٩.

(٣) الخلاف ١ : ٣٠٩ ، السرائر ١ : ٢٧٤.

(٤) الأول :

المحاسن : ٣٢٥ / ٦٨ ، الوسائل ٨ : ٢٧٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ٢.

الثاني :

التهذيب ٢ : ١٩٧ / ٧٧٤ ، الوسائل ٨ : ٢٧٥ أبواب قضاء الصلوات ب ١١ ح ١.

١٩٦

أربعا ، وإن كانت المغرب والغداة فقد صلّى » وإرسالهما مجبور بالفتاوي.

خلافا للحلبي وابن حمزة (١) ، فأوجبا قضاء الخمس ؛ تحصيلا لنية التعيين الواجبة إجماعا مع الإمكان كما هنا ، وللجهر والإخفات أن أوجبناهما ، كما هو الأقوى. وهو متين لو لا ما قدّمناه من الخبرين المنجبرين بما قدّمنا.

وعلى المختار يتخير بين الجهر والإخفات ؛ لاستحالة التكليف بهما ؛ وعدم إمكان الجمع بينهما ، وحيث لا ترجيح ثبت التخيير بينهما.

وكذا بين تقديم أيتها شاء مطلقا.

ولو كان في وقت العشاء ردّد بين الأداء والقضاء إن أوجبنا نيتهما أو احتيط بها ، وإلاّ فلا احتياج إليها وكفى قصد القربة مطلقا.

ويستفاد من فحوى الرواية انسحاب الحكم فيما لو فاتته سفرا ، وعليه جماعة (٢) ، فيصلّي مغربا وثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع كما سبق.

خلافا للحلي فأوجب هنا قضاء الخمس (٣). وهو أحوط ؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص المنجبر بالعمل. وظهور الرواية في العموم مسلّم لكن لم يظهر لها في محل البحث جابر ؛ لاختصاص الشهرة الجابرة بغيره ، اللهم إلاّ أن تجبر بالاعتبار وفتوى هؤلاء الجماعة ، ولا يخلو عن قوة.

( ولو فاته ) من الفرائض ( ما لم يحصه ) عددا ( قضى حتى يغلب ) على ظنه ( الوفاء ) على المشهور ، بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك (٤) ، مشعرا بالإجماع. فإن تمَّ وإلاّ كان الرجوع إلى الأصول لازما ،

__________________

(١) الحلبي في الكافي : ١٥٠ ، لم يعثر عليه في الوسيلة ، قال في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٠٤ : وفي الرياض نقل وجوب قضاء الخمس عن ابن حمزة ولم أجده في الوسيلة.

(٢) منهم : العلامة في القواعد ١ : ٤٥ ، والشهيد الأول في الدروس ١ : ١٤٦ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٣٥٨.

(٣) انظر السرائر ١ : ٢٧٤.

(٤) المدارك ٤ : ٣٠٦.

١٩٧

ومقتضاها القضاء حتى يحصل العلم بالوفاء ، تحصيلا للبراءة اليقينية عمّا تيقن ثبوته في الذمة مجملا ، وبه أفتى شيخنا في روض الجنان في بعض الصور ، وفاقا للذكرى (١).

خلافا لسبطه في المدارك ، فاستوجه الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة مطلقا ، وفاقا لمحتمل التذكرة (٢) ، قال : لأصالة البراءة من التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات (٣).

ويؤيده الحسن : « متى ما استيقنت أو شككت في وقت صلاة أنك لم تصلّها صلّيتها ، وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوات فقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شي‌ء حتى تستيقن ، وإن استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال » (٤).

وفيه نظر ؛ لابتناء الأول على عدم حجية الاستصحاب ، وهو خلاف الصواب.

والمتبادر من الثاني هو الشك في ثبوت أصل القضاء في الذمة وعدمه ، ونحن نقول بحكمه الذي فيه ، ولكنه غير ما نحن فيه ، وهو الشك في مقدار القضاء بعد القطع بثبوت أصله في الذمة واشتغالها به مجملا ، والفرق بينهما واضح لا يخفى.

( ويستحب قضاء النوافل الموقتة ) استحبابا مؤكدا ؛ بإجماعنا المصرّح به في الخلاف وروض الجنان والمنتهى وغيرها (٥) ؛ وللصحاح وغيرها ، منها : « إنّ‌

__________________

(١) روض الجنان : ٣٥٩ ، الذكرى : ١٣٧.

(٢) التذكرة ١ : ٨٣.

(٣) المدارك ٤ : ٣٠٧.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٤ / ١٠ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ / ١٠٩٨ ، الوسائل ٤ : ٢٨٢ أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

(٥) الخلاف ١ : ٤٢٥ ، روض الجنان : ٣٦١ ، المنتهى ١ : ٤٢٣ ؛ وانظر التذكرة ١ : ٨٣.

١٩٨

العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الرب ملائكته منه ويقول : يا ملائكتي ، عبدي يقضي ما لم افترض عليه » (١).

ومنها : عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها ، كيف يصنع؟ قال : « فليصلّ حتى لا يدري كم صلّى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك » ، ثمَّ قال : قلت له : فإنه لا يقدر على القضاء ، فقال : « إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلاّ لقي الله تعالى وهو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، قال : قلت : فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق ، فسكت مليا ثمَّ قال : « فليتصدق بصدقة » ، قلت : فما يتصدّق؟ قال : « بقدر طوله ، وأدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كل صلاة » ، قلت : وكم الصلاة التي يجب فيها مدّ لكل مسكين؟ قال : « لكلّ ركعتين من صلاة الليل ولكل ركعتين من صلاة النهار مدّ » ، قلت : لا يقدر ، فقال : « مدّ إذا لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار » (٢) قلت : لا يقال ، قال : « فمدّ إذا لصلاة الليل ومدّ لصلاة النهار ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل » (٣).

( ولو فات بمرض لم يتأكد القضاء ) للصحيح : « ليس عليك قضاء ، إنّ المريض ليس كالصحيح ، كلّ ما غلب الله تعالى فهو أولى بالعذر فيه » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٨٨ / ٨ ، التهذيب ٢ : ١٦٤ / ٦٤٦ ، الوسائل ٤ : ٧٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ١ ، في النسخ : فيعجب الرب وملائكته منه.

(٢) جملة من صلاة النهار ، ليست في الكافي. وفي الوسائل زيادة « مدّ لكل أربع ركعات من صلاة الليل ».

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٣ / ١٣ ، الفقيه ١ : ٣٥٩ / ١٥٧٧ ، التهذيب ٢ : ١١ / ٢٥ ، المحاسن : ٣١٥ / ٣٣ ، الوسائل ٤ : ٧٥ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٨ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٥١ / ٤ ، الفقيه ١ : ٣١٦ / ١٤٣٤ ، التهذيب ٢ : ١٩٩ / ٧٧٩ ، الوسائل ٤ : ٨٠ أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٠ ح ٢.

١٩٩

ويستفاد من التعليل عموم الحكم لكل معذور من غير اختصاص بالمريض ، ولا بأس به وإن لم أجد من الأصحاب مصرّحا به.

( وتستحب الصدقة ) مع العجز عن القضاء ( عن كل ركعتين بمدّ ، فإن لم يتمكن فعن كل يوم بمدّ ) للصحيح المتقدم ، إلاّ أنه غير منطبق على ما في العبارة ونحوها ، والعمل عليه أحوط وأولى.

٢٠٠