اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

أحدهما : أن يكون حالا على أن الرزق بمعنى المرزوق كالطّحن والرّعي.

والثاني : أن يكون مصدرا منصوبا على المفعول من أجله ، وفيه شروط النصب موجودة.

وأجاز أبو البقاء (١) أن يكون «من الثمرات» حالا من «رزقا» ؛ لإنه لو تأخّر لكان نعتا ، فعلى هذا يتعلّق بمحذوف.

وجعل الزمخشري «من الثمرات» واقعا موقع الثمر أو الثمار ، يعني مما ناب فيه جمع قلّة عن جمع الكثرة نحو : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) [الدخان : ١٥] و (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، ولا حاجة تدعو إلى هذا ؛ لأن جمع السّلامة المحلّى ب «أل» الّتي للعموم يقع للكثرة ، فلا فرق إذن بين الثّمرات والثّمار ، ولذلك ردّ المحقّقون قول من ردّ على حسّان بن ثابت (٢) رضي الله عنه : [الطويل]

٢٨١ ـ لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى

وأسيافنا يقطرن من نجدة دما (٣)

قالوا : كان ينبغي أن يقول : «الجفان» ، و «سيوفنا» ؛ لأنه أمدح ، وليس بصحيح ؛ لما ذكرت قبل ذلك.

و «لكم» يحتمل التعلّق ب «أخرج» ، ويحتمل التعلّق بمحذوف ، على أن يكون صفة ل «رزقا». هذا إن أريد بالرزق المرزوق ، وإن أريد به المصدر ، فيحتمل أن تكون الكاف في «لكم» مفعولا بالمصدر واللام مقوية له نحو : «ضربت ابني تأديبا له» أي : تأديبه.

قوله : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) «الفاء» للتسبب أي : تسبب عن إيجاد هذه الآيات الباهرة النهي عن اتخاذكم الأنداد ، و «لا» ناهية ، و «تجعلوا» مجزوم بها ، علامة جزمه حذف النون ، وهي هنا بمعنى تصيّروا.

وأجاز أبو البقاء أن تكون بمعنى : تسمّوا ، وعلى القولين فيتعدى لاثنين.

أولهما : «أندادا».

__________________

(١) ينظر الاملاء : ١ / ٢٤.

(٢) حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري أبو الوليد الصحابي شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام ، توفي سنة ٥٤ ه‍. ينظر تهذيب التهذيب : ١ / ٢٤٧ ، الإصابة : ١ / ٣٢٦ ، خزانة الأدب : ١ / ١١١ ، الأعلام : ٢ / ١٧٦.

(٣) ينظر ديوانه : ص ١٣١ ، وأسرار العربية : ص ٣٥٦ ، وخزانة الأدب : ٨ / ٠٦ ـ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١١٦ ، ولسان العرب (جدا) ، والكتاب : ٣ / ٥٧٨ ، وشرح المفصل : ٥ / ١٠ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ٥٢١ ، والمحتسب : ١ / ١٨٧ ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٥٢٧ ، شرح الأشموني : ٣ / ٦٧١ ، الخصائص : ٢ / ٢٠٦ ، المقتضب : ٢ / ١٨٨ ، والأشباه والنظائر : ١ / ١٣٥ ، ١ / ١٣٥ ، وشواهد الكتاب : (٢ / ١٨١) ، والدر المصون : (١ / ١٤٩).

٤٢١

وثانيهما : الجار والمجرور قبله ، وهو واجب التقديم ، و «أندادا» جمع ندّ.

وقال أبو البقاء : «أندادا» جمع «ندّ» و «نديد» ، وفي جعله جمع «نديد» نظر ؛ لأنّ أفعالا يحفظ في فعيل بمعنى فاعل ، نحو : شريف وأشراف ، ولا يقاس عليه.

فإن قيل : بم تعلّق قوله : «فلا تجعلوا»؟

فالجواب فيه وجوه :

أحدها : أن يتعلّق بالأمر أي : اعبدوا ، ولا تجعلوا لله أندادا ، فإن أصل العبادة التوحيد.

وثانيها : ب «لعل» على أن ينتصب ب «تجعلوا» انتصاب «فأطّلع» في قراءة (١) حفص.

قال الزمخشري (٢) : والمعنى خلقكم لكي تتقوا ، وتخافوا عقابه ، فلا تثبتوا له ندّا ، فإنه من أعظم موجبات العقاب ، فعلى هذا تكون «لا» نافية ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» في جواب الترجي ، وهذا لا يجيزه البصريون ، وسيأتي تأويل «فأطّلع» ، ونظائره في موضعه إن شاء الله تعالى.

وثالثها : بقوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً).

إذا جعلت «الذي» خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو الذي خلق لكم هذه الدلائل الباهرة ، فلا تتخذوا له شريكا.

و «النّدّ» : المقاوم المضاهي ، سواء كان مثلا ، أو ضدّا ، أو خلافا.

وقيل : هو الضّدّ عن أبي عبيدة.

وقيل : الكفء والمثل ؛ قال حسّان : [الوافر]

٢٨٢ ـ أتهجوه ولست له بندّ

فشرّكما لخير كما الفداء (٣)

أي : «ولست له بكفء».

وقد روي ذلك ؛ وقال آخر : [الرمل]

٢٨٣ ـ نحمد الله ولا ندّ له

عنده الخير وما شاء فعل (٤)

__________________

(١) ستأتي في غافر (٣٧).

(٢) ينظر الكشاف : ١ / ٩٥.

(٣) ينظر ديوانه : ص ٧٦ ، وخزانة الأدب : ٩ / ٢٣٢ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ولسان العرب (ندد) ، (عرش) ، وشرح الأشموني : ٣ / ٣٨٨ ، الطبري : (١ / ١٩٨) ، القرطبي : (١ / ١٦٠) ، والدر المصون : (١ / ١٥٠).

(٤) البيت للبيد بن ربيعة. ينظر ديوانه : (١٧٤) ، القرطبي : (١ / ١٦٠) ، والدر المصون : (١ / ١٥٠).

٤٢٢

وقال الزمخشري (١) : النّدّ المثل ، ولا يقال إلا للنّدّ (٢) المخالف ؛ قال جرير (٣) : [الوافر]

٢٨٤ ـ أتيما تجعلون إليّ ندّا

وما تيم لذي حسب نديد (٤)

وناددت الرّجل : خالفته ونافرته ، من : ندّ يندّ ندودا ، أي : نفر.

ومنه الحديث : «أيّ بعير ندّ فأعياهم» (٥).

ويقال : «نديدة» على المبالغة ؛ قال لبيد (٦) : [الطويل]

٢٨٥ ـ لكيلا يكون السّندريّ نديدتي

وأجعل أقواما عموما عماعما (٧)

وأما «النّد» بفتح النون فهو التّلّ المرتفع ، والنّدّ الطيب أيضا ، ليس بعربي.

وقرأ محمد بن السّميفع (٨) : «فلا تجعلوا لله ندّا» ،

فإن قيل : إنهم لم يقولوا : إن الأصنام تنازع الله.

قلنا : لما عبدوها وسموها آلهة أشبهت حالهم حال من يعتقد أنها آلهة قادرة على منازعته فقيل لهم ذلك على سبيل التهكّم بهم.

قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة من مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال ،

__________________

(١) ينظر الكشاف : ١ / ٩٥.

(٢) في أ : للمثل.

(٣) جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى ابن بدر الكلبي اليربوعي ، من تميم ولد سنة ٢٨ ه‍ ، أشعر أهل عصره ولد ومات في اليمامة. وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم ـ وكان هجاءا مرا ـ فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل وكان عفيفا وهو من أغزل الناس شعرا ، توفي سنة ١١٠ ه‍. ينظر الأعلام : ٢ / ١١٩ (١٧١٨) ، وفيات الأعيان : ١ / ١٠٢ ، والشعر والشعراء : ١٧٩ ، خزانة البغدادي : ١ / ٣٦.

(٤) ينظر البيت في ديوانه : (١٦٤) ، الكشاف : (١ / ٩٥) ، مجالس العلماء : (١١٤) ، والدر المصون : (١ / ١٥٠).

(٥) في أ : فأغناهم.

(٦) لبيد بن ربيعة بن مالك ، أبو عقيل العامري : أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهلية. من أهل عالية نجد. أدرك الإسلام ، ووفد على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعدّ من الصحابة ، ومن المؤلفة قلوبهم. وترك الشعر ، فلم يقل في الإسلام إلّا بيتا واحدا ، سكن الكوفة ، وعاش عمرا طويلا. وهو أحد أصحاب المعلقات ، وكان كريما : نذر ألّا تهب الصبا إلا نحر وأطعم ، جمع بعض شعره في ديوان. توفي سنة ٤١ ه‍.

انظر خزانة الأدب للبغدادي : ١ / ٣٣٧ ، الأعلام : ٥ / ٢٤٠ ، سمط اللآلي : ١٣.

(٧) ينظر البيت في ديوانه : (٢٨٦) ، القرطبي : ١ / ٢٣١ ، الدر المصون : ١ / ١٥٠.

(٨) انظر تفسير الرازي : ٢ / ١٠٣ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٣٩ ، ونسبها إلى زيد بن علي بن محمد بن السميفع.

ـ

٤٢٣

ومفعول العلم متروك ، لأن المعنى : وأنتم من أهل العلم ، أو حذف اختصارا أي : وأنتم تعلمون بطلان ذلك ، والاسم من «أنتم» قيل : «أن» و «التاء» حرف خطاب يتغير بحسب المخاطب ، وقيل : بل «التاء» هي الاسم ، و «أن» عماد قبلها.

وقيل : بل هو ضمير برمته وهو ضمير رفع منفصل وحكم ميمه بالنسبة إلى السكون والحركة والإشباع والاختلاس حكم «ميم» هم ، وقد تقدّم جميع ذلك. والمعنى : إنكم لكمال عقولكم تعلمون أن هذه الأشياء لا يصح جعلها أندادا لله ـ تعالى ـ فلا تقولوا ذلك ؛ فإن القول القبيح ممن علم قبحه يكون أقبح. وهذا الخطاب للكافرين ، والمنافقين ، قاله ابن عباس رضي الله عنه.

فإن قيل : كيف وصفهم بالعلم ، وقد نعتهم بالختم ، والطّبع ، والصّمم ، والعمى؟ فالجواب من وجهين :

أحدهما : وأنتم تعلمون العلم الخاص أن الله خلق ، وأنزل الماء ، وأنبت الرزق ، وهو المنعم عليهم دون الأنداد.

الثاني : وأنتم تعلمون وحدانيته بالفرد والإمكان لو تدبرتم ونظرتم ، وفي هذا دليل على استعمال حجج المعقول ، وإبطال التقليد. وقال ابن فورك (١) : يحتمل أن تتناول الآية المؤمنين ، والمعنى : لا ترتدوا أيها المؤمنون ، وتجعلوا لله أندادا بعد علمكم بأن الله واحد.

فصل في فرق المشركين

قال ابن الخطيب (٢) : ليس في العالم أحد يثبت له شريكا يساويه في الوجود ، والقدرة ، والعلم ، والحكم ، هذا مما لم يوجد ، لكن الثنوية يثبتون إلهين ، أحدهما : حكيم يفعل الخير ، والثاني : سفيه يفعل الشر ؛ وأما اتخاذ معبود سوى الله ، فالذاهبون إلى ذلك فرق.

فمنهم عبدة الكواكب.

ومنهم الصّابئة فإنهم يقولون : إنّ الله ـ تعالى ـ خلق هذه الكواكب ، وهي مدبّرات لهذا العالم قالوا : فيجب علينا أن نعبد الكواكب ، والكواكب تعبد الله تعالى.

__________________

(١) محمد بن الحسين بن فورك ، أبو بكر الأصفهاني ، المتكلم ، الأصولي ، الأديب ، النحوي ، الواعظ ، أخذ طريقة أبي الحسن الأشعري عن أبي الحسين الباهلي وغيره ، أحيى الله تعالى به أنواعا من العلوم ، وبلغت مصنفاته الشيء الكثير ، وجرت له مناظرات عظيمة. مات سنة ٤٠٦. انظر ط. ابن قاضي شهبة : ١ / ١٩٠ ، ط. السبكي : ٣ / ٥٢ ، تبيين كذب المفتري : ص ٢٣٢. الأعلام : ٦ / ٣١٣ ، مرآة الجنان : ٣ / ١٧ ، النجوم الزاهرة : ٤ / ٢٤٠.

(٢) ينظر الفخر الرازي : ٢ / ١٠٣.

٤٢٤

الفريق الثاني : الّذين يعبدون المسيح عليه الصلاة والسلام (١).

__________________

(١) لم ينقل من طريق صحيح عن ملة من الملل ؛ إسلامية أو غير إسلامية ، أنها صرّحت بأن الله ـ تعالى ـ اتخذ صاحبة ، وإنما الذي نقل : هو أن طائفة من النصارى قالت : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) ، وطائفة من اليهود قالت : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) ، وجاء في القرآن آيات كثيرة ترد على هاتين الطائفتين ، نذكر من بين هذه الآيات آية واحدة ، مع تبيين جهة الردّ الذي تضمنته ، قال ـ تبارك وتعالى ـ : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

بيان ذلك : أن يقال لهاتين الطائفتين : إمّا أن تريدوا بقولكم (إن لله ابنا) أن الله أحدثه وأبدعه لا على مثال سبق ؛ لكونه لم يتولد من نطفة ، أو اختصّ بمزايا لم توجد في غيره ، ولا في من سبقه ، وإمّا أن تريدوا ذلك المعنى المتعارف من الولادة في الحيوان ، وإمّا أن تريدوا معنى آخر ، فإن أردتم المعنى الأول ، يردّ عليكم بخلق السموات والأرض ؛ فإنّ الله أبدعهما لا على مثال سبق ، وأودع فيهما من الخواص والمزايا ما لا يدخل تحت حصر ، ومع ذلك ؛ لم يقل أحد من الملّيين ؛ بأن السموات والأرض ابن الله ـ فبطل قولكم : إن لله ابنا بهذا المعنى ، وإلى هذا الرد أشير بقوله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، وإن أردتم الولادة المعروفة في الحيوان ، فهذا باطل أيضا ؛ لوجوه : الأول ؛ أن تلك الولادة لا تصلح إلا ممن كانت صاحبة وشهوة ، وينفصل عنه جزء ، ويحتبس ذلك الجزء في رحم تلك الصاحبة ، ـ وهذه الأحوال إنّما تصح في الجسم الذي يصحّ عليه الاجتماع ، والافتراق ، وباقي عوارض الجسم ، وهذا محال على خالق العالم ؛ لأنه قديم مخالف للممكنات ، وقد أشير إلى هذا الوجه بقوله تعالى : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ).

الثاني : ـ إن تحصيل الولد بهذا الطريق ، إنما يصح في حق من لا يكون قادرا على الخلق ، والإيجاد ، والتكوين دفعة واحدة ، ـ فإذا أراد الولد ، وعجز عن تكوينه دفعة واحدة ، عدل إلى تحصيله بالطريق المعتاد ، أمّا من كان خالقا لجميع الممكنات ، قادرا على كل المحدثات ، فإنه إذا أراد إحداث شيء قال له : «كن فيكون» وحيث كان الإله بهذا الوصف ، امتنع إحداثه للشخص بطريق الولادة ، وهذا الوجه يشير إلى قوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ).

الثالث : إن ذلك الولد إمّا أن يكون قديما ، وإمّا أن يكون حادثا لا جائز أن يكون قديما ؛ لأن القديم لا يحتاج لغيره ، وهذا الولد يحتاج إلى أبيه في تكوينه ، فبطل كونه قديما ، فتعيّن كونه حادثا وحينئذ يقال لهؤلاء القائلين : إن لله ابنا ، قد ثبت بالدليل العقلي أن الله ـ تعالى ـ عالم بكل شيء ، فإمّا أن يعلم أن في تحصيل ولد كمالا ونفعا له ، وإمّا أن يعلم أن لا كمال ، ولا نفع في تحصيله فإن كان يعلم أن في تحصيل الولد كمالا ونفعا ، فلا وقت يفرض إلا والداعي إلى إيجاد هذا الولد متحقق ، وهذا يوجب كون الولد أزليّا ، وهو محال ، ولم يقل به أحد أصلا ، وإن كان يعلم أن لا كمال في إيجاده ، ولا نفع في تحصيله ـ وجب ألّا يحدث في وقت من الأوقات ، فلا ولد له أصلا ، وإلى هذا الوجه أشير بقوله تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، وإن أردتم معنى غير ما ذكر ، فبينوه لنا لنتكلم معكم فيه.

ونقل عن طوائف النّصارى القول بالاتحاد ، وعن بعضهم القول بالحلول ، وعن بعضهم القول بأن عيسى ابن الله ، وعن بعض طوائف اليهود القول بأن عزيرا ابن الله ، واختلف النقل عن النصارى في معنى الاتحاد : فقيل : معناه أنّ الكلمة وهي : صفة العلم ظهرت في «عيسى» ، وصارت فيه هيكلا ، وقيل : معناه المخارجة ، بمعنى : أن يكون من الكلمة وعيسى شيء ثالث. وأما القول بالحلول ؛ فمعناه على رأي بعض فرقهم : أن الكلمة ـ وهي صفة العلم ـ حلّت في المسيح ، وعلى رأي البعض الآخر ، أن ذات الله حلّت في المسيح ، ولما كان كلامهم في الحلول والاتحاد مضطربا ، وغير منضبط على وجه صحيح ـ نذكر الصور العقلية التي تتأتى في الاتحاد والحلول ؛ فنقول : ـ

٤٢٥

الثالث : عبدة الأوثان. واعلم أنه لا دين من أديان الكفر أقدم من دين عباد النار ؛

__________________

ـ إما أن يقولوا باتحاد ذات الله بالمسيح ، أو حلول ذاته فيه ، أو حلول صفته فيه ، وكل ذلك إما ببدن عيسى أو بنفسه ، وإما ألّا يقولوا بشيء من ذلك ؛ وحينئذ فإما أن يقولوا : أعطاه الله قدرة على الخلق والإيجاد أو لا ، ولكن خصه الله بالمميزات ، وسماه «ابنا» تشريفا ؛ كما سمّى إبراهيم «خليلا» ، فهذه ثمانية احتمالات كلها باطلة للأدلة التي أحالت حلول الله واتحاده ، والسابع باطل ؛ لما ثبت أنه لا مؤثّر في الوجود إلا الله ، وبقي احتمال اتحاد الكلمة بذات المسيح ، وهو باطل أيضا ؛ لأن الكلمة المراد منها عندهم صفة العلم والاتحاد بجميع معانيه ، وأفراده مستحيل على الله بالأدلة السابقة ، والشبهة التي أوقعت النصارى في هذه الكلمات ؛ هي ما جاء في الإنجيل في عدة مواضع ؛ من ذكر الله بلفظ الأب ، وذكر عيسى بلفظ الابن ، وذكر الاتحاد والحلول تصريحا أو تلويحا.

فمن ذلك : ما جاء في إنجيل (يوحنا) ، في الإصحاح الرابع عشر (يا فيلسوف ، من يراني ويعاينني ، فقد رأى الأب ، فكيف تقول أنت : أرنا الأب ولا تؤمن أني بأبي وأبي بي واقع واقع ، وأن الكلام الذي أتكلم به ليس من قبل نفسي ، بل من قبل أبي الحالّ فيّ ، وهو الذي يعجل هذه الأعمال التي أعمل ، آمن وصدّق أني بأبي وأبي بي).

هذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربية المتداول عندهم ، فأخذ بعضهم الاتحاد من قوله : (من يراني ويعاينني فقد رأى الأب) ، وأخذ بعضهم الحلول من قوله : (أبي الحالّ في) ، وأخذ البنوة من التصريح بلفظ الأب مرّة بعد أخرى ، وهذا لا يصلح دليلا ؛ لوجهين :

الوجه الأول : توافرت الأدلة على حصول التغيير والتبديل في الإنجيل ، فاحتمل أن يكون ذلك المذكور في إنجيل «يوحنا» مما حصل فيه التغيير والتبديل ، فلا يصلح حينئذ أن يكون دليلا ؛ فلا يصحّ به الاستدلال.

الثاني : أن نتنزل ونقول : لا تغيير ولا تبديل في ذلك المنقول ، لكن دلالته على مدعاهم ليست يقينية ؛ لجواز أن يكون المراد من الاتحاد الذي فهمه بعضهم من الجملة الأولى الاتحاد في بيان طريق الحق ، وإظهار كلمة الصدق ؛ كما يقال : أنا وفلان واحد في هذا القول ؛ ولجواز أن يكون المراد من الحلول المصرح به في بعض الجمل حلول آثار صنع الله ؛ من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ؛ ولجواز أن يكون المراد من الأب المبدىء ؛ فإن القدماء كانوا يطلقون الأب على المبدىء ، فمعنى قوله : أبي مبدئي وموجدي ، وسمى عيسى «ابنا» ؛ تشريفا له ؛ كما سمى إبراهيم «خليلا».

وأيضا فمن كان متوجها لشيء ومقيما عليه ، يقال له : «ابنه» ؛ كما يقال : أبناء الدنيا وأبناء السبيل ، فجاز أن يكون تسمية عيسى بالابن ؛ لتوجهه في أكثر الأحوال إلى الحق ، واستغراقه أغلب الأوقات في جناب القدس ، ومما يؤكد ذلك أنه جاء في الإصحاح السابع عشر من إنجيل «يوحنا» ؛ حيث دعا عيسى للحواريين ما لفظه : (وكما أنت يا أبي بي وأنا بك فليكونوا هم أيضا نفسا واحدا ؛ ليؤمن أهل العلم بأنك أنت أرسلتني ، وأنا قد استودعتهم بالمجد الذي مجدتني به ، ودفعته إليهم ؛ ليكونوا على الإيمان ، كما أنا وأنت أيضا واحد ، وكما أنت حالّ فيّ كذلك أنا فيهم ؛ ليكون كما لهم واحدا) هذا لفظ الإنجيل ، وقد تبيّن منه معنى الاتحاد والحلول على وجه مغاير لما فهموه ، وجاء في «الإصحاح التاسع عشر» ما لفظه : إني صاعد إلى أبيكم ، وإلهي وإلهكم ، وهذا يدل بواسطة العطف ، على أن المراد من الأب الإله ، وعلى أنه مساو لهم في معنى البنوة والعبودية ، فهذه النصوص تدحض حجتهم ، وتلزمهم إذا أرادوا الحق بالرّجوع إلى ما نصّت به الأدلة العقلية المتقدمة ؛ من استحالة الاتحاد والحلول والنبوة.

أما بعض اليهود الذين قالوا : إن عزيرا ابن الله ، فقد أشار الله ـ تعالى ـ إليه بقوله : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ). نسب الله ذلك القول إلى اليهود ، مع أنه قول لطائفة منهم ؛ جريا على عادة العرب في إيقاع ـ

٤٢٦

لأنه يروى أنّ النّار لما أكلت قربان «هابيل» جاء «إبليس» إلى «قابيل» ، وأخبره أنها إنما أكلت قربان أخيه ؛ لأنه عبدها ، فعبدت النار من ذلك الوقت.

وقيل : لا دين من أديان الكفر أقدم من دين عبدة الأوثان ؛ لأن أقدم الأنبياء الذين نقل إلينا تاريخهم هو نوح عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه إنما جاء بالرد عليهم على ما أخبر الله ـ تعالى ـ عن قومه في قوله تعالى : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) [نوح : ٢٣] فعلمنا أن هذه المقالة كانت موجودة قبل نوح عليه الصلاة والسّلام باقية إلى الآن ، والمذهب الذي هذا شأنه ، فيستحيل معرفة فساده بالضرورة ، لكن العلم بأن هذا الحجر المنحوت في هذه السّاعة ليس هو الذي خلقه وخلق السماء والأرض علم ضروري ، فيستحيل إطباق الجمع العظيم عليه ؛ فوجب أن يكون لعبدة الأوثان غرض آخر سوى ذلك ، والعلماء ذكروا فيه وجوها :

أحدها : ما ذكره أبو معشر جعفر بن محمد المنجم البلخي (١) أن كثيرا من أهل «الصّين» و «الهند» كانوا يقولون بالله ، وملائكته ، ويعتقدون أنه ـ تعالى ـ جسم وصورة كأحسن ما يكون من الصّور ، وهكذا حال الملائكة أيضا في صورهم الحسنة ، وأنهم كلّهم قد احتجبوا عنا بالسماء ، وأن الواجب عليهم أن يصوغوا تماثيل أنيقة المنظر ، حسنة المرأى ، على الهيئة (٢) التي كانوا يعتقدونها من صور الإله والملائكة ، فيعكفون على عبادتها قاصدين به طلب الزّلفى إلى الله ـ سبحانه ـ وملائكته. فإن صحّ ما قال أبو معشر ، فالسّبب في عبادة الأوثان اعتقاد الشبه.

وثانيها : ما ذكر أكثر العلماء أن الناس رأوا تغيرات أحوال هذا العالم مربوطة بتغيرات أحوال الكواكب ؛ فإنه بحسب قرب الشمس وبعدها عن سمت الرأس يحدث الفصول المختلفة ، والأحوال المتباينة ، ثم إنهم رصدوا أحوال سائر الكواكب ، فاعتقدوا ارتباط السعودة والنحوسة في الدنيا بكيفية وقوعها في طوالع الناس ، فلما اعتقدوا ذلك

__________________

ـ اسم الجماعة على الواحد ، والسبب الذي دعا هذه الطائفة إلى القول بأن عزيرا ابن الله : أن اليهود تركوا العمل بما في التوراة ، وعملوا بغير الحق ، فعاقبهم الله تعالى ؛ بأن أنساهم التوراة ، ونسخها من صدورهم ، فتضرع «عزير» إلى الله ، وابتهل إليه ، فعاد حفظ التوراة إلى قلبه ، فأنذر قومه به ، فلمّا جرّبوه ، وجدوه صادقا فيه ؛ فقالوا : ما تيسّر هذا لعزيز دون سواه إلا لأنه ابن الله ، وهذه شبهة واهية لا يصحّ الاستناد إليها ؛ لأن إجابة المطلب مرتبطة بالقبول ، والقرب من الله ، والخضوع لأوامره ، واجتناب نواهيه ، لا بالبنوة كما يزعمون.

(١) جعفر بن محمد بن عمر البلخي أبو معشر : عالم فلكي مشهور كان أولا من أصحاب الحديث وتعلم النجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره تصانيفه كثيرة ، منها كتاب الطبائع والمدخل الكبير والألوف في بيوت العبادات والدول والملل والملاحم وهيئة الفلك وطبائع البلدان والأمطار والرياح توفي سنة ٢٧٢ ه‍. ينظر الأعلام : ٢ / ١٢٧ (١٨١٩) ، الفهرست لابن النديم : ١ / ٢٧٧ ، ابن خلكان : ١ / ١١٢.

(٢) في ب : الماهية.

٤٢٧

بالغوا في تعظيمها ، فمنهم من اعتقد أنها أشياء واجبة الوجود لذواتها ، وهي التي خلقت هذه العوالم ، ومنهم من اعتقد أنها مخلوقة للإله الأكبر ، لكنها [خالقة لهذا](١) العالم ، فالأولون اعتقدوا أنها هي الإله في الحقيقة ، والآخرون أنها هي الوسائط بين الله وبين البشر ، فلا جرم اشتغلوا (٢) بعبادتها والخضوع لها ، ثم لما رأوا الكواكب مستترة في أكثر الأوقات عن الأبصار اتخذوا لها أصناما ، وأقبلوا على عبادتها قاصدين بتلك العبادات الأجرام العالية ، ومتقرّبين إلى أشباحها الغائبة ، ثم لما طالت المدة ألغوا ذكر الكواكب وتجرّدوا لعبادة تلك التماثيل ، فهؤلاء في الحقيقة عبدة الكواكب.

وثالثها : أن أصحاب الأحكام كانوا يعيّنون سنين متطاولة ، نحو الألف والألفين ، ويزعمون أن [من اتخذ](٣) طلسما في ذلك الوقت على (٤) وجه خاص ، فإنه ينفع في أحوال مخصوصة نحو السّعادة والخصب ، ودفع الآفات ، وكانوا إذا اتخذوا ذلك الطلسم عظّموه لاعتقادهم أنهم ينتفعون به ، فلمّا بالغوا في ذلك التعظيم صار ذلك كالعبادة ، ولمّا طالت مدّة ذلك الفعل نسوا مبدأ الأمر ، وانشغلوا بعبادتها على الجهالة بأصل الأمر.

ورابعها : أنه متى مات منهم رجل كبير يعتقدون في أنه مجاب الدعوة ، ومقبول الشّفاعة عند الله ـ تعالى ـ اتخذوا أصناما على صورته ، ويعبدونه على اعتقاد أن ذلك الإنسان يكون شفيعا لهم يوم القيامة عند الله ـ تعالى ـ على ما أخبر الله عنهم في قولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨].

وخامسها : لعلهم اتخذوها محاريب لصلاتهم ، وطاعاتهم ، ويسجدون إليها لا لها كما أنّا نسجد إلى القبلة لا للقبلة ، ولما استمرت هذه الحالة ظنّ الجهال من القوم أنه يجب عبادتها.

وسادسها : لعلّهم كانوا يعتقدون جواز حلول الرب فيها فعبدوها على هذا التأويل.

فهذه هي الوجوه التي يمكن حمل هذه المقالة عليها حتى ليصير (٥) بحيث يعلم بطلانه بضرورة العقل.

واعلم أنّ إقامة الدّلالة على افتقار العالم إلى الصّانع المختار يبطل القول بعبادة الأوثان على كلّ التأويلات ، والله أعلم.

فصل

اعلم أن من بيوت الأصنام المشهورة «غمدان» الذي بناه الضحاك على اسم الزهرة بمدينة «صنعاء» ، وخربه عثمان بن عفان ، ومنها «نوبهار بلخ» الذي بناه «منوشهر» الملك

__________________

(١) في أ : خلفت هذا.

(٢) في أ : استقلوا.

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : عمل على.

(٥) في ب : لا تغتر.

٤٢٨

على اسم القمر ، ثم كان لقبائل العرب أوثان معروفة مثل : ود ب «دومة الجندل» لكلب ، و «سواع» لبني هذيل ، و «يغوث» ب «اليمن» لمذحج ، و «يعوق» لمرادية همدان و «نسر» بأرض «حمير» لذي الكلاع ، و «اللات» ب «الطائف» ل «ثقيف» ، و «مناة» ب «يثرب» للخزرج ، و «العزّى» لكنانة بنواحي «مكّة» و «أساف» و «نائلة» على «الصفا» و «المروة».

وكان قصيّ جدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينهاهم عن عبادتها ، ويدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى ، وكذلك زيد بن عمرو بن نفيل (١) ، وهو الذي يقول : [الوافر]

٢٨٦ ـ أربّ واحد أم ألف ربّ

أدين إذا تقسّمت الأمور؟!

تركت اللّات والعزّى جميعا

كذلك يفعل الرّجل البصير (٢)

قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)(٢٤)

اعلم أنه سبحانه لما أقام الدلائل القاطعة على إثبات الصّانع ، وأبطل القول بالشريك عقبه بما يدلّ على (٣) النبوة ، ولما كانت نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مبنية على كون القرآن معجزا أقام الدلالة على كونه معجزا. واعلم أن كونه معجزا يمكن بيانه من طريقين : الأول : ألا يخلو حاله من أحد وجوه ثلاثة : إما أن يكون مساويا لكلام الفصحاء ، أو زائدا على كلام الفصحاء بقدر لا ينقص (٤) العادة ، أو زائدا عليه بقدر ينقض العادة ، والقسمان الأولان باطلان فتعين الثالث.

وإنما قلنا : إنهما باطلان ؛ لأنه لو كان كذلك لوجب أن يأتوا [بمثل سورة منه](٥) إما مجتمعين ، أو منفردين ، فإذا (٦) وقع التّنازع ، فالشهود والحكام مزيلون الشبهة وذلك نهاية الاحتجاج ؛ لأنه كان من معرفة اللغة والاطلاع على قوانين الفصاحة في الغاية ، وكانوا في محبة إبطال أمره في الغاية حتى بذلوا النفوس والأموال ، وارتكبوا المهالك والمحن ، وكانوا في الحمية والأنفة على حد لا يقلبون الحق ، فكيف الباطل ، وكل ذلك

__________________

(١) زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى ، القرشي العدوي ، نصير المرأة في الجاهلية ، وأحد الحكماء. وهو ابن عم عمر بن الخطاب. لم يدرك الإسلام ، وكان يكره عبادة الأوثان ، كان عدوا لوأد البنات. توفي سنة ١٧ قبل الهجرة.

انظر الأغاني : ٣ / ١٥ ، خزانة البغدادي : ٣ / ٩٩ ، الأعلام : ٣ / ٦٠.

(٢) ينظر روح المعاني : ١ / ١٩١ ، الرازي : ١ / ١٠٥.

(٣) في أ : على أن.

(٤) في ب : ينتقص.

(٥) في أ : بسورة مثله.

(٦) في أ : فإن.

٤٢٩

يوجب الإتيان بما يقدح في قوله ، فلما لم يأتوا بمثلها علمنا عجزهم عنها ، فثبت أن القرآن لا يماثل قولهم ، وأنّ التفاوت بينه وبين كلامهم ليس تفاوتا معتادا ، فهو إذن تفاوت ناقض للعادة ، فوجب أن يكون معجزا.

واعلم أنه قد اجتمع في القرآن وجوه كثيرة ، تدلّ على أنه بلغ في الفصاحة النهاية التي لا غاية لها :

أحدها : أن فصاحة العرب أكثرها في وصف المشاهدات مثل وصف بعير ، أو فرس ، أو جارية ، أو ملك ، أو ضربة (١) ، أو طعنة أو وصف حرب ، أو وصف غارة ، وليس في القرآن شيء من هذا ، فكان يجب على هذا ألا يحصل فيه شيء من الفصاحة ، التي اتفقت العرب في كلامهم عليها.

وثانيها : أنه ـ تعالى ـ راعي فيه [طريقة](٢) الصّدق ، وتنزّه عن الكذب في جميعه ، وكل شاعر ترك الكذب ، ولزم الصدق ، زكي (٣) شعره ، ألا ترى لبيد بن ربيعة ، وحسان بن ثابت لما أسلما زكي شعرهما ، [ولم يكن شعرهما](٤) الإسلامي في الوجوه كشعرهما في الجاهلية ، والقرآن مع لزوم الصدق وتنزّهه عن الكذب بلغ الغاية في الفصاحة كما ترى.

وثالثها : أن الكلام الفصيح والشعر الفصيح في القصيدة كلها ، إنما هو بيت أو بيتان والباقي ليس كذلك ، وأما القرآن فكله فصيح ، فعجز الخلق عن بعضه كما عجزوا عن جملته.

ورابعها : أن كل من وصف شيئا بشعر ، فإذا كرره لم يكن كلامه الثّاني في وصف ذلك الشيء بمنزلة كلامه الأول ، وأما القرآن ففيه تكرار كثير ، وهو في غاية الفصاحة ، ولم يظهر التفاوت أصلا.

وخامسها : أنهم قالوا : شعر امرىء القيس يحسن عند الطّرب ، وذكر النّساء ، وصفة الخيل ، وشعر النابغة عند الخوف ، وشعر الأعشى (٥) عند الطّلب ، ووصف الخمر ، وزهير عند الرّغبة والرجاء ، وبالجملة فكل شاعر يحسن كلامه في فنّ ، ويضعف كلامه في غيره ، والقرآن جاء فصيحا في كل الفنون.

__________________

(١) في ب : حكومة.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : زال.

(٤) سقط في أ.

(٥) ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي. أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ويقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات كان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس غزير الشعر يسلك فيه كل مسلك وليس أحد ممن عرف قبله أكثر شعرا منه وكان يغنى بشعره فسمي «صناجة العرب» لقب بالأعشى لضعف بصره وعمي في أواخر أيامه. مولده ووفاته في قرية «منفوحة» باليمامة قرب مدينة «الرياض» وفيها داره وبها قبره.

ينظر الأعلام : ٧ / ٣٤١ (٢٨٣٢) ، خزانة البغدادي : ١ / ٨٤ ـ ٨٦.

٤٣٠

وسادسها : أن القرآن أصل للعلوم كلها ، فعلم الكلام كلّه في القرآن ، وعلم الفقه مأخوذ من القرآن ، وكذا علم أصول الفقه ، وعلم النحو ، واللغة ، وعلم الزهد في الدّنيا ، وأخبار الآخرة ، واستعمال مكارم الأخلاق.

وأما الطريق الثاني : أن يقول : القرآن لا يخلو إما أن يكون بالغا في الفصاحة إلى حدّ الإعجاز ، أو لم يكن ، فإن كان الأول ثبت أنه معجز ، وإن كان الثاني كانت المعارضة على هذا التقدير ممكنة ، فعدم إتيانهم بالمعارضة ، مع توفّر داعيهم على الإتيان بها ، أمر خارق للعادة ، فكان ذلك معجزا ، فثبت أنّ القرآن معجز على جميع الوجوه.

«إن» حرف شرط يجزم فعلين : شرطا وجزاء ، فلا تقول : «إن غربت الشمس».

فإن قيل : فكيف قال هاهنا : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) ، وهذا خطاب مع الكفار ، والله تعالى يعلم أنهم في ريب ، وهم يعلمون ويقرون أنهم في ريب ، ومع ذلك فالتعليق حسن.

فالجواب : الخصائص الإلهية لا تدخل في الأوضاع العربية ، بل الأوضاع العربية مبنيّة على خصائص الخلق ، والله ـ تعالى ـ أنزل القرآن بلغة العرب ، وعلى منوالهم ، فكل ما كان في لغة العرب حسنا نزل القرآن على ذلك الوجه ، وما كان نسخا في لسان العرب لم ينزل في القرآن ، فثبت بهذا أن كل ما جاء في العادة مشكوكا فيه بين الناس ، حسن تعليقه ، سواء كان من قبل الله ـ تعالى ـ أو من قبل غيره ، وسواء كان معلوما للسّامع أو المتكلّم أم لا ، وكذلك حسن قولك : إن كان زيد في الدار فأكرمه ، مع أنك تعلم أن زيدا في الدار ؛ لأن حصول زيد في الدار ، شأنه أن يكون في العادة مشكوكا فيه ، ولا يكون إلّا في المحتمل وقوعه ، وهي أم الباب ؛ فلذلك يحذف مجزومها كثيرا ، وقد يحذف الشّرط والجزاء معا ؛ قال : [الرجز]

٢٨٧ ـ قالت بنات العمّ : يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما قالت : وإن (١)

أي : وإن كان فقيرا تزوجته.

وتكون «إن» نافية فتعمل وتهمل ، وتكون مخففة وزائدة باطّراد وعدمه ، وأجاز بعضهم أن تكون بمعنى «إذا» ، وبعضهم أن تكون بمعنى «قد» ، ولها أحكام كثيرة.

و «في ريب» خبر كان ، فيتعلّق بمحذوف ، ومحل «كان» الجزم ، وهي وإن كانت ماضية لفظا فهي مستقبلة معنى.

وزعم المبرد أنّ ل «كان» الناقصة حكما مع «إن» ، ليس لغيرها من الأفعال

__________________

(١) البيت لرؤبة. ينظر ملحقات ديوانه : (١٨٦) ، المقرب : (١ / ٢٧٧) ، شرح شواهد المغني : (٩٣٦) ، المغني : (٢ / ٦٤٩) ، رصف المباني : (١٠٦) ، ضرائر الشعر : (١٨٥) ، التصريح : (١٩٥٨) ، الدر المصون : (١ / ١٥١).

٤٣١

الناقصة ، فزعم أنّه لقوة «كان» أنّ «إن» الشرطية لا تقلب معناها إلى الاستقبال ، بل تكون على معناها من المضيّ ، وتبعه في ذلك أبو البقاء ، وعلل ذلك بأن كثيرا استعملوها غير دالّة على حدث (١) ، وهذا مردود عند الجمهور ، لأن التعليق إنما يكون في المستقبل ، وتأولوا ما ظاهره غير ذلك نحو : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) [يوسف : ٢٦] إما بإضمار «يكن» بعد «إن» ، وإما على التبيين ، والتقدير : «إن يكن قميصه ، أو إن يتبين كون قميصه» ولما خفي هذا المعنى على بعضهم جعل «إن» هنا بمنزلة «إذ» وقوله : «في ريب» مجاز من حيث إنه جعل الريب ظرفا محيطا بهم ، بمنزلة المكان لكثرة وقوعه منهم.

و «ممّا» يتعلّق بمحذوف ؛ لأنه صفة لريب ، فهو في محل جرّ ، و «من» للسّببية ، أو لابتداء الغاية ، ولا يجوز أن تكون للتبعيض ، ويجوز أن تتعلّق ب «ريب» أي : إن ارتبتم من أجل ، ف «من» هنا للسّببية ، و «ما» موصولة أو نكرة موصوفة ، والعائد على كلا القولين محذوف ، أي : نزلناه (٢) ، والتضعيف في «نزّلنا» هنا للتعدية مرادفا لهمزة التعدي ، ويدلّ عليه قراءة (٣) «أنزلنا» بالهمز ، وجعل الزمخشري التضعيف هنا دالّا على نزوله منجما في أوقات مختلفة.

قال بعضهم : «وهذا الذي ذهب إليه في تضعيف الكلمة هنا ، هو الّذي يعبر عنه بالتكثير أي يفعل مرة بعد مرة ، فيدل على ذلك بالتضعيف ويعبر عنه بالكثرة» قال : «وذهل (٤) عن قاعدة ، وهي أن التضعيف الدّال على ذلك من شرطه أن يكون في الأفعال المتعدّية قبل التضعيف غالبا نحو : «جرّحت زيدا ، وفتّحت الباب» ، ولا يقال : «جلّس زيد» و «نزّل» [لأنه](٥) لم يكن متعديا قبل التضعيف ، وإنّ ما جعله متعديا تضعيفه».

وقوله : «غالبا» لأنه قد جاء التضعيف دالّا على الكثرة في اللّازم قليلا نحو : «موّت المال» ، وأيضا فالتضعيف الدّال على الكثرة لا يجعل القاصر متعديا ، كما تقدم في «موّت المال» ، و «نزّل» كان قاصرا ، فصار بالتضعيف متعديا ، فدلّ على أنّ تضعيفه للنقل لا للتكثير ، وأيضا كان يحتاج قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الفرقان : ٣٢] إلى تأويل ، وأيضا فقد جاء التضعيف حيث لا يمكن فيه التكثير ، نحو قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) [الأنعام : ٣٧] ، (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٥] إلا بتأويل بعيد جدّا ، إذ ليس المعنى على أنهم اقترحوا تكرير نزول [آية ، ولا أنه علق تكرير نزول](٦) ملك رسول على تقدير كون ملائكة في الأرض.

__________________

(١) في أ : حذف.

(٢) في أ : أنزلناه.

(٣) وقرأ بها يزيد بن قطيب. انظر البحر المحيط : ١ / ٢٤٤ ، والدر المصون : ١ / ٢٥١.

(٤) في أ : وذهب.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في أ.

٤٣٢

وفي قوله : (نَزَّلْنا) التفات من الغيبة إلى التكلّم ؛ لأن قبله : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) فلو جاء الكلام عليه لقيل : «مما نزّل على عبده» ولكن التفت للتفخيم.

و «على عبدنا» متعلّق ب «نزّلنا» وعدّي ب «على» لإفادتها الاستعلاء ، كأن المنزل تمكّن من المنزول (١) عليه ولبسه ، ولهذا جاء أكثر القرآن بالتعدّي بها دون «إلى» فإنها تفيد الانتهاء والوصول فقط ، والإضافة في «عبدنا» تفيد التشريف ؛ كقوله : [السريع]

٢٨٨ ـ يا قوم قلبي عند زهراء

يعرفه السّامع والرّائي

لا تدعني إلّا بيا عبدها

فإنّه أشرف أسمائي (٢)

وقرىء (٣) «عبادنا» فقيل : المراد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأمته ؛ لأن جدوى (٤) المنزل حاصل لهم.

وقيل : المراد بهم جميع الأنبياء عليهم‌السلام.

والعبد : مأخوذ من التعبد ، وهو التذلل ؛ قال طرفة : [الطويل]

٢٨٩ ـ إلى أن تحامتني العشيرة كلّها

وأفردت إفراد البعير المعبّد (٥)

أي : المذلّل.

ولما كانت العبادة أشرف الخصال والتسمّي بها أشرف الخطط سمّى نبيه عبدا.

قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) جواب الشرط ، والفاء هنا واجبة ؛ لأن ما بعدها لا يصحّ أن يكون شرطا بنفسه ، وأصل «فأتوا» «إأتيوا» مثل : اضربوا ، فالهمزة الأولى همزة وصل أتي بها للابتداء بالسّاكن ، والثّانية فاء الكلمة ، فلما اجتمع همزتان ، وجب قلب ثانيهما ياء على حدّ «إيمان» وبابه ، واستثقلت «الضمة» على «الياء» التي هي «لام» الكلمة فقدرت ، فسكنت «الياء» ، وبعدها «واو» الضمير ساكنة ، فحذفت «الياء» لالتقاء ساكنين ، وضمّت «التاء» للتجانس ، فوزن «ايتوا» : «افعوا» ، وهذه الهمزة إنما يحتاج إليها ابتداء ، أما في الدّرج فإنه يستغنى عنها ، وتعود الهمزة التي هي «فاء» الكلمة ؛ لأنّها إنّما قلبت ياء للكسر الذي كان قبلها ، وقد زال نحو : «فأتوا» وبابه ، وقد تحذف الهمزة التي هي «فاء» الكلمة في الأمر كقوله : [الطويل]

٢٩٠ ـ فإن نحن لم ننهض لكم فنبرّكم

فتونا فعادونا إذا بالجرائم (٦)

__________________

(١) في أ : المنزّل.

(٢) ينظر البحر : (١ / ٢٤٥) ، القرطبي : (١ / ١٦١) ، وروح المعاني : (١ / ١٩٣) ، والدر المصون : (١ / ١٥٢).

(٣) انظر الكشاف : ١ / ٩٧ ، والبحر المحيط : ١ / ٢٤٥ ، والدر المصون : ١ / ١٥٤.

(٤) في أ : حدوث.

(٥) ينظر ديوانه : (٣١).

(٦) ينظر البيت في البحر : ١ / ٢٤٢ ، ضرائر الشعر : ص (١٠٠) ، والدر المصون : (١ / ١٥٢).

٤٣٣

يريد : فأتونا كقوله : فأتوا.

قال ابن كيسان : «وهو أمر معناه التعجيز ؛ لأنه ـ تعالى ـ علم عجزهم عنه».

و «بسورة» متعلّق بأتوا ، والسورة واحدة السّور ، وهي طائفة من القرآن.

وقيل : السّورة الدّرجة الرفيعة ، قال النابغة : [الطويل]

٢٩١ ـ ألم تر أنّ الله أعطاك سورة

ترى كلّ ملك دونها يتذبذب (١)

وسميت سورة القرآن بذلك ؛ لأن قارئها يشرف بها وترفعه ، أو لرفعة شأنها ، وجلالة محلّها في الدّين ، وإن جعلت واوها منقلبة عن «الهمزة» ، فيكون اشتقاقها من «السّؤر» ، وهو البقية ، والفضلة ؛ ومنه : «أسأروا في الإناء» ؛ قال الأعشى : [المتقارب]

٢٩٢ ـ فبانت وقد أسأرت في الفؤا

د صدعا على نأيها مستطيرا (٢)

أي : أبقت ، ويدلّ على ذلك أن «تميما» وغيرها يهمزون فيقولون : سؤرة بالهمزة.

وسميت سورة القرآن بذلك ؛ لأنها قطعة منه ، وهي على هذا مخفّفة من «الهمز».

وقيل : اشتقاقها من سور البناء ؛ لأنها تحيط بقارئها ، وتحفظه كسور المدينة ، ولكنّ جمع سورة القرآن سور بفتح الواو ، وجمع سورة البناء سور بسكونها ، ففرقوا بينهما في الجمع.

فإن قيل : ما فائدة تقطيع القرآن سورا؟

قلنا : وجوه :

أحدها : ما لأجله بوب المصنّفون كتبهم أبوابا وفصولا.

وثانيها : أن الجنس إذا حصل تحته كان إفراد كل نوع من صاحبه أحسن.

وثالثها : أنّ القارىء إذا ختم سورة ، أو بابا من الكتاب ، ثم أخذ في آخر كان أنشط له ، كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا نشطه للمسير.

فصل في بيان أن ترتيب القرآن توقيفي

قال ابن الخطيب (٣) : قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) يدلّ على أن القرآن وما هو عليه من كونه سورا هو على حدّ ما أنزله الله ـ تعالى ـ بخلاف قول كثير من أهل الحديث ، أنه نظم على هذا الترتيب في أيام عثمان ، فلذلك صحّ التحدّي بالقرآن على وجوه :

__________________

(١) ينظر ديوانه : (١٢٨) ، روح المعاني : (١ / ٣٤) ، الدر المصون : (١ / ١٥٣) ، البحر المحيط : ١ / ٢٤٢ ، والمصون : (١٥٤).

(٢) ينظر ديوانه : (٣١٧) ، الدر المصون : (١ / ١٥٣).

(٣) ينظر الرازي : ٢ / ١٠٨.

٤٣٤

أحدها : قوله : (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى) [القصص : ٤٩].

وثانيها : قوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨].

وثالثها : قوله : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) [هود : ١٣].

ورابعها : قوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] ، ونظير هذا لمن يتحدّى صاحبه فيقول : ائتني بمثله ، ائتني بنصفه ، ائتني بربعه ، ائتني بمسألة مثله ، فإن (١) هذا هو النّهاية في التحدّي ، وإزالة العذر.

قوله : (مِنْ مِثْلِهِ) في الهاء ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها تعود على «ما نزّلنا» عند الجمهور كعمرو ، وابن مسعود ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، وغيرهم ، فيكون «من مثله» صفة ل «سورة» ، ويتعلّق بمحذوف على ما تقرر : أي بسورة كائنة (٢) من مثل المنزل في فصاحته ، وإخباره بالغيوب ، وغير ذلك ، ويكون معنى «من» التبعيض.

واختار ابن عطية والمهدويّ أن تكون للبيان ، وأجازا هما وأبو البقاء أن تكون زائدة ولا تجيء إلّا على قول الأخفش.

الثاني : أنها تعود على «عبدنا» فيتعلّق «من مثله» ب «أتوا» ، ويكون معنى «من» ابتداء الغاية ، ويجوز على هذا الوجه أيضا أن تكون صفة لسورة أي : «بسورة كائنة من رجل مثل عبدنا أمي (٣) لا يقرأ ولا يكتب».

قال القرطبي : و «من» على هذين التأويلين للتبعيض.

الثالث : قال أبو البقاء : «إنها تعود على الأنداد بلفظ المفرد كقوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [النحل : ٦٦] ولا حاجة تدعو إلى ذلك ، والمعنى يأباه أيضا.

قال القرطبي : وقيل : يعود على التوراة والإنجيل ، والمعنى : فأتوا بسورة من كتاب مثله ؛ فإنها تصدّق ما فيه ، والوقف على «مثله» ليس بتام ؛ لأن «وادعوا» نسق عليه.

قوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) هذه جملة أمر معطوفة على الأمر قبلها ، فهي في محلّ جزم أيضا ، ووزن «ادعوا» افعوا ؛ لأن لام الكلمة محذوف دلالة على السكون في الأمر الذي هو جزم في المضارع ، و «الواو» ضمير الفاعلين.

و «شهداءكم» مفعول به جمع «شهيد» كظريف.

وقيل : بل جمع «شاهد» ك «شاعر» ، والأوّل أولى ؛ لاطّراد «فعلاء» في «فعيل»

__________________

(١) في أ : كان.

(٢) في أ : كافية.

(٣) في أ : أي.

٤٣٥

دون «فاعل» ، والشهادة الحضور ، وفي المراد من الشهداء وجهان :

الأول : المراد من الشهداء الأوثان.

والثاني : المراد من الشهداء أكابرهم ، أو من يوافقهم في إنكار أمر محمد عليه الصلاة والسلام ، والمعنى : ادعوا أكابركم ، ورؤساءكم ليعينوكم على المعارضة ، أو ليشاهدوا ما تأتون به ، فيكون [الرد على الجميع أوكد](١). و (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلّق ب «ادعوا» من دون الله شهداءكم ، فلا تستشهدوا بالله ، فكأنه قال : وادعوا من غير الله من يشهد لكم ، ويحتمل أن يتعلّق ب «شهداءكم» والمعنى : ادعوا من اتخذتموه من دون الله ، وزعمتم (٢) أنهم يشهدون لكم بصحّة عبادتكم إياهم ، وأعوانكم من دون أولياء الله الذين تستعينون بهم دون الله ، أو يكون معنى (مِنْ دُونِ اللهِ) بين يدي الله ؛ كقوله : [الطويل]

٢٩٣ ـ تريك القذى من دونها وهي دونه

لوجه أخيها في الإناء قطوب (٣)

أي : تريك القذى قدّامها وهي قدّامه ؛ لرقّتها وصفائها.

واختار أبو البقاء (٤) أن يكون (مِنْ دُونِ اللهِ) حالا من «شهداءكم» والعامل فيه محذوف قال : «تقديره : شهداءكم منفردين عن الله ، أو عن أنصار الله».

و «دون» من ظروف الأمكنة ، ولا تتصرّف على المشهور إلا بالجر ب «من».

وزعم الأخفش أنها متصرّفة ، وجعل من ذلك قوله تعالى : (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الجن : ١١] فقال : «دون» مبتدأ و «منّا» خبره ، وإنما بني لإضافته إلى مبنيّ ، وقد شذّ رفعه خبرا في قول الشاعر : [الطويل]

٢٩٤ ـ ألم تر أنّي قد حميت حقيقتي

وباشرت حدّ الموت والموت دونها (٥)

وهو من الأسماء اللّازمة للإضافة لفظا ومعنى.

وأمّا «دون» التي بمعنى رديء فتلك صفة كسائر الصفات ، تقول : «هذا ثوب دون» ، و «رأيت ثوبا دونا» أي : رديئا ، وليست مما نحن فيه.

و «دون» أيضا نقيض «فوق» ويقال : هذا دون ذاك ، أي : أقرب منه ، ويقال في الأخذ بالشّيء : دونكه.

__________________

(١) في أ : المراد الجمع أو كفار.

(٢) في أ : رغبتم.

(٣) البيت للأعشى. ينظر الجمهرة : (٣ / ١١٤) ، الكشاف : (١ / ١٠٠) ، والدر المصون : (١ / ١٥٣).

(٤) ينظر الإملاء : ١ / ٢٥.

(٥) البيت لموسى بن جابر ينظر الدرر : ٣ / ١٣٠ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٣٧١ ، شرح التصريح : ١ / ٢٩٠ ، وشرح شذور الذهب : ص ١٠٦ ، وهمع الهوامع : ١ / ٢١٣ ، شواهد البحر : (١ / ١٢٠) ، وروح المعاني : (١ / ١٩٥) ، والدر المصون : (١ / ١٥٣).

٤٣٦

قال تميم للحجّاج : أقبرنا صالحا ـ وكان قد صلبه ـ فقال : دونكموه.

قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) هذا شرط حذف جوابه للدلالة عليه تقديره : إن كنتم صادقين فافعلوا ، ومتعلّق الصدق محذوف ، والظاهر تقديره هكذا : إن كنتم صادقين في كونكم في ريب من المنزل على عبدنا أنه من عندنا.

وقيل : فيما تقدرون عليه من المعارضة ، وقد صرّح بذلك عنهم في آية أخرى ، حيث قال تعالى حاكيا عنهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [الأنفال : ٣١] والصدق ضد الكذب وقد تقدم ، والصّديق مشتقّ منه لصدقه في الودّ والنّصح ، والصّدق من الرماح : الصّلبة.

فصل في التهكم بالكافرين

قال ابن الخطيب : «وفي أمرهم بأن يستظهروا بالجماد الذي ينطق في معارضة القرآن المعجز بالفصاحة غاية التهكم بهم».

فصل في الاحتجاج على الجبرية

قال القاضي : هذا التحدّي يبطل القول بالجبر من وجوه :

أحدها : أنه مبني على تعذّر مثله ممن يصح الفعل منه ، فمن ينفي كون العبد فاعلا لم يمكنه إثبات التحدّي أصلا ، وفي هذا إبطال الاستدلال بالمعجز.

وثانيها : أن تعذّره على قولهم يكون لفقد القدرة الموجودة ، ويستوي في ذلك ما كان معجزا ، وما لا يكون ، فلا يصح معنى التحدي على قولهم.

وثالثها : أن ما يضاف إلى العبد فالله ـ تعالى ـ هو الخالق له ، فتحديه يعود في التحقيق (١) إلى أنه متحدّ لنفسه ، وهو قادر على مثله من غير شك فيجب ألا يثبت الإعجاز على هذا القول.

ورابعها : أنّ المعجز إنما يدلّ بما فيه من بعض العادة ، فإذا كان من قولهم : إن المعتاد أيضا ليس بفعل لم يثبت هذا الفرق ، فلا يصحّ الاستدلال بالمعجز.

وخامسها : أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحتج بأنه ـ تعالى ـ إنما خصّه بذلك ، تصديقا له فيما ادّعاه ، ولو لم يكن ذلك من قبله ـ تعالى ـ لم يكن داخلا في الإعجاز ، وعلى قولهم بالجبر لا يصح هذا الفرق ؛ لأن المعتاد وغير المعتاد لا يكون إلّا من قبله.

والجواب : أن المطلوب من التحدي أن يأتي الخصم بالمتحدّى به قصدا ، وأن يقع ذلك منه اتفاقا.

__________________

(١) في أ : التخليق.

٤٣٧

والثاني باطل ؛ لأن الاتفاقيات لا تكون في وسعه ؛ فثبت الأول ، وإذا كان كذلك ثبت أن إتيانه بالمتحدى موقوف على أن يحصل في قلبه (١) قصد إليه ، فذاك (٢) القصد إن كان منه لزم التسلسل ، وهو محال ، وإن كان من الله ـ تعالى ـ فحينئذ يعود الجبر ، ويلزمه كل ما أورده علينا ، فبطل كل ما قال.

قوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) «إن» الشرطية داخلة على جملة «لم تفعلوا» و «تفعلوا» مجزوم ب «لم» ، كما تدخل «إن» الشرطية على فعل منفي ب «لا» نحو : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) [الأنفال : ٧٣] ، فيكون لم تفعلوا في محل جزم بها.

وقوله : «فاتقوا» جواب الشّرط ، ويكون قوله : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) جملة معترضة بين الشرط وجزائه (٣).

وقال جماعة من المفسّرين : معنى الآية : وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، [ولن تفعلوا فإن لم تفعلوا فاتقوا النّار ، وفيه نظر لا يخفى ، وإنما قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا(٤) وَلَنْ تَفْعَلُوا) فعبر بالفعل عن الإتيان ؛ لأن الفعل يجري مجرى الكناية ، فيعبر به عن كل فعل ، ويغني عن طول ما تكنى به.

وقال الزمخشري (٥) : «لو لم يعدل من لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل ، لاستطيع أن يقال : فإن لم تأتوا بسورة من مثله ، ولن تأتوا بسورة من مثله».

قال أبو حيان : «ولا يلزم ما قال ؛ لأنه لو قال : «فإن لم تأتوا ولن تأتوا» كان المعنى على ما ذكر ، ويكون قد حذف ذلك اختصارا ، كما حذف اختصارا مفعول «لم تفعلوا ، ولن تفعلوا» ألا [ترى](٦) أن التقدير : فإن لم تفعلوا الإتيان بسورة من مثله ، ولن تفعلوا الإتيان بسورة من مثله؟».

فإن قيل : كيف دخلت «إن» على «لم» ولا يدخل عامل على عامل (٧)؟

فالجواب : أنّ «إن» ها هنا غير عاملة في اللفظ ، ودخلت على «لم» كما تدخل على الماضي ، لأنها لا تعمل في «لم» كما لم تعمل في الماضي ، فمعنى «إن لم تفعلوا» إن تركتم الفعل.

و «لن» حرف نصف معناه نفي المستقبل ، ويختص بصيغة المضارع ك «لم» ، ولا يقتضي نفيه التّأبيد ، وليس أقلّ مدة من نفي «لا» ، ولا نونه (٨) بدلا من ألف «لا» ، ولا هو مركّبا من «لا أن» ؛ خلافا للخليل ، وزعم قوم أنها قد تجزم ، منهم أبو عبيدة ؛ وأنشدوا : [الخفيف]

__________________

(١) في ب : قبله.

(٢) في أ : هذا.

(٣) في أ : وجوابه.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر الكشاف : ١ / ١٠١.

(٦) سقط في أ.

(٧) في أ : فاعل.

(٨) في أ : كونه.

٤٣٨

٢٩٥ ـ لن يخب الآن من رجائك من حر

رك من دون بابك الحلقه (١)

وقال النابغة : [البسيط]

٢٩ ـ ...........

فلن أعرّض أبيت اللّعن بالصّفد (٢)

ويمكن تأويل ذلك بأنه مما سكّن فيه للضّرورة.

قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ) هذا جواب الشرط كما تقدم ، والكثير في لغة العرب : «اتّقى يتّقي» على افتعل يفتعل ، ولغة «تميم» و «أسد» : تقى يتقي ؛ مثل : رمى يرمي ، فيسكنون ما بعد حرف المضارعة ؛ حكى هذه اللغة سيبويه ، ومنهم من يحرك ما بعد حرف المضارعة ؛ وأنشدوا : [الوافر]

٢٩٧ ـ تقوه أيّها الفتيان إنّي

رأيت الله قد غلب الجدودا (٣)

وقال آخر : [الطويل]

٢٩ ـ ...........

تق الله فينا والكتاب الّذي تتلو (٤)

قوله تعالى : (النَّارَ) مفعول به ، و «الّتي» صفتها ، وفيها أربع اللغات المتقدّمة ، كقوله : [الكامل]

٢٩٩ ـ شغفت بك اللّت تيّمتك فمثل ما

بك ما بها من لوعة وغرام (٥)

وقال آخر : [الوافر]

٣٠٠ ـ فقل للّت تلومك إنّ نفسي

أراها لا تعوّذ بالتّميم (٦)

__________________

(١) البيت لأعرابي ينظر الدرر : ٤ / ٦٣ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٦٨٨ ، الأشباه والنظائر : ١ / ٣٣٦ ، وشرح الأشموني : ٣ / ٥٤٨ ، ومغني اللبيب : ١ / ٢٨٥ ، وهمع الهوامع : ٢ / ٤ ، وروح المعاني : (١ / ١٩٨) ، والدر المصون : (١ / ١٥٤).

(٢) عجز بيت وصدره :

هذا الثناء فإن تسمع لقائله

ينظر ديوانه : (٢٥) ، القرطبي : (١ / ١٦٣) ، المحرر الوجيز : (١ / ١٠٧) ، الدر المصون : (١ / ١٥٥).

(٣) البيت لخداش بن زهير. ينظر سر صناعة الإعراب : ١ / ١٩٨ ، والمقاصد النحوية : ٢ / ٣٧١ ، ونوادر أبي زيد : ص ٢٧ ، والممتع في التصريف : ١ / ٢٢٣ ، والمنصف : ١ / ٢٩٠ والدر المصون : (١ / ١٥٥).

(٤) عجز بيت لعبد الله بن همام السلولي وصدره :

زيادتنا نعمان لا تحرمننا

ينظر الخصائص : (٢ / ٢٨٦) ، المحتسب : (٢ / ٣٧٢) ، الأمالي الشجرية : (١ / ٢٠٥) ، اللسان : (تخذ) ، والدر المصون : (١ / ١٥٥).

(٥) ينظر الهمع : (١ / ٨٢) ، أمالي ابن الشجري : ٢ / ٣٠٨ ، والدرر : ١ / ٥٦ ، والخزانة : ٢ / ٢٩٩ ، والدر المصون : ١ / ١٥٥.

(٦) ينظر خزانة الأدب : ٦ / ٦ ، والدر : ١ / ٢٥٨ ، والأزهية : ص ٣٠٣ ، وهمع الهوامع : ١ / ٨٢ ، وأمالي ابن الشجري : (٢ / ٣٠٨) ، والدر المصون : (١ / ١٥٥).

٤٣٩

و (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) جملة من مبتدأ وخبر ، صلة وعائد ، والألف واللام في «النار» للعهد.

فإن قيل : الصّلة مقررة ، فيجب أن تكون معلومة فكيف علم أولئك أن نار الآخرة توقد بالناس والحجارة؟

والجواب : لا يمتنع أن يتقدّم لهم بذلك الصّلة معهودة عند السامع بدليل قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠] وقوله : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم : ١٦] وقوله : (فَغَشَّاها ما غَشَّى) [النجم : ٥٤] وقال : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) [طه : ٧٨] إلا أنه خلاف المشهور أو لتقدم ذكرها في سورة التحريم ـ وهي مدنية بالاتفاق ـ وقد غلط الزمخشري في ذلك.

والمشهور فتح واو الوقود ، وهو اسم ما يوقد به.

وقيل : هو مصدر كالولوع والقبول والوضوء والطّهور ، ولم يجىء مصدر على «فعول» غير هذه الألفاظ فيما حكاه سيبويه.

وزاد الكسائي : الوزوع. وقرىء (١) شاذّا في سورة «ق» (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨] فتصير سبعة ، وهناك ذكرت هذه القراءة ، ولكن المشهور أن الوقود والوضوء والطّهور بالفتح اسم ، وبالضم مصدر.

وقرأ (٢) عيسى بن عمر بفتحها وهو مصدر.

وقال ابن عطية : وقد حكيا جميعا في الحطب ، وقد حكيا في المصدر. انتهى.

فإن أريد اسم ما يوقد به فلا حاجة إلى تأويل ، وإن أريد بهما المصدر فلا بد من تأويل ، وهو إما المبالغة أي : جعلوا نفس التوقد مبالغة في وضعهم بالعذاب ، وإمّا حذف مضاف ، إمّا من الأول أي أصحاب توقدها ، وإمّا من الثاني أي : يوقدها إحراق الناس ، ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه. والهاء في «الحجارة» لتأنيث الجمع.

فصل في تثنية «الّتي» وجمعه

وفي تثنية «الّتي» ثلاث لغات :

«اللّتان» ، و «اللّتا» بحذف النون ، و «اللّتانّ» بتشديد النون ، وفي جمعها خمس

__________________

(١) ستأتي في سورة ق آية (٣٨).

(٢) قرأ بها مجاهد ، وطلحة ، وأبو حيوة ، وعيسى بن عمر الهمداني ، واختلف عن الحسن.

انظر المحرر الوجيز : ١ / ١٠٧ ، وقال ابن عطية : قال ابن جني : من قرأ بضمّ الواو ، فهو على حذف مضاف ، تقديره : ذو وقودها ؛ لأن الوقود بالضمّ مصدر ، وليس بالناس ، وقد جاء عنهم : الوقود بالفتح في المصدر ؛ ومثله ولعت به «ولوعا» بفتح الواو ، وكله شاذّ ، والباب هو الضم. ا ه.

ينظر البحر المحيط : ١ / ٢٤٩ ، والدر المصون : ١ / ١٥٥ ، والقرطبي : ١ / ١٦٤

٤٤٠