اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

__________________

ـ وذهب آخرون : إلى أنه «حجّة إلهيّة» ، وضعها الشارع لمعرفة حكمه ؛ فهو أمر موجود في ذاته ، وليس فعلا لأحد ؛ ولذلك يقال : القياس مظهر لا مثبت. فنقول : تعريف القياس ، بناء على أنّه التّسوية في الحكم. وأصحاب الرأي الذاهب إلى أن القياس هو التسوية في الحكم ، عرّفوه بعبارات مختلفة نقتصر منها بأربعة ، وهذا نصها :

١ ـ قال البيضاويّ في «المنهاج» : القياس إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر ، لاشتراكهما في علّة الحكم عند المثبت.

قال السّبكيّ في «الإبهاج» : هذا التعريف أيّده الإمام في «المعالم» ، ويؤخذ من ذلك ؛ أنّه لم يذكره في «المحصول» ، وإلّا فنسبته إلى «المحصول» الذي هو أصل «المنهاج» أقرب. وقال العلامة جمال الدين الإسنويّ : «هذا التعريف هو المختار عند الإمام وأتباعه».

وفي الحقيقة : إن هذا التعريف مذكور في «المحصول» وإن أصله لأبي الحسين البصريّ ، وأنّ الإمام غيّر بعض قيوده بما هو أحسن منها.

ونصّ عبارة «المحصول» : هو أنه تحصيل حكم الأصل في الفرع ؛ لاشتباههما في علّة الحكم عند المجتهد ؛ وهو قريب ، وأظهر منه أن يقال : إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم آخر ؛ لاشتباههما في علّة الحكم عند المثبت ، وهذا التعريف هو عين ما ذكره في «المنهاج» ، غير أنه أبدل «اشتباههما» ب «اشتراكهما» ومعناهما واحد.

٢ ـ وقال ابن السّبكيّ في «جمع الجوامع» : القياس حمل معلوم على معلوم لمساواته في علّة حكمه عند الحامل.

وأصل هذا التعريف للقاضي أبي بكر الباقلّانيّ ، وعبارته على ما في «المحصول والإحكام» و «البحر المحيط» للزركشيّ ، و «البرهان» لإمام الحرمين هي : «القياس حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما ؛ بأمر جامع بينهما من حكم أو صفة أو نفيهما عنه» ، هذا ، وقد ذكر أمير بادشاه في «تيسير التّحرير» : أن هذا التعريف ليس هو لفظ القاضي ، بل معناه ؛ إذ لفظه في تعريف «القياس» : «حمل أحد المعلومين على الآخر في إيجاب بعض الأحكام لهما ، أو إسقاطه عنهما بأمر جامع بينهما فيه أيّ أمر كان من إثبات صفة وحكم لهما ، أو نفي ذلك عنهما» ونلاحظ على كلا النقلتين أنه لا تنافي بين التعريفين المذكورين ؛ فالكلام على أحدهما يعتبر كلاما على الآخر.

٣ ـ وقال صدر الشّريعة في «التوضيح» : القياس تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع ؛ لعلّة متّحدة لا تدرك بمجرّد فهم اللّغة.

٤ ـ وقال أبو منصور الماتريديّ : القياس : إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علّته في الآخر.

وتعريف القياس ، بناء على أنّه المساواة في العلّة الرأي الذّاهب إلى أنّ القياس هو المساواة في العلّة عرّفوه بعبارات مختلفة نقتصر منها بأربعة ، وهذا نصها :

١ ـ قال الآمديّ في «الإحكام» : المختار في حدّ القياس أن يقال : إنّه عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل.

٢ ـ وقال الكمال في «التحرير» : وفي الاصطلاح : مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعيّ ، لا تدرك من نصّه بمجرّد فهم اللّغة.

٣ ـ وقال ابن الحاجب في «المختصر» : وفي الاصطلاح : مساواة فرع لأصل في علّة حكمه. ـ

٢٤١

وأما القياس](١) فباطل ؛ لأن التعبدّات غالبة على الصّلاة ، وفي مثل هذه الصورة يجب ترك القياس.

الحجّة الثالثة عشرة : أن النبي ـ عليه الصّلاة والسلام ـ واظب على الصّلاة بها طول عمره ، فيكون قراءة غير الفاتحة ابتداعا وتركا للاتباع ، وذلك حرام لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اتّبعوا ولا تبتدعوا» ، و «أحسن الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها» (٢).

واحتج أبو حنيفة ـ رضي الله تعالى عنه ـ بالقرآن والخبر.

أما القرآن الكريم فقوله تبارك وتعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).

وأما الخبر فما روى أبو عثمان النهدي (٣) عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنهما ـ

__________________

ـ وتحقيق ذلك أن القياس من أدلّة الأحكام ، فلا بدّ من حكم مطلوب به ، وله محلّ ضرورة ، والمقصود إثباته فيه ؛ لثبوته في محلّ آخر يقاس هذا به ، فكان الأوّل فرعا ، والثّاني أصلا ؛ لحاجة الأوّل إليه ، وابتنائه عليه ، ولا يمكن ذلك في كلّ شيئين ، بل إذا كان بينهما أمر مشترك ، ولا كل مشترك بل مشترك يوجب الاشتراك في الحكم بأنّه يستلزمه ، ويسمّى علّة الحكم ، فلا بدّ أن يعلم علّة الحكم في الأصل ، ويعلم ثبوت مثلها في الفرع ؛ إذ ثبوت عينها في الفرع ممّا لا يتصوّر ؛ لأنّ المعنى الشخصيّ لا يقوم بعينه بمجابين ، وبذلك يحصل ظنّ مثل الحكم في الفرع.

٤ ـ وقال محبّ الله البهاريّ في «مسلّم الثّبوت» : واصطلاحا : مساواة المسكوت للمنصوص في علّة الحكم.

ينظر مباحب القياس في : البرهان لإمام الحرمين : ٢ / ٧٤٣ ، البحر المحيط للزركشي : ٥ / ٥ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ٣ / ١٦٧ ، سلاسل الذهب للزركشي : ص ٣٦٤ ، التمهيد للإسنوي : ص ٤٦٣ ، نهاية السول له : ٤ / ٢ ، زوائد الأصول له : ص ٣٧٤ ، منهاج العقول للبدخشي : ٣ / ٣ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري : ص ٢١١ ، التحصيل من المحصول للأرموي : ٢ / ١٥٥ ، المنخول للغزالي : ص ٣٢٣ ، المستصفى له : ٢ / ٢٢٨ ، حاشية البناني : ٢ / ٢٠٢ ، الإبهاج لابن السبكي : ٣ / ٣ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي : ٤ / ٢ ، حاشية العطار على جمع الجوامع : ٢ / ٢٣٩ ، المعتمد لأبي الحسين : ٢ / ١٩٥ ، إحكام الفصول في أحكام الأصول للباجي : ص ٥٢٨ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : ٧ / ٣٦٨ ، ٧٨ / ٤٨٧ ، أعلام الموقعين لابن القيم : ١ / ١٠١ ، التحرير لابن الهمام : ص ٤١٥ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه : ٣ / ٢٦٣ ، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج : ٣ / ١١٧ ، ميزان الأصول للسمرقندي : ٢ / ٩ / ٧ ، كشف الأسرار للنسفي : ٢ / ١٩٦ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهي : ٢ / ٢٤٧ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني : ٢ / ٥٢ ، حاشية نسمات الأسحار لابن عابدين : ص ٢١٢ ، شرح المنار لابن ملك : ص ١٠٣ ، الوجيز للكراماستي : ص ٦٤ ، تقريب الوصول لابن جزيّ : ص ١٣٤ ، إرشاد الفحول للشوكاني : ص ١٩٨ ، شرح مختصر المنار للكوراني : ص ١٠٣ ، شرح الكوكب المنير للفتوحي : ص ٤٧٩.

(١) سقط في أ.

(٢) أخرجه ابن ماجة في السنن (١ / ١٧) المقدمة باب اجتناب البدع والدجل ـ وأحمد في المسند (٣ / ٣١٠ ، ٣٧١) وذكره الهيثمي في الزوائد (١ / ١٨٤) ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم (١١١٢).

(٣) عبد الرحمن بن مل بضم أوله وكسر اللام ابن عمرو بن عدي النهدي أبو عثمان الكوفي ، أسلم وصدق ـ

٢٤٢

قال : «أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أخرج وأنادي : لا صلاة إلا بقراءة ، ولو بفاتحة الكتاب» (١).

والجواب عن الأول : أنا بيّنا أنّ هذه الآية من أقوى الدلائل على قولنا.

وعن الثاني : أنه معارض بما نقل عن أبي هريرة ، وأيضا لا يجوز أن يقال : المراد من قوله : «لا صلاة إلا بقراءة ، ولو بفاتحة الكتاب» هو أنه لو اقتصر على الفاتحة لكفى.

فصل في بيان هل التسمية آية من الفاتحة أم لا؟

قال الشافعي ـ رضي الله عنه ـ : التّسمية آية من الفاتحة ، ويجب قراءتها مع الفاتحة ، وقال مالك والأوزاعي ـ رضي الله تعالى عنهما ـ : إنها ليست من القرآن إلّا في سورة النّمل ، ولا يجب قراءتها سرّا ولا جهرا ، إلّا في قيام شهر رمضان ، فإنه يقرؤها.

وأما أبو حنيفة ـ رحمه‌الله ـ فلم ينص عليها ، وإنما قال : يقول : بسم الله الرحمن الرحيم ويسرّ بها ، ولم يقل : إنها آية من أول السورة أم لا.

قال : سئل محمد بن الحسن ـ رحمه‌الله ـ عن «بسم الله الرحمن الرحيم» فقال : ما بين الدّفّتين كلام الله ـ عزوجل ـ القرآن.

قلت : فلم يسرّ بها؟ فلم يجبني.

وقال الكرخي (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : لا أعرف هذه المسألة بعينها لمتقدّمي أصحابنا ، إلا أن أمرهم بإخفائها يدل على أنها ليست من السورة.

وقال بعض الحنفية ـ رحمهم‌الله ـ : تورّع أبو حنيفة وأصحابه ـ رحمهم‌الله ـ عن الوقوع في هذه المسألة ؛ لأن الخوض في أن التسمية من القرآن ، أو ليست من القرآن أمر عظيم ، فالأولى السّكوت عنه.

حجّة من قال : إن التسمية من الفاتحة :

__________________

ـ ولم ير النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن عمر وعلي وأبي ذر ، وعنه قتادة وأيوب وأبو التياح والجريري وخلق. وثقه ابن المديني وأبو حاتم والنسائي ، قال سليمان التيمي : إني لأحسب أبا عثمان كان لا يصيب ذنبا ، كان ليله قائما ونهاره صائما ، وقيل : إنه حج واعتمر ستين مرة ، قال عمرو بن علي : مات سنة خمس وتسعين ، وقال ابن معين : سنة مائة عن أكثر من مائة وثلاثين سنة. ينظر تهذيب الكمال : ٢ / ٨١٩ ، تهذيب التهذيب : ٦ / ٢٧٧ (٥٤٦) ، تقريب التهذيب : ١ / ٤٩٩ (١١٢٣) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ١٥٣ ، الكاشف : ٢ / ١٨٧.

(١) أخرجه الدارقطني في السنن ١ / ٣٣١ باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام.

(٢) عبيد الله بن الحسين الكرخي ، أبو الحسن : فقيه ، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق ولد ٢٦٠ ه‍ له رسالة في الأصول التي عليها مدار فروع الحنفية ، شرح الجامع الصغير ، شرح الجامع الكبير. توفي في بغداد ٣٤٠ ه‍. ينظر الأعلام : ٤ / ١٩٣ ، تاريخ بغداد : ١٠ / ٣٥٣ ـ ٣٥٥ ، الفوائد البهية : ص ١٠٨ ـ ١٠٩ ، هدية العارفين : ١ / ٦٤٦.

٢٤٣

روى الشافعي عن مسلم عن ابن جريج (١) عن ابن أبي مليكة (٢) عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : «قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاتحة الكتاب ، فعد (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية منها و (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) آية ، (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية ، (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) آية ، (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) آية ، (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) آية ، (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) آية» (٣) ، وهذا نصّ صريح.

وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن أبي بريدة (٤) عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود ـ عليهما‌السلام ـ غيري»؟ فقلت : بلى قال :

«بأي شيء يفتتح القرآن إذا افتتحت الصّلاة؟» قلت : ببسم الله الرحمن الرحيم قال : «هي هي» (٥). وهذا يدل على أنّ التسمية من القرآن.

وروى الثّعلبي بإسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أنّ النبي ـ عليه الصّلاة والسلام ـ قال له : «كيف تقول إذا قمت إلى الصّلاة»؟ قال :

__________________

(١) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو الوليد وأبو خالد المكي الفقيه أحد الأعلام عن ابن أبي مليكة وعكرمة مرسلا. وعن طاوس ومجاهد ونافع وخلق. وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري أكبر منه والأوزاعي والسفيانان وخلق. قال أبو نعيم : مات سنة خمسين ومائة.

ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ٢ / ٨٥٥ ، تهذيب التهذيب : ٦ / ٤٠٢ (٨٥٥) تقريب التهذيب : ١ / ٥٢٠ (١٣٢٤) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ١٧٨ ، الكاشف : ٢ / ٢١٠ ، تاريخ البخاري الكبير : ٥ / ٤٢٢ ، تاريخ البخاري الصغير : ٢ / ٩٨ ، ٩٩ ، ١١١ ، الجرح والتعديل : ٥ / ١٦٨٧ ، ميزان الاعتدال : ٢ / ٦٥٩ ، لسان الميزان : ٧ / ٢٩٢.

(٢) عبد الله بن عبيد الله بن زهير وهو أبو مليكة بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي أبو بكر المكي عن عائشة وأم سلمة وأسماء وابن عباس ، وأدرك ثلاثين من الصحابة رضي الله عنهم ، وعنه ابنه يحيى وعطاء وعمرو بن دينار. وثقه أبو حاتم وأبو زرعة.

قال البخاري : مات سنة سبع عشرة ومائة.

ينظر تهذيب الكمال : ٢ / ٧٠٧ ، تهذيب التهذيب : ٥ / ٣٠٦ (٥٢٣) ، تقريب التهذيب : ١ / ٤٣١ (٤٥٢) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ٧٦ ، الكاشف : ٢ / ١٠٦ ، تاريخ البخاري الكبير : ٥ / ١٣٧.

(٣) أخرجه الدارقطني في السنن ١ / ٣٠٧ ، ٣١٦ باب وجوب قراءة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في الصلاة والجهر بها.

قال الدارقطني قوله عمر بن هارون البلخي قال فيه ابن مهدي وأحمد والنسائي متروك الحديث وقال يحيى كذاب خبيث وقال أبو داود غير ثقة وقال علي والدارقطني ضعيف جدا وقال ابن المديني ضعيف جدّا. اه.

(٤) بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي. روى عنه ابنه عبيد الله وأبو المليح عامر. له ١٦٤ حديثا. كان آخر من مات بخراسان من الصحابة ـ مات بمرو سنة ٦٢ ـ.

انظر خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ١٢١.

(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور : ١ / ٧ ، وعزاه للطبراني والدارقطني والبيهقي بسند ضعيف عن بريدة.

٢٤٤

أقول : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال : «قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (١).

وروى أيضا بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تبارك وتعالى : (آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) [الحجر : ٨٧] قال : فاتحة الكتاب ، فقيل للنابغة (٢) : أين السّابعة؟ فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

وبإسناده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المسجد ، والنبي يحدث أصحابه ، إذ دخل رجل يصلّي ، فافتتح الصّلاة وتعوّذ ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين ، فسمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا رجل ، قطعت على نفسك الصّلاة ، أما علمت أن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من الحمد؟ من تركها فقد ترك آية منها ، ومن ترك آية منها فقد قطع عليه صلاته ، فإنه لا صلاة إلا بها (٣).

وروى بإسناده عن طلحة بن عبيد الله (٤) ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : «من ترك بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فقد ترك آية من كتاب الله تعالى».

وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبيّ بن كعب ـ رضي الله عنهما ـ : «ما أعظم آية في كتاب الله تعالى»؟ فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فصدقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومعلوم أنها ليست آية تامّة في النمل ، فتعيّن أن تكون آية تامة في أوّل الفاتحة.

__________________

(١) أخرجه أبو داود في السنن ١ / ٢٧٠ عن جابر ولفظه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للفتى كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت قال أقرأ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار وإني لا أدري ما دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني ومعاذ حول هاتين أو نحو هذا. راجع سنن أبي داود ٢ / ٢٧٠ كتاب الصلاة باب في تخفيف الصلاة حديث رقم ٧٩٣.

(٢) زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة شاعر جاهلي وكان الأعشى وحسان والخنساء ممن يعرض شعره على النابغة ، كان أحسن شعراء العرب ديباجة ، عاش عمرا طويلا توفي في ١٨ ق ه.

ينظر شرح شواهد المغني : ٢٩ ، معاهد التنصيص : ١ / ٣٣٣ ، الأغاني : ١١ / ٣ ، وجمهرة : ٢٦ ، ٥٢ ، ونهاية الأرب : ٣ / ٥٩ ، والشعر والشعراء : ٣٨ ، الأعلام : ٣ / ٥٤.

(٣) أخرجه الدارقطني في السنن ١ / ٣٠٢ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ١ / ٧ وعزاه للثعلبي عن علي.

(٤) طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة التيمي أبو محمد المدني أحد العشرة والستة الشورى وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، وضرب له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهم يوم بدر ، وأبلى يوم أحد بلاء شديدا ، له ثمانية وثلاثون حديثا ، وعنه مالك بن أبي عامر والسائب بن يزيد وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي عن عائشة كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد قال : ذلك يوم كله لطلحة ، وسماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وطلحة الفياض ، استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وخلف ثلاثين ألف ألف درهم ، ومن العين ألفي ألف ومائتي ألف دينار ، رضي الله عنه.

ينظر الخلاصة : ٢ / ١١ ، ١٢ ، تهذيب الكمال : ٢ / ٦٢٨ ، تهذيب التهذيب : ٥ / ٢٠ (٣٥) ، الكاشف : ٢ / ٤٣ ، تاريخ البخاري الكبير : ٤ / ٣٤٤ ، الجرح والتعديل : ٤ / ص ٤٧١.

٢٤٥

وروي أن معاوية (١) ـ رضي الله عنه ـ لما قدم «المدينة» فصلّى بالناس صلاة يجهر فيها ، فقرأ أمّ القرآن ، ولم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢) ، فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت؟ أين (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حين استفتحت القرآن؟

فأعاد معاوية الصّلاة ، وقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.)

وهذا يدلّ على إجماع الصّحابة على أنها من القرآن ومن الفاتحة ، وعلى أن الأولى الجهر بقراءتها.

فصل في بيان عدد آيات الفاتحة

حكي عن الزّمخشري : الاتفاق على كون الفاتحة سبع آيات.

وحكى ابن عطية قولين آخرين :

أحدهما : هي ستّ آيات ، فأسقط البسملة ، وأسقط (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).

والثاني : أنها ثماني آيات فأثبتهما.

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله تعالى ـ : رأيت في بعض الروايات الشّاذة أن الحسن البصري ـ رضي الله تعالى عنه ـ كان يقول : إنّ هذه السورة ثماني آيات ، فأما الرواية المشهورة التي عليها الأكثرون أنها سبع آيات ، وبه فسّروا قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) [الحجر : ٨٧].

إذا ثبت هذا ، فنقول : إنّ الذين قالوا : إن البسملة آية من الفاتحة قالوا : قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧] إلى آخرها آية تامة منها.

وأما أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ فإنه لما أسقط البسملة قال : قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية ، وقوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) آية آخرى.

ودليل الشّافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن مقطع قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ

__________________

(١) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي أبو عبد الرحمن ، أسلم زمن الفتح له مائة وثلاثون حديثا. اتفقا على أربعة. وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة وعنه أبو ذر مع تقدمه وابن عباس ومن التابعين جبير بن نفير وابن المسيب وخلق. قال الحافظ شمس الدين الذهبي : ولي الشام عشرين سنة وملك عشرين سنة ، وكان حليما كريما سائسا عاقلا ، خليقا للإمارة كامل السؤدد ذا دهاء ورأي ومكر ، كأنما خلق للملك ، وقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن ملكت فاعدل» توفي في رجب سنة ستين.

ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ٣ / ١٣٤٤ ، تهذيب التهذيب : ١٠ / ٢٠٧ (٣٨٥) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٣ / ٣٩.

(٢) أخرجه الدارقطني في السنن ١ / ٣١١.

٢٤٦

أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) لا يشابه مقطع الآيات المتقدمة ، ورعاية التشابه في المقاطع لا زم ، لأنا وجدنا مقاطع القرآن على ضربين : متقاربة ، ومتشاكلة. فالمتقاربة كسورة «ق».

والمتشاكلة في سورة «القمر» ، وقوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ليس من القسمين ، فامتنع جعله من المقاطع.

وأيضا إذا جعلنا قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ابتداء آية ، فقد جعلنا أول الآية لفظ «غير» ، وهذا اللفظ إما أن يكون صفة لما قبله ، أو استثناء مما قبله ، والصفة مع الموصوف كالشيء الواحد ، وكذلك المستثنى مع المستثنى منه كالشيء الواحد ، وإيقاع الفصل [بينهما](١) على خلاف الدليل ، أما إذا جعلنا قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) إلى آخر السورة آية واحدة [كنا قد جعلنا الموصوف مع الصفة ، وكذلك المستثنى مع المستثنى منه كلاما واحدا ، وآية واحدة](٢) ، وذلك أقرب إلى الدليل.

فصل هل البسملة آية من أوائل السور أم لا؟

وللشافعي قولان :

قال ابن الخطيب : «والمحققون من أصحابنا (٣) اتفقوا على أن بسم الله قرآن من سائر السور ، وجعلوا القولين في أنها هل هي آية تامة وحدها من كل سورة ، أو هي مع ما بعدها آية».

وقال بعض الحنفية : إن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة ؛ لأن أحدا ممن قبله لم يقل : إن (بِسْمِ اللهِ) آية من أوائل سائر السور.

ودليلنا أن (بِسْمِ اللهِ) مكتوب في أوائل السور بخط القرآن ، فوجب كونه قرآنا ، واحتج المخالف بما روى أبو هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ قال في سورة «الملك» إنها ثلاثون آية ، وفي سورة «الكوثر» إنها ثلاث آيات ، ثم أجمعوا على أن هذا العدد حاصل بدون التسمية ، فوجب ألا تكون التسمية آية من هذه السور.

والجواب أنا إذا قلنا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع ما بعدها آية واحدة ، فالإشكال زائل.

فإن قالوا : لما اعترفتم بأنها آية تامة من أول الفاتحة ، فكيف يمكنكم أن تقولوا : إنها بعض آية من سائر السور؟

قلنا : هذا غير بعيد ، ألا ترى أن قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) آية تامة؟

ثم صار مجموع قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠] آية واحدة ، فكذا هاهنا.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) في ب : الأصحاب.

٢٤٧

وأيضا فقوله : سورة «الكوثر» ثلاث آيات يعني ما هو خاصية هذه السورة ثلاث آيات ، وأما التسمية فهي كالشيء المشترك فيه بين جميع السور ، فسقط هذا السؤال ، والله أعلم.

فصل في الجهر بالتسمية والإسرار بها

يروى عن أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ أن التسمية آية من الفاتحة إلا أنه يسر بها في كل ركعة.

وأما الشافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ فإنه قال : ليست آية من الفاتحة ويجهر بها.

وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : ليست آية من الفاتحة ، ولا يجهر بها.

والاستقراء دل على أن السورة الواحدة ، إما أن تكون بتمامها سرية أو جهرية ، وإما أن يكون بعضها سريا ، وبعضها جهريا ، فهذا مفقود في جميع السور ، وإذا ثبت هذا كان الجهر بالتسمية شروعا في القراءة الجهرية.

وقالت الشيعة : السنة هي الجهر بالتسمية ، سواء كانت الصلاة [جهرية أو سرية](١).

والذين قالوا : إن التسمية ليست من أوائل السور اختلفوا في سبب إثباتها في المصحف في أول كل سورة ، وفيه قولان :

الأول : أن التسمية ليست من القرآن ، وهؤلاء فريقان :

منهم من قال : كتبت للفصل بين السور ، وهذا الفصل قد صار الآن معلوما ، فلا حاجة إلى إثبات التسمية ، فعلى هذا لو لم تكتب لجاز.

ومنهم من قال : إنه يجب إثباتها في المصحف ، ولا يجوز تركها أبدا.

والقول الثاني : أنها من القرآن ، وقد أنزلها الله تعالى ، ولكنها آية مستقلة بنفسها ، وليست بآية من السورة ، وهؤلاء أيضا فريقان :

منهم من قال : إن الله ـ تعالى ـ كان ينزلها في أول كل سورة على حدة.

ومنهم من قال : لا ، أنزلها مرة واحدة ، وأمر بإثباتها في [أول](٢) كل سورة.

والذي يدل على أن الله ـ تعالى ـ أنزلها ، وعلى أنها من القرآن ما روي عن أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يعد «بسم الله الرحمن الرحيم» آية فاصلة.

وعن إبراهيم بن يزيد قال : قلت لعمرو بن دينار (٣) : إن الفضل الرقاشي يزعم أن

__________________

(١) في أ : السرية أو الجهرية.

(٢) سقط في أ.

(٣) عمرو بن دينار الجمحي مولاهم أبو محمد المكي الأثرم ، أحد الأعلام ، عن العبادلة وكريب ومجاهد وخلق ، وعنه قتادة وأيوب وشعبة والسفيانان والحمادان وخلق ، قال ابن المديني : له خمسمائة حديث قال مسعر : كان ثقة ثقة ثقة. قال الواقدي مات سنة خمس عشرة ومائة ، وقال ابن عيينة : في أول سنة ست عشرة. ـ

٢٤٨

«بسم الله الرحمن الرحيم» ليست من القرآن ، فقال : سبحان الله ما أجرأ هذا الرجل! سمعت سعيد بن جبير يقول : سمعت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول : كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا أنزل عليه «بسم الله الرحمن الرحيم» علم أن تلك السورة ختمت وفتح غيرها.

وعن عبد الله بن المبارك أنه قال : من ترك «بسم الله الرحمن الرحيم» فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية.

فصل

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله ـ : نقل في بعض الكتاب القديمة أن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن الكريم ، وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن.

واعلم أن هذا في غاية الصعوبة ؛ لأنا إن قلنا : إن النقل المتواتر كان حاصلا في عصر الصحابة (١) بكون سورة الفاتحة من القرآن ، فحينئذ كان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عالما بذلك فإنكاره يوجب الكفر أو نقصان العقل.

وإن قلنا : النقل المتواتر ما كان حاصلا في ذلك الزمان فهذا يقتضي أن يقال : إن نقل القرآن ليس بمتواتر في الأصل ، وذلك يخرج القرآن عن كونه حجة يقينية.

والأغلب على الظن أن يقال : هذا المذهب عن ابن مسعود نقل كاذب باطل ، وبه يحصل الخلاص عن هذه العقدة ، والله الهادي إلى الصواب ، وإليه يرجع الأمر كله في الأول والمآب.

__________________

ـ ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ٢ / ١٠٣١ ، تهذيب التهذيب : ٨ / ٢٨ (٤٥) ، تقريب التهذيب : ٢ / ٦٩ ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ٢٨٤ ، الكاشف : ٢ / ٣٢٨. تاريخ البخاري الكبير : ٦ / ٣٢٨ ، تاريخ البخاري الصغير : ١ ، ٢ / ٤٣٧ ، الجرح والتعديل : ٦ / ٨٢٨٠ ، ميزان الاعتدال : ٣ / ٢٦٠ ، البدآية والنهاية : ١٠ / ٢١ ، تاريخ الثقات : ٣٦٣ ، ثقات : ٥ / ١٦٧.

(١) في ب : هذا الزمان.

٢٤٩

سورة البقرة مدنية

مائتان وستة وثمانون آية

نزلت في مدد شتى.

وقيل : هي أول سورة نزلت ب «المدينة» إلا قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١] فإنها آخر آية نزلت ، ونزلت يوم النحر في حجة الوداع ب «منى» ، وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن.

قال خالد بن معدان (١) : ويقال لها : فسطاط القرآن.

وتعلمها عمر ـ رضي الله عنه ـ بفقهها ، وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة ، وابنه عبد الله في ثماني سنين.

قال ابن العربي رضي الله عنه : «سمعت بعض أشياخي يقول : فيها ألف أمر ، وألف نهي ، وألف حكم ، وألف خبر».

وهي مائتان وستة وثمانون آية ، وستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة ، وخمسة وعشرون ألفا وخمسمائة حرف. عن سهل بن سعد (٢) ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة ، من قرأها في بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام ، ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله شيطان ثلاث ليال» (٣).

__________________

(١) خالد بن معدان الكلاعي أبو عبد الله الحمصي ، عن جماعة من الصحابة مرسلا وعن معاوية والمقدام بن معديكرب وأبي أمامة. وعنه : ثور بن يزيد ومحمد بن إبراهيم التيمي وخلق. كان من فقهاء التابعين وأعيانهم. روي عنه أنه قال : أدركت سبعين من الصحابة. توفي سنة ثلاث أو أربع أو ثمان ومائة ينظر خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٢٨٤.

(٢) سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري ، أبو العباس المدني له مائة حديث وثمانون حديثا. وعنه : الزهري وأبو حاتم وأبو سهل الأصبحي. قال أبو نعيم : مات سنة إحدى وتسعين عن مائة سنة. ينظر خلاصة الخزرجي : ١ / ٤٢٦.

(٣) أخرجه الترمذي في السنن (٥ / ١٤٥) كتاب فضائل القرآن باب فضل سورة البقرة حديث (٢٨٧٨) وأخرجه ابن حبان في الموارد حديث رقم (١٧٢٧) ـ والحاكم في المستدرك (١ / ٥٦٠) ، (٢ / ٢٥٩) ـ وعبد الرزاق في مصنفه حديث رقم (٦٠١٩) ـ والطبراني في الكبير (٦ / ٢٠١) ـ والحميدي في المسند (٩٩٤) وذكره المنذري في الترغيب (٢ / ٣٧٠) ـ والهيثمي في الزوائد (٦ / ٣١٤) والهندي في كنز العمال حديث رقم (٢٥٤٩).

٢٥٠

وعن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : بعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعثا ثم أتبعهم بسفر ، فجاء إنسان منهم فقال : «ما معك من القرآن؟» حتى أتى على أحدثهم سنا فقال له : «ما معك من القرآن؟» قال : كذا وكذا ، وسورة البقرة فقال : «اخرجوا وهذا عليكم أمير» فقالوا : يا رسول الله هو أحدثنا فقال : «معه سورة البقرة» (١).

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٢)

إن قيل : إن الحروف المقطعة في أوائل السور أسماء حروف التهجي ، بمعنى أن الميم اسم ل «مه» ، والعين ل «عه» ، وإن فائدتها إعلامهم بأن هذا القرآن منتظم من جنس ما تنتظمون من كلامكم ، ولكن عجزتم عنه ، فلا محل لها حينئذ من الإعراب ، وإنما جيء بها لهذه الفائدة ، فألقيت كأسماء الأعداد ونحو : «واحد اثنان» ، وهذا أصح الأقوال الثلاثة ، أعني أن في الأسماء التي لم يقصد الإخبار عنها ولا بها ثلاثة أقوال :

أحدها : ما تقدم.

والثاني : أنها معربة ، بمعنى أنها صالحة للإعراب ، وإنما فآت شرطه وهو التركيب ، وإليه مال الزمخشري رحمه‌الله.

والثالث : أنها موقوفة أي لا معربة ولا مبنية.

أو إن قيل : إنها أسماء السور المفتتحة بها ، أو إنها بعض أسماء الله ـ تعالى ـ حذف بعضها ، وبقي منها هذه الحروف دالة عليها وهو رأي ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ كقوله : الميم من «عليهم» ، والصاد من «صادق» ، فلها حينئذ محل من الإعراب ويحتمل الرفع والنصب والجر :

فالرفع على أحد وجهين : إما بكونها مبتدأ ، وإما بكونها خبرا كما سيأتي بيانه مفصلا إن شاء الله تعالى.

والنصب على أحد وجهين أيضا : إما بإضمار فعل لا ئق ، تقديره : اقرؤا : «الم» ، وإما بإسقاط حرف القسم ؛ كقول الشاعر : [الوافر]

٩٧ ـ إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذلك أمانة الله الثريد (٢)

__________________

(١) أخرجه البخاري في الصحيح (٦ / ٢٣٧) ، (٧ / ١٧ ، ٢٠٢) والترمذي في السنن (٥ / ١٤٤) كتاب فضائل القرآن (٤٦) باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي (٢) حديث رقم (٢٨٧٦) وقال أبو عيسى هذا حديث حسن ـ والدارقطني في السنن (٢ / ٤٤٨) باب في فضل سورة البقرة والطبراني في الكبير (٦ / ١٦٤ ، ١٧ ، ٢٢٧) ـ وذكره الزيلعي في نصب الرآية (٣ / ٢٠٠) ـ وابن حجر في فتح الباري ٩ / ٧٤ ، ١٠ / ٣٢٣.

(٢) ينظر الكتاب : ٣ / ٦١ ، ٤٩٨ ، شرح المفصل : ٩ / ٩٢ ، ١٢ / ١٠٤٢ ، اللسان : أدم ، المخصص : ١٣ / ـ

٢٥١

يريد : وأمانة الله.

وكذلك هذه الحروف أقسم الله بها.

وقد رد الزمخشري هذا الوجه بما معناه : أن القرآن في : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) [ص : ١] والقلم في (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) [القلم : ١] محلوف بهما لظهور الجر فيهما ، وحينئذ لا يخلو أن تجعل الواو الداخلة عليها للقسم ، أو للعطف ، والأول يلزم منه محذور ، وهو الجمع بين قسمين على مقسم قال : [وهم يستكرهون](١) ذلك.

والثاني ممنوع ، لظهور الجر فيما بعدها ، والفرض أنك قدرت المعطوف عليه من محل نصب ، وهورد واضح ، إلا أن يقال : هي في محل نصب إلا فيما ظهر فيه الجر [فيما بعده](٢) كالموضعين المتقدمين ؛ (حم وَالْكِتابِ) [الزخرف : ١ ـ ٢] ، و (ق وَالْقُرْآنِ) [ق : ١] ولكن القائل بذلك لم يفرق بين موضع وموضع ، فالرد لازم كله.

والجرّ من وجه واحد ، وهو أنها مقسم بها ، حذف حرف القسم ، وبقي عمله كقولهم : «الله لأفعلنّ» أجاز ذلك الزمخشري ، وأبو البقاء رحمهما‌الله ، وهذا ضعيف ؛ لأن ذلك من خصائص الجلالة المعظمة لا يشاركها (٣) فيه غيرها.

فتخلص مما تقدم أن في «الم» ونحوها ستة أوجه وهي : أنها لا محل لها من الإعراب ، أو لها محل ، وهو الرفع بالابتداء ، أو الخبر.

والنّصب بإضمار فعل ، أو حذف حرف القسم.

والجرّ بإضمار حرف القسم (٤).

__________________

ـ ١١٦ ، الأصول لابن السراج : ١ / ٤٣٣ ، شرح الجمل لابن عصفور : ١ / ٥٣٢ ، الكشاف : ١ / ٢٤ ، الدر : ١ / ٨٨ ، ولسان العرب (أدم).

(١) في أ : فهم يكرهون.

(٢) سقط في ب.

(٣) في أ : يشركها.

(٤) حرف الهجاء ك «ص» ، و «ن» ، و «ق» ، تجوز فيه الحكاية ؛ لأنها حروف ، فتحكى كما هي ، والإعراب جعلها أسماء لحروف الهجاء ، وعلى هذا يجوز فيها الصرف وعدمه ؛ بناء على تذكير الحرف وتأنيثه ، وسواء في ذلك أضيف إليه سورة أم لا ؛ نحو : قرأت صاد أو سورة صاد بالسكون والفتح منونا وغير منون.

من هذه الأحرف في أوائل السور ما وازن الأعجمي ك «حميم» و «وطسين» و «يس» ـ فأوجب ابن عصفور فيه الحكاية ؛ لأنها حروف مقطعة ، وجوّز الشلوبين فيه ذلك ـ والإعراب غير مصروف ؛ لموازنته هابيل وقابيل وقد قرىء يسين بنصب النون ، وسواء في جواز الأمرين أضيف إليه سورة أم لا ، ومن هذه الحروف المركب ك «طسم» ، فإن لم يضف إليه سورة ، ففيه رأي ابن عصفور والشلوبين فيما قبله ، ورأي ثالث : وهو البناء للجزأين على الفتح ؛ ك «خمسة عشر» ، وإن أضيف إليه سورة لفظا أو تقديرا ، ففيه الرأيان ، ويجوز على الإعراب فتح النون وإجراء الإعراب على الميم ؛ ك «بعلبك» ، ـ

٢٥٢

فصل في الحروف المقطعة

سئل الشعبي (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ عن هذه الحروف فقال : سرّ الله ، فلا تطلبوه.

وروى أبو ظبيان (٢) عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال : عجزت العلماء عن إدراكها ، وقال الشعبي وجماعة رحمهم‌الله سائر حروف التهجيّ في أوائل السور من المتشابهة الذي استأثر الله بعلمه ، وهي سرّ القرآن ؛ فنحن نؤمن بظاهرها ، ونكل العلم فيها إلى الله تعالى.

قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه : «في كل كتاب سرّ ، وسرّ الله ـ تعالى ـ في القرآن أوائل السور».

ونقل ابن الخطيب رحمه‌الله أن المتكلمين أنكروا هذا القول ، وقالوا : لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لا يكون مفهوما للخلق ، واحتجوا عليه بآيات منها :

قوله تبارك وتعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] بالتدبّر في القرآن ، ولو كان غير مفهوم ، فكيف يأمر بالتدبّر فيه.

__________________

ـ وإجراؤه على النون مضافا لما بعده ، وعلى هذا في «ميم» الصرف وعدمه ؛ بناء على تذكير الحرف وتأنيثه ، أما «كهيعص وحمعسق» فلا يجوز فيهما إلا الحكاية سواء أضيف إليهما سورة أم لا ، ولا يجوز فيهما الإعراب ؛ لأنه لا نظير لهما في الأسماء المعربة ، ولا تركيب المزج ؛ لأنه لا يركبه أسماء كثيرة وأجاز يونس في «كهيعص» أن تكون كلمة مفتوحة والصاد مضمومة ؛ ووجهه أنه جعله اسما أعجميا ، وأعربه وإن لم يكن له نظير في الأسماء المعربة.

انظر همع الهوامع : (١ / ٣٥) ، والارتشاف : (١ / ٤٤٤).

(١) عامر بن شراحيل الحميري الشعبي أبو عمرو الكوفي ، الإمام العلم ، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر روى عنه وعن علي وابن مسعود ، ولم يسمع منهم ، وعن أبي هريرة وعائشة وجرير وابن عباس وخلق قال : أدركت خمسمائة من الصحابة ، وعنه ابن سيرين والأعمش وشعبة وجابر الجعفي وخلق ، قال أبو مجلز ما رأيت فيهم أفقه من الشعبي وقال العجلي : مرسل الشعبي صحيح وقال ابن عيينة : كانت الناس تقول : ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه ، قال الشعبي ما كتبت سوداء في بيضاء ، قال يحيى بن بكير : توفي سنة ثلاث ومائة.

ـ تنظر ترجمته في تهذيب الكمال : ٢ / ٦٤٣ ، تهذيب التهذيب : ٥ / ٦٥ (١١٠) ، تقريب التهذيب : ١ / ٣٨٧ (٤٦) ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ٢٢ ، الكاشف : ٤ / ٥٤ ، تاريخ البخاري الكبير : ٦ / ٤٥٠ ، تاريخ البخاري الصغير : ١ / ٢٤٣ ، ٢٥٣ ، الجرح والتعديل : ٦ / ١٨٠٢ ، الوافي بالوفيات : ١٦ / ٥٨٧ ، والحلية : ٤ / ٣١٠.

(٢) الحصين بن جندب بن عمرو بن الحارث الجنبي بفتح الجيم أبو ظبيان الكوفي عن حذيفة وسلمان وعلي وطائفة ، وعنه ابن قابوس وحصين بن عبد الرحمن وسماك وعطاء وثقه ابن معين. قال ابن سعد : توفي سنة تسعين.

ينظر تهذيب الكمال : ١ / ٢٩٧ ، تهذيب التهذيب : ٢ / ٣٧٩ ، تقريب التهذيب : ١ / ١٨٢ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٢٣٣ ، الكاشف : ١ / ٢٣٦ ، تاريخ البخاري الكبير : ٣ / ٣.

٢٥٣

وكذا قوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] فكيف يأمر بالتدبّر لمعرفة نفي التّناقض والاختلاف ، وهو غير مفهوم للخلق؟ ومنها قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٥] ، فلو لم يكن مفهوما بطل كون الرسول ـ عليه‌السلام ـ منذرا به ، وأيضا قوله : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) يدلّ على أنه نازل بلغة العرب ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون مفهوما.

ومنها قوله تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النّساء : ٨٣] ، والاستنباط منه لا يمكن إلّا مع الإحاطة بمعناه.

ومنها قوله تعالى : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٨٩].

وقوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨].

وقوله تعالى : (وَهُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥] ، (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، وغير المعلوم لا يكون هدى.

وقوله تعالى : (وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧] وكل هذه الصفات لا تحصر في غير المعلوم.

وقوله تبارك وتعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) [المائدة : ١٥].

وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت : ٥١] فكيف يكون الكتاب كافيا وكيف يكون ذكره مع أنه غير مفهوم؟

وقوله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) [إبراهيم : ٥٢] ، فكيف يكون بلاغا؟ وكيف يقع به الإنذار ، مع أنه غير معلوم؟

وقال في آخر الآية : (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ، وإنما يكون كذلك لو كان معلوما.

وقوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] فكيف يكون هاديا ، مع أنه غير معلوم ، ومن الأخبار قوله عليه الصّلاة والسّلام : «إنّي تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبدا كتاب الله وسنّتي» (١) فكيف يمكن التمسّك به وهو غير معلوم؟

وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ قال :

__________________

(١) أخرجه أبو داود في السنن (١ / ٥٨٥ ـ ٥٨٩) مطولا عن جابر بن عبد الله كتاب المناسك باب صفة حجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث رقم (١٩٠٥).

وابن ماجه في السنن (٢ / ١٠٢٢ ـ ١٠٢٧) مطولا عن جابر بن عبد الله كتاب المناسك (٢٥) باب حجة رسول الله ت (٨٤) حديث رقم (٣٠٧٤) ـ وأحمد في المسند (٣ / ٢٦).

٢٥٤

«عليكم بكتاب الله ـ فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر من بعدكم ، وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله تعالى. ومن اتّبع الهدى في غيره أضلّه الله ـ تعالى ـ هو حبل الله المتين ، والذكر الحكيم ، والصّراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تشبع به العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرّد ولا تنقضي عجائبه ، من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن خاصم به فلج ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم» (١).

ومن المعقول أنه لو ورد شيء لا سبيل إلى العلم إلّا به لكانت المخاطبة به نحو مخاطبة العرب باللّغة الزنجية ، ولما لم يجز ذلك فكذا هذا.

وأيضا المقصود من الكلام الإفهام ، فلو لم يكن مفهوما لكانت المخاطبة عبثا وسفها ، وهو لا يليق بالحكيم.

وأيضا أنّ التّحدّي وقع بالقرآن ، وما لا يكون معلوما لا يجوز وقوع التّحدّي به.

واحتجّ مخالفوهم بالآية ، والخبر ، والمعقول.

أما الآية فهو أن المتشابه من القرآن ، وأنه غير معلوم ؛ لقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧] والوقف هاهنا ، لوجوه :

أحدها : أن قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لو كان معطوفا على قوله تعالى (إِلَّا اللهُ) لبقي قوله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) منقطعا عنه ، وإنه غير جائز ؛ لأنه لا يقال : إنّه حال ، لأنا نقول : فحينئذ يرجع إلى كلّ ما تقدم ، فيلزم أن يكون الله تعالى قائلا : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) وهذا كفر.

وثانيها : أن الراسخين في العلم لو كانوا عالمين بتأويله لما كان لتخصيصهم بالإيمان به وجه ، فإنّهم لما عرفوه بالدّلالة لم يكن الإيمان به إلّا كالإيمان بالمحكم ، فلا يكون في الإيمان به مزيد مدح.

وثالثها : أن تأويلها (٢) كان مما يجب أن يعلم لما كان طلب ذلك التأويل ذمّا ، لكن قد جعله ذمّا حيث قال : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] وأما الخبر فروي أنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ قال : «إنّ من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلّا العلماء بالله تعالى فإذا نطقوا به أنكره أهل الغرّة بالله» (٣).

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند (١ / ٩١) بلفظ مقارب عن علي بن أبي طالب والدارمي في السنن (٢ / ٤٣٥) كتاب فضائل القرآن باب فضل من قرأ القرآن.

(٢) في أ : تأويله.

(٣) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب ١ / ١٠٣ وابن كثير في التفسير ٦ / ٣٥٧ ـ والسيوطي في اللآلىء المصنوعة ١ / ١١٥ والزبيدي في الإتحاف ١ / ١٦٦ ، ٢ / ٦٦.

والهندي في كنز العمال حديث رقم ٨٩٤٢ ، وعزاه للديلمي عن أبي هريرة.

٢٥٥

ولأن القول بأن هذه الفواتح غير معلومة مروي عن أكابر الصّحابة رضي الله عنهم فوجب أن يكون حقّا ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «أصحابي كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم» (١).

وأما المعقول فهو أنّ الأفعال التي كلّفنا الله تعالى بها قسمان : منها ما يعرف وجه الحكمة فيه على الجملة بعقولنا كالصّلاة والزكاة والصّوم ، فإنّ الصّلاة تضرّع محض ، وتواضع للخالق ، والزكاة سعي في دفع حاجة الفقير ، والصّوم سعي في كسر الشهوة.

ومنها ما لا يعرف وجه الحكمة فيها على الجملة بعقولنا كأفعال الحجّ في رمي الجمرات ، والسّعي بين الصفا والمروة ، والرّمل ، والاضطباع.

ثم اتفق المحققون على أنه كما يحسن من الله ـ تعالى ـ أن يأمر عباده بالنوع الأول ، فكذا يحسن الأمر بالنوع الثاني ؛ لأنّ الطّاعة في النوع الأول ، تدلّ على كمال الانقياد والتسليم ، لاحتمال أن المأمور إنما أتى به لما عرف بعقله من وجه المصلحة فيه.

أما الطاعة في النوع الثاني ، فإنها تدلّ على كمال الانقياد والتسليم ، فإذا كان الأمر كذلك في الأفعال ، فلم لا يجوز أيضا أن يكون [الأمر] كذلك في الأقوال؟ وهو أن يأمر الله ـ تعالى ـ تارة أن نتكلم بما نقف على معناه ، وتارة بما لا نقف على معناه ، ويكون المقصود من ذلك ظهور الانقياد والتّسليم.

القول الثّاني : قول من زعم أنّ هذه الفواتح معلومة ، واختلفوا فيه ، وذكروا وجوها :

الأوّل : أنها أسماء السّور ، وهو قول أكثر المتكلّمين ، واختيار الخليل وسيبويه رحمهما‌الله تعالى.

قال القفّال ـ رحمه‌الله تعالى ـ وقد سمّت العرب هذه الحروف أشياء فسموا ب «لام» : والد حارثة بن لام الطّائي ، وكقولهم للنّخاس : «صاد» ، وللنقد : «عين» ، وللسحاب : «غين».

وقالوا : جبل «قاف» ، وسموا الحوت : «نونا».

الثاني : أنها أسماء الله تعالى ، روي عن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه كان يقول : يا حم عسق.

الثالث : أنها أبعاض أسماء الله تعالى.

__________________

(١) ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال حديث رقم ١٥١١ ، ٢٢٩٩ ، وابن حجر في لسان الميزان ٢ / ٤٨٨ ، ٥٩٤ ـ والعجلوني في كشف الخفاء ١ / ١٤٧ ـ والزبيدي في الإتحاف ٢ / ٢٢٣ والحديث رواه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (٢ / ٩١) عن جابر مرفوعا وقال ابن عبد البر : هذا إسناد لا تقوم به حجة لأن الحارث بن غصين مجهول.

٢٥٦

قال سعيد بن جبير رحمه‌الله : قوله : «الر ، حم ، ونون» مجموعها هو اسم الرحمن ، ولكنا لا نقدر على كيفية تركيبها في البواقي.

الرابع : أنها أسماء القرآن ، وهو قول الكلبيّ (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ والسّدي وقتادة رضي الله تعالى عنهم.

الخامس : أن كلّ واحد منها دالّ على اسم من أسماء الله ـ تعالى ـ وصفة من صفاته.

قال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ في : «الم» : «الألف إشارة إلى أنه [أحد ، أول ، آخر ، أزلي ، «واللام» إشارة إلى أنه لطيف ، «والميم» إشارة إلى أنه](٢) ملك مجيد منّان».

وقال في «كهيعص» : إنه ثناء من الله ـ تعالى ـ على نفسه ، «والكاف» يدل على كونه كافيا ، «والهاء» على كونه هاديا ، «والعين» على العالم ، «والصاد» على الصادق. وذكر ابن جرير عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنه حمل «الكاف» على الكبير والكريم ، «والياء» على أن الله يجير ، «والعين» على أن الله العزيز والعدل.

والفرق بين هذين الوجهين أنه في الأول خصّص كل واحد من هذه الحروف باسم معين ، وفي الثاني ليس كذلك.

السادس : بعضها يدلّ على أسماء الذات ، وبعضها على أسماء الصّفات.

قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في «الم» : أنا الله أعلم ، وفي «المص» أنا الله أفصل ، وفي «الر» أنا الله أرى ، وهذه رواية أبي صالح ، وسعيد بن جبير عنه.

قال الزّجّاج : «وهذا أحسن ، فإن العرب تذكر حرفا من كلمة تريدها كقولهم : [مشطور السريع]

٩٨ ـ قلنا لها : قفي لنا قالت : قاف

 ...........(٣)

__________________

(١) محمد بن السائب بن بشر بن عمرو الكلبي أبو الفضل الكوفي. عن أبي صالح باذام والشعبي وغيرهما. وعنه ابن المبارك وابن فضيل ويزيد بن هارون وخلف.

قال ابن عدي : رضوه في التفسير. وقال أبو حاتم : أجمعوا على ترك حديثه ، واتهمه جماعة بالوضع ، قال مطيّن : مات سنة ١٤٦ ه‍.

ينظر الخلاصة : ٢ / ٤٠٥ (٦٢٤٢).

(٢) سقط في أ.

(٣) صدر بيت للوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان بن عفان لأمه وعجزه :

لا تحسبينا قد نسينا الإيجاف

ينظر المحتسب : ٢ / ٢٠٤ ، الخصائص : ١ / ٣١ ، شواهد الشافية : ٢٦١ وما بعدها ، الأغاني : ٥ / ١٣١ ، معاني القرآن للزجاج : ١ / ٢٤ ، الصاحبي : ١٦١ ، مجمع البيان : ١ / ٧١ ، زاد المسير : ١ / ٢١.

٢٥٧

وأنشد سيبويه لغيلان : [الرجز]

٩٩ ـ نادوهم أن الجموا ، ألا تا

قالوا جميعا كلّهم ألا فا (١)

أي : لا تركبوا ، قالوا : بلى فاركبوا.

وأنشد قطرب : [الرجز]

١٠٠ ـ جارية قد وعدتني أن تا

تدهن رأسي وتفلّيني وتا (٢)

السّابع : كلّ واحد منها يدلّ على صفات الأفعال ، ف «الألف» آلاؤه ، و «اللّام» لطفه ، و «الميم» مجده ، قاله محمد بن كعب القرظي.

الثّامن : بعضها يدلّ على أسماء الله ـ تعالى ـ وبعضها يدلّ على أسماء غير الله تعالى.

قال الضّحاك : «الألف» من الله ، و «اللام» من جبريل ، و «الميم» من محمد عليه الصّلاة والسلام [أي أنزل الله الكتاب على لسان جبريل عليه الصّلاة والسّلام](٣).

التاسع : ما قاله المبرّد ، واختاره جمع عظيم من المحقّقين ـ أنّ الله ـ تعالى ـ إنّما ذكرها احتجاجا على الكفّار ، وذلك أن الرّسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما تحدّاهم أن يأتوا بمثل القرآن ، أو بعشر سور ، أو بسورة ، فعجزوا عنه أنزلت هذه الأحرف تنبيها على أن القرآن ليس إلّا من هذه الأحرف ، وأنتم قادرون عليها ، وعارفون بقوانين الفصاحة ، فكان يجب أن تأتوا بمثل هذا القرآن ، فلما عجزتم عنه دلّ ذلك على أنه من عند الله لا من البشر.

العاشر : قول أبي روق (٤) وقطرب : إن الكفّار لما قالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : ٢٦] وتواصوا بالإعراض عنه أراد الله ـ تعالى ـ لما أحب صلاحهم ونفعهم أن يورد عليهم ما لا يعرفونه ، ليكون ذلك سببا لإسكاتهم ، واستماعهم لما يرد عليهم من القرآن ، فأنزل الله ـ تعالى ـ عليهم هذه الأحرف ، فكانوا إذا سمعوها قالوا كالمتعجبين : اسمعوا إلى ما يجيء به محمد عليه الصلاة والسلام ، فإذا أصغوا هجم عليهم القرآن فكان ذلك سببا لاستماعهم ، وطريقا إلى انتفاعهم ، فكان كالتنبيه لما يأتي بعده من الكلام كقوله الأول.

__________________

(١) معاني القرآن للزجاج : ١ / ٦٢ ، مجمع البيان : ١ / ٧١ ، زاد المسير : ١ / ٢١.

(٢) ينظر اللسان : «فلا».

(٣) سقط في أ.

(٤) عطية بن الحارث الهمداني أبو روق الكوفي عن أنس وإبراهيم التيمي والشعبي ، وعنه ابناه يحيى وعمارة والثوري ، قال أبو حاتم صدوق.

ينظر الخلاصة : ٢ / ٣٣ (٤٨٧٥) ، تهذيب الكمال : ٢ / ٩٣٩ ، تهذيب التهذيب : ٧ / ٢٢٤ (٤١٢) ، تقريب التهذيب : ٢ / ٢٤.

٢٥٨

الحادي عشر : قول أبي العالية «إنّ كل حرف منها في مدّة أعوام وآجال آخرين».

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «سرّ أبو ياسر بن أخطب برسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يتلو سورة البقرة (الم ذلِكَ الْكِتابُ) ، ثم أتى أخوه حييّ بن أخطب (١) ، وكعب بن الأشرف (٢) ، وسألوه عن «الم» وقالوا : ننشدك الله الذي لا إله إلا هو أحقّ أنها أتتك من السماء؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم كذلك نزلت» ، فقال حييّ : إن كنت صادقا إني لأعلم أجل هذه الأمّة من السنين ، ثم قال : كيف ندخل في دين رجل دلّت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى أجل مدّته إحدى وسبعون سنة ، فضحك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال حييّ : فهل غير هذا؟ قال : «نعم المص» فقال حييّ : هذا أكثر من الأولى هذه مائة وإحدى وثلاثون سنة ، فهل غير هذا؟ قال : «نعم الر» قال حييّ : هذه أكثر من الأولى والثانية ، فنحن نشهد إن كنت صادقا ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدى وثلاثين سنة ، فهل غير هذا؟ قال : «نعم» قال : «المر» قال : فنحن نشهد أنا من الذين لا يؤمنون ، ولا ندري بأي أقوالك نأخذ.

فقال أبو ياسر : أما أنا فأشهد على أن أنبياءنا قد أخبرونا عن ملك هذه الأمّة ، ولم يبينوا أنها كم تكون ، فإن كان محمد صادقا فيما يقول ، إني لأراه يستجمع له هذا كله فقام اليهود ، وقالوا : اشتبه علينا أمرك ، فلا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟ فذلك قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ)(٣) [آل عمران : ٧] الآية الكريمة.

وروي عن ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنها أقسام.

وقال الأخفش : أقسم الله ـ تعالى ـ لشرفها وفضلها ؛ لأنها مبادىء كتبه المنزلة ، ومباني أسمائه الحسنى.

وقيل فيها غير ذلك.

واعلم أن الله ـ تعالى ـ أورد في هذه الفواتح نصف عدد أسامي حروف المعجم ،

__________________

(١) حيي بن أخطب النضري : جاهلي من الأشداء العتاة ، كان ينعت بسيد الحاضر والبادي ، أدرك الإسلام وآذى المسلمين فأسروه يوم قريظة ثم قتلوه.

ينظر الأعلام : ٢ / ٢٩٢ (٣٥٠٩) ، سيرة ابن هشام : ١٤٨ و ١٤٩.

(٢) كعب بن الأشرف الطائي ، من بني نبهان ، شاعر جاهلي. كانت أمه من «بني النضير» فدان باليهودية. وكان سيدا في أخواله. أدرك الإسلام ولم يسلم ، وأكثر من هجوم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه ، وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم ، والتشبيب بنسائهم. وخرج إلى مكة بعد وقعة «بدر» فندب قتلى قريش فيها ، وحض على الأخذ بثأرهم ، وعاد إلى المدينة. وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقتله ، فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر جصنه سنة ٣ ه‍. وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة.

ينظر الروض الأنف : ٢ / ١٢٣ ، إمتاع الأسماع : ١ / ١٠٧ ، ابن الأثير : ٢ / ٥٣ ، الطبري : ٣ / ٢ ، الأعلام : ٥ / ٢٢٥.

(٣) ذكره ابن كثير في التفسير : ١ / ٦٠.

٢٥٩

وهي أربعة عشر : الألف ، واللام ، والميم ، والصاد ، والراء ، والكاف ، والهاء ، والعين ، والطاء ، والسين ، والحاء ، والقاف ، والباء ، والنون في تسع وعشرين سورة.

وجاءت أيضا مختلفة الأعداد ، فوردت «ص ق ن» على حرف.

و «طه وطس ويس وحم» على حرفين.

و «الم والر وطسم» على ثلاثة أحرف.

و «المص والمر» على أربعة أحرف.

و «كهعيص وحم عسق» على خمسة أحرف ، والسبب فيه أن أبنية كلامهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف ، فكذا هاهنا.

قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ).

يجوز في «ذلك» أن تكون مبتدأ ثانيا ، و «الكتاب» خبره ، والجملة خبر «الم» ، وأغنى الربط باسم الإشارة ، ويجوز أن يكون «الم» مبتدأ.

و «ذلك» خبره ، و «الكتاب» صفة ل «ذلك» ، أو بدل منه ، أو عطف بيان ، وأن يكون «الم» مبتدأ ، و «ذلك» مبتدأ ثان ، و «الكتاب» : إما صفة له ، أو بدل منه ، أو عطف بيان له.

و (لا رَيْبَ فِيهِ) [خبر](١) عن المبتدأ الثاني ، وهو وخبره خبر عن الأول.

ويجوز أن يكون «الم» خبر مبتدأه مضمر ، تقديره : «هذا الم» ، فتكون جملة مستقلة بنفسها ، ويكون «ذلك» مبتدأ ثانيا ، و «الكتاب» خبره.

ويجوز أن يكون صفة له ، أو بدلا ، أو بيانا ، و (لا رَيْبَ فِيهِ) هو الخبر عن «ذلك» ، أو يكون «الكتاب» خبرا ل «ذلك» ، و «لا ريب فيه» خبر ثان ، وفيه نظر من حيث إنه تعدّد الخبر ، وأحدهما جملة ، لكن الظاهر جوازه ؛ كقوله تعالى (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه : ٢٠] ، إذا قيل بأن «تسعى» خبر.

وأما إن جعل صفة فلا (٢).

و «ذلك» اسم إشارة : الاسم منه «ذا» ، و «اللّام» للبعد ، و «الكاف» للخطاب ، ولها ثلاث رتب :

دنيا : ولها المجرّد من اللام والكاف نحو : «ذا وذي» و «هذا وهذي».

ووسطى : ولها المتّصل بحرف الخطاب ، نحو «ذاك وذيك وتيك».

وقصوى : ولها المتّصل ب «اللام» و «الكاف» نحو : «ذلك وتلك».

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ثبت في أ : وقرأ عبد الله (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ) هو الخبر وتأليف هذا ظاهر.

٢٦٠