اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

وعدّ الشّيء كذلك ، وإن لم يكن ؛ نحو : «استحسنه».

ومطاوعة «أفعل» ؛ نحو : «أشلاه فاستشلى».

وموافقته له أيضا ؛ نحو : «أبلّ المريض واستبلّ».

وموافقة «تفعّل» ؛ نحو : «استكبر» بمعنى «تكبر».

وموافقة «افتعل» ؛ نحو : «استعصم» بمعنى «اعتصم».

والإغناء (١) عن المجرد ؛ نحو : «استكفّ» و «استحيا» ، لم يتلفظ لهما بمجرد استغناء بهما عنه.

والإغناء بهما عن «فعل» أي المجرد الملفوظ به نحو : «استرجع» و «استعان» ، أي : رجع وحلق عانته.

وقرىء (٢) : «نستعين» بكسر حرف المضارعة ؛ وهي لغة مطردة في حروف المضارعة.

وذلك بشرط ألا يكون حرف المضارعة ياء ؛ لثقل ذلك ، على أنّ بعضهم قال : «يبجل» ، مضارع «وجل» ، وكأنه قصد إلى تخفيف الواو إلى الياء ، فكسر ما قبلها لتنقلب ؛ وقد قرىء (٣) : «فإنّهم ييلمون» [النساء : ١٠٤] ، وهي هادمة لهذا الاستثناء ، وسيأتي تحقيق ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

وأن يكون المضارع من ماض مكسور العين ؛ نحو : «تعلم» من «علم» ، أو في أوله همزة وصل ؛ نحو «نستعين» من «استعان» ، أو تاء مطاوعة ؛ نحو : «نتعلّم» من «تعلّم» ، فلا يجوز في «يضرب» و «يقتل» كسر حرف المضارعة ؛ لعدم الشّروط المذكورة.

والاستعانة : طلب العون ، وهو المظاهرة والنصرة ، وقدم العبادة على الاستعانة ؛ لأنها وصلة لطلب الحاجة.

وقال ابن الخطيب : كأنه يقول : شرعت في العبادة ، فأستعين بك في إتمامها ، فلا تمنعني من إتمامها بالموت ، ولا بالمرض ، ولا بقلب الدّواعي وتغيّرها.

وقال البغويّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ فإن قيل : لم قدم ذكر العبادة على الاستعانة ، والاستعانة لا تكون إلّا قبل العبادة؟

__________________

(١) في أ : الاعتناء.

(٢) قرأ بها : عبيد بن عمير الليثي ، وزر بن حبيش ، ويحيى بن وثاب ، والنخعي والأعمش ، وهي لغة قيس وتميم وأسد وربيعة.

انظر البحر المحيط : ١ / ١٤١ ، وإتحاف : ١ / ٣٦٤ ، والتخريجات النحوية والصرفية لقراءة الأعمش : ٢٦٨ ، والقرطبي : ١ / ١٤٦.

(٣) ستأتي في النساء.

٢٠١

قلنا : هذا يلزم من جعل الاستعانة قبل الفعل ، ونحن نجعل التوفيق ، والاستعانة مع الفعل ، فلا فرق بين التقديم والتأخير.

وقيل : الاستعانة نوع تعبّد ، فكأنه ذكر جملة العبادة أوّلا ، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها وأطلق كلّا من فعلي العبادة والاستعانة ، فلم يذكر لهما مفعولا ؛ ليتناولا كلّ معبود به ، وكلّ مستعان [عليه](١) ، أو يكون المراد وقوع الفعل من غير نظر إلى مفعول ؛ نحو : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) [البقرة : ٦٠] أي أوقعوا هذين الفعلين.

فصل في نظم الآية

قال ابن الخطيب (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : قال تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فقدّم قوله : «إيّاك» على قوله : «نعبد» ولم يقل : «نعبدك» لوجوه :

أحدها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ قدّم ذكر نفسه ؛ لينبه (٣) العابد على أن المعبود هو الله ـ تعالى ـ فلا يتكاسل في التعظيم.

وثانيها : أنّه إن ثقلت عليك العبادات والطاعات وصعبت ، فاذكر أوّلا قوله : «إياك» ؛ لتذكرني ، وتحضر في قلبك معرفتي ، فإذا ذكرت جلالي وعظمتي ، وعلمت أني مولاك ، وأنك عبدي ؛ سهلت عليك تلك العبادة.

وثالثها : أن القديم الواجب لذاته متقدم في الوجود على المحدث الممكن لذاته ، فوجب أن يكون ذكره متقدما على جميع الأذكار.

فصل في نون «نعبد»

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله تعالى ـ : لقائل أن يقول : النّون في قوله تعالى : (نَعْبُدُ) إما أن تكون نون الجمع ، أو نون العظمة ، والأول باطل ، لأن الشخص الواحد لا يكون جمعا ، والثاني باطل أيضا ؛ لأن عند أداء العبودية ، اللّائق بالإنسان أن يذكر نفسه بالعجز والذّلة لا بالعظمة.

واعلم أنه يمكن الجواب عنه من وجوه :

أحدها : أنّ المراد من هذه النون نون الجمع ، وهو تنبيه على أنّ الأولى بالإنسان ، أن يؤدي الصّلاة بالجماعة.

الثاني : أنّ الرجل إن كان يصلّي في جماعة ، فقوله : «نعبد» ، المراد منه ذلك الجمع ، وإن كان يصلّي وحده كان المراد أني أعبدك ، والملائكة معي.

الثالث : أنّ المؤمنين إخوة ، فلو قال : «إياك أعبد» كان قد ذكر عبادة نفسه ، ولم يذكر

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ينظر الفخر الرازي : ١ / ١٩٩.

(٣) في أ : ليتنبه.

٢٠٢

عبادة غيره ، أما إذا قال : «إياك نعبد» كان قد ذكر عبادة نفسه ، وعبادة جميع المؤمنين شرقا وغربا.

قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٦)

اهد : صيغة أمر ، ومعناها : الدعاء ، فقيل معناه : أرشدنا.

وقال عليّ ، وأبيّ بن كعب ـ رضي الله عنهما ـ ثبتنا ؛ كما يقال للقائم : قم حتى أعود إليك ، أي : دم على ما أنت عليه ، وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية بمعنى التّثبيت ، وبمعنى طلب مزيد الهداية ؛ لأنّ الألطاف والهدايات من (١) الله ـ تعالى ـ لا تتناهى على مذهب أهل السّنة.

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله تعالى ـ : المراد من قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هو : أن يكون الإنسان معرضا عما سوى الله ـ تعالى ـ مقبلا بكلية قلبه وفكره وذكره على الله تعالى.

مثاله : أن يصير بحيث لو أمر بذبح ولده ، لأطاع ؛ كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولو أمر بأن ينقاد ، لأن يذبحه غيره ، لأطاع ؛ كما فعله إسماعيل عليه الصلاة والسّلام ، ولو أمر بأن يلقي نفسه في البحر ، لأطاع ؛ كما فعله يونس عليه الصلاة والسلام ، ولو أمر بأن يتلمذ لمن هو أعلم منه بعد بلوغه في المنصب إلى أعلى الغايات ، لأطاع ؛ كما فعله موسى ـ عليه الصّلاة والسلام ـ مع الخضر [عليه الصّلاة والسلام](٢) ، ولو أمر بأن يصبر في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر على القتل ، والتفريق بنصفين ، لأطاع ؛ كما فعله يحيى بن زكريّا ـ عليهما الصّلاة والسلام ـ فالمراد بقوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، هو الاقتداء بأنبياء الله في الصّبر على الشدائد ، والثبات عند نزول البلاء ، ولا شكّ أن هذا مقام شديد ؛ لأن أكثر الخلق لا طاقة لهم به.

واعلم أن صيغة «افعل» ترد لمعان كثيرة ذكرها الأصوليّون.

وقال بعضهم : إن وردت صيغة «افعل» من الأعلى للأدنى ، قيل فيها : أمر ، وبالعكس دعاء ، ومن المساوي التماس ، وفاعله مستتر وجوبا ، لما مرّ ، أي : اهد أنت ، و «نا» مفعول أوّل ، وهو ضمير متصل يكون للمتكلّم مع غيره ، أو المعظّم نفسه ، ويستعمل في موضع : الرّفع ، والنصب ، والجر ، بلفظ واحد ؛ نحو : «قمنا» ، و «ضربنا زيد» ، و «مرّ بنا» ، ولا يشاركه في هذه الخصوصية غيره من الضّمائر.

وقد زعم بعض النّاس أن الياء كذلك ؛ تقول : «أكرمني» ، و «مرّ بي» ، و «أنت تقومين يا هند» ، و «الياء» في المثال الأوّل منصوبة المحلّ ، وفي الثاني مجرورته ، وفي

__________________

(١) في أ : إلى.

(٢) سقط في أ.

٢٠٣

الثالث مرفوعته ، وهذا ليس بشيء ؛ لأن الياء في حالة الرفع ، ليست تلك الياء التي في حالة النّصب والجر ؛ لأن الأولى للمتكلم ، وهذه للمخاطبة المؤنثة.

وقيل : بل يشاركه لفظ هم ؛ تقول : «هم نائمون» و «ضربتهم» و «مررت بهم» ، ف «هم» مرفوع المحلّ ، ومنصوبه ، ومجروره بلفظ واحد ، وهو للغائبين في كل حال ، وهذا وإن كان أقرب من الأول ، إلّا أنّه في حالة الرفع ضمير منفصل ، وفي حالة النصب والجر ضمير متّصل. فافترقا ، بخلاف «نا» فإنّ معناها لا يختلف ، وهي ضمير متصل في الأحوال الثلاثة.

و «الصّراط» مفعول ثان ، و «المستقيم» صفته ، وقد تبعه في الأربعة من العشرة المذكورة.

وأصل «هدى» أن يتعدّى إلى الأول بنفسه وإلى الثاني بحرف الجرّ ، وهو إما : «إلى» أو «اللام» ؛ كقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٥٢] ، (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] ثمّ يتّسع فيه ، فيحذف الجرّ ، فيتعدى بنفسه ، فأصل (اهْدِنَا الصِّراطَ) : إهدنا للصّراط أو إلى الصّراط ، ثم حذف.

والأمر عند البصريين مبنيّ وعند الكوفين معرب ، ويدّعون في نحو : «اضرب» ، أنّ أصله : «لتضرب» بلام الأمر ، ثم حذف الجازم ، وتبعه حرف المضارعة ، وأتي بهمزة الوصل ؛ لأجل الابتداء بالسّاكن ، وهذا مما لا حاجة إليه ، وللرد عليهم موضع يليق به.

ووزن «اهد» (١) «افع» ؛ حذفت لامه ، وهي الياء حملا [للأمر على المجزوم ، والمجزوم تحذف](٢) منه لامه إذا كانت حرف علّة.

ومعنى الهداية : الإرشاد أو الدلالة ، أو التقدّم. ومنه هواد الخيل لتقدمها. قال امرؤ القيس: [الطويل]

٧٠ ـ فألحقنا بالهاديات ودونه

جواحرها في صرّة لم تزيّل (٣)

أي : المتقدّمات الهادية لغيرها.

أو التّبيين ؛ نحو : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] أي : بيّنّا لهم ؛ ونحو : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠] ، أي : ألهمه لمصالحه.

أو الدعاء ؛ كقوله تعالى (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [الرعد : ٧] ، أي داع.

__________________

(١) زاد بعدها في أ : على وزن.

(٢) سقط في ب.

(٣) ينظر ديوانه : ١٢٠ ، شرح التبريزي على المعلقات : ١١٦ ، شرح المعلقات للزوزني : ٢٨ ، الدر : ١ / ٦٨.

٢٠٤

وقيل : هو الميل ؛ ومنه قوله تعالى : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٥٦] والمعنى : بقلوبنا إلّيك ، وهذا غلط ؛ فإن تيك مادة أخرى من «هاد ـ يهود».

وقال الرّاغب : الهداية : دلالة بلطف ، ومنه الهديّة ، وخصّ ما كان دلالة ب «هديت» وما كان إعطاء ب «أهديت».

و «الصّراط» : الطّريق المستسهل ، وبعضهم لا يقيده بالمستسهل ؛ قال : [الرجز]

٧١ ـ فضلّ عن نهج الطّريق الواضح (١) ومثله : [الوافر]

٧٢ ـ أمير المؤمنين على صراط

إذا اعوجّ الموارد مستقيم (٢)

وقال آخر : [الوافر]

٧٣ ـ شحنّا أرضهم بالخيل حتّى

تركناهم أذلّ من الصّراط (٣)

أي : الطّريق.

وهو مشتقّ من «السّرط» وهو : الابتلاع ؛ إمّا لأنّ سالكه يسترطه ، أو لأنه يسترط سالكه ؛ ألا ترى إلى قولهم : قتل أرضا عالمها ، وقتلت أرض جاهلها ؛ وبهذين الاعتبارين قال أبو تمام (٤) : [الطويل]

٧٤ ـ رعته الفيافي بعد ما كان حقبة

رعاها وماء المزن ينهلّ ساكبه (٥)

وعلى هذا سمّي الطريق لقما وملتقما ؛ لأنه يلتقم سالكه ، أو يلتقمه سالكه.

__________________

(١) ينظر البيت في مجاز القرآن : ١ / ٢٤ ، الطبري : ١ / ١٠٤ ، القرطبي : ١ / ١٠٣ ، الدر المصون : ١ / ٧٨.

(٢) البيت لجرير يمدح هشام بن عبد الملك. ينظر ديوانه : ٥٠٧ ، المحتسب : ١ / ٤٣ ، مجاز القرآن : ١ / ٢٤ ، اللسان (سرط) ، الطبري : ١ / ١٠٤ ، النكت والعيون : ١ / ٥٨ ، المحرر الوجيز : ١ / ٧٤ ، القرطبي : ١ / ١٠٣ ، المجمل في اللغة : ٤ / ٩٢٣ ، معجم مقاييس اللغة : ٦ / ١٠٥ ، المذكر والمؤنث : ١ / ٤٦٠ ، الدر : ١ / ٧٨.

(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي وليس في ديوانه. ينظر تفسير الطبري : ١ / ١٠٤ ، ونسبه القرطبي : ١ / ١٠٣ ، لعامر بن الطفيل ، الدر : ١ / ٧٨.

(٤) حبيب بن أوس بن الحارث الطائي ، أبو تمام الشاعر ، الأديب ، أحد أمراء البيان. ولد في جاسم (من قرى حوران سورية) سنة ١٨٨ ه‍ ورحل إلى مصر ، واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه ، وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق. ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها سنة ٢٣١ ه‍ ، كان أسمر طويلا ، فصيحا ، حلو الكلام ، فيه تمتمة يسيرة يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع ، في شعره قوة وجزالة ، له تصانيف منها «فحول الشعراء» و «ديوان الحماسة» ، ينظر الأعلام ٢ / ١٦٥ ، وفيات الأعيان ١ / ١٢١.

(٥) ينظر ديوانه : ٤٨ ، مفردات الراغب : ٢٣٠ ، روح المعاني : ١ / ٩٢ ، الدر : ١ / ٧٨.

٢٠٥

وأصله : السّين ، وقد قرأ به (١) قنبل (٢) رحمه‌الله تعالى حيث ورد ، وإنما أبدلت صادا ؛ لأجل حرف الاستعلاء ، وإبدالها صادا مطّرد عنده ؛ نحو : «صقر» في «سقر» ، و «صلخ» في «سلخ» ، و «أصبغ» في «أسبغ» ، و «مصيطر» في «مسيطر» لما بينهما من التّقارب.

وقد تشمّ الصاد في «الصّراط» ونحوه زايا ، وقرأ به (٣) خلف ، وحمزة حيث ورد ، وخلّاد (٤) : الأوّل فقط ، وقد تقرأ (٥) زايا محضة ، ولم ترسم في المصحف إلا بالصّاد ، مع اختلاف في قراءتهم فيها كما تقدم.

و «الصّراط» يذكّر ويونّث : فالتذكير لغة تميم ، والتّأنيث لغة «الحجاز» ، فإن استعمل مذكّرا ، جمع على «أفعلة» في القلّة ، وعلى «فعل» في الكثرة ، نحو : «حمار» ، و «أحمرة» و «حمر» ، وإن استعمل مؤنثا ، فقياسه أن يجمع على «أفعل» : نحو : «ذراع» و «أذرع».

و «المستقيم» اسم فاعل من استقام ، بمعنى المجرّد ، ومعناه : السّويّ (٦) من غير

__________________

(١) وبها قرأ رويس وابن كثير ، ورويت عن ابن عباس.

انظر العنوان في القراءات السبع : ٦٧ ، وإعراب القراءات السبع وعللها : ١ / ٤٩ ، وحجة القراءات لابن زنجلة : ٨٠ ، والبحر المحيط : ١ / ١٤٣ ، وإتحاف : ١ / ٢٦٥.

(٢) محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن محمد بن سعيد بن جرجة أبو عمر المخزومي مولاهم المكي الملقب بقنبل شيخ القراء بالحجاز ، ولد سنة خمس وتسعين ومائة وأخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد بن عون النبال وهو الذي خلفه في القيام بها بمكة وروى القراءة عن البزي ، روى القراءة عنه عرضا أبو ربيعة محمد بن إسحاق وهو أجل أصحابه. قال أبو عبد الله القصاع وكان على الشرطة بمكة لأنه كان لا يليها إلا رجل من أهل الفضل والخير والصلاح ليكون لما يأتيه من الحدود والأحكام على صواب فولوها لقنبل لعلمه وفضله عندهم ، وقال الذهبي إن ذلك كان في وسط عمره فحمدت سيرته ثم إنه طعن في السن وشاخ وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنين قلت وقيل بعشر سنين ، مات سنة إحدى وتسعين ومائتين عن ست وتسعين سنة. ينظر الغاية : ٢ / ١٦٥ (٣١١٥).

(٣) وإشمامها زايا لغة قيس.

انظر حجة القراءات : ٨٠ ، وإعراب القراءات : ١ / ٤٩ ، والعنوان : ٦٧ ، والبحر المحيط : ١ / ١١٣ ، وإتحاف : ١ / ٣٦٥.

(٤) خلاد بن خالد أبو عيسى وقيل أبو عبد الله الشيباني مولاهم الصيرفي الكوفي إمام في القراءة ثقة عارف محقق أستاذ أخذ القراءة عرضا عن سليم وهو من أضبط أصحابه وأجلهم وروى القراءة عن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكر وعن أبي بكر نفسه عن عاصم وعن أبي جعفر محمد بن الحسن الرواسي روى القراءة عنه عرضا أحمد بن يزيد الحلواني وإبراهيم بن علي القصار وإبراهيم بن بشر الرازي وحمدون بن منصور ، توفي سنة عشرين ومائتين. ينظر الغاية : ١ / ٢٧٤ (١٢٣٨).

(٥) رويت عن ابن كثير وحمزة وأبي عمرو.

انظر الحجة للقراء السبعة : ١ / ٤٩ ، وحجة القراءات : ٨٠ ، والبحر المحيط : ١ / ١٤٣.

(٦) في أ : استوى.

٢٠٦

اعوجاج ، وأصله : «مستقوم» ثم أعلّ كإعلال «نستعين» وسيأتي الكلام [مستوفى](١) على مادته إن شاء الله ـ تعالى ـ عند قوله تعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) [البقرة : ٣].

و (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال ابن عبّاس ، وجابر (٢) ـ رضي الله عنهما ـ : هو الإسلام (٣) ، وهو قول مقاتل ، وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما : هو القرآن الكريم (٤) ، وروي عن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ مرفوعا : الصّراط المستقيم : كتاب الله تعالى.

وقال سعيد بن جبير (٥) رضي الله عنه «طريق الجنّة».

وقال سهل بن عبد الله رحمه‌الله تعالى : هو طريق السّنّة والجماعة. وقال بكر بن عبد الله المزنيّ (٦) : هو طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بفتح المهملة الأنصاري السلمي بفتحتين أبو عبد الرحمن ، أو أبو عبد الله أو أبو محمد المدني ، صحابي مشهور له ألف وخمسمائة حديث وأربعون حديثا اتفقا على ثمانية وخمسين وانفرد البخاري بستة وعشرين ، ومسلم بمائة وستة وعشرين. وشهد العقبة وغزا تسع عشرة غزوة. وعنه بنوه وطاوس والشعبي وعطاء وخلق. قال جابر : استغفر لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة ، قال الفلاس : مات سنة ثمان وسبعين بالمدينة عن أربع وسبعين سنة.

ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ١ / ١٧٩. تهذيب التهذيب : ٢ / ٤٢ ، تقريب التهذيب : ١ / ١٢٢ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ١٥٦ ، تاريخ البخاري الكبير : ٢ / ٢٠٧ ، تاريخ البخاري الصغير : ١ / ٢١ ، ١١٥ ، ١٦١ ، ١٩٠ ، الجرح والتعديل : ٢ / ٢٠١٩ ، أسد الغابة : ١٣ / ٣٠٥ ، تجريد أسماء الصحابة : ١ / ٧٣. الاستيعاب : ١ / ٢١٩ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ٥٦١ ، شذرات الذهب : ١ / ٨٤.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٠) وعزاه لوكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والمحاملي في أماليه عن جابر بن عبد الله ورواه ابن جريج عن ابن عباس.

(٤) أخرجه وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو بكر بن الأنباري في «المصاحف» والحاكم وصححه والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ابن مسعود من قوله كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٠).

(٥) سعيد بن جبير الوالبي ، مولاهم الكوفي الفقيه أحد الأعلام. قال اللالكائي : ثقة إمام حجة. قال عبد الملك بن أبي سليمان : كان يختم كل ليلتين. قال ميمون بن مهران : مات سعيد وما على ظهر الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه. قتل سنة خمس وتسعين كهلا ؛ قتله الحجاج فما أمهل بعده. قال خلف بن خليفة عن أبيه : شهدت مقتل ابن جبير ؛ فلما بان الرأس قال : لا إله إلا الله لا إله إلا الله ، فلما قالها الثالثة لم يتمها ـ رضي الله عنه.

ينظر تهذيب الكمال : ١ / ٤٧٩ ، تهذيب التهذيب : ٤ / ١١ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٣٧٤ ، الكاشف : ١ / ٣٥٦ ، الثقات : ٤ / ٢٧٥ ، تاريخ البخاري الكبير : ٣ / ٤٦١ ، الحلية : ٤ / ٢٧٢.

(٦) بكر بن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني أبو عبد الله البصري أحد الأعلام عن المغيرة وابن عباس وابن عمر. قال بكر : أدركت ثلاثين من فرسان مزينة منهم عبد الله بن مغفل ومعقل بن يسار قال ابن المديني : له نحو خمسين حديثا. روى عنه قتادة وثابت وحميد وسليمان التيمي وخلق ، قال ابن سعد : كان ثقة ثبتا مأمونا حجة فقيها توفي سنة ست أو ثمان ومائة. ـ

٢٠٧

وقال أبو العالية (١) ، والحسن : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحباه.

قال ابن الخطيب (٢) : الحكمة في قوله : «اهدنا» ولم يقل «اهدني» ؛ إما : لأن الدعاء مهما كان أعم ، كان إلى الإجابة أقرب.

وإمّا لقول النبي عليه الصلام والسلام «ادعوا الله تعالى بألسنة ما عصيتموه بها» قالوا : يا رسول الله ، فمن لنا بتلك الألسنة؟ قال : «يدعو بعضكم لبعض ؛ لأنك ما عصيت بلسانه ، وهو ما عصى بلسانك» (٣).

الثالث : كأنّ العبد يقول : سمعت رسولك يقول : «الجماعة رحمة (٤)» ، فلما أردت حمدك ، قلت : الحمد لله ، ولما ذكرت العبادة ، ذكرت عبادة الجميع ، ولما ذكرت الاستعانة ، ذكرت استعانة الجميع ، فلا جرم لمّا طلبت الهداية ، طلبتها للجميع ، ولما طلبت الاقتداء بالصالحين ، طلبت اقتداء الجميع ؛ فقلت : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، ولما طلبت الفرار من المردودين ، ففررت من الكل ؛ فقلت : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) ، فلما لم أفارق الأنبياء والصالحين في الدنيا ، فأرجو ألا أفارقهم في الآخرة ؛ كما قال تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [النساء : ٦٩] الآية الكريمة.

قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)(٧)

قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).

(صِراطَ الَّذِينَ) بدل منه ، بدل كلّ من كلّ ، وهو بدل معرفة من معرفة.

والبدل سبعة أقسام على خلاف في بعضها :

__________________

ـ وينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ١ / ١٥٧ ، تهذيب التهذيب : ١ / ٤٨٤ ، تقريب التهذيب : ١ / ١٠٦ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ١٣٤. الكاشف : ١ / ١٦٢ ، الثقات : ٤ / ٧٤ ، تاريخ البخاري الكبير : ٢ / ٩٠ ، تاريخ البخاري الصغير : ٢ / ١٢٣ ، الجرح والتعديل : ٢ / ١٥٠٨. الحلية : ٢ / ٢٢٤ ، الجمع بين رجال الصحيحين : ٢١٩ ، البداية والنهاية : ٩ / ٢٥٦ ، الوافي بالوفيات : ١٠ / ٢٠٧.

(١) رفيع بضم أوله مصغرا ابن مهران الرياحي بكسر المهملة مولاهم أبو العالية البصري مخضرم إمام من الأئمة ، صلى خلف عمر ، ودخل على أبي بكر. عن أبيّ وعلي وحذيفة وخلق. وعنه قتادة وثابت وداود بن أبي هند بصريون وخلق. قال أبو خلدة : مات سنة تسعين وهو الصحيح ينظر خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٣٣١ ، سير أعلام النبلاء : ٤ / ٢٠٧ ، الكاشف : ١ / ٣١٢ ، وتذكرة الحفاظ : ٦١ ـ ٦٢.

(٢) ينظر الفخر الرازي : ١ / ٢٠٧.

(٣) ينظر تفسير الفخر الرازي : (١ / ٢٠٧).

(٤) أخرجه أحمد (٤ / ٢٧٨) وابن أبي عاصم (١ / ٤٤) والبغوي في «تفسيره» (٧ / ٢٦) والحديث ذكره الهيثمي في «المجمع» (٥ / ٢١٧) وقال : رواه عبد الله بن أحمد والبزار والطبراني ورجالهم ثقات.

٢٠٨

بدل كلّ من كلّ ، وبدل بعض من كلّ ، وبدل اشتمال ، وبدل غلط ، وبدل نسيان ، وبدل بداء ، وبدل كلّ من بعض.

أما الأقسام الثلاثة الأول ، فلا خلاف فيها.

وأما بدل البداء ، فأثبته بعضهم ؛ مستدلّا بقوله عليه الصّلاة والسّلام : «وإنّ الرّجل ليصلّي الصلاة ، وما كتب له نصفها ثلثها ربعها إلى العشر» ولا يرد هذا في القرآن الكريم.

وأما الغلط والنسيان ، فأثبتهما بعضهم ؛ مستدلّا بقول ذي الرّمّة : [البسيط]

٧٥ ـ لمياء في شفتيها حوّة لعس

وفي اللّثات وفي أنيابها شنب (١)

قال : لأنّ «الحوّة» السّواد الخالص ، و «اللّعس» سواد يشوبه حمرة ، ولا يرد هذان البدلان في كلام فصيح.

وأما بدل الكلّ من البعض ، فأثبته بعضهم ، مستدلّا بظاهر قوله : [الخفيف]

٧٦ ـ نضر الله أعظما دفنوها

بسجستان طلحة الطّلحات (٢)

في رواية من نصب «طلحة» ، قال : لأنّ «الأعظم» بعض «طلحة» ، و «طلحة» كلّ وقد أبدل منها ؛ واستدلّ ـ أيضا ـ بقول امرىء القيس : [الطويل]

٧٧ ـ كأنّي غداة البين يوم تحمّلوا

لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل (٣)

ف «غداة» بعض «اليوم» ، وقد أبدل «اليوم» منها.

ولا حجّة في البيتين ، أما الأول : فإنّ الأصل «أعظما دفنوها أعظم طلحة» ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ؛ ويدلّ على ذلك الرواية المشهورة وهي جرّ «طلحة» على أنّ الأصل : «أعظم طلحة» ولم يقم المضاف إليه مقام المضاف.

وأما الثاني : فإنّ «اليوم» يطلق على القطعة من الزمان ، كما تقدّم ، وليس هذا موضع

البحث عن دلائل المذهبين.

__________________

(١) ينظر ديوانه : ص ٣٢ ، والخصائص : ٣ / ٢٩٦ ، والدرر : ٦ / ٥٦ ، ولسان العرب (شنب) ، (حوا) ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٢٠٣ ، وهمع الهوامع : ٢ / ١٢٦ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤٣٨ ، العيني : ٤ / ٢٠٢ ، شرح جمل الزجاجي لابن عصفور : ١ / ٢٨٣ ، الكامل : ١ / ١٦٠ ، الدر : ١ / ٧٩.

(٢) البيت لابن قيس الرقيات ـ ينظر ديوانه : ٢٠ ، شرح المفصل لابن يعيش : ١ / ٤٧ ، الإنصاف : ٢٨ ، رصف المباني : ٢٩٧ ، الهمع : ٢ / ١٢٧ ، الدرر : ٢ / ١٦٢ ، اللسان (طلح) ضرائر الشعر : ١ / ١٦٥ ، خزانة الأدب : ٤ / ٤١٤ ، ٨ / ١٠ ، الدر : ١ / ٧٩.

(٣) ينظر ديوانه : ص ٩ ، وخزانة الأدب : ٤ / ٣٧٦ ، الدر : ٦ / ٦٠ ، لسان العرب (نقف) ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٢٠١ ، شرح الأشموني : ٢ / ٤٣٧ ، شرح المعلقات للزوزني : ٦ ، شرح القصائد العشر : ١٦ ، الشنقيطي : ٥٨ ، شرح الألفية للمرادي : ٣ / ١٥٠ ، الدر : ١ / ٨٠.

٢٠٩

وقيل : «الصراط» الثاني غير الأول ، والمراد به : العلم بالله تعالى. قاله جعفر بن محمد (١) رحمه‌الله تعالى : وعلى هذا فتخريجته أن يكون معطوفا حذف منه حرف العطف ، وبالجملة فهو مشكل.

والبدل ينقسم أيضا إلى :

بدل معرفة من معرفة ، ونكرة من نكرة ، ومعرفة من نكرة ، ونكرة من معرفة.

وينقسم أيضا إلى :

بدل ظاهر من ظاهر ، ومضمر من مضمر ، وظاهر من مضمر ، ومضمر من ظاهر.

وفائدة البدل : الإيضاح بعد الإبهام ؛ لأنه يفيد تأكيدا من حيث المعنى ، إذ هو على نيّة تكرار العامل.

و «الذين» في محلّ جرّ بالإضافة ، وهو اسم موصول ، لافتقاره إلى صلة وعائد ، وهو جمع «الذي» في المعنى ، والمشهور فيه أن يكون بالياء : رفعا ، ونصبا ، وجرّا ؛ وبعضهم يرفعه بالواو ؛ جريا له مجرى جمع المذكّر السّالم ؛ ومنه : [الرجز]

٧٨ ـ نحن الّذون صبّحوا الصّباحا

يوم الفساد غارة ملحاحا (٢)

وقد تحذف نونه استطالة بصلته ؛ كقوله : [الطويل]

٧٩ ـ وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (٣)

ولا يقع إلّا على أولي العلم ، [ولا يقع مجرى جمع المذكر السّالم ، بخلاف مجرده فإنه يقع على أولي العلم](٤) وغيرهم.

__________________

(١) جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ، الهاشمي القرشي ولد في ٨٠ ه‍ الملقب بالصادق لأنه لم يعرف عنه الكذب قط ، سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية أخذ عنه جماعة ، منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك ، كان جريئا صداعا للحق توفي ١٤٨ ه‍.

ينظر وفيات الأعيان : ١ / ١٠٥ ، والأعلام : ١ / ١٢٦.

(٢) البيت قيل لرجل جاهلي يسمى أبا حرب بن الأعلم. ينظر شرح الأشموني : ١ / ١٤٩ ، الهمع : ١ / ٦١ ، الخزانة : ٢ / ٥٠٦ ، النوادر : ٤٧ ، شرح ابن عقيل : ١ / ١٤٤ ، الدرر : ١ / ٣٦ ، مغني اللبيب : ٢ / ٤١٠ ، شرح شواهد المغني : ٢ / ٨٣٢ ، الدر : ١ / ٧٩.

(٣) البيت للأشهب بن رميلة. ينظر الكتاب : ١ / ٨٦ ـ ١٨٧ ، الخزانة : ٢ / ٥٠٧ ، ابن الشجري : ٢ / ٣٠٧ ، شواهد المغني : ١٧٥ ، ابن يعيش : ٣ / ١٥٥ ، رصف المباني : ٣٤١ ، الهمع : ١ / ٤٩ ، الدرر : ١ / ٢٤ ، المحتسب : ١ / ١٨٥ ، المنصف : ١ / ٦٧ ، التصريح : ١ / ١٣١ ، مغني اللبيب : ١ / ١٩٤ ، القرطبي : ١ / ١٤٨ ، الدر : ١ / ٨١. ولسان العرب (فلج) ، (لذا) والمؤتلف والمختلف : ص ٣٣ ، ومعجم ما استعجم : ص ١٠٢٨ والمقاصد النحوية : ١ / ٤٨٢ والمقتضب : ٤ / ١٤٦ والأزهية : ص ٢٩٩ ، وسر صناعة الإعراب : ٢ / ٥٣٧.

(٤) سقط في ب.

٢١٠

و «أنعمت» : فعل ، وفاعل ، صلة الموصول.

والتاء في «أنعمت» ضمير مرفوع متّصل. و «عليهم» جار ومجرور متعلّق ب «أنعمت» ، والضمير هو العائد ، وهو ضمير جمع المذكرين العقلاء ، ويستوي فيه لفظ متّصله ومنفصله.

والهمزة في «أنعمت» ؛ لجعل الشيء صاحب (١) ما صيغ منه ، فحقّه أن يتعدّى بنفسه ، ولكن ضمّن معنى «تفضّل» فتعدّى تعديته.

وقرأ عمر (٢) بن الخطّاب ، وابن الزّبير (٣) رضي الله ـ تعالى ـ عنهما : «صراط من أنعمت».

ول «أفعل» أربعة وعشرون معنى ، تقدّم واحد.

والتعدية ؛ نحو : «أخرجته».

والكثرة ؛ نحو : «أظبى المكان» أي : «كثر ظباؤه».

والصّيرورة ؛ نحو : «أغدّ البعير» صار ذا غدّة.

والإعانة ؛ نحو : «أحلبت فلانا» أي : أعنته على الحلب.

والتّشكية ؛ نحو : «أشكيته» أي : أزلت شكايته.

والتّعريض ؛ نحو : «أبعت المبتاع» ، أي : عرضته للبيع.

وإصابة الشيء بمعنى ما صيغ منه ؛ نحو : «أحمدته» أي : وجدته محمودا.

وبلوغ عدد ؛ نحو : «أعشرت الدّراهم» ، أي : بلغت العشرة.

أو بلوغ زمان ؛ نحو «أصبح» ، أو مكان ؛ نحو «أشأم».

وموافقة الثّلاثي ؛ نحو : «أحزت المكان» بمعنى : حزته.

أو أغنى عن الثلاثي ؛ نحو : «أرقل البعير».

ومطاوعة «فعل» ؛ نحو قشع الريح ، فأقشع السّحاب.

__________________

(١) في أ : واجب.

(٢) وقرأ بها ابن مسعود وزيد بن علي.

ينظر البحر المحيط : ١ / ١٤٧.

(٣) عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي أبو خبيب بمعجمة مضمومة ، المكي ثم المدني ، أول مولود في الإسلام وفارس قريش له ثلاثة وثلاثون حديثا. شهد اليرموك وبويع بعد موت يزيد وغلب على اليمن والحجاز والعراق وخراسان ، وكان فصيحا شريفا شجاعا ، لسنا أطلس. قتل بمكة سنة ثلاث وسبعين ومولده بعد الهجرة بعشرين شهرا. ينظر الخلاصة : ٢ / ٥٦ ، وتاريخ البخاري الكبير : ت (٩) ، والجرح والتعديل : ت (٢٦١).

٢١١

ومطاوعة «فعّل» ؛ نحو : «فطّرته ، فأفطر».

ونفي الغريزة ؛ نحو : «أسرع».

والتّسمية ؛ نحو : «أخطأته» ، أي : سمّيته مخطئا.

والدعاء ؛ نحو : «أسقيته» ، أي : قلت له : سقاك الله تعالى.

والاستحقاق ؛ نحو «أحصد الزرع» ، أي : استحقّ الحصاد.

والوصول ؛ نحوه : «أعقلته» ، أي : وصّلت عقلي إليه.

والاستقبال ؛ نحو : «أففته» ، أي : استقبلته بقول : أفّ.

والمجيء بالشيء ؛ نحو : «أكثرت» أي : جئت بالكثير.

والفرق بين أفعل وفعل ؛ نحو : أشرقت الشّمس : أضاءت ، وشرقت : طلعت.

والهجوم ؛ نحو : أطلعت على القوم ، أي : اطّلعت عليهم.

و «على» حرف استعلاء حقيقة أو مجازا ؛ نحو : عليه دين ، ولها معان أخر ، منها : المجاوزة ؛ كقوله : [الوافر]

٨٠ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها (١)

أي : عنّي.

وبمعنى «الباء» (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ) [الأعراف : ١٠٥] ، أي : بأن ، وبمعنى «في» ؛ (الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : ١٠٢] أي : في [ملك] ، (الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى) [البقرة : ١٧٧].

والتعليل : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) [البقرة : ١٨٥] ؛ أي لأجل هدايته إياكم.

وبمعنى «من» : (حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) [المؤمنون : ٥ ، ٦] ، أي : إلّا من أزواجهم.

__________________

(١) البيت للقحيف العقيلي ينظر خزانة الأدب : ١٠ / ١٣٢ ، ١٣٣ ، والدرر : ٤ / ١٣٥ ، ولسان العرب (رضي) ، وشرح التصريح : ٢ / ١٤ ، وأدب الكاتب : ص ٥٠٧ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٤١٦ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ٢٨٢ ، وأدب الكاتب : ص ٥٠٧ ، والأزهية : ص ٢٧٧ ، ونوادر أبي زيد : ص ١٧٦ ، والأشباه والنظائر : ٢ / ١١٨ ، والمقتضب : ٢ / ٣٢٠ ، والمحتسب : ١ / ٥٢ ، ٣٤٨ ، ومغني اللبيب : ٢ / ١٤٣ ، وهمع الهوامع : ٢ / ٢٨ ، وأوضح المسالك : ٣ / ٤١ ، والإنصاف : ٢ / ٦٣٠ ، وجمهرة اللغة : ص ١٣١٤ ، والجنى الداني : ص ٤٧٧ ، والخصائص : ٢ / ٣١١ ، ٣٨٩ ، ورصف المباني : ص ٣٧٢ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٢٩٤ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٩٥٤ ، وشرح ابن عقيل : ص ٣٦٥ ، وشرح المفصل : ١ / ١٢٠. الأمالي الشجرية : ٢ / ٢٩٦ ، مجاز القرآن : ٢ / ٨٤ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٥٣ ، الدر : ١ / ٨١.

٢١٢

والزيادة كقوله : [الطويل]

٨١ ـ أبى الله إلّا أنّ سرحة مالك

على كلّ أفنان العضاه تروق (١)

لأنّ «تروق» يتعدى بنفسه ، ولكل موضع من هذه المواضع مجال للنظر.

وهي مترددة بين الحرفيّة ، والاسميّة (٢) ؛ فتكون اسما في موضعين :

__________________

(١) البيت لحميد بن ثور ينظر ديوانه : ص ٤١ ، ولسان العرب (سرح) ، والدرر : ٤ / ١٣٧ ، وشرح التصريح : ٢ / ١٥ ، وشرح شواهد المغني : ١ / ٤٢٠ ، وأدب الكاتب : ص ٥٣٢ ، وأساس البلاغة : ص ١٨٥ (روق) ، والجنى الداني : ص ٤٧٩ ، ومغني اللبيب : ١ / ١٤٤ ، وخزانة الأدب : ٢ / ١٩٤ ، ١٠ / ١٤٤ ، ١٤٥ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٢٩٤ ، وجواهر الأدب : ص ٣٧٧ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٥٤ ، البحر المحيط : ١ / ١٤٥ ، الدر المصون : ١ / ٨٢.

(٢) الأصل في الحرف «على» أنه حرف ، ثم اتسع فيها واستعملت اسما ، ولحظوا فيها معنى (فوق) ، فأدخلوا عليها (من) فقالوا : قمت من عليه ، وذهب ابن الطراوة إلى أن (على) لا تكون حرفا ، وإنما هي ظرف بمنزلة (فوق) ، فإذا قلت : جلست عليه ، فهي بمنزلة : جلست فوقه ، وهي من الظروف التي تتصرف ، ولا تخفض إلا ب «من» خاصة نحو «عند» تقول : جلست عندك ، ولا يجوز أن ترفع ولا تنصب على غير الظرف ولا تخفض إلا ب «من» ، وادعى أن هذا مذهب «سيبويه» ، واستدل بما ذكره «سيبويه» في باب (عدة ما يكون عليه الكلام) ، وهو قوله (وعلى اسم) ولا تكون إلا ظرفا فالكلام في هذا الموضع في فصلين :

أحدهما : أنك إذا قلت : جلست عليك ، فليس بمنزلة : جلست فوقك.

الثاني : أن مذهب سيبويه أن (على) تكون حرفا وتكون اسما ؛ كما قال النحويون ؛ فأما الأول فاعلم أنك إذا قلت : جلست فوقك ، فلا يقتضي أن الجلوس يتعلق بك ، إنما يقتضي هذا اللفظ أن الجلوس وقع في مكان له منك هذه النسبة بمنزلة : جلست تحتك ، وجلست يمينك ، وجلست شمالك ، وإذا قلت : جلست عليك ، فيقتضي أن الجلوس وصل إليك ، ووقع بك ، إلا أنه لم يصل بنفسه ووصل بحرف الجر ؛ فهو بمنزلة : صرت إليك ومشيت لك.

الإضافة على حسب ما ذكرته ، فكيف يقال : إن (على) في قولك : جلست عليك ، ظرف بمنزلة (فوق) ، ومطلوب الفعل ما بعدها ، (وعلى) موصّلة الفعل إليه ، وجلست فوقك ليس الاسم هو مطلوب الجلوس ، و (فوق) موصولة ، وإنما (فوق) دالة على المكان الذي يطلبه الجلوس ؛ وأضيف إليه ليزول عمومه ويتخصص بمنزلة : ضربت غلامك فالضرب بالغلام ، لكن لمّا كان الغلام عاما ، أضيف إلى المخاطب ؛ ليزول عمومه ويتخصص بذلك ، وأما نسبته إلى «سيبويه» ، لقوله في الباب الذي ذكر : (ولا تكون إلا ظرفا) فيريد ـ والله أعلم ـ : ولا تكون إلا ظرفا إذا كانت اسما ، والدليل على ذلك : أنه قال في باب : (ما يتعدى إلى المفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر) ، إنك تقول : استغفرت الله الذنب ، والأصل : استغفرت الله من الذنب ، فأسقط حرف الجر ونظره بقول الشاعر :

آليت حبّ العراق الدهر أطعمه

وقال في هذا : إنه على إسقاط حرف الجر ، وقال : الأصل : آليت على حبّ العراق ، فلما أسقط حرف الجر ، انتصب الاسم ، فهذا يدلك على أن (على) تكون عنده حرف جر ، وأن قوله : في باب (عدة ما يكون عليه الكلام): (ولا يكون إلا ظرفا) يريد : إذا كانت اسما.

انظر البسيط : (٢ / ٨٤٨ ـ ٨٤٩ ـ ٨٥٠) ، والكتاب : (٤ / ٢٣١ ، ١ / ٣٨ ، ٢ / ٢٩) ، والدرر اللوامع : (٢ / ٢٣) ، والأشموني : (٢ / ٢٢٢) ، ومغني اللبيب : (١١٤).

٢١٣

أحدهما : أن يدخل عليها حرف الجرّ ؛ كقول الشاعر : [الطويل]

٨٢ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (١)

ومعناها «فوق» ، أي : من فوقه.

والثاني : أن يؤدي جعله حرفا ، إلى تعدّي فعل المضمر المنفصل إلى ضمير المتّصل في غير المواضع الجائز فيها ؛ ومن ذلك قوله : [المتقارب]

٨٣ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور

بكفّ الإله مقاديرها (٢)

ومثلها في هذين الحكمين «عن» ، وستأتي إن شاء الله تعالى.

وزعم بعضهم أنّ «على» مترددة بين الاسم ، والفعل ، والحرف.

أما الاسم والحرف ، فقد تقدما.

وأما الفعل : قال : فإنك تقول : «علا زيد» أي : ارتفع. وفي هذا نظر ؛ لأن «علا» إذا كان فعلا ، مشتقّ من العلوّ ، وإذا كان اسما أو حرفا ، فلا اشتقاق له ، فليس هو ذاك ، إلّا أنّ هذا القائل يردّ هذا النظر ، [بقولهم : إنّ «خلا» ، «وعدا» مترددان بين الفعليّة والحرفيّة ، ولم يلتفتوا إلى هذا النظر](٣).

والأصل في هاء الكناية الضّمّ ، فإن تقدمها ياء ساكنة ، أو كسرة ، كسرها غير الحجازيين ؛ نحو : عليهم وفيهم وبهم.

والمشهور في ميمها السكون قبل متحرك ، والكسر قبل ساكن ، هذا إذا كسرت الهاء ، أما إذا ضممت ، فالكسر ممتنع إلّا في ضرورة ؛ كقوله : «وفيهم الحكام» بكسر الميم.

وفي «عليهم» عشر لغات :

__________________

(١) البيت لمزاحم العقيلي في أدب الكاتب : ٥٠٤ ، الأزهية : ١٩٤ ، خزانة الأدب : ١٠ / ١٤٧ ، و ١٥٠ ، والدرر : ٤ / ١٨٧ ، جمهرة اللغة : (١٣١٤) ، وجواهر الأدب : ٣٧٥ ، رصف المباني : ٣٧١ ، والمقتضب : ٣ / ٥٣ ، وهمع الهوامع : ٢ / ٣٦ ، وشرح الأشموني : ٢ / ٢٩٦ ، مجالس ثعلب : ٣٠٤ ، مغني اللبيب : ١ / ١٤٦ ، و ٢ / ٥٣٢ ، الأشباه والنظائر : ٣ / ١٢ ، المقاصد النحوية : ٣ / ٣٠١ ، الجنى الداني : ٤٧٠ ، شرح التصريح : ٢ / ١٩ ، شرح المفصل : ٨ / ٣٨ ، لسان العرب : «صلل» النوادر : ١٦٣ ، الكامل : ٤٨٨ ، الجمل : ٧٣ ، المقرب : ٤٢ ، شرح شواهد المغني : ١٤٥ ، العيني : ٣ / ٣٠١ ، الدر : ١ / ٨٢.

(٢) البيت للأعور الشني ينظر الدرر : ٤ / ١٣٩ ، شرح أبيات سيبويه : ١ / ٣٣٨ ، شرح شواهد المغني : ١ / ٤٢٧ ، ٢ / ٨٧٤ ، الكتاب : ١ / ٦٤ ، وأمالي ابن الحاجب : ٢ / ٦٧٩ ، الجنى الداني : ص ٤٧١ ، خزانة الأدب : ١٠ / ١٤٨ ، مغني اللبيب : ١ / ١٤٦ ، المقتضب : ٤ / ١٩٦ ، ٢٠٠ ، همع الهوامع : ٢ / ٢٩ ، ولبشر بن خازم في العقد الفريد : ٣ / ٢٠٧ ، الأشباه والنظائر : ٧ / ٦٢ ، العمدة : ١ / ٣٣ ، ارتشاف الضرب : ٢ / ٤٥٢ ، الدر : ٨٢.

(٣) سقط في أ.

٢١٤

قرىء (١) ببعضها : «عليهم» بكسر الهاء وضمها ، مع سكون الميم.

«عليهمي» ، بكسر الهاء ، وزيادة الياء ، وبكسر الميم فقط.

«عليهمو» بضم الميم ، وزيادة واو ، أو الضم فقط.

«عليهمو» بكسر الهاء ، وضم الميم ، بزيادة الواو.

«عليهمي» بضمّ الهاء ، وزيادة ياء بعد الميم.

أو الكسر فقط «عليهم» بكسر الهاء ، وضم الميم ، حكى ذلك ابن الأنباري (٢).

والتفسير ، قال البغويّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أي : مننت عليهم بالهداية والتوفيق ، وقال عكرمة (٣) ـ رضي الله تعالى عنه ـ : مننت عليهم بالثّبات على الإيمان والاستقامة وعلى الأنبياء عليهم‌السلام.

وقيل : على كلّ من ثبّته الله ـ تعالى ـ من النّبيّين والمؤمنين الذي ذكرهم الله ـ تعالى ـ في قوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء : ٦٩] وقال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ هم قوم موسى ، وعيسى ـ عليهما الصلاة والسلام ـ قبل أن غيروا دينهم.

وقال أبو العالية (٤) : هم آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر ، وعمر رضي الله عنهما.

وقال شهر بن حوشب (٥) ـ رضي الله عنه ـ : هم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهل بيته.

__________________

(١) ينظر تفصيل ذلك في حجة القراءات : ٨٠ ، والحجة : ١ / ٥٧ ، وما بعدها ، وإعراب القراءات : ١ / ٥٠ ، والبحر المحيط : ١ / ١٤٥ ، وإتحاف : ١ / ٣٦٥ ، وما بعدها.

(٢) عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الأنصاري ، أبو البركات ، كمال الدين الأنباري ، ولد سنة ٥١٣ ه‍ ، من علماء اللغة والأدب وتاريخ الرجال. سكن بغداد وتوفي بها سنة ٥٧٧ ه‍. له البيان في غريب إعراب القرآن ، نزهة الألباء في طبقات الأدباء. ينظر الأعلام : ٣ / ٣٢٧ ، بغية الوعاة : ٣٠١ ، والوفيات : ١ / ٢٧٩.

(٣) عكرمة البربري مولى ابن عباس أبو عبد الله أحد الأئمة الأعلام. عن مولاه ، وعائشة وأبي هريرة ، وأبي قتادة ومعاوية وخلق. وعنه الشعبي وإبراهيم النّخعي ، وأبو الشّعثاء من أقرانه وعمرو بن دينار وقتادة وأيّوب وخلق. قال الشعبي : ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة رموه بغير نوع من البدعة. قال العجلي : ثقة بريء مما يرميه الناس به. ووثقه أحمد ، وابن معين ، وأبو حاتم والنّسائي. ومن القدماء أيوب السّختياني. قال مصعب : مات سنة خمس ومائة. ينظر الخلاصة : ٢ / ٢٤٠.

(٤) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المدني روى عن أبيه. وعنه وكيع وابن وهب وقتيبة وخلق ضعّفه أحمد وابن المديني والنسائي وغيرهم. توفي سنة ١٨٤ ه‍.

ينظر الخلاصة : ٢ / ١٣٣ (٤٠٩٤) ، الجرح والتعديل : ج ٢ ق ٢ / ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، والمغني : ٢ / ٣٨٠ ، وهدية العارفين : ١ / ٥١٢.

(٥) شهر بن حوشب الأشعري ، فقيه قارىء ، من رجال الحديث ، شامي الأصل ، ولد سنة ٢٠ ه‍ ، سكن العراق ، وكان يتزيّا بزي الجند ، ويسمع الغناء بالآلات ، وولي بيت المال مدة ، وهو متروك الحديث ، ـ

٢١٥

وقرأ حمزة (١) «عليهم» ، و «إليهم» ، و «لديهم» بضم الهاء.

ويضم يعقوب (٢) كلّ هاء قبلها ياء ساكنة تثنية وجمعا ، إلّا قوله تعالى : (بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) [الممتحنة : ١٢].

والآخرون : بكسرها. فمن ضمّها ردّها إلى الأصل ؛ لأنها مضمومة عند الانفراد.

ومن كسرها ، فالأصل الياء السّاكنة ، والياء أخت الكسرة.

وضم ابن كثير (٣) ، وأبو جعفر (٤) كلّ ميم جمع مشبعا في الوصل ، إذا لم يلقها ساكن ، فإن لقيها ساكن فلا يشبع.

ونافع يخيّر ، ويضمّ ورش (٥) عند ألف القطع.

وإذا تلقته ألف الوصل ، وقبل الهاء كسر ، أو ياء ساكنة ، ضمّ الهاء والميم حمزة والكسائي ـ رحمهما‌الله ـ وكسرهما أبو عمرو ، وكذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله.

__________________

ـ وكان ظريفا قال له رجل : إني أحبك فقال : ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله ووزيرك على دين الله ، وهو نبي على غيرك. ينظر الأعلام : ٣ / ١٧٨ ، تهذيب التهذيب : ٤ / ٣٦٩ ، والتاج : ١ / ٢١٤.

(١) انظر الحجة للقراء السبعة : ١ / ٥٧ ، وحجة القراءات : ٨٠ ، وإعراب القراءات : ١ / ٥٠ ، وإتحاف : ١ / ٣٦٦.

(٢) يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق أبو محمد الحضرمي مولاهم البصري أحد القراء العشرة وإمام أهل البصرة ومقرؤها سمع الحروف من الكسائي ومحمد بن زريق الكوفي عن عاصم وسمع من حمزة حروفا ، وروى ابن المنادي أنه قرأ على أبي عمرو ، قال أبو عبد الله القصاع : وما ذلك ببعيد لأن أبا عمرو توفي وليعقوب سبع وثلاثون سنة ، قال يعقوب قرأت على سلام في سنة ونصف وقرأت على شهاب بن شرنقة المجاشعي في خمسة أيام وقرأ شهاب على مسلمة بن محارب المحاربي في تسعة أيام وقرأ مسلمة على أبي الأسود الدؤلي على علي رضي الله عنه. قلت وقراءته على أبي الأشهب عن أبي رجاء عن أبي موسى في غاية العلو ، قال أبو حاتم السجستاني هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهبه ومذاهب النحو. ينظر الغاية : ٢ / ٣٨٦ (٣٨٩١).

(٣) عبد الله بن كثير الداري المكي ، أبو معبد : أحد القرّاء السبعة.

كان قاضي الجماعة بمكة. وكانت حرفته العطارة. ويسمون العطار «داريّا». فعرف بالداري. وهو فارسي الأصل ولد سنة ٤٥ ه‍ بمكة وتوفي سنة ١٢٠ ه‍ بها أيضا.

انظر وفيات الأعيان : ١ / ٢٥٠ ، الأعلام : ٤ / ١١٥.

(٤) أحمد بن فرح بن جبريل أبو جعفر الضرير البغدادي المفسر وفرح بالحاء المهملة ثقة كبير ، قرأ على الدوري بجميع ما عنده من القراآت وعلى عبد الرحمن بن واقد وقرأ أيضا على البزي وعمر بن شبة ، قرأ عليه أحمد بن مسلم الختلي وأحمد بن عبد الرحمن الدقاق الولي وزيد بن علي بن أبي جلال وأبو بكرة بن مقسم وابن مجاهد وأبو الحسن بن شنبوذ. ينظر الغاية : ١ / ٩٥ (٤٣٧).

(٥) عثمان بن سعيد بن عدي المصري. ولد بمصر سنة ١١٠ ه‍ ، من كبار القراء. غلب عليه لقب «ورش» لشدة بياضه. أصله من القيروان وتوفي بمصر سنة ١٩٧ ه‍. ينظر الأعلام : ٤ / ٢٠٥ ، النهاية : ١ / ٥٠٢ ، وإرشاد الأريب : ٥ / ٣٣.

٢١٦

والآخرون : بضمّ الميم ، وكسر الهاء ؛ لأجل الياء أو لكسر ما قبلها ، وضمّ الميم على الأصل ، وقرأ عمر بن الخطّاب (١) ـ رضي الله تعالى عنه ـ : «صراط من أنعمت عليهم».

قال ابن الخطيب (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : اختلف في حدّ النّعمة :

فقال بعضهم : إنها عبارة عن المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير.

[ومنهم من يقول : المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير].

قالوا : وإنما زدنا على هذا القيد ، لأن النعمة يستحقّ لها الشكر بالإحسان [والحقّ أن هذا القيد غير معتبر ؛ لأنه لا يجوز إن يستحق الشكر بالإحسان](٣) ، وإن كان فعله محظورا ؛ لأن جهة استحقاق الشكر غير جهة استحقاق الذّنب والعقاب ، فأيّ امتناع في اجتماعهما؟ ألا ترى أن الفاسق يستحقّ بإنعامه الشّكر ، والذّمّ بمعصية الله تعالى ، فلا يجوز أن يكون الأمر ها هنا كذلك.

ولنرجع إلى تفسير الحدّ ، فنقول : أما قولنا : «المنفعة» ؛ فلأن المضرّة المحضة لا تكون نعمة.

وقولنا : المفعولة على جهة الإحسان ؛ لأنه لو كان نفعا حقّا وقصد الفاعل به نفع نفسه ، نفع المفعول به ، فلا يكون نعمة (٤) ، كمن أحسن إلى جاريته ، ليربح عليها.

وها هنا فوائد :

الفائدة الأولى : أنّ كلّ ما يصل إلى الخلق من النفع ، ودفع الضّرر ، فهو من الله تعالى على ما قال تبارك وتعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] ثمّ إنّ النعمة على ثلاثة أقسام :

أحدها : نعمة تفرّد الله ـ تعالى ـ بإيجادها ، نحو : أن خلق ورزق.

وثانيها (٥) نعمة وصلت إلينا من جهة غير الله ـ تعالى ـ في ظاهر الأمر ، وفي الحقيقة فهي ـ أيضا ـ إنّما وصلت من الله تبارك وتعالى ؛ وذلك لأنه ـ تعالى ـ هو الخالق لتلك النعمة ، والخالق لذلك المنعم ، وخالق لداعية الإنعام بتلك النعمة في قلب ذلك المنعم ، إلّا أنه تبارك وتعالى لمّا أجرى تلك النعمة على يد ذلك العبد ، كان ذلك العبد مشكورا ، ولكن المشكور في الحقيقة هو الله ـ تعالى ـ ولهذا قال تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان : ١٤] فبدأ بنفسه ، تنبيها على أن إنعام الخلق لا يتمّ إلّا بإنعام الله تعالى.

وثالثها : نعم وصلت من الله إلينا بسبب طاعتنا ، وهي أيضا من الله تعالى (٦) ؛ لأنه

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر الفخر الرازي : ١ / ٢٠٨.

(٣) سقط في ب.

(٤) في أ : إحسانا.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

٢١٧

لو لا أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ وفّقنا للطاعات ، وأعاننا عليها ، وهدانا إليها ، وأزاح الأعذار عنا ، وإلّا لما وصلنا إلى شيء منها ، فظهر بهذا التقرير أنّ جميع النعم في الحقيقة من الله تعالى.

الفائدة الثّانية : اختلفوا [في أنه](١) هل لله ـ تعالى ـ نعمة على الكافر أم لا؟

فقال بعض أصحابنا : ليس لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة.

وقالت المعتزلة : لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة دينية ، ونعمة دنيوية.

واحتجّ الأصحاب على صحّة قولهم ، بالقرآن [الكريم](٢) ، والمعقول.

أما القرآن ؛ فقوله تبارك وتعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ؛ وذلك لأنه لو كان لله على الكافر نعمة ، لكانوا داخلين تحت قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فيكون طلبا لصراط الكفّار ، وذلك باطل ، فثبت بهذه الآية أنه ليس لله ـ تعالى ـ على الكافر نعمة.

فإن قالوا : إنّ قوله : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يدفع ذلك.

قلنا : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بدل من قوله : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ؛ فكان التّقدير : «اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم» ، وحينئذ يعود المحذوف المذكور.

وقوله تبارك وتعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨].

وأما المعقول : فهو أنّ نعم الدنيا الفانية في مقابلة عذاب الآخرة على الدوام ، كالقطرة في البحر ، ومثل هذا لا يكون نعمة ، بدليل أنّ من جعل السّمّ في الحلوى لم يعد النفع الحاصل منه نعمة ؛ لأجل أن ذلك النفع حقير في مقابلة ذلك الضّرر الكبير (٣) ، فكذا ههنا.

وأما الّذين قالوا : إن لله على الكافر نعمة ، فقد احتجّوا بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً) [البقرة : ٢١ ، ٢٢] ، على أنه يجب على الكلّ طاعة الله ـ تعالى ـ لأجل هذه النعم ، وإلّا لما كانت هذه النعم العظيمة معتبرة ؛ وقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) [البقرة : ٢٨] ، ذكر ذلك في معرض الامتنان ، وشرح النعم.

وقوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٤٠].

وقوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣].

وقول إبليس : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧].

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : الكثير.

٢١٨

ولو لم تحصل النعمة ، لم يلزم من عدم إقدامهم على الشكر محذور ؛ لأنّ الشكر لا يمكن إلّا عند حصول النعمة.

الفائدة الثالثة : قال ابن الخطيب (١) ـ رحمه‌الله ـ : قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يدل على إمامة أبي بكر ـ رضي الله عنه ؛ لأنا ذكرنا أن تقدير الآية : «اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم» والله ـ تعالى ـ قد بيّن في آية أخرى أنّ (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) من هم ؛ بقوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) [النساء : ٦٩] ورئيسهم أبو بكر الصّديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ فكان معنى الآية أن الله ـ تعالى ـ أمرنا أن نطلب الهداية [التي كان عليها أبو بكر الصديق ، وسائر الصّديقين ، ولو كان أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ غير إمام ، لما جاز الاقتداء به](٢) ، فثبت [بما ذكرناه دلالة هذه الآية على](٣) إمامة أبي بكر رضي الله عنه.

الفائدة الرابعة : قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يتناول كلّ من كان لله ـ تعالى ـ عليه نعمة ، وهذه النعمة إما أن يكون المراد منها نعمة الدنيا ، أو نعمة الدين ، والأول باطل فثبت أن المراد منه نعمة الدين.

فنقول : كل نعمة دينيّة سوى الإيمان فهي مشروطة بحصول الإيمان ، وأمّا نعمة الإيمان فيمكن حصولها خاليا عن سائر النعم الدينية ، وهذا يدلّ على أن المراد من قوله تعالى : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) هو نعمة الإيمان ، فرجع حاصل القول في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أنه طلب لنعمة الإيمان ، وإذا ثبت هذا الأصل ، فيتفرع عليه أحكام :

الأول : أنه لما ثبت أن المراد من هذه النعمة نعمة الإيمان ، إذ لفظ الآية الكريمة صريح في أن الله ـ تعالى ـ هو المنعم بالنعمة ، ثبت أنّ الخالق للإيمان ، والمعطي للإيمان هو الله تعالى ، وذلك يدلّ على فساد قول المعتزلة ، وكان الإيمان أعظم النعم ، فلو كان الفاعل للإيمان هو العبد لكان إنعام العبد أشرف وأعلى من إنعام الله تعالى ، ولو كان كذلك لما حسن من الله ـ تعالى ـ أن يذكر إنعامه في معرض التعظيم.

الحكم الثاني : يجب ألّا يبقى المؤمن مخلدا في النار ؛ لأن قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) مذكور في معرض التّعظيم بهذا الإنعام ، ولو لم يكن له أثر في دفع العذاب المؤبّد لكان قليل الفائدة ، فما كان يحسن من الله ـ تعالى ـ ذكره في معرض التّعظيم.

الحكم الثالث : دلّت الآية الكريمة على أنه لا يجب على الله ـ تعالى ـ رعاية [الصلاح والأصلح](٤) في الدين ؛ لأنه لو كان الإرشاد على الله ـ تعالى ـ واجبا لم يكن ذلك إنعاما ،

__________________

(١) ينظر الفخر الرازي : ١ / ٢٠٩.

(٢) سقط في : أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

٢١٩

وحيث سماه الله ـ تعالى ـ إنعاما علمنا أنه غير واجب.

الحكم الرابع : لا يجوز أن يكون المراد بالإنعام الإقدار على الإيمان ؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ قدر المكلف عليه ، وأرشده إليه ، وأزاح أعذاره وعلله عنه ، لأن كل ذلك حاصل في حقّ الكفار ، فلما خص الله ـ تعالى ـ بعض المكلفين بهذا الإنعام ، مع أن الإقدار ، وإزاجة العلل حاصل في حقّ الكل ، علمنا أن المراد ليس هو الإقدار ، وإزاحة الموانع.

قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).

«غير» بدل من «الذين» بدل نكرة من معرفة.

وقيل : نعت ل «الذين» ، وهو مشكل ؛ لأن «غير» نكرة و «الذين» معرفة (١) ، وأجابوا عنه بجوابين :

أحدهما : أن «غير» إنما يكون نكرة إذا لم يقع بين ضدّين ، فأما إذا وقع بين ضدين فقد انحصرت الغيرية ، فيتعرف «غير» حينئذ بالإضافة ، تقول : «مررت بالحركة غير السكون» والآية من هذا القبيل ، وهذا إنما يتمشّى على مذهب ابن السّراج ، وهو مرجوح.

والثاني : أن الموصول أشبه النكرات في الإبهام الذي فيه ، فعومل معاملة النكرات.

__________________

(١) النعت والمنعوت كالشيء الواحد لا يكون معرفة نكرة ؛ لما بينهما من التضاد ؛ لأن النّكرة لشياعها كالجمع ، والمعرفة لاختصاصها كالواحد ، فكما لا يمكن أن يكون الواحد جمعا ، والجمع واحدا ؛ لا يمكن أن تكون المعرفة نكرة ، فإذا لم يكن ذلك في الشيء الواحد ، تعذر فيما هما كالشيء الواحد. والدليل على أن النعت والمنعوت كالشيء الواحد : أنك إذا قلت : مررت بزيد الأكحل ، فيتنزل زيد الأكحل عند من لا يعرف الشخص ب «زيد» وحده منزلة «زيد» عند من يعرفه به ؛ لهذا لا تنعت النكرة إلا بنكرة ، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة.

قال أبو حيان ـ رحمه‌الله ـ في ارتشاف الضرب : الذي نختاره أنه لا تنعت المعرفة إلا بالمعرفة ، ولا النكرة إلا بالنكرة ، إذا توافقا في الإعراب ، وذهب بعض الكوفيين إلى جواز التخالف بكون النعت نكرة إذا كان لمدح أو ذم ، وجعل منه : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ) فالذي وصف لهمزة ، وأجاز الأخفش وصف النكرة بالمعرفة إذا خصصت قبل ذلك بالوصف ، نحو قوله تعالى : (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) قال : الأوليان صفة الآخران ؛ لأنه لما وصف تخصص ، وجوز قوم وصف المعرفة بالنكرة ومنه عندهم قوله :

وللمغنّي رسول الزور قوّاد

فقواد صفة للمغني ، وزعم ابن الطراوة أنه يجوز وصف المعرفة بالنكرة إذا كان الوصف بها خاصا بالموصوف ، وجعل من ذلك : وفي أنيابها السم ناقع.

وقال : ناقع صفة للسم.

وأجيب بالمنع في الجميع بإعرابها أبدالا. وأجيب عن هذا التخالف بما ذكره المصنف.

انظر البسيط شرح الجمل : (١ / ٣٠١ ـ ٣٢٥) ، وارتشاف الضرب : (٢ / ٥٨٠) ، وهمع الهوامع : (٢ / ١١٦ ـ ١١٧).

٢٢٠