اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

إما إتباع الجميع ، أو قطع الجميع ، أو قطع البعض ، وإتباع البعض.

إلّا أنك إذا أتبعت البعض ، وقطعت البعض وجب أن تبدأ بالإتباع ، ثمّ تأتي بالقطع من غير عكس ، نحو : «مررت بزيد الفاضل الكريم» ؛ لئلّا يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بالجملة المقطوعة.

و «العالمين» خفض بالإضافة ، علامة خفضه الياء ؛ لجريانه مجرى جمع المذكر السّالم ، وهو اسم جمع ؛ لأنّ واحده من غير لفظه ، ولا يجوز أن يكون جمعا ل «عالم» ؛ لأن الصحيح في «عالم» أن يطلق على كل موجود سوى الباري تعالى ، لاشتقاقه من العلامة ، بمعنى أنه دالّ على صانعه.

و «عالمون» بصيغة الجمع لا يطلق إلا على العقلاء دون غيرهم ، فاستحال أن يكون «عالمون» جمع «عالم» ؛ لأنّ الجمع لا يكون أخصّ من المفرد.

وهذا نظير ما فعله سيبويه (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ في أنّ «أعرابا» ليس جمعا ل «عرب» ؛ لأنّ «عربا» يطلق على البدويّ دون القرويّ.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون «عالمون» جمعا ل «عالم» مرادا به العاقل دون غيره ، فيزول المحذور المذكور؟

وأجيب عنه : بأنه لو جاز ذلك ، لجاز أن يقال : «شيئون» جمع «شيء» مرادا به العاقل دون غيره ، فدل عدم جوازه على عدم ادّعاء ذلك.

وفي الجواب نظر ، إذ لقائل أن يقول : «شيئون» منع منه مانع آخر ، وهو كونه ليس صفة ولا علما ، فلا يلزم من منع ذلك منع «عالمين» مرادا به العاقل.

ويؤيّد هذا ما نقل الراغب عن ابن عبّاس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنّ «عالمين» إنما جمع هذا الجمع ؛ لأن المراد به الملائكة والجنّ والإنس.

وقال الراغب (٢) أيضا : «إنّ العالم في الأصل اسم لما يعلم به كالطّابع اسم لما يطبع» وجعل بناؤه على هذه الصيغة ، لكونه كالآلة ، فالعالم آلة في الدلالة على صانعه.

وقال الرّاغب : «وأما جمعه جمع السّلامة ، فلكون الناس في جملتهم ، والإنسان إذا شارك غيره في اللّفظ غلب حكمه» ، فظاهر هذا أنّ «العالمين» يطلق على العقلاء وغيرهم ، وهو مخالف لما تقدّم من اختصاصه بالعقلاء ، كما زعم بعضهم ، وكلام الراغب هو الأصحّ الظّاهر.

__________________

(١) ينظر الكتاب : ٢ / ٨٩.

(٢) ينظر المفردات : ٣٥٧.

١٨١

فصل في وجوه تربية الله لعبده

قال ابن الخطيب (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : «وجوه تربية الله للعبد كثيرة غير متناهية ، ونحن نذكر منها أمثله :

الأول : لما وقعت النّطفة من صلب الأب إلى رحم الأمّ ، فربّاها حتى صارت علقة أولا ، ثم مضغة ثانية ، ثم تولّدت منه أعضاء مختلفة ، مثل العظام ، والغضاريف ، والرّباطات ، والأوتار ، والأوردة ، والشرايين ، ثم اتصل البعض بالبعض ، ثمّ حصل في كلّ واحد منها نوع خاصّ من أنواع القوى ، فحصلت القوّة الباصرة في العين ، والسّامعة في الأذن ، والنّاطقة في اللّسان ، فسبحان من بصّر بشحم ، وأسمع بعظم ، وأنطق بلحم»!.

والثّاني : أن الحبّة الواحدة إذا وقعت في الأرض ، فإذا وصلت نداوة الأرض إليها ، انتفخت ولا تنشق من شيء من الجوانب إلّا من أعلاها وأسفلها ، مع أنّ الانتفاخ حاصل من جميع الجوانب.

أما الشق الأعلى ، فيخرج منه الجزء الصاعد ، فبعد صعوده يحصل له ساق ، ثم ينفصل من ذلك الساق أغصان كثيرة ، ثم يظهر على تلك الأغصان الأنوار أوّلا ، ثمّ الثّمار ثانيا ، ويحصل لتلك الثمار أجزاء مختلفة بالكثافة ، واللطافة ، وهي القشور ، واللّبوب ، ثم الأدهان.

وأما الجزء الغائص من الشجرة ، فإن تلك العروق تنتهي إلى أطرافها ، وتلك الأطراف تكون في اللطافة كأنها مياه منعقدة ، ومع غاية لطفها ، فإنها تغوص في الأرض الصّلبة اليابسة ، وأودع فيها قوى جاذبة تجذب اللّطيفة من الطين إلى نفسها ، والحكمة في كلّ هذه التدبيرات تحصيل ما يحتاج العبد إليه من الغذاء ، والإدام ، والفواكه ، والأشربة ، والأدوية ؛ كما قال تعالى : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا) [عبس : ٢٥ ، ٢٦].

فصل

اختلفوا في الْعالَمِينَ.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : «هم الجنّ والإنس (٢) ؛ لأنهم المكلّفون بالخطاب» ؛ قال الله تعالى : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١].

__________________

(١) ينظر الفخر الرازي : ١ / ١٨٨.

(٢) أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وصححه من طرق عن ابن عباس كما ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٦).

١٨٢

وقال قتادة (١) ، والحسن ، ومجاهد ـ رضي الله تعالى عنهم ـ : «جميع المخلوقين» ؛ قال تبارك وتعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) [الشعراء : ٢٣ ، ٢٤].

واشتقاقه من العلم والعلامة ، سمّوا بذلك ؛ لظهور أثر الصنعة فيهم.

قال أبو عبيد (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ : هم أربع أمم : الملائكة ، والإنس ، والجنّ ، والشّياطين ، مشتقّ من العلم ، ولا يقال للبهائم ؛ لأنها لا تعقل.

واختلفوا في مبلغهم.

قال سعيد بن المسيّب (٣) ـ رضي الله عنه ـ : «لله ألف عالم : ستّمائة في البحر ، وأربعمائة في البر» (٤).

__________________

(١) قتادة بن دعامة السدوسي ، أبو الخطاب البصري الأكمه ، أحد الأئمة الأعلام ، حافظ مدلس قال ابن المسيّب : ما أتاني عراض أحفظ من قتادة. وقال ابن سيرين : قتادة أحفظ الناس. وقال ابن مهدي : قتادة أحفظ من خمسين مثل حميد. قال حماد بن زيد : توفي سنة سبع عشرة ومائة ، وقد احتج به أرباب الصحاح.

ينظر طبقات ابن سعد : ٩ / ١٥٦ ، معرفة الثقات : ١٥١٣ ، سير الأعلام : ٥ / ٢٦٩ ، الثقات : ٥ / ٣٢٢ ، تراجم الأحبار : ٣ / ٢٦٤ ، الحلية : ٢ / ٢٣٣ ، لسان الميزان : ٧ / ٣٤١ ، ميزان الاعتدال : ٣ / ٣٨٥ ، تهذيب الكمال : ٢ / ١١٢١ ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ٣٥٠.

(٢) القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي ، أحد أئمة الإسلام فقها ، ولغة وأدبا ، أخذ العلم عن الشافعي ، والقراءات عن الكسائي وغيره. قال ابن الأنباري : كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا ، فيصلي ثلثه ، وينام ثلثه ، ويصنف ثلثه. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد : عرضت كتاب «الغريب» لأبي عبيد على أبي فاستحسنه ، وقال : جزاه الله خيرا. توفي سنة ٢٢٤. انظر : ط. ابن قاضي شهبة : ١ / ٦٧ ، ط. ابن سعد : ٧ / ٣٥٥ ، وإنباه الرواة : ٣ / ١٢. وطبقات الشافعية للإسنوي : ص ١١ ، تهذيب الأسماء واللغات : ٢ / ٣٠ ، طبقات الفقهاء للعبادي : ص ٢٥.

(٣) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن مخزوم المخزومي أبو محمد المدني الأعور ، رأس علماء التابعين وفردهم وفاضلهم وفقيههم. ولد سنة خمس عشرة. عن عمر وأبيّ ، وأبي ذر وأبي بكرة وعلي وعثمان وسعد في البخاري ومسلم وطائفة. وعنه الزهري وعمرو بن دينار وقتاد ة وبكير بن الأشج ويحيى بن سعيد الأنصاري وخلق. قال قتادة : ما رأيت أعلم بالحلال والحرام منه. وقال أحمد : مرسلات سعيد صحاح سمع من عمر. وقال مالك : لم يسمع منه ، ولكنه أكب على المسألة في شأنه وأمره حتى كأنه رآه. وقال أبو حاتم : هو أثبت التابعين في أبي هريرة قال أبو نعيم : مات سنة ثلاث وتسعين. وقال الواحدي سنة أربع.

ينظر ترجمته في تهذيب الكمال : ١ / ٥٠٤ ، تهذيب التهذيب : ٤ / ٨٤ ، تقريب التهذيب : ١ / ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٣٩٠ ، الكاشف : ١ / ٣٧٢ ، الثقات : ٤ / ٢٧٣. تاريخ البخاري الكبير : ٣ / ٥١٠ ، الجرح والتعديل : ٤ / ٢٦٢ ، شذرات : ١ / ١٠٢. تذكرة الحفاظ : ١ / ٥٤. الحلية : ٢ / ١٦١ ، الوافي بالوفيات : ٤ / ٢٦٢. طبقات ابن سعد : ٩ / ٨٢.

(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٧) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

١٨٣

وقال مقاتل بن حيّان (١) ـ رضي الله عنه ـ : «ثمانون ألفا ، أربعون ألفا في البحر ، وأربعون ألفا في البرّ».

وقال وهب (٢) ـ رضي الله عنه ـ : «لله ثمانية عشر ألف عالم ، الدّنيا عالم منها ، وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في صحراء» (٣).

وقال كعب الأحبار ـ رضي الله عنه ـ : «لا يحصي عدد العالمين إلّا الله ـ عزوجل ـ» ؛ قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : ٣١].

قوله تعالى : [سورة الفاتحة (١) : الآيات ٣ الى ٤] (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٤)

قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

نعت أو بدل ـ وقرئا منصوبين (٤) ، ومرفوعين ، وتوجيه ذلك ما ذكر في : (رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وتقدم الكلام على اشتقاقهما في «البسملة» فأغنى عن إعادته.

قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ).

يجوز أن يكون صفة أيضا ، أو بدلا ، وإن كان البدل بالمشتقّ قليلا. وهو مشتقّ من «الملك» ـ بفتح الميم ـ وهو : الشّدّ والرّبط ، قال الشاعر في ذلك : [الطويل]

٤٩ ـ ملكت بها كفّي فأنهرت فتقها

يرى قائم من دونها ما وراءها (٥)

ومنه : إملاك العروس ؛ لأنّه عقد ، وربط للنّكاح.

__________________

(١) مقاتل بن حيان بتحتانية البكري ، مولاهم النبطي أبو بسطام البلخي الخراز أوله معجمة ثم مهملة. عن مجاهد ، وعروة وسالم. وعنه إبراهيم بن أدهم وابن المبارك. وثقه ابن معين. ينظر : الخلاصة : ٣ / ٥٣ ، تقريب التهذيب : ٢ / ٢٧٢ ، الكاشف : ٣ / ١٧١ ، تاريخ أسماء الثقات : ١٣٨٢.

(٢) وهب بن منبه الأنباري الصنعاني الذماري ، مؤرخ ، عالم بأساطير الأولين ولد في ٣٤ ه‍ ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء صنعاء ، يروى أنه صحب ابن عباس ، واتهم بالقدر وحبس. له قصص الأنبياء ، وقصص الأخبار توفي في ١١٤ ه‍.

ينظر المعارف : ٢٠٢ ، شذرات الذهب : ١ / ١٥٠ ، ابن سعد : ٥ / ٣٩٥ ، حلية : ٤ / ٢٣ ، طبقات الخواص : ١٦١ ، المناوي : ١٧٨ ، الأعلام : ٨ / ١٢٥.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» : (١ / ٣٧) وعزاه لأبي الشيخ ، وأبي نعيم عن وهب.

(٤) انظر البحر المحيط : ١ / ١٣٢ ، وقد نصبهما «أبو العالية» ، و «ابن السميفع» ، و «عيسى بن عمر».

ورفعهما «أبو رزين العقيلي» ، و «الربيع بن خيثم» و «أبو عمران الجوني».

(٥) البيت لقيس بن الخطيم. ينظر ديوانه : ٣ ، حماسة أبي تمام بشرح التبريزي : ١ / ١٧٨ ، المرزوقي : ٢ / ٥١ ، القرطبي : ١ / ١٦٦ ، مشكل القرآن لابن قتيبة : ١٧٤ ، ديوان المعاني : ٢ / ٥١ ، المختار من شعر بشار : ٩١ ، البحر المحيط : ٨ / ١٨٤ ، الأغاني : ٣ / ١٦٠ ، الصحاح : ٤ / ١٦١١ ، اللسان : ملك ، الحجة : ١ / ٩ ، روح المعاني : ١ / ٨٣ ، الدر : ١ / ٦٩.

١٨٤

وقرىء (١) : «مالك» بالألف.

قال الأخفش (٢) ـ رحمه‌الله تعالى ـ يقال : ملك بيّن الملك ـ بضم الميم ، و «مالك» من «الملك» بفتح الميم وكسرها.

وروي ضمّها ـ أيضا ـ بهذا المعنى.

وروي عن العرب : «لي في هذا الوادي ملك وملك وملك» مثلّث الفاء ، ولكن المعروف الفرق بين الألفاظ الثّلاثة :

فالمفتوح : الشّدّ والرّبط.

والمضموم : هو القهر والتسلّط على من يتأتّى منه الطاعة ، ويكون باستحقاق وغيره ، والمقصور : هو التّسلّط على من يتأتّى منه الطاعة ومن لا يتأتى منه ، ولا يكون إلّا باستحقاق ؛ فيكون بين المقصور والمضموم عموم وخصوص من وجه.

وقال الرّاغب (٣) : الملك أي «بالكسر» كالجنس للملك ، أي «بالضّم» فكلّ ملك «بالكسر» ملك ، وليس كلّ ملك ملكا ، فعلى هذا يكون بينهما عموم وخصوص مطلق ، وبهذا يعرف الفرق بين ملك ومالك ، فإنّ ملكا مأخوذة من الملك بالضم ومالكا مأخوذ من الملك «بالكسر» وقيل : إنّ الفرق بينهما : أنّ الملك : اسم كلّ من يملك السياسة ، إمّا في نفسه ، بالتمكّن من زمام قواه وصرفها عن هواها.

وإمّا في نفسه وفي غيره ، سواء تولى ذلك أو لم يتولّ.

وقد رجّح كلّ فريق إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحا يكاد يسقط القراءات الأخرى ، وهذا غير مرضيّ ؛ لأنّ كلتيهما متواترة ، ويدلّ على ذلك ما روي عن ثعلب ـ رحمه‌الله تعالى ـ أنه قال : إذا اختلف الإعراب في القرآن عن السّبعة ، لم أفضّل إعرابا على إعراب في القرآن ، فإذا خرجت إلى كلام الناس ، فضّلت الأقوى. نقله أبو عمرو الزّاهد في «اليواقيت».

قال أبو شامة (٤) ـ رحمه‌الله : ـ قد أكثر المصنّفون في القراءات والتفاسير من التّرجيح

__________________

(١) وبها قرأ عاصم ، والكسائي. ينظر السبعة : ١٠٤ ، والحجة للفارسي : ١ / ٥.

(٢) ينظر معاني القرآن : ٥٥٠.

(٣) ينظر المفردات : ٤٩٣.

(٤) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي أبو القاسم : شهاب الدين أبو شامة ، مؤرخ محدث باحث. توفي سنة ٦٦٥ ه‍. فوات الوفيات : ١ / ٢٥٢ ، بغية الوعاة : ٢٩٧ ، غاية النهاية : ١ / ٣٦٥ ، الأعلام : ٣ / ٢٩٩.

١٨٥

بين هاتين القراءتين ، حتى أن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى ، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين ، وصحّة اتصاف الربّ ـ سبحانه وتعالى ـ بهما حتى إني أصلّي بهذه في ركعة ، وبهذه في ركعة ، ذكر ذلك عند قوله تعالى : مالك يوم الدّين. وروى الحسين بن عليّ الجعفي ، وعبد الوارث بن سعيد (١) ، عن أبي عمرو (٢) : «ملك» بجزم اللّام على النّعت أيضا.

وقرأ الأعمش (٣) ، ومحمد بن السّميفع (٤) ، وأبو عبد الملك (٥) قاضي الجند : «مالك» بنصب الكاف على النّداء. روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في بعض غزواته : يا مالك يوم الدين ، وقرىء بنصب الكاف من غير ألف النداء أيضا ، وهي قراءة عطيّة بن قيس (٦) ، وقرأ عون

__________________

(١) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري البصري أحد الأعلام ، رمي بالقدر ولم يصح. عن عبد العزيز بن صهيب وأبي التياح وأيوب وسليمان التيمي وخلق. وعنه ابنه عبد الصمد والقطان وعفان بن مسلم وخلائق. قال النسائي : ثقة ثبت. وقال الحافظ الذهبي : أجمع المسلمون على الاحتجاج به. قال ابن سعد : توفي سنة ثمانين ومائة. ينظر الخلاصة : ٢ / ١٨٥ ، تهذيب التهذيب : ٦ / ٤٤١ (٩٢٣) ، تقريب التهذيب : ١ / ٥٢٧ (١٣٩٤) ، البداية والنهاية : ١٠ / ١٧٦ ، طبقات ابن سعد : ٧ / ٣٠٨ ، الثقات : ٧ / ١٤٠.

(٢) أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن عبد الله المازني النحوي المقرىء. أحد القراء السبعة المشهورين ، توفي سنة ١٥٤ ه‍. بغية الوعاة : ٢ / ٢٣١.

(٣) سليمان بن مهران الكاهلي ، مولاهم ، أبو محمد الكوفي الأعمش ، أحد الأعلام الحفاظ والقراء. قال ابن المديني : له نحو ألف وثلثمائة حديث. وقال ابن عيينة : كان أقرأهم وأحفظهم وأعلمهم. وقال عمرو بن علي : كان يسمى المصحف لصدقه. وقال العجلي : ثقة ثبت ، يقال : ظهر له أربعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب ، وكان فصيحا وقال النسائي : ثقة ثبت وعدّه في المدلّسين. قال أبو نعيم : مات سنة ثمان وأربعين ومائة ، عن أربع وثمانين سنة.

ينظر الثقات : ٤ / ٣٠٢ ، تهذيب التهذيب : ٤ / ٢٢٢ ، تقريب التهذيب : ١ / ٣٣١ ، تاريخ البخاري الكبير : ٤ / ٣٧ ، الجرح والتعديل : ٤ / ٦٣٠ ، سير الأعلام : ٦ / ٢٢٦.

(٤) محمد بن عبد الرحمن بن السميفع بفتح السين أبو عبد الله اليماني ، له اختيار في القراءة ينسب إليه شذ فيه أخبرني به الإمام محمد بن عبد الرحمن الصائغ قال قرأته على الحافظ عبد الكريم بن منير الحلبي وقرأته على ابن اللبان عن ابن منير بسنده إلى أبي معشر الطبري ، وقد أفرده الحافظ أبو العلاء الهمذاني وذكر أنه قرأ به على أبي العز القلانسي عن غلام الهراس ذكر أنه قرأ على أبي حيوة شريح بن يزيد عن أبي البرهسم ، وقيل إنه قرأ على نافع وقرأ أيضا على طاوس بن كيسان عن ابن عباس كذا قال الحافظ أبو العلاء.

ينظر الغاية : ١ / ١٦٢ ، ١٦٣.

(٥) أبو عبد الملك الشامي قاضي الجند ، عرض على يحيى بن الحارث الذماري ، روى القراءة عنه أيوب بن تميم ، أبو عبيد القاسم بن سلام.

ينظر غاية النهاية : ت (٢٥٢١).

(٦) عطية بن قيس أبو يحيى الكلابي الحمصي الدمشقي تابعي قارىء دمشق بعد ابن عامر ثقة ، ولد سنة سبع في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن عرض القرآن على أم الدرداء. ـ

١٨٦

العقيليّ (١) بالألف ورفع الكاف ، على معنى : «هو مالك».

وقرأ أبو حيوة شريح بن يزيد (٢) : برفع الكاف من غير ألف.

وقرأ يحيى بن يعمر (٣) «مالك» بالإمالة والإضجاع البليغ. وقرأ أيّوب السّختيانيّ : بين الإمالة والتّفخيم ، ورواها قتيبة عن الكسائي (٤).

وقرأ الحسن «ملك يوم الدّين» على الفعل ، وهو اختيار أبي حنيفة ـ رضي الله تعالى عنه ـ ورويت أيضا عن أبي حيوة ، ويحيى بن يعمر فمما رجحت به قراءة «مالك» أنّها أمدح ؛ لعموم إضافته ، إذ يقال : «مالك الجنّ ، والإنس ، والطّير» ولا يقال : «ملك الطّير» ؛ وأنشدوا على ذلك : [الكامل]

٥٠ ـ سبحان من عنت [الوجوه] (٥) لوجهه

ملك الملوك ومالك العفو (٦)

وقالوا : فلان مالك كذا ، لمن يملكه ، بخلاف ملك فإنّه يضاف إلى غير الملوك

__________________

ـ قال أبو حاتم صالح الحديث ، قال عبد الله بن قيس كان الناس يصلحون مصاحفهم على قراءته وهم جالسون على درج مسجد دمشق من قبل أن يبنيه الوليد ، مات سنة إحدى وعشرين ومائة وقد جاوز المائة سنة. ينظر غاية النهاية : ١ / ٥١٣ (٢١٢٥).

(١) عون العقيلي ، له اختيار في القراءة أخذ القراءة عرضا عن نصر بن عاصم ، روى القراءة عنه المعلى بن عيسى. ينظر غاية النهاية : ١ / ٦٠٦ (٢٤٧١).

(٢) شريح بن يزيد أبو حيوة الحضرمي الحمصي صاحب القراءة الشاذة ومقرىء الشام ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات وهو والد حيوة بن شريح الحافظ وله اختيار في القراءة ، مات في صفر سنة ثلاث ومائتين.

ينظر غاية النهاية : ١ / ٣٢٥ (١٤١٩).

(٣) يحيى بن يعمر الوشقي العدواني ، أبو سليمان : أول من نقط المصاحف ، كان من علماء التابعين ، عارفا بالحديث والفقه ولغات العرب ، من كتاب الرسائل الديوانية ، أدرك بعض الصحابة ، وأخذ اللغة عن أبيه والنحو عن أبي الأسود الدؤلي ، صحب يزيد بن المهلب والي خراسان (سنة ٨٣) ولد بالأهواز وسكن البصرة وتوفي بها سنة ١٢٩ ه‍ حيث كان قاضيا.

انظر إرشاد : ٧ / ٢٩٦ ، تهذيب : ١١ / ٣٠٥ ، بغية الوعاة : ٤١٧ ، غاية النهاية : ٢ / ٣٨١ ، الأعلام : ٨ / ١٧٧.

(٤) قرأ بها عاصم والكسائي ، وكذا يعقوب ، وخلف ، ووافقهم الحسن والمطوعي ، انظر : الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي : ١ / ٧ ، وإعراب القراءات السبع وعللها لابن خالويه ١ / ٤٧ ، وحجة القراءات لابن زنجلة : ٧٧ ، والعنوان في القراءات السبع لأبي طاهر إسماعيل بن خلف المقرىء الأنصاري الأندلسي : ص ٦٧ ، وإتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٦٣. والبحر المحيط : ١ / ١٣٣ ، وقال أبو حيان : وهي قراءة العشرة إلا «طلحة» ، و «الزبير» ، وقراءة كثير من الصحابة ، منهم أبيّ ، وابن مسعود ، ومعاذ ، وابن عباس ، والتابعين منهم : قتادة والأعمش.

(٥) في أ : الملوك.

(٦) ينظر البحر : ١ / ١٣٨ ، الدر : ١ / ٦٩.

١٨٧

نحو : «ملك العرب ، والعجم» ، ولأنّ الزيادة في البناء تدلّ على الزيادة في المعنى ، كما تقدم في «الرحمن» ، ولأنّ ثواب تاليها أكثر من ثواب تالي «ملك».

ومما رجّحت به قراءة «ملك» ما حكاه الفارسيّ (١) ، عن ابن السّرّاج (٢) ، عن بعضهم: أنه وصف [نفسه](٣) بأنه مالك كلّ شيء ، بقوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فلا فائدة في قراءة من قرأ «مالك» ؛ لأنها تكرار.

قال أبو عليّ : ولا حجّة فيه ؛ لأنّ في التّنزيل مثله كثير ، يذكر العامّ ، ثمّ الخاصّ ؛ نحو : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) [الحشر : ٢٤].

وقال أبو حاتم (٤) : «مالك» أبلغ في مدح الخالق ، و «ملك» أبلغ في مدح المخلوق ، والفرق بينهما : أنّ المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك ، وإذا كان الله ـ تعالى ـ ملكا كان مالكا [أيضا](٥) واختاره ابن العربيّ.

ومنها : أنّها أعمّ إذ تضاف للمملوك وغير المملوك ، بخلاف «مالك» ، فإنه لا يضاف إلّا للمملوك كما تقدم ، ولإشعاره بالكثرة ، ولأنه تمدّح تعالى ـ بقوله تعالى ـ (مالِكَ الْمُلْكِ) ، وبقوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) [آل عمران : ٢٦] ، وملك مأخوذ منه [كما تقدّم ، ولم يتمدح ب (مالِكَ الْمُلْكِ) بكسر الميم الذي «مالك» مأخوذ منه](٦).

وقال قوم : «معناهما واحد ؛ مثل : فرهين وفارهين ، وحذرين وحاذرين».

ويقال : الملك والمالك : هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود ، ولا يقدر عليه

__________________

(١) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل ، أبو علي : أحد الأئمة في علم العربية. ولد في فسا (من أعمال فارس). ودخل بغداد سنة ٣٠٧ ه‍ ، وتجوّل في كثير من البلدان ، وفد حلب سنة ٣٤١ ه‍ ، فأقام مدة عند سيف الدولة. وعاد إلى فارس ، فصحب عضد الدولة ابن بويه ، وتقدّم عنده ، فعلمه النحو ، وصنّف له كتاب «الإيضاح» في قواعد العربية. ولد سنة ٢٨٨ ه‍ وتوفي سنة ٣٧٧ ه‍.

انظر وفيات الأعيان : ١ / ١٣١ ، نزهة الألبا : ٣٨٧ ، الأعلام : ٢ / ١٧٩.

(٢) محمد بن السري بن سهل ، أبو بكر ، أحد أئمة الأدب والعربية ، من أهل بغداد ويقال : ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله ، كان عارفا بالموسيقى من كتبه الأصول ، الشعر والشعراء ، الخط والهجاء ، العروض وغيرها توفي شابا في ٣١٦ ه‍.

ينظر بغية الوعاة : ٤٤ ، الوفيات : ١ / ٥٠٣ ، طبقات النحويين واللغويين : ١٢٢ ، الوافي : ٣ / ٨٦ ، نزهة الألبا : ٣١٣ ، الأعلام : ٦ / ١٣٦.

(٣) سقط في أ.

(٤) سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم أبو حاتم السجستاني صاحب إعراب القرآن وغير ذلك ، توفي سنة خمسين ـ أو خمس وخمسين ـ أو أربع وخمسين أو ثمان وأربعين ومائتين ، وقد قارب التسعين. ينظر البغية : ١ / ٦٠٦ ـ ٦٠٧.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في أ.

١٨٨

أحد غير الله تعالى. وجمع «مالك» : ملّاك وملّك ، وجمع «ملك» : أملاك وملوك.

وقرىء (١) : «ملك» بسكون اللّام ، ومنه قول الشاعر : [الوافر]

٥١ ـ وأيّام لنا غرّ طوال

عصينا الملك فيها أن ندينا (٢)

كما يقال : فخذ وفخذ ، وجمعه على هذا : أملك وملوك ، قاله مكّيّ رحمه‌الله.

و «مليك» ، ومنه : [الكامل]

٥٢ ـ فاقنع بما قسم المليك فإنّما

قسم الخلائق بيننا علّامها (٣)

و «ملكي» بالإشباع ، وتروى عن نافع (٤) ـ رحمه‌الله ـ.

إذا عرف هذا فيكون «ملك» نعتا لله ـ تعالى ـ ظاهرا ، فإنه معرفة بالإضافة.

وأما «مالك» فإن أريد به معنى المضيّ ، فجعله نعتا واضح أيضا ؛ لأن إضافته محضة (٥) فيتعرّف بها ، ويؤيّد كونه ماضي المعنى قراءة من قرأ (٦) : «ملك يوم الدّين» فجعل «ملك» فعلا ماضيا ، وإن أريد به الحال ، أو الاستقبال [فيشكل ؛ لأنه : إمّا أن يجعل نعتا لله ، ولا يجوز ؛ لأنّ إضافة اسم الفاعل بمعنى الحال ، أو الاستقبال](٧) غير محضة (٨) ، فلا

__________________

(١) قرأ بها : أبو هريرة ، وعاصم الجحدري ، ورواها الجعفي وعبد الوارث عن أبي عمرو ، وهي لغة بكر بن وائل. انظر البحر المحيط : ١ / ١٣٣ ، ١٣٤ ، والشواذ : ١.

(٢) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم. ينظر شرح المعلقات للتبريزي : ٣٩٢ ، شرح المعلقات للزوزني : ١٢٧ ، شرحها للشنقيطي : ٩٩ ، الصحاح : ٥ / ٢١١٩ ، اللسان : دين ، القرطبي : ١ / ٩٨ ، الدر : ١ / ٧٠.

(٣) البيت للبيد من معلقته. ينظر ديوانه : ٣٢٠ ، شرح المعلقات للزوزني : ١٣٠ ، شرحها للشنقيطي : ٩٦ ، الصحاح : خلق ، القرطبي : ١ / ٩٨ ، الدر : ١ / ٧٠.

(٤) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أو رويم ويقال أبو نعيم ويقال أبو الحسن وقيل أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن الليثي مولاهم وهو مولى جعونة بن شعوب الليثي حليف حمزة بن عبد المطلب. المدني أحد القراء السبعة والأعلام ثقة صالح. أصله من أصبهان وكان أسود اللون حالكا صبيح الوجه حسن الخلق فيه دعابة أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة قال محمد بن إسحاق : لما حضرت نافعا الوفاة قال له أبناؤه أوصنا قال : اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين. مات سنة تسع وستين ومائة.

ينظر تهذيب الكمال : ٣ / ١٤٠٤ ، تهذيب التهذيب : ١٠ / ٤٠٧ (٧٣٢). تقريب التهذيب : ٢ / ٢٩٥ ، خلاصة تهذيب الكمال : ٣ / ٨٨ ، الذيل على الكاشف : ١٥٦٧ ، تاريخ البخاري الكبير : ٨ / ٨٧ ، الجرح والتعديل : ٨ / ٢٠٨٩ ، لسان الميزان : ٧ / ٤٠٨. ثقات : ٧ / ٥٣٢ ، تاريخ الثقات : ٤٤٧ ، تاريخ أسماء الثقات : ١٤٧٠ ، سير الأعلام : ٧ / ٣١٦.

(٥) في أ : مختصة.

(٦) قرأ بها أبو حيوة ، وأبو حنيفة ، وجبير بن مطعم ، وأبو عاصم الليثي ، وأبو المحشر الجحدري. انظر البحر المحيط : ١ / ١٣٤ ، والشواذ : ١ ، وقيل : هي قراءة أنس بن مالك.

(٧) سقط في أ.

(٨) في أ : مختصة.

١٨٩

يعرف (١) ، وإذا لم يتعرّف ، فلا يكون نعتا لمعرفة ؛ لما عرفت فيما تقدم من اشتراط الموافقة تعريفا وتنكيرا.

وإمّا أن يجعل بدلا ، وهو ضعيف ، لأن البدل بالمشتقات نادر كما تقدم.

والذي ينبغي أن يقال : إنه نعت على معنى أنّ تقييده بالزمان غير معتبر ؛ لأنّ الموصوف إذا عرّف بوصف كان تقييده بزمان غير معتبر ، فكان المعنى ـ والله أعلم ـ أنه متّصف بمالك يوم الدّين مطلقا من غير نظر إلى مضيّ ولا حال ، ولا استقبال ، وهذا مال إليه الزمخشريّ رحمه‌الله تعالى.

وإضافة «مالك» و «ملك» إلى «يوم الدّين» من باب الاتّساع ؛ إذ متعلّقهما غير اليوم ، والتقدير : مالك الأمر كلّه يوم الدّين.

ونظير إضافة «مالك» إلى الظّرف ـ هنا ـ نظير إضافة «طبّاخ» إلى «ساعات» في قول الشاعر : [الرجز]

٥٣ ـ ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعل

طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل (٢)

إلّا أنّ المفعول في البيت مذكور ـ وهو «زاد الكسل» ، وفي الآية الكريمة غير مذكور ؛ للدلالة عليه.

__________________

(١) اعلم أن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، فإن العرب تضيفه إضافتين :

الأولى : إضافة ؛ طلبا للتخفيف.

الثانية : إضافة على جهة التعريف ، وتكون هذه الإضافة كإضافة سائر الأسماء ، فإذا أضفته على جهة التخفيف ، كان حكمه كحكمه لو لم تضف ؛ فيبقى نكرة ، وإذا أضيف إضافة الأسماء على جهة التخصيص والتعريف ، جرى مجرى الأسماء ، فيجري حينئذ ضاربك ، مجرى غلامك ، وإن كان بمعنى الحال والاستقبال فنقول:

أزيدا أنت ضاربه : إذا لم ترد التعريف ، فإذا أردت التعريف ، فلا يكون في «زيد» إلا الرفع ، ولا يجوز أن ينتصب ، فنقول : أزيد أنت ضاربه ؛ كما تقول : أزيد أنت غلامه ، وإنما لم يجز ل «زيد» أن ينتصب هنا ؛ لأن «ضاربا» إذا أضيف إضافة التعريف ، فلا يجوز أن يعمل ؛ لأنه قد باعد الأفعال ، وما لا يعمل لا يصح أن يفسّر.

انظر من البسيط : (٢ / ١٠٤٠ ـ ١٠٤١) ، وانظر الارتشاف : (٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧).

(٢) البيت للشماخ في ديوانه ص ٣٨٩ ، والكتاب ١ / ١٧٧ ، ولجبار بن جزء في خزانة الأدب : ٤ / ٢٣٣ و ٢٣٥ ـ ٢٣٧ و ٢٣٩ ، ٨ / ٢١٢ ، و ٢١٣ ، وشرح أبيات سيبويه : ١ / ١٣ ، وشرح شواهد الإيضاح : ص ١٦٧ ، وشرح المفصل : ٢ / ٤٦ ، ولسان العرب (عسل) ، ومجالس ثعلب : ١ / ١٥٢ ، المخصص : ٣ / ٣٧ ، الكامل : ١١٣ ، البسيط في شرح جمل الزجاجي : ٢ / ٨٨٩ ، الأمالي الشجرية : ٢ / ٢٥٠ ، الدر : ١ / ٧١ ، وأراد بقوله : «ابن عم سليمى» زوجها الشمّاخ ، إذ كانت سليمى هذه زوجا له ، وهذا مما يرجح نسبة الرجز إلى جبار بن جزء.

١٩٠

ويجوز أن يكون الكلام [على ظاهره](١) من غير تقدير حذف.

ونسبة «الملك» و «الملك» إلى الزمان في حقّ الله ـ تعالى ـ غير مشكلة ، ويؤيّده ظاهر قراءة من قرأ : «ملك يوم الدّين» فعلا ماضيا ، فإن ظاهرها كون «يوم» مفعولا به والإضافة على معنى «اللام» ؛ لأنّها الأصل.

ومنهم من جعلها في هذا النحو على معنى «في» مستندا إلى ظاهر قوله تبارك وتعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] قال (٢) : المعنى «مكر في اللّيل» إذ اللّيل لا يوصف بالمكر ، إنما يوصف به العقلاء ، فالمكر واقع فيه.

والمشهور أنّ الإضافة : إمّا على معنى «اللام» وإما على معنى [من](٣) ، وكونها بمعنى «في» غير صحيح.

وأمّا قوله تعالى : (مَكْرُ اللَّيْلِ) فلا دلالة فيه ؛ لأنّ هذا من باب البلاغة ، وهو التّجوز في أن جعل ليلهم ونهارهم ماكرين مبالغة في كثرة وقوعه منهم فيهما ؛ فهو نظير قولهم : نهاره صائم ، وليله قائم ؛ وقول الشاعر في ذلك البيت : [البسيط]

٥٤ ـ أمّا النّهار ففي قيد وسلسلة

واللّيل في بطن منحوت من السّاج (٤)

لما كانت هذه الأشياء يكثر وقوعها في هذه الظروف ، وصفوها بها مبالغة في ذلك ، وهو مذهب حسن مشهور في كلامهم.

و «اليوم» لغة : القطعة من الزّمان ، أيّ زمن كان من ليل ونهار ؛ قال الله تبارك وتعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ) [القيامة : ٢٩ و ٣٠] وذلك كناية عن احتضار الموتى ، وهو لا يختصّ بليل ولا نهار.

وأما في العرف : فهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

وقال الرّاغب : «اليوم» يعبّر به عن وقت طلوع الشمس إلى [غروبها](٥).

وهذا إنّما ذكروه في النّهار لا في اليوم ، وجعلوا الفرق بينهما ما ذكرت ، وقد يطلق اليوم على السّاعة ، قال تبارك وتعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] ، وربما عبّر عن الشّدّة باليوم ، يقال يوم أيوم ؛ كما يقال : ليلة ليلاء. ذكره القرطبيّ رحمه‌الله تعالى.

و «الدّين» مضاف إليه أيضا ، والمراد به ـ هنا ـ الجزاء ؛ ومنه قول الشاعر : [الهزج]

٥٥ ـ ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا (٦)

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : فإن.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر شواهد الكتاب : ١ / ١٦١ ، المقتضب : ٤ / ٣٣١ ، المحتسب : ٢ / ١٨٤ ، الكامل : ٣ / ٤١٠ ، البحر : ٤ / ٣١٥ ، شرح أبيات سيبويه لأبي جعفر النحاس : ٥٤ ، الدر : ١ / ٧١.

(٥) في أ : غروب الشمس.

(٦) البيت للفند الزماني (سهيل بن شيبان) ينظر أمالي القالي : ١ / ٢٦٠ ، وحماسة البحتري : ص ٥٦ ، ـ

١٩١

أي : جازيناهم كما جازونا.

وقال آخر في ذلك : [الكامل]

٥٦ ـ واعلم يقينا أنّ ملكك زائل

واعلم بأنّ كما تدين تدان (١)

ومثله : [المتقارب]

٥٧ ـ إذا ما رمونا رميناهم

ودنّاهم مثل ما يقرضونا (٢)

ومثله : [الطويل]

٥٨ ـ حصادك يوما ما زرعت وإنّما

يدان [الفتى](٣) يوما كما هو دائن (٤)

وقال ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ ومقاتل والسّدّيّ : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) : قاضي يوم الحساب ؛ قال تعالى : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [التوبة : ٣٦]. أي : الحساب المستقيم.

وقال قتادة : «الدّين : الجزاء ويقع على الجزاء في الخير والشّرّ جميعا».

وقال محمّد بن كعب القرظي (٥) : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، يوم (٦) لا ينفع فيه إلّا الدّين».

__________________

ـ وخزانة الأدب : ٣ / ٤٣١ ، والدرر : ٣ / ٩٢ ، وسمط اللآلي : ص ٩٤٠ ، وشرح التصريح : ١ / ٣٦٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي : ص ٣٥ ، وشرح شواهد المغني : ٢ / ٩٤٥ ، والمقاصد النحوية : ٣ / ١٢٢ ، وأوضح المسالك : ٢ / ٢٨١ ، وشرح الأشموني : ١ / ٢٣٦ ، وشرح ابن عقيل : ص ٣١٦ ، وهمع الهوامع : ١ / ٢٠٢ ، اللسان : دين ، الكشاف : ١ / ١٢ ، المحرر الوجيز : ١ / ٧١ ، الدر : ١ / ٧٢.

(١) البيت لخويلد بن نوفل الكلابي وقيل لغيره. ينظر اللسان والتاج : دين ، الخزانة : ٤ / ٢٣٠ ، المخصص : ١٧ / ١٥٥ ، جمهرة الأمثال : ١٦٩ ، إعراب ثلاثين سورة : ٢٤ ، الكامل : ١٨٥ ، الجمهرة : ٢ / ٣٠٦ ، مجاز القرآن : ١ / ٢٣ ، معاني القرآن وإعرابه : ١ / ١٠ ، الطبري : ١ / ٩٨ ، القرطبي : ١ / ١٠١ ، الدر : ١ / ٧٢.

(٢) البيت لكعب بن جعيل. ينظر اللسان : دين ، الكامل : ١ / ١٩١ ، المخصص : ١٧ / ١٥٥ ، الطبري : ١ / ٩٨ ، المحرر الوجيز : ١ / ٧١ ، القرطبي : ١ / ١٠١ ، وقعة صفين لنصر بن مزاحم : ١ / ٥٢ ، الدر : ١ / ٧٢.

(٣) سقط في أ.

(٤) البيت للبيد وليس في ديوانه. ينظر القرطبي : ١ / ١٠٠. الدر المصون : ١ / ٧٢.

(٥) محمد بن كعب القرظي المدني ثم الكوفي أحد العلماء عن أبي الدرداء مرسلا وعن فضالة بن عبيد وعائشة وأبي هريرة. وعنه ابن المنكدر ، ويزيد بن الهاد والحكم بن عتيبة. قال ابن عون : ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي. وقال ابن سعد كان ثقة ورعا كثير الحديث قيل مات سنة تسع عشرة ومائة وقيل سنة عشرين.

ينظر تهذيب الكمال : ٣ / ١٢٦٢ ، تهذيب التهذيب : ٩ / ٤٢٠ ، تقريب التهذيب : ٢ / ٢٠٣ ، خلاصة تهذيب الكمال : ٢ / ٤٥٢ ، الكاشف : ٣ / ٩٢ ، تاريخ البخاري الكبير : ١ / ٢١٦ ، تاريخ البخاري الصغير : ١ / ٢٤٣ ، ٢٥٥ ، الجرح والتعديل : ٨ / ٣٠٣ ، تراجم الأحبار : ٤ / ج ٧٠ ، المعين رقم : ٣٢٩ ، الأنساب : ١٠ / ٢٩٩ ، ٣٧٩ ، رجال الصحيحين : ١٧٩ ، الثقات : ٥ / ٣٥١ ، الحلية : ٣ / ٢١٢ ، طبقات ابن سعد : ٥ / ٧٠ ، ٣٧١ ، ٧ / ٥٠١ ، البداية والنهاية : ٩ / ٢٥٧ ، تاريخ الثقات : ٤١١.

(٦) زاد في أ : أي في يوم.

١٩٢

وقيل : الدين القهر ، يقال : دنته فدان أي : قهرته فذلّ.

وقيل : الدين الطاعة ؛ ومنه : «ومن أحسن دينا» ، أي : طاعة ، وله معان أخر :

العادة ؛ كقوله هذا البيت : [الطويل]

٥٩ ـ كدينك من أمّ الحويرث قبلها

وجارتها أمّ الرّباب بمأسل (١)

أي : كعادتك. ومثله : [الوافر]

٦٠ ـ تقول وقد درأت لها وضيني

أهذا دينه أبدا وديني (٢)

ودان : عصى وأطاع ، وذلّ وعزّ ، فهو من الأضداد [قاله ثعلب](٣).

والقضاء ؛ ومنه قوله تبارك وتعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) [النور : ٢] ، أي : في قضائه وحكمه.

والحال ؛ سئل بعض الأعراب فقال : «لو كنت على دين غير هذه ، لأجبتك» ، أي : على حالة.

والدّاء ؛ ومنه قول الشاعر في ذلك : [البسيط]

٦١ ـ يا دين قلبك من سلمى وقد دينا (٤)

ويقال : دنته بفعله أدينه دينا ودينا ـ بفتح الدّال وكسرها في المصدر ـ أي : جازيته.

ويستعار للملّة والشريعة أيضا ؛ قال الله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) [آل عمران : ٨٣] ، يعني : الاسلام ؛ بدليل قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥].

ويقال : دين فلان يدان إذا حمل على مكروه ، ومنه قيل للعبد : مدين ، وللأمة : مدينة.

وقيل : هو من دنته : إذا جازيته بطاعته ، وجعل بعضهم «المدينة» من هذا الباب قاله الرّاغب (٥) ، وسيأتي تحقيق هذه اللفظة عند ذكرها إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) البيت لامرىء القيس ينظر ديوانه : ص ٩ ، جمهرة اللغة ص ٦٨٨ ، خزانة الأدب : ٣ / ٢٢٣ ، والمنصف : ١ / ١٥٠ ، شرح القصائد العشر : ٢٠ ، شرح المعلقات للزوزني : ٦ ، الشنقيطي : ٥٩ ، المحرر الوجيز : ١ / ٧١ ، البحر المحيط : ١ / ١٣٦ ، الدر : ١ / ٧٢.

(٢) البيت للمثقب العبدي. ينظر ديوانه : ١٩٥ ، المفضليات : ٥٨٦ ، اللسان : (دين) ، إعراب ثلاثين سورة من القرآن : ص ٢٥ ، الكامل : ١ / ١٩٣ ، طبقات فحول الشعراء : ٢٣١ ، شرح أدب الكاتب : ٤٣٧ ، الموشح للمرزباني : ٩٢ ، الصناعتين : ٨٦ ، المجمل لابن فارس : ١ / ٣٠٧ ، مجالس ثعلب : ٣٣٤ ، معاني القرآن وإعرابه : ١ / ١٠ ، الصحاح : (دين) ، القرطبي : ١ / ١٠١ ، الدر : ١ / ٧٢.

(٣) سقط في ب.

(٤) ينظر اللسان : «دين» ، المحرر الوجيز : ١ / ٧٢ ، البحر المحيط : ١ / ١٣٦ ، القرطبي : ١ / ١٠١ ، الدر : ١ / ٧٣.

(٥) ينظر المفردات : ١٧٨.

١٩٣

وإنما خصّ «يوم الدين» بالذكر مع كونه مالكا للأيّام كلّها ؛ لأنّ الأملاك يومئذ زائلة ، فلا ملك ولا أمر إلّا له ؛ قال الله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) [الفرقان : ٢٦] ، وقال : «لمن الملك اليوم لله الواحد القهّار» ، وقال تعالى : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١٩].

فصل فيمن قرأ بالإدغام هنا

قرأ أبو عمرو (١) ـ رحمه‌الله تعالى : ـ «الرّحيم ملك» بإدغام الميم في الميم ، وكذلك يدغم كلّ حرفين من جنس واحد ، أو مخرج واحد ، أو [كانا](٢) قريبي المخرج ، سواء كان الحرف ساكنا أو متحرّكا ، إلّا أن يكون الحرف الأوّل مشدّدا ، أو منوّنا ، أو منقوصا أو مفتوحا ، أو تاء الخطاب قبله ساكن في غير المثلين ، فإنه لا يدغمها ، وإدغام المتحرك يكون في الإدغام الكبير ، وافقه حمزة (٣) من إدغام المتحرك في قوله تعالى : (بَيَّتَ طائِفَةٌ) [النساء : ٨١](وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) [الصافات : ١ و ٢ و ٣] ، (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) [الذاريات : ١].

وأدغم التاء فيما بعدها من الحروف وافقه حمزة برواية رجاء (٤) ، وخلف (٥) ،

__________________

(١) انظر إتحاف فضلاء البشر : ١ / ٣٦٣ ، وقال : وكذا يعقوب .. وافقهما ابن محيصن في المفردة ، واليزيدي بخلف ، والحسن والمطوعي.

(٢) سقط في ب.

(٣) حمزة بن حبيب بن عمار بن إسماعيل الإمام الحبر أبو عمارة الكوفي التيمي مولاهم ، وقيل : من صميمهم الزيات أحد القراء السبعة ، ولد سنة ثمانين وأدرك الصحابة بالسن فيحتمل أن يكون رأى بعضهم. قالوا استفتح حمزة القرآن من حمران وعرض على الأعمش وأبي إسحاق وابن أبي ليلى. قال يحيى بن معين سمعت محمد بن فضيل يقول : ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل الكوفة إلا بحمزة ، توفي سنة ست وخمسين ومائة.

ينظر تهذيب الكمال : ١ / ٣٣١ ، تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٧ ، تقريب التهذيب : ١ / ١٩٩ ، خلاصة تهذيب الكمال : ١ / ٢٥٥ ، الكاشف : ١ / ٢٥٤ ، تاريخ البخاري الكبير : ٣ / ٥٢ ، الجرح والتعديل : ٣ / ٩١٦ ، ميزان الاعتدال : ١ / ٦٠٥ ، لسان الميزان : ٧ / ٢٠٤ ، الوافي بالوفيات ح ١٣ رقم ١٩٦ ص ١٧٣ ، سير الأعلام ٧ / ٩٠ والحاشية ، البداية والنهاية : ١٠ / ١١٥ ، الثقات : ٦ / ٢٢٨ ، ديوان الإسلام : ت ٧٤٣.

(٤) رجاء بن عيسى بن رجاء بن حاتم أبو المستنير الجوهري الكوفي مقرىء ، قرأ على إبراهيم بن زربي وعبد الرحمن بن قلوقا ويحيى بن علي الخزاز وترك الحذاء ، قرأ عليه القاسم بن نصر وسليمان بن يحيى بن الوليد الضبي وقال مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين ببغداد.

ينظر الغاية : ١ / ٢٨٣ (١٢٦٥).

(٥) خلف بن هشام بن ثعلب بن خلف بن ثعلب بن هشيم بن ثعلب بن داود بن مقسم بن غالب أبو محمد الأسدي ويقال خلف بن هشام بن طالب بن غراب الإمام العلم أبو محمد البزار بالراء البغدادي أصله من فم الصلح بكسر الصاد أحد القراء العشرة وأحد الرواة عن «ع» سليم عن حمزة ولد سنة خمسين ومائة وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين وابتدأ في الطلب وهو ابن ثلاث عشرة. وكان ثقة كبيرا ـ

١٩٤

والكسائي [في إدغام الساكن وهو إدغام الساكن في المتحرك](١) إلّا في الراء عند اللام ، والدال عند الجيم ، وكذلك لا يدغم حمزة الدّال عند السين والصاد والزاي ، ولا إدغام لسائر القراء إلّا في أحرف معدودة.

فصل في كلام القدرية والجبرية

قال ابن الخطيب (٢) : قالت القدريّة : إن كان خالق أفعال العباد ، هو الله ـ تعالى ـ امتنع القول بالثواب ، والعقاب ، والجزاء ؛ لأن الثواب للرّجل على ما لم يعمل عبث ، وعقابه على ما لم يعمل ظلم ، وعلى هذا التقدير ، فيبطل كونه مالكا ليوم الدين.

وقالت الجبرية : لو لم تكن أعمال العباد بتقدير الله وترجيحه ، لم يكن مالكا لها ، ولما أجمع المسلمون على كونه مالكا للعباد ، ولأعمالهم ، علمنا أنّه خالق لها مقدر لها.

قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(٥)

إيّاك : كلمة ضمير خصّت بالإضافة إلى المضمر ، ويستعمل مقدما على الفعل.

وإيّاك أسأل ؛ ولا يستعمل مؤخرا إلّا منفصلا ؛ فيقال : ما عنيت إلّا إيّاك.

وهو مفعول مقدّم على «نعبد» قدّم للاختصاص ، وهو واجب الانفصال.

واختلفوا فيه : هل هو من قبيل الأسماء الظاهرة أو المضمرة؟ فالجمهور : على أنه مضمر.

وقال الزّجّاج (٣) رحمه‌الله تعالى : هو اسم ظاهر.

والقائلون بأنّه ضمير اختلفوا فيه على أربعة أقوال :

أحدها : أنه كلمة ضمير.

والثاني : على أنّ «إيّا» وحده ضمير ، وما بعده اسم مضاف إليه يبيّن ما يراد به [من تكلّم وغيبة وخطاب].

وثالثها : أنّ «إيّا» وحده ضمير ، وما بعده حروف تبين (٤) ما يراد به [من تكلم وغيبة وخطاب](٥).

__________________

ـ زاهدا عابدا عالما. قال ابن أشتة كان خلف يأخذ بمذهب حمزة إلا أنه خالفه في مائة وعشرين حرفا. يعني في اختياره. مات في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ومائتين ببغداد وهو مختف من الجهمية. ينظر الغاية : ١ / ٢٧٢ (١٢٣٥).

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر الرازي : ١ / ١٩٦.

(٣) ينظر معاني القرآن : ١ / ١٠.

(٤) في أ : يفسر.

(٥) سقط في ب.

١٩٥

ورابعها : أنّ «إيّا» عماد وما بعده هو الضمير ، وشذّت إضافته إلى الظاهر في قولهم : «إذا بلغ الرّجل السّتّين ، فإياه وإيّا الشّواب» بإضافة «إيّا» إلى «الشواب» ، وهذا يؤيّد قول من جعل الكاف ، والهاء ، والياء في محلّ جر ، إذا قلت : «إيّاك إيّاه إيّاي (١)» وقد أبعد بعض النّحويّين ، فجعل له اشتقاقا ، ثمّ قال : هل هو مشتقّ من «أوّ» ؛ كقول الشاعر في ذلك :

[الطويل]

٦٢ ـ فأوّ لذكراها إذا ما ذكرتها

 ........... (٢)

أو من «آية» ؛ كقوله [الرجز]

٦٣ ـ لم يبق هذا الدّهر من آيائه (٣)

وهل وزنه : «إفعل ، أو فعيل ، أو فعول» ثم صيّره التصريف إلى صيغة «إيّا»؟ وهذا الذي ذكره لا يجدي فائدة ، مع أنّ التصريف والاشتقاق لا يدخلان في المتوغّل في البناء وفيه لغات : أشهرها : كسر الهمزة ، وتشديد الياء ، ومنها : فتح الهمزة وإبدالها هاء مع تشديد الياء وتخفيفها ؛ قال الشّاعر : [الطويل]

__________________

(١) ذهب سيبويه ، وأكثر البصريين ، والأخفش إلى أن الضمير هنا (إيا) ، وما زاد على الضمير فهو حرف يدل على الإفراد والتثنية والجمع ، وعلى الخطاب ، وعلى المتكلم ، وعلى الغيبة. قال الزمخشري : قال أبو حيّان : وهو الذي صحّحه أصحابنا وشيوخنا ، وذهب الخليل والمازني ـ واختاره ابن مالك ـ إلى أنها أسماء مضمرة أضيف إليها الضمير الذي هو «إيا» ؛ لظهور الإضافة في قولهم : فإيا وإيا الشواب ، وهو مردود لشذوذه ، ولم تعهد إضافة الضمائر. وقال أبو حيان : ولو كانت «إيا» مضافة ، لزم إعرابها ؛ لأنها ملازمة لما ادعوا إضافتها إليه ، والمبني إذا لزم الإضافة أعرب ك «أي» بل أولى ، لأن «إيا» لا تنفك و «أي» قد تنفك عن الإضافة ، وذهب الفراء إلى أن اللّواحق هي الضمائر ؛ ف «إيا» حرف زيد دعامة يعتمد عليها اللواحق ، لتنفصل عن المتصل ، ووافقه الزجّاج في أن للواحق ضمير ، إلا أنه قال : إن «إيا» اسم ظاهر أضيف إلى اللواحق ، فهي في موضع جرّ به. وقال ابن درستويه : إنه بين الظاهر والمضمر. وقال الكوفيون : مجموع «إيا» ولواحقها هو الضمير ، فهذه ستة مذاهب. انظرهمع الهوامع : (١ / ٦١) ، والكتاب : (٢ / ٣٥٥) ، وسر صناعة الإعراب : (١ / ٣١١) ، وانظر الإنصاف : (٢ / ٦٩٥) ، وشرح المفصل : (٣ / ٩٨) ، وشرح الكافية : (٢ / ١٢).

(٢) صدر بيت وعجزه :

 ...........

ومن بعد أرض بيننا وسماء

ينظر المحتسب : ١ / ٣٩ ، الخصائص : ٢ / ٨٩ ، الهمع : ١ / ١٦ ، الدرر : ١ / ٣٨ ، معاني القرآن : ٢ / ٢٣ ، المنصف : ٣ / ١٢٦ ، الأصول لابن سراج : ٣ / ٣٣٠ ، ابن يعيش : ٤ / ٣٨ ، ارتشاف الضرب : ١ / ٤٧٤ ، اللسان (أوا) ، النكت والعيون : ١ / ٥٧ ، المحرر الوجيز : ١ / ٧١ ، القرطبي : ١٠١ ، الدر : ٧٣

(٣) صدر بيت وعجزه :

 ...........

غير أثافيه وأرمدائه

ينظر أدب الكاتب : ٤٧٥ ، اللسان : رمد ، البحر المحيط : ١ / ١٤٠ ، الدر : ١ / ٧٤.

١٩٦

٦٤ ـ فهيّاك والأمر الّذي إن تراحبت

موارده ضاقت عليك مصادره (١)

وقال بعضهم : «إياك» بالتخفيف مرغوب عنه ؛ لأنه يصير : «شمسك نعبد» ؛ فإنّ إياة الشمس : ضوؤها ـ بكسر الهمزة ، وقد تفتح. وقيل : هي لها بمنزلة الهالة للقمر ، فإذا حذفت التاء ، مددت ؛ قال : [الطويل]

٦٥ ـ سقته إياء الشّمس إلّا لثاته

أسفّ فلم تكدم عليه بإثمد (٢)

وقد قرىء (٣) ببعضها شاذّا.

وللضّمائر تقسيم متّسع لا يحتمله هذا الكتاب ، وإنما يأتي في غضونه ما يليق به.

و «نعبد» فعل مضارع مرفوع ؛ لتجرده من الناصب والجازم ، وقيل : لوقوعه موقع الاسم ، وهذا رأي البصريين.

ومعنى المضارع المشابه ، يعني : أنه أشبه (٤) الاسم في حركاته ، وسكناته ، وعدد حروفه ، ألا ترى أنّ «ضاربا» يشبه «يضرب» فيما ذكرت ، وأنه يشيع ويختصّ في الأزمان كما يشيع الاسم ، ويختص في الأشخاص ، وفاعله مستتر وجوبا لما مرّ في الاستعاذة.

والعبادة : غاية التذلل ، ولا يستحقّها إلا من له غاية الإفضال ، وهو الباري ـ تعالى ـ وهو أبلغ من العبودية ؛ لأن العبوديّة إظهار التذلّل ، ويقال : طريق معبّد ، أي : مذلّل بالوطء فيه. وقال طرفة (٥) في ذلك : [الطويل]

٦٦ ـ تباري عتاقا ناجيات وأتبعت

وظيفا وظيفا فوق مور معبّد (٦)

__________________

(١) البيت لطفيل الغنوي. ينظر ديوانه : ١٠ ، المحتسب : ١ / ٤٠ ، الإنصاف : ١ / ٢١٥ ، ابن يعيش : ٨ / ١١٨ ، ١ / ٤٢ ، الممتع في التصريف : ١ / ٣٩٧ ، التبصرة : ٢ / ٨٥٨ ، شرح الشافية : ٣ / ٣٢٣ ، شرح شواهد الكشاف : ٤ / ٣٩١ ، اللسان (هيا) ، الكشاف : ١ / ٦١ ، شرح ديوان الحماسة : ١١٤٢ ، القرطبي : ١ / ١٠٢ ، الدر : ١ / ٧٤ ، المنصف : ٢ / ١٤٥.

(٢) البيت من معلقة طرفة بن العبد. ينظر ديوانه : ٢١ ، شرح المعلقات للزوزني : ٤٨ ، وللشنقيطي : ٧٠ ، المحتسب : ١ / ٤٠ ، المنصف : ٢ / ١٤٣ ، شرح المعلقات للتبريزي : ١٣٩ ، المسائل البصريات : ١ / ٣١٣ ، اللسان (لما) ، و (مرر) و (كدم) ، القرطبي : ١ / ١٠٢ ، الدر : ١ / ٧٤.

(٣) قرأ بها عمرو بن فائد عن أبيّ. انظر الشواذ : ١ ، والبحر المحيط : ١ / ١٤٠ ، والقرطبي : ١ / ١٤٦.

(٤) في أ : يشبه.

(٥) طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد ، البكري الوائلي ، أبو عمرو : شاعر ، جاهلي ، من الطبقة الأولى.

ولد في بادية البحرين ، وتنقل في بقاع نجد. واتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه ، ثم أمر بقتله لأبيات بلغ الملك فيها أن طرفة هجاه بها. وأشهر شعره معلقته. ومطلعها : «لخولة أطلال ببرقة ثهمد» وقد شرحها كثيرون من العلماء كان غير فاحش القول في شعره خاصة في الهجاء توفي سنة ٦٠ قبل الهجرة. انظر التبريزي : ٤ / ٨ ، جمهرة أشعار العرب : ٣ / ٨٣ ، الأعلام : ٣ / ٢٢٥.

(٦) ينظر ديوانه : ٢١ ، شرح المعلقات للتبريزي : ١٤٣ ، الخصائص : ٢ / ٣٧٢ ، شرح المعلقات للزوزني : ٥٠ ، الشنقيطي : ٧٠ ، اللسان (عبد) ، الطبري : ١ / ٩٩ ، المحرر الوجيز : ١ / ٧٢ ، الدر : ١ / ٧٤.

١٩٧

ومنه : العبد ؛ لذلّته ، وبعير معبّد : أي مذلّل بالقطران.

وقيل : العبادة التّجرّد ، ويقال : عبدت الله ـ بالتخفيف فقط ـ وعبّدت الرجل ـ بالتشديد فقط ، أي : ذللته واتخذته عبدا.

وفي قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) التفات من الغيبة إلى الخطاب ، إذ لو جرى الكلام على أصله ، لقيل : الحمد لله ، ثم قيل : إيّاه نعبد ، والالتفات : نوع من البلاغة.

قال ابن الخطيب ـ رحمه‌الله ـ : والفائدة في هذا الالتفات وجوه :

أحدها : أن المصلّي كان أجنبيّا عند الشروع في الصّلاة ، فلا جرم أثنى على الله ـ تعالى ـ بألفاظ الغيبة ، إلى قوله : (يَوْمِ الدِّينِ) ، ثم إنه تعالى كأنه قال له : حمدتني وأقررت بكوني إلها ، ربّا ، رحمانا ، رحيما ، مالكا ليوم الدين ، فنعم العبد أنت ، فرفعنا الحجاب ، وأبدلنا البعد بالقرب ، فتكلّم بالمخاطبة وقل : إياك نعبد.

الثاني : أنّ أحسن السؤال ما وقع على سبيل المشافهة ، [والسبب فيه أن الردّ من الكريم إذا سئل](١) على سبيل المشافهة والمخاطبة بعيد.

ومن الالتفات ـ إلّا كونه عكس هذا ـ قوله تبارك وتعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] ولم يقل : «بكم» ؛ وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في قوله : [المتقارب]

٦٧ ـ تطاول ليلك بالأثمد

ونام الخليّ ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة

كليلة ذي العائر الأرمد

وذلك من نبإ جاءني

وخبّرته عن أبي الأسود (٢)

وقد خطّأ بعضهم الزمخشريّ ـ رحمه‌الله تعالى ـ في جعله هذا ثلاثة التفاتات ، وقال : بل هما التفاتان :

أحدهما : خروج من الخطاب المفتتح به في قوله : «ليلك» ، إلى الغيبة في قوله : «وباتت له ليلة».

والثاني : الخروج من هذه الغيبة إلى التكلّم ، في قوله : «من نبأ جاءني وخبّرته».

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ينظر الأبيات في ديوانه : ص ١٨٥ ، وتخليص الشواهد : ص ٢٤٣ ، وشرح قطر الندى : ص ١٣٦ ، شرح التصريح : ١ / ١٩١ ، ولعمرو بن معديكرب في ديوانه : ص ٢٠٠ ، ولعمرو أو لامرىء القيس في سمط اللآلي : ص ٥٣١ ، ولامرىء القيس بن عابس في المقاصد النحوية : ٢ / ٣٠ ، وله أو لامرىء القيس الكندي أو لعمرو بن معديكرب في شرح شواهد المغني : ٢ / ٧٣٢ ، وأوضح المسالك : ١ / ٢٥٤ ، وجمهرة اللغة : ص ٧٧٥ ، وشرح الأشموني : ١ / ١١٥ ، والتبيان لابن محمد الطيبي : ٢٨٧ ، والكشاف : ١ / ١٤ ، البحر المحيط : ١ / ١٤٢ ، الدر : ١ / ٧٥.

١٩٨

والجواب : أنّ قوله أوّلا : «تطاول ليلك» فيه التفات ؛ لأنه كان أصل الكلام أن يقول : «تطاول ليلي» ؛ لأنه هو المقصود ، فالتفت من مقام التكلّم إلى مقام الخطاب ، ومن مقام الخطاب إلى الغيبة ، ثمّ من الغيبة إلى التكلّم الذي هو الأصل.

وقرىء شاذّا (١) : «إيّاك يعبد» على بنائه للمفعول الغائب ؛ ووجهها على إشكالها : أن فيها استعارة والتفاتا :

أما الاستعارة : [فإنه استعير](٢) فيها ضمير النصب لضمير الرفع ، والأصل : أنت تعبد ، وهو شائع ؛ كقولهم : «عساك ، وعساه ، وعساني» في أحد الأقوال ؛ وقول الآخر : [الرجز]

٦٨ ـ يا ابن الزّبير طالما عصيكا

وطالما عنّيتنا إليكا (٣)

فالكاف في «عصيكا» نائبة عن التاء ، والأصل : «عصيت».

وأما الالتفات : فكان من حقّ هذا القارىء أن يقرأ : «إيّاك تعبد» بالخطاب ، ولكنه التفت من الخطاب في «إيّاك» إلى الغيبة في «يعبد» إلّا أن هذا الالتفات غريب ؛ لكونه في جملة واحدة ، بخلاف الالتفات المتقدّم ؛ ونظير هذا الالتفات قوله : [الطويل]

٦٩ ـ أأنت الهلاليّ الّذي كنت مرّة

سمعنا به والأرحبيّ المغلّب (٤)

فقال : «به» بعد قوله : «أنت» و «كنت».

و «إيّاك» واجب التقديم على عامله ؛ لأنّ القاعدة أنّ المفعول به إذا كان ضميرا ـ لو تأخر عن عامله ـ وجب اتصاله ووجب تقديمه.

وتحرّزوا بقولهم : «لو تأخّر عنه وجب اتصاله» ، من نحو : «الدرهم إياه أعطيتك» لأنك لو أخرت الضمير هنا فقلت : «الدّرهم أعطيتك إيّاه» ، لم يلزم الاتصال ، لما سيأتي بل يجوز : «أعطيتكه».

__________________

(١) قرأ بها : الحسن وأبو مجلز وأبو المتوكل. انظر البحر المحيط : ١ / ١٤٠. وإتحاف : ١ / ٣٦٤.

(٢) سقط في أ.

(٣) البيت لرجل من حمير. ينظر خزانة الأدب : ٤ / ٤٢٨ ، ٤٣٠ ، ولسان العرب (تا) ، والمقاصد النحوية : ٤ / ٥٩١ ، وشرح شواهد الشافية : ص ٤٢٥ ، وشرح شواهد المغني : ٤٤٦ ، ونوادر أبي زيد : ص ١٠٥ ، والجنى الداني : ص ٤٦٨ ، والمقرب : ٢ / ١٨٣٢ ، وسر صناعة الإعراب : ١ / ٢٨٠ ، وشرح الأشموني : ١ / ١٣٣ ، ٣ / ٨٢٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب : ٣ / ٢٠٢ ، ومغني اللبيب : ١ / ١٥٣ ، والممتع في التصريف : ١ / ٤١٤. المخصص : ١٧ / ١٤٤ ، أمالي الزجاجي : ٢٣٦ ، المسائل العسكرية : ١٥٨ ، سر الصناعة : ١ / ٢٨١ ، الدر : ١ / ٧٥.

(٤) ينظر رصف المباني : ٢٦ ، المقرب : ١ / ٦٣ ، الهمع : ١ / ٨٧ ، الدرر : ١ / ٦٤ ، تحرير التحبير : ١٢٤ ، الدر : ١ / ٧٥ ، البحر المحيط : ١ / ١٤٢.

١٩٩

فصل في معنى العبادة

قال ابن الخطيب (١) رحمه‌الله تعالى : العبادة : عبارة عن الفعل الذي يؤتى به لغرض تعظيم الغير ، من قولهم : طريق معبّد ، أي : مذلّل ، فقوله : إيّاك نعبد ، معناه : لا أعبد أحدا سواك ، ويدلّ على هذا الحصر وجوه :

فذكر من جملتها : تسمية الله ، والرب ، والرحمن ، والرحيم ، ومالك يوم الدين ، وكونه قادرا بأن يمسك السّماء بلا إعانة ، وأرضا بلا دعامة ، ويسيّر الشمس والقمر ، ويسكن القطبين ، ويخرج من السّماء تارة النّار ؛ وهو البرق ، وتارة الهواء ؛ وهو الريح ، وتارة الماء ؛ وهو المطر.

وأما في الأرض فتارة يخرج الماء من الحجر ، وتارة يخرج الحجر من الماء ؛ وهو الجمد ، ثم جعل في الأرض أجساما مقيمة لا تسافر ؛ [وهي الجبال](٢) ، وأجساما مسافرة لا تقيم ؛ وهي الأنهار ، وخسف بقارون فجعل الأرض فوقه ، ودفع محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى قاب قوسين ، وجعل الماء نارا على قوم فرعون ؛ لقوله : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) [نوح : ٢٥] ، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ ورفع موسى ـ عليه‌السلام ـ فوق الطّور ، وغرق الدنيا من التّنّور ، وجعل البحر يبسا لموسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ فهذا من أداة الحصر.

والكلام في «إيّاك نستعين» كالكلام في «إيّاك نعبد».

والواو : عاطفة ، وهي من المشتركة في الإعراب والمعنى ، ولا تقتضى ترتيبا على قول الجمهور ، خلافا لطائفة من الكوفيين ولها أحكام تختص بها تأتي إن شاء الله تعالى.

وأصل «نستعين» : «نستعون» ؛ مثل : «نستخرج» في الصحيح ؛ لأنه من العون ، فاستثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى السّاكن قبلها ، فسكنت الواو بعد النّقل وانكسر ما قبلها ؛ فقلبت ياء.

وهذه قاعدة مطّردة ؛ نحو : «ميزان ، وميقات» ، وهما من : الوزن ، والوقت.

والسّين فيه معناها : الطلب ، أي : نطلب منك العون على العبادة ، وهو أحد المعاني التي ل «استفعل» ، وله معان أخر :

الاتخاذ : نحو : «استعبده» أي : اتخذه عبدا.

والتحول ؛ نحو : «استحجر الطّين» ، أي : صار حجرا ، ومنه قوله : «إنّ البغاث بأرضنا يستنسر» أي : تتحول إلى صفة النّسور.

ووجود الشّيء بمعنى ما صيغ منه ؛ نحو : «استعظمه» ، أي : وجده عظيما.

__________________

(١) ينظر الفخر الرازي : ١ / ١٩٦.

(٢) سقط في أ.

٢٠٠