آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ٢

د. عمر بن إبراهيم رضوان

آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ٢

المؤلف:

د. عمر بن إبراهيم رضوان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦
الجزء ١ الجزء ٢

وسأذكر بعض هؤلاء التلاميذ باختصار :

١ ـ قاسم أمين (١٨٦٣ ـ ١٩٠٨ م):

الذي نذر حياته لقضية المرأة والدعوة لسفورها وتحررها من كل قيد وضعه عليها الدين ، وطالبها أن تقتدي في حياتها بالمرأة الغربية وقد بث أفكاره هذه في كتابيه (تحرير المرأة) و (المرأة الجديدة) (١).

٢ ـ علي عبد الرزاق :

الذي كان أثرا من آثار النزعة الحرة لمدرسة الشيخ محمد عبده الذي تزعم الدعوة لفصل الدين عن الدولة في كتابه (الإسلام) وأصول الحكم) والذي كان صدوره في سنة ١٩٢٥ م بعد عام واحد فقط من إلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا. وقد حوكم صاحب الكتاب وصودر كتابه (٢).

٣ ـ محمد فتحى عثمان :

وهو صاحب نظرية التطور وقابلية الإسلام والمسلمين لها وكتابه الذي طرح فيه أفكاره لهذه القضية (الفكر الإسلامي والتطور) (٣).

٤ ـ محمود الشرقاوي :

دعا لما دعا إليه السابق من عدم معارضة الدين للتطور وأشاد في كتابه الذي بث فيه أفكاره (التطور روح الشريعة الإسلامية) بمؤسس العصرية في الهند «سيد أحمد خان» وتلميذه «أمير علي» واعتبرهما من أصحاب الفهم الواسع للشريعة الإسلامية (٤).

__________________

(١) مفهوم تجديد الدين ص ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٢) انظر الفكر الإسلامي الحديث ـ د / محمد البهي ص ٢٦٥ ، ومفهوم تجديد الدين ص ١٤٧.

(٣) مفهوم تجديد الدين ص ١٦١.

(٤) المرجع السابق ص ١٧٠.

٣٤١

٥ ـ أمين الخولي :

وهو من دعاة التجديد في كل شيء حتى في الأديان وظهرت أفكاره هذه في كتابه (المجددون) (١).

ففي هذه المجموعة من التلاميذ كفاية ويظهر لنا جليا من خلال هذا الموجز الحدود العامة والخطوط الرئيسية التي التقي عليها العصريون في مصر ومقدار صلتهم بالحركة الأم للعصرية (حركة سيد خان في الهند).

المسألة العاشرة :

تعليق على بعض الأخطاء في المدرسة العصرية :

من الأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها (مدرسة العصرية) الأخطاء العقدية. وأكثر دعاة هذه المدرسة لم تكن عندهم الجرأة في الإفصاح عن عقائدهم في هذا الجانب ولم نجد تصريحا بهذه الآراء إلا من سيد أحمدخان الذي قدم منهجا متكاملا في العقائد الإسلامية اهتم بمنهجه أصحاب الدراسات الإسلامية المعاصرة وخاصة المستشرقون.

ففهمه للألوهية كما فهمتها الفلاسفة هي العلة الغائية وأن الله سبحانه خلق الكون والطبيعة ووضع لها قوانين ولكنه لا يتدخل في هذه القوانين بعد ذلك.

ثم عالج قضايا الوحي والنبوة والمعجزات والملائكة والجن .. إلخ. معالجة مادية بإنكارها أو تأويلها .. إلخ.

١ ـ فالمعلوم لدى المسلمين الذين منّ الله عليهم بصحة الاعتقاد أن الله سبحانه له أسماء وصفات تليق بمقامه سبحانه وهي من أمور الغيب والتي لا نعلم كنهها ولا كيفيتها ، إنما نؤمن بها كما بلغتنا منه سبحانه أو حسب بيانها من رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

__________________

(١) المرجع السابق ص ١٦٢.

٣٤٢

قال أبو عمر بن عبد البر : [أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة ، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، ولا يجدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج فينكرونها ولا يحملونها على الحقيقة ، ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أقر نافون للمعبود لا مثبتون ..](١).

٢ ـ كلنا نؤمن يقينا أن الله خلق هذا الكون وما فيه من نواميس وقوانين ولم يتخل عنه لحظة ولم يتركه إلى القوانين الطبيعية العمياء تتحكم فيه. بل سيره بقانون من قوانينه تتحكم به سلطة مهيمنة وقوة تسير الأشياء وفقه. والذي خلق هذا الكون ونواميسه هو الذي يدبر هذا الكون كيف شاء بهذه النواميس والقوانين أو بغيرها قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا)(٢) ويسمي الله نفسه (القيوم) لأنه القائم بتدبير خلقه.

٣ ـ بناء على ما سبق تقريره أن هذا الكون وما فيه من قوانين طبيعية وسنن اجتماعية هي من خلق الله تعالى وتدبيره فما يكون من خرق لسنّة من السنن ، أو قانون من القوانين التي تعارف عليها الناس فهو بأمره سبحانه وتعالى وليس بمستغرب ، ولكن يكون خلقها بأي صورة من الصور أمرا خرافيا أسطوريا كما يتصور العصريون بما أثره عليهم التصور المادي الإلحادي وألجأهم لإنكار المعجزات والخوارق مؤولين لها بتأويلات مختلفة.

وهذا الانحراف قديم وسبب ظهوره بين المسلمين تأثرهم بالفلسفة اليونانية المادية البحتة (٣).

٤ ـ تسبب عن النظرة المادية في المدرسة العصرانية تأويل كثير من الغيبيات مثل : النبوة على أنها ملكة إنسانية. والوحي حاسة سادسة في البشر

__________________

(١) فتاوى الإمام ابن تيمية ٥ / ١٩٨.

(٢) سورة فاطر : (٤١).

(٣) مفهوم تجديد الدين ص ٢٢٥ ـ ٢٢٨.

٣٤٣

ومرحلة عليا من العبقرية. الملائكة قوى الخير في النفس. والشياطين الإغراءات النفسية الشريرة. وحمل النعيم والعذاب على إشارات رمزية ، وغير ذلك من هذه التخيلات التي امتلأت بها كتب المتفلسفة من المسلمين. وبعثت حية في هذا العصر باسم التجديد.

فهذه القضايا لا تثبت كما ظن المجددون بالحس والتجربة ، وإنما بالخبر الصادق عن طريق الأنبياء (١).

المسألة الحادية عشرة :

موقف العصريين من السنة النبوية المطهرة :

موقف العصريين متفاوت باتجاه السنة المطهرة فمنهم من يردها جملة ومنهم من يرد بعضها إذا عارض أفكارهم مرددين حججا واهية رددها الخوارج والشيعة والمعتزلة في القديم وأحياها المستشرقون حاليا وعلى رأسهم «غاستون وايت» ، والمبشرون وتلاميذهم من العصريين في عصرنا الحاضر وعلى رأسهم «أحمد أمين» في كتابه (فجر الإسلام) والدكتور أحمد عبد المنعم البهي وغيرهما فمن افتراءاتهم على السنة :

١ ـ تأخر كتابة الحديث وتدوينه للعصر الثاني الهجري وهو عصر الاضطرابات السياسية مما أكثر الوضع في الحديث وقلل الثقة فيه والاعتماد عليه.

٢ ـ زعمهم بأن المحدثين اهتموا بنقد سند الحديث دون متنه.

٣ ـ زعمهم أن بعض الأحاديث تناقض القرآن الكريم أو تناقض بعضها بعضا ، أو تناقض العقل والتجربة والعلوم البشرية ، أو تناقض حقائق التاريخ الثابتة.

٤ ـ زعم أن أحاديث الآحاد لا تقوم بها حجة. ومن أجل إظهار قوة

__________________

(١) نفس المرجع ص ٢٢٩ (بتصرف).

٣٤٤

اعتراضهم وضع العصريون قواعد عصرية لنقد الحديث ولبيان المقبول منه على ضوئها. ولم يذكروها كاملة ، إلا أن (سيد خان) أشار لبعضها (١).

هذه الافتراءات والإشكالات التي أوردوها على السنة المطهرة قد رد عليها في كتب متخصصة قديمة وحديثة. بينت تفاهة هذه الاعتراضات والشبه التي أوردوها وسلامة السنة من كل ما افتروه فيرجع إليها ، ولأنها خارج خطة بحثي هذا لم أذكرها ، من هذه الكتب :

ـ كتاب السنة ومكانتها من التشريع الإسلامي لمصطفى السباعي.

ـ وتدريب الراوي للسيوطي.

ـ عناية المحدثين بمتن الحديث كعنايتهم بإسناده والرد على شبهات المستشرقين وأتباعهم لأستاذي الدكتور محمود الطحان.

المسألة الثانية عشرة :

ملاحظات على عمل «جولد تسيهر» في هذا الفصل :

١ ـ حاول «جولد تسيهر» إلصاق تهمة المذهبية لمدرسة المنار. مع أن المطلع على منهج هذه المدرسة في التفسير يجده بعيدا كل البعد عن المذهبية. بل إن هذه المدرسة كانت قد نبذت المذهبية ودعت للعودة لمنهج السلف في فهمهم لهذا الدين بالرجوع لأصله ومصدره الأصيل (الكتاب والسنة).

٢ ـ قصور بحث «جولد تسيهر» على اللون الاجتماعي من التفسير دون الإشارة للاتجاه العلمي في التفسير ، أو الأدبي ، أو البياني مع وجود كل هذه الألوان من التفسير.

٣ ـ الاقتصار في البحث على مدرستي الهند ومصر في التفسير دون غيرهما من المدارس المنتشرة في كثير من أقطار العالم الإسلامي.

__________________

(١) مفهوم تجديد الدين ص ٢٣٤ وما بعدها.

٣٤٥

٤ ـ تركيز «جولد تسيهر» على جانب معين وزاوية ضيقة في مدرسة المنار وهو جانب العصرية وإبرازه جليا وتغاضيه عن بقية الزوايا التي ركزت عليها هذه المدرسة.

٥ ـ سيره في البحث بطريقة لا منهجية.

المبحث الثالث :

«ج. جومييه» ودراسته لكتاب الجواهر :

أحب أن أنوه على موقف مستشرق آخر من مدرسة المنار كان أكثر اعتدالا في بحثه وهو المستشرق الفرنسي «ج. جومييه».

كان «جومييه» من المهتمين بالدراسات الإسلامية وقد تركزت دراسته على تفسيري المنار والجواهر.

فبعد موت صاحب المنار بثلاث سنوات في سنة ١٩٤٣ م واكتمال تفسيره الموسوعي اثنا عشر جزءا كبيرا ، برزت العناية بدراسة حركة التفسير في العصر الحديث مرة أخرى لدى المستشرقين وكان من أبرز المهتمين بذلك المستشرق ، «ج. جومييه» الذي نشر دراسته عن تفسير المنار في باريس ١٩٥٤ م بعد أن انقطع على دراسته (١١) عاما.

كما نشر بالمديو بحثا عن «طنطاوي جوهري» وتفسيره «الجواهر» كان يرى «جومييه» أن مصر بقيت مشدودة للماضي حتى في الجانب العقدي مقيسا المجتمع الإسلامي على المجتمع الغربي وظانا أنه صورة مكررة له (١).

كان «جومييه» يرى أن تفسير مدرسة المنار والتفاسير التي عاصرته لم يتجه أي منها إلى استخدام وسائل النقد الحديثة في التفسير بل اتجه أصحابها بمنهجهم السلفي في النقد الخارجي ثم دعموه بإشارات مقتضبة من التحليل الداخلي

__________________

(١) اتجاهات التجديد في تفسير القرآن الكريم في مصر ص ٨٤ ـ ٨٥.

٣٤٦

للنص فهو إذن استمداد لأعمال السابقين من أمثال الطبري والزمخشري وغيرهما ، واستبعد أن تنجح المناهج التقليدية السلفية والموروثة عن القدماء بعد أن تناولتها أيدي المحدثين في تقديم نتائج حديثة تماما وهي التي ظلت (١٤) قرنا من الزمان ثابتة لا تتغير (١).

كما أكد «جومييه» أن مدرسة المنار أكدت على تقدير القرآن للعقل والحث على التأمل والنظر.

كما اعتبرت مدرسة المنار التاريخ والسنن الاجتماعية من أهم المسائل التي يجب الاستفادة منها وأن تجعل في خدمة التفسير.

دافع «جومييه» عن تفسير المنار برد التهمة التي وجهها إليه بعض المستشرقين أمثال «جولد تسيهر» من أن هذه المدرسة انغمست في التفسير العلمي ثم ذكر «جومييه» موقف أصحاب هذه المدرسة من قضية الاجتهاد والسلفية فكانت دراسة «جومييه» أكثر نضوجا وصوابا من دراسة «جولد تسيهر» الفجة اللامنهجية خاصة في بحثه في الفصل الأخير من كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي) (٢).

ملاحظات على دراسة «جومييه» :

أثار «جومييه» عدة قضايا عريضة تتعلق بهذا التفسير وتتطلب تفصيلا طويلا ، ولكنه مسها مسا خفيفا ، واكتفى في ذكرها بمجرد العرض .. ولكنه أتى بهذا العرض مصبوغا ببعض الأفكار والأغراض الذاتية التي تنأى عنها أمانة البحث وهذه بعض النقاط التي بينها «جومييه».

١ ـ بين «جومييه» أن طريقة طنطاوي في تفسيره كانت باتباع الخطة القديمة ، ولكنه لم يكن يتتبع النص كلمة كلمة وآية آية كما كانوا يفعلون حيث

__________________

(١) نفس المرجع ص ٨٦.

(٢) نفس المرجع ص ٨٩ ـ ٩٠.

٣٤٧

كانت طريقتهم تقسيم السورة لأجزاء متعددة كبيرة كان يتناولها جزءا بعد جزء (١).

وهذه النقطة لم يصب فيها «جومييه» لأن طنطاويا كان بعد كتابة مجموعة من الآيات يتتبعها آية آية وكلمة كلمة.

٢ ـ اعتبر «جومييه» أن تفسير الجواهر لم يعد أن يكون انطباعات حيوية للمؤلف تجاه ما يتناوله النص القرآني من أسرار الكون ، وهذا ليس بصحيح كذلك ، لأن موضوع التفسير العلمي قضية قديمة مختلف فيها فمن بين من كان يراها ويؤيدها الإمام الغزالي ، والإمام السيوطي ـ رحمهما‌الله تعالى ـ اللذان اعتبراه لونا آخر من ألوان التفسير وطريقا للإعجاز العلمي. وقد تجلى هذا اللون من الإعجاز أخيرا على يد بعض المهتمين بالدراسات القرآنية كالشيخ عبد المجيد الزنداني ـ وفقه الله وغيره ـ.

٣ ـ حاول «جومييه» بالتقليل من أهمية هذا التفسير بتشكيكه في مصادره حيث جعل منها مصادر ذات أساطير ، أو انحرافات عقدية كرسائل إخوان الصفا وكتاب ألف ليلة وليلة .. إلخ (٢).

كلمة في الكتاب :

الذي ينظر في كتاب الشيخ طنطاوي جوهري يجد أنه حوى كثيرا من الفوائد ، وأخذ عليه كثير من المآخذ.

فالكتاب لم يغفل جانب التفسير للآيات القرآنية فإنه كان يفسر الآيات تفسيرا لفظيا مختصرا صحيحا ، وكان يعرض في كتابه لكثير من المباحث العلمية ليثبت للناس وعلى رأسهم علماء الغرب أن الإسلام بكتابه العظيم سبق المدارس العلمية الحديثة في كثير من قضايا العلم. ويا ليته مس هذا الموضوع مسا خفيفا كما فعل ذلك الأستاذ سيد قطب ـ رحمه‌الله ـ في كتابه العظيم (في ظلال

__________________

(١) نفس المرجع ص ٩٠ ـ ٩١.

(٢) نفس المرجع ص ٩٣ وما بعدها.

٣٤٨

القرآن) لكان بلغ المراد والغاية من تأليف هذا الكتاب. ولكن الشيخ «طنطاوي» ـ رحمه‌الله ـ استطرد في هذا الجانب حتى أخرج الكتاب عن الغرض الذي أحببنا أن يحققه وخاصة أنه زوده بالرسوم والصور التي تنافي قدسية القرآن العظيم حتى لكأنك تظن أنك مع كتاب علوم لا كتاب تفسير فكان هذا الأمر أكبر مأخذ على هذا الكتاب وكذلك تبني الشيخ «طنطاوي» لبعض النظريات العلمية القابلة للتغيير يجعل الناس يشككون في مقدار صحة هذا القرآن العظيم ، والقرآن منزه عن ذلك.

المبحث الرابع :

تفسير القرآن الكريم في العصر الحديث :

في نظر «ج. بالجون» :

في سنة ١٩٦١ نشر في ليدن بانجلترا كتاب المستشرق «ج. بالجون» وفيه تحدث عن حركة التفسير ـ في العصر الحديث خلال المدة بين عامي ١٨٨٠ ـ ١٩٦٠ م. فتتبع أكثر الجهود الجديدة في التفسير في أغلب البلاد الإسلامية كمصر والهند وباكستان وإيران.

ويبدو من هذا أن المؤلف لم يأل جهدا في سبيل الاطلاع على مصادر التفسير الحديثة حيثما وجدت فاستعان بتفاسير كتبت بالأوردية والفارسية والعربية. ومع هذا فهو يأسف كثيرا لعدم تمكنه من الاطلاع على تفاسير كتبت بالتركية لعلها تمثل ـ في نظره ـ أهمية خاصة في تصوير الطابع العام لحركة التفسير في العصر الحديث (١).

وقد اعتبر «بالجون» في كتابه أن شاه ولي الله ١٧٠٣ ـ ١٧٦٣ م كان رائد التفسير الإسلامي بالمعنى الصحيح لاستجابته للظروف الجديدة متفاعلا معها.

__________________

(١) اتجاهات التجديد في تفسير القرآن ص ٩٥.

٣٤٩

فلسعة عمل الباحث ولسعة الرقعة الزمانية والمكانية جاء عمله فجا غير نضيج حيث قصر بحثه من الإنتاج المصري على كتاب (الفن القصصي في القرآن الكريم).

لذا اضطر المؤلف إزاء هذا التناول المجمل أن يكتفي بالوقوف عند كليات عامة لا تمثل حركة التفسير تمثيلا دقيقا ، أو جزئيات خاصة قد تستنكرها بيئة أخرى استنكارا تاما.

أما اهتمام كل من «بالجون» و «جومييه» بهذا الكتاب لاستفادة صاحبه من علم النفس الحديث ، وذلك لتأثره بالثقافة الغربية.

كما أظهر «بالجون» إعجابه بمقال الدكتور «كامل حسين» واعتبره من الممثلين لنهضة التفسير في مصر.

لذا جاء حكمه على النهضة التفسيرية في مصر قاصرة لحصره دراسته في هذين المؤلفين مع أن التفاسير المؤلفة في عصره كانت كثيرة.

ومع هذا فقد كانت نظرته مع قصورها أكثر صوابا من «جولد تسيهر» عند ما اعتبر أن الدافع الأساسي لتفسير النص القرآني وألوانه لإيجاد مستند لهم في كل ما يجدّ من أحداث في الحقيقة القرآنية.

وهذا المنهج دفع المؤلف للوقوع في عدة أخطاء منها :

١ ـ زعم «بالجون» أن المسلمين كلما ازدادوا اتصالا بالحضارة الأجنبية ازدادوا حاجة في إعادة النظر في كتابهم المقدس فكان نتيجة هذا التأثر أن أصبحت الأمة الإسلامية متباينة في عقيدتها ومختلفة في وحدتها (١).

٢ ـ يرى «بالجون» أن خطة التفسير العصري ومناهجه الابتعاد عن الإسرائيليات اكتفاء منهم بتفسير القرآن بطريقة قدماء المفسرين وهو تفسير القرآن بالقرآن.

__________________

(١) اتجاهات التجديد في تفسير القرآن ص ٩٧ ـ ٩٨.

٣٥٠

وقد حاول «بالجون» أن يضع اتجاهات التفسير الحديثة بين خيارين إما الطريقة القديمة وهي بالتمسك بالقديم والعقيدة الواحدة وهنا سيكون التفسير مجرد ترداد للقديم واجترار للماضي فهو جامد ومتخلف ولا جديد فيه.

وإما أخذ بمبادئ الحضارة الغربية والاستجابة لنداء النهضة الحديثة والإيمان بأساطيرها ونظرياتها وفلسفاتها فيكون نتيجة لذلك فساد في القيم وتباين في العقائد واضطراب في النصوص القرآنية وهذا هو ما يريدونه ويدعون إليه باسم الإسلام العصري بمفهومهم للتجديد.

وقد زعم «بالجون» أن الإسلام وحده هو الذي عنده القابلية للسير في هذا الطريق لطبيعته اللينة أما الكتب السابقة فهي ثابتة لا تتغير ودائمة مع طول السنين التي مرت عليها وهذا مخالف لما عرفنا من الكتب السابقة حيث تعرضت لنفس المطلب لإصلاح الناس ومسايرة علومهم ومعارفهم لروح العصر (١).

أما التفسير الحديث فليس كما زعم «بالجون» جامدا لا جديد فيه بل حمل في طياته روح الابتكار ، وركز على جانب الهداية الربانية التي من أجلها أرسل الرسل فلبس التفسير ثوبا أدبيا اجتماعيا جميلا أظهر روعة القرآن وكشف عن مراميه الدقيقة وأهدافه السامية ووفق بين القرآن والنظريات العلمية بحذر بالغ فمن أجل هذا حذفت الاستطرادات التي تصرف النص عن غايته (٢) واقتصر على الضروري منه مع مراعاة مستوى القارئ لتستفيد منه كل الفئات (٣).

المبحث الخامس :

موقف الغرب من العصرية في العالم الإسلامي :

يرقب الغرب الإسلام بعيون كثيرة ، ولدوافع وأهداف متعددة منها :

__________________

(١) نفس المرجع ص ٩٩.

(٢) نفس المرجع ص ١٠٤.

(٣) اتجاه التفسير في العصر الحديث ـ محمد الطير ص ٢٨.

٣٥١

العداء الديني التاريخي ، ومنها المصالح الغربية الحيوية في العالم الإسلامي والخوف من منافس يزيل سيادة الغرب عن المنطقة.

فمن أجل هذا أو غيره فإن الغرب يرصد كل حركة في العالم الإسلامي فإن كانت لصالحه وخدمة لأهدافه باركها وشجعها ودعمها ، أما إن كانت حربا على مصالحه وأهدافه في المنطقة ، وجه كل طاقاته لإبادتها في مهدها ، وذلك بتوجيه أزلامه في المنطقة لضربها وسحقها.

فحركة التجديد الإسلامي مثلا بلا شك أنها وقعت منه موقع القبول والرضا لذا باركها ورعاها ومكن لأصحابها فسأذكر الموقف من العصرية في العالم الإسلامي من خلال ثلاثة مناظير هي : التبشير والاستشراق والإعلام.

أما موقف التبشير من العصرية فقد بينه «هاري درمان» في كتابه الذي ألف لبيان خطة التبشير على ضوء دراسة الاتجاهات المعاصرة في الجدل بين الإسلام والنصرانية واهتمام التبشير بتجديد الإسلام وإصلاحه من داخله.

يقول المؤلف : «يتوقع من المبشرين في الأقطار الإسلامية في ظرف عدة أعوام أن تثمر جهودهم في تجديد الإسلام وتطويره ، أكثر من تطوير عقلية المسلمين وتغييرهم ..».

ويدعو الكاتب المبشرين إلى تدعيم صلات التعاون مع حركات التجديد الإسلامي متى كان الظرف مواتيا ومناسبا لما يمكن أن تؤديه من خدمة للتبشير (١).

وكان نفس هذا الاتجاه قد برز في مؤتمر المبشرين في أول هذا القرن الذي انعقد في القاهرة سنة (١٩٠٦) موضوع (الإسلام الجديد).

وأبدى حماسه لحركات الإصلاح الدينية مثل حركة «سيد أحمد خان»

__________________

(١) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ص ١٩٢ ، ومفهوم تجديد الدين ص ١٨٣ ـ ١٨٤.

٣٥٢

في الهند والشيخ «محمد عبده» في مصر فقد جاء في وثائق المؤتمر [أن حركة التحرر في الإسلام لم تتطور هنا في مصر كما هي الحال في الهند ، ولا يزال المسلمون هنا بعيدين بدرجة كبيرة عن الإسلام الجديد الذي نما في الهند ، ولكن مع ذلك فإنه قد بدأت تنشأ في مصر حركة إصلاح تزداد أهميتها كل يوم ، والذي يقود هذه الحركة هو المفتي الأكبر السابق «محمد عبده» الذي يدعو إلى العودة إلى القرآن مع عدم قبول الحديث كحجة في مسائل العقيدة ، ويقال : إن له تأثيرا في صغار المشايخ والأفندية ، إلا أن المشايخ كبار السن ينظرون له بعين الشك .. وبالرغم من كل شيء فقد ترك آثارا ويوجد الآن كثير من الشباب ممن تلقوا تعليما غربيا يحملون آراءه ويطورونها .. ولكن أهلية وذكاء أمثال هؤلاء الرجال الجدد تجعلنا نتحقق من ضرورة رعايتهم ، رعاية شاملة ومخصوصة مع جهد ومثابرة متواصلة للاتفاق معهم](١).

أما موقف الاستشراق من العصرية :

ينظر الاستشراق لهذه الحركة نظرة تفاؤل كنظرة المبشرين لها ويحاول الاستشراق بكل جهده دفع المسلمين للسير في هذا الاتجاه وقبوله وخير من يبين موقفهم من هذه الحركة المستشرق اليهودي «جولد تسيهر» في كتابيه (العقيدة والشريعة في الإسلام) و (مذاهب التفسير الإسلامي) في الفصل الأخير لكل منهما.

حيث قال في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) :

[إن اتصال المسلمين الوثيق بالمدنية الغربية ، وخضوع الملايين الفقيرة منهم لدول غير إسلامية ، .. قد أحدث أثرا عميقا في الطبقات الإسلامية المستنيرة ... من حيث التوفيق بالتوفيق بين الحياة والفكر الإسلامي ، وبين مطالب الحضارة الغربية التي نفذت إليهما ، شايعها على الأخص المستنيرون من مسلمي

__________________

(١) مفهوم تجديد الدين ص ١٨٤ ـ ١٨٥.

٣٥٣

الهند ، وعضدوا نشاطها الاجتماعي والأدبي ، وساهموا في جهودها الخصبة المنتجة ، فالسيد «أمير علي» والسيد «سيد أحمدخان بهادر» وأضرابهما من الشخصيات البارزة في الأخذ في العالم الإسلامي ، كانوا قادة هذه الحركة الروحية التي تومي إلى إحياء الإسلام وإعادة تنظيمه .. وهذه الروح العصرية التي بدأ ظهورها في الهند قد أثرت في التفكير الديني في البلاد الإسلامية الأخرى مصحوبة بغيرها من المؤثرات ، ومع ذلك فالأثر الهندي لا يزال ضعيفا إلى اليوم ومن البلاد الإسلامية التي تأثرت بنزعة التجديد مصر وتونس ، والجزائر ، والأقطار التتارية الخاضعة للحكم الروسي](١).

وقد بين «جولد تسيهر» الطريقة التي يتطور بها الإسلام.

١ ـ بفتح ثغرة في قدسية القرآن الكريم وحصن السنة المنيع في نفوس المسلمين.

٢ ـ تجاوز ما تقرر في عصور الإسلام الأولى من عادات وتقاليد.

٣ ـ مفهوم المصلحة الذي به يمكن التخلي عن القواعد التي قررتها الشريعة إذا ما ثبت أن مصلحة الجماعة تتطلب حكما يغاير حكم الشرع.

٤ ـ تبعية الأحكام للأحوال التي بها يمكن اتخاذ أحكام جديدة في الظروف التي تتغير (٢).

وقد أخذ هذا الموضوع كذلك جانب الاهتمام في التأليف من قبل هؤلاء الغربيين وتلاميذهم حيث كان منهم :

١ ـ «جب» صاحب كتاب (الاتجاهات الحديثة في الإسلام).

والكتاب بكامله عن موضوع التجديد العصراني في الإسلام. فقد اعتمد الكتاب على الأسلوب التحليلي ، والكتاب عبارة عن ست محاضرات ألقاها المؤلف

__________________

(١) نفس المرجع ص ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٢) نفس المرجع ص ١٨٦ ـ ١٨٧ (بتصرف).

٣٥٤

في جامعة شيكاغو في عام ١٩٤٦ م ضمن برنامج محاضرات عن الأديان المقارنة.

٢ ـ «تشارلز آدمز» وكتابه بعنوان (الإسلام والتجديد في مصر).

وهو أسبق من كتاب «جب» حيث ظهر في عام ١٩٣٣ م.

٣ ـ «ويد فريد كانتول سميث» وكتابه (الإسلام المعاصر في الهند) نشر ١٩٤٣ م.

أما موقف الإعلام الغربي من العصرانية.

فلم يقل دوره عن دور الكتب.

فمثلا نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية في يناير ١٩٨١ م مقالا بعنوان (المسلمون والعالم المعاصر) ل «جودفري جانس» والموضوع يعالج قضية الصراع بين الإسلام والغرب.

ونقاط الاتفاق والخلاف بينهما وإلى أي مدى تجاوب الإسلام مع الحضارة الغربية(١).

وهكذا نرى مقدار اهتمام الغرب بموضوع العصرانية ومقدار ما عقدوا عليها من آمال في تحقيق أغراضهم. مما يدعونا للوقوف بحذر أمام دعاتها في عالمنا الإسلامي اليوم.

__________________

(١) نفس المرجع ص ١٩٣ ـ وما بعدها.

٣٥٥
٣٥٦

الخاتمة

من خلال هذه الدراسة توصلت لعدة نتائج منها ضخامة الإنتاج الاستشراقي والدعم المادي الهائل له من قبل الحكومات الغربية ممثلة بالمؤسسات التبشيرية والمراكز العلمية وعلى رأسها الجامعات الغربية. وبالمقابل عدم الالتفات لهذا النتاج الاستشراقي من قبل المسلمين وخاصة مؤسساتهم التعليمية والمراكز الإسلامية ، لذا نجد هذه الكتب الاستشراقية لم تترجم من لغاتها إلى اللغة العربية وهي أكبر مشكلة تواجه علماء المسلمين إذا أرادوا التصدي لها والرد عليها.

وهذا الجهد الذي قمت به جهد متواضع وخاصة أنه جهد فردي لذا والأمر على هذه الضخامة فإنه يحتاج منا لتضافر الجهود من قبل الحكومات الإسلامية ممثلة في المؤسسات والمراكز العلمية والدعوية فيها ؛ لوضع حد للحملات الدعائية ضد الإسلام العظيم والقادمة من الغرب باسم التبشير تارة والاستشراق تارة أخرى ، وغير ذلك من المسميات. فيقومون برصدها واستيعاب نتاج هذه الحركات ثم نقده نقدا علميا صحيحا ودحض ما يتضمنه من تهافت وزيف.

ولي بعض المقترحات أحب أن أذكرها وأنا أعرف أنه سبقني للدعوة لبعضها أساتذة فضلاء غيورون على الإسلام ولكني أذكرها من باب الذكرى فحسب :

١ ـ إن الجهد الفردي لأعجز من أن يقف أمام مد الهجوم الاستشراقي على الإسلام ، فالأمر إذن يتطلب أن تكون هناك كليات خاصة ملحقة بالجامعات الإسلامية تتابع هذه الحركة ونتاجها وترصدها وترد عليها ، على غرار الأقسام الموجودة في جامعات الغرب لرصد الإسلام ككلية الدراسات الآسيوية الأفريقية

٣٥٧

في جامعة لندن التي ترصد كل ما في الشرق من عقائد وشرائع وفكر وحركات .. إلخ.

وجدير بالذكر أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قد أحسنت صنعا حين فتحت قسما خاصا بالاستشراق في المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة.

وآمل أن تزيد جامعتنا الموقرة في دعمها لهذا القسم بالمال والعلماء وأن تزوده بكل نتائج الغرب عن الإسلام قديما وحديثا ليتمكن من القيام بواجبه تجاه هذه الحركة الخطيرة.

كما وآمل أن تحذو جامعات أخرى حذوها في فتح أقسام خاصة لرصد حركة البشير والاستشراق ونتاجهما العلمي الذي يغلب عليه العداء للإسلام العظيم عامة والقرآن الكريم خاصة.

٢ ـ إقامة مؤسسة علمية عالمية إسلامية محايدة لا تنتمي بالولاء لأي قطر ، يرصد لها الأموال الكافية لتغطية نفقاتها ، وعليها أن تستقطب كبار العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي على غرار الحركات الاستشراقية.

فتقوم بإصدار الكتب والموسوعات والنشرات والدوريات عن الإسلام وترجمات معاني القرآن الكريم للغات العالمية رادين فيها على شبهات المستشرقين والمبشرين وافتراءاتهم ، ومقدمين الإسلام بطريقة سهلة واضحة ما يجعله يصل لقلوب أبناء العالم الغربي.

كما أنه يطلب من هذه الحركة إرسال الدعاة للعالم الغربي لعرض عقائد الإسلام وتشريعاته وفكره بما يتلائم مع عظمته كدين عالمي. وعليهم مناقشة هؤلاء المستشرقين وبيان عوار أفكارهم وتصوراتهم عن الإسلام.

كما أن على عاتق هذه المؤسسات تنقية تراثنا الإسلامي مما دخله على أيدي لعابثين وأصحاب النوايا السيئة في شتى الفنون ، لأن هذا التراث كان الركيزة كفكر هؤلاء المستشرقين وأبحاثهم.

٣٥٨

٣ ـ كما أنه يلزم إرسال الأساتذة الدعاة للجامعات الغربية لإلقاء المحاضرات والندوات ولقاءات التحاور لتوضيح الفكرة الإسلامية ناصعة محفوظة من التشويه للعالم الغربي.

٤ ـ تعديل مناهج التعليم في الدول الإسلامية لتكون بعيدة عن الروح الغربية ، وصياغتها بما يلائم روح الإسلام وعقيدته وشريعته.

٥ ـ عقد مؤتمرات إسلامية سنوية للمفكرين والعلماء والدعاة من المسلمين لمتابعة المستجدات في الحركة الإسلامية ، فيضعوا الخطط الكفيلة برد مد هذه الحركة ، ووضع الردود المناسبة للجديد من شبهاتها.

وهذا المطلب على غرار مؤتمرات المستشرقين المتتابعة. والجدير بالذكر أنه قد عقد في السنوات الأخيرة مؤتمر استشراقي خاص بالقرآن وتفسيره وذلك في جامعة كلكاوي في كندا.

٦ ـ جعل المراكز الإسلامية في العالم الغربي تقوم بواجباتها باتجاه المد الاستشراقي وذلك برصد مقالاتهم وكتاباتهم وتزويدنا بها. ثم تشجيع المفكرين والعلماء المسلمين بالرد عليها ثم ترجمة الردود باللغات الغربية ونشرها هناك عن طريق هذه المراكز. أو عن طريق شراء صحيفة ومجلة أو غيرها من وسائل الإعلام لتقوم بنشر هذه الردود.

٧ ـ إقامة دورات للمبتعثين لديار الغرب للتخصصات الضرورية لتحصينهم من أفكار المستشرقين ودسائسهم ، ثم متابعتهم في دول الابتعاث بعقد لقاءات مستمرة لهم. ويجب تعريفهم بواجبهم تجاه دينهم الإسلامي.

وقد كانت المملكة العربية السعودية رائدة في هذا المجال حيث كلفت جامعة الإمام للقيام بمثل هذه اللقاءات والدورات للمبتعثين لديار الغرب.

ونأمل أن تستمر هذه الفكرة وأن تعمّ بلاد المسلمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

٣٥٩
٣٦٠