آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ١

د. عمر بن إبراهيم رضوان

آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ١

المؤلف:

د. عمر بن إبراهيم رضوان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
الجزء ١ الجزء ٢

ومن ذلك زعمه أن تقديس الكعبة ليس أثرا من آثار دعوة إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وإنما هو شيء نسجته البيئة العربية فكان تقليدا.

وزعمه كذلك أن الجان مخلوقات وهمية وما جاء في القرآن عنها كذلك هو وهم ... إلى آخر أقواله (١).

وكذلك المستشرق «مرجليوث» تجده يقطع النصوص ليؤكد ما في نفسه من باطل فقد ذكر حديث (إنما حبب إليّ في دنياكم الطيب والنساء) مخفيا باقي الحديث (وجعلت قرة عيني في الصلاة) حتى يظهر شخصية الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مشغوفة بأمور الدنيا (٢).

٤ ـ دس بعضهم مقدارا من السم في مؤلفاتهم ولا يزيدون على هذا المقدار حتى لا يستوحش القارئ ولا يثير ذلك فيه الحذر ، ولا تضعف ثقته بنزاهة المؤلف (٣).

فمن هؤلاء المستشرقين الذين سلكوا هذا المنهج : «جوستاف لوبون» في كتابه (حضارة العرب). الذي سار في كتابه سيرا جيدا بإظهار مزايا العرب ومآثرهم على غير عادة قومه ولكنه عند ما تحدث عن سيرة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والقرآن لم يستطع إخفاء ما في نفسه ضدها. فاتهم الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بميله الشديد للنساء وشهوانيته. وعند حديثه عن القرآن اعتبره نوبات صرعية كانت تغشاه إلى غير ذلك من الأخطاء (٤).

ومنهم «بروكلمان» في كتابه (تاريخ الأدب العربي) حيث سار في كتابه سيرا منهجيا وعند ما تحدث عن القرآن وجمعه لم يستطع إخفاء عدائه فاعتبره كذلك نوبات صرع. وعند ما تحدث عن التفسير اعتبره علما لا أصل له إلى

__________________

(١) الإسلام والمستشرقون ص ٦٩ ـ ٧٠.

(٢) نفس المرجع ص ١٠١.

(٣) انظر كتاب الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ص ١٩٠.

(٤) حضارة العرب «جوستاف لوبون» ص ١٤٢.

٨١

غير ذلك من السموم التي يستطيع أي قارئ بصير بأمور دينه أن يقف عليها (١).

٥ ـ رفض الحق بالنفي المجرد والافتراء على الإسلام بالهوى الأعمى والتعصب المقيت ، الذي لا يدعمه دليل صحيح مقبول في المنهج العلمي السليم.

كما حصل ذلك بموقفهم من القرآن الكريم ومصدريته الإلهية حيث حاول الكثير من المستشرقين إثبات أنه من صنع وتأليف محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لفّقه من ديانات ومذاهب عقدية كانت موجودة في عصره وعلى رأسها اليهودية والنصرانية. وكان من بين هؤلاء المستشرقين «جولد تسيهر» و «بلاشير» في كتابه (معضلة محمد) وأوسع من كتب في هذا الموضوع «كلير تسدال» في كتابه (مصادر الإسلام). وكل ما حاولوا الإتيان به من أدلة لإثبات صواب أقوالهم مردود عليهم.

ومن افتراءاتهم أن الإسلام لا مستقبل له كما زعم ذلك «مرجليوث» عام ١٩٠٤ م ، و «لامنس» منذ عام ١٩٣٠ م (٢) وافتراء «شاخت» و «جردنجيه» و «جولد تسيهر». أن الشريعة الإسلامية مأخوذة من القانون الروماني وأن التشريع المتعلق بالأسرة والوراثة مأخوذ من النظام القبلي (٣).

٦ ـ اعتمادهم على روايات مكذوبة أو ضعيفة أو قصص مختلقة أثناء حديثهم عن الإسلام أو القرآن أو نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.

زعم بعض المستشرقين كذبا أن ضعف محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يتمثل في حبه الطارئ للنساء مما جعله يتجرأ على تزوج زوجة ابنه بالتبني ، ورؤياه لها وهي عارية كما زعم ذلك «جوستاف لوبون» في كتابه (حضارة العرب) (٤).

__________________

(١) تاريخ الأدب العربي «بروكلمان» ج ١ ص ١٣٧.

(٢) الإسلام والمستشرقون ص ٧٢. لنخبة من العلماء المسلمين.

(٣) نفس المرجع ص ٩٦.

(٤) حضارة العرب «جوستاف لوبون» ص ١٤٢.

٨٢

ومن كذبهم كذلك قصة الغرانيق وسجود محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأصنام قريش اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى واحتفالهم البالغ بمعراج ابن عباس ومقارنتهم بينه وبين الكوميديا الإلهية.

مع أن هذه القصص وأمثالها من القصص المكذوبة المفضوحة التي تردها روايات السنة الصحيحة ، وروايات التاريخ الصادقة ويردها ذلك العقل السوي المتجرد في الحكم على الأشياء وقد بينت عوار هاتين الروايتين : قصة زواجه من السيدة زينب بنت جحش وقصة الغرانيق وسجوده للآلهة المزعومة في مواطن أخرى من الرسالة.

٧ ـ اختراع العلل لبعض القضايا الإسلامية بمحض التخيل والتحكم والهوى بقصد الإساءة للإسلام.

من ذلك ما جاء في كتاب (دراسة عن الإسلام في إفريقية السوداء) لمؤلفه «فيليب فونداسي».

تفسير أحد المستشرقين لموقف الإسلام من المال تفسيرا بعيدا عن التصور الإسلامي له ، فاهما قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ..)(١). حيث قال : (إن الأموال المادية ـ في نظر الإسلام ـ هي من أصل شيطاني نجس ، ويحل للمسلم أن يتمتع بهذه الأموال شريطة أن يطهرها وذلك بإرجاع الأموال إلى الله).

وقد ردد هذا الفهم الأب «دومينيكاني» الذي كان يقيم في مصر في إحدى محاضراته عن علم الكلام في جامعة مونتريال (إن المسلمين يتجنبون الناس الذين يشتغلون بالمال ، ويعتبرونهم أقرب للكلاب منهم للبشر ولا شك أن كلاما كهذا في مجتمع مادي النزعة يسيء للإسلام والمسلمين أيما إساءة) (٢).

__________________

(١) سورة التوبة ١٠٣.

(٢) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ـ د. محمد البهي ص ٥٧.

٨٣

٨ ـ قياسهم لقضايا الإسلام والأحداث التاريخية والعادات والأخلاق الإسلامية بأسلوب التفكير والسلوك والمنهج الغربي وتفسير هذه الأمور تفسيرا ماديا ، وبنوازع نفسية دنيوية. وليس أثرا لدافع مرضاة الله وثواب الآخرة ، وأكثر ما يظهر هذا المنهج عندهم في السيرة النبوية ، والتاريخ الإسلامي (١) ومحاولة تضخيم الأخطاء ، والتصرفات الشخصية ، وحمل الكثير منها على غير محملها الحسن.

من ذلك تعليلهم الفتوحات الإسلامية أنها كانت للسيطرة على الموارد المالية للأقطار المفتوحة لحاجة المسلمين الماسة للمال. وهذا ما ركز عليه لإثباته صاحب كتاب (الإسلام قوة عالمية متحركة) (٢) وهذه النظرة للإسلام ليست بغريبة على الحس الغربي الذي كانت من ضمن أهداف حروبه الصليبية هذا الهدف.

وزعم بعضهم على أن ظاهرة الدين الإسلامي الذي دعا إليه محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ زاد نموها بسبب ما كان موجودا من ظاهرة التعبد سواء لله بين الحنفاء أو للأصنام كما هو حال قريش. فعلى هذا فالإسلام يعتبر سلسلة من التغيرات الاجتماعية في هذا المجال (٣).

كما أنهم من هذا الفهم المادي أنكر بعضهم الوحي والنبوة والمصدر الرباني للقرآن وهذا الفهم صادر عن فهمهم للأديان الأخرى التي يعتبرونها من صنع الرسل وتلامذتهم.

وكان من بين هؤلاء المستشرقين «بروكلمان» في كتابه (تاريخ الشعوب الإسلامية) و «روزنتال» الذي يصور التاريخ الإسلامي سلسلة متصلة من الحكام الطغاة ، وأن التاريخ الحضاري للإسلام كان تكرارا مسجلا للأفكار ، وأن التاريخ الديني كان بقايا متحجرة متجمدة تناقلتها الأجيال بعضها عن بعض (٤).

__________________

(١) أجنحة المكر الثلاثة ص ١٤١ ـ ١٤٨.

(٢) الإسلام في الفكر الغربي د. محمد شامة ص ٨٦.

(٣) نفس المرجع ص ٣٤.

(٤) نفس المرجع ص ١٠٣.

٨٤

٩ ـ اعتماد المنهج المعكوس والانتفاء الكيفي والتفسير الاختياري للنصوص.

وهذا المنهج يقوم على تبييت فكرة مسبقة ثم يجيئون بوقائع ونصوص تؤيدها ويستبعدون ما دون ذلك.

ومن هؤلاء المستشرق «كيتاني» الذي وضع رأيه وأفكاره في السيرة قبل الشروع فيها فاستعان لذلك بكل خبر ضعيف وعده حجة وبنى عليه حكمه.

وقد أشار لهذا المنهج «ايتين دينيه» في كتابه (الشرق كما يراه الغرب) حيث يقول : (لقد أصاب الدكتور سنوك هير غونجه بقوله : إن سيرة محمد الحديثة تدل على أن البحوث التاريخية مقتضي عليها بالعقم إذا سخرت لأي نظرة أو رأي سابق).

ومن أصحاب المنهج الانتقائي «لامانس» المستشرق الفرنسي ، وقد تمثل هذا واضحا في معالجته لبعض القضايا التاريخية عارضا لها على أفكاره ومعتقداته الخاصة دون أن يعبأ بالموضوعية.

ومنهم كذلك (بروكلمان) الذي لا يشير إلى دور اليهود في تأليب الأحزاب على المدينة. ولا إلى نقض بني قريظة عهدها مع الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حيث أظهر هذا بقوله : (ثم هاجم المسلمون بني قريظة الذي كان سلوكهم غامضا على كل حال) (١).

١٠ ـ المنهج التأثري المنطلق من رواسب تنصيرية كنسية ، أو من خلفيات علمانية ، أو من رواسب يهودية.

وهذه في معظمها يستخدمها الفكر السياسي الاستعماري لمصالحه القومية وقلما نجد قضية هامة عولجت متحررة من ذات الباحث وأفكاره السابقة.

__________________

(١) الإسلام والمستشرقون ص ١٢١ ـ ١٢٢.

٨٥

ومثال هذا في دراسات المستشرقين وكتاباتهم كثير منها :

زعمهم أن الدين الإسلامي : دين سيف ، وأنه أقيم على سفك الدماء ، وأنه دين الهمجية والإجرام ، إلى غير ذلك من التهم التي لفقها للإسلام أعداؤه من اليهود والنصارى.

في حين أنهم يظهرون النصرانية بأنها دين الرحمة والمحبة والتسامح وبأنها تبغض البغضاء والقتال.

ومن بين هؤلاء المستشرقين «هربرت جوتشالك» في كتابه (الإسلام قوة عالمية متحركة) (١).

ومن ذلك ما ذكره المستشرق «مايور» كما نقله عن «مارجليوث» [أن أهل البدو كانوا كثيري الاهتمام بتعلم البلاغة وطلاقة اللسان ، فلا يبعد أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد مارس هذا الفن حتى نبغ فيه].

هذا الكلام غير العلمي يدل على مقدار تحكيم الهوى ونزعة العداء في أقوالهم المليئة بالافتراءات والتخيلات الملقاة على كواهلها. والكل يعرف أن أمر العربية وأساليبها البلاغية كان أهل البادية يتقنونها سليقة لا تعلما.

ومن ذلك مهاجمة «جولد تسيهر» وافتراؤه على الإمام «الزهري» واعتباره وضاعا للأحاديث حيث اتهمه بوضع حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» (٢) وحجته في ذلك أن الزهري وضعه لعبد الملك بن مروان ليصرف الناس عن مكة والمدينة إلى المسجد الأقصى. مع أن كتب الجرح والتعديل كلها أجمعت على صدق هذا الإمام الجليل وأمانته وورعه (٣) ومع أن الزهري لم يلق «عبد الملك» إلا بعد سنوات من مقتل «ابن الزبير».

__________________

(١) انظر الإسلام في الفكر الأوربي ص ٧٦.

(٢) مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٣٤.

(٣) الاستشراق والمستشرقون ص ٤٦.

٨٦

١١ ـ رد معطيات السيرة وغيرها من القضايا الإسلامية إلى أصول نصرانية أو يهودية.

وكان من بين هؤلاء المستشرقين «كلير تسدال» في كتابه (مصادر الإسلام) الذي حاول إظهار الإسلام من مصادر شتى على رأسها اليهودية والنصرانية.

و «قسيس إنجليكاني» في كتاب له من سلسلة «بنجوين» الذي زعم أن الإسلام صورة غير محكمة أو مشوهة للمسيحية.

وكذلك «ولفرد كانتول سمت» الذي حاول جاهدا أن يوضح نقاط التشابه بين الإسلام والنصرانية و «جولد تسيهر» الذي سلك هذا المسلك في كثير من كتبه ، وغير هؤلاء المستشرقين كثير (١).

١٢ ـ المنهج التلقائي شبه العفوي : كان منهج بعضهم في البحث الاتفاق المسبق والتعاون الجماعي على ترويج الأكاذيب عن الإسلام ، والتاريخ الإسلامي ، وإضفاء صفة العلمية على هذه الأكاذيب ، واستعماله بطريقة تلقائية شبه عفوية ، بحيث تبدو وكأنها حقائق بديهية ، وحتى ينشغل المسلمون بها وبموقف الدفاع انشغالا دائما يمنعهم من اتخاذ موقف البناء ، أو الهجوم على النصرانية واليهودية.

فمن هذه الأكاذيب :

تشويه مكانة المرأة في الإسلام ، وحقيقة تعدد الزوجات في حياة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والجهاد وقضية انتشاره بالسيف والعنف ـ بزعمهم ـ ، وبأن الإسلام دين لا دولة ، وأنه دين يتعدد بتعدد شعوبه ، وأن عقيدته تجلب الحيرة للمسلم كما زعم ذلك «رينان» .. إلخ (٢).

١٣ ـ من مناهجهم اعتماد الطابع العلمي الوضعي والرؤية المحدودة للقضايا الإسلامية.

__________________

(١) الإسلام والمستشرقون ص ١١٩.

(٢) العقل المسلم في مرحلة الصراع الفكري ـ د. عبد الحليم عويس ، مكتبة الفلاح ص ١٨.

٨٧

إن اعتماد هذا المنهج عند بعض المستشرقين أوقعهم في كثير من الأخطاء ، فمن هؤلاء المستشرقين «فلهاوزن» وعدد من رفاقه الذين اعتبروا الحركة الإسلامية إقليمية لأهل مكة فقط وأنها لم تنتقل للمرحلة العالمية ـ في العصر المدني ـ إلا بعد أن أتاحت لها الظروف لذلك ، ولم يكن الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليفكر بذلك من قبل.

وقد رد «سيرتوماس أرنولد» هذه الدعوى بقوله : (من الغريب أن ينكر بعض المؤرخين أن الإسلام قد قصد به مؤسسه في بادئ الأمر أن يكون دينا عالميا برغم هذه الآيات البينات ..) (١).

١٤ ـ استنباط الأمر الكلي والقواعد الكبرى من الحوادث الجزئية والمسائل الفرعية ، فنتج عن ذلك أخطاء جسيمة ، ومفارقات عجيبة من ذلك ما بنى عليه بعض المستشرقين على وجود بعض الكلمات في القرآن المتشابه ببعض اللغات الأخرى على أن القرآن ليس عربيا ومصدره لغات وديانات شتى.

وكذلك كان من وراء مزاعمهم هذه إيجاد فجوة بين بيان القرآن وبين لغة الكتابة العربية لتستعجم الألسنة ، ولينقطع الطريق لفهم الإسلام.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف توالت دعوات المستشرقين لعدم التمسك بهذه اللغة وعدم اعتبارها مقدسة ؛ فدعوا للعاميات وللكتابة بالحروف اللاتينية وترك الإعراب زعما أن ذلك أيسر على الأجنبي في تعلم العربية.

وكان منهم المستشرق الفرنسي «ماسينيون» والمستشرق «مارجليوث» البريطاني اليهودي و «وليم ويلكوكس» ، و «ويلمور» ، وغيرهم كثير (٢). وقد تبنى هذه الدعوة من أبناء العربية مجموعة من تلاميذ الاستشراق ـ سبق أن ذكرت بعضهم ـ وكزعم أن تأخر كتابة السنة كان سببا لإضعاف الثقة فيها فدخلها الوضع والكذب.

__________________

(١) الإسلام والمستشرقون ص ١٢٩.

(٢) الإسلام والمستشرقون ـ عدد خاص صادر عن ندوة العلماء لكنهو في الهند ص ٨٣ ـ ٩١.

٨٨

١٥ ـ تضخيم الأخطاء الصغرى والتصرفات الشخصية ، وجعلها تطغى على ساحة صورة تاريخ المسلمين ، وطمس الصور الرائعة المشرقة في هذا التاريخ.

من ذلك محاولة تضخيم ما حصل من فتن وحروب بين الصحابة وخروج بعض الفرق عن طريق مذهب أهل السنة ذاكرين دوافع لها في قمة الغرابة والاستهجان.

والمعروف أن مثل هذه الهفوات أمر لا تخلو منه أمة من الأمم لأن هذا من طبيعة البشر. ولكنه الحقد الدفين والعداء السافر الموجه لهذا الدين.

١٦ ـ النفي الكيفي وإثارة الشكوك في معطيات السنة والتاريخ الإسلامي وخاصة السيرة النبوية.

لقد غالى المستشرقون في كتاباتهم في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي كثيرا ، وأثاروا كثيرا من الشكوك حولهما ومن الغريب أن بلغ بهم الأمر إثارة الشك في اسم الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجوده حسدا وحقدا على هذا الدين. وقد أشار «درمنغهم» إلى هذه المسألة فقال : (من المؤسف حقا أن غالى بعض هؤلاء المتخصصين ـ من أمثال موير ، ومارجليوث ، ونولدكه ، وشبرنجر ، ودوزي ، وكيتاني ومارسين ، وغويم ، وجولد تسيهر ، وغود فروا ، وغيرهم ـ في النقد أحيانا فلم تزل كتبهم عامل هدم على الخصوص ، ومن المحزن ألا تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبية ناقصة ، ولن تقوم سيرة على النفي ، ومن دواعي الأسف أن كان الأب «لامانس» الذي هو من أفضل المستشرقين المعاصرين من أشدهم تعصبا ، وأنه شوه كتبه الرائعة الدقيقة وأفسدها بكرهه للإسلام ونبي الإسلام ، فعند هذا العالم اليسوعي أن الحديث إذا وافق القرآن كان منقولا عن القرآن فلا أدري كيف يمكن تأليف التاريخ إذا اقتضى تطابق الدليلين لتهادمهما بحكم الضرورة بدلا من أن يؤيد أحدهما الآخر (١)؟!

__________________

(١) الإسلام والمستشرقون ص ١٢٥ ـ ١٢٦.

٨٩

ومن أمثلة ذلك رد بعض المستشرقين كل ما لم يرد في القرآن من أحداث السيرة ، كان منهم :

«ولفنسون» الذي رد صحة الرواية التي بينت سبب محاربة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وإجلائه لبني النضير وهي محاولتهم اغتياله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحجة هذا المستشرق أن هذه الرواية لم يرد ذكرها في القرآن الكريم.

دلالات منهجية في أعمال المستشرقين :

١ ـ لوحظ أن أبحاث المستشرقين والمبشرين تكاتفت على تشويه الإسلام والتحيز ضده مع محاولات التغيير الديني والفكري والسلوكي للمسلمين.

٢ ـ لوحظ أن كثيرا من الشخصيات الاستشراقية كانت ذات مسوح كنسية تخصصت بالشرقيات عامة وبالإسلاميات خاصة ، بالإضافة إلى اللاهوت المسيحي ، فاستحوذ عليهم التنصير الكنسي والاستشراق المعرفي.

٣ ـ لوحظ تأثير كل الفرق والمذاهب المسيحية في الفكر الاستشراقي عموما والكاثولوكية المتطرفة على وجه الخصوص.

٤ ـ يلاحظ أن التحصيل الكنسي يسبق التحصيل الاستشراقي ولم نسمع أن مستشرقا علمانيا مثلا أتم تحصيله الاستشراقي ثم عاد إلى الكنيسة للتعلم.

٥ ـ من الناحية التحصيلية فإنه لا يعسر أن نجد شخصيات استطاعت بتفوق قدراتها أن تجمع المعارف الغزيرة في علوم شتى وبلغات عدة.

٦ ـ لوحظ أن أنصاف المتعلمين والباحثين من المستشرقين والتأثير المتبادل عليهم من الكنيسة والاستشراق دفعهم إلى تزييف الحقيقة أو ضياعها. كل ذلك يعود لضعف الشخصية والرواسب البيئية.

٧ ـ الملاحظ أن تأثير الكنيسة على المستشرقين كان أشد وأقوى من العمل الاستشراقي حتى إن الطابع البحثي يغلب عليه الروح التنصيرية سواء كان في الموضوعات أو في الطريقة.

٩٠

٨ ـ أن المستشرق المنصر لا يمكن أن يتحرر من بصمات المعارف والبواعث الكهنوتية في دراساته مهما حاول أن يعلن خلافهما أو يتظاهر بمنهجيتها (١).

٩ ـ كما لوحظ وضوح البصمات اليهودية في أبحاث المستشرقين اليهود كمحاولة جعل اليهودية مصدر الإسلام ، وصاحبة الفضل عليه.

١٠ ـ وكذلك لوحظ عدم النزاهة ، والدقة ، والتجرد لكثير من المستشرقين في أبحاثهم. لذا جاءت أبحاثهم فجة ، مليئة بالأخطاء.

__________________

(١) في الغزو الفكري ص ١٦٠ ـ ١٦١.

٩١
٩٢

الباب الأول

المستشرقون وكتاباتهم حول القرآن الكريم

٩٣
٩٤

الباب الأول

المستشرقون وكتاباتهم حول القرآن الكريم

الفصل الأول

مستشرقون أفردوا مؤلفات حول القرآن الكريم

الفصل الثاني

مستشرقون كتبوا عن القرآن من خلال مؤلفاتهم

ملحق

لأسماء مجموعة من كتب المستشرقين حول القرآن الكريم

٩٥
٩٦

الفصل الأول

مستشرقون أفردوا مؤلفات حول القرآن الكريم

المبحث الأول

مقدمة القرآن ـ لمؤلفه ريتشارد بل

المبحث الثاني

مقدمة القرآن ـ لمؤلفه مونتجمري واط

المبحث الثالث

القرآن ـ لمؤلفه ريجي بلاشير

المبحث الرابع

مقدمة القرآن ـ لنفس المؤلف

المبحث الخامس

مصادر الإسلام ـ لمؤلفه كلير تسدال

المبحث السادس

جمع القرآن الكريم لمؤلفه جون بيرتون

المبحث السابع

صلة القرآن باليهودية والمسيحية ـ لمؤلفه د. فلهلم رودلف

٩٧

المبحث الثامن

المفردات الأجنبية في القرآن ـ لمؤلفه آرثر جيفري

المبحث التاسع

مقالة في الإسلام ـ لمؤلفه جرجيس صال

المبحث العاشر

التوراة والإنجيل والقرآن والعلم ـ لمؤلفه موريس بوكاي

المبحث الحادي عشر

مذاهب التفسير الإسلامي ـ لمؤلفه جولد تسيهر

المبحث الثاني عشر

مصادر وطرق لتفسير الكتاب المقدس ـ لمؤلفه ج. فانسبرف

المبحث الثالث عشر

تاريخ النص القرآني ـ لمؤلفه تيودور نولديكه

٩٨

الباب الأول

المستشرقون وكتاباتهم حول القرآن الكريم

الفصل الأول

مستشرقون أفردوا مؤلفات حول القرآن الكريم

هذا الفصل أفردته للحديث عن بعض الكتب التي تحدثت عن القرآن الكريم ، وقد بلغت ثلاثة عشر كتابا عرفت بالمؤلف بما تيسر لي من كتب التراجم المختصة بهم. ومن لم أترجم له فلعدم تعرض هذه الكتب له ، وسبب ذلك غالبا لوجوده على قيد الحياة.

كما تعرضت فيها لعرض ما جاء في الكتاب باختصار ثم قومت الكتاب وذكرت فيه رأيي بإيجاز.

والجدير بالذكر أن هذه هي مجموعة من الكتب التي وقفت عليها وأكثرها كان مرجعا لعملي في هذه الرسالة ، وقد عرفت بها القارئ على نماذج من منهج هؤلاء المستشرقين في كتبهم حين يتعرضون فيها وللقرآن الكريم ليقف القارئ على مقدار التحامل والمغالطات التي في هذه الكتب فيحذروها.

٩٩

المبحث الأول

مقدمة القرآن

لمؤلفه ريتشارد بل

تعريف بالمؤلف :

«ريتشارد بل» إنجليزي الأصل وهو أحد أساتذة اللغة العربية بجامعة ادنبره ، صرف سنين عدة من عمره في دراسة القرآن الكريم وتاريخه دراسة وافية متتالية فكان من أشهر أعماله :

١ ـ ترجمة للقرآن الكريم .. سنة ١٩٣٧ م ـ ١٩٤١ م.

٢ ـ ومقدمته للقرآن الكريم .. وهي قيد التعريف.

٣ ـ أسلوب القرآن الكريم .. سنة ١٩٤٢ م ـ ١٩٤٤ م.

٤ ـ المتشابه في القرآن الكريم .. سنة ١٩٨٢ م.

٥ ـ أهل الأعراف .. سنة ١٩٣٢ م.

٦ ـ سورة الحشر .. سنة ١٩٤٨ م.

وله عدة مقالات أهمها :

١ ـ «الحديث عند المسلمين» سنة ١٩١٣ م ـ ١٩٢٢ م. نشرت هذه المقالة في الجمعية الشرقية.

٢ ـ «أذن في الناس بالحج» نشرت هذه المقالة في مجلة الجمعية الملكية الآسيوية ١٩٣٧ م.

٣ ـ «معلومات محمد عن العهد القديم» نشرتها مجلة الدراسات السامية والشرقية سنة ١٩٤٥ م ، وغير ذلك من الأبحاث والمقالات كثير.

١٠٠