آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ١

د. عمر بن إبراهيم رضوان

آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره - ج ١

المؤلف:

د. عمر بن إبراهيم رضوان


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٠
الجزء ١ الجزء ٢

وقد وردت هذه الوصايا أو بعضها في الإسلام ، واليهودية ، والنصرانية ، والبوذية ، لكن بالمقارنة بينها يظهر أسلوب القرآن الفريد ، وتميز معانيه على غيره من الكتب الأخرى وقدرته على تكوين أمة كأنها الملائكة تمشي على الأرض بطهرها وبراءتها.

وسأعرض الآن نماذج من الوصايا في البوذية والنصرانية واليهودية والإسلام.

من الوصايا البوذية :

١ ـ لا تزهق روحا.

٢ ـ لا تأخذ ما لا تستحق.

٣ ـ لا تزن.

٤ ـ لا تكذب أو تغش أحدا.

٥ ـ لا تسكر.

٦ ـ كل باعتدال ولا تأكل شيئا بعد الظهر.

٧ ـ لا تشهد رقصا ولا تسمع غناء أو تمثيلا.

٨ ـ لا تلبس حليا ولا تتعطر ولا تتخذ زينة.

٩ ـ لا تنم في فرش باذخة.

١٠ ـ لا تقبل ذهبا ولا فضة.

والوصايا الخمس الأولى واجبة على كل بوذي على الدوام ، أما الخمس الأخيرة فهي واجبة الاتباع في أيام الصوم ، إلا الرهبان فإن عليهم اتباع الوصايا كافة في سائر الأوقات.

وصايا التوراة :

هذه مجموعة من الوصايا وردت في أسفار العهد القديم كسفر الخروج ، وسفر اللاويين ، والتثنية :

٣٦١

١ ـ لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.

٢ ـ لا تضع لنفسك آلهة مسبوكة.

٣ ـ لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا.

٤ ـ أكرم أباك وأمك.

٥ ـ لا تقتل.

٦ ـ لا تزن.

٧ ـ لا تسرق.

٨ ـ لا تشهد على قريبك شهادة زور.

٩ ـ لا تشته بيت قريبك ولا شيئا مما لقريبك.

١٠ ـ لا تقبل خبرا كاذبا.

١١ ـ لا تتبع الكثيرين إلى فعل الشر.

١٢ ـ لا تحاب مع المسكين في دعواه.

١٣ ـ افتح يدك لأخيك المسكين والفقير في أرضك.

١٤ ـ لا تضطهد القريب وتضايقه.

١٥ ـ لا تسيء إلى أرملة ولا يتيم.

١٦ ـ لا ترتكبوا جورا في القضاء.

١٧ ـ ابتعد عن كلام الكذب.

١٨ ـ لا تنتقم.

١٩ ـ لا تركبوا لا في القياس ولا في الوزن ولا في الكيل.

٢٠ ـ لا تحقد على أبناء شعبك.

٢١ ـ كن قديسا طاهرا.

٢٢ ـ تحب قريبك كنفسك.

وصايا الإنجيل :

أما تعاليم الإنجيل ووصاياه فقد وردت في إنجيل متى وهي تقول :

١ ـ طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات.

٣٦٢

٢ ـ طوبى للحزانى لأنهم يتعزون.

٣ ـ طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.

٤ ـ طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يعيشون.

٥ ـ طوبى لأتقياء القلب.

٦ ـ طوبى لصانعي السلام.

٧ ـ طوبى للمطرودين من أجل البر.

٨ ـ طوبى للرحماء لأنهم يرحمون.

٩ ـ ليس فحسب «لا تقتل» وإنما لا تغضب من أخيك وتقول له : «رقا» أو يا «أحمق».

١٠ ـ فإذا قدمت قربانك إلى المذبح ، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك فاترك هناك قربانك واذهب أولا اصطلح مع أخيك.

١١ ـ قد سمعتم أنه قيل للقدماء «لا تزن» وأما أنا فأقول لكم أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنا بها في قلبه.

١٢ ـ قد سمعتم لا تحنث وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة.

١٣ ـ سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك ، وأما أنا فأقول لكم : أحبوا أعداءكم ، أحسنوا إلى مبغضكم.

١٤ ـ وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم .. إلخ.

الوصايا القرآنية :

وردت الوصايا القرآنية في أكثر من سورة كسورتي الأنعام والإسراء.

قال تعالى : في آخر سورة الأنعام : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً. وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ. وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ. وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ. لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها. وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى. وَبِعَهْدِ اللهِ

٣٦٣

أَوْفُوا. ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ. ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١).

وجاء في سورة الإسراء : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً .. وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً .. وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً .. وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً. وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً. وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً. وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً. كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً)(٢).

هذه هي الوصايا القرآنية والناظر فيها وفي وصايا البوذية واليهودية والنصرانية يرى ضالتها في الأسلوب والمحتوى والتأثير من وصايا القرآن الكريم حيث كان عرض القرآن الكريم لها بأسلوب أخاذ ، وطريقة فذة ، وحمل في ثنايا هذا العرض ما أجمعت عليه رسالات السماء وما ارتضته الأذواق والفطر المستقيمة ولكنه يعرض كل وصية في موضعها المناسب تارة ويجمعها مع أخواتها في إطار جميل تارة أخرى كما هو واضح لكل ناظر في وصاياه.

__________________

(١) سورة الأنعام الآية (١٥١ ـ ١٥٣).

(٢) سورة الإسراء الآيات (٢٣ ـ ٣٨).

٣٦٤

وليس المقام مقام مقارنة بين وصايا القرآن الكريم ووصايا غيره من الكتب وإلا سيطول بنا المقام. فأترك الأمر لفطنة القارئ الذي سيجد في كتاب الله دليلا على تفوق القرآن في عرض هذه التعاليم وفي عمومها وشمولها قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(١).

لا شك أن التوراة والإنجيل فيهما هدى ونور ، وأدى كل كتاب منهما مهمة خاصة في إرشاد قطاع من الإنسانية إلى طريق الله ولكن هذا القرآن دستور الحياة والأحياء إلى أن تنتهي تلك الحياة.

أتى بوصاياه كما أتى بكل تعاليمه ومبادئه بقفزة في التاريخ البشري لا يدانيه كتاب سابق ، ولا يصل إلى شأوه وعظمته تشريع لاحق) اه (٢).

ذكر الأستاذ سيد (٣). أن الراجح في الصابئة هم تلك الطائفة من مشركي العرب قبل البعثة الذين ساورهم الشك فيما كان عليه قومهم من عبادة الأصنام فاهتدوا إلى التوحيد ، وقالوا : إنهم يتعبدون على الحنيفية الأولى ، ملة إبراهيم واعتزلوا عبادة قومهم دون أن تكون لهم دعوة منهم فقال عنهم المشركون : إنهم صبئوا ـ أي مالوا عن دين آبائهم ـ كما كانوا يقولون عن المسلمين بعد ذلك ومن ثم سموا الصابئة وهذا القول أرجح من القول أنهم عبدة النجوم كما جاء في بعض التفاسير.

وقد خصصت مبحثا كاملا عن الصابئة يرجع إليه للتعرف عليهم أكثر.

__________________

(١) سورة المائدة الآية (٤٨).

(٢) انظر كتاب الوصايا العشر ـ دراسة مقارنة ـ لآيات من أواخر سورة الأنعام د / عبد الفتاح عاشور طبعة ١ / ١٨٩٨ ه‍ ـ ١٩٧٨ م مطبعة الحضارة العربية مصر ص ٢١٣ ـ ٢٢٣.

(٣) انظر في ظلال القرآن الكريم ١ / ٧٥.

٣٦٥
٣٦٦

الفصل الثاني

شبهاتهم حول نص القرآن الكريم

المبحث الأول

تعريف القرآن الكريم

المبحث الثاني

شبه المستشرقين حول الوحي

المبحث الثالث

موثوقية النص القرآني وشبههم حوله

٣٦٧
٣٦٨

الفصل الثاني

شبهاتهم حول نص القرآن الكريم

المبحث الأول :

تعريف القرآن الكريم :

جاء تعريفه في دائرة المعارف البريطانية : (القرآن هو كتاب المسلمين المقدس ، ويعده المؤمنون كلمة الحق من ربهم ، وأنه كتاب أوحي به إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وجمع في كتاب بعد مماته ، ويعتقدون أنه كتاب أزلي ، وأنه أوجد في اللوح المحفوظ ، ومن المحتمل أن كلمة قرآن مشتقة من كلمة قرأ وهي كلمة سريانية في أصلها وفي قريانة أي القراءة كانت تستعمل في الكنيسة السريانية.

إلى أن قالت الموسوعة : .. وأنه لا مجال لتقليده ، حيث إن هذا هو الجنون بعينه)(١).

تعليق :

هذا التعريف الذي ذكرته الموسوعة فيه أمور لا بد من الوقوف عندها :

فالأمر الأول :

زعمهم أن القرآن جمع بعد ممات الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهذه المسألة قد تحدثت عنها بتوسع في موضوع الجمع في العهد الأول في حياة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

__________________

(١) قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية ص ٢٣ ، وانظر أسرار القرآن ص ٥.

٣٦٩

أما الأمر الثاني :

فزعمهم أن أصل كلمة قرآن من مصدر سرياني وسأتحدث عن هذه المسألة في موضوع التعريب إن شاء الله.

أما الأمر الثالث :

زعم «جرجس سال» أن كلمة قرآن من تأثير اليهود على المسلمين لأنهم يطلقون قراه أو مقرأة على التوراة وهذا الأمر قد رددت عليه كذلك في فصل المصادر.

أما القرآن الكريم فتعريفه عندنا معشر المسلمين :

(كلام الله ـ عزوجل ـ المعجز ، المتعبد بتلاوته ، المنزل على خاتم أنبيائه محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بلفظه ومعناه ، المنقول بالتواتر المفيد للقطع والتعيين ، المكتوب بين دفتي المصحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس).

أما الأمر الرابع :

اعتراف المستشرقين بعدم إمكانية محاكاة القرآن والإتيان بمثله ، وهذا أمر يعتبر مما وقفت له دائرة المعارف البريطانية.

فالله سبحانه قد جعل هذا القرآن معجزة نبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ التي يمتنع على أحد من خلقه تقليده أو الإتيان بمثله أو بمثل جزء منه قال تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ)(١) وقال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ)(٢) وقال سبحانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(٣) ولكن الله سبحانه أثبت حقيقة حالهم أنهم

__________________

(١) سورة الطور : ٣٤.

(٢) سورة هود : ١٣.

(٣) سورة البقرة : ٢٣.

٣٧٠

لا يستطيعون ولو اجتمع إنسهم وجنهم على هذا الأمر قال سبحانه : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)(١) وقد استعمل القرآن ضدهم كل أنواع التحدي ، من إغراء واستفزاز وغير ذلك ؛ ليبذلوا ما شاءوا من محاولات وليبذلوا قصارى جهدهم ولكنهم عجزوا فبانت قدرته سبحانه وبان عجز المخلوقين وظهر أن القرآن كلامه وحده دون سواه لا كما يزعم بعض هؤلاء المستشرقين الذين يعتبرونه كلام بشر سواء جعلوه من صنع محمد نفسه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو من كلام سواه.

المبحث الثاني :

شبه المستشرقين حول الوحي :

تقديم :

سبق أن وقف الوثنيون من القرآن الكريم موقفا لا يدل على عقلانية ولا على صدق مع أنفسهم. حيث لم يعتبروا القرآن الكريم وحيا إلهيا واعتبروه من صنع بشر.

وقد اتخذ هذا الموقف صورا عدة منهم ، منها :

قولهم عنه أنه أساطير الأولين ، أو محض اختلاق أو أنه كهانة أو سحر إلى غير ذلك من الأقوال المفتراة.

وكل هذه الأقوال ينقضها العقل ويكذبها الواقع.

وشاء الله ـ سبحانه ـ أن يعيد التاريخ نفسه في وقتنا الحاضر فيأتي المستشرقون ليرددوا تلك العبارات الساذجة في كتبهم ومقالاتهم ومحاضراتهم. بل ويزيدوا عليها أقوالا أخرى يكذبها الواقع ويردها العقل المستنير ، والحاضر المتمدن فحاولوا أن يدلسوا على الناس فريتهم ، فكان من أقوالهم أن القرآن من صنع محمد

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٤.

٣٧١

وتأليفه وبإعانة آخرين له بتبريرات لا تقبل ، وحاولوا جهدهم لتحديد المصدر الذي نبع منه هذا الوحي. فجاءت أقوالهم مختلفة متباينة لعدم وجود رصيد لها من الواقع والتاريخ وسأذكر هذه الشبه التي أتوا بها وأرد عليها إن شاء الله تعالى.

المسألة الأولى :

تعريف الوحي لغة واصطلاحا :

الوحي في اللغة : تقول وحيت إليه وأوحيت إذا كلمته بما تخفيه عن غيره. وأصله الإشارة السريعة.

وقد يكون على سبيل الرمز والتعريض ، وقد يكون بصوت مجرد ، أو بإشارة بعض الجوارح (١).

فيكون معناه اللغوي : الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجه إليه بحيث يخفى عن غيره.

أما شرعا : كلام الله تعالى المنزل على نبي من أنبيائه (٢) إما بكتاب ، أو برسالة ملك في منام أو إلهام.

وعرفه الإمام القسطلاني في إرشاد الساري بقوله : [إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام](٣).

المسألة الثانية :

أنواع الوحي :

حاول المستشرقون في موسوعتهم أن يبينوا كيفية نزول القرآن على سيدنا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقولهم : [إن طريقة نزول القرآن على محمد قد ذكرت في

__________________

(١) انظر المفردات في غريب القرآن ـ للراغب الأصفهاني ص ٥١٥.

(٢) انظر مباحث في علوم القرآن ص ٣٢ وما بعدها.

(٣) إرشاد الساري لشرح البخاري ١ / ٤٨ كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

٣٧٢

القرآن ، فمنها : أن الله خاطب محمدا بشكل إيحائي ومن وراء حجاب أو بوساطة مراسل على صورة ملاك. ولهذا جاءت كلمة وحي لتدل على إيحاء من الله لرسوله على غرار الأنبياء الذين أوحى لهم. كما أن القرآن يستعمل اصطلاحا بأن القرآن نزل على الرسول ، فهذه الطريقة تدل على نوع من الخيال دون أن يكون هنالك صورة مرافقة لتوصيل هذا الخيال.

وأما الطريقة الثالثة في إيصال القرآن للنبي فهي عن طريق ملاك دون أن تذكر أن اسمه كان جبرائيل](١).

هكذا نلاحظ أن الموسوعة البريطانية قد أخطأت في تصورها لأنواع الوحي الذي نزل على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهذا الخطأ ـ يبدو لي ـ ناتج عن سوء فهمهم لتفسير قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٢).

وتفسير الآية : يبين الله سبحانه وتعالى أن تكليمه لأنبيائه ـ عليهم‌السلام ـ وتبليغ هؤلاء الرسل رسالات الله لا يخرج عن واحدة من طرق ثلاثة :

الطريقة الأولى :

طريق الوحي والمقصود هنا إلهاما وقذفا في القلب منه بلا واسطة. وهو أن يلقي سبحانه في قلب نبيه الذي اختاره من خلقه ما يشاء من الأحكام والمعاني.

الطريقة الثانية :

التكليم من وراء حجاب دون أن يراه كما كلم موسى ـ عليه‌السلام ـ وتتمثل هذه الطريقة بسماع النبي المرسل صوتا دون أن يرى صاحب هذا

__________________

(١) انظر كتاب قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية ـ د / فضل عباس ص ١٧٢.

(٢) انظر سورة الشورى آية : ٥١.

٣٧٣

الصوت ، فيسمع النبي المرسل هذا الكلام ، كلام الله عزوجل من وراء جبل أو شجر أو شيء آخر وذلك ما كان لموسى ـ عليه‌السلام ـ ولهذا سمي موسى كليم الله. وجاء هذا المعنى صريحا ـ في كتاب الله عزوجل بقوله : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(١).

الطريقة الثالثة :

إرسال الرسول من الملائكة كجبريل ـ عليه‌السلام ـ لأحد من خلقه فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء إيحاءه ، من أمر ونهي وغير ذلك (٢).

وخطأ الموسوعة قادم لظنهم أن هذه الآية خاصة بالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأن أنواع الوحي الثلاثة المذكورة في الآية كلها إنما قصد بها النبي وحده والأمر ليس كذلك فالآية تقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ) أي : أي بشر لأن كلمة «بشر» جاءت نكرة في سياق النفي فتفيد العموم فأي بشر أرسله الله كان وصول الرسالة إليه بإحدى هذه الطرق الثلاث ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واحد من هؤلاء البشر المخصوصين بهذه الميزة ولكنه لم ينزل عليه شيء من القرآن إلا بالطريقة الثالثة عن طريق أمين الوحي جبريل ـ عليه‌السلام ـ أما الطريقتان الأوليان فهما عن طريق الوحي لأنبياء الله ـ عليهم‌السلام ـ فلم ينزل بهما ولا بغيرهما شيء من القرآن الكريم قال تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(٣). وقال تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ)(٤).

__________________

(١) سورة النساء آية ١٦٤.

(٢) قضايا قرآنية ص ١٧٢ وما بعدها ، وتفسير القاسمي (محاسن التأويل) دار الفكر ـ بيروت ـ ط ٢ ، ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م ، ج ١٤ / ٣٢٢ وما بعدها.

(٣) سورة الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٤.

(٤) سورة البقرة : ٩٧.

٣٧٤

وبقي هناك أمران :

الأمر الأول :

عبارتهم [كما أن القرآن يستعمل اصطلاحا بأن القرآن نزل على الرسول ، فهذه الطريقة تدل على نوع من الخيال دون أن يكون هنالك صورة مرافقة لتوصيل هذا الخيال].

هذا ناتج عن فهمهم أن الإنزال ليس بوساطة ملك ، وفسروا الإنزال تفسيرا حرفيا ، ولهذا قالوا ما قالوه ولو أنهم فهموا الآية فهما صحيحا لما وقعوا في هذا الخطأ. كما أن كثيرا من علماء الإسلام يفسرون الإنزال بمعنى الإعلام ، (١) فمعنى إنزال الله القرآن إعلام نبيه به.

والإنزال لم يكن خاصية للقرآن وحده وإنما كان عاما للكتب السماوية جميعها قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ)(٢) وقال سبحانه : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ)(٣) فالقرآن الكريم كغيره في صفة الإنزال.

أما الأمر الثاني :

عدم تعيين اسم الملاك أنه جبريل وهذا مدعاة للاستغراب والعجب ، فهل كان الأمر تجاهلا أو ناتجا عن سوء فهم ، مع أن القرآن الكريم نفسه ينص عليه صراحة سواء باسمه أو بوصفه قال تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ)(٤) وقال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)(٥) والروح هو جبريل ـ عليه‌السلام ـ.

__________________

(١) انظر كتاب قضايا قرآنية ص ١٧٤.

(٢) سورة المائدة : ٤٤.

(٣) سورة المائدة : ٤٧.

(٤) سورة البقرة : ٩٧.

(٥) سورة الشعراء : ١٩٣.

٣٧٥

المسألة الثالثة :

النظرة النصرانية للوحي :

إن نظرية الوحي عند النصرانية تتصل اتصالا وثيقا بنظرة المستشرقين إلى وحي القرآن وهي أساس الشبهات التي يثيرونها حول الوحي القرآني فالمراد بالوحي عند النصارى هو إظهار الحقائق الغير ممكن معرفتها بالقوى الطبيعية أما ما يمكن للعقل أن يصل إليه فيسمى إلهاما.

فقول النصارى هذه كلمة الله أو منزل من الله ، أو من عند الله أي أن الله سبحانه هو المؤلف السامي له باختيار مواضيعه ومعانيه ، وإلهام ناقليه وتحريكهم على كتابته بالنوع الذي أراده وعصمته إياهم عن الخطأ في غضون تسطيرها من أولها إلى ختامها. والمعنى أن الله سبحانه إذا أراد كتابة شيء من أسراره حرك كاتبا يختاره فيحثه على كتابة السفر المقصود ثم يمده بنفحته ويلهمه اختيار الحوادث والظروف والأعمال والأقوال التي شاء سبحانه بتبليغها لفائدة عباده (١) قال «جورج بوست» في كتابه (قاموس الكتاب المقدس) : [هو حلول روح الله في الكتاب الملهمين لاطلاعهم على الحقائق الروحية والأخبار الغيبية ، من غير أن يفقد هؤلاء الكتاب بالوحي شيئا من شخصياتهم فلكل منهم نمطه في التأليف وأسلوبه في التعبير](٢).

وقد عرف معجم لاروس الوحي قائلا : [حقيقة فعل يدخل به الهواء في الرئتين ومجازا نصيحة أو إيحاء أو حالة نفسية يوجد عليها الروح عند ما يكون تحت تأثير قوة فوق الطبيعة كوحي موسى والأنبياء](٣).

ومن هنا لا يفقد المتكلم أو الكاتب شيئا من شخصيته وإنما يؤثر فيه الروح

__________________

(١) انظر القرآن والمستشرقون ص ٣٥ ـ ٣٨.

(٢) مباحث في علوم القرآن ـ صبحي الصالح ص ٢٥.

(٣) انظر القرآن والمستشرقون ص ٣٨.

٣٧٦

الإلهي. ومن هنا نرى في كل مؤلف من الكتاب ما امتاز به من المواهب الطبيعية ونمط التأليف وما شابه ذلك.

وقولهم هذا في الوحي أبعد ما يكون عن الصعيد الديني المتصل بالله وأقرب إلى مدلول الكشف الذي عرفت البشرية ألوانا صافية منه لدى الشعراء الملهمين والمتصوفين العارفين وألوانا عكرة كدرة لدى الكهان والعرافين ، وأكثرهم من الدجاجلة الكذابين.

فمن السهل إثبات الكشف لكل من يدعيه ، ثم ننكر عليه مدلول الوحي ولو ظل يدعيه ، وغالبا ما يكون هذا ثمرة من ثمار الكد والجهد ، أو أثر من أثار الرياضة الروحية ، أو نتيجة للتفكير الطويل ، فلا ينشئ في النفس يقينا كاملا أو شبه كامل بل يظل أمرا شخصيا ذاتيا لا يتلقى الحقيقة من مصدر أعلى وأسمى (١).

المسألة الرابعة :

الوحي في أسفار العهد القديم :

تعبر أسفار العهد القديم عن الوحي «بكلام الرب» وقد تعبر بلفظة الوحي عن «الرؤيا» كقوله مثلا : (وكلم الرب موسى قائلا) (٢) وقوله في سفر ملاخي (الوحي الذي رآه حبقوق النبي).

من هذا يتضح أن أنبياء بني إسرائيل كانوا يتلقون الكلام الإلهي إما مباشرة من الله سبحانه ، أو عن طريق (رجل الرب) ، أو عن طريق الرؤيا.

ومن هنا تختلف نظرية الوحي في الإسلام عنها في اليهودية والنصرانية حيث لا مجال عندهما لاتصال روحي بين الملأ الأعلى وبين رسل الله.

__________________

(١) مباحث في علوم القرآن ـ صبحي الصالح ص ٢٦.

(٢) سفر التكوين ٦ / ٣ ـ ٢٣ ، الإصحاح ٧ / ٣ ـ ٥ ، الإصحاح ١٢ / ١ ـ ٤.

٣٧٧

ولذلك جاءت تصوراتهم عن الوحي في قالب كلام مباشر من الرب إلى الأنبياء وهم يتصورون الرب في صورة إنسان أو يلهمهم إلهاما عن طريق تأثير قوة فوق الطبيعة ولكن التصور الإسلامي عن الوحي مختلف عن تصوراتهم تمام الاختلاف فهو يرد عن طرق عدة وهي :

١ ـ الرؤيا الصادقة :

وهي أول مرتبة من مراتب الوحي وأول ما نزل به القرآن ، وقد كانت هذه الرؤيا توجب التكليف أحيانا كما جاء في قصة الخليل ـ عليه‌السلام ـ في قصة الفداء ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : «كان أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» (١).

٢ ـ ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه :

وهذه المرتبة هي الثانية من مراتب الوحي وهي ما كان ينفثه الملك في روع الرسول بأمر الله تعالى ، فكان بذلك وحيا ، منه قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إن روح القدس نفث في روعي لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها» (٢).

٣ ـ مخاطبة الملك :

وهي المرتبة الثالثة فقد كان يتمثل له رجلا على صورة دحية الكلبي وغيره فيخاطبه حتى يعي ما يقول له. من ذلك حديث عمر الطويل (٣).

__________________

(١) صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ج ١ / ١٣٩ ـ ١٤٠ (طبعة دار الفكر) بيروت.

(٢) انظر الفتح الكبير ـ للسيوطي ١ / ٣٩٣ ونسبه لأبي نعيم في حلية الأولياء وانظر كشف الخفاء ١ / ٢٣١.

(٣) صحيح البخاري ١ / ١٨ كتاب الإيمان باب ٣٧ ، سؤال جبريل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن الإسلام والإيمان والإحسان .. إلخ.

قال العلماء : لم يثبت تلقي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ شيئا من القرآن من جبريل وهو على هذه الصورة ، وإنما كان يعلمه بعض أمور دينه ويبلغه بعض أوامر ربه كل ذلك حتى لا يلتبس على الناس أن الذي يعلمه بشر اه.

٣٧٨

٤ ـ مخاطبة جبريل له مثل صلصة الجرس :

وهذه هي المرتبة الرابعة وقد كانت أشدها على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : «إن الحارث بن هشام سأل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كيف يأتيك الوحي؟ قال : أحيانا يأتيني مثل صلصة الجرس ، وهو أشدها علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا ليكلمني ، فأعي ما يقول. قالت عائشة : ولقد رأيته ينزل عليه الملك في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه ، وإن جبينه ليفصد عرقا» (١).

وهذه المرتبة يحصل فيها مخالطة الروح لروع وجسد الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويخاطبه بصوت قوي صارخ ، فيه عنف كعنف صلصلة الجرس ، يسمعه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا يسمعه غيره ، ويحس في نفسه ولا يحس غيره ، ويكلمه بكلام مفهوم ، ويحدث على جسمه ثقلا جسميا ضاغطا على ما يكون رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جالسا عليه.

٥ ـ رؤيته الملك في صورته التي خلق عليها :

وهذه المرتبة هي المرتبة الخامسة ولم تقع له إلا مرتين فقط.

المرة الأولى :

وهي التي جاء ذكرها في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري حيث قال : «قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو يحدث عن فترة الوحي .. فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء ، فرفعت رأسي ، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض ..» الحديث (٢).

__________________

(١) انظر إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ١ / ٥٧ ـ ٥٨.

(٢) صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب بدء الوحي ١ / ١٤٣.

٣٧٩

والمرة الثانية :

عند ما عرج به إلى السموات العلا كما جاء ذكره في حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ الطويل.

وقد وصفت عائشة ـ رضي الله عنها ـ جبريل ـ عليه‌السلام ـ بالهيئة التي رآها عليه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقولها عما استوضح عنه أبو عائشة (مسروق) من قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)(١) حيث قالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : «إنما هو جبريل ، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء ، سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض ..» الحديث (٢).

روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثه أن نبي الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حدثهم عن ليلة أسري به قال : بينا أنا في الحطيم قال قتادة : في الحجر مضطجع إذ أتاني آت .. ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض قال : فقال الجارود : هو البراق يا أبا حمزة قال : نعم. يقع خطوه عند أقصى طرفه قال : فحملت عليه فانطلق بي جبريل ـ عليه‌السلام ـ حتى أتي بي السماء الدنيا فاستفتح فقيل : من هذا؟ قال : جبريل قيل : ومن معك؟ قال : محمد. قيل : أوقد أرسل إليه؟ قال نعم : قيل : مرحبا به ونعم المجيء جاء. قال ففتح .. ثم صعد حتى أتى السماء الأولى .. الثانية .. الثالثة ...... السابعة.

قال : ثم رفعت إلى سدرة المنتهى .. فقال : هذه سدرة المنتهى قال : وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران. فقلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : أما الباطنان نهران في الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات .. إلخ (٣).

__________________

(١) سورة النجم : ١٣.

(٢) انظر : صحيح مسلم ـ كتاب الإيمان ـ باب بدء الوحي ١ / ١٤٣.

(٣) انظر مسند الإمام أحمد ٤ / ٢٠٧ ـ ٢١٠ / ٢ / ١٦٤.

٣٨٠