مائة مبحث ومبحث في ظلال دعاء أبي حمزة الثمالي

الشيخ جبّار جاسم مكّاوي

مائة مبحث ومبحث في ظلال دعاء أبي حمزة الثمالي

المؤلف:

الشيخ جبّار جاسم مكّاوي


المحقق: عبدالحليم عوض الحلّي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوى
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-971-683-1
الصفحات: ٤٥٧

لقد مَسَخت الذنوب والمعاصي هؤلاء المجرمين ، وكانوا أنفسهم من الحقائق الباطنيّة لأعمالهم.

قال عبد الله بن سَمُرة : كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً ، فقال : إنّي رأيتُ البارحة عجائبَ ، فقلنا : يا رسول الله وما رأيت؟ حدِّثْنا به فداؤك أنفسنا وأهلونا وأولادنا.

فقال صلى الله عليه وآله : رأيت رجلاً من أُمّتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه ، فجاءَ بِرُّه بوالديه فمنعه بِرُّه. ورأيت رجلاً من أمّتي قد بُسط عليه عذاب القبر ، فجاءه وضوؤه فمنعه منه. ورأيت رجلاً من أمّتي قد احتوشته الشياطين ، فجاءه ذِكرُ الله عزّ وجلّ فنجّاه من بينهم.

ورأيت رجلاً من أمّتي يلهث عطشاً ، كلّما ورد حوضاً مُنع منه فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه. ورأيت رجلاً من أمّتي قد احتوشته ملائكة العذاب ، فجاءته صلاته فمنعته منهم. ورأيت رجلاً من أمّتي والنبيّون حَلقاً حلقاً ، كلّما أتى حلقة طُرِد ، فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده فأجلسه إلى جنبي.

ورأيت رجلاً من أُمّتي بين يديه ظُلمة ومن خلفه ظلمة ، وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ، ومن تحته ظلمة مستنقعاً في الظلمة ، فجاءه حجّه وعمرتهت فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور. ورأيت رجلاً من أمّتي يكلّم المؤمنين فلا يكلّمونه ، بجاءته صلته الرحم فقالت : يا معشر المؤمنين كلّموه ، فإنّه كان واصلاً لرحمه ، فكلّمه المؤمنون وصافحوه وكان معهم.

ورأيت رجلاً من أمّتي يتّقي وهج النيران وشررها بيده ووجهه ، فجاءته صدقته فكانت ظلّاً على رأسه وستراً على وجهه. ورأيت رجلاً من أمّتي قد أخذته الزبانية من كلّ مكان ، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فخلّصاه من بينهم وجعلاه مع ملائكة الرحمة.

٤٤١

ورأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه بينه وبين رحمة الله حجاب ، فجاءه حُسن خُلقه فأخذ بيده وأدخله في رحمة الله. ورأيت رجلاً من أمّتي قد هوت صحيفته قِبَلَ شماله ، فجاءه خوفه من الله عزّ وجلّ فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه.

ورأيت رجلاً من أمّتي قد خفّت موازينه ، فجاءه أفراطه «الأجنّة من الأولاد يموتون» في صلاته فثَقّلوا موازينه. ورأيت رجلاً من أمّتي قائماً على شفير جهنّم ، فجاءه رجاؤه من الله عزّ وجلّ فاستنقذه من ذلك. ورأيت رجلاً من أمّتي قد هوى في النار ، فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله فاستخرَجَته من ذلك.

ورأيت رجلاً من أمّتي على الصراط يرتعد كما ترتعد السعفة في يوم ريح عاصف ، فجاءه حسن ظنّه بالله فسكّن رعدته ومضى على الصراط. ورأيت رجلاً من أمّتي على الصراط يزحف أحياناً ويحبو أحياناً ، ويتعلّق أحياناً ، فجاءته صلاته علَيَّ وأقامته على قدميه ومضى على الصراط. ورأيت رجلاً من أمّتي انتهى إلى أبواب الجنّة ، كلّما انتهى إلى باب أُغلِق دونه ، فجاءته شهادةُ أن لا إله إلّا الله صادقاً ، ففُتِحَت له الأبواب ودخل الجنّة (١).

وورد في حديث الصراط ودقّته وعقابه وأهواله قول النبيّ صلى الله عليه وآله : جسر على جهنّم يمرّ الخلائق عليه ، وقال صلى الله عليه وآله : إنّ على جنبيه كلاليبَ وخطاطيفَ كأنّها شوك السَّعْدان ، فمِن مُسَلِّم وناجٍ ، ومخدوشٍ عليه في النار منكوس ، فمِن الناس من يمرّ عليه كالبرق الخاطف ، ومنهم من يمرّ عليه كالريح العاصف ، ومنهم من يمرّ عليه كالفارس ، ومنهم من يمرّ عليه كالرجل يعدو ، ومنهم من يمرّ عليه كالرجل يسير ، ومنهم من يزحف زحفاً ، ومنهم الزّالّون والزالّات ، ومنهم من يُكردَس في النار ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ الأمالي للصدوق : ١٩١ / ح ١ ـ المجلس ٤١.

٤٤٢

واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر والعِشاء (١).

وقال صلى الله عليه وآله : ثمّ يُوضع عليها صراط أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف ... فيُكلَّفون الممرّ عليه ، فتحبسهم الرحمة والأمانة ، فإنّ نجوا حبسَتْهم الصلاة ... والناس على الصراط ، فمتعلّق تَزلّ قدمه وتثبت قدمه ، والملائكة حولها ينادون : يا كريمُ يا حليم اعفُ واصفح ، وعُدْ بفضلك وسلِّم. والناس يتهافتون فيها «أي في النار» كالفَراش (٢).

وروي أنّ على الصراط سبعة قناطر ، يُسألون على القنطرة الأولى عن ولاية عليّ عليه السلام وعن حبّ أهل بيته ، وعلى الثانية يُسألون عن الصلاة ، وعلى الثالثة عن الزكاة ، وعلى الرابعة عن الصيام ، وعلى الخامسة عن الحجّ ، وعلى السادسة عن الجهاد ، وعلى السابعة عن العدل ، فمن أتى بشيء من ذلك جاز على الصراط كالبرق الخاطف ، ومن لم يأتِ عُذّب ، وذلك قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) (٣).

وورد أن هذه العقبات تنتهي إلى المرصاد ، وهي قنطرة مظالم العباد (٤).

قال الإمام الصادق عليه السلام في بيان المرصاد : قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بِمَظلمة (٥).

وورد في منع الزكاة قوله صلى الله عليه وآله : ويمثل له ماله في صورة شجاعٍ أقرع له زنمتان ـ أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ تفسير مجمع البيان ١٠ : ٣٦٥.

٢ ـ الكافي ٨ : ٣١٢ / ح ٤٨٦.

٣ ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ٢ : ٣ ، والآية من سورة الصافّات : ٢٤.

٤ ـ الكافي ٢ : ٣٣١ ح ٢ بالمضمون.

٥ ـ نفسه ٢ : ٣٣١ / ح ٢ ـ عنه : بحار الأنوار ٧٢ : ٣٢٣ / ح ٥٤.

٤٤٣

زبيبتان ـ يفرّ الإنسان منه وهو يتبعه حتّى يقضمه كما يقضم الفجل ، ويقول : أنا مالُك الذي بَخِلتَ به (١).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما من رجل يمنع حقّاً مِن ماله إلّا طوّقه الله عزّ وجلّ به حيّةً من نار يوم القيامة (٢).

وهذان الخبران من المشاهد الباطنيّة لمنع الزكاة.

وقال الإمام عليّ عليه السلام : يا كميل ، القبر صندوق العمل (٣).

وقال النبيّ صلى الله عليه وآله : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان ، وبعضكم ألحنُ بحجّته من بعض ، فإيّما يجلٍ قطعتُ له من مال أخيه شيئاً فإنّما قطعتُ له به قطعة من النار (٤).

وفي مورد إعانة السلطان الظالم ورد قوله صلى الله عليه وآله : ومن عَلَّقَ سوطاً بين يَدَي سلطان جائر جعله الله حيّة طولها سبعون ألفَ ذراع ، فيسلّطه الله عليه في نار جهنّم خالداً فيها مخلّداً (٥).

وفي رواية أنّ داود النبيّ صلى الله عليه وآله رأى الميزان الأخرويّ فأُغشي عليه ، فلمّا أفاق قال : يا إلهي من يقدر أن يملأ هذا من الحسنات؟ فأوحى الله إليه إنْ كنتُ راضياً عن عبدي أملؤُه بتمرة (٦).

لقد حدّثنا التاريخ عن عظمة الصحابيّ الجليل سعد بن مُعاذ وعلوّ مقامه ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ الأمالي للطوسيّ : ٥١٩ ـ ٥٢٠ / ح ١١٤٣.

٢ ـ الكافي ٣ : ٥٠٤ / ح ٧.

٣ ـ تاريخ مدينة دمشق ٥٠ : ٢٥١.

٤ ـ الكافي ٧ : ٤١٤ / ح ١.

٥ ـ ثواب الأعمال : ٢٨٤ ، وسائل الشيعة ١٧ : ١٨١ / ح ٢٢٣٠٢ ـ ط مؤسسة آل البيت عليهم السلام.

٦ ـ زاد المسير لابن الجوزيّ ٣ : ١١٥.

٤٤٤

فقد قال لرسول الله صلى الله عليه وآله حين استشاره لحرب قريش يوم بدر : لقد آمنّا بك وصدّقناك ، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامضِ يا رسول الله لما أردتَ فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحقّ لو استعرضتَ بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلّف منّا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غداً. إنّا لَصُبرٌ في الحرب ، صُدُقٌ في اللقاء ، لعلّ الله يريك منّا ما تَقَرّ به عينك ، فسِرْ بنا على بركة الله.

وعندما استُشهد سعد صلّى عليه النبيّ صلى الله عليه وآله ومعه سبعن ألف ملك ، وتبع صلى الله عليه وآله جنازته بلا رداء ولا حذاء تأسّياً بالملائكة ، ثمّ نزل إلى اللحد وسوّى اللّبن عليه وأهال التراب بيده الشريفة ، فقالت أمّ سعد : هنيئاً لك الجنّة يا سعد.

فقال صلى الله عليه وآله : يا أمّ سعد مَهْ ، لا تجزمي على ربِّك ؛ فإنّ سعداً قد أصابته ضَمَّةٌ «أي ضغطة القبر» ... إنّه كان في خُلُقه مع أهله سُوء (١) ، وفي رواية قال صلى الله عليه وآله وسلّم : إنّما كان مِن زَعارّةٍ في خُلقه (٢).

والزعارّة : الشراسة في الخُلق.

وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وآله : إنَّ سعداً كان في لسانه غلظ على أهله (٣).

وهذه الرواية تبيّن أنَّ سوء الخلق مع الأهل له صورة باطنة ، وهي ضغطة القبر ، فقد ورد في قوله تعالى : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) (٤) ، يعني يوم يتحسّر الناس ، المسيء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ الأمالي للصدوق : ٣١٤ ـ ٣١٥ / ح ٢ ـ المجلس ٦١.

٢ ـ الكافي ٣ : ٢٣٦ / ح ٦.

٣ ـ كتاب الزهد للحسين بن سعيد : ٨٧ / ح ٢٣٣.

٤ ـ مريم : ٣٩.

٤٤٥

على إساءته ، والمحسن على قلّة إحسانة (١). قال الإمام الصادق عليه السلام : فينادي منادٍ من عند الله ، وذلك بعدما صار أهل الجنّة في الجنّة ، وأهل النار في النار : يا أهل الجنّة ويا أهل النار ، هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟

فيقولون : لا. فيُؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيُوقَف بين الجنّة والنار ، ثمّ ينادَون جميعاً : أشرفوا وانظروا إلى الموت. فيشرفون ، ثمّ يأمر الله به فيُذبح ، ثمّ يقال : يا أهل الجنّة خلود فلا موت أبداً ، ويا أهل النار خلود فلا موت أبداً (٢) ، فيفرح أهل الجنّة فرحاً لو كان أحد يومئذٍ ميّتاً لماتوا فرحاً ويشهق أهل النار شهقةً لو كان أحد ميّتاً لماتوا حزناً (٣).

انظر قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام : (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (٤).

لقد كان سجودهم ذلك ذا حقيقة ظاهريّة وحقيقة باطنيّة ، لقد سجدوا ظاهراً ، ولكنّ باطن العمل ظهر على هيئة سجود الشمس والقمر والكواكب ، وكذلك تعبّر الرؤية الصالحة عن حقائق حياتيّة يعرفها أهل الخبرة في تفسير الأحلام.

وأختم هذا المبحث بهذه الموعظة البليغة لأمير المؤمنين عليه السلام : واعلموا أنّه ليس لهذا الجِلْدِ الرقيقِ صبرٌ على النار ، فارحموا نفوسَكم ، فإنّكم قد جرّبتُموها على مصائب الدنيا. أفرَأيتم أحدكم من الشوكة تصيبه ، والعثرة تُدْميه ، والرمضاءِ تحرقه؟! فكيف إذا كان بين طابَقَينِ من نار ، ضجيعَ حَجَر ، وقرينَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ تفسير الصافي ٣ : ٢٨١.

٢ ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٥٠.

٣ ـ الفصول المهمّة في أصول الأئمّة ١ : ٣٧٣ / ح ٤٩١ بتصرّف.

٤ ـ يوسف : ٤.

٤٤٦

شيطان! أعلِمتُم أنّ مالكاً إذا غَضِب على النار حَطَّم بعضُها بعضاً لغضبه ، وإذا زجَرَها توثّبَت بين أبوابها جزعاً من زجرته! (١)

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٨٣.

٤٤٧

المبحث الخمسون : في النور الإلهيّ

قال عليه السلام : يا غَفّارُ بِنُورِكَ اهْتَدَيْنا ، وبِفَضْلِكَ اسْتَغْنَيْنا ، وَبِنِعْمَتِكَ اَصْبَحْنا وَاَمْسَيْنا ، ذُنُوبَنا بَيْنَ يَدَيْكَ نَسْتَغْفِرُكَ اللّهُمَّ مِنْها وَنَتُوبُ اِلَيْكَ.

يتوجّه الداعي عليه السلام بالثناء على الله عزّ شأنه إذ هو مصدر كلّ خير ، وأصل كلّ عطاء ، طالباً المغفرة والهداية ، والتوفيق لسلوك طريق التوبة.

النور : الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار ، وذلك ضربان : دنيويّ وأخرويّ ، فالدنيويّ ضربان : ضرب معقول بعين البصيرة ، وهو ما انتشر من الأمور الإلهيّة كنور العقل ، ونور القرآن ، ومحسوس بعين البصر ، وهو ما انتشر من الأجسام النيّرة كالقمرين والنجوم والنيران.

فمن النور الإلهيّ قوله سبحانه وتعالى : (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) (١).

ومن المحسوس الذي يُعين البصر نحو قوله سبحانه وتعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) (٢).

ومن النور الأخرويّ قوله تعالى : (يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) (٣) ، (٤).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ المائدة : ١٥.

٢ ـ يونس : ٥.

٣ ـ سورة الحديد : ١٢.

٤ ـ مفردات غريب القرآن : ٥٠٨.

٤٤٨

إنّ النور ظاهر بنفسه ، مُظهر لغيره ، والله ظاهر بنفسه ، مظهر لكلّ ما في السماوات والأرض بإشراقه عليها ، ولكن هناك فرق بين النور الإلهيّ الذي تظهر به الأشياء من حالة العدم إلى حالة الوجود ، لتسير وفق الخطّ المرسوم لها ، وبين النور الذي يشعّ على الأجسام والموجودات ليزيدها وضوحاً وجلاءً.

فالنور في الحالة الأولى هو عين الإيجاد والتدبير ، وهذا من الرحمة العامّة. ومن هنا نقول : إنّ الله سبحانه هو المصداق الأكمل للنور ، أمّا في الحالة الثانية فالنور كاشف للمحسوسات كالضوء الذي ينير الطريق والأشياء المعتمة.

وهناك نور مأخوذ على نحو المجاز ، وهو قسمان :

١. ما يمثّل الهداية العامّة ، بعمنى إيصال كلّ شيء إلى كماله.

٢. ما يمثّل الهداية الخاصّة ، بمعنى رسم الطريق الموصل للإنسان إلى سعادته وكماله ، ففي الخبر عن الإمام الرضا عليه السلام عندما سئل عن قوله تعالى : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، قال عليه السلام : هادٍ لأهل السماوات ، وهادٍ لأهل الأرض (٢).

وعن الإمام الصادق عليه السلام قوله في هذه الآية : بدأ (اللَّـهُ) بنور نفسه ، (مَثَلُ نُورِهِ) ، مثَّلَ هداه في قلب المؤمن (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) ، والمصباح : جوف المؤمن ، والقنديل : قلبه ، والمصباح : النور الذي جعله الله في قلبه.

وقال عليه السلام : (نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ) فريضة على فريضة ، وسنّة على سنّة ، (يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء ، فهذا مَثَلٌ ضربه الله للمؤمن. ثمّ قال عليه السلام : فالمؤمن يتقلّب في خمسة من النور : مدخله نور ، ومخرجه نور ، وعمله نور ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ النور : ٣٥.

٢ ـ الكافي ١ : ١١٥ / ح ٤.

٤٤٩

وكلامه نور ، ومصيره يوم القيامة إلى الجنّة نور. قيل له عليه السلام : إنّهم يقولون : مثل نور الربّ ، قال عليه السلام : سبحان الله ليس لله مثلٌ ، قال الله تعالى : (فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّـهِ الْأَمْثَالَ) (١) ، (٢).

وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) ، فقال عليه السلام : هو مثَلٌ ضربه الله لنا ، فالنبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة صلوات الله علهيم أجمعين من دلالات الله وآياته التي يُهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الإسلام والفرائض والسُّنن ، ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم (٣).

وقال سبحانه : (أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ) (٤). وقال عزّ علاه : (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) (٥).

وعندما نعمّم استعمال النور بمعنى الكاشفيّة والهداية الخاصّة ، يكون العقل نوراً لأنّه يمثّل مدارك الحقّ ويقود إلى الطاعة ، وينهى عن المعصية ، وتكون الحواسّ نوراً لأنّها تكشف عن حقائق الأمور.

والكتب السماويّة نور لاشتمالها على المعارف الحقّة والأحكام الصحيحة ، والنبيّ نور ، والهداية التي يقذفها في قلوب الصالحين من عباده لينظروا في ملكوت السماوات والأرض نور ، وظلمة الليل نور ، والمصائب والاختبارات التي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٣.

٢ ـ النحل : ٧٤.

٣ ـ التوحيد للصدوق : ١٥٧ / ح ٢.

٤ ـ الزمر : ٢٢.

٥ ـ الأنعام : ١٢٢.

٤٥٠

تقترن بالصبر نور ، والشعور بالألم نور لأنّه ناقوس ينبّه على وجود الخطر ، والحياة نور لأنّها طريق إلى الجنّة ومزرعة الآخرة ، والموت نور ، بل كلُّ ما خلقه الله من حيث هُوَ هُوَ فهو نور ، ما دام يوصل إلى الغاية والكمال.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله المعصومين الطاهرين.

وبهذا نكون قد انتهينا بعون الله ومنّه من الجزء الأوّل من الكتاب ، ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى.

٤٥١
٤٥٢

الفهرس

مقدّمة التحقيق.................................................................. ٣

من آثار هذا الدعاء............................................................ ٧

عملنا في الكتاب.............................................................. ٧

شكر وتقدير :................................................................ ٨

نصّ الدعاء.................................................................... ١٣

المبحث الأوّل : في راوي الدعاء.................................................. ٢٨

المبحث الثاني : في رجحان الدعاء وآدابه.......................................... ٣١

المبحث الثالث : في الأُلُوهيّة..................................................... ٤٣

المبحث الرابع : في التأديب بالعقوبة.............................................. ٤٧

المبحث الخامس : في المكر الإلهيّ................................................. ٤٩

المبحث السادس : مبحث لغويّ.................................................. ٥٢

المبحث السابع : في الخير........................................................ ٥٤

المبحث الثامن : في النجاة....................................................... ٥٧

المبحث التاسع : في الإحسان.................................................... ٦٢

٤٥٣

صلة الأرحام وبرّ الوالدين..................................................... ٦٨

المبحث العاشر : المعرفة والهداية والفطرة والعقل..................................... ٧٣

المبحث الحادي عشر : في تحميد الله.............................................. ٧٩

في التواضع.................................................................. ٨٠

المبحث الثاني عشر : بين أخلاق الله وأخلاق العبد................................. ٨٨

المبحث الثالث عشر : في البخل................................................. ٩١

المبحث الرابع عشر : في القرض.................................................. ٩٧

المبحث الخامس عشر : في الشفاعة............................................. ١٠١

المبحث السادس عشر : بين الخوف والرجاء...................................... ١١٤

المبحث السابع عشر : في التوكّل................................................ ١٢٠

المبحث الثامن عشر : في الحبّ الإلهيّ........................................... ١٢٦

المبحث التاسع عشر : في الغِنى................................................. ١٤٠

المبحث العشرون : في الحِلْم.................................................... ١٤٩

المبحث الحادي والعشرون : في الرحمة الإلهيّة...................................... ١٥٨

المبحث الثاني والعشرون : في القناعة............................................ ١٦٧

المبحث الثالث والعشرون : في الإيثار............................................ ١٧١

المبحث الرابع والعشرون : الآثار الوضعية للأعمال................................ ١٧٣

أ. الآثار الوضعيّة الإيجابيّة لعمل الإنسان :.................................... ١٧٨

ب. الآثار الوضعيّة السلبيّة لعمل الإنسان :................................... ١٧٩

المبحث الخامس والعشرون : في شرائط قبول الأعمال.............................. ١٨٣

والعبادة تُقسَّم ثلاثة أقسام :................................................. ١٨٩

٤٥٤

في جواز قضاء العبادات عن الأموات......................................... ١٩٠

المبحث السادس والعشرون : التوبة والعفو والمغفرة................................. ١٩٣

كيف نحقّق التوبة.......................................................... ٢٠٣

إنَّ الذنوب قسمان :....................................................... ٢٠٤

أقسام التائبين.............................................................. ٢٠٦

المبحث السابع والعشرون : في حُسن الظنّ....................................... ٢١٢

المبحث الثامن والعشرون : في الإسلام والإيمان.................................... ٢١٨

أ) المرتبة الاُولى :........................................................... ٢١٨

٢) المرتبة الثانية :.......................................................... ٢١٩

ج) المرتبة الثالثة :.......................................................... ٢٢٠

د) المرتبة الرابعة :.......................................................... ٢٢١

المبحث التاسع والعشرون : في اليقين............................................ ٢٢٤

المبحث الثلاثون : في الرزق.................................................... ٢٣٧

المبحث الحادي والثلاثون : في التربية............................................ ٢٤٨

المبحث الثاني والثلاثون : الكرم الإلهيّ في الآخرة.................................. ٢٥٧

في مقامات المؤمن عند الموت ومنزلته عند الله................................... ٢٥٨

في حضور النبيّ والأئمّة عليهم السلام عند المحتضر.............................. ٢٥٩

من حالات الاحتضار...................................................... ٢٦١

المبحث الثالث والثلاثون : في المعرفة............................................. ٢٧٣

المبحث الرابع والثلاثون : الرغبة والرهبة.......................................... ٢٨٦

مدخل لغويّ :............................................................. ٢٨٦

٤٥٥

في الظلم.................................................................. ٢٩٢

نذكر بعض الآراء :......................................................... ٢٩٦

في الظلم وعقاب الظالمين.................................................... ٢٩٨

عقاب معين الظلمة......................................................... ٣٠١

شدّة حساب الأمراء والسلاطين.............................................. ٣٠٣

المبحث الخامس والثلاثون : في الذكر............................................ ٣٠٩

في الذِّكر.................................................................. ٣١٠

المبحث السادس والثلاثون : في الغرور........................................... ٣١٩

المبحث السابع والثلاثون : في العُجْب........................................... ٣٢٨

المبحث الثامن والثلاثون : في الحياء.............................................. ٣٣٧

المبحث التاسع والثلاثون : في الغفلة............................................. ٣٤٣

في الغفلة.................................................................. ٣٤٤

المبحث الأربعون : في السَّتر.................................................... ٣٥٧

المبحث الحادي والأربعون : في الحياة والقيموميّة................................... ٣٧١

المبحث الثاني والأربعون : في المُلك.............................................. ٣٧٧

مدخل لغويّ :............................................................. ٣٧٧

المبحث الثالث والأربعون : في الرفق............................................. ٣٨٦

المبحث الرابع والأربعون : في العزّة............................................... ٣٩٤

المبحث الخامس والأربعون : في نفي الشريك عن الله سبحانه........................ ٣٩٧

المبحث السادس والأربعون : في البركة........................................... ٤٠٩

المبحث السابع والأربعون : في الظنّ............................................. ٤١٢

٤٥٦

المبحث الثامن والأربعون : مشاهد القيامة وأهوالها................................. ٤١٨

المبحث التاسع والأربعون : في تجسّم الأعمال..................................... ٤٣٢

المبحث الخمسون : في النور الإلهيّ.............................................. ٤٤٨

الفهرس...................................................................... ٤٥٣

٤٥٧