موسوعة عشائر العراق - ج ٤

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ٤

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

أمراء الجاف

وهؤلاء إمارتهم عامة على كافة قبائل الجاف إلا أن الطوائف في إيران يحكمها أمراء آخرون من سلسلتهم وهم الآن منفصلون عنهم إلا أنهم يقطعون بالاشتقاق ويحفظون الصلة النسبية.

١ ـ سلسلة نسبهم :

وهؤلاء سادة عرفوا بهذا النسب أبا عن جد. ولا يزالون يقطعون في أنهم سادة.

راجعت شيوخهم ، والعارفين منهم فتحصل لي أن سلسلتهم ترجع الى (بير خضر شاهو) وهو الجد الأعلى المحفوظ اسمه ، و (شاهو) جبل في أنحاء إيران في جهات جوانرود ينتسب إليه جميع سادة الأكراد ، ومنهم الجاف.

ومن هذا نعلم أن إمارتهم دينية في الأصل ، تمسك بهم القوم لأنهم سادة ومن ثم قوى تسلطهم ونفوذهم على القبائل فانقلبت السيادة والمشيخة الدينية الى إمارة عشائرية ، فاستقرت إدارتهم ، ودامت أمدا طويلا ، والى اليوم ، ولا يحكم عليهم أمير بعينه ، وإنما نرى في كل ناحية أميرا من أمرائهم مطاعا ، يسلمون له بالإمارة. ويغلب على الأمراء اليوم أنهم ملاكون يتعيشون من أموالهم ، ولم تكن لهم تلك السلطة المباشرة على القبائل كما كانت قديما ونراهم في هدوء وطمأنينة ، لا يبتغون الفتنة والشر. ولهم الإحسان والإنعام في إعالة قبائلهم بأملاكهم ، والحب بينهم حقيقي

٤١

ومتبادل ، ولم يكن نتيجة خوف وقوة إلا أن الإمارة ليس لها ما كان معروفا من جباية ، وعائدات وما أشبه .. بل الطاعة حقيقية.

وهذه سلسلة أمرائهم (١) :

١ ـ ظاهر بك بن سيد احمد بن بير حمزة وظاهر ينطق به (زاير) جاء الى العراق وكان في جوانرود وهو أول من ورد العراق وكان مركز إمارتهم في إيران ، ومن ظاهر هذا يمضي العمود الى بير خضر شاهو المذكور ، ويقفون عند ذلك ، ولا يستطيعون تعداد من بعده.

ومن هذا يجري التفرع كما يلي :

٢ ـ إن قادر بك المذكور ترك ولدا اسمه محمد بك ، وهذا أعقب ولدا اسمه (بهرام بك)

وإن فرع البهرامية ينتسب الى بهرام بك بن محمد بك ابن قادر بك وتسمى بهرام بيكية. وسلسلتها كما يلي :

__________________

(١) تحققتها من إبراهيم بك الجاف ومن المرحوم عبد الله بك كيخسرو ومن كريم بك الجاف وهؤلاء من أكابر رجالهم من الامراء. وهؤلاء من أكابر رجالهم من الامراء.

٤٢

بهرام بيكية

٤٣

الكيخسرو بيكية

رأس هذه الأسرة كيخسرو بك بن سليمان بن قادر بك بن ظاهر بك (زاير بك) المذكور سابقا. وأولاده :

١ ـ قادر بك

٢ ـ عبد الله بك

وهؤلاء لم يعقبوا.

٣ ـ سليمان بك

٤ ـ محمد باشا. وتفرعاته في المشجر رقم (١)

٥ ـ عبد الرحمن بك. وتفرعاته في المشجر رقم (٢)

٤٤

المشجر رقم (١):

__________________

(١) وله أخوة ماتوا بلا عقب ، وتوفي هو في ٢٦ تشرين الأول سنة ١٩٤٤ م.

٤٥

المشجر رقم (٢):

والملحوظ أن هؤلاء كل منهم ملقب ب (بك) ويقصد به (الأمير). وهم بيت الإمارة ، واللفظة تركية. وحبا بالاختصار ذكرنا الأسماء مجردة عن الصفة فاقتضى التنبيه الا أن يكون المرء ملقبا بلقب (باشا) فاننا ذكرناه كما في المشجر السابق. ولم نتعرض لذكر من انقرض ولم يعقب.

٤٦

الولد بيكية في الجاف العراقية

وهؤلاء الأمراء منهم في إيران ومنهم في العراق ، ولا يتيسر الاطلاع على تفرعاتهم ، وقد رأيت بعض رؤسائهم ، وكتبت عن بعض ما يتعلق بقبائلهم ، ولم يتيسر أن أعرف الباقين. والمعروف أن رئيس ولد بيكي اليوم في إيران هو يعقوب بك وأخوه صالح بك أولاد فتاح بك بن سعيد بك بن صوفي بك بن بهرام بك بن سيد أحمد بك ابن ظاهر بك. كما علمت ذلك من رئيسهم صالح بك نفسه.

ومن هذه المشجرات نعلم أنهم يتفرعون الى :

١ ـ بهرام بيكية

٤٧

٢ ـ كيخسرو بيكية

٣ ـ ولد بيكية

ومن هؤلاء يشتق أمراؤهم الموجودون. وجاء في سياحتنامهء حدود سنة ١٢٦٨ ه‍ وفي تقرير درويش باشا أيضا أن الجاف قد توزع سلطتهم محمد بك كيخسرو بك (هو محمد باشا) ، ومحمد بك بن قادر بك ، ومحمد بك بن أحمد بك (من الولد بيكية) ، وتبين أن محمد بك كيخسرو سلطته أوسع من غيره ، ومحمد بك قادر بك يتلوه قليلا ، والثالث ليس له حكم إلا على القليل من الطوائف المبعثرة ولا يتصرف بأكثر من ١٥٠ بيتا من الجاف الأصليين. وفي الحقيقة قد توزعت قبائل الجاف بين آل كيخسرو بك ، وآل قادر بك. كما أن هذه العشائر كانت تؤدي للحكومة مقطوعا يؤخذ من العشيرة على عدد بيوتها سوية يصيب كل بيت ٨٧. ٥ قرشا ، فإنهم يتقاضون عوائد هذه الرسوم من العشيرة سواء من جراء ما يحدث من جرائم ، أو من غيرها لأسباب مختلفة.

فإذا عصت طائفة على أميرها استعان هذا الأمير بالقبائل الأخرى وتمكن منها ، وحينئذ نهب أموالها ، وفعل فيها ما شاء بلا سائل ولا معاتب (١).

وتظهر مكانة الإمارة عند وقوع النزاع بين (إيران والعراق) ، أو بين الحكومة العثمانية ، وبين إمارة بابان ولكن هذه العلاقات أدركتها الحكومة مؤخرا ، أو أنها لم يكن في وسعها الالتفات اليها في أواسط القرن الثالث عشر الهجري أيام قضت على إمارة بابان.

وكل ما نقوله الآن أن الحكومة أدركت أمر الجاف مما دعا الى القضاء على إمارة بابان قبل تحديد الحدود ، فتوضح لها عند تدقيق الحدود وأثناء الاتصال بهم أن البابان كانوا ناظم هذه القبائل ، وكانت إمارة فوق

__________________

(١) سياحتنامه حدود ص ٢٤٤ وتقرير درويش باشا ص ٥٨.

٤٨

تلك الإمارات ، فاتصلت بالجاف ، وتفاهمت مع الأمراء منهم ، وأعطت محمد بك لقب (باشا) ، ومن بعده منحت ابنه محمود بك (١) لقب باشا وهكذا ...

__________________

(١) ولي محمود باشا إمارة القبيلة في سنة وفاة والده (سنة ١٣٠٨ ه‍). وكان قد ولد سنة ١٢٦٢ ه‍. ونال مكانة كبيرة. توفي في ٦ شعبان سنة ١٣٣٩ ه‍ (مشاهير الكرد ج ٢ ص ١٨١) هناك تفصيل ترجمته.

٤٩
٥٠

أمراء الجاف والأوضاع السياسية

بعد معاهدة السلطان مراد لم يعد للجاف ذكر في حوادث العراق إلا قليلا. لأن أمراء (بابان) كانوا قد سيطروا بإمارة عامة على العشائر في لواء شهرزور ومن جملتهم الجاف وربما استعانوا بهم في القضاء على (إمارة بلباس) ، وكانت لا تقل عن الجاف. فاستخدموها أثناء تنازع السلطة بينها وبين بلباس ، كما أن البابانيين توسلوا بقوة الحكومة في أحيان عديدة لقهر بلباس بداعي أن هؤلاء البلباس مفسدون في الأرض بالنهب والسلب ، وكذا كانوا يصاولونهم بالقبائل المجاورة ، فمال البلباس الى إيران ولم يبق منهم في العراق إلا القليل بل تبعثر أمرهم ، وتشتتوا.

أما الدولة فإنها في كل أحوالها تريد التدخل ، وتحاول التسلط بوسائل مختلفة لتقف على الحالة وتنظر إلى ما وراء ذلك مما عزمت على إجرائه بأمل السيطرة على الامارتين معا وهكذا يختلف الوضع بالنظر لآمال كل ، ولكنها أضاعت الرشد في القضاء على البلباس فانفرد البابانيون في السلطة فكانوا في يقظة ، فاستخدموا الجاف من جراء أن قسما منهم في إيران والآخر في العراق للمحاربة بهم والتشويش على الدولتين ليكونوا بنجوة من تسلط إحداهما. فإذا تضايق البابانيون من العراق ، وشعروا بقوة الحكومة مالوا الى إيران ، وهكذا إذا شعروا بقوة إيران مالوا عنها. واستخدموا الجاف على البلباس وعلى غيرها. وهكذا استخدموا قبائل أخرى لعين الغرض ولم يقصروا في تدبير.

مضت إمارة بابان مدة على هذه الوتيرة حتى أخذت الحكومة وضعها

٥١

قبل أيام درويش باشا الفريق بقليل واستولت على ما كان بيدها ، وراقبت الحالة بنظرات صادقة ، واطلعت على إمارة البابان وأنها لا قدرة لها إلا في النفوذ على أكبر القبائل في اللواء وهم الجاف ومن على شاكلتهم فاشتغلت لتقريبهم ، ومنحتهم الألقاب الفخمة ، وجلبتهم لجانبها ..

وهناك قد حصل التفاهم بين إيران وتركية على التعاون للقضاء على هذه الإمارة ليكونا بنجوة من الغوائل ، فلم يستطع آل بابان أن يعودوا للتجربة السابقة بالميل إلى إيران إذ لم يجدوا مساعدة منها بل عزمت الدولتان على المناصرة في القضاء على الإمارة المذكورة ، فكان ذلك قبل تحديد الحدود بمدة قليلة.

وإن الجاف لم يعودوا إلى الالتفات إلى أقوال أمراء البابان ، وقد رأوا توجها من الدولة وحصلوا على مكانة مرضية.

شعر الجاف بقوة ، ونظرت الدولة أمر إدارتهم بأنفسهم. فتفاهموا مع الدولة العثمانية ، ولم يظهر منهم ما ينفر أو يدعو للقيام عليهم ، فبقوا موالين للحكومة حتى أيامها الأخيرة.

ومن ثم قضت الحكومة على الأسرة البابانية ، ونالت هذه مكانتها وزيادة. لأنها كانت في خشية من تلك ، وأمن وطمأنينة من هذه ، فقامت هذه في حراسة الحدود ومراعاة سياسة الحكومة. ولقبت الحكومة أميرها محمد بك كيخسرو بلقب (باشا) مما يعين هذا الاتصال بالدولة. على أن الدولة لم تأمن غوائل الحدود ، ولزوم مراقبتها خشية إحداث أمثال ما وقع في بابان مما فصل (تاريخ العراق) ، ولكن الحكومة أمينة منها أكثر ، وهي (خير حارس للحدود).

كل هذه مما جعل الدولة تمشي بصورة معقولة. وتنهج سياسة قويمة ، ومثلها إيران فإنها ملت الحروب ، وصارت تودّ الطمأنينة بكل قواها ، فلا إثارة فتن ، ولا قيام زعازع أو حروب. والدولة العثمانية خاصة راعت العدل بين أمرائها ومجاوريهم ، فلا تركن الى ما يشعرون بشدة وطأته ، ولا الى ما يؤدي الى انتهاك الحرمات والحقوق لما هو مألوفهم ومعتادهم.

٥٢

جروا على ذلك الى أواخر أيامهم ، ومضوا على سياسة كأنها ملهمة ، أو تابعة لطراز عملي ، أو وجهة مبناها الاحتفاظ ب (تقرير ما كان على ما كان) ، فلم يعهد لها الاحتفاظ بسياسة رشيدة أكبر من مراعاة هذه القبيلة ، وملاحظة العنعنات القديمة بين رجالها.

وفي كل أحوالها كانت لها مخصصات التزام تأخذها منها مقررة لا تتجاوزها ولا تتدخل في أمرها ، وإن الأمراء كان ربحهم في هذه المخصصات والاستفادة من عوائدها بصورة متعينة ، فكانت العلاقة محدودة. الأمر الذي جعل قبائل الجاف تسرح وتمرح في هناء ونعيم ، وبنجوة من الموظفين وتدخلاتهم بحيث صارت القبائل الأخرى من الجاف تتوارد بين حين وآخر لأدنى ما ترى من إيران من تضييق أو تشاهد من ضغط حتى تكون اليوم منها قبائل كثيرة مالت من هناك ولجأت الى العراق.

ومن جهة أخرى أن القبائل لا ترى من أمرائها ما هو مشهود في هذه فلا تجد الأمراء يأخذون (شاة مرتع) ، أو تكاليف أخرى تزيد عن المقطوع ، فالجاف كانت تؤدي المقطوع للحكومة ، ولا تزيد الأمراء فيه مهما زادت قبائلها أو تكاثرت. فالأمر الذي جعل تلك القبائل في اتصال وثيق بالأمراء. يزرعون الأراضي العائدة لهم ويؤدون ما يؤديه سائر الزراع بكلفة أقل ، ولا يرهقونهم أكثر مما يتحملون من العوائد. ولم يعرف في أمراء القبائل الأخرى أو رؤسائها ما كان مشهودا منها من جراء الطمع ، ومراعاة سلب القبيلة بقدر الامكان ولحد أقصى حتى لا يبقى مجال لما هو أكثر بقدر الطاقة. ولا حاكم في القبائل الأخرى سوى القوة بخلاف هؤلاء الأمراء فهم بمثابة رأس أسرة ، وكبير عائلة يرأف ولا يقسر ، ويقوي قبيلته ولا يضيق ، وإذا أكل أكل بمعروف.

ذلك ما ولد التفادي ، وهو قليل من كثير ، وهو الذي قوى الألفة ، وحافظ على المجموعة ، فليس هناك آمر ومأمور ، أو قاهر ومقهور ، بل طاعة صادقة وخدمة حقيقية.

٥٣

وكل ما أقوله أن القبيلة بسعادة وهناء من رؤسائها وفي وئام معهم في أغلب أحوالهم ، ذلك ما دعا أن لا يردوا لهم قولا ، ولا يعدلوا عن أمر. ويعجبني أن رضا بك من أمراء الجاف قد أكد لي أن أكثر أوصاف العرب التي عرفها في التاريخ موجودة فيهم وهي تلك السجايا المرضية المرغوب فيها من كل قوم وأمة على وجه البسيطة ، وتحلى بها العرب ، وتحلت بها هذه القبيلة ، بل قبائل أخرى أيضا.

وكل ما عرفناه من سجايا هذه القبيلة وخصالها الحميدة دعانا الى بيانه ، وهكذا قل عن خصال الأمراء ، وعلو أخلاقهم ، وحسن سلوكهم .. فهم أهل لأن يكونوا أمراء هذه القبيلة ، وهم أحق بها وأهلها. واللسان ليعجز من إيراد كل ما يستحقونه من الثناء عليهم في صفوتهم ، وصفاء سريرتهم ، وحسن عقيدتهم ، وادائهم للفرائض الدينية مما لا نعهده في الأمراء الذين أفسدتهم بهارج المدنية ..

ولا يستغرب المرء مما أقول ، ويرى أن هؤلاء ملائكة ، ولكنني أؤكد أنني لم أكتب إلا ما شاهدت أو رأيت ، أو علمت ، ولم أغال في مدح ، وهم فوق ما وصفت ، وإنما كتبت مما اقتضاه واجب الذمة ، ورأيته لازم الصدق فدونت ما علمت.

وإني في هذه الحالة أعد نفسي قد تجاوزت الوصف ، ولا ألبث أن أحاسب نفسي مرة أخرى ، فلم أر ما يستحق أن يطوى ، أو يجب أن يخفف منه ، أو يحور وإنما أنا معتقد بصحة كل ما قلته ، ولا يهمني من في قلبه زيغ ، أو يتصور أن الأخلاق الفاضلة مفقودة ، أو أن السلوك المرضي غير مشهود .. فيستاء من كل شيء ، ولا يرضى عن أحد ، بل أن الدين متأصل في أكثر الأكراد ، راسخ فيهم ، وطاعتهم للعلماء عظيمة.

وما ذكرت إلا ما اعتقدت ، وليكتب من شاء ما شاء من ملاحظة عيوب ، أو التوسل ببيان الصفحة التي قد يراها في فرد أو أفراد لا يمثلون المجموع فلا نرى قيمة لأمثال هذه التي وجدت من حين وجد البشر

٥٤

والناس لا يخلون من صالح وطالح ، والجماعة تعرف بالصلاح إذا كان غالبها على ذلك ، وتكون طالحة بدرجة تغلب أهل الشر .. والمجتمع الفاضل هو الذي يتغلب على أهل الشر بما ملك من سجايا قوية ، وما نال من مكافحة لهذه الفئة. وقدرة على المجاهرة بحربها ، ومحاولة القضاء عليها ، وليعش المجتمع الفاضل بسلوكه وأخلاقه ، وسجاياه النبيلة.

وكل ما تحتاجه القبيلة أن يكون بين ظهرانيها علماء لهم المكانة المقبولة والمنزلة المرضية في تعليم العقيدة الحقة دون أن تشوبها شائبة.

٥٥
٥٦

تفصيل قبائل الجاف

هؤلاء مجموعة كبيرة ، والآن قد استقل جملة أمراء كل واحد في قسم من أقسامها سواء في إيران أو في العراق في لواء السليمانية ، أو في ناحية شيروانة التابعة لقضاء كفري. ولا يفرق بين قبائل الجاف إلا أن الأوضاع السياسية دعت أن تعتبر هذه القبائل مجموعتين :

١ ـ جاف العراق ، ويقال لهم (جاف مرادي).

٢ ـ جاف إيران ، ويدعون (جاف جوانرودي).

وفي العراق جاء ذكر قبيلتين من الجاف في معاهدة السلطان مراد :

١) ضياء الديني. وهذه تفرقت شذر مذر ، ولا يعرف عنها اليوم شيء. وكانت قبيلة كبيرة لها شأنها.

وكان قد جاء في سياحتنامهء حدود ، وفي تقرير درويش باشا أنهم لا يتجاوزن الخمسين أو الستين بيتا (١).

٢) هاروني. وهذه لا تزال معروفة ولها كيانها.

وفي إيران ورد ذكر قبيلتين من قبائل الجاف في المعاهدة المذكورة :

١) بيره. وهذه لم يعرف لها ذكر. ولعل لفظها (ندره يى) فخفف الى نيره يي ودخله التصحيف. أو جاء محرفا. فلم تعد تذكر. وقد حاولت أن أعرف قبيلة بهذا الاسم من نفس الجاف في إيران وفي العراق فلم أظفر بخبر.

__________________

(١) سياحتنامهء حدود ص ١٦٤.

٥٧

٢) زردويي. وكانت أيام تقرير الحدود الإيرانية من جانب السلطان مراد الرابع في إيران والآن موزعة في إيران والعراق. و (زردو) موقع عرفت به بين هاورامان وجوانرود ، فصارت تسمى (زردويي) وهو من أنحاء جوانرود.

وللكلام على جاف إيران من جراء الصلة والقربى قد أفردنا بحثا خاصا في فروعها وأوضاعها حتى اليوم.

وهنا نقول أن القبائل المذكورة لا تدل على الحصر ، وإنما هي القبائل التي وقع النزاع عليها بين إيران والعراق ، وإلا فالجاف كثيرون ، لا يحتمل أن يكونوا تفرعوا حديثا ، وإنما فروعهم تحتاج في تكونها الى زمن أكثر بكثير مما ورد في تاريخ المعاهدة (سنة ١٠٤٩ ه‍).

٥٨

جاف العراق أو جاف مرادي

هؤلاء الجاف قديمو العهد في العراق. ويرجع تاريخهم الى ما قبل السلطان مراد ، فإنه لا يدله في تكوينهم ، وإنما كانوا موجودين ، تدل على ذلك المعاهدة. والأصح أن نقول (جاف العراق) لا أن نقول (جاف مرادي) ونريد جاف السلطان مراد الرابع.

وليس لدينا من الوثائق ما يعين تكون فروعهم أو قبائلهم بصورة منتظمة ، والأحوال الشعبية عندنا لم نر المدونات فيها إلا قليلة جدا ، وكفى أن ندون الحاضر ، ونعين الفروع المعروفة اليوم ، ونعلم حينئذ أنها نتيجة الماضي القريب والبعيد ... فهم خلاصة العصور ونتاجه. أما ما كان قد علم تاريخه فقد دوناه ، وأشرنا الى ما قيل فيه. إلا أننا نقول أن بعض القبائل منها قسم في إيران ، وقسم في العراق كما أن أجزاءها في العراق متفرقة في مختلف المواطن ، ففي شيروانة بعض الفرق وأجزاؤها الأخرى في السليمانية وفي مواطن أخرى. فالفخذ الواحد نرى أقسامه في أماكن عديدة ...

وكذلك يهمنا أن نشير الى أن بعض الفروع أو الطوائف على ما يظهر خارجة عن القبيلة واختلطت بها بمرور الأيام وصارت تعد منها ، ولا سبب لذلك إلا أنها جاءت مجموعة أو أفرادا تكاثروا وعرف أنهم ليسوا منهم مدة ثم تنوسي الحال ...

وكل ما نريد أن نقوله في هذه القبيلة بل الإمارة أننا دونا ما رأيناه أو

٥٩

شاهدناه من أمرائهم وقبائلهم ، أو علمناه منهم ومن غيرهم ، وكذا ما قرأناه في مختلف الآثار وليس على المرء أكثر من أن يبذل قدرته. وقد جمعت ـ بقدر الإمكان ـ بين الأمرين المنقول والمشهود في الحال الحاضر. حذرا من الاشتباه في الأعلام سواء في الأشخاص أو في المواطن مما قد يعرض له التحريف والتصحيف ...

ومهما توسعنا في تفصيل هذه القبيلة كان ذلك قليلا ، وهي إمارة قبائلية تتكون من فروع عديدة وطوائف كثيرة منها ما استقرت في ناحية ، وكادت تستقل في فروعها عن غيرها ، بل هي ماضية في هذا السبيل ، وقد حلت محل الأصل ولا يدرك شأن هذه الفروع أو الطوائف إلا من عرفها وأدرك ما أصابها من التشتت او التوزع من جراء ضيق العطن. ومع كل هذا نراها وحدة عظيمة في أجزائها ، ذات شأن مذكور في التاريخ. ويصح ان يقال ان اكبر عامل لانفراط العقد هدوء الحالة بين إيران والعراق ، فليس هناك في العصر الأخير من الطوارئ ما يدعو للوحدة فتوزعت اذ لا توجد ضرورة قاهرة ، ولا حالات مجبرة. والحالة الاجتماعية تابعة لما تقتضيه أوضاعها وحاجاتها. او ما يهدد سلامتها ، فكان لهذا الهدوء مكانته وأثره الكبير في خلود هذه القبائل إلى ما يخدم الحضارة ، ويسهل اتصالاتها التجارية والاجتماعية ...

ومكانة قبائل الجاف والقبائل الأخرى في الحدود مهمة جدا ، وهي مكانة حراسة ومشارفة وقد أكدت العلاقات الجديدة بين إيران والعراق الهدوء اكثر بمراعاة حسن الجوار بين الطرفين ، فكان له أثره في خلود العشائر للراحة والطمأنينة. خصوصا نرى التعاون بين الدولتين بالغا حده في التعاضد للقضاء على الغوائل الداخلية التي تثيرها قبائل الحدود. ومن أمثلة ذلك الفيلية ، وكلهور وغيرهما مما حدث من قضاء على إماراتهم.

ولا يستغرب القارئ فالنصوص التاريخية في مختلف العصور والأيام تبرهن على ما يؤدي بنا حتما إلى لزوم المعرفة الصحيحة ، وإدراك نفسيات القبائل .. وما يقع في الحدود اعتياديا ، وما هو نتيجة إثارة وحركة غير

٦٠