موسوعة عشائر العراق - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

إمارة المنتفق

فى العراق ظهرت إمارات عديدة تغلبت لما رأت من ضعف الدول الحاكمة ، وانحلال سلطتها. من جهة ، وتماسك المجموعات الكبيرة مثل المنتفق. وإمارة المشعشعين ، وآل أفراسياب ، وبابان ، وبني لام ، والخزاعل. وأمراء العمادية ، والصورانيين. والهكاريين ... وإمارة المنتفق من أكبرها. وان العثمانيين لم يتمكنوا منها بالرغم من منهاج الدولة في القضاء عليها. استعصت وأبت أن تذعن. ولعل للبعد عن العاصمة ولمجاورتها البادية والاهوار دخلا في بقاء هذه الإمارة وأن لا تسلم للقضاء.

وكانت من إمارات العراق المهمة. قطعت على نفسها أن لا تذعن إلى سلطة أجنبية فتقوى على العشائر والامارات ، بل ان هذه تتحين الفرص للوثوب أو للوقوف في وجه من ينوي لها سوءا أو يطمع في الاستيلاء عليها ، فلا تستسلم للقدرة ، أو تذعن بسهولة.

وفى الغالب تعجز الدول عن التزام جيش أو قوة مسلحة ، فهي في حالة حرب مستمرة مما أزعج الدولة ، ووقفها عند حد من التدخل أو الانصياع في أكثر الاحيان. وفي الأكثر نرى تدابير الدولة قاسية في الوقيعة. ومن أجل ما كانت تتوسل به استخدام العشائر المناوئة ، أو العشائر الكردية للتحكم بالعرب. وهكذا كان الشأن في عشائر العرب للتمكن من الكرد. وأمر آخر هو انها تترقب الخلاف بين الرؤساء سواء في المنتفق ، أو في بابان ، أو في الخزاعل أو بني لام ... بأن تطحن عنصرا بعضه ببعض أو

٢١

واحدا بآخر للتغلب على الرؤساء والاستفادة من الاوضاع.

ولم نر الدولة تغلبت على إمارات العراق إلا في عهد المماليك أحيانا وكانوا أبصر بأحوال الإمارات وطريق الاستيلاء عليها. ولعل المماليك أول من تمكنوا من اخضاع الإمارات نوعا باستخدام بعض العناصر على الاخرى. وهذا الحال اقتبسته الحكومة من أصل الدولة ونفذته على عناصرنا واماراتنا. ويرجع ذلك في الحقيقة إلى أيام حسن باشا الوزير (فاتح همذان). فإنه نجح في خطته. استخدم (باب العرب) للعشائر للتفاهم معها. وجعل لها ادارة خاصة مرتبطة بالوزارة رأسا ، فتابعه من تلاه أو مشى على سياسته. وكل هذه التدابير لم تكن وسائل للقضاء وإنما هي تدابير للاذعان.

وإمارة المنتفق تجاه هذا بين قوة وضعف. تدارى مرة ، وتثور أو تجمح أخرى وتستغل موقفها أحيانا وبسلطة محدودة .. فتتبعثر الإمارة مدة أو تبدل رياستها بأخرى منها ... وتخذل تارة أخرى. وفي وقائع المنتفق ما يبصر بالاوضاع لمختلف الازمان. وفيه ما ينبه العراقي إلى ما جرى على هذا القطر من تحكمات. وفي غالب الحالات كانت الوحدة في العشائر أظهرت الإمارة بقوة كبيرة ، فلم تبال بما كان يجري عليها من استخدام العناصر الاخرى فكانت عزيزة الجانب بتناصرها ووحدتها. وللامارة الدخل العظيم في الاحتفاظ بهذه الوحدة وشدة تماسكها. واذا كانوا تحكموا فيها أحيانا فإنهم لم يستطيعوا القضاء عليها.

وهنا عنصران فعالان في قوام هذه الامارة. (عشائر المنتفق) وأصل (الامارة). فالعشائر قوة ، وحسن ادارتها من أهم اسباب بقائها وتسلطها ولا ينفك هذا التلازم بل أدى إلى بقاء الامارة ، والقدرة مشهودة دوما.

والحاجة دعت إلى التماسك. وان الاسلحة الجديدة للدولة العثمانية وعزمها الأكيد أدى إلى انحلال الامارة. ومن أجل المسهلات بناء الناصرية مما دعا إلى الارتكاز مقرونا بالقوة. ومن ثم ظهرت كل عشيرة وبدت

٢٢

رئاستها ، وتعددت بعدد العشائر. وكان ناظمها العشائر الكبيرة مثل الاجود وبني مالك وبني سعيد. وان زوال الرئاسة وسلطتها سائر إلى الاضمحلال بتكون القرى والبلدان فتصير محدودة في علاقاتها في العشائر. وعاد الرؤساء يشعرون بذلك.

وكل ما في الأمر أن العشائر الكبيرة والامارات بقي أمرها تاريخيا ، كما ان الرئاسة العشائرية سائرة إلى الزوال أو تكون محدودة بميل العشائر نحو تأسيس القرى الكثيرة والمدن ... بانعدام تلك الاوضاع للألفة بين الحكومة والاهلين والتفاهم من طريقه.

تكوّن الامارة

ان تاريخ تكوّن الإمارة قديم. وذلك أن عشائر المنتفق كبيرة وكثيرة ، وليس من المستطاع أن تذعن لبيت. وإنما القدرة في هذا البيت جعلتها تذعن وبالتعبير الاصح ان الحوادث وتواليها جمعتها في الرئاسة ذات المواهب ... ولم يخل بها أو يضعضع أمرها ما قامت به الدولة العثمانية من حركات عسكرية للقضاء عليها بل مكنتها ، فاثبتت الكفاءة بادارة عشائرها والجدارة بحزم في التفاهم معها.

ويهمنا أن نقول ان هذه الإمارة كانت مسبوقة بإمارات أخرى ، عرفنا منها (بني أسد) ، و (بني معروف) وكانوا من ربيعة المنتفق بن عامر ابن صعصعة وبنو معروف انقرضوا سنة ٦١٦ ه‍ وكان أول تكونهم سنة ٥٥٢ ه‍ ـ ١١٥٧ م. حلّوا محل بني أسد. وجاء في ابن الأثير في حوادث سنة (٥٩٠ ه‍ ـ ١١٩٤ م) ما يعين سياسة الدولة العباسية تجاه العشائر في حالات نزوعها إلى ما يؤدي إلى الاخلال بالامن (١).

وان الوضع يلهم السياسة أو يعين التدابير المتخذة سواء في عهود

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ج ١٢ ١٤٧. وحوادث السنين مبينة في محلها.

٢٣

الدولة العباسية أو فيما بعدها. والامر غير مقصور على (ربيعة المنتفق) وما تولد فيها من إمارة بني أسد وإنما كان في إمارات أخرى كإمارة (بني شيبان) وامارات أخرى ... ومن ثم عرفت في المنتفق. وإمارة المشعشعين وهي إمارة دينية للتوصل إلى السلطة حكمت واسطا مدة. ثم ظهرت إمارة المنتفق في (آل شبيب). وهي موضوع بحثنا.

واضطربت الآراء في تكوّن هذه الإمارة وتاريخها. ولا شك أن أهمية هذه الإمارة تدعو إلى معرفة ماضيها ، والاتصال به. أحدثت دويا في تاريخ العراق ، وخذلت قوى الجيش العثماني مرارا عديدة ، وحكمت البصرة زمنا طويلا ، وزاد نطاق سلطانها إلى أكثر مما هو معروف اليوم من حدود (لواء المنتفق).

ظهرت ظهورا بينا في المائة التاسعة والعاشرة للهجرة ، وتوالى ذكرها. والاقوال في أصلها عديدة منهم من قصر أمر ذلك إلى المحفوظ من أنها تنتسب إلى (شبيب) وهو جدّ أعلى.

قال في سياحتنامهء حدود :

«ان شيوخ المنتفق ينسبون إلى (أسرة شبيب). وهي ليست من عشائر المنتفق. وردوا العراق قبل (١٥٠) أو (٢٠٠) سنة من الحجاز فاتصلوا بعشائر (بني مالك) ، و (الاجود) ، و (بني سعيد). وكانت المنازعات بين هذه العشائر قائمة على قدم وساق. لم يهدأوا ، فتوزعوا الرئاسة فيما بينهم. وكان آل شبيب أغنياء ، وأهل حرمة ، ومنزلة فاختاروا بوجه أن تودع مشيختهم إلى أحد أفراد هذه الاسرة ، فينقادوا لها جميعا ، ويكونوا تحت امرتها. فبقيت الرئاسة في نسل هذه الاسرة يتولاها الواحد بعد الآخر ...» ا ه (١).

وأسرة آل شبيب تولت الرئاسة قبل مدة أكثر بكثير مما قدّره صاحب السياحة. وحوادثها مشهودة قبل الفتح العثماني الذي كان سنة ٩٤١ ه‍.

__________________

(١) سياحتنامهء حدود ص ٥٣ ـ ٥٤ مخطوطتي.

٢٤

وهكذا نرى الاستاذ سليمان فائق في رسالتيه يرى هذا الرأي (١) والصحيح ان هؤلاء الرؤساء ألّفوا بين عشائر المنتفق لما كان لهم من وقائع جمعتهم ومن حرمة في النفوس ومواهب عقلية فائقة. ثم تسلطوا عليهم. واستمروا حتى تمكنت الرئاسة. وقد أشار إلى ذلك صاحب سياحتنامه حدود ، والاستاذ سليمان فائق ذهب إلى ان اسم المنتفق محرف من المتفق ، وانه بسبب ايجاد الاتفاق عرفوا بهذا الاسم. وهذا غير صواب. وإنما هو سابق لهذا العهد. ويراد به الذي يدخل النفق أي (السرب) وأصله اسم جدهم (المنتفق) الذي تسمت به العشائر المتفرعة منه أو المتصلة به بجد أعلى وهكذا العشائر الملحقة بهما ...

وهذا الاجمال لا يكفي. وإنما نريد أن نعلم تاريخ امارتهم في العراق ، ونسبهم ، وسائر أحوالهم. والاقوال في هذه كثيرة. وغالبها يستند إلى السماع ، ولم يؤيد من حيث التاريخ. والمسموع يصلح تاريخا إذا كان غير مزاحم ولا معارض بنصوص سابقة.

١ ـ اتفق الكل على أن آل شبيب من الشرفاء. فهل هم من شرفاء مكة المكرمة خاصة المقطوع بنسبهم أم أنهم من (سادات المدينة). وهذا ينافي المنقول إجماعا. فمن هو الذي تفرعوا منه. وما علاقة هؤلاء الشرفاء بالعراق فهل هم الذين حكموا الحلة في أواخر أيام المغول ، وداموا إلى أيام الجلايرية وأميرهم الشريف أحمد بن رميثة ذكر ذلك في تاريخ العراق بين احتلالين

ان أمراء المنتفق هم الذين حكموا البصرة ، ثم عادوا اليها ، وانتزعتها الاميرة دوندي وابنها أويس الجلايري بعد انقراضهم من بغداد. وكان ذلك سنة ٨٢٠ ه‍ بالوجه المذكور في تاريخ العراق (ج ٣ ص ٤٣) ، وأيده صاحب الانباء. وانتزعها العثمانيون منهم. وهم من الشرفاء توصلوا إلى

__________________

(١) رسائل سليمان فائق في المنتفق. مخطوطات في خزانتي.

٢٥

الحكم بقوة التدبير ، وحسن ادارة العشائر مما رسخ قدمهم انهم ذاقوا لذة الحكم ، فصارت امارتهم تنزع إليه من أيام الشريف أحمد وجاء في كتاب الانساب للسيد ركن الدين الحسيني النسابة عن الشريف أحمد انه قدم إلى البلاد الفراتية من مكة وحكم بالحلة من العراق سبع سنين إلى أن ولي الأمر الشيخ حسن (أبو السلطان أويس) وحاربه وقتله في شهر رمضان سنة ٧٤٢ ه‍ ودفن بالمشهد الشريف المرتضوي عند عمه الشريف عبد الله في الحضرة الشريفة. والشريف عبد الله انتقل من مكة إلى العراق في زمان السلطان خدابنده وأقطعه وعقبه العراق.

ومن أقدم النصوص التي عرفناها عن إمارة البصرة ما جاء في تاريخ الجنابي :

«في سنة ٨٢٠ ه‍ ـ ١٤١٧ م ملكت ـ دوندي ـ البصرة ، وانتزعتها من مانع أمير العرب بعد حروب ، وكان استيلاء العرب عليها في عهد الجلايرية في إمارة احمد بن أويس (٧٨٤ ه‍ ـ ٨١٣ ه‍) ، وقوي أمر دوندي ، وانضم إليها جيش أحمد بأجمعه ، ثم ملكت واسطا ... ا ه.

وفي المنهل الصافي :

«ـ بعد أن فرت من بغداد ـ أقامت تندو (دوندي) بششتر ، فأقيم معها في السلطنة السلطان محمود بن شاه ولد مدة ، فدبرت عليه (تندو) ، وقتلته أيضا بعد خمس سنين (في الجنابي سنة ٨١٩ ه‍ وهو موافق لهذه البيانات) وانفردت بمملكة ششتر (تستر) ، ثم ملكت البصرة بعد حروب ، وماتت بعد انفرادها بثلاث سنين (سنة ٨٢٢ ه‍) فأقيم ابنها اويس بن شاه ولد مقامها.» ا ه.

وهنا نرى اسم مانع يظهر واضحا ، وفي صبح الاعشى نقل المكاتبات إلى عرب البحرين ، وقال عن التثقيف وقد جمع بين عرب البحرين ، وعرب البصرة وما إلى ذلك فجعلها ثلاث مراتب. ولا يهمنا ايراد التفصيلات بل نجد في هذه النصوص توضيحا زائدا. وان ظهور أمراء

٢٦

المنتفق الشبيبيين وأمراء البصرة مما يجعلنا نرى تلك العلاقة بالشرفاء لم تنقطع بل قوى اعتقادنا بما سبق لنا القول به.

وتعوزنا معرفة الصلة بالاشخاص من الطريق التاريخي وإلا فإن الشبيبيين كان لهم شأن في تاريخ البصرة والاحساء وذكرهم ابن بشر الحنبلي في كتاب عنوان المجد.

٢ ـ هؤلاء الشرفاء من السادة الحسنية وان الشريف احمد منهم. والقول بأنهم من الشرفاء لا يدع مجالا للتردد في أن هؤلاء من السادة الحسنية. والقول بأنهم من السادة الحسينية كان غير معروف. والمحفوظ أنهم أولاد الشريف حسن. ولعل هذا من ذرية أخي الشريف عبد الله أو أولاد ابن أخيه الشريف احمد فلم نقطع في واحد. وهم من آل شبيب. وان شبيبا رأس الاسرة فصار لأولاده شأن في وقائع البصرة والاحساء. والنصوص المارة تصرح انهم جاؤوا من مكة ولم نجد اشارة إلى المدينة وسادتها ولا جاء ذكر رجالها في حوادث الاحساء ولا في حوادث تاريخ العراق. فالقول بأنهم حسينية لا دليل يعضده. وان العمود الذي رتب أخيرا لا يرجع في سنده إلى أصل قديم (١) وإنما النص المنقول انهم جاؤوا من مكة.

٣ ـ ما ورد في جريدة (العالم العربي) بتاريخ ١١ ـ ١٢ ـ ١٩٣١ م وعدد ٢٣٧٨ بل المتواتر يؤيد انهم من الشرفاء. وهؤلاء حسينية. ولكن الصلة مقطوعة لبعد العهد وان شهرة شبيب غطت. وجاء تأييدها بما عرف من الحوادث التاريخية عن الشرفاء في العراق ، وما ظهر منهم أخيرا من حوادث. فإن العثمانيين استولوا على البصرة ، فانتزعوها منهم. وكانت بيدهم

__________________

(١) عمود النسب المذكور رأيته لدى الاستاذ يعقوب سركيس وهو حديث العهد. ومثله (شجرة الزيتون في نسب السعدون). وكان الشيخ عبد الله البرجس أملى علي نسبهم وبين انهم حسنية.

٢٧

إلى سنة ٨٢٠ ه‍ فانتزعتها دوندي. وبعد انقراض الجلايرية من البصرة عادت اليهم. ثم استولى العثمانيون عليها واخذوها منهم وان زعم آل راشد اخوة الرشيد من شمر لا يؤيده تاريخ بل جاء التاريخ بما يطعن بصحة هذا القول ، والاتفاق في الاسماء لا قيمة له وإنما العلاقة للمنتفق بالبصرة أكيدة ومن المؤكد ان راشدا ورد ذكره في عمود نسب آل شبيب. وفخذ الراشد منهم معلوم وان شمر لم تطرق هذه الديار في ذلك العهد ، ولم يعرف لها خبر.

واعتقد ان (آل شبيب) أسرة من الشرفاء الذين وردوا العراق أيام خدابنده واخلافه ، ولا شك أن هذا يدعو إلى الالتفات في التحقيق عن هذه الاسرة.

٤ ـ ورد في تاريخ المنتفق للرفاعي انهم سادة حسنية. وهذا أقوى دليل لما ذكرت (١) وان عبد الله البرجس أقرب إلى الاتصال بهم وهو من آل شبيب يؤكد انهم حسنية وهو من العارفين بنسب أمراء المنتفق وعدهم لي واحدا واحدا.

هذا. ويقولون ان سبب تولي الرئاسة على المنتفق ان أحد الشبيبيين قتله الاجود وكانوا نازلين على بني مالك وبجوارهم فثاروا لقتالهم وكان رئيس بني مالك ابن خصيفة ورئيس الاجود (وثال). وفي حروب وقعت بين الطرفين نزح (آل وثال). رؤساء الاجود إلى (النجف). وصار منهم علماء. وكان من آخرهم صديقنا الشيخ محمد حسن حيدر. وقد توفي رحمه الله في خريف سنة ١٩٤٤ م. ونرى ابنه السيد محمد جواد حيدر سنة ١٩٥٥ م نائبا عن المنتفق. ونتوسم فيه ان يكون قد نال مكانة والده وزيادة. ومن ذلك الحين لم يعد لآل وثال ذكر في رئاسة العشائر. وأما الاجود فإنهم انقادوا لآل شبيب. وهكذا قوي أمر هؤلاء حتى تم على جميع عشائر المنتفق

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٣ وانباء الغمر في حوادث سنة ٨٢٠ ه‍.

٢٨

وبينهم بنو مالك والاجود (١).

ولا شك ان المواهب ظهرت مقرونة بالوقائع. وتولى آل شبيب الرئاسة. وقد رويت هذه القصة بصور مختلفة. ولا يعول على مثل هذه. والقدرة برزت للعيان في وقائع المنتفق وتوالت في رجال هذه الإمارة مدة طويلة ، فكانت هذه الحكاية تصويرا لما وقع.

٥ ـ أفخاذ الإمارة في العراق معروفة من أمد بعيد. ذكرها ابن بشر الحنبلي في عنوان المجد وصاحب (كلشن خلفا). والامارة تكونت بتاريخ أقدم من هذه النصوص. حكموا المنتفق والبصرة. وشبيب بن مهنا المقصود منه انه من أولاد (مانع) الاول قبل مانع هذا. فإنه مسبوق بمانع آخر أمير العرب. وكان استولى على البصرة مدة وحاربه الجلايرية. ولم تنقطع العلاقة من أيام الشريف أحمد بن رميثة فعادوا إلى الإمارة ثم انتزع البصرة أويس الجلايري الثاني من أمير العرب مانع. وتفصيل ذلك انني كنت ذكرت في تاريخ العراق بين احتلالين (ج ٣ ص ٤٣ في حوادث سنة ٨٢٠ ه‍ ـ ١٤١٧ م) نقلا عن تاريخ الجنابي وعن المنهل الصافى ان دوندى من الجلايرية باسم أويس ملكت البصرة وانتزعتها من مانع أمير العرب ، وبهذا لم ينقطع الشرفاء عن مناضلة الجلايرية من أيام احمد بن رميثة. ومثل ذلك في الانباء وفي صبح الاعشى ، ثم عرفوا بالشبيبيين بالنسبة إلى ابن مانع أو أحد أولاده. وتقريب الحوادث بعضها من بعض يجعلنا نقطع بذلك.

تفرع اخلاف مانع الاخير إلى فروع عديدة. وهذا هو المذكور في المثل الشائع عطية «مانعية» نسبة إليه وذكره مرتضى آل نظمي في كلشن خلفا. وتفرع منه :

[فروع مانع]

(١) آل عزيز : من عزيز بن مغامس بن شبيب بن مانع. ورئيسهم بدر آل عزيز وتوفي والآن ابنه محمد. يسكنون في سوق الشيوخ وفي الهارثة.

__________________

(١) ذكرى السعدون.

٢٩

(٢) الراشد : من راشد بن بدر بن شبيب بن مانع. رئيسهم الحاج فشاخ العبد العزيز العمر في المجرة من سوق الشيوخ أيضا. ومن رؤسائهم سعود الراشد ومنهل العبد العزيز الراشد. اخوال فخامة عبد المحسن السعدون واخوانه. واعتقد انهم حكام البصرة ... والمحفوظ لا يعول عليه في ان الراشد من اخوة الرشيد من شمر وانهم غير الشبيبيين.

(٣) الصقر : من صقر بن شبيب الثاني. منهم في سوق الشيوخ.

رئيسهم ضاري الصقر وحزام الصقر وهذا توفي ومنهم من يسكن جزيرة صقر في أنحاء البصرة. رئيسهم الحاج مجيد الصقر.

(٤) آل محمد : هو محمد بن مانع بن شبيب بن مانع. وعرفوا بآل محمد. رئيسهم علي الناصر العجيل.

(٥) آل روضان : من آل محمد. وروضان بن عبد المنعم بن محمد.

ورئيسهم خالد الروضان. في سوق الشيوخ.

(٦) السعدون : من سعدون بن محمد المذكور. وهو الذي تسمى به آل سعدون. وغالب الرؤساء المتأخرين منه.

(٧) آل عثمان بن شبيب الثاني : رئيسهم سيف العثمان وتوفي. الآن ابنه حمد. وهم من أخوال فالح باشا. و (كرمة عثمان) باسم جدهم وتقع في جنوب شرقي الناصرية في جهة الشامية. وهي الآن بيد ذريته.

(٨) آل علي : وهو علي بن ثامر السعدون. استقلوا بفرعهم. و (كرمة علي) تعرف باسمه. وكان فتحها أو ملكها. قتله آل زهير في الزبير أو اتهموا بقتله.

(٩) آل نجرس : فخذ معروف بهذا الاسم من اخوة مانع. رئيسهم فهد البرغش.

(١٠) آل صالح : يتفرعون الى :

٣٠

١. السبتي : رئيسهم كطامي آل صكر السبتي. في الناصرية. اخوال سعود وعجمي السعدون.

٢. البرغش : وفخذ البرغش رئيسهم محمد الفهد البرغش.

(١١) العيسى : والشيخ عيسى والد الشيخ صالح باني قلعة صالح سنة ١٢٦٩ ه‍. رئيسهم نصار العيسى.

(١٢) الحمادة : يسكنون بين الناصرية وسوق الشيوخ ، وكانوا كثيرين. طحنتهم وقائع ايران والمنتفق أيام صادق خان الزند. أبلوا فيها ، وقهروا جيش الزند. ولم يرجع منهم إلا القليل.

تولّدت هذه الافخاذ من (بيت الرئاسة). ويعرفون ب (آل شبيب).

وكانت رئاسته محصورة فيهم ، وهم بدو في معايشهم. توالوا في الرئاسة ويفهم مكانهم من وقائعهم التاريخية ، وكانت امارتهم كبيرة عظيمة النفوذ.

وجاء ذكرهم في عشائر العرب للبسام قال :

«شيخ المنتفق الآن حمود الثامر. وهم قبائل متعددة منهم (الشبيب) ، زبدتهم ، وفي المهمات نجدتهم. ذوو الانفس الابية ، والشيم العربية ، الكماة المشهورون ، والحماة المذكورون ، باعهم في المجد طويل ، وطباعهم إلى طلب الحمد تميل. هباتهم متواصلة ، واكفهم لنيل ما رامته من المحامد واصلة. يكرمون النزيل بلا ملل ، ويطفئون الغليل مما اشتعل ، بأياد تحكي الغوادي ، وسواري منن تغيث الصوادي. شادوا مكارم الاخلاق ، وبنوا للحرب أرفع رواق».

ثم قال : والشبيبيون أربع فرق كلهم مشهورون. وهم :

١ ـ الشبيب : وهم آل محمد الذين منهم الشيخ.

٢ ـ الصقر.

٣١

٣ ـ الراشد.

٤ ـ المغامس. (هم آل عزيز)

وهؤلاء الاربع فرق ألفا خيال وثلاثة آلاف سقماني». ا ه وعدّ من اتباعهم بني منصور وبني خيقان واهل الجزائر. وما ذكره من الفرق غير مستوعب للمراد.

عادات بيت الامارة

وعادات بيت الإمارة تاريخية. تنسب إليها وتقص بعض القصص في توليدها ولا سبب إلا توالي السيطرة والقوة بحيث انقادت القبائل. وتولدت النخوة ب (اخوة نورة) وان لا ينهض الامير لكل قادم وان تقدم له الذبيحة والمنيحة وهكذا توالت في أعقابهم. وهذه بلا شك نتيجة السلطة أو التحكم ، فافرغت بقالب روائي ومضت الحالة على عشائر المنتفق. وتفصيلها في كتاب ذكرى السعدون (١).

والملحوظ ان الحوادث المدونة ترجع إلى أيام خدابنده ، ودامت إلى أيام أبي سعيد ، وفي أيام الجلايرية ثم زالت امارتهم من الحلة سنة ٧٤٢ ه‍ وتفرقوا ، ومن ثم حدث ما شاع على الالسنة بصورة مغلوطة من اخبار ماضيهم. وفي تاريخ العراق بين احتلالين ذكرنا حوادثهم ومن ولي الإمارة منهم ودونا ما استطعنا تدوينه.

__________________

(١) ذكرى السعدون ص ١٢.

٣٢

السياسة العشائرية

في المنتفق

الوقائع تلهم ، وتؤدي إلى أمر أجل أعني معرفة العلاقة بالعشائر ، وقوتها ، وسيطرة الرؤساء واتجاههم وهكذا الأمر في العشائر ورغبتها ، والتوفيق بين آمال اولئك الرؤساء. وبذلك نعلم مكانة هذه الوحدة ، ووجه اتصالها.

ولا تكفي هذه المعرفة ، وإنما نحتاج إلى الاتصال بالوقائع ، وضرورة اتصالها بالدول. أدركنا الوضع المستمر بين آمال الامراء ، وآمال العشائر ، والانسجام بينهما دون تضاد ، ولعل هذه تتجلى بهذه الالفة. يدل على ذلك بقاء الإمارة مدة طويلة في سلطتها وسطوتها في كبح الزيغ والعمل للوئام.

فإذا رأينا السلطة مستمرة في امارتها ، ورأينا قلة الشموس في العشائر علمنا مراعاة المصلحة للاثنين ، والسيطرة المستمدة من الوضع أو كما يقال المستبدة ولكنها ليست بالقاسية. وإنما هي لخدمة تلك المصلحة. التناصر مشهود وغير منفك من جانب. وبذلك تكتسب العشائر الراحة بمن سهر لأمرها ، وناضل لصلاحها.

ويصعب ادراك قيمة هذه الإمارة بالنظرة البسيطة او الخاطفة ، ولكن في هذه الحالة تبدو هذه القيمة واضحة جدا. والتوغل في الوقائع وادراك كنهها يكشف عن المعرفة بوضوح زائد ، فلا يبقى خفاء في القدرة أو حسن

٣٣

الادارة كما أن العشائر في طاعتها واذعانها أمر أغرب ، بل جدير بالاهتمام فكيف تمكنت هذه الادارة من الاستمرار؟ وما هو سر بقائها مع اختلاف الآمال واضطراب بعض الحالات؟

ان مثل هذه الاوضاع تبدو في النزاع على الامارة ، والطموح في الامراء ، أو في بروز القدرة بموهبة جبارة ، لما يشاهد من خلل طارئ. فيدرك رجال الإمارة الحالة فتحصل السياسة القويمة حتى يتم الامر ، وتعود الحالة إلى ما كانت عليه.

وفي علاقات الدولة بهذه الإمارة وسياستها العشائرية أكبر داع إلى الالتفات ، فالدولة تجابه قوة الإمارة بعشائرها استنادا إلى قوتها وتظن أنها تنال من العشائر مأربا لتفريط الوحدة فيها بسهولة إلا أنها لا تلبث كثيرا حتى تشعر بالخطر ، فيعقبه الخذلان مقرونا تارة بهزيمة ، وطورا بما يقوله المثل البدوي «هزعة ولا وكعة» فتتخذ وسيلة لحل الحادث من اقرب وجه ، وأجدر تدبير.

ونرى الدولة تستغل الخلاف في الامارة ، والنزاع بين الامراء من (بيت الرئاسة) فتميل إلى تقوية جانب يتخذ ذريعة للتدخل ، وهيهات! وفي مثل هذا قد تكون المخذولية أكبر ، بحيث تتمكن الإمارة وهكذا يستفاد من وقائع عديدة اتصالات الدولة في استغلال قوتها لحادث من الحوادث.

ومن أجل ما هنالك حادث ايران في الاستيلاء على البصرة أيام صادق خان في الدولة الزندية وما لقوا من حروب المنتفق. وهكذا حروب المنتفق أيام مغامس أو (حروب البصرة) قبل ذلك وأمر الاستيلاء عليها. ومثل ذلك (سياسة الموالي) تجاه هذه الحوادث واستغلال الوضع. وكذا حروب ابن سعود.

ومن ثم تظهر قوة الإمارة في مقارعاتها وصلاتها بالخارج ، وما تنال من نفوس المنتفق. وهذه علاقات خارجية مهمة. ولا نريد أن نسرد

٣٤

الحوادث. ففي التاريخ سعة.

ولعل حوادث العلاقات بنجد غير بعيدة منا. وكان المسيّر لها الدولة العثمانية بسبب النزاع المباشر واستغلالا لما كان يقع بين إمارة آل سعود والمنتفق أو آل السعدون أمراء المنتفق. وان بحثها يطول في علاقتها بابن سعود ومقدار تمكن هذه الحوادث في حربها وسلمها ، وفي هدوئها وثورتها ، وفي كل أمر من أمورها مما يسوق إلى المعرفة الحقة ، ويميط اللثام عن السياسة العشائرية من وجوهها الخارجية نحو العثمانيين ، ونحو ايران ، والموالي وابن سعود ... وفيها ما يبصر بالحالة نوعا.

والحوادث دليل النشاط ، وظاهرة القدرة تنجلي في ربحها أو خذلانها. وفي كلها يتبين لنا (تاريخ الامارة) سياسيا كما ان حياة العشائر تظهر في ظل هذه الامارة ، وفي صلاتها بالخارج. وربما كانت في هذه تبدو (الصلات العشائرية) للمجاورين ، والالفة أو النفرة بينها.

وفى هذه ما يسوق إلى المعرفة التامة. فإن حالة الالفة ، واوضاع الخلاف كل هذا يبصر بالمراد قطعا. ولا شك ان الأمر أجل من أن يهمل مثل هذه الوقائع ، وحياة المجاورين تتعين في العلاقة بهذه الامارة.

ولا يهمل ما وقع من تدابير متخذة لأمر فل القوة أو جعلها بحالة ضعيفة لا تستطيع مقاومة الحكومة أو الدولة في تدابير القضاء على امارتها باقتطاع أجزاء منها من جهة البصرة ، ومن أنحاء العمارة ، ومن أطراف السماوة لفصل سلطة بعض العشائر. وحوادث ذلك تدعو إلى ما ينبه على السياسة المتبعة. أو ما اتخذته هذه الإمارة من تدابير لدرء الخطر الذي شعرت به ، وفي كل هذه تدهشنا ناحية مهمة وهي ان العشائر لم تنفصل عن الامارة ، وإنما ناضلت معها نضال المستميت ودافعت دفاع الابطال ...

وعلى كل حال نرى في الحوادث ما يبصر بوجه عام بتاريخ العشائر وتاريخ الإمارة وصلاتها بالدولة والحكومة وبمجاوريها فلا نعجل بالامر ،

٣٥

ولعل في هذه ما يعين حياة العشائر في رئاستها وامارتها ، وفي أصل حياتها. ومن أجل ما هنالك كيفية ادارة هذه الإمارة داخلا وخارجا ولو بوجه الاجمال ، مما يؤدي إلى المعرفة الحقة ، والوقائع تكشف أكثر. وكلما توغلنا في معرفة هذه الوقائع الهمتنا السياسات المختلفة لهذه الإمارة في مختلف عصورها ... إلا أن الحوادث الاخيرة أقرب الينا واولى بالدراسة بترجيح(١).

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين في جميع مجلداته. وفي السابع والثامن ما يوضح اكثر.

٣٦

عشائر المنتفق

هذه قوام الإمارة وظهورها بمجموعات كبيرة منها يتكون اللواء المعروف ب (لواء المنتفق). كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق ، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها ، أشتغلت الحكومة كثيرا بل أذاقت السلطة الحاكمة العطب. لم تذعن لضيم. وقدرة امارتها ظهرت في حسن ادارتها ، والطاعة المطلوبة من العشائر مقرونة بالاذعان الصادق. وفي نفرة الاجنبي مشهودة في ما جرت من حروب. حاولت مرارا أن تكون صاحبة الأمر فتتمكن من ازالة السيطرة وتيسر لها ذلك أحيانا ، فاستمرت بين قوة وضعف ، فهى بين ادارة مستقلة ، أو إذعان رسمي ، أو انقياد وقتي وربما دام مدة.

وحالة المنتفق المشهودة في مختلف ايام حياتها خير مثال تاريخي يعين الاوضاع والنفسيات في حب الاستقلال والنضال عنه ، والذب عن حريمه. والمهم أن المنتفق ناضلوا نضالا باهرا طوال العهد العثماني. ولو كانوا تسلحوا بالاسلحة الجديدة لحالوا دون آمال الدولة. بل أكسبتها الحوادث المتوالية خبرة ، والظروف القاسية تجربة فكم وال خذل ، ورجع بالخيبة ، وكانت تعقد عليه الآمال. وتاريخ المنتفق صفحة كاشفة لسياسة العشائر في العراق تجلت بأظهر أوضاعها. وفيها دراسة عميقة وافية لنفسيات هذه العشائر. وما بلغته.

وعشائر المنتفق من حيث العموم (عدنانية). سكنت العراق من القديم

٣٧

توالى ورودها ، وتكاملت وكأن جزيرة العرب مالت إلى أنحاء العراق ، وجدتها مفتحة الابواب. ويتخلل هذه عشائر قحطانية من زبيدية وحميرية عاشت معها ، واكتسبت أوضاعها إلا أن الأكثرية الساحقة عدنانية. ويطلق عليها (عشائر المنتفق).

وأصل المنتفق اسم جد ومعناه الداخل في النفق تسمت به العشائر المتفرعة عنه. والمنتفق هو ابن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة (١) وهو جد عشائر المنتفق أو تتصل به بقربى ووشائج ... وربما اتصلت بالمكان واشتركت بالدم والمصيبة فصارت بعض العشائر داخلة في عدادها وان كانت ليست منها. ومن ثم صار المنتفق يطلق على من حل اللواء. وكذا صار يقال لنفس اللواء (المنتفق).

وكان المؤرخ المولوي قد وصفها بالنظر لاوضاعها في أوائل المائة الثانية عشرة للهجرة وما قبل ذلك فقال :

«ان عربان المنتفق أصل الفتن والاضطرابات في بغداد والبصرة. فهم جمرة الحرب ، وأشجع العربان ، ومنشأ القلاقل ... في رؤوسهم المغافر ، وعلى أبدانهم الدروع الذهبية ، وان خمسة عشر منهم يقابلون ألفا ، اعتادوا الرمي بالقوس على ظهور الخيل ، يلعبون برماحهم في الهيجاء بصورة لا مثيل لها. وفرسانهم نحو أربعة آلاف. فكل واحد منهم بألف. أما طيىء والموالي فهم بالنسبة اليهم كل شيء وقوة ظهرهم الشيخ مانع ، به يصولون ويجولون. وعلى قلتهم لا يوازيهم أحد. فالفارس منهم يهاجم الصفوف دون مبالاة ...» اه(٢).

وعشائر اللواء كلها تحت سلطة (المنتفق) ولكنها لم تكن جميعها من

__________________

(١) لسان العرب ج ١٢ ص ٢٣٨ ، وتاج العروس ج ٧ ص ٨٠ ، واشتقاق الانساب ص ١٢٢.

(٢) (قويم الفرج بعد الشدة) ليوسف عزيز المولوي مخطوط عندي.

٣٨

عشائر المنتفق. وإنما هي عشائر مختلفة بينها ما هو من المنتفق وبينها ما هو من غيرها. وان الكثرة الموجودة في الالوية المجاورة مثل لواء الديوانية ولواء العمارة ولواء البصرة تعتبر منهم نظرا لما اقتطع من اللواء وألحق بالالوية المجاورة. والملحوظ أن الاجنبي يعدها بالنظر لمواطنها ، ولا يهمه أن تذكر الافخاذ مستقلة عن العشيرة. كما أورد ما هو من العشائر الزبيدية والحميرية ضمن هذه المجموعة. وبينها ما هو من ربيعة إلا أنه ذكر بين عشائر المنتفق.

واذا كان صاحب (سياحتنامهء حدود) عد أنها مختلطة بعشائر ليست منها فإنه لم يفرق بين هذه وبينها. وأوضح أن عشائر ألبو محمد من أم الجمل إلى قرية العزير (ع) كانت تعد تابعة لبني لام. وفي أيام داود باشا صارت تابعة قسما للمنتفق ، وما كان فوق أم الجمل صار تابعا لبني لام. ولم يلتفت إلى ان التقسيمات الادارية لا تجعلها تابعة إلا اسما في حين أنها من العشائر الزبيدية كما أنها تنطوي تحتها عشائر كثيرة ليست منها ولا تمت إليها بصلة نسب والاضطراب ظاهر في بيان أصل عشائر المنتفق.

وهنا يهمنا بيان العشائر الأصلية وما يمت إليها بقربى من العشائر الاخرى أو العشائر الملحقة. ومن ثم يزول ما حصل من ابهام نوعا. ولا يزال الأمر يحتاج إلى تحقيق والاكتفاء بذكر الحالة التي هم عليها دون بيان أنسابها وأصولها مع بيان ما هو خارج عنها نقص في التحقيق.

والكل ـ ما عدا القحطانية ـ يمت إلى نجار واحد ، وتجمعهم القربى. ومن ثم توسع القوم في لفظ (المنتفق) فأطلق على الكل ممن يتصل بهم وان لم يكن منهم أو يتصل بجد واحد. وصار يطلق على محل نفوذ المنتفق وسطوتهم. والتلازم بين العشائر والارضين غير منفك. وقد مر بنا معنى المنتفق.

وما جاء في رسالة (خبر صحيح) من ان مدلول المنتفق بدأ بالشبيبيين فغير وجيه ولا يأتلف والمعروف قديما. قال ساقوهم إلى الاتفاق فصار المتفق. ثم زيدت فيه (نون) فقيل المنتفق وهذا خلاف ما هو معروف

٣٩

تاريخيا وليس بصواب قطعا (١) وفي هذا تابع صاحب (سياحتنامهء حدود) وان لم يصرح باسمه (٢).

جاء في (سياحتنامهء حدود) أن عشائر المنتفق منهم من أصل المنتفق ، ومنهم تابعون لهم ولم يتمكن من الاتصال بخبير يكشف عن تفصيل أحوالهم فكتب عن أشهر العشائر ولم يدخل في التفرعات فذكر أقسامهم الثلاثة (٣). والملحوظ ان المنتفق كان أوسع مما عليه اللواء في هذه الايام.

وفى عشائر البسام عد من العشائر الملحقة :

١ ـ بني منصور.

٢ ـ بني خيقان.

٣ ـ أهل الجزائر (٤).

ولا يزال الاضطراب باديا من كتاب كثيرين في أصل العشائر والعشائر الأخر التابعة. والعشائر الاصلية :

بنو مالك

لواء المنتفق عشائري ، وإن بلدانه حديثة العهد. لم تكن طبيعية في تقسيماتها الادارية لتعيين مواطن العشائر بصورة ثابتة. وإنما كانت أيام الإمارة وعلاقاتها بالحكومة. وبنو مالك في مركز اللواء وفي سوق الشيوخ وفي البصرة وفي القرنة وفي ناحية ألبو صالح التابعة لمركز اللواء (الناصرية) وفي مواطن أخرى في لواء الديوانية ولواء الحلة ، وفي الحويزة.

__________________

(١) خبر صحيح المخطوطة للاستاذ سليمان فائق ابن الحاج طالب كهية.

(٢) (سياحتنامهء حدود) ص ٥٣ ـ ٥٤.

(٣) (سياحتنامهء حدود) ص ٤٥.

(٤) الدرر المفاخر في العرب الاوائل والاواخر.

٤٠