موسوعة عشائر العراق - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٧

منهم علماء مثل المرحوم عبد الوهاب البدري وأولاده الدكتور عبد اللطيف البدري الجراح المعروف وأخوه طبيب الأسنان علي البدري ، والأستاذ عبد الملك البدري. والصحافي عبد الغفور البدري. رئيسهم الآن كان موظفا وصحافيا وهو صديقنا. علمت ذلك منه ومن الأستاذ السيد صفاء البدري.

أعمام السوامرة :

١ ـ ألبو مليس :

«قبيلة رئيسها عبد الوهاب ابن الشيخ عباس. والقسم الأعظم منهم يسكنون سامراء ، وفيهم عدد قليل يقطن في أراضي العيث. ومهنتهم تربية الأغنام وسائر الأنعام والمتاجرة بأصوافها. ويدّعون أنهم سادة (قريشية) ..» (١).

والمشهور أنهم سادة يسكنون في أراضي الشكرة (الشقراء). ونخوتهم (أولاد هاشم). رئيسهم عبد الوهاب الشيخ عباس وبوفاته آلت الرئاسة إلى ابنه حميد وعبد بن محمد بن غلام. وفروعهم :

١ ـ ألبو جاسم. منهم الشيخ عبد الوهاب الشيخ عباس.

٢ ـ ألبو خليل. رئيسهم الحاج عويد.

٣ ـ ألبو نعامة.

٤ ـ ألبو ديز.

٥ ـ ألبو جميل.

٢ ـ ألبو عظيم :

(ورد اسم رئيسها حسين الكريم وليس بصواب. وإنما هو رئيس

__________________

(١) لغة العرب ج ٢ ص ١٢٦.

٣٢١

البو عيسى). كلهم زراع. يقطنون شرقي مخيم ألبو عيسى. بيوتهم في الأراضي المقابلة لسامراء (١). رئيسهم نجم الزيدان.

٣ ـ العشاعشة :

من سكان سامراء. ومنهم من يسكن خارج المدينة في أراضي الشكرة ورئيسهم السيد فاضل العباس الياسين. ومنهم ألبو خوجة ، وألبو جونة. رئيسهم محمد العباس الجمعة الجونة. ويمتون بصلة إلى ألبو أسود. وهم مختلطون.

٤ ـ ألبو عبد الرحمن :

من السوامرة. ولم نتمكن من إرجاعهم إلى عشيرة من عشائر سامراء. يرأسهم الحاج جاسم الحاج محمد ، ويحيى السالم. وعشيرتهم ليست بالكبيرة.

هذا. ونتحاشى من طعن بمن يدعي السادة. والناس مأمونون على أنسابهم. والعمل الصالح خير سلاح يركن إليه المسلم. وفي القضاء عشائر أخرى لم تكن من العشائر العلوية. وموضوعنا (السادة). ومر بنا ذكر الآخرين في موطن غير هذا.

__________________

(١) لغة العرب ج ٢ ص ١٢٨.

٣٢٢

العشائر المتحيرة

العشائر المختلف في نسبها لا تعد متحيرة. وإنما تعتبر العشائر المجهولة النسب أو التي لا يعرف أصلها. وقل ما هو من هذا القبيل. وغالبا ما ينسب إلى الموطن هذا شأنه ولكننا نعلم انتساب عدد من هؤلاء.

أما الصليب فإنهم بلا شك من العرب تناسوا أصلهم أو نسوه وفقدت الوحدة بينهم ، فهم من عشائر قديمة طحنتها الحوادث ، فصاروا يخشون من التصريح حتى جهل. ومع هذا لا يخلون من انتساب إلى عشيرة.

وهذه بعض العشائر المتحيرة على قول :

١ ـ الضوايع :

لعل لاسمها دخل في ذلك ولها نصيب منه. وتدعي أنها من بني تميم. وعشائر كثيرة تدعي الانتساب إلى تميم لكثرتها وانتشارها. ويحكى أن رجلا اسمه (محمد) هرب من رؤساء المصالحة من بني تميم فسمي (ضائعا) فلحق ذريته اسم (الضوايع).

ويقال إنه تزوج من بنت محمد الشطي من الدفافعة فمن أولاده منها :

١ ـ حاجم. ومنه تكون فرع (الحواجم).

٢ ـ سلطان. ومنه صار (السلاطنة).

٣ ـ حمدان. ومنه (الحمادنة).

٣٢٣

٤ ـ ازويد. ومنه (الزويدات).

٥ ـ سبع. ومنه (السبيعات).

ونخوتهم (أخوة حمدة).

وآخرون لا نقطع في أنهم من العشائر المتحيرة وإن كانوا يعدون منها مروا في هذا المجلد والذي قبله.

٣٢٤

الأحوال العامة

١ ـ السياسة العشائرية

إذا كنا علمنا سياسة كل عشيرة بانتزاعها من وقائعها ، فلا شك أننا من هذه السياسات الخاصة ندرك الإدارة العامة. وكلما توغلنا في الاتصال بالوقائع زاد علمنا أكثر. ولا تزال السياسة مكتومة ، ولا تكشف عنها إلا الحوادث ، وتختلف بالنظر للأوضاع التي تتوالى عليها.

فالرئاسة العامة مثلا كان لها الأثر الفعّال في حياة العشائر. ومنها ومن الاتصال بالحوادث تعرف المكانة. وفي هذه الأيام زالت الرئاسة أو سارت إلى الزوال وصارت العشائر أقرب إلى الاتصال بالموطن. وما ذلك إلا لإحلال الوحدات الإدارية محلها. وهذه تابعة لقوة الإدارة وتمكنها من السيطرة أو العكس.

وصار الأمل قويا في الاستقرار وتكوين الحضارة بانكشاف المواهب وظهور الرئاسة الخاصة أو علاقتها بالوحدة الإدارية ، وبالتوجيه الحق ، وأن يتجلى حب الوطن والذود عن حوزة المملكة. ويترتب على هذا تحديد سلطة الرؤساء وتعيين موقفهم في العلاقات بينهم وبين عشيرتهم بلا ضرر ولا ضرار.

كان يحسب للعشائر والإمارات قوتها في الإدارة. وغالب حوادث العراق ناجمة من جراء صلتها بالإدارة. وصارت اليوم في جدال عنيف بين

٣٢٥

الرؤساء وعشائرهم في تقليل المعهود ، أو النزاع في الأراضي. ولا تزال المناهج مضطربة. وتعد من المشاكل البارزة للعيان. وإذا كانت الرئاسة شعرت بتبدل الحالة فقد حاولت الاستئثار بالأرضين تعويضا لما فقدت ، أو أن يقلل معهودها فيه. وهذا تابع لقدرة السلطة وضعفها. فأرادت أن تعوض ما فقدت من الرئاسة أو شعرت به من زوالها ، فاغتنمت الفرصة. والعشيرة تعتقد أن الأراضي ملكها ولم تكن ملك الرؤساء. ويؤيدها تاريخ كل عشيرة أو تاريخ العشائر بوجه عام. وكذا الاستثمار المشهود بانتفاع الفلاحين.

والمطلوب حل المشكلة بالوجه الصحيح وبلا ضرر ولا ضرار. فالعلاقة معروفة للجانبين معا. والاعتدال في الحل ضروري. وقد سبق أن ذكرت ذلك في المجلد السابق. وخير طريقة تحديد المعهود بلا إجحاف بجانب.

وجل أملنا أن تعرف الأوضاع القديمة بصفحاتها ، ويستفاد من الحوادث السابقة ، وينظر في وجوه الحل ، ويتبصر في الأمر. وكل غلطة تتوالى أخطارها. والأصل إدراك الحالة ، واستخلاص ما هو الجدير بالأخذ.

ومن ثم تظهر القدرة في إدارة العشائر ، وتتبين السياسة الحكيمة.

وأمر آخر من مشاكلنا السياسية هو أن الوحدات الإدارية لا تمثل المجموع العشائري وإنما نرى المهمة فيه أن تفكك الوحدة العشائرية لأسباب قد زالت اليوم فمن اللازم إيجاد الوحدة الحقة ، وتوجهها نحو التعاون ، فقد زال الخوف من ثورة العشائر أو تشويش أمرها ... فلم يبق محل لمراعاة التفكك. والمهم إعادة التعاون بتوجيهه للصلاح. فهو الطريق الاجتماعي. ومن أهم ما هنالك التعاون الثقافي والاقتصادي. والتلازم لا ينكر. ومن ثم النظر في التشكيلات الإدارية. والإصلاح القليل يوجه نحو الفلاح. والتقسيمات الإدارية للوحدات كان مبناها التخوف من وحدة

٣٢٦

العشيرة أو العشائر والآن زالت ، ولكن حلت محلها مناطق الانتخاب ...!

٢ ـ أنساب العشائر

العرب يراعون الجار ، والنزيل. وكذا يعدون المولى منهم أي كأحدهم لا أن يعتبر نسبه كنسبهم ويقولون (مولى القوم منهم) أي حكمه حكمهم.

ويعبّرون عنه بقولهم فلان من بجيلة مثلا (مولاهم). وهذه الكلمة تقرن باسم عشيرة فيقال (قيس مولاهم) أو (بجلي مولاهم) أو (هاشمي مولاهم) ... ولم نعرف إلحاقا بنسب إلا أن يكون قد اعترف الرجل بأن (فلانا ابنه) وليس له أب ليعتبر ابنه. وهذا أمر شرعي. وله قيمته في النبوة. والمقر له بالنسب على الغير لا يعتبر ابنا لذلك الغير كأن يقول (فلان أخي) فلا يثبت نسبه من أبيه. وإنما يراعى مقدار اعترافه. وليس (التبني) بنوّة حقيقية.

ولا يعرف العرب الخارج عن العشيرة معدودا منها بوجه. وإنما يصح أن يكون حلفا أو نزيلا أو جارا. ويصح أن يكون تابعا أو مشاركا للعشيرة (بالدم والمصيبة) أو (بالراية) وهي اتفاق حربي ومثل هذه نتيجة عهود أو اختلاط وسكنى فتشترك في (الصيحة) ولا يجعل للمرء حقا بحيث يعد من العشيرة. فلا اندماج بحيث لا يفرق في النسب. وكل عشيرة يعرف بالتحقيق العميق إرجاع ما كان خارجا عنها إلى أصله. ولا قيمة للمكاتبة. وإنما نعرف (الرقيق المكاتب) بالوجه الشرعي.

وهذا مشاهد في عشائر المنتفق ، والعشائر العدنانية جمعاء كما عرف في العشائر الزبيدية والطائية أو القحطانية. فإذا كان الاختلاط مشهودا فمن السهل إرجاع كل ما كان دخيلا في فخذ أو عشيرة إلى أصله فيعاد إليه. والأمثلة كثيرة. ومنها ما مرت الإشارة إليه.

وينبغي أن لا نكتفي بأقوال الرؤساء فإن هؤلاء تغلب عليهم السياسة ،

٣٢٧

فلا يريدون أن يفرقوا بل إن الفخذ الخارج يقول أنا من عشيرة كذا ، أو أن العشيرة تعرفه خارجا عنها. وليس في هذا سبّة. وإنما يحافظ هو على أصله ، وتحفظ له العشيرة ذلك فلا ينسى ... وهذا لم يمنع التفادي في حب العشيرة التي عاش فيها والمشاركة معها في الدم والمصيبة أو (الصيحة) ، ولكن ذلك لا يؤدي إلى اختلاط النسب. وأسباب الاختلاط كثيرة منها قدم السكنى ، والزواج والمصاهرة ، واللجوء لضرورة رآها مما يهدد حياته أو يجعلها في خطر ... أو هناك مصلحة قاهرة ... والاختلاط لا يكون امتزاجا بالدم.

وهذا ما نعرفه. ولا نعلم غيره. وجل ما نقول (ملحق) أو (تبع) أو (مساكن) أو (نزيل) ... ونحن بوضع تاريخي فلا نخرم قواعد جرت في أنساب العشائر ، ومن المشهود أن بعض المختلطين قد يتولون رئاسة العشيرة لما ظهرت لهم من مواهب ومر بنا أمثلة ذلك. وإلا فالعشائر لا يزالون على الاحتفاظ بالنسب. وإذا كان من المحتمل أن ينسى الملحق أو التبع فيعد من العشيرة فهذا بعد أن نسي أمره وعد من أصل العشيرة فمن أين حصل لنا الدليل على أنه ملحق أو ليس بأصل ومثل هذه كل ما يقال فيها (تخرصات). والحكم للأمر الثابت. والدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال.

هذا. والطارقة ، أو الراية ، والصيحة ، أو المشاركة بالدم والمصيبة كل هذه لا تدل على اتحاد نسب وإنما هو الاتفاق والتضامن على درء العدو المشترك ...

ويعين أصل العشائر (أنسابها) ، وتاريخها ، ومحفوظاتها المتوالية المتناقلة وغالب هذا مما لا يشتبه فيه أو لا يداخله ريب في غالب حالاته. وتاريخ العشيرة محفوظ في الغالب أو مدوّن في وقائعها. وقلّت العشائر المتحيرة أو تكاد تكون مفقودة ، وإيجاد احتمالات في أصولها مما لا يوزن بميزان علمي.

٣٢٨

والرؤساء ورجال العشيرة يعرفون انتسابهم ، والمختلطون يعرفون أصلهم والأسباب التي دعت إلى الكتمان قد تزول بزوال أثره.

وتهمنا الإشارة هنا إلى أن الأفخاذ والبطون أو العمائر أو العشائر والقبائل أو الإمارات مما يجب الاحتفاظ بمصطلحاتها. ولا معنى لتبديل هذه ولا فائدة في ذلك. و (الحمولة) تطلق على بيت الرئاسة ، أو البيت ذي المكانة كأن يقال فلان من حمولة طيبة أي فخذ غير مطعون به. أو من بيت الرئاسة. إلا أننا نرى في بعض المواطن إطلاقه على ما تكوّن من بطن أي عدة أفخاذ. وهذا قليل.

ولا فائدة لنا في تغيير المصطلح أو تبديله. وأصل (البيت) وتكوّنه وتولد الأفخاذ منه ، ثم (الفرع الأعلى) أو (الفرق) أو البطون ، و (العشائر) ، و (القبائل) من الأمور المشهودة. وتتعاظم (العشائر) حتى تتكون منها (الإمارة). وهذا جاء على اطراد. وقد يسمى ب (البيت) ، ويتقدمه (البو) أو (آلبو). وربما لازمه هذا ولو كان تولد منه فروع تالية ...

ومر بنا مصطلح القحطانيين. وفي هذا مصطلح العدنانيين. والتفاوت يسير ، ويفهم مما عرف من تفرعات ...

٣ ـ المجتمع الريفي

من ظواهر المجتمع الريفي حروبه وسياسته وسائر أحواله. فإنه يدقق من نواح عديدة من تلك الظواهر وغيرها. ويتناول العقيدة ، والأفراح ، والأحزان ، وعرف العشائر وهكذا الأموال والممتلكات والمساكن وسائر ما يرتبط بعيشته وحياته وأسرته ... ودامت العلاقة بهذه غير منفكة عنها ولا عن الأرضين أو الغرس ... ومثل ذلك القنص والصيد ، والثقافة ...

ولا تختلف هذه عما في البدواة وما في العشائر الزبيدية والقحطانية إلا في الكم وبعض الكيف وللمواطن علاقة في التكييف والتبديل. فإذا كانت سكنى البادية مقصورة على الخيام ، فإن الأكواخ ، والصرائف والجبايش لا

٣٢٩

تفترق كثيرا إلا في الاستقرار وعدمه. فالاستقرار من خصائص الأرياف. وللمواطن دخل كبير في وضع البيوت. وزاد في ذلك الغرس فكان خطوة كبيرة لها أثرها الفعّال. ولعل اللباس لا يختلف إلا بالنظر للحالة التي عليها أهل الأرياف وهي متقاربة نوعا. وفيها بعض التفاوت أحيانا. ولا شك أن التصوير يمثله بأوضح ما يمكن لتفاوت الطبقات.

والعقيدة إسلامية. ليس في الأرياف غيرها. وهذه تختلف عن عقائد أهل البادية فإنها أكثر تعقيدا. ويؤمل أن تلقن العقيدة إلى هؤلاء بأبسط أوضاعها وأحكمها. فلا تخرج عن ذلك وإلا كان نصيبها الخذلان ، والمهم أن تنحى عنها الخرافات ، وما من شأنه أن يفسد صفوتها. وبذلك يحق أن نقول إن للأرياف عقيدة. وحالتهم اليوم سيئة لا يعرفون من دينهم ولا عقائدهم إلا بعض المظاهر فالجهل مستول عليهم. وتدارك الأمر سهل. بأن يدربوا ويلقنوا أصول العقيدة ، وأركان الإسلام. فإذا تمكنا من تعليم هذه بأقل ما تجوز به ، فحينئذ من السهل التوسع دون توغل. وهكذا التعويد على العبادات ومن لوازمها النظافة ، وترتيب الحياة الاجتماعية. وبين هذه ما يوجه توجيها لائقا ...

ولعل التبدل مشهود في توسع العرفة ويدعو إلى زوال خرافات كثيرة ومن المهم أن تكون العقيدة بمقدار الحاجة ، وأن تكون العبادة أداة نافعة في الإذعان للقدرة الإلهية ، ووسيلة للحياة الاجتماعية ، ومراعاة الصحة العامة. وأهم وسائلها تلقين أن النظافة من الإيمان ، وأن العبادة إذعان للباري تعالى ، وانقياد للعظمة الإلهية.

وكل ما يشاهد في الأرياف يحتاج إلى توجيه وتنظيم ليكون أداة صلاح ، وتدريبا لخير الأعمال. والمعاكسة لا تثمر. وقد سبق أن تكلمنا في المجلد السابق على لزوم توجيه المجتمع نحو الوجهة الصالحة وحسن المعاملة مع الناس استفادة مما هو معلوم في المجتمع ... ومهمة الاجتماعي استغلال الأوضاع للتوجيه الحق.

٣٣٠

٤ ـ الزراعة

التنقل من حالة البداوة إلى الأرياف خطوة محمودة نحو الحضارة بل إن الأرياف من مسهلات المعيشة في المدن والتعود أو التقرب إلى حياتها. ولولاها لضاقت بالناس احتياجاتهم المدنية فهي من مقومات الحضارة إلا أن البداوة في حركتها إلى الأرياف تقلل من عجرفة البداوة أو وحشتها ، والزراعة من أهل وسائل الأرياف في معايشها وحياتها. ويغلب عليها التأثير على الحياة العامة. فهي أصل الحياة الاجتماعية. وبذلك تكون قد قلّلت من الخشونة لما توفر لها من رزق من طريقه المشروع ... فارتبطت بأرض ، أو أنها عاشت في نطاق معين مهما كانت رقعته واسعة. والأرض في وضعها تلهم الحياة الاجتماعية والفردية. ونرى الحياة الزراعية أقرب للبداوة فلا ينفر منها البدوي. وإنما توافق مألوفه وتلتئم نوعا وحياته.

يبذل البدو جهودا جبّارة ومخاطرات للحصول على العيش ولا يكون إلا بعناء وشظف. يجتزي بالقليل عن الكثير. وفي ميله إلى الأرياف يحصل على ما يسد حاجته ، ويزيد بما يزرعه دخله أو ما تنتجه أرضه ، أما ما يربيه من نعم وشاء مما هو صالح لنفعه. فيقوم بالإنتاج النباتي والحيواني. وحاجة المدن إليه تسهل الأمر ، وتدعو إلى تبادل المنافع لقوام هذه الحياة. وتكون علاقته بالمجتمع كبيرة ومتصلة اتصالا وثيقا.

كان يترقب الفرصة فتهيأت له ، واغتنم وجود خلل في الأرياف أو اختلالا في وضعها ، أو أنه كان عن تدافع ونضال حتى ربح المعركة ، فحل محل مناوئه ، وصار يتفق مع هذا أو ذاك لبقائه وبقاء من يستعين به. وربما استعان به الضعيف فأفسح له المجال. وحوادث كثيرة مشاهدة من جوائح وطواعين أو حروب طاحنة تدعو إلى الجلاء. وحالات تاريخية عديدة أدت إلى هذا التنقل والتحول حتى اكتسب صفة أهل الأرياف. ولا يتأتى له بسهولة أن يسلك هذه الحياة ، ويراعي تلك المعيشة. وربما طال التدافع جيلا أو جيلين ليألف تلك الحياة ، أو يتقرب منها.

٣٣١

وربما استعان بأهل المعرفة بالزراعة فشاركهم ، وصار يتقرب إلى حالاتهم ليكون كأحدهم. ولا شك أن الخطوة الأولى ترضى بالمراقبة ، واستخدام الآخرين ، وأن يتدرب حتى يزرع. ويعرف طريق تربية الحيوانات الأهلية مما لم يكن ألفه سابقا. يترك رويدا رويدا مقتنيات البادية ، وربما غرس الغرس أو سار في الزراعة مدة ثم انتقل إلى موطن ألصق به وهو الغرس. وفي هذا يكون كأهل المدن لا يتزحزح من مكانه ، ولا يبرح منزله.

والغرس والزرع من أوضح صفات الأرياف إلا أن الميل إلى الزرع أقرب للبدوي كما أن الريفي يتطلّع إلى الغرس وهو أقرب إليه. ولعله خطوة كبيرة نحو الحضارة. وأجل خطوة لاتخاذ القرية ، أو القرى. وحياة الزرع تتناول أنواع المزروعات من ذرة ودخن وشعير وحنطة ورز وقطن وسمسم وخضر عديدة.

وهذه المزروعات بعضها أوفر من غيرها في بعض المواطن ، فنرى الأهلين يتعاطون ما يوافق رغبتهم ، ويؤدي إلى منتوج زائد من تربتهم. فيحصل المطلوب. وبعض المواطن لا تعرف إلا بعض المزروعات دون الأخرى. فنرى (زراعة الشلب) أكثر في بعض المواطن. وفي البعض الآخر الحنطة. وفي بعضها الذرة أو الدخن ، أو الشعير ... وكلها تابعة لطبيعة الأرضين ...

وفي الزراعة تعاملات تتعلق بأصل الزرع ، وروابط تجارية لا تحصى من التعاملات أو العقود الزراعية والمعاملات التجارية. ولعل في هذه ما يبصر بحالة الزراع والمتعادين منهم فينجلي وجه ذلك بصورة صحيحة.

والتعاملات الزراعية كثيرة. فإن جماعات تقوم بالزرع. ولكل جماعة (جوق) أو سركال أو رئيس عرف معلوم. وهذا اتفاق زراعي لا علاقة له بالقرب والبعد بين أفراد العشيرة الواحدة. وإنما هو ائتلاف طبع بين المتزراعين وقد يكون أقرب لبعضهم. والمشهود في هذه الحالة الطاعة

٣٣٢

للرئيس أو المقدم الذي يتولى إدارة الشعبة الزراعية. ليقوم كل بما ترتب عليه من واجب.

وما يحصل يقسم بين الفلاحين وبين الملاك أو صاحب الأرض. ويوضح هذا أن الجوق يقاسم الملاك بالنصف أو ما ماثل كالثلث ويعتبر حقا للأرض. وقد يكون حق الأرض لرئيس العشيرة ، والباقي يوزع بين الزراع ، ويعتبر (إفصاخا) أي حصصا. وفي الأغلب (سبعة أفصاخ) للسركال فصخان والباقي للفلاحين. وهي خمسة أفصاخ ، فيأخذ السركال سهمين وخمسة أسهم للفلاحين ... والرسوم الأميرية زالت من البين. وما يقدم إلى الأسواق يؤخذ منه الرسم وزال ما كان يستوفى من الرسوم بسبب الاستهلاك ، وذهب ضررها ، وتدخل الحكومة من أجلها.

وهذا في زراعة الحنطة والشعير وسائر المزروعات الريفية إلا أنه يختلف قليلا في بعض المواطن الفراتية في زراعة الشلب ، وفي نتيجة اعتيادات محلية. والمثال يعرف بما هنالك من كم وكيف. ويصعب أن نراعي قاعدة عامة. وكلها لا تختلف إلا اختلافا بسيطا ...

ومما يستحق الذكر أن الفلاح يأخذ نصيبه مطردا فيما إذا كانت البذور تعود له ، وله دواب الزرع ومعداته وإلا فإنه يضطر أن يؤدي نصف استحقاقه إلى من شاركه بالبذور والدواب الخاصة بالزرع. ويكون المشارك صاحب سهم. وهذا قليل ، وتابع لضعف حال الزراع. وإلا فإن الزارع قد يكون صاحب أرض ، فتكون المنتوجات له (فلاحة ملاجة) أي الفلاحة له والملاكة له أيضا.

وغالب الرؤساء يحلّون محل الملاك ، فتكون الأرض لهم ، فيأخذون ما يأخذه الملاك ، فيكون نصيبهم وافرا جدا. وتختلف الأوضاع كثيرا ، وتتبع الأرض وحالتها من أنواع الأراضي ، فتؤدي العقر إن كانت معقورة. وهكذا تختلف إذا كانت أميرية صرفة ، أو أنها مفوضة بالطابو أو مملوكة ...

٣٣٣

وهنا المجموعات الزراعة قوة بيد الرؤساء. لا تختلف كثيرا عن البداوة في تمثيل قوة العشائر ، وتظهر هذه القوة في المنازعات بينهم وبين المجاورين ، أو لوقائع أخرى تقع اعتياديا أو ضرورة. والضرورة تدعو أن يحدد ما يستوفيه الملاك أو صاحب اللزمة ليتمكن الفلاح من القيام بالمصالح الاجتماعية ، والتعاون ... وقد أوضحنا ذلك في المجلد السابق. وهكذا يقابل فيما تستوفيه الدولة فإن ذلك واجب التحديد ما أمكن. وبذلك ترفيه على الفلاح.

٥ ـ الأموال والمقتنيات

ومن الزراعة تولّدت مقتنيات الأرضين ، والحيوانات من نعم (غنم ومعزى) ، وخيول ، وبقر ، أو جاموس ، وحمير وإبل ... إلا أن الإبل قد تقل أو تنعدم. وأما الخيل فإنها ركوب أهل الأرياف ومثلها الحمير قلّت قيمتها بعد شيوع السيارات والسكك الحديدية إلا في الطرق التي لا تصل إليها السيارات متواليا ، أو بعيدة عن السكك الحديدية. والوضع على طريق عام يسهل النقل بها. وفي المواطن الأخرى على جانب الأنهر ، وفي الأهوار تستخدم وسائط النقل المائية. وللموطن أثره في تربية المواشي. ففي الأهوار يستخدم الجاموس ، وفي الحرث البقر ، والاستفادة الغذائية منها في الحليب واللبن الرائب ، وفي الزبد والدهن والجبن. وهكذا ينتفع من جلودها وصوفها وسمنها وتوالدها.

ولا مجال للإطالة فإن فوائدها معلومة. وإنتاجها مشاهد. وقد سبق أن تكلمت في الخيول. ولا يختلف وضعها إلا أن الفوائد والانتفاع يختلف كثيرا عما هنالك. ومراعاة (الرسن) لا يختلف كما أن العربي لا ينسى نسبه في الأغلب ولا يترك نسب فرسه (رسنها).

٦ ـ الغرس والمغارسات

وهذه أقرب خطوة من الزراعة نحو الحضارة. وفيها استقرار في قطعة

٣٣٤

أرض معينة. لا يستطيع أن يفارقها المرء وتضعف فيها حالة التجول ، ويقل الالتفات إلى غير المغروسات. وكأنها حددت صاحبها وجعلته يستقر في موطن بعينه لا يتعداه. وإن مفارقته إهمال وتهاون به.

وحينئذ يضعف الارتباط العشائري. وقلّ أن تراعى المجموعة إلا في تشكيل قرية وأن يكونوا من عشيرة واحدة. وإذا دخلهم غيرهم فيراعى في ذلك ما يراعى من تعاون في عصبة العشيرة. فإنها إذا تغلبت وتكونت منها الأكثرية كان لها الصوت وإلا صارت مجموعة مدنية تألفت لغاية الانتفاع من الغرس فهي مقيدة بمقداره وبمقدار حقوق القرية بوجه عام وتماسك أهليها وتعاونهم.

ذلك ما يؤدي إلى التقرب نحو الحضارة ، ويسوق إلى تكوين القرى. فإذا غرست بساتين عديدة أدى ذلك إلى تكوين القرية. وعاش القوم عيشة أهل المدن ، وفقدوا الكثير من عصبياتها وأحوالهم العشائرية. وقلّت المسؤولية التكاتفية بين أفراد العشيرة ، وعادت إلى تعاون أهل القرية وإن لم يكن بينهم صلة قربى ، أو قرابة قريبة. وهذا هو التعاون الاجتماعي.

أوضحت عن الغرس في (كتاب النخل) وذكرت التعاملات فيه مفصلا. والمهم أن نحدد حقوق الغارس ، وحقوق الدولة والملاك أو صاحب اللزمة ، والصرافة ، أو التعابة والفلاحة. وبذلك تتقرب الأوضاع من المساهمة بصورة خالية من التحكم ليتمكن الغارس من الانتفاع نوعا ولا يحرم رب الأرض. ويقال في هذه ما قيل في الأرضين وحقوق الملاكين والزراع في كل منها.

٧ ـ الأراضي وقانون التسوية

غالب ما يحدث من نزاع بين العشائر أصله (الأرضون). تطمح النفوس في أموال الناس. ولا سبب له إلا الضعف ، والعجز عن الحصول على المال. وهذا سببه أن هؤلاء لا يقومون بما يعد من خسائس الأمور

٣٣٥

في نظرهم مثل الإنتاج الحيواني والزراعي ، وما ماثل فيترفعون عنها. أو لا تلائم حياتهم.

وفي الأرياف نرى الأراضي بيد أهلها. فكل عشيرة تملك أرضا تزرعها وتعيش عليها. فإذا حصل عليها اعتداء مالت إلى ضرورة القتال دونها. وجرّت هذه الحروب في الغالب إلى اندفاع العشائر القريبة لبعضها إلى حمايتها ومن ثم حصل الاشتباك المستمر في المعارك حتى تقوى واحدة ، أو أن ترجع المتغلبة إلى حالتها ناكصة على الأعقاب ، ويبقى العداء. وربما حصل تدافع بين العشائر وتشوش الوضع مدة حتى يتدخل المصلحون والكلمة للغالب ، وأن التحكيم ينقلب إلى تحكم وهكذا يقال في الاختلاط من جراء ذلك.

والتسوية عملها مفيد من جهة تسجيل الأراضي وتثبيت وضعها الواقعي ، ومن جهة أنها بعد أن عينت صلة الزراع بالأرض قطعت الصلة بالمراجعة لمديرية العشائر وحسم الخصومات من طريق الإدارة ، وصارت تراجع المحاكم المدنية في فصل النزاع. وكانت الغاية المنشودة من هذا القانون أن ينال المستثمر نصيبه في الأراضي الأميرية ، وتسجل باسمه حصته بالاشتراك مع غيره أو بالانفراد.

جرى فعلا مثل هذا في أماكن عديدة كانت سلطة الدولة فيها قوية ومكينة وفي الأماكن الأخرى نرى التغلب مشهودا. والاثرة من الرؤساء سائدة ، والقوة بارزة للعيان. فلا يستطيع الفلاح أن يطالب باستثماره وتقديم بينة على حقه وإلا أخرج إلى ما وراء حدود الأراضي ، أو أصبح قتيلا.

ومن كان مهددا بذلك لا يستطيع المطالبة بحقوقه القانونية.

والأرض في الحقيقة للعشيرة فاستأثر الرؤساء وحاولوا أن يكونوا ملاكين بعد أن كانوا رؤساء لما شعروا به من ضعف سلطتهم أو تحقق ذلك لهم يقينا.

٣٣٦

وكان الأولى بالدولة أن تسجل ما هو تحت تسلطها وقدرتها وإلا فلا فائدة منه ولا ضرورة داعية لإجرائه وبعملها هذا قد مكنت النفوذ ، وقوّت التغلب بصورة جديدة. والأولى بها أن لا تسجل إلا ما هو من أراضي الطابو أو ما هو بعيد عن العمران ولا منازع فيه ولا مالك له حتى تتمكن من تسجيل ما تستطيع تسجيله تبعا لما تريد منحه من اللزمة للمستثمرين حقيقة.

سجلوا أولا باسم الرؤساء بداعي أنه يمثل العشيرة ، ثم استأثروا ، وصاروا يأخذون الملاكية ، وحصة الأرض بصورة جائرة حتى في الأراضي السيحية.

فات عن نظر الدولة أن العشيرة تزرع بقوتها ، وتستغل الأرض بنفسها ، وحافظت عليها بدماء أبنائها ... فلا يصح بوجه أن تنتزع منها وتعطى إلى الرئيس وحده ، وتحرم العشيرة من أراضيها أي الفلاحين العاملين. فإذا لم تتمكن من ذلك وجب أن تترك ذلك إلى حين قوتها وتمكنها ، ولا تهمل أمر أصحاب الحقوق من الفلاحين والزراع على أن لا تحرم الرئيس من نصيب أوفر لما عليه من كلفة وما يناله من عناء باعتبار أنه المقصود والمطالب بالكلف. وأنه الناظم ...

الأراضي ملك العشيرة. فلا يلاحظ المتصرف ليظهر التغلب. وإنما يجب أن يحقق عن أراضي العشيرة فتوزع بين أفرادها ، وأن يزاد بنسبة عادلة في نصيب الرئيس. وبهذا يكون التوزيع عادلا.

لا يزال عندنا التغلب جاريا ، والتحكم مستحوذا. وليس في هذا تقليل نفوذ الرؤساء وإنما يجب أن يأكلوا بالمعروف ، وأن لا يتغلبوا على عشيرتهم ويستأثروا بما هو لها. وهذا لا يتأتى إلا بالتفاهم مع الرؤساء ، وأن يكون لهم نصيب معين لا يتجاوزونه وتحديد ذلك ضروري بالوجه المذكور في المجلد الثالث. كما أنه ليس من الصواب عد قانون التسوية وسيلة لإخضاع العشائر للرؤساء أو لدولة ، أو عدم انقيادها للرؤساء بحيث

٣٣٧

تثيرهم على الرؤساء. والعدل أولى وقبول الطرفين بما هو الأحق والأجدر.

كل هذا أي موضوع الإثارة توهم. ومبناه إبقاء التحكم. والفلاح هو المنتج في الأرض ، فوجب أن ينال نصيبه من الأرض مثل ما نال الرئيس بل أكثر. لأنه العامل الوحيد ... وهذا لم نره ، بل قوى النفوذ ، وزاد فيه كثيرا. وليس في استطاعة الحكومة التغلب على هذا النفوذ ، فكان الأولى أن تعطله في بعض المناطق المتغلبة إلى أن تتمكن من التسلط وإلا فالفائدة المرجوة من القانون لم تنل مرادها.

والملحوظ أن المشاريع الجديدة والتي لم تجر تسويتها يجب أن تحدد فيها الملكية وحقوق صاحب اللزمة والزراع والغارس بصورة مماثلة للوجه المبيّن أعلاه ...

والمهم أن تبدأ الدولة في أمر الضرائب بأن لا تتجاوز العشر ليتهيأ للفلاح أن يقوم بأوده ويتلافى حاجياته ، ويتمكن من تربية أطفاله ... وبهذا مصلحة تعاونية للدولة ، فيشارك في المشاريع ويقوم بأمر الصحة والثقافة ، وتربية المواشي ، وزرع الأرضين.

يضاف إلى ذلك أن ما يحتاجه الزراع خلال السنة يجب أن يوفر له بأن يسلم من المرابين وأن يقضي على حاجة الزراع فلا يترك المجال لأن يشاركه من يقوم بالبذور والدواب للحرث مما يضر به كثيرا. ومثل هذه يجب أن تراقب من الإدارة بعناية ...

٨ ـ العرف العشائري

إن الزراع يريدون أن ينالوا من كدهم ، وتعهد عملهم ، ولكن التكاتف للمناصرة وتكوين القوة ولّدا الطمع في العشائر وفي الرؤساء وصاروا يراقبون الأطراف ، ويأخذون التسيار ويشوشون الأمن في غالب الأحيان وتظهر المقارعات الكبيرة بين العشائر ، وبينها وبين الحكومة في عهودها

٣٣٨

القديمة. ويتكون النهب والسلب إجماعيا من العشيرة أو من جملة عشائر ...

وفي هذه الأيام قويت الدولة بأسلحتها الجديدة على العشائر فتمكنت من إخضاعها ، وربما ضربتها لمرات ضربات موجعة حتى ثاب إليها رشدها ، وصحت من سكرتها ...

وتكونت مديرية عامة للعشائر ، وتوزعت أوضاعها مما يتعلق بحسم نزاع الأراضي. وما يخص النزاع العشائري أو الحوادث بين أفراد عشيرة ، أو أفراد عشيرة وأخرى ... وبذلك صار يقوم كل قسم بمهمته مراجعا في صور الحل المدير العام ...

وكان الوضع الإداري مشوشا. وبذلك التوزيع للأعمال توضح عمل كل ، وصار يطالب بما أودع إليه. وهكذا كان الأمر في حل القضايا العشائرية وانتزعت قضايا المواد الشخصية لأنها شرعية صرفة ، ومسائل التسوية بعد إجراء التحديد بموجب قانونها ، فقلّت أعمال قضايا العشائر. وكادت تنحصر في القضايا الكبرى بين عشيرة وأخرى ...

وإذا كانت الروح الإدارية لا تزال متشبعة في علاقات العرف فإن انتظام المحاكم وتوسعها بلا شك سيدعو إلى التغلب وأن تتولى حسم النزاع. فالعشائر اليوم غيرهم بالأمس.

وبهذه الوسيلة صارت تقل التدخلات الإدارية في القضايا العشائرية. ومصلحة الدولة في توحيد محاكمها. وعندنا لا تزال الحالة تحتاج إلى إصلاح إداري في هذه التدخلات والتقليل منها ، تشكلت المحاكم ولا تزال تنظر في القضايا الإدارية. وما معنى هذه إلا حب السيطرة ، أو التوسع في التسلط وهل الإداري من اختصاصه النظر في النزاع العشائري بعد منع الغزو وبعد أن بقيت الخصومات فردية أو قليلة ... والوقائع الكبيرة اليوم في قلة. وتكاد تكون منعدمة.

٣٣٩

والخوف من وقائع العشائر توهم لا محل له. وما كانت المحاكم عاجزة عنه فمن الأولى أن تعجز عنه الإدارة ، وحينئذ ينظر في الخلل لتأمينه ، وإزالة العثرات منه مما يقع في طريقه. والتلازم بين إلغاء الغزو ، وتشكيل المحاكم والضرورة إليه من الأمور المشهودة وإلا وقعت العشائر تحت طائلة التحكيم بل التحكم من أناس ليس لهم من المعرفة ما يصلح أن يتسلحوا بها سياسيا وحقوقيا. وإنما هناك التحكم لتنفيذ رغبة الإدارة وتحقيق آمالها فيما تهدف إليه ، أو الميل إلى عشيرة دون أخرى ... لأمر آخر لا علاقة له بالموضوع.

وعلى كل حال آمال الغزو ليست من طبيعة أهل الأرياف. ولذا تلقوا منع الغزو بكل ارتياح ، وأن قوة الدولة نصرة للضعيف حتى يقوى وتأمين للراحة وتحقيق لوسائل الحضارة. والعرف العشائري يجب أن يحصر أمره أو يحدد بأن يكون بين عشيرة وأخرى ، أو بين عشائر دولة وعشائر دولة أخرى مما له مساس بسياسة الدولة وإلا فما معنى انقياد الريفي للعرف؟

وهو في هذه الحالة يعد حضريا ...!!

لعل له عذرا وأنت تلوم نعم كانت تركن لعذر استفادة من نزاع للقضاء على قوة قبيلة. والآن لا خوف من عشيرة لتناصر الأخرى ...

٩ ـ القنص والصيد

تكلمت في (القنص والصيد) عند البدو. وأما في الأرياف فالحاجة إليه أقل إلا أنه أتقن ، وإن كانت مواطنه أضيق ، ويتغير عند أهل الأرياف في نوعه مثل صيد السمك ، والطيور المائية أو الطيور الملازمة للقرى والبساتين. وقل أن يصطادوا الحيوانات الوحشية إلا أن يتخلصوا من أضرارها. وكان الصيد في العراق متنوعا. ولصيد الأسود والحيوانات

٣٤٠