موسوعة عشائر العراق - ج ٢

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ٢

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٨

عرف الأرياف وعلاقته بالبدو

ان قانون العشائر لا تظهر الحاجة إليه في (العشائر الريفية). فلا يرضى أحد أن يكون مسؤولا دون أن يرتكب وزرا. لان هؤلاء لا يختلفون عن أهل المدن كثيرا. وأهل الأرياف استقروا في مواطن وتركوا التجول إلا احيانا ولدوافع خاصة ومن ثم صاروا كأهل المدن. وبتوالي الايام فقدوا خصائص البدو الكثيرة. والعلاقة بالبدو لا تنكر ويجب أن تكون مدنية وتابعة للحقوق الحديثة. ولكن جرت بعض الحوادث على العرف العشائري لانه القانون المعمول به.

من ذلك ما وقع بين شمر والعبيد وهذه أقرب إلى أيامنا واتصالنا بحوادثها ، فرأيت أن أبدي وجهات النظر في (صور الحل) فيها للتبصرة. ولعل النظر إلى ما اتخذه الفريقان للتذرع بالاهداف مما يدعو للالتفات. في هذه القضية نحاول أن نعرف الاتجاه الحقوقي لما تجلى من تضارب الآراء لاستجلاء الغامض عند اضطراب الافهام في أمر الحل فما تمسك به أهل البادية وأهل الأرياف من المعارضات يكشف عن قدرة في التوجيه ، واظهار العرف. وهذا يحتاج إلى دراسة عميقة ، وتدقيق بالغ حده.

وهنا أقول إن هذه العشائر كل منها بمقام أسرة في تناصرها وتعاونها ، أو انها أسرة موسعة فالتضامن مكين. بقيت كما كانت ، أو حافظت على وضع الاسرة لما رأت من الحاجة إلى الاحتفاظ ، وتحميها قوة العشيرة ، فكانت ضرورة التلازم ظاهرة في التعاون للذود عن كيانها. وهذا مشاهد في كل عشيرة. وربما تتجاوز العشائر حدود حماية الحقوق ، فتتخذ القوة ذريعة للاعتداء ...

٣٢١

فإذا قلنا كان جرى بين شمر والعبيد كذا فالمقصود تعيين الاتجاه بينهما. ومن هذا القبيل قضايا القتل والمعارك. حاولت الادارة الاصلاح بين هاتين العشيرتين بقصد إماتة النزاع واجتثاثه من أصله. ومن ثم كان ما وصل إليه المحكمون لم يتجاوز الحل ظاهرا ، فلم يكن حاسما ، قاطعا للغضاضة.

كنت علمت من الشيخ جلوب الطرفة من شيوخ شمرطوكة أن المرحوم الشيخ عجيل الياور كان حينما سمع باشتباك العبيد مع عشيرة الصائح من شمر من جماعة المرحوم الشيخ جنعان الصديد سارع في أخبار رئيس عشائر زوبع (خميس الضاري) ، والشيخ جلوب من رؤساء شمر طوكة بأن لا يسمعوا قولا للشيخ جنعان حذر أن تتوسع الفتنة ، وأن ينتظروا ما يكتب اليهما. رجاهم أن لا يعملوا أمرا ، وأكد عليهم خوف انتشار الشر.

وهكذا رأيت رؤساء العبيد أبدوا رغبتهم في أماتة الضغائن. وكنت حاضرا في مجلس المذاكرة بلا علم مني أنهم جاءوا لهذا الغرض. كنت زائرا للمرحوم الشيخ حمد الباسل باشا ، فحبذ منهم الفكرة. وأبديت ما علمته من الشيخ جلوب. ولما علمت بأمر المذاكرة وان الاجتماع كان من أجلها ولم يلتئم المجلس بعد تركتهم وودعت الباشا. فأخبرت أنه تم الصلح ، لكنه لم يتم حقيقة. وحدثت بعد ذلك حوادث محزنة مما لا محل لإيرادها.

ثم أجتمع العبيد وشمر في ١٥ و ١٦ نيسان سنة ١٩٤٣ م ببغداد وفي هذا الاجتماع حضر المحكمون رؤساء العشائر الشيخ مشحن الحردان رئيس عشائر الدليم والشيخ محمد الرشيد البربوتي من شيوخ زبيد ، والشيخ حبيب الخيزران رئيس عشائر العزة.

وخلاصة ما جرى أن المنازع فيه لم يكن أمرا يخص المطالبة بدماء القتلى من الفريقين (شمر والعبيد) ، وانما القضية الواجبة الحل أن عشيرة الصائح ممن يرأسهم جنعان الصديد كانت تسكن الحويجة من مدة ، وكذا

٣٢٢

في أراضي العيث ، وأنهم كانوا يتمتعون بخيرات تلك المواطن كما أن العبيد كذلك كان هذا شأنهم في تلك المواطن وسبب النزاع هو الاراضي ، ولم تجر تسويتها بعد.

أما المنهوبات والقتلى فأنها ظواهر تلك الخصومات. فحل مثل هذه سهل. والمطلوب حسم أصل النزاع. وفي هذه المذاكرة اشترك الاداريون قائممقام سامراء ، وقائممقام الخالص ، وقائممقام كركوك لعلاقتهم في تعيين أوجه الخلاف وأصل النزاع ، وبيان ما يتطلبه كل فريق وكلاهما لا يود أن يبوح بما عنده ، أو يتحاشى من ذكر غرضه أو التعرض له وأن كان هو المقصود.

وفي الوقت نفسه قال المحكمون نوصي الحكومة بما يقتضي عمله لحسم قضية الاراضي ، واشرك شمر في مشروع الحويجة ، وقالوا ان شمر كانوا من أمد قديم يسكنون الحويجة وينتفعون منها فلا يهمل حقهم ، ولكن هذا لم يكن تدبيرا لا طريق لحله. وهذا تابع لأعمال ادارية خاصة. فاكتفوا بالايصاء مع بيان كل فريق وجهة نظره وأدعائه بأنه من سكان الحويجة قديما. وان رجال الادارة لم يرغبوا في الدخول بهذا الموضوع إذ لا صلاحية لهم في البت فيه ، فطوي من البين وجعل موضوعا خاصا في حين أنه الاصل في موضوع النزاع.

ومن ثم انصرف المحكمون إلى حل النزاع فيما عهد اليهم. ولما كان قد نفى رؤساء العبيد أن يكون لهم يد في أمر القتل وانهم ليس لهم القدرة على غيرهم وأبدوا أنهم لا يعلمون بالقاتلين ، فكان من رأي المحكمين أن يحلفوا رؤساء العبيد على (طريقة البدو) ... حينئذ تصدى رؤساء شمر إلى القول بأن التحليف اهانة في حق المطلوب تحليفه ، أو ظن به واشتباه من صحة كلامه فلم نشأ أن نعد رؤساء العبيد بهذا الوضع ، فعدلوا عن التحليف ، ولم يطلبوه حفظا لمراعاة منزلة هؤلاء الرؤساء.

ومعنى هذا أنهم رضوا بأنهاء القضية ظاهرا ، وأبدوا أنهم لم يبق نزاع

٣٢٣

بينهم من جراء المنهوبات ، والقتلى معا ، وحاولوا أن يظهروا انهم أقرب إلى الالفة ، ولكن العبيد لم يرضوا بهذا الحل الظاهري الذي يراد به الحسم القانوني ، وعدوا ذلك غير قاطع للنزاع. ولهذا لجأوا إلى ناحية مهمة في صحة الحل وتمكينه ، وهي أنهم طلبوا (الدخالة) من جراء أن من أعفي عن اليمين ، أو عما يستلزمه من دية وتعويضات لا يمنعه مانع من قبول الدخالة. وبذلك حاولوا ان يكون الصلح متينا ، وان لا تبقى المطالبة مستمرة ، أو لا يبقى حذر ... أرادوا أن تكون الدخالة على أحد أفراد العشيرة. ولو لم يكن من وجوه العشيرة ، فيصيروا في حماية الكل كما لو كان قاتلا وطلب دخالة (حماية) ، فتضطر العشيرة كلها لحمايته. وهكذا العشيرة اذا طلبت الدخالة تكون ضمنا في حماية تلك العشيرة التي كانت معادية لها ومناضلة ، فتصبح الالفة حاصلة ، ويكون الحكم حاسما للنزاع ، فلم يبق مجال لاختراق الصلح أو حكم المحكمين ، فتزول النفرة من البين. (يسعى بذمتهم أدناهم).

لم يوافق رؤساء شمر على ذلك. وقالوا لا نقبل بالدخالة من جهة أن عشيرة العبيد منتشرة وان (رؤساء العبيد) ليس لهم سلطة على العبيد كلهم ، فليس من الصلاح أن نقبل الدخالة. لاننا لا نكون بنجوة من ضرر العشيرة فكيف بأمر صيانتنا ، وان نكون بمأمن؟ ومن ثم لا يأتلف السلام ، بل يتوقع الضرر دوما ...!

وقفت المطالب عند هذا الحد. وفيها يتجلى الذكاء العشائري ، واتخاذ التدابير له أو محاولة ما هنالك ، فيعرف ذلك من الجانبين ، مع ملاحظة دقة المطالب من المتخاصمين والمقارعات الفكرية بصفائها منهم ومن المحكمين ، وكذا ما حاول الاداريون التملص منه.

ومن هذه يتجلى لنا أمر (السياسة العشائرية) وعلاقاتها ، والادارة واتجاهها. أو خذلانها ... وكذا ما يطلب منها من وجوه الحل في الحسم ، أو ما يعدل به عن وجه الصواب ، فيسعى كل للاقناع من طريق الدليل ، واستجلاب الحكم ، فرأينا العجب في القدرة ، وكذا الاداري خرج

٣٢٤

كما دخل ، وهكذا المحكمون دخلوا وخرجوا. وكل منهم مملوء بالمعرفة مشبع بالفكرة على وجه الصواب ... ولكنهم اعترفوا بأنهم عادوا بالفشل الذريع.

والملحوظ أن الخصومات ظواهر ، وان وراءها ما يجب حله ، ويحتاج إلى خبرة كاملة مكينة ، مع علم غزير ، وسياسة حقة ... والذي يؤسف له أمر التطاول في ما يقتضيه الحل السريع القاطع لئلا يدأب النزاع ويستمر. ولعل الالتفات كان يقتضي السرعة ويدعو للالفة ، أو حدوث الصلح الحقيقي بحيث لا يضمر الواحد للآخر نوايا سيئة ... وخلافه لا يفيد البتّة.

ومثلها يقال في بني لام سواء في سيطرتهم أو في أمر آخر وتاريخ هذه العشائر بل الامارات مما يستدعي الحل ، ويؤدي بنا إلى المعرفة الصحيحة ولا يغب عنا ما ذكر. وانما يعرف من مجرى الحوادث التاريخية المهمة.

عرف العشائر

العشائر الريفية يجري بينها عرف. ومن اهم ما هنالك :

(١) النزاع على الارضين. وهذا أصل في وقائع طاحنة ، وحروب مستمرة. ولعل التسوية آخر دواء لقطع الخصومات. ولا يهمنا إلا ما كان ضمن موضوع بحثنا. فالمقاطعات القريبة من المدن جرى حسمها ، واستقرت تسويتها ولكن البعيدة لا تخلو من تحكم الرؤساء ، وما حصلوه بعشائرهم حازوه لأنفسهم دونها. كأن هذه العشائر لم تنتفع من أرض ولم تباشر زرعا ، ولا حرست ارضها بقوتها ودمائها.

وبذلك نرى حقوق الفلاحين منتهكة. والمهم أكثر ما كان النزاع فيه قائما بين عشيرتين فأكثر وأصله من الاراضي الاميرية الصرفة مما لا يستغل أو أن الخلاف عليه مستمر ... ولا قول في ما حسم. فقد أبديت المطالعة

٣٢٥

فيه في أول الموسوعة. وانما المهم ما لم يكن قد حسم. وهذا يدعو للالتفات ويؤدي إلى النزاع الكبير.

وفي مواطن عديدة لا يزال النزاع قائما ويؤدي أحيانا إلى وقائع مؤلمة. والامل أن يتولى حسم النزاع في الاراضي من كان ذا خبرة مكينة ، ورأي حصيف وأرادة قوية وادارة حقة. فأراضي العمارة وأراضي المنتفق ، وأراضي أخرى كثيرة سببت منازعات جمة. ولا تزال من أهم مشاكل الارضين في العراق.

وكنا نأمل من اداريينا أن يقدموا مذكرات لمعرفة الآراء وصور الحل التي زاولوها ، أو قاموا بامرها في الارضين أو في الدعاوى الكبيرة بين العشائر لتكون موضوع المناقشة فلم يتيسر لنا إلا ما علمناه من بعض الوقائع. وهذه مهما كانت كثيرة فإنها لا تعد شيئا بالنظر للكل ، لندرك الاوضاع تماما ، ونتبين ما في الادارة من صلاح أو غيره. وكأن مثل هذه سر من الاسرار لا يصح أن يبوح به أحد أو لا يكون موضوع نقاش وأبداء رأي أو آراء. في حين أنها تكون الموضوع الاجتماعي والحقوقي والاداري.

ومن المهم ان نقول ان التسوية لم تحل خلافا بوجه مرض ، ولا راعت في كثير من المواطن حقوق الفلاحين ، فكأن هذه الارضين لم يقم بها غير واحد أو آحاد في زراعتها واستغلالها ، فمشكلة التسوية زادت في الطين بلّة. ومنحت اللزمة لأفراد معدودين باعتبارهم رؤساء ، ولم يجسر أحد أن يطالب بحقوقه ... والا فلا يعقل ان يستثمرها واحد أو آحاد. ومن ثم تولدت مصيبة عظيمة بحرمان الزراع من حقوق تصرفهم أو لزمتهم. وكان الاولى أن لا تجري تسوية ما لم تستطع الدولة السيطرة على الاراضي التي ترغب في أنهاء تسويتها وتثبت حقوق زراعها.

وكل حل ، أو مراعاة أي تدبير لا يكون ناجعا أو ناجحا ما لم تتسلط قوة الدوله ، وتسجل ما بيد الفلاحين بأسمائهم ، فتجعل نسبة عادلة بينهم

٣٢٦

وبين الرؤساء ، وما ذلك إلا لأن الرؤساء لا يزال نفوذهم قويا بل لا يفل إلا بإعطاء كل ذي حق حقه ، وأن تكون سلطة الدولة أقوى ، فتنزع نسبة معينة منهم أو ينتظر إلى أن يسهل لها الحكم وأن يراعى فيما تمت تسويته طريقة تحديد حصة معينة للرؤساء من الارضين في الحاصلات بأن تجعل لهم العشر فلا تدع مجالا لأخذ أكثر من ذلك بتحوطات مهمة بالوجه الذي بينته في أول الموسوعة. وبذلك تتمكن سطوة الدولة من الحكم العادل الحاسم ، فتظهر قدرتها بل بعملها هذا قوّت النفوذ وخدمته. وهذا وبال عليها.

وهذه الحالة مهمة جدّا بين العشيرة ورؤساؤها. لما فيها من تحكمات. وهكذا ما جرى بين العشائر الريفية مثل العزة والعبيد. لا يختلف عما ابدته من عجز في الحل بين شمر والعبيد بل أكبر. أهملت التدابير من وقوع الحادث بل أظهرت غفلة أو غفوة عما كانت تتوقع حدوثه فاغمضت العين عن أتخاذ أي تدبير فعال يحول دون وقوع الغائلة. وأصل كل ذلك النزاع على الاراضي ، فلم تشأ أن تحرك ساكنا. والامثلة كثيرة يطول بنا ذكرها.

ولا يهمنا من هذه وغيرها في مواطن عديدة بقدر ما يهمنا من صور الحل الحقة. وهذه مسلمة إلى معاون تسوية أو رئيس لا يستطيع مقاومة المتنفذين ، أو الوقوف في وجه هؤلاء المتسلطين مراعاة لحق. وقد حكى في بعض رجال التسوية حينما سألته هل يعطى الفلاح المستثمر حقوقه. فقال لي باستغراب كيف تقول ذلك؟ ولم أجد من يستثمر غير الرؤساء. ولما استطلعت دخيلة رأيه قال لي ان الذي يدعي بحق لا يعود يأمن على حياته ، ولا يقدر أن يعيش هناك. وأقل ما يناله أن ينفى من تلك الانحاء والا فقتله أيسر كل يسير. ولا مطالب بدمه.

ولما ظهر (مشروع القانون المدني) كنت أبديت فيه مطالعة في أن تفريق اللزمة بينها وبين الاراضي الاميرية الصرفة ، أو المتفوضة ، والمملوكة كل هذه مما يشوش الامر واقترحت توحيد ذلك وان يجري التقسيم على

٣٢٧

النهج الشرعي ، وبينت الحالة ... ليكون التقنين موحدا بإزالة صنوف الاراضي ... وتوحيد الاوضاع المتنافرة والاحكام المتعددة في أمر واحد. لكن الادارة لا تريد في الاغلب أن تنفك عن هذه العلاقة. وربما كان الكثير منهم ينافح عنها. وكأن التشوش أولى وأسهل للتدخل ، وعدم انقطاع العلاقة.

ولما كان الريفي محددا بأرضه لا يستطيع أن يتجاوز على غيره ، وأن الغير أيضا لا يقدر أن يمد يده عليه والا قامت الفتنة وتوجه الحل ، وظهر التحكيم ... وما جرى حسمه وان كان في صالح الرؤساء إلا أن التسوية قطعت بعض المنازعات على الحدود والمقاتلات على الاراضي وان كان حرم الفلاح من استثماره ...

(٢) المغارسات. والنزاع عليها. ان المغارسات أو الغراس جعل الريفي الصق بمكانه من غيره من أصحاب الاراضي ، فهو ذو علاقة ببستانه ، وله أتصال بمغروساته. وهذه ولدت علاقة بالملّاك ، وبالحكومة في هذا الغرس. وللدولة سلطة استيفاء الرسوم وكل هذا يدعو للالتفات. وهو طريق الحضارة. فأذا تكوّنت جملة بساتين تكونت القرية ، وتقرب القرى يؤدي إلى تكون البلدة. وهكذا.

والمغارسات لها أحكامها من أيام شريعة حمورابي وقبلها من حين ظهر الغرس وتربية المغروسات. واستمر حتى عهد المسلمين فتولدت أحكام الغرس ومهما تضاربت آراء الفقهاء في هذه الاحكام فأن التعامل جرى ، وولد حقوقا لا يتنازل عنها الغارس بوجه.

وفي (كتاب النخل) تكلمت في الحقوق المتولدة بين الغارس ورب الارض ، وعلاقتهما بالحكومة ، وما تعين من تعامل بين هؤلاء جميعا ... وسأعود إلى ذكر المغارسات في المجلد الرابع من هذه الموسوعة.

هذا. وللعرف والخصومات تفصيلات منها ما مر بيانه في المجلد الاول ومنها في هذه الموسوعة ولا مجال للتوسع بأكثر من هذا. والموضوع شائك يحتاج إلى مباحث مفصلة والى احتكاك آراء عديدة.

٣٢٨

(٣)

أموال الأرياف

تكلمنا في خيل البدو ، وفي ابلهم ، وقنصهم وصيدهم. ومن أجل أموال الأرياف الارضون والماشية من غنم وبقر وجاموس ... وبعض هذه مرت الاشارة اليها. وغالب النزاع جار عليها. ولما كانت العلاقة متصلة بأهل الأرياف الاخرى رأينا أن نعيد النظر فيها مرة أخرى ونتناول موضوعها بسعة زائدة كما نوضح عن (الصيد والقنص) ، والاموال الاخرى مما يعين وجهة الأرياف في أمرها في المجلد الرابع من هذه الموسوعة. ليكون آخر المباحث.

٣٢٩

(٤)

المجتمع العشائري

العشائر الزبيدية والطائية متقاربة في عاداتها وتعاملاتها. والتفاوت المشهود في العرف انما ولدته الاوضاع الخاصة من قوة وضعف أو تحكم وتسلط ، واثره أو تعامل الموطن ... وهذا المجتمع محدد بمكانه ونطاق تحوله. ولا يختلف كثيرا عن الصفات البدوية فالأرياف هذه أقرب للبداوة. ومقتنيات الكثير منها الإبل والخيل ، إلا ان الغنم والبقر أكثر. والغنامة لا تخلو منهم عشيرة.

وفي الزواج ، والافراح ، والدعوة للحرب (النفير) تتشارك عشائر عديدة تتصل بهم النخوة ، وتتمكن القربى ، أو الحلف والاتفاق. والكل من حمير أو قحطان. ولهذه الصلة منزلة قوية في توكيد الاواصر. والمهم أن هؤلاء أكثر علاقة بالنخوة والقربى للبدو في المعيشة والحياة في ضروب الوانها. ويجدون ضرورة قوية لمعرفة الانساب وتحقيق القربى.

ويتجلى هذا بالسؤال من الجبوري وعلاقته بالعبيدي أو الدليمي. وهكذا كل منهم وصلته بالآخر. وبالزبيدي أو الجنابي. ولا محل لاعادة ما أشير إليه في محله. واكبر من كل هذه الاشتراك في اللغة والآداب ، وأثرهما الظاهر في المجتمع ، وما يرمى إليه ونرى تأثير ذلك باديا حتى على المساكنين لهم من العشائر العدنانية.

٣٣٠

وفي الحقيقة أن الاشتراك في المنافع ودفع الغوائل مما اضطرهم إلى هذه الاتفاقات وولد النخوة المشتركة وفي الاصل ان العشيرة يغلب عليها حال الاسرة أو أنها في الاصل اسرة.

وفي الاكثر تنطوي البداوة مع زيادة ما اقتبس من الأرياف. ولم تنعدم منهم القواعد العربية الاولى ، ولم ينسوا أخبار من مضى من أجدادهم. ولم يخلوا في وقت من أوصاف العرب من المطالبة بالثأر ، ولا يزالون ينعتون بالكرم ، وبالشمم وحب التفادي بالنخوة. لا سيما أنهم أقرب إلى البداوة أو أنهم في حالة بين الريف والبداوة في الغالب. وهذه تؤكدها مضايفهم أو مجالسهم العامة ، ويكررون ما عرف ، ويحكون ما جرى ، فهم في تمرين واتصال بالماضي في مطالبه العديدة من غزو ، وشعر ، وأمثال ، وقصص.

٣٣١

الشيخ ثامر السلطان ـ بنو ركاب

٣٣٢

(٥)

المجتمع الديني

ان الامة العربية قامت بنصرة الاسلام والنضال عنه والدعوة له. فهو معتقدنا. وله علاقة مكينة بمجتمعنا أفرادا وجماعات. ومن المؤسف أنه أهمل أمره من مدة في المجتمع المدني ، وفي العشائر. ولم يشغل من أذهان البادية إلا القليل وهذه بصفوتها لم نعلم عنها إلا القليل ممزوجا بخرافات ومتصلا بأوهام بحيث صار القوم لا يعرفون سواها فيظنونها دينا.

ومن مدة تركوا عبادة الخالق ، والقيام بالمفروضات واتصلوا بما هو ليس من الدين في شيء. ولم ترسخ في عقولهم (عقيدة القرآن) وما تنطق به آياته من ايمان بالله وبرسله وبالبعث وسائر الاصول الاسلامية التي اجملت المعتقد في آيات وحثت على العبادة ، وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر.

تباعدت عن هذه وصارت لا تريد أن تفهم معنى فاتحة الكتاب وكأن وضوحها اغلاق ، فلم تدرك المعنى المألوف والصحيح منها ، وكأن بيان الآيات ابهام.

وما ذلك إلا لأننا تركنا علاقتنا بالبدوي والريفي ، فصارا بعيدين. وكان العلماء يذهبون للارشاد فتركوا المهمة وفي هذا ما فيه من وبال على المجتمع البدوي والريفي في أضلاله أو أبقاءه في حيرته.

العقيدة بسيطة سهلة المعرفة. وفي الوقت نفسه محكمة متينة. وكفى

٣٣٣

أن تجمع لهم بعض الآيات دون توسع. فيفهموها بسرعة ولا يحتاجون إلى تلقين عميق أو شاق.

وهكذا أمر العبادات ، والسلوك المرضي. والاجمال كاف. وفي ذلك كل الفائدة لاصلاح العشائر ... وان يفهموا من العبادات المفروضات دون توغل ...

٣٣٤

(٦)

اللغة والآداب

وهذه يصح افرادها في كتاب أو كتب من جراء توسعها ، وعلاقاتها بآداب الأرياف وصلتها ب (أدب البادية). وهنا اللغة مشتركة في الكل.

والعشائر اختلطت كثيرا ، واشتركت لغاتها إلا أننا نرى المميزات القحطانية واضحة في الانحاء التي يغلب فيها هذا الجذم. والاثر واضح حتى في العشائر التي تساكنها من العدنانية. وفي الوقت نفسه نرى العدنانية مؤثرة على ما ساكنها من عشائر حميرية ، فلا نستطيع أن نميز فيها العدناني من القحطاني إلا في محل كثرتها. وهذا ما لا نعرفه إجمالا.

ومن ثم تظهر اللهجات واضحة في محل كثافة كل من القحطانية أو العدنانية. ولا نرى التفاوت إلا قليلا في بعض الاقسام. وبهذا نرى خصائص لكل عشيرة في نطقها ، واختلاف في لهجتها نوعا مثل النطق ب (العشب) بالكسر أو الضم كما وقع في حادث تحقيق عن العدو والتفريق بينه وبين غيره بالسؤال منه فأن نطق بالضم عرف انه من (العبيد) العشيرة المعروفة والا فهو من غيرها كما هو الشأن في بعض الفروق بين قبيلتي عنزة وشمر.

وتتوضح لغة القحطانيين في فروقها اللغوية والادبية عن العدنانية مع ملاحظة الاشتراك في الكثير عدا ما انعدمت اللغة منهم من العشائر القحطانية. ولا شك أن اللغة تتجلى في آدابها وما شاع لديها من منظوم

٣٣٥

كالشعر للارياف والامثال لهم أيضا. فنرى الاختلاف بين العدنانية والقحطانية واضحا.

ولا شك أن هذا التأثير مسبوق بعوامله الملحوظة قبل ورود القحطانية والعدنانية في عهد المسلمين. فان من كان قبل الاسلام اكتسب أدبا ولغة. وهذا أثر قليلا أو كثيرا على أصل هذه اللغات ، أو اللهجات ، ثم حدثت العامية بتأثير المسلمين بعضهم على بعض في اتصالهم وتغلب لغات بعضهم على بعض ، فصارت الآداب واللغة مختلطتين.

ولا تهمنا التحقيقات التأريخية القديمة وما طرأ عليها في هذه العجالة وإنما نحاول أن نبين أن الفروق موجودة بتأثير القحطانية أو العدنانية سواء كانتا متأثرتين ببعضهما أو بالمواطن التي حلتاها.

وأظهر ما لأدب الأرياف المنثور من الامثال وغيرها ، والشعر الريفي. وهذا منه : النايل ، والعتابة ، والسويحلي ، والميمر ، والروضة ... وأما القصيد (الكصيد) ، والهجيني ، والحداء والطواح فإنها مشتركة بين البدو والأرياف. إلى آخر ما هنالك مما له اتصال بالنغمات أو الاوزان العروضية ... ويختلف استعمالا في قلة أو كثرة. ففي بعض العشائر النائل أكثر وأتقن ، وفي بعضها العتابة ، أو الكصيد وسائر ما يشترك مع البدو من أغان وشعر ... وفيها يمتاز البعض عن بعض.

وهذه مستودع حكمة العشيرة في أمثالها وشعرها ، ورقة شعورها ، وتهذيب عقولها ، بما استعملت من معان. ولعل الطبيعي منه أقرب وأولى في تمثيل نفسياتهم ومجتمعاتهم. وجملة ذلك (أدب البادية) أو (ثقافة العشائر).

٣٣٦

ثقافة البدو وأهل الأرياف

وطرق اصلاحها

سمعنا بلزوم اصلاح العشائر في أوضاعها العديدة والمختلفة ، أو العزم الاكيد على ذلك ، فمضت قرون ، وتحولت حكومات ، وعاشت أمم والبدو ـ كأهل الأرياف ـ على حالهم ، ولا تزال أوضاعهم لم تتغير إلا في أمر طبيعي وهو ما شاهد البدو من خلل في نفوس الأرياف ، فمالوا اليها أو رأى الأرياف في المدن قلة نفوس من جراء الطواعين الجارفة ... فحلوا محل من مضى فسدوا العجز أو النقص. أو تدافعوا ، فأزاحوا ... وفي هذه الحالة من الانتقال أو الحالات الاخرى كالحروب حصل تبدل أدى إلى (ثقافة جديدة) ، وحالات لم تعهد مما لم يكن مألوفهم ... والباقي من البدو وأهل الأرياف لا يزال على ما هو عليه لم يتغير.

استبعد كثيرون أمر الاصلاح ، وان يكتسبوا من الثقافة ما تعد أرقى مما هم فيه من معرفة مألوفة. ولا تزال الآراء مضطربة في أمر ذلك ، وهي بين الاخذ والرد. وقضية تثقيف العشائر بوجه عام كقضية اسكانهم مما شغل أمر المصلحين. ولذا تعد مزاولة هذا العمل من أشق الامور لتضارب في الفكرة. ومنشأ ذلك أن حقيقة العشائر لم تكن معروفة بوجه الصحة. منهم من يقول ان العشائر لا أمل في تهذيبهم والمحافظة على الحالة من أسباب بقائهم على الجهل والامية فلا يمكن خروجهم عن أوضاعهم أو أنهم لا يقبلون الثقافة ، أو جماعة لا يفيد معها التهذيب بل من (التعذيب تهذيب الذيب).

٣٣٧

وآخرون يرون لزوم الانتقال بهم من البداوة إلى الأرياف ومن الأرياف إلى المدن. ولعل هذا من نوع التعليق بالمحال لأن الانتقال تابع إلى أحوال طبيعية وقسرية لا يتيسر تحقيقها بسهولة ولم يكونوا في حالة يمكن أن نحققها بسهولة. وفي كل هذه الاحوال أبدينا عجزا من أيجاد طريقة لبث الثقافة في العشائر ...

وهكذا يرى آخرون لزوم أيجاد مدرسين حائزين أوصافا تلائم البادية ، وهم رجال دين ومهذبون بأن تتوازن القدرة والرجل الديني. والا حدثت مشاكل ونفرة. وحينئذ تحبط المشاريع ، ويحبط التدبير. وهل استعصى وجود مدرسين حائزين للأوصاف؟

ولما كنا سائرين في طريق بث الثقافة فلا وجه لقبول الآراء المارة وأمثالها مما يعد عرقلة في سبيل المشروع ، وان نجهد في تحقيق ما عزمنا عليه باتخاذ وسائله الأ أننا يجب ان لا نتخذ (طريقة التعليم) كما هو الشأن في المدن وبمقياس واسع. وما لا يدرك كله لا يهمل جله فلا نريد ان يكونوا مثل أهل المدن وبمناهجهم ومقياس حياتهم فيجاروهم في الثقافة ونجعل هؤلاء تابعين مناهج التعليم في (المعارف). وهل لهم تلك القدرة أو صبر لاجتياز العقبات حتى يتساوى الحضري والبدوي في الثقافة؟!

وهنا يهمنا ملاحظة أثر التعليم في البدو والدرجة التي يستحقون أن تبلغ بهم ليكونوا أعضاء فعالة في المجتمع فينالوا النصيب اللائق وان ندرك وجوه تحقيق الممكنات فيهم ليحصلوا من الثقافة على درجة وافية بحاجتهم أو بالتعبير الاولى أن يكونوا عارفين بما عندهم منتظما وزيادة قليلة. والمواهب تقويها وتزيد عليها ، أو تكتفي بما عندها.

وكنت أوضحت ذلك في كتاب عشائر العراق المجلد الاول ونشرته سنة ١٩٣٧ م. وأنا مسرور أن يتجدد البحث وتشاركني جماعة ممتازة من أهل الثقافة في الموضوع كما اني أوضحت ثقافة عشائر الكرد في المجلد الثاني. والاحوال متقاربة.

٣٣٨

ويهمنا أن نوضح الآن الوجهة العملية للاصلاح التي جعلناها هدفنا بعد أكتناه تلك الاقوال ، فلا أريد أن أسرح في الخيال فأقول : يجب أن يكون التعليم عاما وان يشمل أبناء الشعب كافة. وانما رجحت لزوم أدخال (التعليم البسيط) في ربوعهم ، ومن ثم نرعى تقوية ذلك وتوسيعه تدريجيا ، ولذا أرى من الصعب ان نقلب البادية إلى حضارة وان كنا نتمنى ذلك إلا ان الاماني والاحلام تضليل. لم يشبع هؤلاء الخبز فكيف يصح ان نوجد فيهم (تخمة) من العلوم. وليس لهم مأوى فكيف نستطيع تعليمهم الكماليات ...!!؟

وهنا أثبت النهج الذي اختططته في تثقيف البدو على أساس (الثقافة البسيطة) ، وان يكون من طريق أوضاعهم في حياتهم. فإذا كان البدوي يفكر في طريقة القنص ، وفي اتخاذ تدابير لمحافظة كيانه خشية ان يبتلعه الآخرون وكلهم طالب صيد ، أو أن يرتاد المراعي ، فلا شك اننا نهدف في تعليمه نواحي اصلاح في هذه وامثالها وحسن التبصير بطرق ادارتها ، فلا تترك الفتوة الغريزية فيه ، ولا الشجاعة ولا العزة أو الشمم. وانما تصرف هذه إلى ناحية مهمة بأن لا تتجاوز أو تعتدي على الغير. وهكذا في الالتفات إلى حاجيات هؤلاء ، وما تقوم به حياتهم أو لا تترك ناحية تسير بهم نحو ما يعلمون بل نقوي فيهم خير الخصال لا سيما ما له مساس بالحياة الاجتماعية ، أو ما كان له ارتباط بسمرهم ، وما يخدم ثقافتهم.

وجل ما نتطلبه ان نجعل كل واحد منهم في مستوى أرقى من أي امرىء منهم في عقيدته ، في آدابه ، وفي مهمات حياته. بأن نجهد أن نجعله بدويا بصيرا متعلما نابها ، وان لا نميل به إلى أكثر.

والمناهج التي اقترحتها في تهذيب البدوي وثقافته :

١ ـ القراءة والكتابة بأبسط أوضاعها ، وأن نبذل له القرطاس بوفرة والا فلا يستطيع أن يقوم بحاجته وليس له وارد فضلا عن بعده عن المدن ونلاحظ بعض المطالب بعد أن يتعلم النحو والصرف بأقل ما يمكن تلقينه ...

٣٣٩

٢ ـ الحساب. فلا تتجاوز الاعمال الاربعة.

٣ ـ العقائد والعبادات على أن لا تتجاوز الفروض والامور الضرورية. وأن نقدم له القرآن الكريم ليقرأه دوما. وفيه من التوحيد والثقافة ما يقربه من المعرفة مع حل الالفاظ الغريبة التي يصعب عليه فهمها بتغير لفظي. وقد أفردت في عشائر العراق العربية وفي الكردية بحثا خاصا في العقيدة يتضمن ما ينبغي ان تكون عليه عقيدة العشائر والاهتمام بهذه الناحية يعد أصلا في ثقافة العشائر.

٤ ـ السيرة والتأريخ. وأما السيرة اعني سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين فانها خير ما يجب أن يلقن هؤلاء وهي أفضل تأريخ وأجل سيرة. وباقي التواريخ مما له علاقة بنا يجب أن يلقن بأيجاز.

٥ ـ الشعر البدوي وبعض الفصيح. فيختار ما هو أنقى وأصفى ، وفيه من الاخلاق الفاضلة ما يبعده عن الاعمال الرديئة ، وله مساس بالحياة البدوية.

٦ ـ أن يبصر بالصيد ، والسباق ، وتربية المواشي وبعض أمراضها وطرق وقايتها من الامراض وبالمراعي وتنظيمها أو طريق استغلالها.

٧ ـ الالعاب البدوية وتنظيمها بصورة لائقة.

٨ ـ معرفة حقوق أهل البادية وواجباتهم نحو الامة والدولة.

ويتم ذلك واكثر تدريجيا باستخدام مدرسين عارفين بأوضاعهم. وغالب أهل المدن أصحاب علاقة بالبدو وللاختيار قيمته ليعلموا أوضاعهم وآدابهم معرفة صحيحة ومن طريق ما يعلمون كعرف القبائل ، وبيان المرذول منه ، والمقبول مما يدل على حنكة ودقة نظر.

وهؤلاء المدرسون يجب أن لا ينفكوا من الممارسة ، وبيان المطالعات ، ويختار من آدابهم ما كان نافعا للكل بعد تجارب عديدة بل لا تترك التجارب مرة بعد أخرى ، بل تكرر وتناقش في مؤتمرات سنوية. وكل

٣٤٠