موسوعة عشائر العراق - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨

باسمها الأصلي المعروفة به وبقريتها أو أرضها التي تحل فيها ، وهذا هو الغالب فيهم ... ولا يؤمل الاطلاع إلى ما هو شبيه او مماثل لما عند القبائل العربية من تفريع وافخاذ ... وإذا عرف هذا في الرؤساء فهو وقتي ولمدة. والترك اقرب إلى الأوضاع القبائلية في بداوتهم ...

٥ ـ العشيرة :

وتتألف من عدة أفخاذ أو بيوت وتعيش مجتمعة بالوجه المتعارف ... أو قد يتفرع الفخذ الواحد إلى عدة أفخاذ فرعية بناء على تقادم العهد في بناء البيت فيتكاثر أفراده ويتشعبون بتزايد نفوسهم وحينئذ يتسمى ما كان قد تسمى بالفخذ أو البيت (بالعشيرة). وهذه قد يتساهل في تسميتها فيقال لها (قبيلة) ولكن المعروف أكثر هو ما قدمنا وقد يقال (الفريق) إذا كان جزءا من القبيلة وغير منفك عنها ... وهؤلاء الأفراد متكافئون في الحقوق ومتساوون وتجمعهم صلة القرابة أو ما يدعى (بالعمة أو العمومة) وهنا يقال للفريق (جمعا) حينما يبلغ الف بيت باصطلاح عنزة وشمر في غالب الأحيان. وإلا فعند عشائرنا يقال لجملة بيوت تسكن في موطن فريقا. و (نار الفريق) منه.

والفريق أو الجمع في الغالب لا يراعى فيه القربية أو الاشتقاق من جد واحد وإنما تراعى فيه القربى البعيدة وقد يكونون مختلفي الأفخاذ والبدايد ... وأساسه أن يتفوقوا على أمر من غزو أو ما ماثل ... وباصطلاح عشائرنا لا يختلف معنى الفريق عن (الجمع) والجموع .. وغالب الجموع أن تؤلف للحرب خاصة أو للغزو ولذا يقول المثل : (قال يا محورب حورب! قال : تلاقت الجموع) بخلاف الفريق فانه يتكوّن من أفخاذ مختلفة بسبب المراعي والتجوّل الموقت أيام الربيع فيعود بعد ذلك كل إلى قومه وجماعته (عشيرته أو فخذه).

أما المسؤولية المالية والشخصية في هذه فانها غير مرعية لدى القبائل البدوية أي إذا طالب المنهوب منه أو المسروق منه فلا يسعه ذلك. وأما

٦١

أموال القبيلة فهي محترمة ... ولكنها لدى قبائلنا المتاخمة للمدن أو المجاورة لها فالمسؤولية فيها من قبل المجاورين عامة وان المعتدى عليه يتوسق (يتوسك) من ظفر به. ويمثلون لهذه بان العشيرة (غابة) فلا يمكن الوصول إلى كل مواضعها ولذا يؤخذ من الأطراف أو الجوانب التي يتيسر الأخذ منها. وهذا يعد طريقا لاستيفاء الحق وواسطة للحصول عليه فليس عندهم الجناية شخصية أو فردية على حد ما ورد في القرآن الكريم (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).

وقد نهى الإسلام عن ذلك وأمر أن لا يسأل عن ذنب المرء غيره ويرد بقوله : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) لمن لا يرضى إلا أن يكون الحصول على الحق من الأمور الكيفية ، ويجعلها تابعة للقوة والتمكن من أخذ الحق ... ولكن القبائل ترى هذا لا من ناحية مخالفة النص الصريح ، وإنما هو تدبير لحراسة الحقوق المتقابلة ...

وإن مثل هذا إنما يراعى في المواطن التي لا حكومة فيها ذات سلطة فيستعين المرء بقوة قبيلته فيستوفي حقه ممن عثر عليه ، أو ظفر به من أقارب عدوّه. فكأن القوم في حرب. وفي هذا ضمان لم يجد أهل البادية بدا من الركون إليه ولا رأوا ضمانا له غير هذا ... أو بالتعبير الأصح لم يتمكنوا من اكتشاف طريقة أسلم من هذه فهي الطريقة المثلى عندهم بالنظر للتجارب التي مرت عليهم ، وقد رأوا كثيرا ما لهذه الطريقة من النفع والحصول على الحق أو صيانته بتأمين المطلوب.

وحينئذ تحسب هذه الأمور إذا أريد الصلح أو المسالمة. وقد تدعو هذه لحروب دموية. وإذا خلت من التجاوز وهو واقع قطعا كانت ضمانا وحراسة للحقوق.

رأينا بعض الرؤساء من يحرم الوسقة (الوسكة) من الأقارب ويراعي أحكام القرآن الكريم ولا يسأل سوى الجارم كما في آية (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وعلى هذا يقولون (كل شاة معلقة من كراعها).

٦٢

أما العشائر البدوية فلا تسأل أكثر من الخامس في درجة القربى من البطون ولا تطالبه لا بالمسؤولية الشخصية ولا بالجناية المالية ... أيا كان ومن أي قبيل سواء كان قريبا أو بعيدا على أن لا يكون من عشيرة أخرى. وتمنع التطاول على أموال القبيلة بتاتا وفي حالة أن يكون القريب جنى على قريبه جناية ما سواء كانت مالية أو بدنية فإن المسؤولية تقتصر على الفخذ ولا تتجاوزه. وهذا لم يقدر بالخمسة ولكنه في الحقيقة لا يتجاوزها وأما إذا كانت قد وقعت الجناية بين أهل الفخذ فتكون المسؤولية على الفاعل نفسه دون غيره وتضاعف في الأكثر ...

ثم ان هذه الحالة للجماعات العشائرية من الألفة والتكاتف واحتماء بعضها بالبعض قد يسبب العداء بينها وبين المجاورين وتؤدي إلى ما يؤذن بالخطر ، أو يهدد كيان الجماعة ويتكاتفون لأجله أو بالتعبير الأصح ان ذلك لا يحتاج إلى مقاولة أو معاهدة وإنما يتم بمجرد وقوع الخطر وحدوثه ... والمهددات لكيان العشائر كثيرة ومتعددة. ولذا نجدهم يتخذون وسائل عديدة لتقوية التضامن بينهم ويتأهبون لدفع الطوارئ والعوادي وأهمها : التذكير بالوقائع القريبة العهد والاجتماعات المتوالية في المجالس والدواوين تنبه على لزوم التضامن في حراسة الأموال والأنفس وتهييج العداء بالهوسات وبذكرى الوقائع السابقة وحكايتها واستخدام العماريات والخطابة المشوبة بحماس ومقترنة بالأشعار ومتى شعرت جماعة أو عشيرة بضعف ركنت إلى التحالف مع العشائر الأخرى المجاورة مذكرة لها بقرابة ولو بعيدة ، كالاشتراك في القحطانية أو العدنانية ... أو بجوار ، أو بوقائع متماثلة أعانتها بها ، أو بالأخطار التي تنجم من جراء ذلك أو استعطافها وأنها سوف ينالها ما ينال هذه ، وقد تستخدم عدة وسائل من هذه وفي خلال ذلك ترى التهويل ، والاستنهاض ...

ومن ثم يحصل الاتفاق ، أو التحالف أو يتدخل في أمر الصلح ... وهذه حالات أشبه بالحقوق الدولية أو أنها مصغرتها ، والطبيعية منها ...

ونترك الآن البحث عن العلاقات بين العشائر المتقاربة أو المتباعدة

٦٣

وان كان الأصل من نجار واحد ... فقد نرى لهذه علاقات وصلات متنوعة لا يسهل الكلام عليها ما لم نعرف عن العشائر وخصوصياتها شيئا ... قبل أن نرجع إلى العلاقات الخارجية ...

٦ ـ القبيلة :

وقد تتألف الجماعة العربية من عدة عشائر بان تكتسب ضخامة وسعة في تكوّنها .. وحينئذ يقال لها (القبيلة) وقد يتساهل في التعبير فتسمى العشيرة باسم القبيلة كما تقدم. وهذه لا تفترق عن العشيرة إلا في الرياسة العامة بأن يكون رؤساء العشائر منقادين لرئيس القبيلة ، وقد يصح التعبير إذا قلنا ان القبيلة عشيرة موسعة ، وبالغة حدا كبيرا من التفرع والتشعب ... فهي لا تختلف في حكمها عن العشيرة وحينئذ تكون الكلمة واحدة وان كانت كل عشيرة تدار داخليا من قبل رئيسها .. فالرؤساء هنا بمنزلة رؤساء الأفخاذ في العشيرة ...

وهذه لا تكون المسؤولية العامة فيها إلا في المطالب العظمى والحالات الشاذة فهم متناصرون فيما بينهم. وكذا رئيس القبيلة هو واسطة التفاهم مع الحكومة دون رؤساء العشائر .. أو تتدخل الحكومة لحل النزاع بين فريق وفريق من العشائر المتخالفة ممن هم تحت سلطة رئيس القبيلة .. فيتفاهم معه ، أو يتفاهم مع رؤساء العشائر المتخالفين ...

وعلى كل حال ان هذه الحالة ضئيلة العلاقة. فليست كالفخذ في شدة ارتباطه ولا كالعشيرة في تكاتف افخاذها. وإنما هي سلطة عامة وغالبها اسميّ وتنفذ الأوامر على أيدي الرؤساء على العشائر فهي أشبه بالادارة العامة للولاية أو اللواء بالنظر للأقضية والنواحي في نظام المدن ...

والفرق هو ان بين الحكومة وأفرادها عمومية وأما في هذه فلا يتولى الرياسة على العشيرة إلا من كان من بيت الرياسة ، أو من أبدى مهارة بحيث رضيت عنه العشيرة فانتزعها ممن لا يصلح لها وهذا نادر جدا ... وكذا يقال في الرياسة العامة فانها لا يتولاها على القبيلة إلا من كان من

٦٤

بيت الرياسة وما شذ عن هذه القاعدة فذاك لأسباب غالبها ظهور الخطر المهدد لكيان القبيلة ، ووجود المقدرة وخمول بيت الرياسة ... خصوصا إذا علمنا ان الرياسة في العشائر تكون لمن هو أشجع من غيره ، أو أكرم منه ، أو جمعها معا حتى ارتضته القبيلة من بيت الرياسة ، أو من بيت آخر مالت إليه وعدلت من الأصل الذي كانت تعترف له. وهذا مشاهد كثيرا ...

والحاصل ان القبائل تظهر قوة تكاتفها في أمور منها الدية ، والمطالبة بالدم أو الثأر وبضمانات الجرائر ... وكذا القيام بفورة الدم ، ومعاونة الضعيف واعطائه (الحذية) .. الخ.

وعلى كل حال لا يحصر أمر التعاون والتضافر ويتجلى عند منازعات القبائل وحروبها وغزواتها ...

وأساس ذلك انه تراعى فيه الدرجات بالنظر للحوادث. وفي المثل يقال (ضم أخاك لابن عمك وابن عمك للغريب) وهكذا يقال عنهم في كافة أمورهم ..

فمثلا ان القبيلة التي تمت إلى القربى مقدمة لديها دون غيرها ولو كانت القربى بعيدة جدا ...

وهذه الأحوال تلاحظ عند الملمات فتهيج كامن القربى والعداء مع القبائل الأخرى ... وحينئذ تثير أمشاج القربى ووشيجة النسب فيتحرك وتر الشعور ودقات الاحساس فتدفعها لتيارها وتسوقها لغرضها .. وهكذا.

وهنا نرى البلاغة والتلاعب في جلب النفوس في الشعر فالحكايات والهوسات وهكذا كل ما يسلك طريقه فيها ويجذب رغبة.

٧ ـ الامارة :

وقد تتقارب عدة قبائل ، أو تتكاثر إلى أن تكون قبائل عديدة فيتولى امارتها رئيس الفخذ الأول ، أو أن ينال رئيس إحدى العشائر أو القبائل مكانة ويبدي همة زائدة لجمع الكلمة فيعول عليه ... وهذا قليل ، والعنعنة مرعية.

٦٥

وذاك الرئيس هو (الأمير). وفي نجد كلمة أمير عامة تقال لرئيس كل قبيلة ، أو عشيرة ولكن أصل وضعها للامارة على عدة قبائل وتولي رياستها ...

وهذه علاقتها أكبر وان كانت أضعف من حيث التدخل في شؤون كل قبيلة. وإنما هي سيطرة عامة ، وزعامة ... تنظر في العلائق العامة بين القبائل كما ان رؤساء القبائل ينظرون إلى العلائق بين عشائرهم. وكذا تلاحظ مكانتها بالنظر للامارات ، أو القبائل الأخرى بين أن تكون على سلم ، أو حرب ، أو غزو ...

وهنا تترتب حقوق لا تفترق عن حقوق القبيلة أو العشيرة بصورة أعم وأعظم ...

وسيأتي الكلام على عرف القبائل. وكذا على علاقتها مع بعضها مما يستدعي البحث الطويل والاستقصاء عن الأحوال ..

وهذا البحث مهم جدا. ومن أهم مباحث القبائل. ويبطل مزاعم من ينظر إلى القبائل كنظرة همجية أو وحشية فيتصورها لا همّ لها سوى الغزو والنهب دون قانون ولا عادات تكبحها وحقوق تردعها ، أو تعاملات توقفها عند حدّها.

وغاية ما أقوله الآن انها لم تخرج عن النظام والعادات المقررة حتى في غزوها وقيادتها للغزو ، وتقسيم الغنائم ... الخ.

ملحوظة :

وإذ قد عرفنا تكوّن البيت والفخذ ، والعشيرة ، والقبيلة ، والامارة ، ومكانة كل من هذه بالنظر للأخرى اجمالا تحتم علينا أن نبحث عن الشكل الكامل (القبيلة). والكلام عليها لا يفترق عن الإمارة بوجه ...

فالكلام على القبائل هو كلام على كافة الجماعات العربية ولا نفرق بين ان يكون قبيلة إذا كان كبيرا ، وبين أن يكون عشيرة فيما إذا كان كذلك.

٦٦

لذا ترانا قد نفخذ القبيلة إلى افخاذ متتالية والى شعب أخرى مما لا يراعى فيه التصنيف المار الذكر اكتفاء بما علم. هذا مع بيان العلاقة والقربى بين القبائل ...

فلا يوجه النقد إلى ان الواجب ان تعد بعض القبائل امارات نظرا لتكاثر فروعها وتفرعهم إلى من هو دونهم ... ولا مشاحة في الاصطلاح. وإنما الغرض هنا أن نتكلم عن القبيلة وما تفرعت إليه من الفروع التالية دون التزام لبيان قبيلة ، أو عشيرة أو ما ماثل وإنما نكتفي بالاسم الصحيح المعروفة به الكتلة الموضوعة البحث قبيلة كانت أو عشيرة فيحافظ على اسمها مع غضّ النظر عن فروعها أو كثرة تفرعها ... وباقي المباحث تذكر عند خصوصية كل قبيلة بحيالها.

٦٧

ـ ١٠ ـ

عرب العراق

إن هجرة العرب ونزوحهم إلى العراق والشام وسورية ... والى مصر والبحرين ... قديمة العهد ، ولعلها ابتدأت من أيام الحكومة الحمورابية ، أو قبلها بأمد لا نستطيع تعيينه حتى تكوّنت هذه الحكومة كما ارتأى ذلك مؤرخون كثيرون ولم تنقطع صلتهم بالعراق ، أو احتكاكهم به على بعد الزمن ، وتعزى الهجرة بالنظر لمؤرخينا إلى سعة ملك اليمن واكتساح ملوكهم الممالك الأخرى ، ثم إلى سيل العرم في اليمن ، ثم إلى تكاثر القحطانيين والعدنانيين مما أدى إلى الاختلاط وايجاد حلف عربي قيل له (التنوخ) كما سميت القبائل المتفقة (القبائل التنوخية) فكانت تجري الهجرة إلى الأرياف وأهمها (العراق) ...

ولا نعدم بعض النصوص التاريخية عن هذه الهجرات والتدافع بين القبائل والتداخل أو الانقياد والتمثل ... ولا يعرف في الحقيقة وبالضبط تاريخ النزوح إلى العراق وإنما هو قديم ، وإن كافة العرب الموجودين في العراق يحفظون أصلهم وانه من جزيرة العرب ، وان فريقا منهم يمت إلى القحطانية ، وآخر إلى العدنانية ومنهم من هو من العرب الأولى كما يراه البعض ... فهم بالرغم من الاختلاط حافظوا على تجارهم واصلهم الأصيل ولكن الملحوظ هو ان السلطة كانت للقحطانية وان كان يقال عن تغلب العدنانية فالازد لم يضيعوا سلطتهم ...

ولما صالح خالد بن الوليد أهل الأنبار رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها

٦٨

فسألهم ما أنتم فقالوا : «قوم من العرب نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا فكانت اوائلهم نزلوها أيام بختنصر (١) حين أباح العرب ثم لم نزل عنها.» ويفسر هذا القول بالمحفوظ لهم ... فقال ممن تعلمتم الكتاب؟ قالوا :

«تعلمنا الخط من إياد وأنشدوه شعرا :

قومي إياد لو انهم أمم

أو لو أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم باحة العراق إذا

ساروا جميعا والخط والقلم» ا ه (٢)

ومما يبين محفوظات القوم عن أصلهم ان خالدا حينما جاءه رؤساء أهل الحيرة للمفاوضة في أمر الصلح قال : ويحكم ما أنتم؟ أعرب فما تنقمون من العرب؟ أو عجم فما تنقمون من الانصاف والعدل؟ فاجابه عدي اللخمي بل عرب عاربة وأخرى متعربة فقال : لو كنتم كما تقولون لم تحادوننا وتكرهون أمرنا فقال له عدي : ليدلك على ما نقوله انه ليس لنا لسان إلا بالعربية فقال صدقت .. الخ. ثم قال له اختاروا واحدة من ثلاث ان تدخلوا في ديننا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ، أو الجزية ، أو المنابذة والمناجزة فقال بل نعطيك الجزية فقال خالد :

ـ تبا لكم ويحكم ان الكفر فلاة مضلة فاحمق العرب من سلكها فلقيه دليلان أحدهما عربي فتركه واستدل الأعجمي ...!

فصالحوه على مبلغ معين. ولكنهم ثقل عليهم ضياع الإمرة واعطاء الجزية فقال ابن بقيلة :

ابعد المنذرين ارى سواما

تروح بالخورنق والسدير

وبعد فوارس النعمان ارعى

قلوصا بين مرة والحفير

فصرنا بعد هلك أبي قبيس

كجرب المعز في اليوم المطير

تقسمنا القبائل من معد

علانية كأيسار الجزور

__________________

(١) تفصيل غزو بختنصر العرب ص ٩٢ ج ١ من ابن الأثير.

(٢) طبري ج ٤ ص ٢٠ ـ ٢١.

٦٩

وكنا لا يرام لنا حريم

فنحن كضرة الضرع الفخور

* * *

كذاك الدهر دولته سجال

فيوم من مساءة أو سرور

وفي هذه الأبيات يتألم القحطاني في العراق من تغلب المعدية وسيطرتها عليهم بعد أن كان لا يرام لهم حريم ولم يلاحظ العربية الجامعة والأخوة القومية والدين الشامل ... فالمفاخرات وتسلط القبائل العدنانية مما رآه مصابا جللا ...

وكذا يقال عن محاورة عمرو بن عبد المسيح وما جرى له مع خالد ابن الوليد مما برهن به على قدرة تلاعبه بالعربية وبيانه عنها.

وفي وقعة الحيرة وانتهائها بالصلح قال القعقاع بن عمرو مبينا أن أهل الحيرة عرب مالوا إلى الأرياف :

سقى الله قتلى بالفرات مقيمة

وأخرى باثباج النجاف الكوانف

فنحن وطئنا بالكواظم هرمزا

وبالثني قرني قارن بالجوارف

ويوم أحطنا بالقصور تتابعت

على الحيرة الروحاء إحدى المصارف

حططناهم منها وقد كاد عرشهم

يميل به فعل الجبان المخالف

رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا

غبوق المنايا حول تلك المجارف

صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا

الى الريف من أرض العريب المقانف

ومن هذا كله يعلم ان عرب العراق من جزيرة العرب مالوا إلى الأرياف أو تنزلوا إليها ... وكانت السلطة بايديهم ولكنها في قوة تارة وضعف اخرى. والعرب في الجزيرة لا يعدون من انفصل منهم انه يعود اليهم يوما ... ولذا ينسى فلا يحفظون له تاريخا ...

نراهم يقولون عن قوم منهم لا نعرفهم ... وهذا ظاهره الطعن ولكنه في الحقيقة نسيان واهمال لشأنه ... بسبب الوقائع المؤلمة والحوادث القاسية التي دعت فلم يتمكنوا من العودة وطاب لهم المقام ...

٧٠

ـ ١١ ـ

قبائل العراق إلى أيام الفتح الإسلامي

لا يقطع في طريق الانتساب أو الصلة في الكثير من عرب العراق المتحضرة بل نرى الذين مالوا إلى الأرياف وسكنوا المدن انقطعت صلتهم عن العشائر ولم تبق لهم حاجة إلى معرفة الصلة النسبية وانما يكتفون بقولهم انهم عرب ... وأما القبائل المعروفة ممن ذكرت في التواريخ أيام الفتح الإسلامي فإنها لما كانت قريبة العهد ولها صلة بقبائل الفتح دوّن المؤرخون مسموعاتهم عن أصلها وتاريخ ورودها العراق. والقديم منها فكلموا عنه مجملا والآخر أوسعوه تفصيلا ...

وأننا نورد بعض النصوص التاريخية قال الطبري (١) : كان بدء نزول العرب أرض العراق وثبوتهم فيها واتخاذهم الحيرة والأنبار منزلا ان بختنصر أمر أن يغزو العرب الذين لا اغلاق لبيوتهم ولا ابواب (اهل البادية الرحل) ويطأ بلادهم بالجنود فيقتل مقاتلتهم ويستبيح اموالهم. فخرجت طوائف منهم مسالمين مستأمنين فانزلهم بختنصر السواد على شاطئ الفرات فابتنوا موضع عسكرهم بعد فسموه الانبار كما انه اتخذ حيرا على النجف وحصن من كان عنده وحرسهم ، ثم خلى عن اهل الحيرة فاتخذوها منزلا. فلما مات بختنصر انضمّوا إلى اهل الأنبار وبقي ذلك الحير خرابا.

__________________

(١) ج ١ ص ٢٩٣.

٧١

ويقال انه دخل على العرب وحارب عدنان فاجتمع اكثر العرب فقتل فيهم واثخن. ثم رجع بختنصر إلى بابل بما جمع من سبايا العرب فالقاهم بالانبار فقيل (انبار العرب). وبذلك سميت الانبار. وخالطهم بعد ذلك النبط. وبقيت بلاد العرب خرابا ...

وفي هذه الاثناء تطاحنت العرب فيما بينها واقامت عدنان بمكة .. ا ه

وفي خلال سطور التاريخ نجد ان ملوك اليمن قد انبسط ملكهم ودانت لهم الاطراف ومضوا إلى العراق والى ما هو أبعد منه ...

جاء في تاريخ الطبري (١) ما نصه :

«إن ملك اليمن وهو تبّع المعروف تبان أسعد سار بجيوشه حتى جاء إلى جبلي طيىء ثم مضى يريد الانبار فلما انتهى إلى الحيرة ليلا تحير فاقام مقامه. ولذا سمي ذلك الموضع (الحيرة). ثم سار وخلف به قوما من الأزد ، ولخم ، وجذام ، وعاملة ، وقضاعة ، فبنوا وأقاموا. ثم انتقلت اليهم أناس من طيىء ، وكلب ، والسكون ، وبلحارث بن كعب ، واياد. ثم توجه إلى الأنبار ... ثم انكفأ راجعا إلى اليمن» ..

وفي رواية خرج تبع في العرب حتى تحيروا بظاهر الكوفة وكان منزلا من منازله فبقي فيها من ضعفة الناس فسميت الحيرة لتحيرهم. وخرج تبع سائرا فرجع اليهم وقد بنوا وأقاموا وأقبل تبع إلى اليمن وأقاموا هم. ففيهم من قبائل العرب كلها من بني لحيان ، وهذيل ، وتميم ، وجعفى ، وطيىء ، وكلب ... وأيد ذلك التاريخ الإسلامي في وقائع كثيرة منها أن الوفود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نجد فيهم قبائل من اليمن ونرى اخوانهم في العراق فمثلا بهراء جاءت وفودها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما في طبقات ابن سعد ، وحاربها خالد في العراق على ما سيجيء ...

والحاصل ان الأقوال التاريخية ـ مما مصدره العرب والعراق ـ كثيرة

__________________

(١) ج ٢ ص ٣.

٧٢

في بدء سكنى العرب في العراق وسبب نزوحهم ... ودوامهم ، وهجراتهم المتوالية اليه. وعلى كل حال هو قديم لم يدر أوله ... وقبل ما ذكروا فلا يحدّ له وقت ومن بين القبائل التي سكنت قبائل العرب البائدة من عمالقة وغيرهم ممن انقرضوا ولم تبق لهم بقايا معروفة مقطوع بصحة انتسابها ونرى ذكرهم مر مجملا ... ولكن القبائل التي سكنته قبيل الإسلام وعند ظهوره معروفة ولا تزال تشترك في قبائل العرب وفروعها ...

هذا. والقبائل العراقية كثيرة وغالبها قحطانية وقسم منها عدنانية وبينها ما هو متردد بين العدنانية والقحطانية مثل إياد وأنمار ... ولهذه القبائل فروع كثيرة ولا نجد بين هؤلاء ما هو خارج عن الجذمين القحطاني والعدناني. ولكننا نرى بعضها يعزى إلى العاربة الأولى البائدة ... والقبائل العراقية المذكورة جمعاء مفرقة في بطون الكتب. وهذه أشهر القبائل :

١ ـ قبيلة اياد :

هذه القبيلة كان قد تنازعها نسابة اليمن من القحطانية ونسابة العدنانية. قال العدنانيون ان إياد بن نزار بن معد بن عدنان. وإياد هذا سار بأهله إلى اطراف العراق ... وأيدوا دعواهم بقول الشاعر وهو أبو دؤاد الايادي واسمه حارثة ابن الحجاج (١) وكان اشعر شعرائهم (٢) :

وفتو حسن اوجههم

من اياد بن نزار بن معد

وبقول الكميت بن زيد الاسدي :

إياد حين تنسب من معد

وإن رغمت انوف الراغمينا

وكانوا في الذؤابة من نزار

وأهل لوائها مترزنينا

وفي ابن هشام ان ايادا هو ابن معد واورد :

__________________

(١) ابن هشام ص ٢٦ ج ١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٢٥٩.

٧٣

قومي إياد لو انهم أمم

أو لو أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم ساحة العراق إذا

ساروا جميعا والقط والقلم (١)

وهذا هو المشهور وأيده السمعاني في كتاب الأنساب. ومن بني إياد كعب بن مامة الايادي وكان يضرب المثل بجوده ، وقس بن ساعدة الأيادي وكان يضرب بفصاحته المثل.

أما اليمانية فادعت ان إياد بن احاظة بن سعد من حمير (٢).

وهذه القبيلة قديمة العهد في سكنى العراق. ولعلها من اقدم القبائل المعروفة. وكانت ديارها ـ على ما جاء في اليعقوبي ـ بعد اليمامة الحيرة ومنازلهم الخورنق وسدير وبارق ثم أجلاهم كسرى عن ديارهم فانزلهم تكريت ... ثم اخرجهم إلى بلاد الروم. وقال ابن عبد البر : وقوم من الروم يزعمون انهم من إياد وانهم دخلوا مع هرقل إذ هزمهم المسلمون. وقيل انه رحل مع هرقل من إياد نحو سبعين ألفا ونزلوا أنقرة. وقد ذكر ذلك الأسود ابن يعفر في شعره إذ ذكر أنقرة فقال :

نزلوا بأنقرة يسيل عليهم

ماء الفرات يجيء من اطواد (٣)

وقال ابن الأثير عند الكلام على العلائق الحربية بين العرب والفرس :

لما ملك سابور وكان صغيرا ذاع خبر صغره في الأطراف وكانت العرب أقرب إلى بلاد فارس وسواحل اردشير خرّه وغلبوا أهلها على مواشيهم ومعايشهم واكثروا من الفساد وغلبت إياد على سواد العراق ... فمكثوا حينا لا يغزوهم أحد من الفرس لصغر ملكهم ... فلما كبر سابور

__________________

(١) ص ٤ و ١٧ من سيرته ج ١. الا انه في صحيفة ٢٩ منه اورد ان إياد بن نزار. هكذا قال اليعقوبي ج ١ ص ٢٣٧.

(٢) ص ١٨٧ من التنبيه والاشراف.

(٣) القصد والأمم ص ٢٧.

٧٤

اوقع بالعرب فقتل واسر واكثر ثم قطع البحر إلى الخط فقتل من بالبحرين ... وسار إلى هجر وبها ناس من تميم وبكر بن وائل وعبد القيس وقصد اليمامة واكثر في اهلها القتل وغوّر مياه العرب وقصد بكرا وتغلب فيما بين مناظر الشام والعراق فقتل وسبى ... وكان ينزع اكتاف الرؤساء ممن يظفر بهم فسموه ذا الاكتاف ...

وكان لقيط الايادي معهم فكتب إلى إياد :

سلام في الصحيفة من لقيط

الى من بالجزيرة من اياد

بأن الليث كسرى قد اتاكم

فلا يشغلكم سود العتاد

اتاكم منهم سبعون الفا

يزجون الكتائب كالجراد

فلم يقبلوا منه وداموا على الغارة فكتب اليهم :

ابلغ ايادا وخلل في سراتهم

اني ارى الرأي ان لم اعص قد نصعا

فلم يحذروا واوقع بهم سابور وأبادهم قتلا إلا من لحق بارض الروم (١) ا ه.

ومن وقائعهم مع الفرس (وقعة دير الجماجم) في ملك سابور بن سابور ذي الاكتاف. وكانت إياد تؤرخ بهذه الوقعة قال شاعرهم :

على رغم سابور بن سابور اصبحت

قباب إياد حولها الخيل والنعم

كما كانوا يؤرخون خروجهم من العراق إلى الجزيرة حين اوقع بهم سابور وقد تمثل بهذه الوقعة بعض الشعراء :

قلت والليل مطبق بغراب

أرقب النجم لا احس رقادا

ان حيا يرى الصلاح فسادا

ويرى الغي في الأمور رشادا

لقريب من الهلاك كما

اهلك سابور بالعراق ايادا (٢)

__________________

(١) ج ١ ص ١٣٦ من ابن الاثير.

(٢) ص ٢٠٥ ـ ٢٠٦ من التنبيه والاشراف.

٧٥

قال اليعقوبي :

«لما تفرق اهل اليمن قدم مالك بن فهم بن غنم بن دوس حتى نزل أرض العراق في أيام ملوك الطوائف فاصاب قوما من العرب من معد وغيرهم بالجزيرة فملكوه عشرين سنة ، ثم قدم جذيمة الأبرش فتكهن وعمل صنمين يقال لهما الضيزنان فاستهوى أحياء من احياء العرب حتى صار بهم إلى ارض العراق وبها دار إياد بن نزار وكانت ديارهم بين ارض الجزيرة إلى ارض البصرة فحاربوه حتى صار إلى ناحية يقال لها بقة على شط الفرات بالقرب من الأنبار وكان تملك تلك الناحية امرأة يقال لها الزباء ، وكانت شديدة الزهادة في الرجال. فلما صار جذيمة إلى أرض الأنبار واجتمع له من اجناده ما اجتمع قال لاصحابه إني قد عزمت على أن أرسل إلى الزباء فاتزوجها وأجمع ملكها إلى ملكي فقال غلام له يقال له قصير ان الزباء لو كانت توافق بالزواج لسبقت اليها فكتب اليها وكتبت إليه أن أقبل إليّ أزوجك نفسي فارتحل إليها فقال له قصير لم أر رجلا يزف إلى امرأة قبلك وهذه فرسك العصا قد صنعتها فاركبها وانج بنفسك فلم يفعل فلما دخل عليها كشفت عن فخذها فقالت أدأب عروس ترى قال دأب فاجرة بظراء غادرة فقطعته الزباء وركب قصير الفرس العصا ونجا. ولما قتل جذيمة ملك مكانه ابن اخته عمرو بن عدي بن نصر ...» ا ه (١)

وفي تاج العروس ما نصه :

«وإياد حي من معد وهم اليوم باليمن قال ابن دريد هما إيادان إياد بن نزار وإياد بن سود بن الحجر بن عمار بن عمرو (٢) قال ابو دؤاد الايادي :

في فتو حسن أوجههم

من إياد بن نزار بن مضر» (٣)

__________________

(١) ج ١ ص ٢٣٧.

(٢) في ماده طحا ورد بلفظ (عمران) قال : «طاحية بن سود بن الحجر بن عمران ابو بطن من الأزد والنسبة اليه الطاحي والطحاوي. وطاحية محلة بالبصرة نزلها هذا البطن» ا ه.

ج ١ ص ٢٢٣.

(٣) ج ٢ ص ٢٩٣ تاج العروس.

٧٦

وقال صاحب اشتقاق الانساب :

«وإياد بطون ... ومن إياد ابو البهاء الشاعر ، ومنهم بنو علي بن سود لهم خطة بالبصرة وحوض. ومن بني علي سلم بن محمد بن حجر صاحب حوض بني علي بالبصرة ..» ا ه (١)

فعد ايادا من قبائل طاحية بن سود ومن بطونهم اياد ، وعلي ، وعبد الله ، وبهذا يكونون من القبائل القحطانية .. ولكل وجهة ... اما اليوم فلا نشاهد قبيلة بهذا الاسم ، تعد من بقاياهم بل ولا نعرف قبيلة في العراق تمت اليهم بنسب وقربى. وفي انساب السمعاني ذكر انها تنسب إلى إياد بن نزار بن معد بن عدنان وتشعبت منه القبائل ثم عدّ جماعة ممن اشتهروا بالنسبة إلى هذه القبيلة فلا محل لا يرادها هنا ، ونكتفي بالاشارة اليها (٢).

وان ايادا هذه حافظت على مكانتها وعلى اسمها إلى ظهور اياس بن قبيصة الطائي ووقعة ذي قار فان هذه القبيلة كانت مع اياس امير العرب فارسلت إلى بكر سرا بان أي الأمرين أحب اليكم أن نطير تحت ليلتنا فنذهب أو نقيم فنفر حين تلاقوا القوم ..! قالوا بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم بهم. ففعلوا ما ارادت بكر ... (٣)

وكانت الامارة فيهم قبل أن تأتيهم القبائل التنوخية إلى العراق وبعد ان جاءوا إلى العراق كانت لهم اليد في مقدرات هذه الامارة كما نرى ذلك في امارة عدي بن عمرو بن ربيعة من آل نصر اللخمي ...

وفي كل هذه المدة حافظوا على انسابهم ولم يختلطوا بالاعاجم وسائر الفرس. ولكن بسبب مساكنتهم لتخوم الفرس ومخالطتهم لهم صار سائر العرب يكرهون قربهم من العجم ويعدّون ذلك ضياعا لعربيتهم

__________________

(١) ص ٢٨٥ اشتقاق الانساب.

(٢) الانساب للسمعاني ص ٥٤ ـ ١.

(٣) ص ١٥٣ طبري ج ٢.

٧٧

وعروبتهم. ولذا يرون منزلتهم نازلة ، ومكانتهم حقيرة لحد انهم عدّوهم من العجم ونبزوهم بذلك واتقيت مداخلتهم .. ويبعّد هذا احتفاظهم بانسابهم ... ولم يبالوا بالاعراب الذين يطعنون فيهم .. (١) وفي اليعقوبي ذكر لجماهير قبائلهم فليراجع ...! (٢)

وكانوا في اوائل امرهم يناصرون الفرس والفرس يناصرونهم وذلك حينما كانت السلطة بايديهم ...

ومما يشير إلى ذلك بعض الوقائع التي من شأنها ان تولد البغضاء بين إياد وسائر العرب ... فيقال انه في بعض الايام نزل رجل من قبائل بكر وتغلب ابني وائل بناحية قريبة من بلاد الفرس من منازل إياد ومعه ابنته وكانت من اجمل نساء العالم فوشى به رجل من إياد لدى ملك الفرس فاغتصبها من ابيها ويقال انه عرض جميع المشتهيات وخوّفها بجميع العقوبات ومسّها بكثير من المؤلمات ليرى وجهها فأبت وخيرته بين ان يقتلها ، أو يعيدها لأبيها ، فلما يئس منها اسكنها في موضع واجرى عليها الوظائف الترفيهية واكتفى برؤية قامتها تحت ملابسها في بعض الأحيان. وبسبب ذلك نشبت حروب بين العرب والفرس وانقضى الأمر بقتل ملك الفرس وتخليص الفتاة. وهذه الوقعة بين المحفوظات التي لم يعلم تاريخها ولا وقتها. وعلى كل نرى لإياد يدا في الحصول عليها كما نرى لطيىء اصبعا في وقعة ذي قار ..

وكان اسم هذه البنت (ليلى بنت لكيز). ومن كلامها اثناء ما حصل لها تحث اهلها والعرب على تخليصها والغريب ان تعد ايادا في جملة من تستصرخهم على ذلك وتطلب نفي العار عنهم ...

__________________

(١) تاريخ دول العرب والاسلام ص ٥٦ وغيره.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٢٥٨.

٧٨

وفي هذه القصيدة تعد القبائل المعروفة والمعوّل عليها آنئذ فتقول :

ليت للبراق عينا فترى

ما ألاقي من بلاء وعنا

يا كليبا وعقيلا اخوتي

يا جنيدا اسعدوني بالبكا

عذبت اختكموا يا ويلكم

بعذاب النكر صبحا ومسا

غللوني قيدوني ضربوا

ملمس العفة مني بالعصا

يكذب الأعجم ما يقربني

ومعي بعض حشاشات الحيا

قيدوني غللوني وافعلوا

كل ما شئتم جميعا من بلا

فأنا كارهة بغيكم

ويقين الموت شيء يرتجى

يا بني كهلان يا أهل العلا

ا تدلون عليّ الأعجما

يا إيادا خسرت أيديكموا

خالط المنظر من برد عمى

فاصطبارا وعزاء حسنا

كل نصر بعد ضرّ يرتجى

اصبحت ليلى يغلل كفها

مثل تغليل الملوك العظما

وتقيّد وتكبّل جهرة

وتطالب بقبيحات العنا

قل لعدنان هديتم شمروا

لبني مبغوض تشمير الوفا

واعقدوا الرايات في اقطارها

واشهروا البيض وسيروا لي ضحا

يا بني تغلب سيروا وانصروا

وذروا الغفلة عنكم والكرى

احذروا العار على اعقابكم

وعليكم ما بقيتم في الدنى

* * *

ومن ابياتها ان بني كهلان هم الذين دلوا عليها فتعاتبهم وتستصرخ ايادا ، وكذا عدنان وبني تغلب منهم تطلب ان يشمروا لانقاذها .. وفي امثالها يسمع الكثير أيام الحروب ، والأمور التي يهيج لها القوم للوقيعة بأعدائهم .. والظاهر أنها إن صحت في وقعة عامة ولذا تطلب معاونة عامة ... وفيها تستنهض الهمم وتحرك الشعور والاحساس ...

هذا. والمعروف من إياد بنو سبين وهم بالحيرة منهم بقيلة صاحب

٧٩

القصر الذي يقال له قصر بني بقيلة بالحيرة. ومنهم عبد المسيح بن عمرو ابن حيان ابن بقيلة الذي صالح خالد بن الوليد على الحيرة وكان من المعمرين وهو الذي بعث به كسرى برويز إلى سطيح الشام في رؤيا الموبذان ... (١)

ومن مشاهير إياد ابنة الخس وجمعة بنت حابس منهم ... (٢)

٢ ـ قبيلة أنمار :

قبيلة أيضا مختلف في نسبها بين النزارية والقحطانية. والأولون يقولون أنمار بن نزار وأيدوا ذلك بقول الشاعر :

وأنمار وإن رغمت أنوف

معدّيو العمومة والخؤول

لهم لغة تبين من أبيهم مع

العز الشواذخ ذي الحجول

وفي تاج العروس :

«وأنمار بن نزار بن معد بن عدنان ويقال له أنمار الشاة وذكر في مادة (ح م ر) وقال ابن الجواني النسابة في المقدمة الفاضلية : وأما قولهم ربيعة الفرس ومضر الحمراء فزعم بعض النسابين ان نزارا لما توفي اقتسم بنوه ميراثه واستهموا عليه فذكرهم إلى أن قال : وكان لنزار قدح كبير يسقي فيه الضيوف اللبن فاصابه أنمار ثم قال وقيل إن نزارا لما حضرته الوفاة قسم ميراثه بين بنيه المذكورين وقال إن اشكل عليكم الأمر فعليكم بالأفعى الجرهمي حكم العرب فلما مات نزار واختلفوا مضوا إليه فذكروا القصة إلى أن قال وقضى لأنمار بالدراهم والأرض. وقال سيبويه : النسب إلى أنمار أنماري لأنه اسم للواحد.» ا ه (٣)

__________________

(١) الاشتقاق ص ٢٨٥ وتفصيلها في العقد الفريد ج ١ ص ١٣٣.

(٢) بلوغ الارب طبعة سنة ١٣٤٢ ه‍ ـ ١٩٢٤ م ج ١ ص ٨١ وص ٣٣٩ : ٣٤٢.

(٣) ص ٥٨٦ ج ٣.

٨٠