موسوعة عشائر العراق - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨

متصل وإنما كان يكون منهم الواحد بعد الآخر وبين الأول والآخر فترات طويلة لا يقف على مبلغها العلماء لقلة عنايتهم بها وبمبلغ عمر الأول منهم والآخر إذ لم يكن من الأمر الدائم فإن دام منه شيء فإنما يدوم لمن دام له منهم بأنه عامل لغيره في الموضع الذي هو به لا يملك بنفسه وذلك كدوامه (لآل نصر) (١) ... فلم يزل ذلك دائما لهم من عهد اردشير بن بابكان إلى ان قتل كسرى أبرويز النعمان فنقل عنهم إلى اياس بن قبيصة الطائي (٢).

وعلى كل وفي أيام القحطانية تكاثر العدنانيون من ذرية اسماعيل عليه السّلام.

ومن أشهر حوادث القحطانية قصة بلقيس مع سليمان عليه السّلام وسيل العرم. ومن ملوكهم التبابعة ، توالى ملوكهم إلى ان تملك الحبشة عليهم فانتزعوها من ملكها ذي نواس. ثم استعادوا الملك بنصرة من الفرس ، ثم حكم الفرس على اليمن إلى ان ظهر الإسلام. وكان حاكمها أيام العهد الإسلامي باذان (٣).

والقبائل القحطانية كثيرة ومنها طيىء ولخم ومذحج وهمدان والأزد (الأسد) وقضاعة.

ومن هؤلاء وغيرهم انتشرت جماعات في الأطراف استولت على بعض الأقطار العربية كالبحرين والحجاز ومنهم من مال إلى العراق واريافها فتكونت منهم إمارات من آل نصر اللخميين وغيرهم ... ويعزى أول تفرق اليهم كان بسبب سيل العرم ... والتفصيل في اليعقوبي (٤).

ولا زال شطر كبير من العرب متكونا منهم ، وأكثر قبائل العراق اليوم منهم ، ومنهم قبائل كبرى أيضا في غير العراق .. لا تكاد تحصى عدا .. ولا تزال منتشرة في جزيرة العرب وسورية ومصر ...

__________________

(١) هم المناذرة وآباءهم ممن ملك العرب في العراق.

(٢) الطبري ج ١ ص ١٦٢.

(٣) الأخبار الطوال ص ٦٥.

(٤) تاريخ اليعقوبي ص ٢٣٩ وما يليها.

٤١

ـ ٤ ـ

العرب المستعربة

(العرب العدنانية)

وهؤلاء من ولد اسماعيل عليه السّلام (١) فإنه كان قد ترك أولادا كثيرين وكانت أمور مكة بيد ابنه (نابت) فلما توفي غلبت جرهم على البيت والحرم فخرج ابنه الآخر (قيذر) بأهله وماله يتتبع مواقع القطر فيما بين كاظمة وغمر ذي كندة والشعثمين. وما إلى تلك الأرضين حتى كثر ولده وانتشروا في جميع أرض تهامة والحجاز ونجد (٢).

وفي خلال هذه المدة واثر حادثة سيل العرم انفصل عن جماعة الأزد (٣) فريق منهم ، عمرو بن ربيعة المعروف ب (لحي) ومن معه فانتشروا بالحجاز وما والاها فصار قوم إلى عمان وآخرون إلى الشام. وإن عمرو بن لحي أزاح جرهم وولي أمر مكة وكان أمير خزاعة فبقيت الامارة في أيدي قبيلة خزاعة .. ومن هؤلاء تكونت بطون كثيرة. (٤)

وعلى كل قد أزاحوا جرهم باتفاق مع ذرية اسماعيل عليه السّلام ولم تمض

__________________

(١) العرب المستعربة تمت الى إبراهيم عليه السّلام والد اسماعيل.

(٢) ص ١١ من الأخبار الطوال. وص ١٦١ ج ١ من الطبري.

(٣) ورد في اشتقاق الأنساب بلفظ أسد" بفتح الهمزة وسكون السين" والمشهور الأزد كما ذكر ... ص ٢٧٦.

(٤) اشتقاق الأنساب ص ٢٧٦ وسيرة ابن هشام.

٤٢

مدة حتى جاءت النوبة إلى أولاد معد بن عدنان من سلالة اسماعيل عليه السّلام فتكاثروا وتكونت منهم قبائل أسد ، وكنانة ، وربيعة وتميم ، وعنزة ، وإياد ، وأنمار ، ومضر ، وغيرها ..

ومن هؤلاء مضر وربيعة هما الصريحان من ولد اسماعيل بن ابراهيم عليه السّلام وتنازع النساب في إياد وأنمار فمنهم من عدّهم من نزار ومنهم من اعتبرهم من قحطان والباقون إما من ربيعة أو من عدنان قطعا .... ومن ثم سمّوا (بالعرب العدنانية) كما ان عرب اليمن من قحطان قيل لهم (العرب القحطانية) (١).

وقف العلماء عند عدنان ولم يقطعوا في سلسلة نسب آباءه وأجداده إلى اسماعيل فقد اختلفوا في ذلك اختلافا كبيرا جدا إلا أنهم أجمعوا على أن عدنان من ذرية اسماعيل عليه السّلام وعند التجاوز قالوا : (كذب النسابون) وفي الحقيقة لا يقوم دليل على عدّ الأنساب والمعرفة في هذا اجمالية ، وهي المعوّل عليها ...

ولا يهمنا إيراد ما قيل في آباء العدنانيين وسرد الاختلافات في انسابها. والتفصيل في كتاب الانباه على قبائل الرواه وغيره والأكثر ممن يرغب في الإيضاح يركن إلى قصيدة أبي العباس عبد الله بن محمد الناشي في الكتاب المذكور (٢).

والتساهل ظاهر في التسمية للقبائل المتفرعة ، أو الناجمة من أصل اسماعيل عليه السّلام من العدنانية ، أو المعدية ، أو النزارية ، أو المضرية ، وكلها تعني القبائل المستعربة أو الاسماعيلية.

__________________

(١) المسعودي والطبري.

(٢) ابن عبد البر : الانباه على قبائل الرواه ص ٤٦ : ٥٠.

٤٣

ـ ٥ ـ

اختلاط العدنانية والقحطانية

ثم ان هذه القبائل تكاثرت وحصلت على اسمائها المعروفة أخيرا من عدنانية وقحطانية وتركت التسمية الأولى ولازمها اسمها الجديد إلى اليوم. فمن هؤلاء خزاعة تسلطت على العدنانية ثم تقوّت هذه عليها وبعدها كانت العلاقات متوالية والقبائل في توافق وتدافع حتى تغلبت العدنانية ومال قسم من هذه نظرا لضيق ارضها بها كعنزة وربيعة إلى البحرين. وهناك تحالفوا مع القحطانيين على التنوخ وتعاقدوا على التناصر حتى صاروا يدا واحدة فاختلط العدناني منهم بالقحطاني وضمهم اسم (تنوخ) وان كانت كل قبيلة احتفظت باسمها الأصلي ... ومن ثم شعروا بالقوة فطمعوا أن يغلبوا الأعاجم على ريف العراق مما يلي بلاد العرب فساروا إلى العراق ونزلت تنوخ من الأنبار إلى الحيرة في الأخبية لا يسكنون بيوت المدر فاستمروا على بداوتهم ...

وهذا الاتفاق من أمد بعيد جدا ويقال انه أيام بختنصر كما سيأتي التفصيل. وبالنظر للقبائل الموجودة كان الأول من نوعه على ما هو معروف وإلا فقد سبقته هجرات كثيرة من العرب معروفة تاريخيا ...

وقد اطنب المؤرخون في التحقيق والتدوين عن العرب في العراق.

٤٤

ـ ٦ ـ

انتشار العربان في الاطراف

ومن هذا يرى ان هذه القبائل كان بدء انتشارها ومجيئها إلى العراق أيام بختنصر وان أولاد اسماعيل عليه السّلام كان أصلهم من العراق أيضا ثم عادوا بالاتفاق مع القحطانية وتملكوا قسما منه ... والتاريخ يبرهن ان صلة العرب بالعراق غير مقطوعة من عهد ابعد مما ذكره مؤرخو العرب وان الكلدان جاؤوا من جزيرة العرب ، وهم في الحقيقة أول عرب قطنوا هذه الديار ثم ملكوها ... وعلى كل حال استمر اتصالهم ولم ينقطعوا بالرغم من تحكم ملوكهم واستبدادهم حتى جاء الاسلام فقضى على حكومة فارس في العراق وكوّن حكومة عربية واسعة النطاق ... ولا يزال تأثيرها باقيا ، وأثرها ثابتا إلى اليوم ...

فالعراق لم يقف عند سكانه الأصليين ولم يبق عليهم بل لم يقطع الباحثون في أصل سكانه ، والأطماع موجهة اليه من كل صوب ، ومن شعر بقوة مال اليه وحله أو ان من ضاقت به أرضه رمى بنفسه اليه ... والصحيح لم يعرف بالتحقيق عن أصل سكانه ممن سبق الكلدان والأثوريين ولا عرف بصورة واضحة عن كيفية تكوّنهم ومجيئهم .. والمظنون ان العرب دفعوا سكانه السابقين لهم ممن كانوا قد زاحموهم أو تغلبوا عليهم واقاموا فيه من أبعد عصوره فكوّنوا النبط (الكلدان والاثوريين) وهذه أول هجرة للعرب علمها التاريخ من جزيرة العرب فدوّنت اللغة وكان من هذا التدوين شكلها الأول ... ثم دوّنت ثانية على يد العبرانيين في توراتهم وهكذا ما سجلته

٤٥

الآثار الحجرية. وبعدها جاءت اللغة الفصحى على يد العرب المسلمين ... فثبتها القرآن الكريم اما ما قبل الكلدان فليس بمعلوم ... وان تيار هذه الهجرات مؤيد بالمشاهدات الحاضرة ، وبالتاريخ وبمقطوعية العنصر ، والسحنات ... واللغة ..

هذا ما رأيناه من بين تلك الآراء الشائعة قديما وحديثا وهو الذي ايدته اللغة أيضا ولا يسع المحل التفصيل باكثر من هذا.

٤٦

ـ ٧ ـ

ترتيب الانساب

مر بعض البيان عن تيار الهجرة واختلاط العرب. ونظرا لآراء علماء الأنساب وللتوراة وما تقصه عن ولد نوح عليه السّلام وهم البقية الباقية من البشر ان العرب جدهم معروف أي انهم وصلوا قبائلهم بولد من اولاد نوح عليه السّلام ومن ثم قالوا يتكوّن العرب الأولى وهي العاربة ، ثم المتعربة ، والعدنانية المستعربة على النحو الذي تقدم القول عنه. فالحقوا القبائل الكبرى من العدنانية باسماعيل ، والقحطانية بيعرب أو أحد اخوته ... ثم تدافعوا ولم يبق من اولئك سوى القحطانية والعدنانية وانقرض الآخرون ، أو تشتتوا بين القبائل الموجودة واندغموا بها أو مالوا إليها واندمجوا إليها ...

ثم استمروا في ترتيب انسابهم فجعلوا القبائل التالية للقبائل الكبرى المذكورة انها في الأصل أبناء لأولئك ... وهكذا سلسلوا الأنساب وأقوى سند يعوّلون عليه في هذه السلسلة الحافظة من جهة واشتقاق الأفخاذ الحاضرة من جهة أخرى ... أما الحافظة فهذه ليس في طاقتها أن تبقى مستمرة في حفظها وسيرها حتى تصل إلى اليوم .. أو إلى أن شرع التاريخ بتدوين مشاهداته ..

ولهذا السبب وقع الاختلاف بين نسابي القبائل في أصلها وفي سلسلة أجدادها ، وفي الجد الذي تناسلوا منه وفي بيان عمود النسب .. ولكن من المقطوع به ان بعض القبائل عدنانية والأخرى قحطانية وكفى ، وإيصال الأشخاص أو أسماء القبائل بالأشخاص التاريخية الأولى من ولد نوح عليه السّلام

٤٧

مما لا يعوّل عليه ... وان كان الانتساب إلى القبيلة مقطوع به في اكثر الاحيان.

وهنا قبائل لا يعرف انتسابها إلى احد هذين الشطرين يقال لها (القبائل المتحيرة) وسيأتي الكلام عليها.

ولما كانت الاقوام والقبائل اختلطت واشتبكت في وقائع كثيرة فاللغة وتخالف اللهجة عادا لا يصلحان تماما وقطعا وليس فيهما كفاية للتفريق ، واما النسب ، والنخوة : فهما مما يؤيد وجود القربى ، او الاتصال ... ولم يكن ذلك معوّلا عليه في سنده من كل وجه. وما قاله صاحب اشتقاق الانساب من ان الحميرية لا تقف على اشتقاق (١) لبعد العهد بمن كان يعرفها ... دليل آخر على ان الانساب عادت لا تعرف ايضا إلا اجمالا لعين السبب ، ولم يصح اتصال الاشخاص وحفظ اسمائهم بالتوالي ... (٢) إلا لمقدار معلوم ومعين.

__________________

(١) المراد بالاشتقاق اصل الكلمة او اللفظة التي سمي بها المرء الذي هو جد القبيلة او القبيلة رأسا ومعناها في اللغة وطريق اخذها.

(٢) ص ٣١٢.

٤٨

ـ ٨ ـ

تمحيص وخلاصة

والحاصل ان انتهاج العرب إلى الجزيرة من ارض العراق أيام الكلدان او قبلهم او في اوائلهم غير مقطوع به ، وان وجودهم في الجزيرة قديم العهد ، وان التاريخ قد دوّن هجرات العرب إلى العراق.

وكذا المشاهد ان العرب استمرت هجرتهم إلى العراق وسائر الارياف حينما كانت تتكاثر نفوسهم وكانت الجزيرة لا تفي بسكانها ، او لاحوال اضطرارية فتعود مادتها لا تفي لسد الحاجة والعوز من قحط وغيره ، او لتدافع آخر عدائي او اتفاقي مما لا تحصى اسبابه .. فنرى الوقائع التاريخية ونصوصها متضافرة في طريق الهجرة ... لا للعراق وحده وان الانساب لا يعتمد دائما على ما عينته من تسلسل الأجداد وعمودها ... وإنما يجب أن يكتفي بالاجمال لارتباط القبائل واتصالها دون أن يعوّل على تعداد الأجداد وذكرها اعتمادا على الحافظة .. وسيرد من الأمثلة الكثيرة ما يؤيد قولنا من هذه الناحية ...

ويلاحظ هنا ان العرب في انسابهم هذه ، وترتيبها واستقرارها ، واشتقاق قبائلها ، والطريقة التي راعوها فيها صار معوّل جميع الأمم وعليه مشى أكثر المؤرخين للأقوام والشعوب الأخرى إجمالا أو تفصيلا فجعلوا اسم الأمة جدا أعلى فوصلوه بأولاد نوح عليه السّلام ثم الأقوام التالية اعتبرت أولاد ذلك الجد ، وان الفروع الأخرى أولاد أولاده ... وهكذا حتى رتبوا أنسابهم بهذا الوجه .. فالعقلية العربية مشت على هذا النحو في أنسابها لما

٤٩

رأته من اشتقاق فروعها ... ولما تناقلته من أنسابها بواسطة النسابة المعروفين لديها .. وان هذه يداخلها بعض الارتياب في الصعود والنزول من ناحية التفريعات للأسباب المذكورة ، ولاختلاف أعمدة النساب بين هؤلاء .. وكذا القول في من تابعها على هذا النحو .. فهو يصدق من جهة الإجمال ويرتاب فيه من التوغل في التفصيلات والأحوال الأخرى .. لقصر في الحافظة وبعد مدى في النقل.

ولا نرى صحة للقول بأن العرب اشتقوا من الكلدان والاثوريين .. وإنما المعروف أن هؤلاء نزحوا من جزيرة العرب فكانوا أول من حكم العراق منهم أو عرف انه حكم العراق ، ثم تلاهم غيرهم وهكذا توالت الهجرات وآخرهم من نراهم اليوم وهم أكثر عرب العراق الحاضرين ... فهم في اتصال به وارتباط دائم ومستمر ... ولا يفسر القول بأنهم أصل العرب إلا أن يكون العرب ساروا بحذافيرهم من الجزيرة ولم يبق إلا القليل النادر فكان هؤلاء القليلون يحفظون أنسابهم بأنهم من أولئك. وهذا لم يقم عليه سند. في حين إن قدم الموجودين في الجزيرة مقطوع به ...

٥٠

ـ ٩ ـ

القبائل وفروعها

١ ـ القبائل :

قبل الكلام على القبائل العراقية ومكانتها في العراق لزم ان نتكلم عن البيت أو الأسرة وكيفية تكوّنهما في البداوة إذ هما اساس الفخذ والعشيرة فالقبيلة فالامارة بالنظر للتشكيلات الحاضرة وانها نتيجة الماضي.

ولما كان للتشكيلات الاجتماعية خواص يمتاز بها بعض الأمم عن البعض الآخر وإن اتفق الكل على الاجتماع ، وشعر بالضرورة لوجود أو تعيين نهجه .. فللوصول إلى هذا الغرض سلكت الأمم والجماعات سبلا مختلفة ومتباينة أو متفاوتة كل جماعة فكرت أنها هي صاحبة الطريقة المثلى ، والصالحة المرضية .. وبالرغم من اختلاف الأمم والأقوام وتعارض المصالح بين بعضها وبعض نراها متحدة من حيث الغاية والغرض. ولكن البيئة ولدت ما يجب سلوكه ...

واليوم لما تعرفت بعض الجماعات أو الأقوام ببعضها صارت تسعى إلى مراعاة الأوصاف القويمة ، والاجتماعيات المقبولة لدى الأخرى لتكون مشتركة بين الكل ومتفقة عليها شأنها في إدارة الحكومة ، والحقوق الدولية بين الحكومات ، واقتباس خير القوانين ، أو الاستقاء من معينها ، والاستفادة من تجارب الأمم ومجرياتها .. مع نبذ الأمور البالية والرديئة ..

ذلك عدا ما يعترض هذه من موانع قومية ، وعنعنات ، واعتيادات

٥١

فالفكرة سائرة إلى اتباع الأحسن وتمثيله ، ومراعاته بقدر الحاجة وما تسمح به الظروف المسهلة للأخذ. فلا تخرج الأوضاع الاجتماعية عن هذا النهج وما يتعلق به من صلات أو يرتبط من علائق ...

إن درس أوضاع الأمم هذه وما هي عليه ضروري إلا أن المطلوب هنا تدوين بعض ما اتصفت به الأمة العربية من خصائص واضحة ، وأوصاف جلية .. من طريق العشائر والقبائل فإن أكثر ما تظهر هذه الخصائص في العشائر وأساساتها الاجتماعية ، والتعرف بأصل بنيتها القومية مما يتعلق بقطرنا خاصة فإنه أقوى في المعرفة وأقرب للتناول في البحث والتنقيب وتدوين ما يظهر ...

ومن ثم يتحقق لنا ما يعرض للجماعة من إضافات وزوائد بمقتضى الحاجة المدنية مما دعا إلى هذا التحول وإن كان تدريجيا. فالأصل للبحث عن أمة هو درس البداوة العريقة فيها والمتأصلة أكثر فذلك بمنزلة معرفة الماضي ... إذ ما نشاهده في العرب من الطبائع والأوصاف إنما هو من بقايا تلك بل من أصولها وأسسها العامة المشتركة الموجودة في باديتهم فلم تنتزع منهم بسهولة ، أو تفقد بسرعة فلا تتغير أو تتحول وإنما نالت استقرارا حتى أن الحضارة لم تتمكن من تغييرها أو اجتثاثها فتيسر الجمع بينهما والألفة وبنيت حضارتهم على أسسها والتبديل لا معنى له إذا كان تسيير الجماعة به ممكنا ... هذا خصوصا بعد أن محا الدين الإسلامي المرذول من عوائدهم ..

وهذه متلازمة في كافة الحالات الاجتماعية. فإذا عرفنا إن الوضع لا نجد مندوحة من النظر إليه من كل ناحية وشعبة ومن ثم تتيسر المقارنة. فالمهم تثبيت الحالة العشائرية وذلك لأن العربي يؤلف البيت أو الأسرة أو العائلة ، ومن هذا يتكوّن الفخذ فالعشيرة ، فالقبيلة والإمارة. والكل سائر على نحو متماثل أو متقارب .. وعلى هذا الترتيب كانت طبقات العرب الشعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن والفخذ ... (١)

__________________

(١) الانباه على قبائل الرواه ص ٤٥.

٥٢

ويلاحظ هنا ان كل واحد من هذه ينال وضعا أكبر وتقل العلائق ويقتصر على بعضها وهي الأصول المعوّل عليها .. وتتنازل في التفريغ إلى أفخاذ تالية. وحينئذ تكتسب الأسرة الأولى اسما أعظم بالنظر لعظم الفخذ الأول المتفرع منه فيدعى عشيرة ، وهكذا يتقدم في السعة والضخامة كلما زادت النفوس وتكاثر التوالد ... حتى ينال اسم قبيلة أو يحصل على لقب الإمارة .. وتقادم العهد كفيل بذلك وضامن له ...

وكلما حصلت حالات اجتماعية مثل هذه نرى التبدلات ثابتة قد مشت على وتيرة واحدة ولازمت وضعا مستقرا. فتكاد تكون السيرة الاجتماعية متطابقة ومتوافقة من كل وجه ثلاث نقاط بل ان السائح الغريب أو المرء الأجنبي إذا شاهد واحدة لا يكاد يفرق بسهولة خصائصها عن رفيقتها فكأنها جرت على نهج تربوي. أو اتفاق اجتماعي .. والتفاوت في العادات قليل أو لا يعتبر كبيرا إلا من حيث المقدار أو الكثرة والقلة أو التقرب من محيط يستدعي وجود عوائد ، وامحاء أخرى قديمة ...

ولما كان البيت أس هذه الجماعات ومبدأ تكوّنها وان التشعبات للأفخاذ والقبائل ناشئة من هذا الأصل الأول اقتضى بسط القول فيه بسعة ...

٢ ـ البيت (الأسرة):

البيت أصل القبيلة. والى الآن يطلق (البيت) في كثير من مواطن العراق على الفخذ ونجد هذا المصطلح في أنحاء العمارة والكوت والمنتفق وغيرها ، فيقال بيت جنديل ، وبيت عبد العال ... الخ. والبيت لغة ما يحتوي على هذه الأسرة ويجمعها ويكون من الشعر أو من غيره من سائر الخيام كالصرايف والأكواخ كما يطلق على البيوت من الآجر وغيرها من مواد البناء ويراد به في الأكثر الغرفة .. وأصله من البيت المعروف في البادية ...

ويتألف البيت من ركنين مهمين الزوج والزوجة وما يتولد منهما أو ما يتبعهما بعلاقة الارتباط العائلي للتكاتف على المعيشة وهذا أمر طبيعي. ولا

٥٣

يسع هذا البيت أكثر من هؤلاء فإن تزوج أحد الأولاد كوّن بيتا جديدا.

وهذا البيت الجديد لا يستقل من كل وجه وإنما يحافظ البيت الأول على سلطته ومعونته لما تولد منه ، واحترام الناجم لمن درج منه وعوّل عليه في نموّه واستقلاله .. وهذه وإن كانت تفقد بعض الاستقلال في الانقياد والطاعة والتفادي .. كانت لأمر مهم هو الرغبة في ازدياد هذا الولاء وتقويته والتضامن لحفظ الكيان ، ومراعاة الحياة في صيانة بقاء النوع والنفس.

ذلك لأن هذا (البيت الجديد) تهدده الأخطار من كل صوب ، وتنتابه الآلام من نواح مختلفة ، يريد أن يعيش ، ويحس بضرورة إلى التكاتف مع الأصل إذ لا يسعه أن يميل إلى من هو أبعد منه وإنما يعتضد بمن هو أقرب إليه وأحق برعايته وموافقته على السراء والضراء في كافة مطالبه.

ومن ثم حصل التفاني في سبيل المنفعة والتكاتف بين هذين البيتين بحيث صار ما يصيب الواحد يتألم منه الآخر ويتضامنون جميعا لدفع الغوائل ويتهالكون في النضال ..

ولم تقف الأمور عند هذا الحد فكلما زاد أفراد البيت وتكاثروا كوّنوا بيوتا جديدة منهم على عين الشروط ، والبيوت المتفرعة منها ما يحافظ على اسم البيت الأول والباقون يستقلون باسمائهم ... إلا أن ما يهم الأول والثاني أعظم مما يهم الثالث والرابع بالتوالي في الاشتقاق والقرب والبعد ...

ومن هنا راعوا درجة هذا التكاتف وقوته بالنظر لقوة القرابة ودرجتها وهذا صار أساسا مهما في الارث الاسلامي. والتضامن في الغالب يكون لحد خمسة. بطون أو أظهر ـ كما نراه اليوم ـ فإن تجاوز الخمسة فلا يهم الواحد أمر الآخر وإنما المهم حينئذ ما يخص الكل ويتعلق بالجميع ... فيقل التكاتف على الأمور الشخصية ، والمالية الفردية. إلا أن يكون هناك خطر عام يهدد كيان الجميع ، أو قريبا من ذلك كأن يكون من نوع (من حلقت لحية جار له فليسكب الماء على لحيته) ، ومن البيت الأول نشأت

٥٤

الرياسة على عدة بيوت إلى أن شملت الفخذ ، أو العشيرة أو القبيلة .. وهكذا الامارة ...

وعلى هذا الأساس صاروا يقولون (الحلال بخمسة) و (الدم بخمسة) ويترتب عليها الوسكة (الوسقة) و (الأخذ بالثار) وما ماثل مما سيأتي البحث عنه. فلا يسألون ماليا أو بدنيا أكثر من خامس بطن ، أو ظهر لا في المال ولا في الرجال ... إلا في الأمور العظمى ، والأخطار الكبرى مما يهدد كيان القبيلة في الخارج ... ويحرج موقعها ، أو يزلزل مكانتها ...

وقد يبلغ بهم التضامن في نوائب الدهر لحد أن قال قائلهم :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا والغالب أن هؤلاء منتهى ما يتألف من (البيت) وفروعه القربى المسمى أخيرا (بالفخذ) ، أو (الفندة) ، أو (الفرع) ، أو (البديدة) ... كما أن الحقوق متكافئة بين هؤلاء ويعدون ـ وإن تفرقت بيوتهم ـ أسرة واحدة.

ومن ثم كوّنوا جماعات (أفخاذا) منها تألفت (العشيرة) ..

٣ ـ كيف تكوّنت الأسرة :

يحسب بعض الأجانب ممن لا خبرة له ولا اطلاع أن تكوّن الأسرة العربية كان بصورة همجية ووحشية اقتضاها المحيط فلا تعد من الأسر المنتظمة ، ولا الشرعية .. الخ.

وهذا الزعم باطل تكذبه الحالة التي عليها الأسرة العربية مهما بلغت من العراقة في البداوة ، فهنا يفرق بين البداوة والوحشة في أن الأولى تابعة لنظام والأخرى لا تعرفه.

إن العائلة كان تكوّنها نتيجة تمثلات وتطورات واتباعا لشرائع ونظم قويمة سواء كانت مكتوبة في الأصل أو متلقاة من أهل الشرائع أو الحالة اقتضت ذلك .. وهذه الحال لا يدرك أولها لقدمها وهي مألوفة إلى أن ظهرت الإسلامية ، وان الشريعة الغراء لم تغير فيها تغييرا كبيرا لأن أساسها من مقتضيات البيئة ، وإنما أجرت إصلاحا شذّب فيها وأكمل نقصها ودعا

٥٥

إلى ما هي عليه اليوم .. أي أنها لا تفترق في تركيب عائلتها ، وتأليفها سواء في اسلاميتها ، أو في جاهليتها إلا قليلا ... وأنكحة العرب (١) التي يذكرها أهل الآداب هي أشكال لا أساس أصليّ ، أو كانوا يفعلونها لأحوال خاصة ، أو أن المرأة لم تكن مصونة ، ولا قاهر عليها تخشى منه ...!!

واليوم تتمشى على قانون (الدين الاسلامي) ولكن التطبيق فيه متفاوت تفاوتا ليس بالكبير واصلاحه مهم بالرغم من قلته ، أحدث انقلابا في الاسرة وفي غيرها محكم ، قوي وبسيط ناشىء من روح القوم ، سهل الاخذ مما لا نراه في شرائع الأمم السابقة بل وشرائع اليوم ... وقرر حقوق العائلة وافرد أحكاما لكل من الزوجين.

واساسا ان صلاح كل من الزوجين مطلوب ومرغوب فيه وأساسه (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) و (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) و (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) ... الخ.

والتاريخ يقص علينا الشيء الكثير من نظام الأسرة ومكانتها عند العرب فلا نجدها تابعة للاهواء ، متبدلة كل يوم ، فتطبق وفق الرغبات ، او الاحوال الآنية ... بل ثابتة مستقرة لا تقبل التبديل والتعديل بوجه بخلاف ما نراه اليوم في كثير من الأمم وانظمتها فاننا نجدها تابعة للأهواء ، والآراء الآنية ، لا تستقر على حالة ... فالاسلامية اصلحت في نظام العائلة وساوت في الحقوق بين الزوج والزوجة ومنعت الظلم عنها وأقرت الزواج المشروع ومنعت ما هو مستكره وهو اتخاذ (الاخدان) ، او (البغايا) ، ووافقت على العنعنات المرعية الفاضلة والاعتيادات التي لا تؤدي إلى الاجحاف ، او القسوة ... مما لا يخل بالاساس ... ومنعت الوأد ، والعضل ، وقررت نظام الارث ... وبهذا صانت حقوق المرأة سواء كانت اما ، او زوجة ، او بنتا ، او ما ماثل ...

فالبيت يتكون من الركنين المذكورين. وهذا أس العائلة ودعامتها

__________________

(١) راجع أنكحة العرب في كتاب (النفحة الملوكية في أحوال الأمة العربية الجاهلية) للسيد عمر نور الدين القلوصني الأزهري ص ١٨٠ وكثير من المؤلفات تتعرض لهذه.

٥٦

المكينة ولا يستطيع احد ان يتزوج بدون عقد ، أي ان يغشى امرأة دون ان ينال عقوبته ، او ان يكون منفورا ... والعقر عند العرب دية التجاوز على عفاف المرأة ... فلو كانت غير مرتبطة بعقد لما احتيج إلى ذلك ، ولا روعيت الولاية عليها ... ومما ابقته اللغة والقرآن الكريم لفظ (الخدن) وهو الصاحب بلا زواج ولا عقد فانه مرذول كما هو المنقول ، ومنفور منه ... وان المرأة التي تسلك هذه الطريق تعد خدنا ، او فاحشة ، او زانية ، او بغيا ، وان لم تكن مبتذلة للكل ... واذا كان لها اقارب او عشيرة قتلتها وغسلت العار ... لحد ان العربي كان يوجس خيفة من لصوق العار فيقتل ابنته حية بطريق (الوأد) قبل ان يأتي أوان زواجها خشية ان ترتكب ما يجلب العار وهذا التوهم وتوقع العار ساقه إلى ارتكاب جناية قتلها ... قبل ان يقع الذنب. وقد منع الاسلام منه ووقف القوم عند حدود الشرع (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ).

وكانوا ولا يزالون يبذلون جهودا لانتقاء الزوجة واستيلاد من يكونون مثل آبائها واسرتها وأمثلة هذا جمة سنأتي بالكثير منها في حينها عن كل قبيلة ... مما هو محفوظ عنها ومرتكز في نفوس القوم ...

والعرب يكرهون بل يمقتون ان يأكلوا فضلات غيرهم او يلغوا في اناء ولغ فيه كلب ما ... او يشربوا سؤره ، والحاصل ان نفوسهم تعاف مأكول الغير ، ومشروبه ويمقتون القبيلة التي تبيّت أكلها ، فمن الاولى ان لا يتصل بامرأة هي متاع كل واحد او فضالة كل شارب ، وهذا عام في كل القبائل ... يأنفون من ذلك كل الأنفة :

اذا وقع الذباب على اناء

رفعت يدي ونفسي تشتهيه

وتجتنب الاسود ورود ماء

اذا كان الكلاب ولغن فيه

وقد وصف القرآن الكريم هذا النوع من الاتصال باشنع وصف واصدقه (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً). واما الزواج المشروع فقد نوّه بذكره وحبّذه بقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ

٥٧

أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) الآية والغاية في ذاك ارضاء الشهوة وهي معروفة. وليس الغرض اتصال الود والرأفة ...

والمهر ايضا معروف لديهم ومتبع عندهم ويتغالون به ونكاح الشغار مما أبطله الاسلام بل اوجب فريق من الفقهاء الزام مهر المثل فيه ... وكذا هو منفور منهم وقول العوام (غصه بغصه ولا كصه بكصه) (١) المثل العامي مما يؤيد معتادهم. وليس هذا معناه شراء المرأة ، او مساواتها بمبلغ معروف معين واستكراه هذه الحالة من بعض المتمدنين ، او الذين يحاولون هدم كل قديم ... فالامر لا يفهم منه ذلك وإنما هو ضمان للزوجة ان تعيش بضرورة بل لدفع كفافها ، وحراسة وضعها لمدة حتى تتبصر من امرها وتعين وجهتها ... وحكاية ام شهلبة وبنت الفوري تعين ذلك (٢). وكذا يقال عن المراسيم للأعراس والزفاف ومراعاة الكفاءة والنهوة لمن لم تعرف كفاءته وذلك من أي قريب حفظا للسمعة والنسب. ولكن الاسلامية تحوطت في هذا الامر وجعلت له سياجا معقولا من التصرف. كما ان الغرض مصروف إلى الاهتمام والمغالاة لئلا تكون المرأة بضاعة رخيصة او مبتذلة.

ومن ثم نرى العرب قد حافظوا على انسابهم وأعراضهم وصيانة اخلاقهم. وهذا نظام متأصل فيهم من زمن قديم لا يدرك اوله ، ومزاعم أهل الطوتمية مردودة ، وغير معروفة (٣). ونكتفي بهذا لمناسبة البيت وبيان اركانه ...

ولا يسع المرء ان ينكر ما يشاهده في العرب عن خيولهم التي هي

__________________

(١) يريدون غصة قد تقابلها غصة مثلها ولكن معاوضة قصة أي ناصية «امرأة» بناصية اعظم بكثير ...!!

(٢) ستأتي هذه القصة عند الكلام على الزواج عند البدو.

(٣) وفي كتاب انساب العرب القدماء مطالب مهمة في الرد على هؤلاء ومن اراد التفصيل فليرجع اليه ... والطوتمية يراد بها ان الام اصل البيت وان المرأة لا تتقيد بزوج وان اولادها ينتسبون اليها رأسا ...

٥٨

وسائل نجاتهم من الاخطار وأنهم قد حفظوا على انسابهم (ارسانها).

وبالغوا في ذلك وحكوا الحكايات عن الكراب على الفرس أو حمل الاثقال عليها ... مما يدل على ان القوم كما يهتمون بانفسهم يرعون بعين الاهتمام ما هو أعز لديهم من خيول لانها وسائل نجاتهم وكسبهم في حروبهم ...

٤ ـ الفخذ :

ويقال له (البديدة) وجمعها بدايد والفندة وجمعها (فند) وكذا يقال له (بيت) كما تقدم. والفخذ في الاصل عدة بيوت من جد قريب لا يكاد يتجاوز الجد الخامس في الاغلب. وهذا تابع لكثرة النفوس ، ولظهور من ينال مكانة ويحصل على مقدرة شخصية ومواهب مؤهلة حتى يكون رأس بيت او فخذ جديد.

ونرى التلازم والتكاتف بين افراد هذه البيوت والتضامن بينهم قويا جدا فالمسؤولية الشخصية للواحد على الآخر متجلية في هذا ... كما ان التكافؤ في الحقوق ظاهر ... ومن ثم تتضاءل الرابطة حينما تعلو وتقل وحينئذ يكون التكاتف في المصلحة العامة والاحوال التي تخص القبيلة او العشيرة ...

ومن هنا ساء ظن من زعم ان هؤلاء وحوش لا جامعة تجمعهم ولا رابطة تربطهم ، وانهم بيوت مبعثرة في الصحراء. واننا لنعجب ممن يكتب ولا يعرف حقيقة ما يكتب وإنما يقرأ بعض المباحث من المغرضين ويتخيلها حقيقة فيبني عليها اوهاما من عنده ومطالعات فاسدة من رأيه فيحسب انه قطع جهيزة كل كاتب وخطيب ... والحال ان الفخذ في تضامن وتكاتف وفق ترتيب معهود لديهم وشكل منظم معروف ... وركنه الركين الاحتفاظ بحياة الجماعة ، والتكاتف للشر غير مقصود ... فهو ضمان الجماعة ، ودعامة بقائها ، وأس صلاحها ..

٥٩

وعلى هذا الفخذ تترتب الاحكام التالية :

١ ـ الدية. هو المسؤول عنها لحد خمسة بطون أو أظهر أو ان الكل مسؤولون كما هو معتاد كثيرين من القبائل المحدودة في موطن وترى الضرورة تدعوها إلى هذا التضامن فشاعت في الكل وصارت نظاما لهم ... وحينئذ لا تقتصر المسؤولية عند الأقرب فالكل مطالبون ... ومن مؤيدات هذه الفكرة ان قاتل قريبه مسؤول شخصيا تشديدا للعقوبة عليه مع الجلاء وما ماثل ...

٢ ـ الحلال بخمسة أيضا أو المسؤولية المالية.

٣ ـ الوسكة (الوسقة) تجري على هؤلاء المسؤولين وتشدد على السارقين من الأقارب أو الجيران لعين السبب المذكور في الفقرة الأولى.

وأمثال ذلك من المطالب عن الجناية الشخصية أو المالية ...

ويلاحظ هنا ان بعض الأفراد قد يجلى أو يرحل إلى قبيلة أخرى لأسباب كثيرة فيحافظ على مكانته ويؤسس له اسما فينسى جذمه الذي درج منه. وحينئذ لا يمكن أن نعده فرعا من فروع القبيلة أو بيتا من بيوتها وانما نعلم اجمالا انه من تلك القبيلة. وهذا وقع كثيرا في مواطن متعددة ... واذا كان نسي أصله فيعد من هذه القبيلة الأخيرة ...

ملحوظة :

قد شاعت التسمية بالبيت ، وكذا بالعشيرة أو القبيلة باسم مؤسسها أو من اشتهر أمره منها. وقل من تسمى باسم غيره إلا أن يكون بنبز كسنجاره وآل الجربا ... ولم تعرف التسمية إلى المواطن إلا قليلا وهذا قد يكون للفصل بين المواطن والأماكن فيما اذا تفرقت القبيلة كأن يقال شمر الجبل وشمر الجزيرة ... الخ بصورة عامة وإلا فأكثر القبائل تنسب إلى جدها وتعرف باسمها ...

والأقوام الأخرى كالاثوريين والكرد ، والترك ، إنما تعرف قبائلهم

٦٠