موسوعة عشائر العراق - ج ١

عباس العزاوي المحامي

موسوعة عشائر العراق - ج ١

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨

ـ ١٢ ـ

امارات العرب

وهذه غالبها قبائلية ، وأقدم من عرف منهم حكام حلوان (١) المعروفة باسمهم وكانت كورة (لواء) كبيرة ، وهم من قضاعة ... ولم تصل الينا اخبار كافة الامارات القبائلية لاسباب كثيرة اهمها ان الحكومات في ادوارها لم تدوّن إلا القليل من شؤون شعبها وانما تكتفي بالاسرة المالكة او باعمال ملوكها إلى زمن قريب منا ... ومن الأولى ان لا تلتفت الحكومات إلى القبائل التي لا علاقة لها بها إلا في أحوال خاصة ...

واشهر الامارات التي نالت ذكرا ، وعرفت على ألسن المؤرخين والشعراء :

١ ـ امارة الحضر :

وهذه من الامارات الأولى من قبائل العرب التي كانت بين النهرين (الجزيرة) وان سابور بن اردشير (٢٤١ ـ ٢٧٢ م) قضى على حكومتها ، ولم تعرف الأخبار الصحيحة عنها بالضبط ومن المؤرخين من يقول انهم لخميون ، من القبائل التنوخية ، ومنهم من يقول انها حكومة قائمة برأسها ، وآخرون يقولون انها غسانية ... وعلى قول هشام الكلبي انها من قضاعة ، وان الضيزن هو ابن معاوية بن العبيد بن الاجرام من قضاعة ، وأمه من تزيد بن

__________________

(١) راجع المجلد الأول من تاريخ العراق بين احتلالين (عباس العزاوي).

١٠١

حلوان اسمها جيهلة ، وانه كان يعرف بأمه ، ملك أرض الجزيرة ، وكان معه من بني العبيد ، ومن قضاعة قبائل لا تحصى ، وان ملكها بلغ الشام .. إلا ان الطبري طعن في هذه الرواية وقال : كان حاكمها من الجرامقة يقال له الساطرون والعرب تسميه الضيزن من أهل باجرمى ... (١) والجرامقة قوم من العجم سكنوا الموصل.

وكان الضيزن آخر امرائهم ، وامارته في الحضر وهو قصر ومدينة بالقرب من مدينة تكريت بين دجلة والفرات ، وتصلها مياه الثرثار تمر بمدينة الحضر ثم تصب في دجلة اسفل تكريت. (٢)

ولا تزال اطلالها باقية ، وآثارها ناطقة بعظمتها البائدة ... وقد قيل في انقراض هذه الامارة:

الم يحزنك والانباء تنمى

بما لاقت سراة بني العبيد

ومصرع الضيزن وبني ابيه

واحلاس الكتائب من تزيد

اتاهم بالفيول مجللات

وبالابطال سابور الجنود

فهدم من اواسي الحضر صخرا

كأن ثفاله زبر الحديد

وفي هذه الأبيات بيان لبعض قبائلهم هناك. (٣)

وقال عدي بن زيد العبادي :

ايها الشامت المعيّر بالده

ر أأنت المبرأ الموفور

أم لديك العهد الوثيق من الأ

يام بل أنت جاهل مغرور

اين كسرى كسرى الملوك انوشر

وان ام اين قبله سابور

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج

لة تجي اليه والخابور

شاده مرمرا وجلله كل

سا فللطير في ذراه وكور

__________________

(١) الطبري ج ٢ ص ٦٣.

(٢) ابن هشام ج ١ ص ٢٥ ، والأغاني ج ٢ ص ١٤٤ ، والأخبار الطوال ص ٤٩.

(٣) بلوغ الارب ج ٣ ص ١١٩ وتتمة هذه الأبيات هناك وفي الأغاني.

١٠٢

الى أن قال :

ثم أضحوا كأنهم ورق جف

فألوت به الصبا والدبور

وحكاية التسلط عليهم تذكر كخرافة اساطيرية. وهذه الحكومة لم يعين تاريخها ونشأتها وطريق توصلها للحكم ، ولا عرف تسلسل ملوكها ...

٢ ـ امارة الازد :

وهي أول الامارات التنوخية ، وحكمها على قبائل تنوخ والقبائل السابقة لها. وليت ما بين الحيرة والأنبار ، وكانت امارتهم تصادف عهد حكومات الطوائف السابقة للدولة الساسانية. وأول من حكم منهم مالك بن فهم. وجاء في النويري انه مالك (١) بن زهير بن عمرو بن فهم عرف بجده كما هو الشائع في امثاله عند العرب ، وهو المشهور ب (تنوخ).(٢)

وسائر المؤرخين ذكروا انه مالك بن فهم بن غنم بن دوس الازدي من كهلان. استولى على الملك سنة ٢١٠ ميلادية وكان مقره بالأنبار رماه ابنه سليمة بن مالك بسهم دون ان يعرفه فاصاب مقتله. وكان قد ملك انحاء واسعة وذكر صاحب (تحفة الأعيان بسيرة اهل عمان) (٣) وقائعه مع الفرس وانتصاره عليهم وفيه بيان لما حكمه من الأقطار وتوزع أولاده في الأنحاء وهو القائل :

أعلّمه الرماية كل يوم

فلما اشتد (٤) ساعده رماني

__________________

(١) لا يلفظ ملك كما جاء في بعض الكتب لان القدماء كانوا لا يذكرون الالف للاختصار والمعلومية ...

(٢) واشتهر بالنسبة الى تنوخ كثيرون وابو العلاء المعري تنوخي ـ نهاية الارب في فنون الادب ج ٢ ص ٢٩٥.

(٣) وهذا الكتاب للامام نور الدين عبد الله بن حميد السالمي. طبع في القاهرة سنة ١٣٥٠ ه‍.

(٤) صحيحها بالسين بمعنى قوي.

١٠٣

ثم ملك أخوه عمرو بن فهم ، ثم ملك بعده ابن أخيه جذيمة الأبرش ابن مالك بن فهم سنة ٢٣٠ ميلادية. وهذا هو صاحب النديمين مضرب المثل (كندماني جذيمة) ويقال ان جذيمة هذا من العاربة الأولى من بني وبار وكان يبالغ في سعة ملكه ونطاق امارته وهو الذي قيل فيه :

اضحى جذيمة في يبرين منزله

قد حاز ما جمعت في دهرها عاد

وكانت إياد في نزاع معه. وهذا قتلته الزباء وقصتها المشهورة في قتله وفي الانتقام منها على يد (قصير) وتحيله في قتلها ... والتفصيل في خلاصة الكلام في تاريخ الجاهلية والإسلام (١) وبلوغ الارب للآلوسي (٢) وفي تاريخ ابن الأثير والطبري وغالب كتب الأدب.

٣ ـ امارة لخم الأولى :

ويقال لهم آل نصر. وهؤلاء اضطربت كلمة المؤرخين فيهم. والمعروف انهم من لخم وهم من القبائل التنوخية ، حكموا الحيرة ، واتصلوا بالاكاسرة ودام سلطانهم مدة طويلة ... فجعلوا لهم سلطانا على العرب وأول من حكم منهم في أنحاء العراق عمرو بن عدي مؤسس هذه الامارة.

وساق اليعقوبي نسبه بانه عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو ابن الحارث بن مالك بن عم بن نمارة بن لخم (٣) وفي التنبيه والاشراف زيادة اسماء وتغيير ... (٤)

ويصادف اوائل هذه الامارة حكومة اردشير بن بابك (٢٢٦ ـ ٢٤١ م) فكره كثير من قبائل تنوخ ان يقيموا في مملكة العراق وان يدينوا له فخرج

__________________

(١) خلاصة الكلام ص ٨٦.

(٢) ج ٢ ص ١٨١.

(٣) ج ١ ص ٢٠٧ تاريخ اليعقوبي.

(٤) التنبيه والاشراف ص ٨٧.

١٠٤

من كان منهم من قبائل قضاعة فلحقوا بسورية بمن كان هناك من قضاعة ...

«كانت امارة هؤلاء في غالب احوالها من الأكاسرة ، يؤدون اليهم الطاعة ويحملون الخراج ، وكانت قبائل معد مجتمعة عليهم ، وكان أشدهم امتناعا غطفان وأسد بن خزيمة وكان يأتيهم الرجل من معد على جهة الزيارة فيحيونه ويكرمونه.» اه. (١)

وعمرو بن عدي صاحب المثل السائر. شب عمرو عن الطوق وهو ابن اخت جذيمة الأبرش الذي قتلته الزباء. (٢)

وكان قد خلف خاله على الامارة ... ويبالغ في عمره ومدة حكمه ، ويقال انه ملك قبل ان يحكم العراق اردشير ودامت حكومته ١١٨ سنة.

وقيل غير ذلك والتفصيل في تاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء. (٣)

وامراء هذه القبيلة سواء زمن استقلالهم ، أو سيطرة الفرس عليهم ... كانوا ملجأ العرب ومحل هجرتهم. فسدّت العشائر العوز عمن ذهب إلى سورية وتوالى تيار هجرتهم ... فكانت امارة آل نصر خير ركن يركنون اليه إلا أنهم كانوا محصورين تحت دائرة ضيقة لا يستطيعون تجاوز حدودها ...

ثم ان عمرا خلفه ربيعة امرؤ القيس ابنه ويقال له المحرق ثم صار بعده ابنه عمرو بن امرئ القيس ... وبوفاة هذا انتقلت الامارة إلى اسرة اخرى.

٤ ـ امارة أوس بن قلام :

ولي هذه الامارة واستعمله الفرس وهو على ما قال هشام من

__________________

(١) ج ١ ص ٢٤١ اليعقوبي.

(٢) التنبيه والاشراف ص ١٨٧.

(٣) ص ٦٥ ـ ٦٧.

١٠٥

العماليق فثار عليه بعض اللخميين فقتله وكانت مدة امارته خمسين سنة.

وفي (تاريخ دول العرب والإسلام) انه بوفاة عمرو بن امرئ القيس انتقل الملك إلى اثنين من العمالقة ثم عاد إلى بني عمرو بن عدي ... (١)

٥ ـ امارة لخم الثانية :

ثم نال الامارة امرؤ القيس البدء بن عمرو بن امرئ القيس ، وبعده ولي النعمان الأكبر بن امرىء القيس صاحب الخورنق الذي بناه له (سنّمار) وبنى (السدير) وكان قد كردس الكراديس وغزا الشام مرارا ، ومن لم يدن له من العرب. وهو من اشد الناس نكاية بعدوّه وابعدهم مغارا. وملك الفرس جعل معه كتيبتين : (دوس) وهي لتنوخ ، و (الشهباء) لفارس ويقال لهما القبيلتان. ثم تنسك وزهد في الدنيا ... وانقرضت امارته هذه.

ومن تاريخها يفهم ان للفرس السلطة في الامارة على العرب والتدخل في شؤونها إلا انهم كانوا يرون تصلبا من العرب فلم يذعنوا لسلطة العجم رأسا ، ولا إلى التدخل الكبير في شؤونهم .. وان استفادوا منهم في بعض المطالب والحالات ...

٦ ـ امارة كندة :

هاجم الحارث بن عمرو بن حجر الكندي الحيرة وما والاها فسار على النعمان فقاتله وقتل النعمان وجماعة من اهل بيته وأفلت منه المنذر بن النعمان .. كذا في ابن الأثير وأما ابن الكلبي فانه لم يتعرض لهذا الحادث وانما بين انه ملك النعمان ابنه. ويظهر ان هذه الحكومة لم يطل أمد حكمها ...

وفي تاريخ اليعقوبي : وبعد أن نزل ـ الحارث ـ الحيرة فرق ملكه على ولده وهم حجر ، وشرحبيل ، وسلمة الغلفاء ، ومعد يكرب. فانه جعل

__________________

(١) ص ١٨٧.

١٠٦

لكل واحد على بضع قبائل فملك حجرا في أسد وكنانة ، وملك شرحبيل على غنم وطيئ والرباب ، وملك سلمة الغلفاء على تغلب والنمر ، وملك معد يكرب على قيس عيلان. ثم قتل الحارث وقام ولده بما كان في ايديهم وصبروا على قتال المنذر حتى كافؤوه ، فلما رأى المنذر تغلبهم على أرض العرب نفسهم ذلك واوقع بينهم الشرور فوجه إلى سلمة الغلفاء بهدايا ثم دس إلى شرحبيل من قال له ان سلمة اكبر منك وهذه الهدايا تأتيه من المنذر فقطع الهدايا فاخذها ثم اغرى بينهما حتى تحاربا فقتل شرحبيل فكانت معه تميم وضبة ... وتنكر بنو أسد بحجر بن عمرو. وهكذا مما دعا لاستعادة لخم الامارة ... (١)

٧ ـ امارة لخم الثالثة :

مهما يكن من الروايات فقد ملك المنذر بعد أبيه النعمان وهذا وقعت له وقعة مع أمير العرب في سورية خالد بن جبلة وذلك ان هذا كان قد هاجمه فطلب ملك الفرس دية القتلى واستعادة الأموال المنهوبة من ملك الروم (غطيانوس) فلم يلتفت. ذلك ما دعا ان يسير عليه كسرى وينكل به ويأخذ بالحيف. (٢)

ثم ملك بعده ابنه الأسود ، ثم أخوه المنذر بن المنذر ، ثم النعمان بن الأسود وبه انتقلت الامارة إلى غيرهم.

٨ ـ امارة ابي يعفر اللخمي :

وهذه من غير الأسرة المالكة وإن كان أميرها لخميا. ملك ثلاث سنوات ثم عادت مرة أخرى إلى آل نصر وإن كانت لم تخرج من لخم.

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٢٤٦ وما يليها.

(٢) ابن الأثير ج ١ ص ١٥٤.

١٠٧

٩ ـ امارة لخم الرابعة :

ولي بعد ذلك امرؤ القيس الثالث ثم المنذر ابنه ، وفي أيامه عزله كسرى قباذ وجعل مكانه الحارث بن عمرو بن حجر الكندي لأنه لم يقبل بدين الزنادقة ثم أعاده كسرى انوشروان. ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر ، ثم قابوس أخوه ابن المنذر. وهذا قتله رجل من يشكر. ثم ولي السهراب.

وهذا لم تذكره غالب التواريخ ، ثم المنذر أبو النعمان بن المنذر. وبه انتهى أمد آل نصر وانتقلت الامارة إلى طيىء.

١٠ ـ امارة طيىء :

ثم نالت الإمارة قبيلة طيىء ورئيسها اياس بن قبيصة الطائي. قال هشام ابن محمد قد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم لسنة وثمانية أشهر مضت على ولاية اياس. وكان اياس هذا مشهورا بالشجاعة والجود ، عالما بأيام العرب ووقائعهم ... وولايته سنة ٦١١ م.

وفي أيامه حدث يوم ذي قار وهو أول يوم انتصف فيه العرب من العجم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك وفرح بهذه النصرة ... (١) وفيها أبلى بلاء لا مثيل له ، وكانت طيىء مع الفرس وكذا قبائل أخرى كإياد ولم يعرف سوى إياد ولم يذكروا سواها وبينوا انهم سرا كانوا مع العرب على الفرس وذلك بقصد اماتة الضغائن لئلا تبقى مشتعلة دائما وتجر إلى غيرها ...

وهذه الوقعة التي أشار إليها أبو تمام بقوله :

وانتم بذي قار امالت سيوفكم

عروش الذين استرهنوا قوس حاجب

١١ ـ امارة ازاذبة :

وفي بعض التواريخ ان وقعة ذي قار حدثت في إمارة ازاذبة ثم عاد الملك إلى لخم. وازاذبة هذا ولي الحيرة بعد اياس بن قبيصة الطائي ...

__________________

(١) اليعقوبي ج ١ ص ٢٤٦ والطبري وابن الأثير وغيرهما ...

١٠٨

١٢ ـ امارة لخم الخامسة :

ولي بعد وقعة ذي قار المنذر بن النعمان بن المنذر سنة ٦٣٤ ميلادية وهو الذي تسميه العرب المغرور وقتل بالبحرين يوم جؤاثى فكان آخر من بقي من آل نصر فانقرض أمرهم بزوال ملك فارس من العراق ... (١)

وفي التواريخ الأخرى ان الذي ملك بعد ازاذبة هو الأسود بن المنذر أخو النعمان. وفي أيامه اشتهر الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب ، ثم ملك بعده المنذر بن النعمان المذكور.

هذا. ويلاحظ ان قائمة اسماء الأمراء من المناذرة وأسلافهم من آل نصر مختلفة جدا ، والتواريخ ذكرتها بصورة مضطربة ، فلا يعوّل على واحد منها ، واعتمدنا الطبري فانه من أوثق المراجع ، وفيه بيان واف عن سني حكمهم ووقائعهم مما يصلح لتثبيت التاريخ نوعا. وقائمة امرائهم في اليعقوبي مبتورة (٢). وفي تاريخ سني ملوك الأرض ذكر لهم ولمن عاصرهم من ملوك ساسان ، وقائمته تخالف سابقيه ، ولا تأتلف مع ما ذكره صاحب (كتاب العرب قبل الإسلام) وما أورد صاحب (الحيرة). ولا محل هنا لتحقيق هذا الاضطراب لأن موضوعنا عشائر العراق ... والطريقة الصحيحة أن نبدأ بالوقائع المعلومة المقطوع بها ونمضي صعودا ونزولا فنعتمد التواريخ المعتبرة ، وأساس ذلك ان من حفظ حجة على من لم يحفظ. لنتدارك ما فات الآخرين من أسماء أمراء ، ونقابل سني حكمهم بأزمان ملوك فارس ووقائع الغسانيين المعلومة وغيرها من وقائع المسلمين ... وأما وقائعهم التاريخية فانها معروفة ومدوّنة إلا أن في بعضها تداخلا ..

__________________

(١) الطبري ج ٢ ص ١٥٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٢٣٦ وما يليها.

١٠٩

ـ ١٣ ـ

الآداب العربية في القبائل العراقية

ظهر شعراء كثيرون برعاية امارة اللخميين من جهة ، وفي القبائل التي حلت العراق. وموضوع الآداب في البداوة واسع جدا ففي الأغاني ذكر النابغة الذبياني وعدي بن زيد وشعراء كل قبيلة ... وبين هذه قبائل عراقية كثيرة ، وأورد ابن قتيبة جماعة ، وكذا صاحب مهذب الاغاني ساق جملة ... وفي اسواق العرب كان لهم الذكر المعروف ، ومنهم من له معلقة ، أو مختارة معتبرة ... وأمثال العراقيين وخطبهم وأخبار رجالهم مبسوطة في الميداني وغيره .. وتعين آثارهم الأدبية الدواوين المعروفة ، وجمهرة أشعار العرب ، والبيان والتبيين للجاحظ ، وامالي القالي والعقد الفريد ، وبلوغ الارب للآلوسي. وبينهم (أول من طرقت له العصى) ، وبينهم العنبري الأسير في بكر بن وائل وهو من بني العنبر من تميم (١) ومحاورة عبد المسيح مع خالد بن الوليد ... ولا يخلو كتاب ادب من ذكر لهم ، أو إيراد لأمثالهم ... وكتب التاريخ مملوءة من أخبارهم الأدبية .. وقصة وفود العرب على كسرى معروفة ... وكانت مكانتهم الأدبية اشتهرت أكثر أيام آل لخم فذاعت في الاطراف وانتشرت في انحاء العرب المختلفة ... ويضيق بنا القول هنا ، ولا يسعنا التفصيل ... وجاءت الفصحى بكتابها العزيز ففاضت

__________________

(١) راجع كتاب (الملاحن) لابن دريد وفيه انذار قومه بما عزم عليه بنو بكر. ص ٤ طبعة مصر القاهرة سنة ١٣٤٧ ه‍.

١١٠

على آدابهم بمحسنات ومعان جديدة كانت لها مكانتها السامية فكستها رقة ، وزادت في تلطيف شعورها وسلاسة الفاظها ، ونفخت فيها روحا طيبة لم تكن لتعهدها ..

١١١

ـ ١٤ ـ

أحوال القبائل وأوضاعها الأخرى

جالت أقلام الكتاب والمؤرخين في مواضيع لم تحافظ على مكانتها إلا قليلا وكانت الدواعي لطرق مباحثها متوفرة خصوصا ما كان منها رديئا ، أو مخالفا للعقائد الإسلامية فتراعى فيه المقابلة وبيان مزايا الشريعة الغراء ..

وأهم ما يدور عليه الكلام ما يتعلق ببعض العوائد ، والعبادات الوثنية ، والمجوسية ، وعقائد الزندقة ، واليهودية ، والنصرانية ، وعبادة الكواكب ... فتقص هذه الأمور ، كل هذه كان يبحث عنها وتدقق للمصلحة الإسلامية ووسائل تأييدها ، وبيان قوة عقيدتها ، وصلاح عباداتها بالنظر لعقائد العصور السابقة وتقاليدها ... فغطت على الكل ، وقبلها غالب العرب ، وفي مدة قليلة تم انتشارها وكادت تقضي على التقاليد والأديان الأخرى ..

وكل ما عرف ان الزرادشتية وسائر الديانات الفارسية كالمانوية لم تؤثر على العرب ، ولم تقبل العرب عقائد اولئك بسهولة من جراء انها عبادة اشخاص ، وسيطرة على النفوس وتذليل لها .. فكانت في الغالب وثنية ، فشت فيها الزندقة وعبادة الكواكب .. ومن أوثان قبائل العراق (الضيزنان) ، و (سبد). وباقي الأوثان معروفة عند كل المعتقدين بها في الجزيرة ... وشاعت في بعض القبائل اليهودية ، وفي أخرى النصرانية ، وفي القليل المجوسية .. إلا ان النصرانية انتشرت في أيامها الأخيرة ... ولما جاءت الإسلامية طمى سيلها ، وقبل بها الاكثر ...

١١٢

وهكذا يقال عن عاداتهم القديمة وهي كثيرة إلا ان اقتباسهم من العجم قليل بالرغم من المجاورة ، فلم تنل رغبة لما للعرب من شمم ومكارم أخلاق لا توجد عند اولئك ، أو لا تتألف وما اعتادوه .. كما أن العقائد كذلك. وإنما تسلطت الإسلامية ونفذت في اعماق قلوب القوم فغيرت من عوائدهم لما في عقائدها من سهولة وقوة وبساطة وأحكام .. ومحت الكثير مما كانوا عليه فكان لها أثرها في نفوس القوم .. ومن حين قبلت هذه القبائل بالعقيدة الإسلامية عادت متحضرة وسكنت المدن .. وقضي على الكثير من أحكامهم البدوية واعتياداتهم الشائعة آنئذ .. فتركوا ما كانوا عليه من عرف بما استطاعوا امتثالا لآية (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) ..

ولا يهمنا اثارة المندثر مما كانوا عليه وإنما بعض عوائدهم الباقية هي التي ستكون موضوع بحثنا عند الكلام على القبائل الحاضرة ، ومن ثم نكون قد جعلنا مواضيع اليوم ذات مساس مباشر بالماضي ودرجة نفوذه .. وحينئذ تخرج الأبحاث عما كانت عليه من حاجة الماضي للبحث فيها .. وصار موضوع اليوم العوائد الحاضرة مراعىّ فيها القديم وأثره في نفوس القوم.

وعلى كل حال جدت المباحث وتماسها بالأوضاع الحاضرة ، وتدقيقها تاريخيا من نواحي العلاقة والارتباط بالماضي القريب والبعيد .. كل هذا سننظر فيه في عشائرنا الحاضرة لتكون أقوى صلة وأشد علاقة .. وفي الكتب الأخرى ما يبرد غلة الماضي وما كان عليه العرب في أزمانهم الغابرة مما لم يبق لغالبه أثر الآن ...

ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن من أكبر الأبحاث علاقة واتصالا بنا المناسبات بين القبائل وحالاتهم في جوارهم وحربهم ، وكلأهم وحياة مواشيهم .. وكل هذه سندققها في حينها مع ملاحظة ما كانت عليه في ماضيها قدر الطاقة ..

١١٣

ـ ١٥ ـ

آخر القول في العشائر وامارتهم

ولا نطيل القول في عشائر العراق القديمة ، والمعروف انها قضت ادوارا مديدة في سكناه وبين هؤلاء العرب البائدة ، والمتعربة والمستعربة ويهمنا أن نعين العلاقات. ومما مر نعلم ان إيران لم تسيطر على العرب سيطرة مباشرة وقد خذلت مرارا في تجارب عديدة .. وانما ساقتها تجاربها ان تتفاهم مع الأمراء وهؤلاء يقومون بادارة اقوامهم فلم يرضخ العربي لأعجمي ، وقد ماشى بعض العرب العجم أحيانا ولمآرب خاصة ، وفي كل هذا لم يقطعوا صلتهم من قومهم .. يدل على ذلك (وقعة ذي قار) حينما رأوا الجد في الأمر ، وشاهدوا العزم على انزال الضربة بالعرب. فهم وان كانوا بينهم على العداء والغضاضات القديمة والمفاخرات .. وجدوا الضرورة تدعوهم إلى الحلف والاتفاق ودفن الضغائن فلم يذكروا القبائل التي كانت في جهة عدوهم بسوء .. فاتفقوا في الخفاء كما وقع قبل هذا بين القبائل التنوخية ... وهكذا كان يفعل بعض القبائل مع بعض من الاتفاقات الصغرى .. ولكنهم علموا ان هذه الحرب سوف تقضي على اكبر القبائل ويكون من السهل الوقيعة بالباقية حتى التي كانت متفقة معها ... وعلى كل نرى السياسة العشائرية كانت ترضى منها الحكومات في الغالب بالميل إلى جهتها واستخدامها على عدوّها ومناصرتها لها من اخرى كما وقع اثناء الحروب مع سورية .. وباقي أحوال العشائر العراقية لا تفترق بها عن سائر العرب في الجزيرة وفي الأقطار الأخرى من اكرام ضيف ، وشمم ، وإباء ،

١١٤

وصبر على المشاق ، والحرية ، وقلة الارتباط بادارتها العامة بصورة تقف عند اعتزاز القبيلة أو الامارة وان لا تهان .. وقد اشير إلى ما كانوا عليه من آداب ، وعوائد ، وروحية ، وحروب ، وتعاملات. والبحث عن هذا سيبسط عند الكلام على قبائل العراق البدوية ، والريفية ... وهنا يلاحظ ان اكبر تبدل في حياة القبائل وروحيتها ما أحدثه الإسلام فيهم ولم يسر بهم خلاف مألوفهم وإنما راعى الاصلاح فيما هو المثل الأعلى ، والى ما حسّن عيشتهم ، وأصلح عوائدهم وتقاليدهم وعقائدهم .. دون أن يهاجم بالامحاء فكان اصلاحه دعوة إلى خير طريقة مما يسيرون عليه والندبة إلى الأمور التي تعود بالنعيم العميم ... وغاية ما يقال هنا ان العشائر واماراتها لم تكن صاحبة السلطة والقول الفصل في مقدراتها وكثيرا ما نالها من الاهانات والتضييقات المرة مما مضى الكلام عليه من أيام بختنصر وإيران ... فمنهم من خلعت أكتافهم ، ومنهم من اودي باماراتهم .. وهكذا. فكان للدعوة الإسلامية أثر كبير في نفوسهم ، وتحريك لهم في الثورة على القسوة والظلم ، ووقع عظيم في القوم ، فتفادوا في النضال عنها ، والنصر لمبادئها. ومن ثم ظهر في العراق من مالوا إلى الحضارة ، وتركوا حياة البداوة من حين قبلوا الإسلامية فكانوا من أكبر الأعضاء الفعالة للمجتمع ... وخدموا مختلف الثقافات ، فكانت اعمالهم خالدة وعامة ...

١١٥
١١٦

عشائر العراق الحاضرة

ـ ١ ـ

البدو

ويتناول البحث عن قبائل (شمر) و (عنزة)

و (الضفير) و (حرب) و (صليب) الخ ..

وهم الذين غلبت عليهم البداوة

ولم يتوغلوا في حياة الارياف

١١٧
١١٨

عشائر العراق الحاضرة

ـ ١ ـ

القبائل الإسلامية

كلمة :

هذا هو القسم الثاني من عشائر العراق ويتضمن الكلام على العشائر الحاضرة ويتناول بعض المباحث عن العشائر في صدر الإسلام كتمهيد للمباحث وتوطئة للتوصل إلى أصل الموضوع ...

١ ـ العشائر العراقية :

مضى الكلام على العشائر إلى ظهور الإسلام إجمالا. وكانت في الحقيقة مستعبدة نوعا فلا تخلو من تضييق قلّ أو كثر بالنظر لعلاقة العرب وقبائلها بالحضارة وتباعدها عنها ... والقبائل العربية أقل علاقة بالإدارة الفارسية .. ولما ظهر الإسلام جاءت قبائل جديدة وصارت تسرح وتمرح لا في العراق وحده بل في الأقطار الشرقية الأخرى إلا أننا نرى بعض عشائر الفتح قليل الميل إلى الحضارة وقبولها ... والقبائل الموجودة اليوم أكثرها قريبة العهد بسكنى العراق وإن الاحتفاظ بالاسم القديم ، وإنه كان معروفا في العراق لا يعين قدم القبيلة وإنما نشاهد كل قبيلة في العراق القديم والحديث ذات أصل قديم في الجزيرة. وتوالي ورودها معروف تاريخيا ، ومشهود حسا ..

١١٩

٢ ـ تأثير الإسلام على العشائر العراقية :

كان قبل الإسلام يدبر شؤون القبائل أمراء إلا أن الامارات أصابها بعض الوهن ، وصارت إيران في أيامهم الأخيرة تتدخل في شؤونهم أكثر ... مما سبب النفرة والضجر من العجم خصوصا أن وقعة (ذي قار) لا تزال ترن في الآذان ... فلما جاء خالد بن الوليد إلى العراق لم ير تصلبا كبيرا أو تعندا من هذه العشائر وكان من السهل التفاهم معها خصوصا بعد أن رأت شيبان قد مالت إلى الإسلام ، وأميرها المثنى المشهور ، وعجل أيضا ركنت إليها وحاربت في وجه أهل الأبلة ، والحيرة تفاوضت ومثلها الأنبار وقد ضرب الغزاة بعض القبائل من تغلب وبهراء وما ماثل مما مرّت الإشارة إليه ..

وأساسا كان لمحاورة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع عرب الحيرة وأعيانها أعظم أثر في قبول الإسلامية وبعض أقسامها ارتبط مع المسلمين بعهد ومعنى ذلك أنها صارت معهم وهكذا الأمر كان في حروب العرب لفارس ، فساعد العرب جيوش المسلمين لأنهم كانوا عربا وتعصبوا للعرب أبناء جلدتهم ومن هذه القبائل قبيلة طيىء وقبائل أخرى ..

ومهما يكن فقد كانت العرب تميل إلى إخوانها في الدم واللغة يؤيد ذلك ما مر بيانه من الأشعار والأقوال ... والمعلوم أن هؤلاء القبائل قد تولد فيهم النشاط ، وزال الخمول وذهب الخوف والخور فاعتزوا وصارت كلمتهم العليا ، وتركوا التقاليد السخيفة من عبادة الأصنام ، أو نار كالمجوس وما ماثل. فذهب عنهم البؤس بأمه ..

ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما جاءتهم قبائل عديدة قوّت هذا النشاط وزادت في علو الهمة ، ونفثت فيهم روح الحزم والعزم .. فصار الدور لهم ولم يكتفوا بالعراق وحده وإنما مضوا إلى الأطراف الأخرى ، والأقطار النائية ، فصارت غنيمة باردة لهم ، وأكلة مريئة.

مر بنا الكلام على القبائل القديمة ... أما القبائل الجديدة فكثيرة أيضا ولا تكاد تحصى عدا فكأن الجزيرة خلت من سكانها ومالت إلى العراق

١٢٠