الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

الشيخ علي الكوراني العاملي

الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

السفير الرابع : أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس‌سره

قال العلامة الحلي في خلاصة الأقوال / ٢٥٠ ، و٤٣٢ : « وأوصى أبو القاسم ابن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرت السمري الوفاة سئل أن يوصي فقال : لله أمر هو بالغه . والغيبة الثانية هي التي وقعت بعد مضي السمري .. ومات رحمه‌الله سنة تسع وعشرين وثلاث مائة » .

وفي كمال الدين : ٢ / ٥١٦ ، عن الحسن بن أحمد المكتب قال : « كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري قدس الله روحه ، فحضرته قبل وفاته بأيام ، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم . يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام ، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له : من وصيك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه ! ومضى رضي الله عنه ، فهذا آخر كلام سمع منه » وغيبة الطوسي / ٢٤٢ ، وإعلام الورى / ٤١٧ ، والإحتجاج : ٢ / ٤٧٨ ، والخرائج : ٣ / ١١٢٨ ، وغيرها .

أقول : المنفي هو المشاهدة مع ادعاء السفارة ، بقرينة قوله عليه‌السلام : « وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة » أما المشاهدة بدون ادعاء سِمَة فهي ممكنة وقد وقعت كثيراً .

٤١

١٣ ـ قبور السفراء الأربعة والمؤلفات فيهم

دوَّن علماؤنا سيرة السفراء الأربعة وأحاديثهم رضوان الله عليهم ، وألفوا فيهم الكتب الخاصة ، فقد ذكر في الذريعة إلى تصانيف الشيعة ( ١ / ٣٥٣ ) كتابين قديمين للسيرافي والجوهري ، قال : «أخبار الوكلاء الأربعة : وهم عثمان بن سعيد ، ومحمد بن عثمان ، والحسين بن روح ، وعلي بن محمد السمري ، النواب المخصصون في الغيبة الصغرى والسفراء والأبواب فيها الحجة المهدي عليه‌السلام ، لأبي العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيرافي ، نزيل البصرة ، من مشايخ النجاشي ، توفي حدود النيف والعشرة بعد الأربع ماية كما يظهر من فهرس الشيخ ، حيث إنه قال فيه إنه مات عن قرب وكان شروع الشيخ في الفهرس بأمر الشيخ المفيد ، لكنه فرغ منه بعد وفاته ، حيث ذكر فيه حكاية يوم وفاة المفيد في سنة ٤١٣ ، فيكون وفاة السيرافي أيضاً في هذه الحدود .

أخبار الوكلاء الأربعة المذكورين ، لأبي عبد الله الجوهري ، أحمد بن محمد بن عياش ، صاحب مقتضب الأثر المتوفى سنة ٤٠١ ، ذكره النجاشي » .

* *

وقبور السفراء الأربعة كلهم في بغداد رضوان الله عليهم ، فقد انتقل اليها السفير الأول عثمان بن سعيد بعد سنة أو سنتين من وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام كما دلت رواية أحمد بن محمد الدينوري . وقد وصف الشيخ الطوسي رحمه‌الله قبره وزيارته له فقال في الغيبة / ٣٥٨ : « قال أبو نصر هبة الله بن محمد : وقبر عثمان بن سعيد بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف

٤٢

في الدرب ، المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه ، والقبر في نفس قبلة المسجد . قال محمد بن الحسن مصنف هذا الكتاب : رأيت قبره في الموضع الذي ذكره ، وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد ، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برَّا وعمل عليه صندوقاً ، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح ، وربما قالوا هو ابن داية الحسين عليه‌السلام ! ولا يعرفون حقيقة الحال فيه ، وهو إلى يومنا هذا وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، على ما هو عليه » .

أما السفير الثاني محمد بن عثمان رحمه‌الله فتوفي سنة ٣٠٥ ، وأن الإمام عليه‌السلام أخبره عن وفاته قبل شهرين ، فاستعد وحفر قبراً وكان يقرأ فيه القرآن ، وكتب على لوحة آيات القرآن ، وأسماء الأئمة عليهم‌السلام ليدفنها معه .

وأما الحسين بن روح رحمه‌الله فتوفي سنة ٣٢٦ ففي غيبة الطوسي / ٣٨٦ : « عن بنت أبي جعفر العمري أن قبر أبي القاسم الحسين بن روح في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى الدرب الآخر وإلى قنطرة الشوك قال : وقال لي أبو نصر : مات أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين وثلاث مائة ، وقد رويت عنه أخباراً كثيرة » .

وأما وفاة علي بن محمد السمري فكانت سنة ٣٢٩ ، في النصف من شعبان ، وقد

٤٣

وصف الطوسي رحمه‌الله قبره فقال في الغيبة / ٣٩٦ : « عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب أن قبر أبي الحسن السمري رضي الله عنه في الشارع المعروف بشارع الخلنجي ، من ربع باب المحول ، قريب من شاطئ نهر أبي عتاب . وذكر أنه مات في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة » . راجع : أعيان الشيعة : ٦ / ٢١ ، وتهذيب المقال : ٢ / ٤٠٠ .

وقال السيد محمد صادق بحر العلوم في مقدمة علل الشرائع / ٥ ، ملخصاً :

« أ ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه‌الله ... قبره بالجانب الغربي من بغداد مما يلي سوق الميدان ، معروف يزار ويتبرك به الشيعة .

بـ ـ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري رحمه‌الله ، وهو المعروف بالخلاني توفي سنة ٣٠٥ ، آخر جمادى الأولى ، وقبره في الجانب الشرقي من بغداد عند والدته في شارع باب الكوفة في الموضع الذي كانت دوره ومنازله .

جـ ـ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي رحمه‌الله توفي سنة ٣٢٦ ، وقبره ببغداد في الجانب الشرقي في سوق العطارين يزار ويتبرك به وهو معروف باسم قبر الحسين بن روح .

د ـ أبو الحسين علي بن محمد السمري رحمه‌الله ، توفي سنة ٣٢٩ ، وقبره في الجانب الغربي مما يلي سوق الهرج والسراجين ، وهو معروف يزار ويتبرك به » .

*  *

٤٤

١٤ ـ مذاهب الغلو التي كانت في بغداد

وأشهرها مذهب الحلاج ، والشلمغاني ، ومذهب بشار الشعيري الذي عرف أتباعه بالكرخية المخمسة . وقد ترجم علماؤنا لعدد من المغالين وحذروا منهم .

ومذهب المخمسة مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي ، قالوا : « إن سلمان الفارسي والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً » . ( خلاصة الأقوال للعلامة / ٣٦٤ ) .

ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي ، الملعون على لسان الإمام المهدي عليه‌السلام ، فسُمِّيَ أتباعه الكرخية والكرخيين .

قال الطوسي في الغيبة / ٤١٤ : « وكان الكرخيون مخمسة ، لا يشك في ذلك أحدٌ من الشيعة ، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به .. وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أن تحصى ، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا » .

وقال العلامة الحلي قدس‌سره في خلاصة الأقوال / ٣٦٤ ، عن علي بن أحمد الكوفي : « كان إمامياً مستقيم الطريقة وصنف كتباً كثيرة سديدة ، ثم خلط وأظهر مذهب المخمسة وصنف كتاباً في الغلو والتخليط . وقال ابن الغضائري : كذاب غال صاحب بدعة ومقالة » .

وترجم في معجم البلدان : ٤ / ٤٤٧ ، لكرخيٍّ آخر على نفس المذهب ، لكنه من كرخة الأهواز ، لا كرخة بغداد ، قال : « أبو جعفر الكرخي المعروف بالجرو ، وهذا الرجل مشهور بالجلالة فيهم قديماً وكان مقيماً بالبصرة ، قال : وشاهدته أنا وهو

٤٥

شيخ كبير وقد اختلت حاله ، فصار يلي الأعمال الصغار من قبل عمال البصرة ... استفاض عنهم أنهم كانوا مخمسة يعتقدون أن علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أشباح أنوار قديمة ، لم تزل ولا تزال ، إلى غير ذلك من أقوال هذه النحلة ، وهي مقالة مشهورة » .

وأصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري ، ومذهبه تطوير لمذهب ( العلياوية ) الذي ظهر في زمن الإمام الصادق عليه‌السلام !

فقد روى الطوسي رحمه‌الله في رجاله : ٢ / ٧٠١ : « عن مرازم قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : تعرف مبشر ، بشر بتوهم الإسم قال : الشعيري ، فقلت : بشار ؟ قال بشار ! قلت : نعم جار لي ! فقال عليه‌السلام : إن اليهود قالوا ووحدوا الله ، وإن النصارى قالوا ووحدوا الله ، وإن بشاراً قال قولاً عظيماً ! إذا قدمت الكوفة فأته وقل له : يقول لك جعفر : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا برئ منك ! قال مرازم : فلما قدمت الكوفة فوضعت متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية ، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم ، فخرج إليَّ فقلت له : يقول لك جعفر بن محمد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا برئ منك ! فقال لي : وقد ذكرني سيدي ! قال قلت : نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك ! فقال : جزاك الله خيراً وفعل بك ، وأقبل يدعو لي !

ومقالة بشار هي مقالة العلياوية يقولون إن علياً عليه‌السلام هرب وظهر بالعلوية الهاشمية ، وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وأن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي لأنه أول هذه الأشخاص

٤٦

في الأمة ، وأنكروا شخص محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وزعموا أن محمداً عبد علي !

وأقاموا محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله مقام ما أقامت المخمسة سلمان ! وجعلوه رسولاً لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فوافقوهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ » !

وفي رجال الطوسي : ٢ / ٧٧٥ : « لما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمد فهو الإمام ! ومن أوصى إليه سميع فهو إمام مفترض الطاعة على الأمة ، إلى وقت خروج موسى بن جعفر عليه‌السلام ! وزعموا أن الفرض عليهم من الله تعالى إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ، وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض ، وقالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان ، واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى : أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ! وقالوا بالتناسخ ....

وزعمت هذه الفرقة والمخمسة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد فهو مبطل في نسبه مفتر على الله كاذب ، وأنهم الذي قال الله تعالى فيهم إنهم يهود ونصارى في قوله : وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ... إذ كان محمد عندهم وعلي هو رب لا يلد ولا يولد ولا يستولد ! تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً .

وكان سبب قتل محمد بن بشير لعنه الله ، لأنه كان معه شعبذة ومخاريق ... وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن ( الإمام الكاظم عليه‌السلام ) في ثياب حرير ، وقد طلاها بالأدوية وعالجها بحيل عملها فيها ، حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ! وكان يقول لأصحابه ان أبا الحسن عليه‌السلام عندي فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي فهلموا

٤٧

أعرضه عليكم ، فكان يدخلهم البيت والصورة مطوية معه فيقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً أو ترون فيه غيري وغيركم ؟ فيقولون : لا ، ليس في البيت أحد ، فيقول : أخرجوا فيخرجون من البيت فيصير هو وراء الستر ويسبل الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة ، ثم يرفع الستر بينه وبينهم ، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن لا ينكرون منه شيئاً ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يسارُّه ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً !

وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ما لم يروا مثلها ، فهلكوا بها فكانت هذه حاله مدة ، حتى رفع خبره إلى بعض الخلفاء أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء وأنه زنديق ، فأخذه وأراد ضرب عنقه فقال : يا أمير المؤمنين استبقني فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه ! فكان أول ما اتخذ له الدوالي ، فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها وجعل الزيبق بين تلك الألواح ، فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتميل الألواح وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتبع الدوالي لهذا ، فكانت تعمل من غير مستعمل لها وتصب الماء في البستان فأعجبه ذلك ، مع أشياء عملها يضاهي الله بها في خلقه الجنة . فقوده ( جعله قائداً ) وجعل له مرتبة .

ثم إنه يوماً من الأيام انكسر بعض تلك الألواح فخرج منها الزيبق ، فتعطلت فاستراب أمره وظهر عليه التعطيل والإباحات ! وقد كان أبو عبد الله وأبو الحسن عليهما‌السلام يدعوان الله عليه ويسألانه أن يذيقه حر الحديد فأذاقه الله حر الحديد » .

وقد انخدع بهذه المذاهب والبدع بعض العوام . لكنها انتهت والحمد لله .

٤٨

الفصل الثاني

بحث الروايات التي وردت عن بغداد

١ ـ تسمية بغداد بالزوراء

قال البكري في معجمه ( ٢ / ٧٠٥ ) : « الزوراء بفتح أوله ، ممدود . وهو إسم يقع على عدة مواضع ، فمنها الزوراء بالمدينة ، التي زاد عليها عثمان النداء الثالث يوم الجمعة لما كثر الناس .. والزوراء : موضع آخر في ديار بني أسد .. والزوراء أيضاً رصافة هشام بالشام وكانت للنعمان بن جبلة .. والزوراء : دار بالحيرة .. هدمها أبو جعفر المنصور .. وروى أبو عمر الزاهد عن العطافي عن رجاله قال : تذاكروا عند الصادق الزوراء ، فقالوا : الزوراء : بغداد . فقال الصادق : ليس الزوراء بغداد ، ولكن الزوراء الري » . والري الآن حي من طهران .

أقول : الزوراء التي بالمدينة بيت لعثمان عند السوق منحرف البناء أمرهم أن يصعدوا على سطحه ويؤذنوا قبل الأذان ليتهيأ الناس . ( صحيح بخاري : ١ / ٢١٩ ، ومسلم : ٧ / ٥٩ ، وابن ماجة : ١ / ٣٥٩ ، وعمدة القاري : ٦ / ١٦١ ، وابن أبي شيبة : ٦ / ٥٤ ) .

وفي معجم البلدان : ٣ / ١٥٥ : « زوراء : تأنيث الأزور وهو المائل .. ومنه سميت القوس الزوراء لميلها ، وبه سميت دجلة بغداد الزوراء .. قال الأزهري : سميت الزوراء لازورار في قبلتها .. وقال غيره : الزوراء مدينة أبي جعفر المنصور وهي في

٤٩

الجانب الغربي ، وهو أصح مما ذهب إليه الأزهري بإجماع أهل السير ، قالوا : إنما سميت الزوراء لأنه لما عمرها جعل الأبواب الداخلة مزورة عن الأبواب الخارجة ، أي ليست على سمتها » .

وفي مجموع النووي : ١ / ١٢٢ : « وفي بغداد أربع لغات : إحداها بدالين مهملتين . والثانية بإهمال الأولى وإعجام الثانية . والثالثة بغدان بالنون . والرابعة مغدان . ومعناها بالعربية عطية الصنم وقيل بستان الضم . وسماها أبو جعفر المنصور مدينة السلام لأن دجلة كان يقال لها وادي السلام : ويقال لها الزوراء أيضاً » .

وقال المجلسي في بحار الأنوار : ٥ / ٢٧٩ : « والزوراء : بغداد » .

وتقدم في رواية أمالي الطوسي / ١٩٩ ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس : إنها الزوراء فسيروا وجنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة ، فلما أتى موضعاً من أرضها قال : ما هذه الأرض ؟ قيل أرض بحرا . فقال : أرض سباخ جنبوا » .

وهذا يدل على أن الزوراء إسم لمحلة قرب بغداد وبراثا ، وأن أرض بحرا قسم من أرض الزوراء ، وأن براثا تقع الى يمينها ، للآتي من النهروان .

وما ذكره البكري عن الإمام الصادق عليه‌السلام رواه في الكافي ( ٨ / ١٧٧ ) : « عن معاوية بن وهب قال تمثل أبو عبد الله عليه‌السلام ببيت شعر لابن أبي عقب :

وينحر في الزوراء منهم لدى الضحى

ثمانون ألفاً مثلما تنحر البدن

ثم قال لي : تعرف الزوراء ؟ قال قلت : جعلت فداك يقولون إنها بغداد قال : لا ، ثم قال عليه‌السلام : دخلت الري ؟ قلت نعم ، قال : أتيت سوق الدواب ؟ قلت نعم ،

٥٠

قال : رأيت الجبل الأسود عن يمين الطريق ؟ تلك الزوراء يقتل فيها ثمانون ألفاً منهم ثمانون رجلاً من ولد فلان كلهم يصلح للخلافة ! قلت : ومن يقتلهم جعلت فداك ؟ قال : يقتلهم أولاد العجم » .

فهذا الحديث عن زوراء أخرى قرب الري ، تقع فيها معركة يقتل فيها ثمانون ألفاً ، منهم ثمانون شخصاً من ولد العباس ، أو ولد أبي سفيان أو غيرهما . وقد وقعت معارك عديدة في الري وقتل فيها ألوف في ثورة أبي مسلم الخراساني ، ثم في معارك المأمون والأمين ، ثم في الأحداث الكثيرة بعدها .

فهو إخبار عن حدث يقع بعد عصر الإمام الصادق عليه‌السلام وليس فيه أي إشارة الى اتصاله بعصر ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أو كونه علامة له .

وفي غيبة النعماني / ١٤٨ ، بسنده عن عبد الله بن ضمرة ، عن كعب الأحبار أنه قال : « ومن نسل علي القائم المهدي الذي يبدل الأرض غير الأرض ، وبه يحتج عيسى بن مريم عليه‌السلام على نصارى الروم والصين . إن القائم المهدي من نسل علي ، أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقاً وخلقاً وسمتاً وهيبة ، يعطيه الله عز وجل ما أعطى الأنبياء عليهم‌السلام ويزيده ويفضله . إن القائم من ولد علي له غيبة كغيبة يوسف ورجعة كرجعة عيسى بن مريم ، ثم يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم الأحمر ، وخراب الزوراء وهي الري ، وخسف المزورة وهي بغداد ، وخروج السفياني ، وحرب ولد العباس مع فتيان أرمينية وأذربيجان ، تلك حرب يقتل فيها ألوف وألوف كل يقبض على سيف محلى تخفق عليه رايات سود . تلك حرب يشوبها الموت الأحمر والطاعون الأغبر ...

٥١

ثم ذكر حديثاً عن علي عليه‌السلام جاء فيه : « إن لبني العباس يوماً كيوم الطموح ، ولهم فيه صرخة كصرخة الحبلى ، الويل لشيعة ولد العباس من الحرب التي سنح بين نهاوند والدينور ، تلك حرب صعاليك شيعة علي ، يقدمهم رجل من همدان اسمه على اسم النبي ، منعوت موصوف باعتدال الخلق وحسن الخلق ونضارة اللون ، له في صوته ضجاج ، وفي أشفاره وطف ، وفي عنقه سطع ، أفرق الشعر ، مفلج الثنايا ، على فرسه كبدر تمام إذا تجلى عنه الظلام ، يسير بعصابة خير عصابة آوت وتقربت ودانت لله بدين . تلك الأبطال من العرب الذين يلقحون حرب الكريهة ، والدبرة يومئذ على الأعداء . إن للعدو يومذاك الصيلم والإستئصال » .

أقول : يبدو أن النعماني رحمه‌الله قبل حديث عبد الله بن ضمرة عن كعب ، وحديث عمرو بن سعد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ولكنهما لا يصحان . فمضافاً الى الإشكالات على متنه ، فإن راويه عبد الله بن ضمرة السلولي لم يوثق عندنا ، وحديثه مقطوع ، وكعب الأحبار لم يدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسند حديثه اليه . كما أن كعباً ليس ثقة عندنا ، وقد كان مع معاوية ضد علي عليه‌السلام فلا ينسجم الحديث مع مذهبه !

نعم يحتمل أن يكون الحديث عن أبي بن كعب رحمه‌الله ونسب الى كعب لأن عبد الله بن ضمرة يروي عنهما ، لكن الإحتمال لا يكفي ( راجع : معجم السيد الخوئي : ١١ / ٢٤٠ ، وعلل الدارقطني : ١١ / ٤٤ وثقات العجلي : ١ / ١٢٩ ، وتاريخ بخاري : ٥ / ١٢٢ ) .

وأما حديث عمرو بن سعد فلم يوثقه أحد ، وفي بقية رجاله وفي متنه إشكال ، ثم هو يتحدث عن خراب بغداد في أحداث ستقع « سنة إظهار غيبة المتغيب من ولدي » ولا بد أن يكون المقصود به معركة الإمام المهدي عليه‌السلام مع الظالمين .

٥٢

٢ ـ رد روايات خسف بغداد وخرابها

شاع بين الناس الى عصرنا أن بغداد سوف يخسف بها وتُزول ، حتى يمرَّ المارُّ فيقول هنا كانت بغداد ! وبعد تتبعي لروايات خراب بغداد اطمأنيت بأنها من وضع رواة بني أمية ، لأن العباسيين أنهوا الأمويين وحلت بغداد محل الشام ، فزعم أتباع الأمويين أن السفياني سينتقم لبني أمية ويدمر بغداد .

فقد رووا عن جرير بن عبد الله البجلي قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل ، تجبى إليها كنوز الأرض يخسف بها ، فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة » ( ملاحم ابن المنادي / ٤٣ ، وتذكرة القرطبي : ٢ / ٦٨١ و٦٩٧ ، وجامع السيوطي : ٤ / ٧٧٢ ، وموضوعات ابن الجوزي : ٢ / ٦١ ) .

ورووا عن أبي الأسود الدؤلي عن علي عليه‌السلام أنه قال : « سمعت حبيبي محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة ، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجبابرة أمتي ، أما إن هلاكها على يد السفياني ، كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها » ( تاريخ بغداد : ١ / ٣٨ ) .

و « قُطْرَبَّل ..كلمة أعجمية اسم قرية بين بغداد وعكبرا ، ينسب إليها الخمر ، وما زالت متنزهاً للبطالين وحانة للخمارين » . ( معجم البلدان : ٤ / ٣٧١ ) .

وقد عقد الخطيب البغدادي في تاريخه ( ١ / ٥٤ ) « باب ذكر أحاديث رويت في الثلب لبغداد والطعن على أهليها ، وبيان فسادها وعللها وشرح أحوال رواتها وناقليها » .

وضعَّفَ هذه الأحاديث لوجود مجاهيل ووضاعين في أسانيدها . وكذلك فعل

٥٣

ابن الجوزي في كتابه : الموضوعات ( ٢ / ٦٠ ) بتفصيل ، وأورد ستة عشر طريقاً لحديث جرير بن عبد الله البجلي ، وضعفها .

ونلاحظ أن في روايات خسف بغداد رواة يهوداً التقوا مع حلفائهم الأمويين في التبشير بزوال بغداد ، فقد روى الخطيب ( ١ / ٦٧ ) «عن أبي يعقوب الإسرائيلي وكان قد قرأ الكتب أنه قيل له : ما بال بغداد لا تكاد تُرى فيها إلا مستعجلاً ؟ فقال : لأنها قطعة من بابل فهي تبلبل بأهلها ... قال أبو الحسين بن المنادي : فنظرنا ما في كلام هذا الإسرائيلي فإذا هو كلام لا يصح في المعتبر » .

ومثل هذا الحديث يضع يدنا على العقدة اليهودية من بابل ، التي ما زالت تعيش في نفوسهم من يوم غزاهم نبوخذ نصر البابلي ، فهم يحلمون بتدمير بابل وبغداد !

*  *

٥٤

٣ ـ أحاديث جيش السفياني في بغداد

أصل دخول جيش السفياني الى العراق قطعي ، فهو من علامات ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وقد رواه السنة والشيعة ، كالبخاري : ٢ / ١٥٩ ، وفي : ٣ / ١٩ ، وقد جزأ حديثه وعنونه بعناوين بعيدة ! وفضح عمله الحاكم ( ٤ / ٥٢٠ ) ومسلم ( ٨ / ١٦٦ ) .

راجع : الجمع بين الصحيحين : ٤ / ٢٣٨ و / ٢٤٥ ، وابن شيبة : ١٥ / ٤٣ وأحمد : ٦ / ٣١٦ ، وأبا داود : ٤ / ١٠٧ ، وتهذيب ابن عساكر : ٣ / ٤٥٠ ، وجامع الأصول : ١٠ / ١٧٩ ، وجمع الفوائد : ١ / ٥٥ ، والمسند الجامع : ٢٠ / ٧٩٥ ، وابن ماجة : ٢ / ١٣٥٠ ، والنسائي : ٥ / ٢٠٧ ، والطبراني الكبير : ٢٣ / ٢٠٢ ، و : ٢٤ / ٧٥ ، والحاكم : ٤ / ٤٢٩ ، وصححه على شرط الشيخين ، وعبد الرزاق : ١١ / ٣٧١ .

وقال السيوطي في الدر المنثور : ٥ / ٢٤٠ : « وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ قال : هو جيش السفياني ، قال : من أين أخذ ؟ قال : من تحت أرجلهم » .

وفي تفسير الطبري : ٢٢ / ٧٢ ، عن حذيفة برواية طويلة جاء فيها : « قال رسول الله وذكر فتنة بين أهل المشرق والمغرب : فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم السفياني من الوادي اليابس في فوره ذلك حتى ينزل دمشق ، فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة ، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة ، ويقتلون بها ثلاث مائة كبش من بني العباس ، ثم ينحدرون إلى الكوفة فيخربون ما حولها ثم يخرجون متوجهين إلى الشام .. الخ . » . والكشاف : ٣ / ٤٦٧ ، وتذكرة القرطبي : ٢ / ٦٩٣ ، وتفسيره : ١٤ / ٣١٤ ، والبحر المحيط : ٧ / ٢٩٣ ، ونوادر الأخبار / ٢٥٧ ، والإستيعاب : ٣ / ٩٢٨ .

وفي الفتن لابن حماد : ١ / ٣٢٩ ، « عن علي رضي الله عنه قال : إذا نزل جيش في طلب

٥٥

الذين خرجوا إلى مكة ، فنزلوا البيداء خسف بهم ويباد بهم ، وهو قوله عز وجل : وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ . من تحت أقدامهم » .

والذي أعتقده أن حديث دخول جيش السفياني الى الحجاز والعراق صحيح في أصله بل متواتر بالمعنى ، لكن الرواة الأمويين زادوا عليه سيطرة السفياني على العراق وتدميره بغداد ! لكن لا تجد ذلك في روايات أهل البيت عليهم‌السلام .

بل تجد فيها أن جيش السفياني يكون منتدباً لمهمة حفظ الأمن في المدينة وفي العراق وتكون مدته قصيرة لأنه قبل ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ببضعة شهور .

وذكرت أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام أن جيشه في العراق يصيب أناساً من شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ذكرت سيطرته على المدينة المنورة وقتله أفراداً وحبسه بني هاشم ، ثم يتجه الى مكة فيخسف به . ولم تذكر أنه يدمر بغداد ولا يحتل العراق !

ففي تفسير العياشي : ١ / ٦٥ ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : « ويظهر السفياني ومن معه حتى لا يكون له همة إلا آل محمد عليهما‌السلام وشيعتهم فيبعث بعثاً إلى الكوفة فيصيب أناساً من شيعة آل محمد عليهما‌السلام قتلاً وصلباً ، ويبعث بعثاً إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويهرب المهدي والمنصور منها ، ويؤخذ آل محمد صغيرهم وكبيرهم ، لايترك منهم أحد إلا أخذ وحبس ، ويخرج الجيش في طلب الرجلين ، ويخرج المهدي منها على سنة موسى خائفاً يترقب ، حتى يقدم مكة » .

وفي الإختصاص / ٢٥٥ ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام أيضاً : « ثم لا يكون همه إلا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة ألف رجل من الجبارين . ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدتهم سبعون ألف رجل ، فيصيبون من أهل الكوفة

٥٦

قتلاً وصلباً وسبياً ، فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوى المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم ، وخرج رجل من موالي أهل الكوفة ، فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة » .

وبهذا يتضح أن ما ورد في تدمير بغداد وزوالها على يد السفياني ، وأفاعيله الواسعة في العراق ، من إضافات الرواة الأمويين .

ومما يؤيد ذلك أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أخبر بأن المهدي عليه‌السلام سيدمر الشام في معركته مع السفياني واليهود ، ففي معاني الأخبار / ٤٠٦ ، عن عباية الأسدي ، قال : « سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو مسجى وأنا قائم عليه يقول : لآبنينَّ بمصر منبراً ، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً ، ولأخرجن اليهود والنصارى من كور العرب ، ولأسوقن العرب بعصاي هذه ! قال قلت له : يا أمير المؤمنين كأنك تخبرنا أنك تحيا بعد ما تموت ؟! فقال : هيهات يا عباية ، ذهبت في غير مذهب . يفعله رجل مني » .

فيبدو أن هذا الحديث أثار الأمويين ، فأضافوا الى حديث السفياني الصحيح ، أنه سيدمر بغداد ويقتل أهل العراق !

* *

٥٧

٤ ـ صحة الأحاديث التي تذم الجبابرة في بغداد

قال العلامة الحلي في كشف اليقين / ٨٠ ، في فصل إخبار أمير المؤمنين عليه‌السلام بالمغيبات : « ومن ذلك إخباره بعمارة بغداد ، وملك بني العباس ، وذكر أحوالهم ، وأخذ المغول الملك منهم . رواه والدي رحمه‌الله وكان ذلك سبب سلامة أهل الحلة والكوفة والمشهدين الشريفين من القتل ، لأنه لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد ، وقبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلة إلى البطائح إلا القليل ، فكان من جملة القليل والدي رحمه‌الله ، والسيد مجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العز ، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الإيلية ، وأنفذوا به شخصاً أعجمياً فأنفذ السلطان إليهم فرماناً مع شخصين : أحدهما يقال له فلكة والآخر يقال له علاء الدين ، وقال لهما إن كانت قلوبهم كما وردت به كتبهم فيحضرون إلينا ، فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي الحال إليه ، فقال والدي رحمه‌الله : إن جئت وحدي كفى؟ فقالا : نعم ، فأصعد معهما ، فلما حضر بين يديه ، وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبل قتل الخليفة ، قال له : كيف أقدمتم على مكاتبتي والحضور عندي قبل أن تعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم ! وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت عنه ؟! فقال له والدي : إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن إمامنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال في بعض خطبه : الزوراء وما أدراك ما الزوراء أرض ذات أثل ، يشتد فيها البنيان ويكثر فيها السكان ، ويكون فيها قهارم وخزان ، يتخذها ولد العباس موطناً ، ولزخرفهم مسكناً ، تكون لهم دار لهو ولعب ، ويكون بها الجور الجائر والخوف المخيف ، والأئمة الفجرة والقراء

٥٨

الفسقة والوزراء الخونة ، يخدمهم أبناء فارس والروم ، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه ، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه ، يكتفي الرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء ! فعند ذلك الغم الغميم والبكاء الطويل ، والويل والعويل لأهل الزوراء ، من سطوات الترك وما هم الترك ، قوم صغار الحدق ، وجوههم كالمجان المطرقة ، لباسهم الحديد ، جرد مرد ، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم ، جهوري الصوت قوي الصولة عالي الهمة ، لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا ترفع له راية إلا نكسها ، الويل الويل لمن ناوأه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر .

فلما وصف لنا ذلك ووجدنا الصفات فيكم ، رجوناك فقصدناك ! فطيب قلوبهم وكتب لهم فرماناً باسم والدي رحمه‌الله يطيب فيه قلوب أهل الحلة وأعمالها »

ولم أجد مصدر هذا الحديث وسنده ، ووجدت قريباً منه في كفاية الأثر / ٢١٣ ، عن علقمة بن قيس قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه‌السلام على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة فقال فيما قال في آخرها : « ألا وإني ظاعن عن قريب ومنطلق إلى المغيب ، فارتقبوا الفتنة الأموية والمملكة الكسروية وإماتة ما أحياه الله وإحياء ما أماته الله ، واتخذوا صوامعكم بيوتكم ، وعضوا على مثل جمر الغضا ، فاذكروا الله ذكراً كثيراً ، فذكره أكبر لو كنتم تعلمون . ثم قال : وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة ودجيلة والفرات ، فلو رأيتموها مشيدة بالجص والآجر ، مزخرفة بالذهب والفضة واللازورد المستسقى ، والمرمر والرخام وأبواب العاج والأبنوس ، والخيم والقباب والشارات ، وقد عُليت بالساج والعرعر والصنوبر والخشب ، وشيدت بالقصور ، وتوالت عليها ملوك بني الشيصبان أربعة وعشرون ملكاً

٥٩

على عدد سني الملك الكديد ، فيهم السفاح والمقلاص والجموع والخدوع والمظفر والمؤنث والنظار والكبش والمهتور والعشار والمصطلم والمستصعب والعلام والرهباني والخليع والسيار والمسرف والكديد والأكتب والمترف والأكلب والوشيم والظلام والعيوق .

وتعمل القبة الغبراء ذات القلادة الحمراء ! في عقبها قائم الحق يسفر عن وجهه بين الأقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب الدرية . ألا وإن لخروجه علامات عشراً : أولها طلوع الكوكب ذي الذنب ويقارب من الحاوي ، ويقع فيه هرج ومرج وشغب ، وتلك علامات الخصب ، ومن العلامة إلى العلامة عجب ، فإذا انقضت العلامات العشر ، إذ ذاك يظهر القمر الأزهر ، وتمت كلمة الإخلاص لله على التوحيد » . وملاحم ابن طاووس / ١٣٦ ، ومناقب ابن شهرآشوب : ٢ / ٢٧٣ ، ومشارق البرسي / ١٦٤ ، قال : ومن ذلك ما ورد عنه في خطبة الإفتخار ، وعنه إثبات الهداة : ١ / ٥٩٨ و : ٢ / ٤٤٢ ، والبحار : ٣٦ / ٣٥٤ ، و : ٤١ / ٣١٨ و٣٢٩ ، و : ٥٢ / ٢٦٧ .

لكن اعتماد علماء الحلة على الحديث المتقدم يدل على أنه ثبت عندهم بسند صحيح ، وإن لم يصلنا مصدره ، في كثير من مصادرنا التي فقدناها .

ويظهر أن الأمويين رووا أجزاء من أحاديث أمير المؤمنين عليه‌السلام وحذفوا منها ذم بني العباس وذكر المغول ، وأضافوا لها أن بغداد يخسف بها ، أوأنها تُدَمَّر على يد السفياني !

*  *

٦٠