الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

الشيخ علي الكوراني العاملي

الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

٧ ـ المراسم الدينية عند الشيعة في بغداد

تكاثر الوجود الشيعي في بغداد مع سرعة عمرانها ، فسكن فيها كثير من شيعة الكوفة والمدينة وبلاد الشام وإيران ، ولم يمض قرن من الزمان حتى صاروا مع الشيعة السابقين جمهوراً واسعاً ، وبرزت منهم شخصيات علمية وسياسية .

وكانت أهم مواسمهم الدينية زيارة الإمام موسى الكاظم والجواد عليهما‌السلام في بغداد وزيارة الإمام الحسين عليه‌السلام في كربلاء . وكانوا يقيمون مراسم عاشوراء في محلاتهم فيعطلون أسواقهم ويرفعون أعلام السواد ، ويعقدون مجالس التعزية ، ينشدون فيها الشعر ويقرؤون فيها سيرة الحسين عليه‌السلام ومقتله .

وكان ذلك يثير المتعصبين فيعملون لمنع إقامة المآتم والزيارة ، ويحركون الحكومة ضدهم لتمنعهم ، فكانت تمنع إقامة مراسم عاشوراء في بعض السنوات فتحدث مصادمات بين الشرطة والشيعة . وكانت أحياناً لا تستجيب للحنابلة فيتصدون هم لمنعها بالقوة ، فتحدث مصادمات بينهم وبين الشيعة !

وكان مجسمة الحنابلة يكايدون الشيعة ، فيعلنون الفرح في محلاتهم ببغداد يوم عاشوراء ! تقليداً لبني أمية الذين جعلوه عيداً واحتفلوا فيه ، وأفتوا باستحباب توزيع الحلوى والتوسعة على العيال ، وأفتوا بصيامه شكراً لله على انتصار يزيد على الحسين عليه‌السلام ووضعوا أحاديث باستحباب الفرح يوم عاشوراء !

قال العجلوني في كشف الخفاء : ٢ / ٢٣٤ : « من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عيناه ، رواه الحاكم والبيهقي في شعبه والديلمي عن ابن عباس ، رفعه . وقال الحاكم : منكر ، وقال في المقاصد : بل موضوع . وقال في اللآلئ بعد أن رواه عن

٢١

ابن عباس من طريق الحاكم : حديث منكر ! والإكتحال لا يصح فيه أثر فهو بدعة ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وقال الحاكم أيضاً : الإكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن النبي (ص) فيه أثر ، وهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه وقبحهم . نعم رواه في الجامع الصغير بلفظ : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً .. وقال ابن رجب في لطائف المعارف : كل ما روى في فضل الإكتحال والإختضاب والإغتسال فيه موضوع لم يصح » .

ونص أحد فقهاء السنة على أن الفرح بعاشوراء بدعةٌ من يزيد وابن زياد !

قال البكري الدمياطي في إعانة الطالبين : ٢ / ٣٠١ : « قال العلامة الأجهوري : أما حديث الكحل فقال الحاكم إنه منكر ، وقال ابن حجر إنه موضوع ، بل قال بعض الحنفية إن الإكتحال يوم عاشوراء لما صار علامةً لبغض آل البيت وجب تركه . قال : وقال العلامة صاحب جمع التعاليق : يكره الكحل يوم عاشوراء ، لأن يزيداً وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم ، وقيل بالإثمد ، لتقر عينهما بفعله » !

فكان حنابلة بغداد المتعصبون ومعهم بعض المسؤولين العباسيين يقلدون بني أمية في الفرح يوم عاشوراء !

ثم رأى أتباع بني أمية أن عملهم شماتة مفضوحة بآل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاخترعوا صوم يوم عاشوراء شكراً لله على نجاة بني إسرائيل ليغطوا به على عيد يزيد ! ودونوه في صحيح بخاري ومسلم : « كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم ! فقال رسول الله (ص) : فصوموه أنتم » ( مسلم : ٣ / ١٥٠ ، ونحوه بخاري : ٢ / ٢٥١ ) .

٢٢

والى الآن ما زلنا نرى في السعودية صوم الشكر ومظاهر الفرح بإقامة الأعراس في يوم عاشوراء ! وكل ذلك إرثٌ من بني أمية ومجسمة حنابلة بغداد !

وقد سجل المؤرخون حدوث اضطرابات سنوية في بغداد بسبب اعتداء الحنابلة أو السلطة على الشيعة لمنعهم من إقامة مراسم عاشوراء ، أو منعهم من زيارة الإمامين الكاظم والجواد عليهما‌السلام في بغداد ، والحسين عليه‌السلام في كربلاء .

قال الذهبي في تاريخه : ٢٦ / ١٧ : « أحداث سنة أربع وخمسين وثلاث مائة : فيها عمل يوم عاشوراء ببغداد مأتم الحسين كالعام الماضي » .

وقال في حوادث سنة ٣٥٥ : « أقيم المأتم يوم عاشوراء ببغداد على العادة » .

وقال في حوادث ٣٨٢ : « فمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح ( شعارات السواد ) ، كان كذلك يعمل من نحو ثلاثين سنة » .

« في عاشوراء أغلق أهل الكرخ أسواقهم ، وعلقوا عليها المسوح وناحوا ، وذلك لأن السلطان انحدر عنهم فوقع القتال بينهم وبين السنة ثم أنزل المسوح وقتل جماعة » . ( تاريخ الذهبي : ٢٩ / ٥ ) .

« تقدم إلى أهل الكرخ أن لا يعملوا مأتماً يوم عاشوراء فأخلفوا ، وجرى بين أهل السنة والشيعة ما زاد على الحد من القتل والجراحات » . ( تاريخ الذهبي : ٣٠ / ٥ ) .

« وفي يوم عاشوراء أغلق أهل الكرخ الدكاكين وعلقوا المسوح ، وأقاموا المأتم على الحسين ، وجددوا ما بطل من مدة . فقامت عليهم السنة ، وخرج مرسوم الخليفة بإبطال ذلك ، وحبس جماعة مدة أيام » . ( تاريخ الذهبي : ٣٠ / ٢٩١ ) .

وقال في الكامل في حوادث سنة ٣٥٨ : « وفيها عمل أهل باب البصرة يوم السادس

٢٣

والعشرين من ذي الحجة زينة عظيمة وفرحاً كثيراً ، وكذلك عملوا ثامن عشر المحرم مثل ما يعمل الشيعة في عاشوراء ، وسبب ذلك أن الشيعة بالكرخ كانوا ينصبون القباب وتعلق الثياب للزينة اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، وهو يوم الغدير ، وكانوا يعملون يوم عاشوراء من المأتم والنوح وإظهار الحزن ما هو مشهور ، فعمل أهل باب البصرة في مقابل ذلك بعد يوم الغدير بثمانية أيام مثلهم ، وقالوا هو يوم دخل النبي (ص) وأبو بكر الغار ، وعملوا بعدة عاشورا بثمانية أيام مثل ما يعملون يوم عاشوراء ، وقالوا هو يوم قتل مصعب بن الزبير » .

وفي تاريخ الذهبي : ٣٩ / ٥ : « ظهر في أيام عاشوراء من الرفض ببغداد أمر عظيم حتى سبوا الصحابة ، وكانوا في الكرخ إذا رأوا مكحلاً ضربوه » .

ولم يذكر الذهبي أن المكحلين والمخضبين كانوا من مجسمة الحنابلة يأتون الى أحياء الشيعة للتحدي ، فقد روى الصفدي في الوافي ( ١١ / ٣٠٠ ) قول أبي الحسين الجزار :

« ويعود عاشوراء يذكرني

رزء الحسين فليت لم يعدِ

فليتَ عيناً فيه قد كُحلتْ

بمسَرَّةٍ لم تَخْلُ من رمدِ

ويداً به لشماتةٍ خُضِبَتْ

مقطوعةً من زندها بيدي »

ثم أخذت السلطة تستدعي علماء سنيين معتدلين للخطابة في بغداد ، ليجمعوا الشيعة والسنة على حب أهل البيت عليهم‌السلام والترضي على أبي بكر وعمر ، وقد سجل المؤرخون خبر مجالس ابن الجوزي الكبيرة ، الذي كان يروي فيها مناقب أهل البيت عليهم‌السلام ويترضى عن الشيخين وعن الإمام الحسين عليه‌السلام ويلعن يزيد ومن شاركه في قتل الحسين عليه‌السلام ، وقد ألف كتاباً في جواز لعن يزيد .

٢٤

قال ابن الجوزي عن سنة ٥٦٨ : « جلست يوم عاشوراء بجامع المنصور ، فحضر من الجمع ما حزر بمائة ألف » ( تاريخ الذهبي : ٣٩ / ٤٣ ) . وقال : « تقدم إليَّ بالجلوس تحت المنظرة ، فتكلمت في ثالث المحرم والخليفة حاضر ، وكان يوماً مشهوداً . ثم تقدم إليَّ بالجلوس يوم عاشوراء فكان الزحام شديداً زائداً على الحد ، وحضر أمير المؤمنين » . ( تاريخ الذهبي : ٤٠ / ٥ ) .

ولم تعجب هذه المجالس الذهبي فقال في تاريخه ( ٤١ / ٣٦٨ ) عن أحمد بن إسماعيل بن يوسف القزويني ، إمام الشافعية : «قال ابن النجار : كان رئيس أصحاب الشافعي وكان إماماً في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ ... وكان يجلس بالنظامية وبجامع القصر ويحضر مجلسه أمم .. ولما ظهر التشيع في زمان ابن الصاحب التمس العامة منه يوم عاشوراء على المنبر أن يلعن يزيد فامتنع ، ووثبوا عليه بالقتل مرات فلم يُرَعْ ولا زلَّ له لسان ولا قدم وخلص سليماً . وفي أيام مجد الدين بن الصاحب صارت بغداد كالكرخ وجماعة من الحنابلة تشيعوا ، حتى أن ابن الجوزي صار يسجع ويلغز إلا رضي الدين القزويني فإنه تصلب في دينه وتشدد »

يقصد الذهبي أن ابن الجوزي مال الى الشيعة ، ولا يصح قوله ، بل كان ابن الجوزي يعتقد بجواز لعن يزيد ، وألف كتاباً في ذلك .

وفي النهاية لابن كثير : ١٢ / ٣٣ : «وفيها ( سنة ٤٢٠ ) ورد كتاب من محمود بن سبكتكين أنه أحلَّ بطائفة من أهل الري من الباطنية والروافض قتلاً ذريعاً وصلباً شنيعاً ، وأنه انتهب أموال رئيسهم رستم بن علي الديلمي ، فحصل منها ما يقارب ألف ألف دينار .. وفي هذا اليوم جمع القضاة والعلماء في دار الخلافة ، وقرئ عليهم

٢٥

كتاب جمعه القادر بالله ، فيه مواعظ وتفاصيل مذاهب أهل البصرة ، وفيه الرد على أهل البدع ، وتفسيق من قال بخلق القرآن ...

وفي يوم الإثنين غرة ذي القعدة جمعوا أيضاً كلهم ، وقرئ عليهم كتاب آخر طويل يتضمن بيان السنة والرد على أهل البدع ... وذكر فضائل أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ، ولم يفرغوا منه إلا بعد العتمة ، وأخذت خطوطهم بموافقة ما سمعوه . وعزل خطباء الشيعة وولى خطباء السنة ، ولله الحمد والمنة على ذلك وغيره . وجرت فتنة بمسجد براثا وضربوا الخطيب السني بالآجر ، حتى كسروا أنفه وخلعوا كتفه ، فانتصر لهم الخليفة وأهان الشيعة وأذلهم » !

وقال ابن خلدون ( ٤ / ٤٧٧ ) : «كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدأ الخليقة فيما علمناه ... وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة ، من الخلاف في الإمامة ومذاهبها ، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم ، من تصريح الحنابلة بالتشبيه في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلى الإمام أحمد وحاشاه منه ، فيقع الجدال والنكير ، ثم يفضي إلى الفتنة بين العوام ، وتكرر ذلك منذ حُجِر الخلفاء .

ولم يقدر بنو بُويَهْ ولا السلجوقية على حسم ذلك منها ، لسكنى أولئك ( البويهيين ) بفارس وهؤلاء ( السلاجقة ) بأصبهان ، وبعدهم عن بغداد ، وإنما تكون ببغداد شحنة ( حامية عسكرية ) تحسم ما خف من العلل ، ما لم ينته إلى عموم الفتنة » .

٢٦

٨ ـ منعت السلطة زيارة مشهد الكاظمين والحسين عليهم‌السلام

شملت تعديات السلطة ومجسمة الحنابلة زوار الإمامين الكاظمين والإمام الحسين عليهما‌السلام ، ففي الكافي ( ١ / ٥٢٥ ) : «خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحاير ، فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين وقل لهم : لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه » .

ولم يكتف الخليفة بمنع الشيعة من زيارة قبر الحسين عليه‌السلام بل أراد هدمه !

ففي أمالي الشيخ الطوسي / ٣٢٨ : « بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم ( المتوكل ) أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير ، فأنفذ قائداً من قواده وضم إليه كتفاً من الجند كثيراً ليشعب قبر الحسين ويمنع الناس من زيارته والإجتماع إلى قبره عليه‌السلام . فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا : لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها والإنكفاء إلى المصر ! فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين ، فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين وأنه قد كثر جمعهم كذلك وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند ، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين ، ونبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة ، وعمل على تتبع آل أبي طالب والشيعة رضي

٢٧

الله عنهم ، فقتل ولم يتم له ما قَدَّر » .

وفي أمالي الطوسي / ٣٢٧ : « قال : حدثني أبو برزة الفضل بن محمد بن عبد الحميد قال : دخلت على إبراهيم الديزج وكنت جاره ، أعوده في مرضه الذي مات فيه فوجدته بحال سوء ، وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب ، فسألته عن حاله وكانت بيني وبينه خلطة وأنس يوجب الثقة بي والإنبساط إليَّ ، فكاتمني حاله وأشار لي إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته ولم يعرف من حاله ما يصف له من الدواء ما يستعمله ، فقام فخرج وخلا الموضع ، فسألته عن حاله فقال : أخبرك والله وأستغفر الله : إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين ، فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء معنا الفعلة والروزكاريون ، ( العمال الميامون ) معهم المساحي والمرور ، فتقدمت إلى غلماني وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه ، فطرحت نفسي لما نالني من تعب السفر ونمت ، فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديدة وأصوات عالية وجعل الغلمان ينبهونني ، فقمت وأنا ذعر فقلت للغلمان : ما شأنكم ؟ قالوا : أعجب شأن . قلت : وما ذاك ؟ قالوا : إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا وبين القبر ، وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب ، فقمت معهم لأتبين الأمر فوجدته كما وصفوا !

وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض فقلت : إرموهم ، فرموا فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهمٌ منها إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله ! فاستوحشت لذلك وجزعت وأخذتني الحمى والقشعريرة ورحلت عن القبر لوقتي ! ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لما لم أبلغ في القبر جميع ما تقدم إلي به !

٢٨

قال أبو برزة : فقلت له : قد كفيت ما تحذر من المتوكل ، قد قتل بارحة الأولى وأعان عليه في قتله المنتصر ، فقال لي : قد سمعت بذلك وقد نالني في جسمي ما لا أرجو معه البقاء ! قال أبو برزة : كان هذا في أول النهار فما أمسى الديزج حتى مات .

قال ابن خشيش : قال أبو الفضل : إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليها‌السلام فسأل رجلاً من الناس عن ذلك فقال له : قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم يطل له عمر . قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر » !

٩ ـ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في بغداد

تشرفت بغداد بثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام هم : الإمام الصادق والكاظم والجواد ، فقد أحضر المنصور الإمام الصادق عليه‌السلام الى بغداد أكثر من مرة ، وأراد أن يقتله ، مع أنه يعرف حق المعرفة أنه إمام رباني ، ويشهد بذلك !

قال العلامة الحلي قدس‌سره في منهاج الكرامة / ٥٦ : « وكان عبد الله بن الحسن جمع أكابر العلويين للبيعة لولده ، فقال له الصادق عليه‌السلام : إن هذا الأمر لا يتم ! فاغتاظ من ذلك فقال عليه‌السلام : إنه لصاحب القباء الأصفر ، وأشار بذلك إلى المنصور ! فلما سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما يُخبر به ، وعلم أن الأمر يصل إليه . ولما هرب المنصور ( من جيش ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ) كان يقول : أين قول صادقهم » !

وقد أحضر المنصور الإمام الصادق عليه‌السلام في حج سنة ١٤٢ الى مقره في الربذة ، وسنة ١٤٧ عندما زار المدينة ، وقبلها وبعدها الى الأنبار والحيرة وبغداد .

وفي مهج الدعوات / ١٩٨ : « دعاء مولانا الصادق عليه‌السلام ... لما استدعاه المنصور مرة سادسة ، وهي ثاني مرة إلى بغداد » .

٢٩

وكان في كل مرة ينوي قتله فيحدث له مانع بمعجزة وكرامة للإمام عليه‌السلام ، حتى تمكن من دس السم له بعد اثنتي عشرة سنة من حكمه !

وفي هذه السنوات الإثنتي عشرة مع الأربع سنوات في عهد السفاح استطاع الإمام عليه‌السلام أن يبث العلوم ويُخرِّج العلماء ، ويعمق الإيمان في الخاصة والعامة .

وقد وصف الإمام الصادق عليه‌السلام قرار المنصور بإبادة العلويين بعد انتصاره على الحسنيين ! فقال كما في مقاتل الطالبيين / ٢٣٣ : « لما قُتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بباخمرى ، حُسِرْنا عن المدينة ولم يُترك فيها منا محتلم ، حتى قدمنا الكوفة ، فمكثنا فيها شهراً نتوقع فيها القتل ! ثم خرج إلينا الربيع الحاجب فقال : أين هؤلاء العلوية ؟ أدخلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجى . قال : فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد ، فلما صرت بين يديه قال لي : أنت الذي تعلم الغيب ؟ قلت : لا يعلم الغيب إلا الله . قال : أنت الذي يجبى إليك هذا الخراج ؟ قلت : إليك يجبى يا أمير المؤمنين الخراج . قال : أتدرون لم دعوتكم ؟ قلت : لا . قال : أردت أن أهدم رباعكم وأروع قلوبكم وأعقر نخلكم ، وأترككم بالسراة لا يقربكم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق فإنهم لكم مفسدة » !

وتراجع المنصور يومها عن قتله ، وقال أحد أصحابه : « فدخلت يوماً على أبي جعفر الدوانيقي وإذا هو يفرك يديه ويتنفس تنفساً بارداً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ماهذه الفكرة ؟ فقال : يا محمد إني قتلت من ذرية فاطمة بنت رسول الله ألفاً أو يزيدون ، وقد تركت سيدهم ! فقلت له : ومَن ذلك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ذلك جعفر بن محمد » ! ( دلائل الإمامة / ٢٩٨ ، ومهج الدعوات / ١٨ ، وعيون المعجزات / ٨٠ )

٣٠

وفي إحدى المرات أحضر المنصور الإمام عليه‌السلام الى بغداد في جو إيجابي عندما كان يرتب الخلافة لابنه المهدي ! قال محمد بن إبراهيم الإمام العباسي : « أرسل المنصور بُكراً واستعجلني الرسول وظننت أن ذلك لأمر حادث ، فركبت إذ سمعت وقع الحافر فقلت للغلام : أنظر من هذا فقال : هذا أخوك عبد الوهاب فرفقت في السير فلحقني فسلمت عليه وسلم علي فقال : أتاك رسول هذا ؟ قلت : نعم ، فهل أتاك ؟ قال : نعم ، قلت : فيمَ ذاك ترى ؟ قال : تجده اشتهى خلاً وزيتاً يريد الغداء ، فأحب أن نأكل معه ! قلت : ما أرى ذلك وما أظن هذا إلا لأمر ! قال : فانتهينا إليه فدخلنا فإذا الربيع واقف عند الستر وإذا المهدي ولي العهد في الدهليز جالس وإذا عبد الصمد بن علي ، وداود بن علي ، وإسماعيل بن علي ، وسليمان بن علي وجعفر بن محمد بن علي بن حسين ، وعبد الله بن حسن بن حسن ، والعباس بن محمد . قال الربيع : إجلسوا مع بني عمكم ، قال فجلسنا فدخل الربيع وخرج فقال للمهدي : أدخل أصلحك الله ، ثم دخل فقال : أدخلوا جميعاً فدخلنا وسلمنا وأخذنا مجالسنا ، فقال للربيع : هات دوياً وما يكتبون فيه ، فوضع بين يدي كل واحد منا دواة وورقاً ، ثم التفت إلى عبد الصمد بن علي فقال : يا عم حدث ولدك وإخوتك وبني أخيك حديث البر والصلة ، فقال عبد الصمد : حدثني أبي عن جدي عبد الله بن العباس عن النبي (ص) أنه قال : إن البر والصلة ليطيلان الأعمار ويعمران الديار ويكثران الأموال ولو كان القوم فجاراً .... ثم التفت المنصور إلى جعفر بن محمد فقال : يا أبا عبد الله حدث إخوتك وبني عمك بحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام . قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من ملك يصل رحمه وذوي قرابته ويعدل على رعيته ، إلا شد الله

٣١

له ملكه وأجزل له ثوابه وأكرم ما به وخفف حسابه » ( تاريخ دمشق : ٣٦ / ٢٤٢ ، والمنتظم : ٩ / ١٠٦ ) . فكان إحضار المنصور لشخصيات بني العباس وبني علي عليه‌السلام ليروي لهم أحاديث صلة الرحم ويجمعهم حول ولي عهده الذي سماه بالمهدي !

١٠ ـ الإمام الجواد في بغداد عليه‌السلام

في مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٩٠ : « لما بويع المعتصم ( ابن هارون ) جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي عليه‌السلام وأم الفضل ، فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه ، فتجهز وخرج إلى بغداد فأكرمه وعظمه ، وأنفذ أشناس بالتحف إليه والى أم الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يدي أشناس وقال : إن أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دؤاد وسعد بن الخصيب ، وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج ... » .

وفي الإرشاد : ٢ / ٢٩٨ : « لما أخرج أبو جعفر عليه‌السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولة من خرجتيه ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك ، إني أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ قال : فكرَّ بوجهه إلي ضاحكاً وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة . فلما استدعي به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك أنت خارج ، فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت إلي فقال : عند هذه يخاف عليَّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي » .

وفي الإرشاد : ٢ / ٢٨٩ : « أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين ومائتين إلى بغداد ، فأقام بها حتى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة ، فدفن في ظهر قبر جده أبي

٣٢

الحسن موسى عليه‌السلام » .

وفي المناقب : ٣ / ٤٨٧ : « قال ابن بابويه : سَمَّ المعتصم محمد بن علي . وأولاده : علي الإمام ، وموسى وحكيمة وخديجة وأم كلثوم .. وقد كان زوجه المأمون ابنته ولم يكن له منها ولد . وسبب وروده بغداد إشخاص المعتصم له من المدينة ، فورد بغداد لليلتين من المحرم سنة عشرين ومائتين وأقام بها حتى توفي في هذه السنة » .

١١ ـ رسالة الإمام الهادي عليه‌السلام الى شيعته في بغداد

في رجال الطوسي : ٢ / ٨٠٠ ، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال : « نسختُ الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها ، والمدائن ، والسواد ، وما يليها : أحمد الله إليكم على ما أنا عليه من عافيته وحسن عادته ، وأصلي على نبيه وآله أفضل صلواته ، وأكمل رحمته ورأفته ، وإني أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن كان قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقي ، وارتضيته لكم وقدمته على غيره في ذلك ، وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك والي ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة ، فعليكم بالخروج عن ذلك والتسرع إلى طاعة الله وتحليل أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البر والتقوى واتقوا الله لعلكم ترحمون .. نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه . وكتبته بخطي والحمد لله كثيراً .

وفي كتاب آخر : وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي

٣٣

وأن يلزم كل واحد منكما ما وُكل به وأمر بالقيام فيه بأمر ناحيته ، فإنكم إذا انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي . وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرتك يا أيوب ، أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ، ولا تلي لهم استيذاناً عليَّ ، ومُرْ من أتاك بشئ من غير أهل ناحيتك أن يُصَيِّره إلى الموكل بناحيته . وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب ، وليقبل كل واحد منكما قبل ما أمرته به » .

ورواه في غيبة الطوسي / ٣٥١ ، وفيه : « وروى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال : كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم ، وعن ابن بند ، وكتب إلي : ذكرت ابن راشد رحمه‌الله فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ، ودعا لابن بند والعاصمي ، وابن بند ضرب بعمود وقتل ، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاث مائة سوط ورميَ به في الدجلة ! فهؤلاء جماعة المحمودين ، وتركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب » .

أقول : تدل هذه الرسالة على وجود الشيعة من يومها وانتشارهم في بغداد وضواحيها وعلى أن نظام الوكلاء الذي اعتمده الأئمة عليهم‌السلام كان دقيقاً وفعالاً وحديثاً . وتشير الى ظروف المراقبة للإمام عليه‌السلام ووكلائه ، وبطش السلطة بخواص الشيعة والناشطين منهم

٣٤

١٢ ـ السفراء الأربعة البغداديون

عاش السفراء الأربعة رضوان الله عليهم في بغداد ودفنوا فيها ، فقد انتقل عثمان بن سعيد العمري بعد وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام اليها ، وفي تلك الفترة ضعف مركز سامراء وانتقل منها الخلفاء الى بغداد ! ولم يبق منها إلا مشهد الإمام الهادي والعسكري عليهما‌السلام . ( معجم البلدان : ٣ / ١٧٦ ) .

ويدل حديث أحمد بن الدينوري ( دلائل الإمامة / ٣٠٤ ) على أن محمد بن عثمان العمري رحمه‌الله كان في بغداد بعد وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام سنة ٢٦٠ هجرية .

بل نصَّ حديث وفد قم الذين وصلوا الى سامراء أيام وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام ( كمال الدين / ٤٧٨ ) : « وأمرنا القائم عليه‌السلام أن لا نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً من المال ، فإنه ينصب لنا ببغداد رجلاً يحمل إليه الأموال ، وتخرج من عنده التوقيعات .. وكنا بعد ذلك نحمل الأموال إلى بغداد إلى النواب المنصوبين بها ويخرج من عندهم التوقيعات » .

وقال الصدوق في كمال الدين / ٤٤٢ : « ورآه من الوكلاء ببغداد : العمري ، وابنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار ، ومن الكوفة : العاصمي . ومن الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار . ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق . ومن أهل همدان : محمد بن صالح . ومن أهل الري : السامي ، والأسدي يعني نفسه . ومن آذربيجان : القاسم بن العلا . ومن نيسابور : محمد بن شاذان النعيمي . ومن غير الوكلاء من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حابس ، وذكر جماعة كثيرين » .

٣٥

السفير الأول : عثمان بن سعيد العَمْري قدس‌سره

عثمان بن سعيد العمري السمَّان الأسدي . كان من شبابه رحمه‌الله بواب الإمام الهادي عليه‌السلام ووكيله ، ثم كان وكيل الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .

وقد وثقه كلاهما صلوات الله عليهما ، ففي غيبة الطوسي / ٢١٥ ، عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله ، الحسنيين قالا : « دخلنا على أبي محمد الحسن عليه‌السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال : يا مولاي بالباب قوم شعث غبر ، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن .. في حديث طويل يسوقانه ، إلى أن قال الحسن عليه‌السلام لبدر : فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري ، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان فقال له سيدنا أبو محمد عليه‌السلام : إمض يا عثمان ، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال . ثم ساق الحديث إلى أن قالا : ثم قلنا بأجمعنا : يا سيدنا والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك ، وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى . قال : نعم ، واشهدوا عليَّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم » . وإثبات الهداة : ٣ / ٥١١ .

وفي الطرائف / ١٨٣ : « وكان له عليه‌السلام وكلاء ظاهرون في غيبته ، معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأوطانهم ، يخبرون عنه بالمعجزات والكرامات ، وجواب أمور المشكلات ، بكثير مما ينقله عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الله تعالى من الغائبات منهم عثمان بن سعيد العمري المدفون بقطقطان من الجانب الغربي ببغداد » .

وتوفي عثمان بن سعيد قدس‌سره في بغداد ، وقبره فيها قرب الميدان ، وهو مزار

٣٦

للشيعة ، ولذلك قام الوهابيون بالإعتداء عليه ، وفجروا قربه عبوات في هذه الأيام ، أواخر شهر رمضان سنة١٤٣٠ :

http://www.alcauther.com/html/modules.php?name=News&file=article&sid=١٠٣٩٢

« نفذ التكفيريون وأعوانهم البعثيون تفجيرين بعبوتين ناسفتين ، استهدفتا المرقد الشريف لعثمان بن سعيد العمري سفير الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأكد مصدر أمني مطلع لشبكة نهرين نت أن الإرهابيين زرعوا عبوتين ناسفتين ، واحدة في المرقد الشريف والأخرى في مرآب قريب من المكان . وأضاف المصدر بأن حصيلة هذين التفجيرين كان استشهاد ٣ مواطنين وجرح ثمانية آخرين . والجدير بالذكر أن المرقد الشريف للسفير عثمان بن سعيد العمري يقع بالقرب من ساحة الميدان في العاصمة بغداد ، وأن هذا التفجير يأتي ضمن سلسلة تفجيرات تستهدف المراقد المقدسة من جديد » .

السفير الثاني : محمد بن عثمان بن سعيد العَمْري قدس‌سره

روى الطوسي في الغيبة / ٣٦٨ : « سمعت جعفر بن أحمد بن متيل القمي يقول : كان محمد بن عثمان أبو جعفر العمري رضي الله عنه ، له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس ، وأبو القاسم بن روح رضي الله عنه فيهم ، وكلهم كانوا أخص به من أبي القاسم بن روح ، حتى أنه كان إذا احتاج إلى حاجة أو إلى سبب ينجزه على يد غيره لمَّا لم يكن له تلك الخصوصية . فلما كان وقت مضيِّ أبي جعفر رضي الله عنه وقع الإختيار عليه ، وكانت الوصية إليه » .

وقال العلامة في خلاصة الأقوال / ٢٥٠ و٤٣٢ : « محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، بفتح العين ، الأسدي ، يكنى أبا جعفر ، وأبوه يكنى أبا عمرو ، جميعاً وكيلان في

٣٧

خدمة صاحب الزمان عليه‌السلام ، ولهما منزلة جليلة عند هذه الطائفة ، وكان محمد قد حفر لنفسه قبراً وسواه بالساج ، فسئل عن ذلك فقال : للناس أسباب . ثم سئل بعد ذلك فقال : قد أمرت أن أجمع أمري ، فمات بعد شهرين من ذلك ، في جمادي الأولى سنة خمس وثلاث مائة ، وقيل سنة أربع وثلاث مائة ، وكان يتولى هذا الأمر نحواً من خمسين سنة . فلما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان الوفاة واشتدت حاله ، حضر عنده جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام ، وأبو عبد الله محمد الكاتب ، وأبو عبد الله الباقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي ، وأبو عبد الله بن الوجناء ، وغيرهم من الوجوه الأكابر ، فقالوا له : إن حدث أمر فمن يكون مكانك ؟ فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي ، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل والثقة الأمين ، فارجعوا في أموركم إليه ، وعولوا في مهماتكم عليه ، فبذلك أمرت وقد بلَّغت . ثم أوصى أبو القاسم بن روح إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري ، فلما حضرته الوفاة سئل أن يوصي فقال : لله أمر هو بالغه . ومات رحمه‌الله سنة تسع وعشرين وثلاث مائة » .

وكانت وفاة محمد بن عثمان قدس‌سره أواخر جمادى الأولى سنة ٣٠٥ ، وقبره ببغداد في محلتهم المعروفة باسم الخلاني ، وهو مشهد كبير من معالم بغداد ، يقصده الناس للزيارة والصلاة في مسجده . ( تهذيب المقال : ٢ / ٤٠١ ، ومقدمة علل الشرائع ) .

٣٨

السفير الثالث : أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي قدس‌سره

في غيبة الطوسي / ٢٢٦ ، عن « محمد بن همام : إن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه ، جمعنا قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها ، فقال لنا : إن حدث عليَّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، فقد أمرتُ أن أجعله في موضعي بعدي ، فارجعوا إليه وعَوِّلوا في أموركم عليه » .

وقال الشيخ الطوسي في الغيبة / ٣٩١ : « قال ابن نوح : وسمعت جماعة من أصحابنا بمصر يذكرون أن أبا سهل النوبختي سئل فقيل له : كيف صار هذا الأمر إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك ؟ فقال : هم أعلم وما اختاروه ، ولكن أنا رجل ألقى الخصوم وأناظرهم ، ولو علمت بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجة لعلي كنت أدل على مكانه ، وأبو القاسم فلو كانت الحجة تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ! أو كما قال » .

وقال جعفر بن متيل رحمه‌الله كما في كمال الدين / ٥٠٣ : « لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري السمان رضي الله عنه الوفاة ، كنت جالساً عند رأسه أسائله وأحدثه وأبو القاسم الحسين بن روح عند رجليه ، فالتفت إليَّ ثم قال لي : قد أمرت أن أوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح ، قال : فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني ، وتحولت عند رجليه » .

وفي كمال الدين / ٥١٩ : « قال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي : ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا من هو ؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها ،

٣٩

فدخلت عليه وأنا عنده فقالت له : أيها الشيخ أي شئ معي ؟ فقال ما معك فألقيه في الدجلة ، ثم ائتني حتى أخبرك ! قال فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة ، ثم رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي قدس الله روحه فقال أبو القاسم لمملوكة له : أخرجي إليَّ الحُق ، فأخرجت إليه حُقَّةً فقال للمرأة : هذه الحُقة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة ، أخبرك بما فيها أو تخبريني ؟ فقالت له : بل أخبرني أنت ! فقال : في هذه الحقة زوج سوار ذهب ، وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق ! فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً ! ثم فتح الحقة فعرض عليَّ ما فيها فنظرت المرأة إليه ، فقالت : هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة ، فغُشِيَ عليَّ وعلى المرأة ، فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة » !

وروى الطوسي في الغيبة / ٣٩٤ ، عن الصفواني قال : « أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه ، فقام بما كان إلى أبي القاسم ، فلما حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ، ولمن يقوم مقامه فلم يُظهر شيئاً من ذلك ، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن » .

*  *

٤٠