الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

الشيخ علي الكوراني العاملي

الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الفصل الثالث عشر

هارون يقتل الإمام عليه‌السلام وينكر قتله !

١ ـ لما رأى هارون معجزات الإمام عليه‌السلام قرر قتله !

في غيبة الطوسي / ٢٤ : « عن محمد بن عباد المهلبي قال : لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى عليه‌السلام وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس ، تحير الرشيد فدعا يحيى بن خالد البرمكي فقال له : يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ، ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيراً يريحنا من غمه ؟!

فقال له يحيى بن خالد البرمكي : الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمنن عليه وتصل رحمه ، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا ، وكان يحيى يتولاه وهارون لا يعلم ذلك . فقال هارون : انطلق إليه وأطلق عنه الحديد ، وأبلغه عني السلام وقل له : يقول لك ابن عمك : إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة ، وتسألني العفو عما سلف منك ، وليس عليك في إقرارك عار ، ولا في مسألتك إياي منقصة ، وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري فسله بقدر ما أخرج من يميني ، وانصرف راشداً !

قال محمد بن عباد : فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد : أن أبا إبراهيم عليه‌السلام قال ليحيى : يا أبا علي أنا ميت ، وإنما بقي من أجلي أسبوع ، أكتم موتي وائتني يوم

٢٦١

الجمعة عند الزوال وصل علي أنت وأوليائي فرادى ، وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق ، لا يراك ولا تراه لنفسك ، فإني رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه ، أنه يأتي عليكم فاحذروه ! ثم قال : يا أبا علي أبلغه عني : يقول لك موسى بن جعفر : رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى وستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه ، والسلام !

فخرج يحيى من عنده ، واحمرت عيناه من البكاء حتى دخل على هارون فأخبره بقصته وما رد عليه ، فقال هارون : إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا !

فلما كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم عليه‌السلام وقد خرج هارون إلى الرقة قبل ذلك فأُخرج إلى الناس حتى نظروا إليه ثم دفن عليه‌السلام ، ورجع الناس فافترقوا فرقتين : فرقة تقول : مات ، وفرقة تقول لم يمت » !

ملاحظات :

١ ـ تدل الرواية على أن هارون كان متخوفاً من معجزات الإمام عليه‌السلام التي رآها منه في سجنه الأول والثاني ، فطلب من مستشاره يحيى البرمكي أن يقترح عليه عملاً يواجه به معجزات الإمام عليه‌السلام حتى لا يعتقد الناس بإمامته !

وقد كانت هذه المشكلة مطروحة بين هارون ويحيى من أول خلافته ، فقد استقدم الإمام عليه‌السلام وناظره وحبسه ثم أطلقه ، ثم اشتدت عندما حبسه بعد تسع سنوات . وقد يكون طرَح الموضوع مع يحيى قبل سفره الى الرقة ، وأصدر أمره الى رئيس وزرائه الفضل بن يحيى بأن يقتل الإمام عليه‌السلام !

٢٦٢

٢ ـ نصت الروايات على أن هارون كان عند شهادة الإمام الكاظم عليه‌السلام في الرقة وأن وزيره الفضل عصى أمره بقتل الإمام عليه‌السلام ووسع عليه في سجنه ، فغضب عليه هارون ولعنه ، ثم أرسل أباه يحيى مسرعاً على البريد ليعالج معصية ابنه ويرتب قتل الإمام عليه‌السلام ! وقد وقع لفظ المدائن بدل الرقة خطأ في بعض الروايات . كما أن من البعيد أن يكون الرشيد عاد في أيام قتله للإمام عليه‌السلام الى بغداد « والطريق من بغداد إلى الرقة خمس عشرة مرحلة وطريق آخر من بغداد إلى الرقة ويؤخذ في عشر مراحل أو نحوها » ( نزهة المشتاق : ٢ / ٦٥٧ ) .

كما أن الرواية تزعم أن يحيى بن خالد كان شيعياً يتولى الإمام الكاظم عليه‌السلام ويخفي ذلك عن هارون ، مع أنه هو الذي سعى بالإمام وحرض هارون عليه ! فلا بد من القول إن راويها محمد بن عباد المهلبي تخيل أن يحيى كان شيعياً . والمرجح أن موسى بن يحيى البرمكي هو الذي زعم ذلك لأبيه ، بعد أن انتقم الله منه وإخوته ! فقد كان موسى والياً على الشام وعزله هارون في غضبه على البرامكة ( تاريخ دمشق : ٦١ / ٢٣٢ ، والطبري : ٦ / ٤٥٧ . وفي الأعلام ( ٧ / ٣٣١ ) أن المأمون ولاه السند ، وبقي أولاده فيها ، ومعجم البلدان : ١ / ٥١٠ ، واليعقوبي : ٢ / ٤٧٩ ) .

وقال في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٨٢ : « ثم سلم إلى السندي بن شاهك فحبسه وضيق عليه ثم بعث الرشيد بسم في رطب ، وأمره أن يقدمه إليه ويحتم عليه في تناوله منه ، ففعل فمات صلوات الله عليه » !

وقال المفيد في الإرشاد : ٢ / ٢٤٢ : « ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى وافى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شئ وأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر

٢٦٣

في أمر العمال ، وتشاغل ببعض ذلك أياماً ، ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله ! وكان الذي تولى به السندي قتله سُمَّاً جعله في طعام قدمه إليه ، ويقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً منه ، ثم مات في اليوم الثالث » .

وفي إعلام الورى : ٢ / ٦١ : « فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب إليه يأمره بقتله فتوقف عن ذلك ، فاغتاظ الرشيد لذلك وتغير عليه وأمر به فأدخل على العباس بن محمد وجرد وضرب مائة سوط ! وأمر بتسليم موسى بن جعفر عليهما‌السلام إلى السندي بن شاهك . وبلغ يحيى بن خالد الخبر ففزع إلى الرشيد وقال له : أنا أكفل بما تريد ، ثم خرج إلى بغداد ودعا بالسندي وأمره فيه بأمره ، فامتثله وسمه في طعام قدمه إليه ويقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم ولبث بعده موعوكاً ثلاثة أيام ومات عليه‌السلام » .

وفي تاريخ ابن خلدون : ٤ / ٢٩ : « وحبسه عند ابن شاهك ، ويقال إن يحيى بن خالد سمه في رطب فقتله وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة . وزعم شيعتهم أن الإمام بعده ابنه على الرضا وكان عظيماً في بني هاشم » .

٢٦٤

٢ ـ هارون يحاول إثبات براءته من دم الإمام عليه‌السلام

روى في الكافي : ١ / ٢٥٨ : « عن الحسن بن محمد بن بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ببغداد ، ممن كان ينقل عنه ، قال قال لي : قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت ، فما رأيت مثله قط في فضله ونسكه ! فقلت له : من وكيف رأيته ؟ قال : جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه المنسوبين إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي : يا هؤلاء أنظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءً ، وإنما ينتظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين ! وهذا هو صحيح موسع عليه في جميع أموره فسلوه . قال : ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل والى فضله وسمته ، فقال موسى بن جعفر : أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر ، غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في سبع تمرات وأنا غداً أخْضَرُّ ، وبعد غد أموت قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب ويرتعد مثل السعفة » ! ورواه أمالي الصدوق / ٢١٣ ، وغيبة الطوسي / ٣٢ ، وقرب الإسناد / ٣٣٣ ، والعيون : ٢ / ٩١ ، وفيه : « قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة ، شيخ صدوق مقبول القول ، ثقة جداً عند الناس » .

وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٩١ : « حدثني عمر بن واقد قال : أرسل السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد يستحضرني ، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي . قال فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم

٢٦٥

ركبت إليه فلما رآني مقبلاً قال : يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت : نعم قال : فليس هناك إلا خير . قلت : فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم بخبري . قال : نعم ثم قال : يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت : لا ، قال : أتعرف موسى بن جعفر ؟ قلت : إي والله إني لأعرفه وبيني وبينه صداقه منذ دهر ، فقال : مَن هاهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له أقواماً ، ووقع في نفسي أنه قد مات ! قال : فبعث فجاء بهم كما جاء بي فقال : هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر ؟ فسموا له قوماً فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى بن جعفر وقد صحبه ، قال ثم قام ودخل ، وصلينا ، فخرج كاتبه ومعه طومار وكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وحلانا ، ثم دخل إلى السندي قال : فخرج السندي فضرب يده فقال لي : قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا ، فقال لي : يا أبا حفص إكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتاً ، فبكيت واسترجعت ، ثم قال للقوم : أنظروا إليه فدنا واحد واحد فنظروا إليه ، ثم قال : تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد ؟ قال قلنا : نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد . ثم قال : يا غلام إطرح على عورته منديلاً واكشفه ، قال ففعل قال : أترون أثراً تنكرونه ؟ فقلنا : لا ما نرى به شيئاً ولا نراه إلا ميتاً . قال : فلا تبرحوا حتى تغسلوه وتكفنوه قال : فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل إلى المصلى ، فصلى عليه السندي بن شاهك ، ودفناه ورجعنا » .

٢٦٦

وفي الإرشاد : ٢ / ٢٤٣ : « ولما مات موسى عليه‌السلام أدخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق ، وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك . وأخرج ووضع على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت » وإعلام الورى : ٢ / ٣٤ .

قال الطوسي في الغيبة / ٢٣ : « فروى يونس بن عبد الرحمن قال : حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم عليه‌السلام فما وضع على شفير القبر ، إذا رسول من سندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته وكان مع الجنازة أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتى يروه صحيحاً لم يحدث به حدث ! قال : وكشف عن وجه مولاي حتى رأيته وعرفته ، ثم غطي وجهه وأدخل قبره صلى الله عليه » .

وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٩٦ : « عن محمد بن صدقه العنبري قال : لما توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه‌السلام جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية وبني العباس وساير أهل المملكة والحكام ، وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه ، وما كان بيني وبينه ما أستغفر الله منه في أمره يعني في قتله ، فانظروا إليه فدخلوا عليه سبعون رجلاً من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر عليه‌السلام وليس به أثر جراحه ولا خنق وكان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر فتولى غسله وتكفينه ، وتحفى وتحسر في جنازته » .

٢٦٧

أقول : كان هارون عند شهادة الإمام عليه‌السلام في الرقة ، ومن البعيد أنه جاء الى بغداد فيكون السندي بن شاهك هو الذي جمعهم وأبلغهم كلام هارون هذا .

ومن الملاحظ أن هارون حاول بواسطة السندي أن يبعد التهمة عن نفسه ، بأساليب متعددة ، لكن كيف يمكنه ذلك والإمام عليه‌السلام في سجنه ، وقد غضب على وزيره لأنه لم يمتثل أمره فيه ! ولعنه وهو في الرقة ، وبعث من يهينه ويضربه وبعث أباه لينفذ ما لم ينفذه الإبن !

إن هذه النصوص كافية لإدانة هارون ، فكيف إذا ضممنا اليها غيرها وهو كثير !

*  *

٢٦٨

الفصل الرابع عشر

بعض أخبار الإمام الكاظم عليه‌السلام في السجن

١ ـ كان عليه‌السلام يشكر الله لأنه فرغه لعبادته !

في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٨٨ : « « حدثنا الثوباني قال : كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر بضع عشره سنة كل يوم سجدة انقضاضَ الشمس إلى وقت الزوال ، فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حبس أبو الحسن ، فكان يرى أبا الحسن ساجداً فقال للربيع : يا ربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟! فقال : يا أمير المؤمنين ما ذاك بثوب ، وإنما هو موسى بن جعفر ، له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال !

قال الربيع : فقال لي هارون : أما إن هذا من رهبان بني هاشم ! قلت : فمالك قد ضيقت عليه الحبس ؟ قال : هيهات لا بد من ذلك » !

أقول : يظهر أن ذلك كان في حبسه عليه‌السلام أول خلافة الرشيد ، حيث كان حاجبه الربيع مسؤولاً عن حبس الإمام عليه‌السلام . أما الخبر التالي فهو عن حبسه آخر مرة ، لأنه كان عند الفضل بن الربيع ثم عند الفضل بن يحيى ، ثم عند السندي .

في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٩٨ ، عن عبد الله الفروي قال : « دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي : أدن فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي :

٢٦٩

أشرف إلى بيت الدار فأشرفت فقال : ما ترى في البيت ؟ فقلت : ثوباً مطروحاً ! فقال : أنظر حسناً ، فتأملت ونظرت فتيقنت فقلت : رجل ساجد ! فقال لي : تعرفه ؟ قلت : لا قال : مولاك ! قلت : ومن مولاي ؟ فقال : تتجاهل عليَّ ! فقلت : ما أتجاهل ولكني لا أعرف لي مولى ، فقال : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر ! إني أتفقده الليل والنهار فلا أجده في وقت من الأوقات إلا على الحال التي أخبرك بها ، إنه يصلي الفجر فيعقب ساعة دبر الصلاة إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدةَ فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام : قد زالت الشمس ، إذ يثب فيبتدئ الصلاة من غير أن يُحدث ، فأعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى ، ولا يزال إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلى سجد سجدةً فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ! ولا يزال صلاته وتعقيبه إلى أن يصلى العتمة ، فإذا صلى العتمة أفطر على شِوىً يؤتى به ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومته خفيفه ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر . فلست أدري متى يقول الغلام إن الفجر قد طلع ؟! إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ! فهذا دأبه منذ حول إلى الآن ! فقلت : إتق الله ولا تحدثن في أمره حدثاً يكون فيه زوال النعمة ، فقد تعلم أنه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءً إلا كانت نعمته زائلة ! فقال : قد أرسلوا إليَّ غير مرة يأمروني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني !

٢٧٠

فلما كان بعد ذلك ، حُوِّلَ إلى الفضل بن يحيى البرمكي فحبس عنده أياماً ، فكان الفضل بن الربيع يبعث إليه في كل يوم مائدة ، حتى مضى ثلاثة أيام ولياليها ، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت مائدة للفضل بن يحيى فرفع عليه‌السلام يده إلى السماء فقال : يا رب إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي ! فأكل فمرض فلما كان الغد جاءه الطبيب فعرض عليه خضرة في بطن راحته ، وكان السم الذي سُمَّ به قد اجتمع في ذلك الموضع ، فانصرف الطبيب إليهم فقال : والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم ، ثم توفي عليه‌السلام » ! ونحوه أمالي الصدوق / ٢١٠

وفي مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٤٠ : « وقال أحمد بن عبد الله : لما نقل الكاظم عليه‌السلام من دار الفضل بن الربيع إلى الفضل بن يحيى البرمكي كان ابن الربيع يبعث إليه في كل ليلة مائدة ومنع أن يدخل من عند غيره حتى مضى ثلاثة أيام ، فلما كانت الليلة الرابعة قدمت إليه مائدة البرمكي قال : فرفع رأسه إلى السماء فقال : يا رب أنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت على نفسي ! قال فأكل فمرض ، فلما كان من الغد بعث إليه بالطبيب فقال عليه‌السلام : هذه علتي ، وكانت خضرة في وسط راحته تدل على أنه سم ، فانصرف إليهم وقال : والله لهو أعلم بما فعلتم به منكم » !

وفي تاريخ أبي الفداء / ٢٩٣ : « ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة ، فيها توفي موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ببغداد في حبس الرشيد وحبسه عند السندي بن شاهك ... وكان يلقب الكاظم : لأنه كان يحسن إِلى من يسيء إِليه ... وتوفي في

٢٧١

هذه السنة أعني سنة ثلاث وثمانين ومائة ، لخمس بقين من رجب ببغداد وقبره مشهور هناك ، وعليه مشهد عظيم في الجانب الغربي من بغداد » .

أقول : يفهم من قوله عليه‌السلام : « يا رب إنك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت قد أعنت على نفسي » ! أن السم قدم له مرات قبل ذلك وعرفه الله إياه فتجنبه ، وكان تناوله عليه حراماً ، أما في هذه المرة فكان مأموراً بتناوله !

كما لايتنافى مع ما رواه في رجال الطوسي ( ٢ / ٨٦٣ ) : « عن عبد الله بن طاووس ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ... إن يحيى بن خالد سم أباك موسى بن جعفر صلوات الله عليه ؟ قال : نعم سمه في ثلاثين رطبة ، قلت له : فما كان يعلم أنها مسمومة ؟ قال : غاب عنه المحدث . قلت : ومن المحدث ؟ قال : ملك أعظم من جبريل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع الأئمة صلوات الله عليهم وليس كل ما طلب وجد » ! فإنها تدل على غياب روح القدس عند تناوله الطعام ، فكأنه عليه‌السلام أمره إن غاب عنه ، أن يأكل ما يقدمونه له !

ولا يرد الإشكال : كيف يأذن أو يأمر الله تعالى عبده بأن يتناول السم ؟ لأن تكليف المعصوم عليه‌السلام غير تكليفنا ، ولأن الله تعالى : لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ .

٢٧٢

٢ ـ رسالة الإمام عليه‌السلام الى هارون الرشيد

روت عامة المصادر أن الإمام الكاظم عليه‌السلام أرسل من سجنه الى هارون الرشيد رسالة مختصرة ، لابد أنها هزت الرشيد ونغصت عليه عيشه ، وهذا نصها :

« إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء ، حتى نقضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء ، يخسر فيه المبطلون » ! ( تاريخ بغداد : ١٣ / ٣٢ ، وتهذيب الكمال : ٢٩ / ٥٠ ، وسير الذهبي : ٦ / ٢٧٣ ، وكامل ابن الأثير : ٦ / ١٦٤ ، وتاريخ الذهبي : ١٢ / ٤١٧ ، والفصول المهمة : ٢ / ٩٥٨ ، وصفة الصفوة : ٢ / ١٨٧ ، والمنتظم : ٩ / ٨٨ ) .

٣ ـ رسالة الإمام عليه‌السلام الى يحيى بن خالد البرمكي

روى الطوسي في الغيبة / ٥١ ، عن « داود بن زربي قال : بعث إلي العبد الصالح عليه‌السلام وهو في الحبس فقال : إئت هذا الرجل ، يعني يحيى بن خالد فقل له : يقول لك أبو فلان : ما حملك على ما صنعت ؟ أخرجتني من بلادي ، وفرقت بيني وبين عيالي ! فأتيته وأخبرته فقال : زبيدة طالق وعليه أغلظ الأيمان ، لوددت أنه غرم الساعة ألفي ألف وأنت خرجت ، فرجعت إليه فأبلغته فقال : إرجع إليه فقل له : يقول لك : والله لتخرجني أو لأخرجن » !

أقول : يبدو أن هذه الرسالة في الحبس الأول للإمام عليه‌السلام ففيها دعا بالدعاء الذي تقدم : « فقال : يا سيدي نجني من حبس هارون ، وخلصني من يده . يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويا مخلص الولد

٢٧٣

من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص النار من الحديد والحجر ، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء ، خلصني من يد هارون »

ويظهر أن يحيى البرمكي هو الذي كان سعى به وأمر الرشيد بإحضاره وحبسه وذلك في أول خلافة هارون ، وقد كانت كل أمور هارون بيد يحيى !

٤ ـ عاهرة الرشيد صارت عابدة !

قال في مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤١٥ : « في كتاب الأنوار ، قال العامري : إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية حصيفة لها جمال ووضاءة ، لتخدمه في السجن ، فقال عليه‌السلام : قل له : بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ! قال : فاستطار هارون غضباً وقال : إرجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ، ولا برضاك أخدمناك ، واترك الجارية عنده وانصرف !

قال فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه . وأنفذ الخادم إليه ليتفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول : قدوس سبحانك سبحانك ، فقال هارون : سحرها والله موسى بن جعفر بسحره ، عليَّ بها ! فأتيَ بها وهي ترتعد شاخصة نحو السماء بصرها ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني الشأن البديع إني كنت عنده واقفة وهو قائم يصلي ليله ونهاره ، فلما انصرف من صلاته بوجهه وهو يسبح الله ويقدسه قلت : يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها ؟ قال : وما حاجتي إليك ! قلت : إني أدخلت عليك لحوائجك ، قال : فما بال هؤلاء قالت : فالتفتُّ فإذا روضةٌ مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري ، ولا أولها من آخرها ، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج ، وعليها وصفاء ووصايف ، لم أر مثل

٢٧٤

وجوههم حسناً ، ولا مثل لباسهم لباساً ، عليهم الحرير الأخضر والأكاليل والدر والياقوت ، وفي أيديهم الأباريق والمناديل ، ومن كل الطعام ، فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم ، فرأيت نفسي حيث كنت !

قال فقال هارون : يا خبيثة لعلك سجدت فنمت ، فرأيت هذا في منامك !

قالت : لا والله يا سيدي إلا قبل سجودي رأيت ، فسجدت من أجل ذلك !

فقال الرشيد : إقبض هذه الخبيثة إليك ، فلا يسمع هذا منها أحد !

فأقبلت في الصلاة ، فإذا قيل لها في ذلك قالت : هكذا رأيت العبد الصالح ، فسئلت عن قولها ؟ قالت : إني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة إبعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه ، فنحن له دونك !

فما زالت كذلك حتى ماتت ! وذلك قبل موت موسى عليه‌السلام بأيام يسيرة » !

٥ ـ فقهاء السلطة يزورون الإمام عليه‌السلام في السجن

التقى الإمام عليه‌السلام في سجنه وسفره بكثيرين ، وهدى الله بعضهم على يده ، كالمسيب بن زهير ، وغلام السندي بن شاهك ، والجارية التي بعثها الرشيد !

في الخرائج : ١ / ٣٢٢ : « عن إسحاق بن عمار قال : لما حبس هارون أبا الحسن موسى دخل عليه أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ، فقال أحدهما للآخر : نحن على أحد أمرين إما أن نساويه ، وإما أن نشاكله ، فجلسا بين يديه ، فجاء رجل كان موكلاً به من قبل السندي بن شاهك فقال : إن نوبتي قد انقضت وأنا على الإنصراف ، فإن كانت لك حاجة أمرتني حتى آتيك بها في الوقت الذي تلحقني النوبة ؟ فقال له : ما لي حاجة . فلما أن خرج قال لأبي يوسف ومحمد بن

٢٧٥

الحسن : ما أعجب هذا يسألني أن أكلفه حاجة من حوائجي ليرجع ، وهو ميت في هذه الليلة ! قال فغمز أبو يوسف محمد بن الحسن للقيام فقاما ، فقال أحدهما للآخر : إنا جئنا لنسأله عن الفرض والسنة وهو الآن جاء بشئ آخر كأنه من علم الغيب ! ثم بعثا برجل مع الرجل فقالا : إذهب حتى تلزمه وتنتظر ما يكون من أمره في هذه الليلة وتأتينا بخبره من الغد ! فمضى الرجل فنام في مسجد عند باب داره فلما أصبح سمع الواعية ورأى الناس يدخلون داره ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قد مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة ! فانصرف الرجل إلى أبي يوسف ومحمد وأخبرهما الخبر ، فأتيا أبا الحسن عليه‌السلام فقالا : قد علمنا أنك قد أدركت العلم في الحلال والحرام ، فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك أنه يموت في هذه الليلة ؟ قال : من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب عليه‌السلام ! فلما أورد عليهما هذا بقيا لا يحيران جواباً » !

أقول : يقصد الإمام عليه‌السلام ما أخرجه الطبراني في الأوسط ( ٢ / ٢١٣ ) عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه : أدعوا لي أخي فدعوا له أبا بكر فأعرض عنه ، ثم قال : أدعوا لي أخي ، فدعوا له عمر فأعرض عنه ، ثم قال : أدعوا لي أخي ، فدعوا له عثمان فأعرض عنه ، ثم قال : ادعوا لي أخي ، فدعي له علي بن أبي طالب فستره بثوب وأكب عليه ، فلما خرج من عنده قيل له : ما قال ؟ قال : علمني ألف باب يفتح كل باب إلى ألف باب » ! وتاريخ دمشق : ٤٢ / ٣٨٥ .

وفي بصائر الدرجات / ٣٢٦ : « عن الأصبغ بن نباته قال أمرنا أمير المؤمنين عليه‌السلام بالمسير إلى المداين من الكوفة ، فسرنا يوم الأحد وتخلف عمرو بن حريث في

٢٧٦

سبعة نفر فخرجوا إلى مكان بالحيرة تسمى الخورنق قالوا نتنزه فإذا كان يوم الأربعاء لحقنا علياً قبل أن يُجَمِّع . فبينا هم يتغذون إذ خرج عليهم ضب فصادوه فأخذه عمرو بن حريث فبسط كفاً فقال : بايعوه هذا أمير المؤمنين ! فبايعه السبعة وعمرو ثامنهم ! وارتحلوا ليلة الأربعاء فقدموا المداين يوم الجمعة وأمير المؤمنين على المنبر يخطب ، ولم يفارق بعضهم بعضاً وكانوا جميعاً حتى نزلوا باب المسجد ، فلما دخلوا نظر إليهم أمير المؤمنين فقال : يا أيها الناس إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أسرَّ إليَّ الف حديث ، في كل حديث ألف باب ، لكل باب مفتاح ، وإني سمعت الله يقول : يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ، وإني أقسم لكم بالله ليبعثن ثمانية نفر إمامهم الضب ، ولو شئت أن أسميهم فعلت ! قال : فلو رأيت عمرو بن حريث ينتفض كما تنتفض السعفة » !

٦ ـ كان عليه‌السلام يجيب من السجن على بعض الرسائل

فقد رويت إجاباته عليه‌السلام لمحمد بن أبي عمير وعلي بن سويد السائي ، نسبة الى الساية قرية قرب المدينة ( النجاسي / ٢٧٦ ) وهما من كبار شخصيات شيعته .

ففي الكافي : ٨ / ١٢٤ : « عن علي بن سويد قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام وهو في الحبس كتاباً أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة ، فاحتبس الجواب علي أشهر ، ثم أجابني بجواب هذه نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة ، والأديان المتضادة ، فمصيب ومخطئ ، وضال ومهتدي ،

٢٧٧

وسميع ، وأصم وبصير ، وأعمى حيران . فالحمد لله الذي عرف ووصف دينه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله . أما بعد فإنك أمرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة وحفظ مودة ما استرعاك من دينه ، وما ألهمك من رشدك وبصرك من أمر دينك ، بتفضيلك إياهم وبردك الأمور إليهم .

كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية ، ومن كتمانها في سعة ، فلما انقضى سلطان الجبابرة ، وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها ، العتاة على خالقهم ، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه ، مخافة أن تدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم ، فاتق الله عز ذكره وخص بذلك الأمر أهله ، واحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء أو حارشاً عليهم بإفشاء ما استودعتك ، وإظهار ما استكتمتك ، ولن تفعل إن شاء الله .

إن أول ما أنهي إليك أني أنعي إليك نفسي في لياليَّ هذه ، غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن ، مما قد قضى الله عز وجل وحتم ، فاستمسك بعروة الدين ، آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي ، والمسالمة لهم والرضا بما قالوا ، ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ، ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ! وتدري ما خانوا أماناتهم ؟ ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ، ودلوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم ، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون !

وسألت عن رجلين اغتصبا رجلاً مالاً كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله ، فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه إياه

٢٧٨

كرهاً فوق رقبته إلى منازلهما ، فلما أحرزاه توليا إنفاقه ، أيبلغان بذلك كفراً ؟ فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عز وجل كلامه ، وهزئا برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

والله ما دخل قلب أحد منهما شئ من الإيمان منذ خروجهما من حالتيها ، وما ازدادا إلا شكاً ! كانا خداعين مرتابين منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام ! وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته ؟ منهم عارف ومنكر ، فأولئك أهل الردة الأولى من هذه الأمة فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فأما الماضي فمفسر ، وأما الغابر فمزبور ، وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو أفضل علمنا ، ولا نبي بعد نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وسألت عن أمهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم ، فأما أمهات أولادهم فهن عواهر إلى يوم القيامة ، نكاح بغير ولي وطلاق في غير عدة .

وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه .

وسألت عن الزكاة فيهم ، فما كان من الزكاة فأنتم أحق به ، لأنا قد أحللنا ذلك لكم ، من كان منكم وأين كان .

وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم ترفع إليه حجة ولم يعرف الإختلاف ، فإذا عرف الإختلاف فليس بضعيف .

٢٧٩

وسألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عز وجل ولو على نفسك والوالدين والأقربين ، فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيماً فلا .

وادع إلى شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ، ولا تحصن بحصن رياء . ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف منا خلافه ، فإنك لا تدري لمَ قلناه وعلى أي وجه وصفناه !

آمن بما أخبرك ولا تفش ما استكتمناك من خبرك ، إن واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك . وعده في مرضه ، ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الأذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا الفحش ولا الأمر به . فإذا رأيت المشوه الاعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين ، وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله عز وجل بالمجرمين . فقد فسرت لك جملا مجملا وصلى الله على محمد وآله الأخيار » . ورجال الطوسي : ٢ / ٧٥٤

٧ ـ غلام السندي بن شاهك يتشيع !

في رجال الطوسي : ٢ / ٧٣٧ : « عن بشار مولي السندي بن شاهك قال : كنت من أشد الناس بغضاً لآل أبي طالب ، فدعاني السندي بن شاهك يوماً فقال لي : يا بشار إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني عليه هارون ، قلت : إذن لا أبقي فيه غاية فقال : هذا موسى بن جعفر قد دفعه إلي وقد وكلتك بحفظه ، فجعله في دار دون

٢٨٠