الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

الشيخ علي الكوراني العاملي

الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

نهديها كأنهما رمانتان ، ولها ردفان ثقيلان ، فراودها عن نفسها فقالت : يا أمير المؤمنين ! هجرتني هذه المدة وليس لي علم بملاقاتك ، فأنظرني إلى غد حتى أتهيأ وآتيك » . ( إعلام الناس للإتليدي / ١٠٢ ) .

ولم تكن بنات هارون وأخواته أفضل من تلك الجارية !

ففي الامامة والسياسة لابن قتيبة : ٢ / ١٧٢ : « استأذنته أخته فاختة بنت المهدي وشقيقته في إتحاف جعفر ومهاداته فأذن لها ، وكانت قد استعدت له بالجواري الرائعات والقينات الفاتنات ، فتهدي له كل جمعة بكراً يفتضها ! إلى ما تصنع له من ألوان الطعام والشراب والفاكهة ، وأنواع الكسوة والطيب ، كل ذلك بمعرفة أمير المؤمنين ورأيه !

فاستمرت بذلك زماناً ومضت به أعواماً ، فلما كانت جمعة من الجمع دخل جعفر القصر الذي استعدت به ، ولم يُرع جعفر إلا بفاختة ابنة المهدي في القصر كأنها جارية من الجواري اللاتي كن يهدين له ، فأصاب منها لذته وقضى منها حاجته ولا علم له بذلك ! فلما كان المساء وهمَّ بالانصراف ، أعلمته بنفسها وعرفته بأمرها ، وأطلعته على شديد هواها وإفراط محبتها له » !

١٤ ـ وكان يشرك قاضي قضاته في هزله ولهوه ! ففي اللطائف للثعالبي / ٢٢ ، أن هارون وزبيدة تحاكما إلى أبي يوسف القاضي : « في الفالوذج واللوزينج ، أيهما أطيب ! فقال أبو يوسف : أنا لا أحكم على غائب ! فأمر باتخاذهما وتقديمهما إليه فجعل يأكل من هذا مرة ومن ذلك أخرى حتى نظف الجانبين ! ثم قال : يا أمير المؤمنين ما رأيت أجدل منهما إن أردت أن أسجل لأحدهما ، أدلى الآخر بحجة » !

١٦١

١٥ ـ واعترف ابن كثير ( النهاية : ١٠ / ٢٠٤ ) بأن هارون كان يشرب الخمر لكن زعم أن ذلك في أواخر خلافته ، قال : « كان جعفر يدخل على الرشيد بغير إذن حتى كان يدخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه ، وهذه وجاهة ومنزلة عالية ! وكان عنده من أحظى العشراء على الشراب المسكر ، فإن الرشيد كان يستعمل في أواخر أيام خلافته المسكر ، وكان أحب أهله إليه أخته العباسة بنت المهدي وكان يحضرها معه ، وجعفر البرمكي حاضر أيضاً معه ... الخ . » .

*  *

١٦٢

الفصل الثامن

وزراء هارون فيهم أبرار !

١ ـ البرامكة زنادقة ونواصب !

البرمك : لقب السادن الأكبر لمعبد نوبهار ، وهو معبد للفرس يجمع بين الوثنية والمجوسية ، ويقع في بلخ من أفغانستان . قال الحموي في معجم البلدان : ٥ / ٣٠٧ : « نُوْبَهَار : بالضم ثم السكون ، وكانت الفرس تعظمه وتحج إليه ، وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك .. وكانت سُنَّتُهم إذا هم وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ، ويقبلوا يد برمك .. كان برمك يُعمر النوبهار ويقوم به ، وهو اسم لبيت النار الذي كان ببلخ يعظم قدره بذلك ، فصار ابنه خالد بن برمك بعده » .

وروى الطبري ( ٥ / ٢١٥ ) أن قتيبة بن مسلم فتح بلخ وسبى امرأة مرجعهم برمك بن جاماس بن يشتاسف ، وأعطاها لأخيه المجذوم عبد الله فحملت منه ، ثم اتفق مع أهل بلخ على رد الأسرى : « فقالت امرأة برمك لعبد الله بن مسلم يا نازي إني قد علقت منك . وحضرت عبد الله بن مسلم الوفاة ، فأوصى أن يلحق به ما في بطنها وردت إلى برمك ، فذكر أن ولد عبد الله بن مسلم جاؤوا أيام المهدي حين قدم الري إلى خالد فادعوه ، فقال لهم مسلم بن قتيبة : إنه لا بد لكم إن استلحقتموه أن تزوجوه ، فتركوه وأعرضوا عن دعواهم » !

١٦٣

وهكذا بقي خالد بن برمك ، ولو قبلوا أن يزوجوه لتم نسبه اليهم ، وصار خالد بن عبد الله بن مسلم الباهلي !

وعندما كبر خالد التحق بثورة أبي مسلم الخراساني ، وصار مع القائد قحطبة . حتى اختاره السفاح وزيراً بعد أبي سلمة الخلال ، وجعله قاضي الدولة العباسية ( البدء والتاريخ / ٤٧٩ ، والآداب السلطانية / ١٠٧ ) .

وكان يُتهم بدين المجوس ، ومات سنة ١٦٥ وعمره ٧٥ سنة . ( تاريخ دمشق : ١٦ / ٧ ـ ٨ ) .

وبرز بعده ابنه يحيى بن خالد ، وكان مقرباً من المنصور فوضع ابنه الرشيد في حجره ، فكان الرشيد يدعوه أبي ويدعو يحيى أخي ، ويحب جعفر أكثر !

وعندما استخلف استوزر يحيى بدل علي بن يقطين ، الذي كان وزير أبيه المهدي وأخيه موسى الهادي ، طيلة خلافتهما . ( ذيل تاريخ بغداد : ٤ / ٢٠٢ ) .

٢ ـ عداوة البرامكة للإمام الكاظم عليه‌السلام

كان علي بن يقطين يكتم تشيعه ، وكان البرامكة يحسدونه ، ويتجسسون عليه ليثبتوا للمهدي والهادي علاقته بالإمام الكاظم عليه‌السلام .

وكذلك كانوا يحسدون جعفر بن محمد بن الأشعث ، ويعملون لإقناع هارون بأنه شيعي ، وعندما وضع هارون ابنه الأمين في حجره زاد حسدهم له .

وهم الذين أقنعوا هارون بقتل الإمام الكاظم عليه‌السلام ( الإرشاد : ٢ / ٢٣٧ ) فكان الرضا عليه‌السلام يدعو عليهم لأنهم قتلوا أباه عليه‌السلام : « كان أبو الحسن عليه‌السلام واقفاً بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه ، فسئل عن ذلك فقال : إني كنت أدعو الله تعالى على

١٦٤

البرامكة بما فعلوا بأبي ، فاستجاب الله لي اليوم فيهم ! فلما انصرف لم يلبث إلا يسيراً حتى بُطش بجعفر ويحيى وتغيرت أحوالهم » ( عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٤٥ ) .

وروى الصدوق رحمه‌الله خطة يحيى بن خالد البرمكي لقتل الإمام الكاظم عليه‌السلام ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن صالح بن علي بن عطيه قال :

« كان السبب في وقوع موسى بن جعفر عليه‌السلام إلى بغداد ، أن هارون أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة ، وكان له من البنين له أربعة عشر ابناً ، فاختار منهم ثلاثة محمد بن زبيدة وجعله ولي عهده ، وعبد الله المأمون وجعل الأمر له بعد ابن زبيدة ، والقاسم المؤتمن وجعل له الأمر من بعد المأمون .

فأراد أن يُحكم ذلك الأمر ويشهره شهرةً يقف عليها الخاص والعام ، فحج في سنه تسع وسبعين ومئة ، وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم ، فأخذ هو طريق المدينة .

قال علي بن محمد النوفلي : فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر عليه‌السلام أن وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث ، فساء ذلك يحيى وقال : إذا مات الرشيد وأفضى الأمر إلى محمد انقضت دولتي ودوله وُلْدي ، وتحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع ، فأظهر له أنه على مذهبه فَسُرَّ جعفر وأفضى إليه بجميع أموره ، وذكر له ما عليه في موسى بن جعفر عليه‌السلام .

فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد وكان الرشيد يرعى له موضعه من نصرة الخلافة ، فكان يقدم في أمره ويؤخر ، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه ( يتكلم

١٦٥

معه ليقنعه ) إلى أن دخل يوماً إلى الرشيد فأظهر له إكراماً وجرى بينهما كلام في مزية جعفر لحرمته وحرمه أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئاً حتى أمسى ، ثم قال للرشيد : يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرتك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وهاهنا أمر فيه الفيصل ، قال : وما هو؟ قال : إنه لا يصل إليه مال من جهة الجهات ، إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الألف دينار التي أمرت بها له ، فقال هارون : إن في هذا لفيصلاً ، فأرسل إلى جعفر ليلاً وقد كان عرف سعاية يحيى به فتباينا وأظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة ، فلما طرق جعفر رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى وأنه إنما دعاه ليقتله ! فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ، ولبس برده فوق ثيابه وأقبل إلى الرشيد ، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور ورأى البردة عليه قال : يا جعفر ما هذا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين قد علمت أنه سعى بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة ، لم آمن أن يكون قد قرح في قلبك ما يقول على فأرسلت إلى لتقتلني ! قال : كلا ولكن قد خُبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه ، وأنك فعلت بذلك في العشرين الألف دينار ، فأحببت أن أعلم ذلك ! فقال جعفر : الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها ! فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر وانطلق به تأتيني بهذا المال ، وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال ، فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد ، فقال له جعفر : هذا أول ما تعرف به كذب من سعى

١٦٦

بي إليك ! قال صدقت يا جعفر ، انصرف آمناً ، فإني لا أقبل فيك قول أحد ! قال وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر !

قال النوفلي : فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة قال : لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي : ما لك قد أخملت نفسك ، ما لك لا تدبر أمور الوزير ! فقد أرسل إليَّ فعادلته وطلبت الحوائج إليه ، وكان سبب ذلك أن يحيى خالد قال ليحيى بن أبي مريم : ألا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبه في الدنيا فأوسع له منها ! قال : بلى أدلك على رجل بهذه الصفة ، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر ، فأرسل إليه يحيى فقال : أخبرني عن عمك وعن شيعته والمال الذي يحمل إليه ؟ فقال له : عندي الخبر وسعى بعمه ! فكان من سعايته أن قال : من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعه تسمى اليسيرة بثلاثين ألف دينار ، فلما أحضر المال قال البايع : لا أريد هذا النقد ، أريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه ، في ثمن الضيعة !

قال النوفلي قال أبي : وكان موسى بن جعفر عليهما‌السلام يأمر لعلي بن إسماعيل ويثق به ، حتى ربما خرج الكتاب منه بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل ، ثم استوحش منه ، فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر أن علياً بن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق فأرسل إليه مالك والخروج مع السلطان؟! قال : لأن عليَّ ديناً ، فقال : دينك عليَّ . قال : فتدبير عيالي ؟! قال : أنا أكفيهم ، فأبى إلا الخروج ، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن إسماعيل بن جعفر بثلاث مأة دينار

١٦٧

وأربعة آلاف درهم ، فقال له : إجعل هذا في جهازك ولا تؤتم ولدي ! » . ( عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٧٠ ، والمناقب : ٣ / ٤٢٣ ) .

وفي غيبة الطوسي / ٢٣ ، أن يحيى بن خالد أحضر علي بن إسماعيل : « فأحس موسى عليه‌السلام بذلك فدعاه فقال : إلى أين يا بن أخي ؟ قال إلى بغداد ، قال : ما تصنع ؟ قال : عليَّ دينٌ وأنا ممُلق . قال : فأنا أقضي دينك وأفعل بك وأصنع ، فلم يلتفت إلى ذلك ! فقال له : أنظر يا ابن أخي لا تؤتم أولادي ! وأمر له بثلاث مائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام لمن حضره : والله ليسعين في دمي ويؤتمن أولادي !

فقالوا له : جعلنا الله فداك ، فأنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله ! فقال لهم : نعم ، حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله ! فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ورفعه إلى الرشيد ، وزاد عليه ...

وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إني أعتذر إليك من شئ أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنه يريد التشتيت بأمتك وسفك دمائها . ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده ، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان ، هو في إحداهما ، ووجه مع كل واحدة منهما خيلاً فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ليعمي على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة ، وأمر الرسول أن يسلمه إلى عيسى بن أبي جعفر المنصور وكان على البصرة حينئذ ، فمضى به

١٦٨

فحبسه عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر على ذلك ! حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة . فوجه من تسلمه منه .. الى آخر الحديث » .

وفي غيبة الطوسي / ٢٣ : « فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر عليه‌السلام ورفعه إلى الرشيد وزاد عليه وقال له : إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب وإن له بيوت أموال . . الخ . » !

وفي رجال الطوسي / ٥٤٠ ، أنه ودع الإمام الكاظم عليه‌السلام فقال له : « يا عم أحب أن توصيني فقال : أوصيك أن تتقي الله في دمي ! فقال : لعن الله من يسعى في دمك ! ثم قال : يا عم أوصني ، فقال : أوصيك أن تتقي الله في دمي ...!

قال : فخرج إلى العراق فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل ، واستأذن على هارون وقال للحاجب ، قل لأمير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب ، فقال الحاجب : إنزل أولاً وغيِّر ثياب طريقك وعُد لأدخلك إليه بغير إذن ، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت ، فقال : أعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي ! فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل ، فأمر بدخوله فدخل وقال : يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج ، وأنت بالعراق يجبى لك الخراج ! فقال : والله ، فقال : والله ، قال : فأمر له بمائة ألف درهم ، فلما قبضها وحمل إلى منزلة ، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات ، وحول من الغد المال الذي

١٦٩

حمل إليه ! وروى موسى بن القاسم البجلي : عن علي بن جعفر قال : سمعت أخي موسى عليه‌السلام قال : قال أبي لعبد الله أخي : إليك ابني أخيك فقد ملآني بالسفه ، فإنهما شرك شيطان يعني : محمد بن إسماعيل بن جعفر وعلي بن إسماعيل ، وكان عبد الله أخاه لأبيه وأمه » !

أقول : ورد أن الذي سعى بالإمام الكاظم عليه‌السلام علي بن إسماعيل ، وفي بعضها أخوه محمد بن جعفر ( عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٧٢ ، والمناقب : ٣ / ٤٣٩ ) والظاهر أنهم ثلاثتهم شركاء في ذلك ، بتحريك يحيى البرمكي !

٣ ـ نكبة البرامكة في أوج مجدهم !

حكم يحيى البرمكي وأولاده سبع عشرة سنة ، من أول عهد هارون سنة ١٧٠ ، الى نكبتهم في أول سنة ١٨٧ ، حيث انقلب عليهم هارون فجأة ، فقتل جعفر بن يحيى : « ونصب رأسه على الجسر الأوسط ، وقطَّع جثته ، وصلب كل قطعة منها على الجسر الأعلى والجسر الأسفل » ( الطبري : ٦ / ٤٩١ ) .

وحبس أباه يحيى وأخاه الفضل وماتا في حبسه : « وكان يحيى بن خالد محبوساً بالكوفة ، ولم يزل بها كذلك إلى أن مات سنة تسعين ومائة ، ومات بعده ابنه الفضل سنة ثلاث وتسعين » ( ابن خلدون : ٣ / ٢٢٤ ) .

وقال بعضهم إن سبب نكبتهم أن جعفر البرمكي زنا بالعباسة أخت هارون رغم نهيه إياه ( سير الذهبي : ٩ / ٦٦ ، والطبري : ٦ / ٤٨٩ ) ولا يصح ذلك ، لأن هارون نفسه كان يشرب معهما ، وكان لا يصبر على منادمتهما !

١٧٠

وقال بعضهم إن البرامكة تآمروا مع عبد الملك بن صالح العباسي لينصبوه خليفة بدل هارون ، وهو أحد أعمام هارون ، وكان شخصية متميزة على كل بني العباس في كفاءته وبلاغته ، وكان هارون يهابه ، وقد بعثه لحرب الروم مرات فلم يُقتل ، ثم ولاه الموصل ودمشق ومصر ، وعزله . ثم اتهمه بالتآمر عليه وحبسه وبقي في حبسه حتى أطلقه الأمين ( تاريخ : ٣٧ / ٢١ ) .

وتدل سياسة هارون وكلماته فيهم على أنه اعتقد أن البرامكة ارتكبوا جريمة خيانة الخليفة ولذلك بادر بتصفيتهم ! وتعمد أن يكتم السبب فقال : « لو علمت يميني بالسبب الذي له فعلت هذا لقطعتها » ! ( تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٤٢١ ) .

والمرجح عندي أن الفضل بن يحيى لما سجن عنده الإمام الكاظم عليه‌السلام رأى من كراماته وآياته فمال إليه أو تشيع ، وأخذ يفكر جدياً في انقلاب على العباسيين لمصلحة بعض العباسيين أو العلويين ، وبحث ذلك مع أبيه وأخيه في سرية تامة عن هارون !

وقد حكت الروايات ( الطبري : ٦ / ٤٩١ ) بطش هارون بالبرامكة بعد أربع سنوات من شهادة الإمام الكاظم عليه‌السلام ، برواية مسرور خادم هارون ، قال :

« أرسلني الرشيد لآتيه بجعفر بن يحيى لما أراد قتله ، فأتيته وعنده أبو زكار الأعمى المغني وهو يغنيه .. قال فقلت له : أجب أمير المؤمنين قال فرفع يديه ووقع على رجليَّ يقبلهما وقال : حتى أدخل فأوصي ! قلت : أما الدخول فلا سبيل إليه ولكن أوص بما شئت ، فتقدم في وصيته بما أراد وأعتق مماليكه ، ثم أتتني رسل أمير المؤمنين تستحثني به ، قال : فمضيت به إليه فأعلمته فقال لي وهو في فراشه : إئتني برأسه فأتيت جعفراً فأخبرته فقال : يا أبا هاشم الله الله ، والله ما أمرك

١٧١

بما أمرك به إلا وهو سكران ، فدافعْ بأمري حتى أصبح وآمره فيَّ ثانية ، فعدت لأؤامره فلما سمع حسي قال : يا ماص بظر أمه إئتني برأس جعفر ! فعدت إلى جعفر فأخبرته فقال : عاوده فيَّ ثالثةً فأتيته فحذفني بعمود ثم قال : نفيت من المهدي إن أنت جئتني ولم تأتني برأسه لأرسلن إليك من يأتيني برأسك أولاً ثم برأسه آخراً ! قال فخرجت فأتيته برأسه ! قال وأمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وجميع ولده ومواليه ومن كان منهم بسبيل ، فلم يفلت منهم أحد كان حاضراً ، وحول الفضل بن يحيى ليلاً فحبس في ناحية من منازل الرشيد ، وحبس يحيى بن خالد في منزله ، وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذلك ، ومنع أهل العسكر من أن يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى غيرها ، ووجه من ليلته رجاء الخادم إلى الرقة في قبض أموالهم وما كان لهم وأخذ كل ما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم ، وولاه أمورهم ، وفرق الكتب من ليلته إلى جميع العمال في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ وكلائهم ! فلما أصبح بعث بجثة جعفر بن يحيى مع شعبة الخفتاني وهرثمة بن أعين وإبراهيم بن حميد المروروذي ، وأتبعهم عدة من خدمه وثقاته منهم مسرور الخادم ، إلى منزل جعفر بن يحيى وإبراهيم بن حميد . وحسين الخادم إلى منزل الفضل بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمن . ورشيد الخادم إلى منزل يحيى ومحمد بن يحيى . وجعل معه هرثمة بن أعين ، وأمر بقبض جميع مالهم !

وكتب إلى السندي الحرشي بتوجيه جيفة جعفر إلى مدينة السلام ، ونصب رأسه على الجسر الأوسط ، وقطع جثته وصلب كل قطعة منها على الجسر الأعلى

١٧٢

والجسر الأسفل ففعل السندي ذلك ، وأمضى الخدم ما كانوا وجهوا فيه ، وحمل عدة من أولاد الفضل وجعفر ومحمد الأصاغر إلى الرشيد فأمر بإطلاقهم .

وأمر بالنداء في جميع البرامكة : ألا أمان لمن آواهم ، إلا محمد بن خالد وولده وأهله وحشمه ، فإنه استثناهم لما ظهر من نصيحة محمد له ، وعرف براءته مما دخل فيه غيره » .

وفي الأخبار الطوال / ٣٩١ ، أن هارون أمر « عند ممره ببغداد بخشبة جعفر بن يحيى أن تحرق » ! وبذلك أنهى صلب جثة جعفر البرمكي بعد سنة من صلبها !

ووصف في تاريخ بغداد : ٧ / ١٦٨ ، الحالة التي وصلت اليها والدة جعفر البرمكي ، التي أفلتت من سجن هارون بعد موته ، قال : « عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي صاحب صلاة الكوفة قال : دخلت على أمي في يوم عيد أضحى وعندها امرأة برزة في أثواب دنسة رثة فقالت لي : أتعرف هذه ؟ قلت لا ، قالت : هذه عبادة أم جعفر بن يحيى بن خالد ، فسلمت عليها ورحبت بها وقلت لها : يا فلانة حدثيني ببعض أمركم . قالت أذكر لك جملة كافية فيها اعتبار لمن اعتبر وموعظة لمن فكر : لقد هجم عليَّ مثل هذا العيد وعلى رأسي أربع مائة وصيفة ، وأنا أزعم أن جعفراً ابني عاقٌّ بي ، وقد أتيتكم في هذا اليوم والذي يقنعني جلدا شاتين أجعل أحدهما شعاراً والآخر دثاراً » !

١٧٣

٤ ـ علي بن يقطين رحمه‌الله رئيس وزراء هارون

كان أبوه يقطين « يبيع الأبزار وهي التوابل » ( رجال الطوسي : ٢ / ٧٢٩ ) . وكان من دعاة العباسيين فطلبه الخليفة الأموي مروان ( الحمار ) فهرب مع عائلته الى المدينة المنورة ، وكانت له صلة بالإمام الصادق عليه‌السلام .

كان من ثقات المنصور فوضع ولده المهدي في حجره : « فنشأ المهدي وعلي بن يقطين كأنهما أخوان ، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي استوزر علي بن يقطين وقدمه وجعله على ديوان الزمام وديوان البسر والخاتم ، فلم يزل في يده حتى توفى المهدي وأفضى الأمر إلى الهادي فأقره على وزارته ولم يشرك معه أحداً في أمره ، إلى أن توفي الهادي وصار الأمر إلى الرشيد ، فأقره شهراً ، ثم صرفه بيحيى بن خالد البرمكي » . ( ذيل تاريخ بغداد : ٤ / ٢٠٢ ) .

ومع أن هارون عزله من الوزارة ، لكن بقيت له مكانة محترمة عنده ، فعندما غضب على البرامكة ونكبهم ، أعاده الى الوزارة !

قال المسعودي في التنبيه والإشراف / ٢٩٩ : « ودفع خاتم الخلافة بعد إيقاعه بهم إلى علي بن يقطين ، وغلب عليه الفضل بن الربيع وإسماعيل بن صبيح إلى أن مات » .

ومعنى هذا أن هارون بكل دهائه ورقابته ، لم يجد أي مستمسك على علي بن يقطين ، فبقي على ثقته به الى أن توفي رحمه‌الله قبل شهادة الإمام الكاظم عليه‌السلام .

وفي معجم السيد الخوئي قدس‌سره : ١٣ / ٢٤٢ : « علي بن يقطين بن موسى البغدادي كوفي الأصل ، مولى بني أسد ... قال الشيخ الطوسي : علي بن يقطين ثقة جليل القدر ، له منزلة عظيمة عند أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، عظيم المكان في الطائفة .

١٧٤

كان يحمل الأموال إلى جعفر الصادق عليه‌السلام ، ونمَّ خبره إلى المنصور والمهدي فصرف الله عنه كيدهما ، وتوفي ببغداد سنة اثنتين وثمانين ومائة ، وسنُّهُ يومئذ سبع وخمسون سنة ، وصلى عليه ولي العهد محمد بن الرشيد ، وتوفي أبوه بعده سنة خمس وثمانين ومائة . ولعلي بن يقطين رضي الله عنه كتب ، منها : كتاب ما سئل عنه الصادق عليه‌السلام من الملاحم ، وكتاب مناظرة الشاك بحضرته عليه‌السلام » .

أقول : روى علي بن يقطين عن الإمام الكاظم عليه‌السلام كثيراً ، وذكروا أنه روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام رواية واحدة ، ولا يصح ذلك كما بينه السيد الخوئي رحمه‌الله . بل روى عنه عدة روايات ، وله كتاب أحاديثه عليه‌السلام في الملاحم وكتاب مناظرته لملحد بحضوره عليه‌السلام ، فقد كان عمره نحو ٢٥ سنة عندما توفي الإمام الصادق عليه‌السلام ، وكان يراه في موسم الحج ، وفي استدعاء المنصور له الى الكوفة والحيرة وبغداد .

هذا ، وقد ذكر ابن النديم في الفهرست / ٢٧٩ ، والنجار في ذيل تاريخ بغداد : ٤ / ٢٠٢ ، أن يقطيناً كان شيعياً وأنه كان يحمل المال الى الإمام الصادق عليه‌السلام ، وهو بعيد ، والمؤكد أن ابنه علياً كان شيعياً ، وكان أبوه يعرف ذلك ، ويستر عليه .

٥ ـ من أخبار علي بن يقطين مع الإمام الكاظم عليه‌السلام

١ ـ غيَّر عثمان بن عفان وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأدخل فيه غسل القدمين ، وتطويق الأذنين ، كما يفعل اليهود والصابئة . وفرض هذا الوضوء على المسلمين ، وعممته الدولة الأموية ، ثم تبناه العباسيون . وقد استوفى دراسته العالم الباحث السيد علي الشهرستاني في كتابه : وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٧٥

وقد بقي أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم على وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصاروا يعرفون به !

وكان علي بن يقطين رحمه‌الله في بلاط هارون محاطاً بحساده البرامكة وبعض أقاربه فكتب الى الإمام الكاظم عليه‌السلام يسأله كيف يتوضأ : « فكتب إليه : فهمت ما ذكرت من الإختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً ، وتخلل لحيتك ، وتمسح رأسك كله ، وبه تمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ، ولا تخالف ذلك إلى غيره .

فلما وصل الكتاب إلى علي تعجب مما رسم له فيه ، ثم قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذه ، وسُعِيَ بعلي إلى الرشيد بالرفض فقال : قد كثر القول عندي في رفضه ، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه ، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء وتوضأ على ما أمره الإمام فلم يملك الرشيد نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ، ثم ناداه : كذاب يا علي من زعم أنك من الرافضة ! وصلحت حاله عنده ، وورد كتاب أبي الحسن عليه‌السلام ابتداء : من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما أمرك الله ، وذكر وصفه ، فقد زال ما يخاف عليك .. إغسل وجهك مرة فريضة والأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك » ( مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٠٧ ، وإعلام الورى : ٢ / ٢٢ ) .

٢ ـ قال علي بن يقطين : « كنت عند هارون الرشيد يوماً إذ جاءت هدايا ملك الروم ، وكانت فيها درَّاعة ( جبة ) ديباج سوداء لم أر أحسن منها ، فرآني أنظر إليها

١٧٦

فوهبها لي ، وبعثتها إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام ، ومضت عليها تسعة أشهر ، فانصرفت يوماً من عند هارون بعد أن تغديت بين يديه ، فلما دخلت داري قام إليَّ خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يده وكتاب لطيف خاتمه رطب ، فقال : أتاني رجل بهذا الساعة فقال : أوصله إلى مولاك ساعة يدخل ! ففضضت الكتاب فإذا فيه : يا علي هذا وقت حاجتك إلى الدراعة ! فكشفت طرف المنديل عنها ورأيتها وعرفتها ، ودخل عليَّ خادم لهارون بغير إذن فقال : أجب أمير المؤمنين ! قلت : أي شئ حدث ؟ قال : لا أدري ، فركبت ودخلت عليه وعنده عمر بن بزيع واقفاً بين يديه ، فقال : ما فعلت بالدراعة التي وهبتها لك ؟ قلت : خِلَعُ أمير المؤمنين عليَّ كثيرة ، من دراريع وغيرها ، فعن أيها تسألني ؟ قال : دراعة الديباج السوداء الرومية المذهبة ؟ قلت : ما عسى أن أصنع بها ، ألبسها في أوقات وأصلي فيها ركعات وقد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها ! فنظر إلى عمر بن بزيغ فقال : قل له ليرسل حتى يحضرنيها . قال : فأرسلت خادمي حتى جاء بها ، فلما رآها قال : يا عمر ما ينبغي أن نقبل على عليٍّ بعدها شيئاً ! قال : فأمر لي بخمسين ألف درهم ، حملت مع الدراعة إلى داري ! قال علي بن يقطين : وكان الساعي بي ابن عم لي فسوَّد الله وجهه وكذَّبه والحمد لله » ( الخرائج : ٢ / ٦٥٦ ، والمناقب : ٣ / ٤٠٨ ، ودلائل الامامة / ٣٢٢ ، والإرشاد : ٢ / ٢٢٥ ، والخرائج : ١ / ٣٣٤ ، وإعلام الورى : ٢ / ١٩ ، والثاقب في المناقب / ٤٤٩ ) . وفي روايتهم : فسكن الرشيد من غضبه وقال : انصرف راشداً فلن أصدق بعدها ساعياً ، وأمر أن يتبع بجائزة سنية وتقدم بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحو خمس مائة سوط ، فمات » .

٣ ـ « استأذن إبراهيم الجمال رضي الله عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير

١٧٧

فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر عليه‌السلام فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : يا سيدي ما ذنبي؟ فقال : حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال ، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال ! فقلت : سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت ، وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرجاً !

قال : فوافي البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين ، فقال إبراهيم الجمال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ! فقال علي بن يقطين : يا هذا إن أمري عظيم ! وآلى عليه أن يأذن له ، فلما دخل قال : يا إبراهيم إن المولى عليه‌السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي ! فقال : يغفر الله لك ، فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده فامتنع إبراهيم من ذلك ، فآلى عليه ثانياً ففعل ، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ! ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه‌السلام بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله » ! ( عيون المعجزات / ٩٠ ، والثاقب في المناقب / ٤٥٨ ، والبحار : ٤٨ / ٨٥ ) .

أقول : أراد الإمام عليه‌السلام بذلك تربية علي بن يقطين على أن لا يرد مؤمناً جاءه في حاجة ، أما إرساله الى الكوفة بالمعجزة ، فقد رأى علي بن يقطين شبيهه مراراً !

٤ ـ قال الإمام الكاظم عليه‌السلام لعلي بن يقطين : « إضمن لي خصلة ، أضمن لك ثلاثاً ! فقال علي : جعلت فداك ، وما الخصلة التي أضمنها لك وما الثلاث

١٧٨

اللواتي تضمنهن لي ؟ قال فقال أبو الحسن عليه‌السلام : الثلاث اللواتي أضمنهن لك : أن لا يصيبك حر الحديد أبداً بقتل ، ولا فاقة ، ولا سجن . قال فقال علي : وما الخصلة التي أضمنها لك ؟ قال فقال : تضمن أن لا يأتيك ولي أبداً إلا أكرمته ! قال فضمن عليٌّ الخصلة وضمن له أبو الحسن الثلاث » . ( رجال الطوسي : ٢ / ٧٣١ ) .

٥ ـ « روى بكر بن محمد الأشعري أن أبا الحسن الأول عليه‌السلام قال : إني استوهبت علي بن يقطين من ربي عز وجل البارحة فوهبه لي ، إن علي بن يقطين بذل ماله ومودته فكان لذلك منا مستوجباً .

ويقال إن علي بن يقطين ربما حمل مائة ألف إلى ثلاث مائة ألف درهم ، وإن أبا الحسن عليه‌السلام زوج ثلاثة بنين أو أربعة ، منهم أبو الحسن الثاني ، فكتب إلى علي بن يقطين : إني قد صيرت مهورهن إليك » . ( رجال الطوسي : ٢ / ٧٣٢ ) .

وقال سليمان بن الحسين كاتب علي بن يقطين : « أحصيت لعلي بن يقطين من وافى عنه في عام واحد مائة وخمسين رجلاً ، أقل من أعطاه منهم سبع مائة درهم ، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم » . ( رجال الطوسي : ٢ / ٧٣٧ ) .

٦ ـ في معجم السيد الخوئي : ١٣ / ٢٤٧ : « عن إسماعيل بن سلام ، وإسماعيل بن جميل ، قالا : بعث إلينا علي بن يقطين فقال : اشتريا راحلتين وتجنبا الطريق ، ودفع إلينا أموالاً وكتباً ، حتى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام ولا يعلم بكما أحد . قالا : فأتينا الكوفة فاشترينا راحلتين وتزودنا زادا وخرجنا نتجنب الطريق ، حتى إذا صرنا ببطن الرمة شددنا راحلتنا ووضعنا لها العلف وقعدنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري ، فلما

١٧٩

قرب منا فإذا هو أبو الحسن عليه‌السلام فقمنا إليه وسلمنا عليه ، ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا ، فأخرج من كمه كتباً فناولنا إياها فقال : هذه جوابات كتبكم ، فقلنا : إن زادنا قد فنيَ فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة فزرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتزودنا بزاد ، فقال : هاتا ما معكما من الزاد ، فأخرجنا الزاد فقلبه بيده ، فقال : هذا يبلغكما إلى الكوفة ، وأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد رأيتماه ، وإني صليت معهم الفجر ، وإني أريد أن أصلي معهم الظهر ، إنصرفا في حفظ الله » !

٧ ـ « لما قدم أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه‌السلام العراق ، قال له علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه ( من صعوبة العمل لكثرة المكائد في بلاط هارون ) ؟! فقال : يا علي إن لله تعالى أولياء مع الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه ، وأنت منهم يا علي » . ( رجال الطوسي : ٢ / ٧٣١ ) . وفي رواية : « إن لله مع كل طاغية وزيرا من أوليائه يدفع به عنهم » . ( معجم السيد الخوئي : ١٣ / ٢٤٧ )

وفي قرب الإسناد / ٣٠٦ : « كتب إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام : إن قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان ، وكان وزيراً لهارون ، فإن أذنت لي جعلني الله فداك هربت منه ! فرجع الجواب : لا آذن لك بالخروج من عملهم واتق الله » !

٨ ـ « عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : كنت عند أبي إبراهيم عليه‌السلام إذ أقبل علي بن يقطين فالتفت الى أصحابه فقال : من سره أن يرى رجلاً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلينظر إلى هذا المقبل ! فقال له رجل من القوم : هو إذن من أهل الجنة ؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أما أنا فأشهد أنه من أهل الجنة » . ( رجال الطوسي : ٢ / ٧٣٠ ) .

١٨٠