الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

الشيخ علي الكوراني العاملي

الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

بني عمنا ردوا فضول دمائنا

ينمْ ليلكم أولا يَلُمْنا اللوائمُ

فإنا وإياكم وما كان بيننا

كذي الديْن يقضي دينه وهو راغم

فقال السري : والله ما يزيدكم البغي إلا ذلة ، ولو كنتم مثل بني عمكم ( الحسينيين ) سلمتم ! يعني موسى بن جعفر وكنتم مثله ، فقد عرف حق بني عمه وفضلهم عليه ، فهو لا يطلب ما ليس له !فقال له موسى بن عبد الله :

فإن الأولى تثني عليهم تعيبني

أولاك بنو عمي وعمهم أبي

فإنك إن تمدحهم بمديحة

تُصدق ، وإن تمدح أباك تكذب

قالوا : ولما بلغ العمري ( الوالي ) وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، عمد إلى داره ودور أهله فحرقها ، وقبض أموالهم ونخلهم ، فجعلها في الصوافي المقبوضة » . أي في أموال الدولة .

*  *

١٤١

٤ ـ موسى الهادي يقرر قتل الإمام الكاظم عليه‌السلام

في مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٣ ، عن علي بن يقطين ، وعبد الله بن أحمد الوضاح قال : « لما حمل رأس صاحب فخ إلى موسى بن المهدي ، أنشأ يقول :

بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعدما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا

فلسنا كمن كنتم تصيبون سلمه

فيقبل قيلاً أو يحكم قاضيا

ولكن حد السيف فيكم مسلط

فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا

فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن

ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا

فقد ساءني ما جرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان امراً مدانيا

ثم أخذ في ذكر الطالبيين وجعل ينال منهم ، إلى أن ذكر موسى بن جعفر وحلف بالله ليقتله ، فتكلم فيه القاضي أبو يوسف حتى سكن غضبه .

وأنهي الخبر إلى الإمام عليه‌السلام وعنده جماعة من أهل بيته فقال لهم : ما تشيرون ؟ قالوا : نشير عليك بالإبتعاد عن هذا الرجل وأن تغيب شخصك عنه ، فإنه لا يؤمن شره ، فتبسم أبو الحسن وتمثل :

زعمت سخينةُ أن ستقتل ربها

وليغلبنَّ مُغلبُ الغُلاب

ثم أنشد : زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربعُ !

ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حده ، ودفع لي قواتل سمومه ، ولم تنم عني عين حراسته ، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمات الجوائح ، صرفت ذلك بحولك وقوتك . إلخ ...

ورواه في مهج الدعوات / ٢١٧ ، بتفصيل ، قال : « فمن ذلك الدعاء المعروف بدعاء الجوشن المروي عنه عليه‌السلام رويناه بعدة طرق .... حدثنا أبو الوضاح محمد بن عبد

١٤٢

الله بن زيد النهشلي قال : لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ، وتفرق الناس عنه ، حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي ، فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلاً :

بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا

فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله

فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا

ولكن حكم السيف فينا مسلط

فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا

وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا

بني عمنا لو كان أمرا مدانيا

فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ظلمنا

ولكن قد أسأنا التقاضيا

ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله ، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وأخذ من الطالبين ، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر صلوات الله عليه فنال منه ، ثم قال : والله ما خرج حسين إلا عن أمره ، ولا اتبع إلا محبته ، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني الله إن أبقيت عليه ! فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئاً عليه : يا أمير المؤمنين أقول أم أسكت ؟ فقال : قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر ، ولولا ماسمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعمله وفضله ، وما بلغني من السفاح فيه من تعريضه وتفضيله ، لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقاً !

فقال أبو يوسف : نساؤه طوالق ، وعتق جميع ما يملك من الرقيق ، وتصدق بجميع ما يملك من المال وحبس دوابه ، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام ، إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج ، ولا يذهب إليه ، ولا مذهب أحد من ولده ،

١٤٣

ولا ينبغي أن يكون هذا منهم ! ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون فقال : وما كان بقي من الزيدية إلا هذه العصابة ، الذين كانوا قد خرجوا مع حسين ، وقد ظفر أمير المؤمنين بهم ! ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه .

وقال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام بصورة الأمر فورد الكتاب ، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبو الحسن عليه‌السلام على ما ورد من الخبر ، وقال لهم : ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا : نشير عليك أصلحك الله وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار ، وتغيب شخصك دونه ، فإنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه ، سيما وقد توعدك وإيانا معك !

فتبسم موسى عليه‌السلام ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :

زعمت سخينة أن ستغلب ربها

فليغلبن مغالب الغلاب

ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرج روعكم ، إنه لا يرد أول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن مهدي وهلاكه !

فقالوا وما ذاك أصلحك الله ؟ فقال : قد وحرمة هذا القبر مات في يومه هذا ! والله إنه لحق مثلما أنكم تنطقون ! سأخبركم بذلك : بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي ، وقد تنومت عيناي ، إذ سنح لي جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي ، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته ، وأنا مشفق من غوائله ، فقال لي : لتطب نفسك يا موسى فما جعل الله لموسى عليك سبيلاً ! فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك الله آنفاً عدوك ، فلتحسن لله شكرك ! قال ثم استقبل أبو الحسن القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو !

١٤٤

فقال أبو الوضاح : فحدثني أبي قال كان جماعة من خاصة أبي الحسن عليه‌السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فإذا نطق أبو الحسن عليه‌السلام بكلمة أو أفتى في نازلة ، أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك ، قال فسمعناه وهو يقول في دعائه : شكراً لله جلت عظمته . ثم أورد دعاء الجوشن الذي كان الإمام عليه‌السلام دعا به ، وهو طويل » .

أقول : كانت قريش تعاب بأكل السخينة في أيام فقرها ، وهي طعام من الدقيق والسمن . والبيت لكعب بن مالك الأنصاري شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد روي عن الأئمة عليهم‌السلام مدح صاحب فخ والثائرين معه ، وذهب أكثر علمائنا الى شرعية ثورته التي كان هدفها إيقاف خطة إبادة العلويين !

ففي مقاتل الطالبيين / ٣٠٤ : أن صاحب فخ رحمه‌الله قال : « ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا ، وشاورنا موسى بن جعفر ، فأمرنا بالخروج »

وفي الكافي : ١ / ٣٦٦ : « لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ ، واحتوى على المدينة ، دعا موسى بن جعفر إلى البيعة فأتاه فقال له : يا ابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبد الله ، فيخرج مني ما لا أريد كما خرج من أبي عبد الله ما لم يكن يريد ! فقال له الحسين : إنما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه ، وإن كرهته لم أحملك عليه ، والله المستعان . ثم ودعه فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودعه : يا ابن عم إنك مقتول فأجد الضراب ، فإن القوم فساق يظهرون إيماناً ويسترون شركاً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، أحتسبكم عند الله من عصبة ، ثم خرج الحسين وكان من أمره ما كان قتلوا كلهم كما قال عليه‌السلام » .

١٤٥

وفي مقاتل الطالبين / ٣٠٢ : « جاء الجند بالرؤس إلى موسى والعباس ، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يتكلم أحد منهم بشئ إلا موسى بن جعفر فقال له : هذا رأس الحسين ! قال : نعم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً ، صالحاً ، صواماً ، قواماً ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله ! فلم يجيبوه بشئ » .

وفي عمدة الطالب : ١٨٣ ، والسلسلة العلوية لأبي نصر البخاري ، عن الإمام الجواد عليه‌السلام قال : « لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ » .

*  *

١٤٦

الفصل السابع

خلافة هارون قاتل الإمام الكاظم عليه‌السلام

١ ـ عزله أخوه فقتلته أمه ونصبت هاروناً خليفة

قال اليعقوبي في تاريخه : ٢ / ٤٠٥ : « وشجرت بين موسى وبين أخيه الوحشة ، فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر ولي العهد ، ودعا القواد إلى ذلك فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل ، وسارع بعضهم وقووا عزيمته في ذلك ، وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلى هارون . وقد كان موسى وجه به ( محمد بن فروخ الأزدي ) في جيش كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ، يدعو الناس إلى خلع هارون ، فمن أبى جرد فيهم السيف ...

وأخذ موسى يحيى بن برمك فحبسه وأشرف عليه بالقتل عدة مرار ، فحدثني بعض المشايخ عن يحيى بن خالد قال : حبسني موسى بسبب الرشيد وتربيتي إياه ومكاني معه ، وكان الرشيد دُفع إلينا مولوداً في الخرق فغذته ثديّ نسائنا ورُبي في حجورنا ، فقال : بلغني أنك تروض هارون للخلافة ، ونفسك للوزارة ، والله لآتين على نفسه ونفسك قبل ذلك ! وحبسني في بيت ضيق لا أقدر أن أمد رجلي فيه ، فأقمت أياماً ، فأنا ليلة في حبسي على تلك الحال إذ بالأبواب تفتح فقلت : تذكرني فأراد قتلي ! وسمعت كلام الخدم فارتعت لذلك ، ففُتح علي الباب وأنا

١٤٧

أتشهد فقيل لي : هذه السيدة يعنون الخيزران ، فخرجت فإذا بها واقفة على الباب ، فقالت : إن هذا الرجل قد خَفَتَ منذ الليلة وأحسبه قد قضى ، فتعال انظره ! فازداد جزعي وطامتي . وقالت : كما أقول ! فجئت فوجدته محول الوجه إلى الحائط ، وقد قضى ! فمضيت إلى هارون حتى أخرجته من الموضع الذي كان فيه محبوساً ، فأصبح القواد فبايعوا ، وأصبحت أدبِّر الملك » !

« وأمر الهادي ألا يُسَارَ قُدام الرشيد بحربة ، فاجتنبه الناس وتركوه ، فلم يكن أحد يجترئ أن يسلم عليه ولا يقربه ... واشتد غضبه منه وضيق عليه . قال يحيى لهارون : استأذنه في الخروج إلى الصيد فإذا خرجت فاستبعد ودافع الأيام فرفع هارون رقعة يستأذن فأذن له فمضى إلى قصر مقاتل فأقام به أربعين يوماً حتى أنكر الهادي أمره وغمه احتباسه ، وجعل يكتب إليه ويصرفه فتعلل عليه حتى تفاقم الأمر وأظهر شتمه وبسط مواليه وقواده ألسنتهم » . ( الطبري : ٦ / ٤٢٣ ، و٤٢٥ ) .

« سمعت خالصة تقول للعباس بن الفضل بن الربيع : بعث موسى إلى أمه الخيزران بأرزَّة وقال : استبطتها فأكلت منها ، فكلي منها ! قالت خالصة فقلت لها : أمسكي حتى تنظري ، فإني أخاف أن يكون فيها شئ تكرهينه ، فجاؤوا بكلب فأكل منها فتساقط لحمه ! فأرسل إليها بعد ذلك : كيف رأيت الأرزَّة ؟ فقالت : وجدتها طيبة ! فقال : لم تأكلي ، ولو أكلت لكنت قد استرحت منك » !

« قال وحدثني بعض الهاشميين : أن سبب موت الهادي أنه لما جد في خلع هارون والبيعة لابنه جعفر ، وخافت الخيزران على هارون منه ، دسَّت إليه من جواريها لما مرض من قتله بالغم والجلوس على وجهه ، ووجهت إلى يحيى بن

١٤٨

خالد : إن الرجل قد توفي ، فاجدد في أمرك ولا تقصر » ! ( الطبري : ٦ / ٤٢٢ ) . « وقد كان الهادي عزم تلك الليلة على قتله وقتل هارون الرشيد » . ( النهاية : ١٠ / ١٧١ ) .

« جاء يحيى بن خالد إلى الرشيد وهو نائم في لحاف بلا إزار ، لما توفي موسى ، فقال : قم يا أمير المؤمنين ! فقال له الرشيد : كم تروعني إعجاباً منك بخلافتي ، وأنت تعلم حالي عند هذا الرجل ، فإن بلغه هذا فما تكون حالي ؟! فقال له هذا الحراني وزير موسى وهذا خاتمه ! قال : فقعد في فراشه فقال أشر عليَّ !

قلد الرشيد يحيى بن خالد الوزارة وقال له : قد قلدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك ، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب واستعمل من رأيت واعزل من رأيت ، وأمض الأمور على ما ترى ودفع إليه خاتمه » . ( الطبري : ٦ / ٤٤٣ ) .

وأول ما قام به هارون أنه أجبر ابن أخيه جعفر على بيعته ، وهو الذي كان أبوه أخذ له البيعة بولاية عهده ! « فلما توفى الهادي هجم خزيمة بن خازم في تلك الليلة فأخذ جعفراً من فراشه ، وكان خزيمة في خمسة آلاف من مواليه معهم السلاح ، فقال : والله لأضربن عنقك أو تخلعها ! فلما كان من الغد ركب الناس إلى باب جعفر ، فأتى به خزيمة فأقامه على باب الدار في العلو ، والأبواب مغلقة فأقبل جعفر ينادي : يا معشر المسلمين من كانت لي في عنقه بيعة فقد أحللته منها ، والخلافة لعمي هارون ، ولا حقَّ لي فيها » ! ( تاريخ الطبري : ٦ / ٤٤٣ ) .

ثم قتل هارون القائد الذي كان يمشي مع ابن أخيه ولي العهد : « وقدَّم أبا عصمة فضرب عنقه وشدَّ جمته في رأس قناة ودخل بها بغداد ، وذلك أنه كان مضى هو وجعفر بن موسى الهادي راكبين فبلغا إلى قنطرة من قناطر عيساباذ ،

١٤٩

فالتفت أبو عصمة إلى هارون فقال له : مكانك حتى يجوز ولي العهد ! فقال هارون : السمع والطاعة للأمير ! فوقف حتى جاز جعفر ، فكان هذا سبب قتل أبي عصمة » ( الطبري : ٦ / ٤٤٣ ) .

وكانت هذه الأحداث في أوائل سنة ١٧٠ هجرية ، وعمر الرشيد ٢٢ سنة . ( الطبري : ٦ / ٤٤١ ) وَحَكَمَ نحو ٢٣ سنة ، ومات سنة١٩٣ . ( الطبري : ٦ / ٥٢٨ ) .

٢ ـ الفردية المُفْرِطة عند هارون !

١ ـ يعتبر عهد هارون قمة الصعود والازدهار المادي للدولة الإسلامية حيث كانت أقوى دولة في عصرها ، في قوتها العسكرية والإقتصادية ، وفي مدنيتها ونهضة العمران والعلوم فيها . لكن ما أن أغمض الرشيد عينيه حتى بدأ عصر الضعف بالحرب بين ولديه ، ومع أن المأمون سيطر وقتل أخاه ، لكن الدولة أخذت بالإنقسام والضعف .

٢ ـ والسبب في هذا المسار النزولي أن تلك الدولة كانت تحمل بذور ضعفها في طبيعة نظامها ، وفي نمط الإدارة الذي يعمل به الخليفة وجهازه !

فقد قام نظام الخلافة على الفردية العنيفة ، واستغلال العامل الديني في اضطهاد المسلم وسلبه حقوقه ، بعيداً عن التقنين ، وعن قيم الإسلام واحترام الإنسان !

وهكذا كان مجتمع العالم كله يومذاك ، الروم والفرس والصين والهند وبقية الشعوب ، كانت أمور مجتمعاتهم ودُوَلهم تقوم على قاعدة العصبة القبلية وقانون الغلبة ، ويخضعون لنظام حكم الفرد الغالب ، والأسرة الغالبة .

١٥٠

وقد حكم هارون كغيره من أسلافه بفردية مفرطة متقلبة !

فبدأ عهده برد جميل أمه ويحيى عليه ، فكان ينفذ رغباتها في إدارة الدولة ، وجعل البرمكي رئيس وزرائه وقال له : « قلدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب ، واستعمل من رأيت واعزل من رأيت ، وأمض الأمور على ما ترى . ودفع إليه خاتمه » . ( الطبري : ٦ / ٤٤٣ ) .

لكن فردية هارون كانت متغيرة ، والعناصر الثابتة في تفكيره وقراراته قليلة ، والعناصر الدخيلة في إقناعه كثيرة !

٣ ـ قال خليفة بن خياط في تاريخه / ٣٨٢ : « مات موسى وعلى شرطه عبد الله بن مالك فأقره هارون ، ثم عزله . وولى عبد الله بن خازم بن خزيمة ، ثم عزله . وولى إبراهيم بن عثمان بن نهيك ثم قتله وولى ابنه وهب بن إبراهيم وسماه وهب بن عثمان وطرح اسم إبراهيم ، فمات هارون وهو على شرطه .

كاتب الرسائل : إسماعيل بن صبيح من أهل حران ، وكتب له يحيى بن سليم .

الديوان والخراج والجند : أبو صالح ، فضم ذلك إلى إسماعيل بن صبيح .

الخاتم : جعفر بن محمد بن الأشعث ، ثم ولاه خراسان ، ودفع الخاتم إلى حمزة بن مالك ، ثم دفعه إلى أبي العباس الطوسي ، فمات أبو العباس فصار الخاتم إلى يحيى بن خالد بن برمك ، ثم صار إلى جعفر بن يحيى ، ثم رده إلى يحيى بن خالد ، ثم صار في يد أمير المؤمنين هارون .

١٥١

الحرس : جعفر بن محمد بن الأشعث ، ثم عبد الله بن مالك ، ثم علي بن عيسى بن ماهان ، ثم صير الحرس إلى جعفر بن يحيى بن خالد فولى جعفر صالح بن شيخ بن عمير ، ثم ولى جعفر هرثمة بن أعين فأقره هارون .

حاجبه : بشر بن ميمون مولاه ثم محمد بن خالد بن برمك ثم الفضل بن الربيع .

وكان وزيره وصاحب أمره كله : يحيى بن خالد بن برمك . ثم ابنه جعفر بن يحيى ، ثم قتله فصار الفضل بن الربيع » .

وهناك شخصيات عديدة لها تأثير على هارون ، ابتداء من أخواته وأبنائه وبناته وجواريه ، الى وزراء وثق بهم مثل : يعقوب بن داود ، وعلي بن يقطين ، وجعفر بن محمد بن الأشعث ، وأبي يوسف القاضي ، وغيرهم .

٤ ـ يتوقف فهم تاريخنا الإسلامي على فهم الفردية المفرطة للخلفاء ! فلكي نفهم مثلاً سجن الإمام الكاظم عليه‌السلام وقتله ، يجب أن تعرف تصور هارون للأمر ، ثم هل أثَّر عليه أحدٌ من وزرائه ومشاوريه وأقنعه بذلك !

ولتقريب الموضوع : فقد ثار العلويون على موسى الهادي في مكة ، فقمع ثورتهم وقتل قائدهم وحبس بعضهم ، وكان مسؤول حبسهم في عهد هارون رئيس وزرائه جعفر بن يحيى البرمكي ، فكتب أحد المسجونين رسالة شديدة للرشيد ، وهو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي عليهما‌السلام ، فغضب عليه الوزير وقتله : « قدمه جعفر بن يحيى فضرب عنقه وغسل رأسه وجعله في منديل ، وأهداه إلى الرشيد مع هدايا فقبلها وقدمت إليه ، فلما نظر إلى الرأس أفظعه فقال له : ويحك لم فعلت هذا ؟ قال : لإقدامه على ما كتب به إلى أمير

١٥٢

المؤمنين وبسط يده ولسانه بما بسطهما ! قال : ويحك فقتلك إياه بغير أمري أعظم من فعله ! ثم أمر بغسله ودفنه . فلما كان من أمره ما كان في أمر جعفر ( أمر بقتله ) قال لمسرور : إذا أردت قتله فقل له : هذا بعبد الله بن الحسن بن عمي ، الذي قتلته بغير أمري ! فقالها مسرور عند قتله إياه » ! ( مقاتل الطالبيين / ٣٢٨ ، و٣٦٥ ) .

فهارون يرى أنه صاحب الحق المطلق في الحكم لأنه ابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعلويون أبناء عمه ، فلا يحق لأي مسؤول في الدولة حتى رئيس وزرائه أن يتصرف معهم إلا بأمره ! وإن خالف فمن حق الخليفة أن يقتص منه !

٣ ـ خليفة يتفنن في تقصيب المسلمين حتى آخر ساعة !

١ ـ كان هارون عدوانياً دموياً ، وكان يقتل أحياناً بيده ! « العباس بن الأرقط كان مقداماً لَسِناً ، مات في حبس هارون ، يكنى أبا الفضل ، قالوا : إن الرشيد قتله بيده » ( المجدي في الأنساب / ١٤٤ ) . وقيل بني عليه جدار وهو حي ! ( اللباب / ٤١٤ ) .

٢ ـ روى ابن كثير في النهاية ( ١٠ / ٢٠٧ ) أنه كانت لجعفر البرمكي جارية مغنية إسمها دنانير ، فطلبها منه هارون فلم يعطها ، فلما قتله أخذها وأحضرها في مجلس شرابه وطلب منها أن تغني فرفضت : « فوثب إليها الرشيد وأخذ العود من يدها وأقبل يضرب به وجهها ورأسها حتى تكسر وأقبلت الدماء ، وتطايرت الجواري من حولها ، وحملت من بين يديه فماتت بعد ثلاث » !

٣ ـ جئ بكاتب البرمكي : « فأخرج الرشيد سيفاً من تحت فراشه وأمر أن تضرب عنقه فضرب عنقه فسبق السيف الدم ، وأمر بصلب جثته ! ( الطبري : ٦ / ٤٩٢ ) .

١٥٣

٤ ـ قبض على يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ، فأمر أن يلقى في بركة فيها سباع قد جُوِّعت ، فأمسكت عن أكله ! « فبني عليه ركن بالجص والحجر وهو حي » . ( شرح إحقاق الحق : ١٩ / ٦١٣ ، وينابيع المودة : ٣ / ٢٣١ ) .

٥ ـ وكان خليفة المسلمين في الساعات الأخيرة من عمره مشغولاً بمرضه ، وبمكائد أولاده من حوله ، لكنه لم ينس أن يتفنن في تقتيل من خالفه من المسلمين وأن يحضر القصاب ليقصبهم أمامه ! فقد كان رافع بن الليث بن نصر بن سيار ، حاكماً على سمرقند وبخارى فخلع طاعة هارون ، فوجه اليه جيشاً . ( الطبري : ٦ / ٥٥٣ ، واليعقوبي : ٢ / ٤٢٥ ) وقبض على أخيه وأقاربه ، وكان أخوه عابداً منصرفاً عن الدنيا ، فقتلهم الرشيد أسوأ قتلة . ومات الرشيد فتصالح أخوه رافع مع المأمون وأبقاه على ولايته ! ( تاريخ خليفة / ٣٨٢ ) .

قال ابن جامع كما في الطبري ( ٦ / ٥٢٥ ) : « كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخ رافع قال فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع ، وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه ، قال : فسمعته يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، ونظر إلى أخ رافع فقال : أما والله يا ابن اللخناء إني لأرجو أن لا يفوتني خامل ، يريد رافعاً ، كما لم تفتني !

فقال له : يا أمير المؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي ، فافعل ما يحب الله أكن لك سلماً ، ولعل الله أن يليِّن لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ ، فغضب وقال : والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت : أقتلوه !

١٥٤

ثم دعا بقصاب فقال : لا تشحذ مُداك أتركها على حالها ( لا تَسِنّ سكاكينك ) ، وفصل هذا الفاسق وعجل لا يحضرن أجلي وعضوان من أعضائه في جسمه !

ففصله حتى جعله أشلاء ، فقال : عُدَّ أعضاءه ! فعددت له أعضاءه فإذا هي أربعة عشر عضواً ... ثم أغمي عليه وتفرق من حضره » !

وقال الذهبي في تاريخه : ١٣ / ١٤ : « وقدم بأخ رافع على الرشيد فسبه ، ودعا بقصاب وقال : فصِّلْ أعضاءه ففصله » !

وروى القاضي التنوخي في الفرج بعد الشدة ( ٢ / ٢٥٧ ) : « أحضر هارون أخ رافع وقرابته الذين كانوا معه وقال : أيَتَوَهَّمُ رافع أنه يغلبني ! والله لو كان معه عدد نجوم السماء لألتقطهم واحداً بعد واحداً حتى أقتلهم عن آخرهم ! فقال الرجل : الله الله يا أمير المؤمنين فإن الله تعالى يعلم وأهل خراسان أني برئ من أخي منذ عشرين سنة ، ملازم مسجدي ، فاتق الله تعالى فيَّ وفى هذا الرجل !

فقال له قطع الله لسانك ، فسكت ! فقال أخوه الثالث : أنت والله منذ كذا وكذا تدعو الله تعالى بالشهادة ، فرزقتها على يدي أشر خلقه !

وأخذت في الإعتذار فاغتاظ الرشيد وقال : عليَّ بجزارين ، فقال له قرابتي : يا هارون إفعل ما شئت فإنا نرجو أن نكون نحن وأنت بين يدي الله تعالى في أقرب مدة ، فتعلم كيف يكون حالك ! فصاح وأمر الجزارين بهما فقطعا عضواً عضواً ! فوالله ما فرغ منهما حتى توفيَ الرشيد » !

٦ ـ « وذكر بعضهم أن جبريل بن بختيشوع كان غلط على الرشيد في علته في علاج عالجه به كان سبب منيته ، فكان الرشيد همَّ ليلة مات بقتله وأن يفصِّله كما

١٥٥

فصَّل أخا رافع ! ودعا بجبريل بن بختيشوع ليفعل ذلك به فقال له : أنظرني إلى غد يا أمير المؤمنين فإنك ستصبح في عافية فمات في ذلك اليوم » ! ( الطبري : ٦ / ٥٢٧ ) .

٤ ـ أولاده يتجسسون عليه ويستعجلون موته !

قال الناصبي المحب للأمويين والعباسيين ابن كثير في النهاية : ١٠ / ٢٢٤ : « شكا الرشيد في أثناء الطريق إلى بعض أمرائه جفاء بنيه الثلاثة الذين جعلهم ولاة العهد من بعده ، وأراه داءً في جسده وقال : إن لكل واحد من الأمين والمأمون والقاسم عندي عيناً عليَّ ، وهم يعدُّون أنفاسي ، ويتمنون انقضاء أيامي » !

وقال ابن الأثير في الكامل : ٦ / ٢٢٢ : « فلما قدم بكر بن المعتمر طوس بلغ هارون قدومه فدعا به وسأله عن سبب قدومه فقال : بعثني الأمين لآتيه بخبرك ! قال : فهل معك كتاب ؟ قال : لا . فأمر بما معه ففتش فلم يصيبوا شيئاً ، فأمر به فضرب فلم يقر بشئ ، فحبسه وقيده ، ثم أمر الفضل بن الربيع بتقريره ، فإن أقر وإلا ضرب عنقه ! فقرره فلم يقر بشئ ، ثم غشي على الرشيد فصاح النساء ، فأمسك الفضل عن قتله » !

وكان ابن المعتمر يحمل أوامر ورسائل من الأمين لاستلام الخزائن التي حملها معه هارون في سفره ، وقال عنها الطبري ( ٦ / ٥٢٥ ) : « وافى هارون جرجان في صفر فوافاه بالخزائن علي بن عيسى على ألف بعير وخمس مائة بعير ، ثم رحل من جرجان فيما ذكر في صفر وهو عليل إلى طوس ، فلم يزل بها إلى أن توفي » !

١٥٦

وفي الفرج بعد الشدة ( ٢ / ٢٥٧ ) : « جلس الرشيد مجلساً عاماً في مضرب خز أسود استدارته أربع مائة ذراع ، وقبابه مغشاة بخز أسود ، وهو جالس في فازة خز أسود في وسط المضرب ، والعمد كلها سود وقد جعل مكان الحديد فضة ، والأوتاد والحبال كلها سود ، وعليه جبة خز سوداء وعليه فنك ( نوع من الفرو ) قد استشعره ( لبسه ) لما هو فيه من شدة البرد والعلة ، وفوقها دراعة خز أسود مبطنة بفنك ، وقلنسوة طويلة ، وعمامة خز سوداء ، وهو عليل لما به ، وخلف الرشيد خادم يمسكه لئلا يميل ببدنه ، والفضل بن الربيع جالس بين يديه .. فقال الرشيد بصوت : قَنِّبُوه ( إربطوه بحبال القنب ، وهو بكر بن المعتمر رسول الأمين ) فنُحِّيَ بكر وجئ بالقنب وقُنب من قرنه إلى قدمه ! قال بكر : فأيقنت بالقتل ويئست من نفسي وعملت على الإقرار » ! ولكن مات هارون وصرخت النساء !

٥ ـ خليفة المسلمين يغني ويرقص ويشرب ويسكر !

١ ـ قال ابن كثير وهو المتعصب للأمويين والعباسيين ، في النهاية : ١٠ / ٢٣٨ : « كان في دار الرشيد من الجواري والحظايا وخدمهن ، وخدم زوجته وأخواته ، أربعة آلاف جارية ، وإنهن حضرن يوماً بين يديه ، فغنته المطربات منهن فطرب جداً ، وأمر بمال فنثر عليهن . وكان مبلغ ما حصل لكل واحدة منهن ثلاثة آلاف درهم في ذلك اليوم ، رواه ابن عساكر أيضاً .. الخ . » !

٢ ـ كان هارون مدمناً على الخمر والغناء مع وزيره جعفر وأخته عباسة ، فقد روى الطبري : ٦ / ٤٨٩ ، والذهبي في سيره : ٩ / ٦٦ ، أنه « كان لايصبر عن جعفر وعن

١٥٧

أخته عباسة بنت المهدي وكان يُحضرهما إذا جلس للشرب ، وذلك بعد أن أعلم جعفراً قلة صبره عنه وعنها ، وقال لجعفر أزوجكها ليحل لك النظر إليها إذا أحضرتها مجلسي ، وتقدم إليه ألا يمسها ولا يكون منه شئ مما يكون للرجل إلى زوجته ! فزوجها منه على ذلك فكان يحضرهما مجلسه إذا جلس للشرب ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما ، فيثملان من الشراب وهما شابان فيقوم إليها جعفر فيجامعها ، فحملت منه وولدت غلاماً ، فخافت على نفسها من الرشيد إن علم بذلك ، فوجهت بالمولود مع حواضن له من مماليكها إلى مكة » !

٣ ـ روى الذهبي في سيره : ١٠ / ١٨٧ ، وتاريخه : ١٢ / ١٠٢ ، أنه أخذ وزيره جعفر البرمكي الى إحدى حجر قصره ، وكان فيها عُلية المغنية أخت الرشيد ، فغنتهما فطربا ورقصا معاً ، قال : « فطربت والله ثم غنت فرقصنا معاً » . والأغاني : ٣ / ١٣١ ، ونهاية الأرب : ٢ / ٩٨٠ ، وتذكرة ابن حمدون : ٣ / ٨٣ .

٤ ـ وفي الأغاني : ١٠ / ١٩٠ : « زار الرشيد عُلية فقال لها : بالله يا أختي غنيني ، فأطرب الرشيد وشرب عليه بقية يومه » . « قال مسرور الخادم : خرج الجلساء والمغنون من عند الرشيد فقال لي : قد تشوقت أختي عُلية فامض فجئني بها ، وقل لها بحياتي عليك إلا طيبت عيشي بحضورك ! فجاءت فأومأ إليها أن تجلس على السرير معه » . ( أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم للصولي / ٣٢ ) .

٥ ـ وفي العقد الفريد : ٦ / ٤٥ : « فطرب الرشيد طرباً شديداً وقال لجلسائه : هل منكم أحد يجيز هذه الأبيات بمثلهن » .

١٥٨

٦ ـ وفي الوافي : ١٨ / ١٠٢ : « غنى دحمان الأشقر الرشيد صوتاً فأطربه واستعاده مراراً ثم قال له احتكم ، فقال : غالب والريان ! وهما ضيعتان بالمدينة غلتهما أربعون ألف دينار ، فأمر له بهما » !

٧ ـ وفي الأغاني : ١٠ / ١٨٠ : « كنت يوماً بين يدي الرشيد وعنده أخوه منصور وهما يشربان ، فدخلت إليه خلوب جارية لعُلية ومعها كأسان فغنتهما قائمة فشربا .. خرجت عُلية وأم جعفر معها زهاء ألفي جارية ، وكلهن في لحن واحد هزج صنعتة علية ، فطرب الرشيد وقام على رجليه وقال : يا مسرور لا تبقين في بيت المال درهماً إلا نثرته » !

٨ ـ وفي الأغاني : ٦ / ١٩٩ : « كان أول صوت غناه إبراهيم هذا الصوت .. فأصاب وأحسن كل الإحسان ، وشرب عليه الرشيد واستعاده حتى سكر ، وأمر لإبراهيم بعشرة آلاف درهم ، وعشرة خواتيم ، وعشر خلع » !

٩ ـ وكان إسماعيل المغني الأموي حلف أن لا يغني لأحد : « فقال له الرشيد كأني قد نشطت برؤيتك لشرب قدح ، فشرب وسقاه ، ثم أمر فأخرج جوار يغنين وضربت ستارة ، وأمر بسقيه فلما شرب أخذ الرشيد العود من يد جارية ووضعه في حجر إسماعيل ، وجعل في عنق العود سبحة فيها عشر درات اشتراها بثلاثين ألف دينار ! وقال غنِّ يا إسماعيل وكفِّر عن يمينك بثمن هذه السبحة ، فاندفع يغني بشعر الوليد بن يزيد في عالية أخت عمر بن عبد العزيز » ! ( تاريخ دمشق : ٨ / ٤١١ ) .

١٠ ـ وفي الأغاني : ١٨ / ٣٥٠ ، أن مخارق غناه فطرب وشرب رطلاً ، ثم استعاده فطرب وشرب رطلاً ، ثم استعاده فطرب وشرب رطلاً وأعطاه ضيعة !

١٥٩

١١ ـ وروى الطبري ( ٦ / ٥٢٥ ) عن طبيب هارون قال : « كنت أول من يدخل عليه في كل غداة فأتعرف حاله في ليلته ، فإن كان أنكر شيئاً وصفه ، ثم ينبسط فيحدثني بحديث جواريه ، وما عمل في مجلسه ومقدار شربه ، وساعات جلوسه ، ثم يسألني عن أخبار العامة وأحوالها » ! ( الطبري : ٦ / ٥٢٥ ) .

١٢ ـ وكان يحدث الناس بتفاهاته مع جواريه ! قال ابن عبد ربه في العقد الفريد : ٣ / ٤٣ : « أخبرنا أبو الطيب الكاتب أن أمير المؤمنين هارون الرشيد كان ليلة بين جاريتين مدنية وكوفية ، فجعلت الكوفية تغمز يديه والمدنية تغمز رجليه فجعلت المدنية ترتفع إلى فخذيه ، حتى ضربت بيدها إلى متاعه وحركته حتى أنعظ ، فقالت لها الكوفية : ويحك نحن شركاؤك في البضاعة ، وأراك قد انفردت دوننا برأس المال وجدك فأديليني منه ! قال فقالت المدنية : حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ، أنه قال : من أحيا مواتاً فهو له ولعقبه ! قال : فاستغلتها الكوفية ودفعتها ثم أخذته بيديها جميعاً وقالت : حدثنا الأعمش عن خيثمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الصيد لمن صاده لا لمن أثاره » !

وجعلوه في الفقه حديثاً مسنداً واستدلوا به ! ( نصب الراية للزيلعي : ٦ / ٢٦٥ ) . ونسبه بعضهم الى الفضل بن الربيع وأنه حدث به الرشيد ! ( لسان الميزان : ٢ / ٢٥٣ ، وثمرات الأوراق / ٧ ، واللطف واللطائف / ٢٧ ، والأغاني : ١٦ / ٣٧٣ ، والمرقصات للأندلسي / ٤٦ ) .

١٣ ـ وتحدث هارون عن قصصه مع جواريه : « هجر جارية له ثم لقيها في بعض الليالي في القصر سكرى تدور في جوانب القصر ، وعليها مطرف خز ، وهي تسحب أذيالها من التيه والعجب ، وسقط رداؤها عن منكبيها والريح أبان

١٦٠