الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

الشيخ علي الكوراني العاملي

الامام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد

المؤلف:

الشيخ علي الكوراني العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

٤ ـ الإمام الكاظم عليه‌السلام حامي بغداد

فقد قال زكريا بن آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري للإمام الرضا عليه‌السلام : « إني أريد الخروج عن أهل بيتي ( يقصد أهل قم ) فقد كثر السفهاء فيهم ! فقال له الإمام الرضا عليه‌السلام : لا تفعل فإن الله يدفع البلاء بك عن أهل قم ، كما يدفع البلاء عن أهل بغداد بقبر موسى بن جعفر عليه‌السلام » ( رواه المفيد رحمه‌الله في الإختصاص / ٨٧ ، بسند موثق ، واختيار معرفة الرجال : ٢ / ٨٥٧ ، ورجال الكشي / ٤٩٦ ، وتاريخ الكوفة / ٢٢٨ ، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي : ٨ / ٢٨٣ ، ورجال الطوسي : ٢ / ٨٥٨ ) .

وفي كامل الزيارات / ٥٠٠ : « عن علي بن الحكم ، عن رحيم قال قلت للرضا عليه‌السلام : إن زيارة قبر أبي الحسن عليه‌السلام ببغداد علينا فيها مشقة ، فما لمن زاره ؟ فقال له : مثل ما لمن أتى قبر الحسين عليه‌السلام من الثواب . قال : دخل رجل فسلم عليه وجلس وذكر بغداد ورداءة أهلها ، وما يتوقع أن ينزل بهم من الخسف والصيحة والصواعق ، وعدَّد من ذلك أشياء قال : فقمت لأخرج فسمعت أبا الحسن عليه‌السلام وهو يقول : أما أبو الحسن فلا » .

أقول : الظاهر سقوط الواو من الرواية ، وأن الأصل : أما وأبو الحسن ، فلا . أي أما وقبر أبي الحسن عليه‌السلام موجود ، فلا يصيب بغداد خسف أو صواعق !

وقد أخذ بعضهم ذلك ووضعه للمحاملي : « قال محمد بن الإسكاف : رأيت في النوم كأن قائلاً يقول : إن الله ليدفع عن أهل بغداد البلاء بالمحاملي» ! ( سير الذهبي : ١٥ / ٢٦٠ ) وسبب قولنا إنهم أخذوه ونسبوه الى المحاملي لأنه توفي سنة ٣٣٠ ( سير الذهبي : ١٥ / ٢٨٤ ) ، أي بعد قرن ونصف من وفاة الإمام الكاظم عليه‌السلام .

١٠١

٥ ـ زيارة قبر الإمام الكاظم عليه‌السلام دواء مجرب

قال الإمام الشافعي كلمته المشهورة في زيارة قبر الإمام الكاظم عليه‌السلام : إنه الترياق المجرب ( كرامات الأولياء للسجاعي / ٦ ) لكن بعضهم أخذ ذلك ووصف به قبر معروف الكرخي ! قال الخطيب في تاريخ بغداد : ١ / ١٣٤ : « سمعت أبا علي الصفار يقول : سمعت إبراهيم الحربي يقول : قبر معروف الترياق المجرب » .

والحربي هذا كابلي نسب الى محلة الحربية ببغداد ( تاريخ بغداد : ٦ / ٢٨ ) ، وقد توفي سنة ٢٨٥ ، أي بعد أكثر من قرن من وفاة الإمام الكاظم عليه‌السلام ( تاريخ بغداد : ٦ / ٣٨ ) .

كما روى في تاريخ بغداد : ١ / ١٣٤ ، عن : « عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري قال سمعت أبي يقول : قبر معروف الكرخي مجرب لقضاء الحوائج »

والزهري هذا محمد بن غلام الزهري المتوفى سنة ٣٨٠ ، أي بعد قرنين من شهادة الإمام الكاظم عليه‌السلام ! ( سير الذهبي : ١٦ / ٤٣٧ ) .

١٠٢

الفصل الخامس

الإمام الكاظم عليه‌السلام والمهدي العباسي

١ ـ أخبر الإمام عليه‌السلام عن قرب موت المنصور

كان موكب الخليفة المنصور في طريقه إلى الحج سنة ١٥٨ ، فأخبر الإمام الكاظم عليه‌السلام بأنه سيموت قبل أن يصل الى مكة ، وقال : لا والله لا يرى بيت الله أبداً !

قال أبو حمزة الثمالي : « فلما نزل بئر ميمون أتيت أبا الحسن عليه‌السلام فوجدته في المحراب ، قد سجد فأطال السجود ثم رفع رأسه إليَّ فقال : أخرج فانظر ما يقول الناس ! فخرجت فسمعت الواعية على أبي جعفر ، فرجعت فأخبرته فقال : الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبداً » ! ( قرب الإسناد / ٣٣٧ ) .

وبايعوا ابنه المهدي بعده : «والمهدي إذ ذاك ببغداد ، فأقام بعد قدوم منارة ( غلامه ) يومين لم يظهر الخبر ، ثم خطب الناس يوم الخميس ونعى لهم المنصور وبويع بيعة العامة ، وذلك في سنة ثمان وخمسين ومائة » . ( تاريخ بغداد : ٣ / ٩ ) .

٢ ـ فروقات شخصية المهدي عن أبيه المنصور

(١)

كان المنصور مخضرماً بين الفقر والغنى ، فقد عاش في بادية الأردن حيث يسكن أبوه مبعداً عن دمشق من الخليفة الأموي ، وكان يأتي الى المدينة فيخدم

١٠٣

الحسنيين ، ويأخذ بركاب محمد بن عبد الله بن الحسن الذي ادعوا له المهدية !

وتوسط الحسنيون له عند عامل الأهواز فوظفه عاملاً على خراج قرية أمه ( إيذه ) ، فسكن المنصور فيها ، ثم كسر الخراج كما تقدم فسجنوه ، وهرب من السجن ، واشتغل فترة في طلب العلم والفقه .. الخ .

أما ابنه المهدي فكان مترفاً ، فقد ولد في إيذه أو إيذج ، ونشأ عند أخواله في جو فارسي ، وكان يتجاهر بشرب الخمر ومجالس الغناء بعكس أبيه !

وقد اعترف الذهبي وهو المتعصب لبني أمية والعباس بأن المهدي العباسي كغيره من خلفائهم منهمكٌ في شهواته !

قال في تاريخه ( ١٠ / ٤٤٤ ) : « والمهدي كغيره من عموم الخلائف والملوك ، له ما لهم وعليه ما عليهم ، كان منهمكاً في اللذات واللهو والعبيد » .

وتدل وفاته على ترفه ، فقد ذهب للصيد الى منطقة ماسبذان الجبلية في إيران ، ومعه موكبه من الصيادين والندماء والمغنين والجواري ، فطارد غزالاً فدخل في خربة والكلاب وراءه ، ودخل فرسه وراء الغزال فضرب رأسه بعتبة باب الخربة فمات على الفور ! ( تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٤٠٠ ، والطبري : ٦ / ٣٩٢ ) .

وتقع ماسبذان وقرية الرذ قرب إيلام بين بغداد وهمدان : « ومات المهدي بالرذ من ماسبذان لثمان بقين من المحرم سنة تسع وستين ومائة ... وكان عمره ثلاثاً وأربعين سنة ، وخلافته عشر سنين وشهر وخمسة أيام » . ( تاريخ بغداد : ٣ / ١٨ ) .

(٢)

لم يكن المهدي مقتنعاً بسياسة أبيه المنصور في تعظيم أبي بكر وعمر والترضي

١٠٤

عنهما في صلاة الجمعة ، ففي أخبار السيد الحميري / ١٧٦ ، والأغاني : ٧ / ٢٦٣ ، ( وطبعة : ٢ / ٢٩٠ ) : « جلس المهدي يوماً يعطي قريشاً صلاتٍ لهم وهو ولي عهد ، فبدأ ببني هاشم ثم بسائر قريش ، فجاء السيد ( الحميري ) فرفع إلى الربيع رقعة مختومة ، وقال إن فيها نصيحة للأمير فأوصلها إليه ، فأوصلها فإذا فيها :

قُل لابن عَبّاسٍ سَمِيِّ محمدٍ

لا تُعْطِينّ بني عَدِيّ درهَما

إِحْرِمْ بني تَيْم بن مُرّةَ إنهم

شرُّ البريّة آخراً ومُقَدَّما

إن تُعْطِهمْ لا يشكروا لك نعمةً

ويكافئوك بأن تُذَمّ وتُشْتما

وإنِ ائتمنتهمُ أو استعملتَهم

خانوك واتّخذوا خَراجك مَغْنما

ولئن منعتَهمُ لقد بدأوكمُ

بالمَنْع إذ ملكوا وكانوا أظلما

منعوا تُراثَ محمدٍ أعمامَه

وابنَيْهِ وابنتَه عَدِيلةَ مَرْيما

وتأمّروا من غير أن يُسْتَخْلَفوا

وكفى بما فعلوا هنالك مَأْثَما

لم يشكروا لمحمد إنعامَه

أفيشكرون لغيره إن أنْعما

واللهُ منّ عليهمُ بمحمد

وهداهمُ وَكَسا الجُنوبَ وأطْعما

ثم انبَروْا لوصيِّه ووليّه

بالمُنْكَرات فجرَّعوه العَلْقَما

وهي قصيدة طويلة ، حذف باقيها لقبح ما فيه . قال : فرمى بها إلى أبي عبيد الله ثم قال اقطع العطاء فقطعه ! وانصرف الناس ودخل السيد إليه فلما رآه ضحك وقال : قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل ! ولم يعطهم شيئاً » !

وكان يخالف أتباع أبي بكر وعمر ويوافق أهل البيت عليهم‌السلام فيجهر بالبسملة !

١٠٥

« صلى بنا المهدي صلاة المغرب فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، قال فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا ؟ فقال : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس أن رسول الله (ص) جهر ببسم الله الرحمن الرحيم » ! ( تاريخ دمشق : ٥٣ / ٤١٢ ) .

(٣)

كان لعلي بن يقطين رحمه‌الله تأثير كبير على المهدي العباسي ، فقد وضعه المنصور في حجر يقطين : « فنشأ المهدي وعلي بن يقطين كأنهما أخوان ، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي استوزر علي بن يقطين وقدمه وجعله على ديوان الزمام وديوان البسر والخاتم ، فلم يزل في يده حتى توفى المهدي وأفضى الأمر إلى الهادي فأقره على وزارته ولم يشرك معه أحداً من أمره ، إلى أن توفي الهادي » ( ذيل تاريخ بغداد : ٤ / ٢٠٢ ) .

« وكان علي بن يقطين والحسن بن راشد يغلبان على أموره » ( تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٤٠٠ ) .

وكان علي بن يقطين شخصية كفوءة ، وشيعياً جلداً ، أما الحسن بن راشد فيظهر أنه معاونه ، وأنه أكبر منه سناً لأنه يروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام كثيراً ، ويروي عنه حفيده يحيى بن القاسم . ويأتي ذكره في ترتيب الخيزران خدماً لقبر الحسين عليه‌السلام . راجع : فهرست الشيخ الطوسي / ١٠٦ ، ورجال ابن الغضائري / ٤٩ ، ومعجم السيد الخوئي : ٥ / ٣١٢ ، وأعيان الشيعة : ٥ / ٧١ .

(٤)

خالف المهدي أباه في سياسته المالية ، فقد كان المنصور بخيلاً طماعاً جمَّاعاً للمال حتى سموه أبا الدوانق ! فلما تولى المهدي أخرج خزائن أبيه وقناطير ذهبه وأنفقها ! « لما حصلت في يد المهدي الخزائن والأموال وذخائر المنصور ، أخذ في

١٠٦

رد المظالم ، وأخرج ما في الخزائن ففرقه حتى أكثر من ذلك ، وبر أهله وأقرباءه ومواليه وذوي الحرمة به ، وأخرج لأهل بيته أرزاقاً لكل واحد منهم في كل شهر خمس مائة درهم ، لكل رجل ستة آلاف درهم في السنة ، وأخرج لهم في الأقسام لكل رجل عشرة ألف درهم ، وزاد بعضهم » .

« جمع من الأموال ما لايعبر عنه ، وكان مسيكاً ( بخيلاً ) » ( الذهبي في تاريخه : ١٠ / ٤٣٨ )

(٥)

خفض المهدي قليلاً قرار أبيه بإبادة العلويين ، وتقدم أنه تقزز من وصية أبيه له بالغرفة المخروطية التي جمع فيها رؤوس العلويين ، وأمر بدفنها . ولكنه ظل يبغضهم ويعتبرهم أخطر أعداء العباسيين !

ويدل على ذلك تعامله مع الإمام الكاظم عليه‌السلام ، كما سترى .

ويدل عليه موقفه من وصية القاسم بن مجاشع التميمي وكان من نقباء بني العباس وكبار ولاتهم ( الطبري : ٦ / ٣٥ ) فلما توفي : « أوصى إلى المهدي فكتب : شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، إن الدين عند الله الإسلام إلى آخر الآية .. ثم كتب : والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك ويشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأن علي بن أبي طالب وصي رسول الله ووارث الإمامة بعده . قال : فعرضت الوصية على المهدي فلما بلغ هذا الموضع رمى بها ولم ينظر فيها » ! ( تاريخ الطبري : ٦ / ٣٩٧ ) .

ويدل عليه : تعامله مع شريك النخعي ، وكان من كبار الفقهاء ، فقد دعاه المهدي ليكون قاضي قضاة الخلافة فقال : « لا أصلُحُ لذلك . قال : ولَم ذلك ؟

١٠٧

قال : لأني نسَّاءٌ . قال : عليك بمضغِ اللُّبان . قال : إني حَدِيدٌ ( عصبي ) قال : قد فرض لك أمير المؤمنين فالُوذَجةَ توقرك ( تهدئ أعصابك ) . قال : إني امرُؤ أقضي على الوارد والصادرِ ( بدون تمييز ) ! قال : إقضِ عليَّ وعلى والدي ! قال : فاكفِني حاشِيتَك . قال : قد فعلتُ .

فكانت أول رُقْعة وردت عليه من خالصة جاريةُ المهدي ، فجاءت لتتقدَّم الخصْم فقال : وراءَك مع خصْمِك ، مِراراً فأبَتْ . فقال : وراءكِ يالخَنْاءُ !

قالت : يا شيخُ أنت أحمقُ ! قال : قد أخْبرتُ مولاك فأبى عَلي ! فجاءت إلى المهدي تشكو إليه ، فقال لها : إلْزميِ بيتَكِ ولا تعْرضي له » !

وفي العقد الفريد : ١ / ١٤٧ : « كان بين شريك القاضي والربيع حاجب المهدي معارضة ، فكان الربيع يحمل عليه المهدي ( يحركه عليه ) فلا يلتفت إليه ، حتى رأى المهدي في منامه شريكاً القاضي مصروفاً وجهه عنه ، فلما استيقظ من نومه دعا الربيع وقص عليه رؤياه ، فقال : يا أمير المؤمنين إن شريكاً مخالف لك وإنه فاطمي محض ! قال المهدي : عليَّ به فلما دخل عليه قال له : يا شريك بلغني أنك فاطمي ! قال له شريك : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون غير فاطمي إلا أن تعني فاطمة بنت كسرى !

قال : ولكني أعني فاطمة بنت محمد (ص) . قال : أفتلعنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : معاذ الله . قال : فماذا تقول فيما يلعنها ؟ قال : عليه لعنة الله ، قال : فالعن هذا يعني الربيع ، فإنه يلعنها فعليه لعنة الله ! قال الربيع : لا والله يا أمير المؤمنين ما ألعنها ! قال له شريك : يا ماجن فما ذكرك لسيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين ، في

١٠٨

مجالس الرجال ؟! قال المهدي : دعني من هذا ، فإني رأيتك في منامي كأن وجهك مصروف عني وقفاك إليَّ ، وما ذلك إلا بخلافك علي ! ورأيت في منامي كأني أقتل زنديقاً ! قال شريك : إن رؤياك يا أمير المؤمنين ليست برؤيا يوسف الصديق صلوات الله على محمد وعليه ، وإن الدماء لا تستحل بالأحلام ، وإن علامة الزندقة بينة ! قال : وما هي قال : شرب الخمر والرشا في الحكم ومهر البغي . قال : صدقت والله أبا عبد الله . أنت والله خير من الذي حملني عليك » !

« ودخل على المهدي فقال له : يا شريكُ بلغني أنَّك فاطميُّ ! فقال : أتحبُّ فاطمةَ ، أعثرَ الله من لا يحبُّ فاطمةَ ! فقال المهدي : آمين . فلما خرج شريكٌ قال المهديُّ لمن عنده : لَعنهُ الله ما أظنُّهُ إلا عَنَاني !

وقال له يوماً : أيُّنا أشرفُ ، نحن أم ولدُ عليَّ ؟ فقال شريك : أمك مثلُ فاطمة حتى تُساويُهم في الشَّرف ؟! » . ( نثر الدر للآبي : ٢ / ٣٨٦ ) .

« ذُكر معاوية بن أبي سفيان عنده ووُصف بالحلم فقال شريك : ليس بحليم من سفه الحق ، وقاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه » . ( وفيات الأعيان : ٢ / ٤٦٥ ) .

وفي تاريخ دمشق : ٥٣ / ٤٢٢ : « قال أبو يوسف القاضي للمهدي : يا أمير المؤمنين إن شريكاً لا يرى الصلاة خلفك ! فأرسل إليه المهدي فأحضره ، قال فقال له : ما تقول في أبي يوسف ؟ قال : من أبو يوسف يا أمير المؤمنين ؟ قال : يعقوب . قال : ومن يعقوب يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا . قال : تسأل عنه فإن كان عدلاً جازت شهادته . قال فقال له المهدي : ما تقول أنت فيه ؟ قال : أعرفه وأعرف أباه ، وكان أبوه غلاماً عندنا بالكوفة ينتمي إلى العرب ، وليس من العرب !

١٠٩

قال فغضب المهدي قال فقال : يا بن الفاعلة بالزنا ! قال فقال له شريك : مه مه فما علمتها إلا صوامة قوامة ! قال فقال له المهدي : يا زنديق والله لأقتلنك !

قال فجعل شريك يضحك ويقول ها ها ! قال : وكان شريك جهوري الصوت وقال : يا أمير المؤمنين إن للزنادقة علامات : شربهم النبيذ ، واتخاذهم القينات ووقوفهم عن الجماعات . قال : فأطرق المهدي وقام شريك فانصرف » . وفي تاريخ بغداد : ٩ / ٢٩٤ : «إن للزنادقة علامات ، تركهم الجماعات ، وشربهم القهوات وتخلفهم عن الجماعات ! فقال المهدي يا أبا عبد الله لم نعنك بهذا » !

« قال : ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال : ما قال فيه جدك العباس وعبد الله . قال : وما قالا فيه ؟ قال : أما العباس فمات وعلي عنده أفضل الصحابة وقد كان يرى كبراء المهاجرين يسألونه عما ينزل من النوازل ، وما احتاج إلى أحد حتى لحق بالله . وأما عبد الله فإنه كان يضرب بين يديه بسيفين ، وكان في حروبه رأساً متبعاً وقائداً مطاعاً ، فلو كانت إمامة علي جوراً لكان أول من يقعد عنها أبوك لعلمه بدين الله ، وفقهه في أحكام الله ! فسكت المهدي وأطرق ، ولم يمض بعد هذا المجلس إلا قليل حتى عزل شريكاً » ! ( وفيات الأعيان : ٢ / ٤٦٢ ) .

(٦)

لم يهتم المهدي العباسي بمشروع أبيه فيه وزعمه أنه المهدي الموعود على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وقد ألقى المنصور بثقله لإنجاح هذا المشروع فبنى له قصر الرصافة وأقام فيه احتفالاً تاريخياً ومجلساً شرعياً ، وأحضر الفقهاء والقضاة فبايعوه بولاية العهد ، وشهدوا بأنه هو المهدي المنتظر !

١١٠

ففي الأغاني : ١٣ / ٣١٣ : « عن الفضل بن إياس الهذلي الكوفي أن المنصور كان يريد البيعة للمهدي ، وكان ابنه جعفر يعترض عليه في ذلك ، فأمر بإحضار الناس فحضروا ، وقامت الخطباء فتكلموا ، وقالت الشعراء فأكثروا في وصف المهدي وفضائله وفيهم مطيع بن إياس ، فلما فرغ من كلامه الخطباء وإنشاده في الشعراء قال للمنصور : يا أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : المهدي منا محمد بن عبد الله وأمه من غيرنا ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً ، وهذا العباس بن محمد أخوك يشهد على ذلك !

ثم أقبل على العباس فقال له : أنشدك الله هل سمعت هذا ؟ فقال : نعم ، مخافةً من المنصور ! فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهدي !

قال : ولما انقضى المجلس وكان العباس بن محمد لم يأنس به ، قال : أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على الله عز وجل ورسوله حتى استشهدني على كذبه ، فشهدت له خوفاً ، وشهد كل من حضر عليَّ بأني كاذب !

وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر ، وكان مطيع منقطعاً إليه يخدمه فخافه وطرده عن خدمته ! قال وكان جعفر ماجناً فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه وشقت عليه البيعة لمحمد فأخرج ( ... آلته ) ثم قال : إن كان أخي محمد هو المهدي ، فهذا القائم من آل محمد » ! راجع : الطبري : ٦ / ٢٦٩ ، واليعقوبي : ٢ / ٣٩٥ ، والمعارف / ٣٧٩ ، والنهاية : ١٠ / ١١١ ، وشذرات الذهب : ١ / ٢١٩ ، وعبر الذهبي : ١ / ٢٠٧ ، وتاريخ دمشق : ٤٨ / ٩ .

وقد اعترف هارون بكذبة جده المنصور ! قال سليمان بن إسحاق العباسي : « كنت يوماً عند الرشيد فذُكر المهدي وما ذكر من عدله فأطنب في ذلك ، فقال الرشيد :

١١١

أحسبكم تحسبون أبي المهدي ! حدثني عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب أن النبي (ص) قال له : يا عم ، يملك من ولدي إثنا عشر خليفة ، ثم تكون أمور كريهة شديدة عظيمة ، ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثم يخرج الدجال » . ( إعلام الورى / ٣٦٥ وطبعة : ٢ / ١٦٥ ، وقصص الأنبياء / ٣٦٩ ، ومناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٢٩٢ ، والعدد القوية / ٨٩ ، وفرائد السمطين : ٢ / ٣٢٩ ) .

ومن العجيب في الموضوع موقف المهدي العباسي نفسه ، حيث لم يكترث بادعاء أبيه له ! ولم نجد عنه كلمة يزعم فيها أنه المهدي أو يؤيد ادعاء أبيه !

٣ ـ رووا هم أن المهدي العباسي ليس بمهدي !

روى الطبراني بسند موثق ( المعجم الأوسط : ٦ / ٢٩٧ ) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عمه العباس بملك أولاده ، وقال له : « يا عباس إنه لا يكون نبوة إلا كانت بعدها خلافة . وسيلي من ولدك في آخر الزمان سبع عشرة ، منهم السفاح ، ومنهم المنصور ، ومنهم المهدي وليس بمهدي ، ومنهم الجموح ، ومنهم العاقب ، ومنهم الواهن ، وويل لأمتي منه كيف يعقرها ويهلكها ... » ومجمع الزوائد : ٥ / ١٨٧ .

وكان المنصور يعلم أنه كاذب في ادعائه أن ابنه المهدي ! لأنه كان يروي أن المهدي من ولد أبي طالب ! قال سيف بن عميرة ( الكافي : ٨ / ٢٠٩ ) : «كنت عند أبي الدوانيق فسمعته يقول ابتداءً من نفسه : يا سيف بن عميرة : لابد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ! قلت : يرويه أحد من الناس ؟ قال : والذي نفسي

١١٢

بيده لسمعتْ أذني منه يقول : لابد من مناد ينادي باسم رجل قلت : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط ! فقال لي : يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا ! قلت : أي بني عمكم ؟ قال : رجل من ولد فاطمة عليها‌السلام .ثم قال : يا سيف لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقوله ، ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي » ! ومثله الإرشاد / ٣٥٨ ، وغيبة الطوسي / ٢٦٥ ، والخرائج : ٣ / ١١٥٧ ، وإثبات الهداة : ٣ / ٧٢٥ .

وسبب يقين المنصور بكلام الإمام الباقر عليه‌السلام ، أنه رأى صدق ما أخبره به عن المستقبل ، وأنه سوف يحكم !

ومهما يكن ، فإن الواقع كذب أن ابن المنصور هو المهدي ، فلم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ولا بيته ! بل زاد الأرض ظلماً وجوراً ! ولم يعط المال للناس حثياً بدون عد ، بل صادر أموالهم وزادهم فقراً !

ثم كان خماراً مغرماً بمجالس الرقص والغناء ، فأنجب للمسلمين بنتاً مغنية ضرابة عود هي عُلَيِّة العباسية ، وأنجب أخاها المغني إبراهيم بن المهدي « قال ابن الفضل بن الربيع : ما اجتمع أخ وأخت أحسن غناء من إبراهيم بن المهدي وأخته علية » . ( سير الذهبي : ١٠ / ٥٦١ ) .

« وكانت علية بنت المهدي تهوى غلاماً خادماً اسمه طل ، فحلف الرشيد أن لا تكلمه ولا تذكره في شعرها ، فاطلع الرشيد يوماً عليها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة : فإن لم يصبها وابل فالذي نهى عنه أمير المؤمنين » ! ( المستطرف : ١ / ١٠٠ ) .

لكن الذهبي قال فيها : « رخيمة الصوت ذات عفة وتقوى ومناقب » ! ( سيره : ١٠ / ١٨٧ ) .

١١٣

كما أنجب المهدي عباسة عشيقة جعفر البرمكي ، وكان أخوها هارون : «لا يصبر عن جعفر وأخته عباسة وكان يحضرهما مجلس الشراب فيقوم هو فقال : أزوجكها على أن لا تمسها ! قال : فكانا يثملان ويذهب الرشيد ويثب جعفر عليها فولدت منه غلاماً» ! ( الطبري : ٤ / ٦٦٠ ، وسير الذهبي : ٩ / ٦٦ ) .

وقال أعرابي للمهدي : « إني هجين ! قال : ليس يضرك ذاك ، فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن » ! و ( تاريخ الذهبي : ١٠ / ٤٤٢ ) .

« وكان المهدي يحب الحمام ويشتهيها ، فأدخل عليه غياث بن إبراهيم فقيل له حدث أمير المؤمنين ، فحدثه بحديث أبي هريرة : لا سبق إلا في حافر أو نصل وزاد فيه : ( أو جناح ) فأمر له المهدي بعشرة آلاف !

قال : فلما قام قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله (ص) ، وإنما استجلبت ذاك أنا » . ( تاريخ بغداد : ١٢ / ٣٢٠ وميزان الإعتدال : ٣ / ٣٣٧ ، ولسان الميزان : ٤ / ٤٢٢ ) .

٤ ـ كان المهدي يخاف من زوجته الخيزران !

تتوقف معرفة شخصية المهدي وولديه موسى الهادي وهارون الرشيد ، على معرفة شخصية زوجته الخيزران ! وهي امرأة يمانية من مدينة جرش في اليمن قرب نجران ، من قبيلة حِمْيَر ، وليست من جرش في الأردن قرب عمان ( معجم البلدان : ٢ / ١٢٦ ) واسمها أروى بنت منصور . ( الطبري : ٦ / ٣٤١ )

١١٤

قال في المنتظم : ٨ / ٣٤٦ : « لما عرضت الخيزران على المهدي قال لها : والله يا جارية إنك لعلى غاية التمني ، ولكنك حمشة الساقين ! فقالت : يا مولانا أحوج ما تكون إليهما لا تراهما ! فقال : إشتروها ، فحظيت عنده فأولدها موسى وهارون » !

وقال الجاحظ في المحاسن والأضداد / ٧٠ : « كانت الخيزران لرجل من ثقيف ، فقالت لمولاها الثقفي : إني رأيت رؤيا . قال : وما هي ؟ قالت : رأيت كأن القمر خرج من قُبلي وكأن الشمس خرجت من دبري ! قال لها : لست من جواري مثلي أنت تلدين خليفتين ! فقدم بها مكة فباعها في الرقيق فاشتريت ، وعرضت على المنصور فقال : من أين أنت ؟ قالت : المولد مكة والمنشأ بجرش . قال : فلك أحد ؟ قالت : ما لي أحد إلا الله ، وما ولدت أمي غيري ! قال : يا غلام إذهب بها إلى المهدي وقل له : تصلح للولد ، فأتى بها المهدي فوقعت منه كل موقع ، فلما ولدت موسى وهارون قالت : إن لي أهل بيت بجرش ، قال : ومن لك ؟ قالت : لي أختان اسمهما أسماء وسلسل ولي أم وأخوان . فكتب فأتى بهم ، فتزوج جعفر بن المنصور سلسل فولدت منه زبيدة واسمها سكينة تزوجها الرشيد . وبقيت أسماء بكراً فقال المهدي للخيزوان : قد ولدت رجلين وقد بايعت لهما ، وما أحب أن تبقيْ أمة ، وأحب أن أعتقك وتخرجين إلى مكة ، وتقدمين فأتزوجك .

قالت : الصواب رأيت ، فأعتقها وخرجت إلى مكة ، فتزوج المهدي أختها أسماء ومهرها ألف ألف درهم ! فلما أحس بقدوم الخيزران استقبلها ، فقالت : ما خبر أسماء وكم وهبت لها ؟ قال : من أسماء ؟ قالت : امرأتك . قال : أما إذا علمت فقد مهرتها ألف ألف درهم ، ووهبت لها ألف ألف درهم ، ثم تزوج الخيزران » .

١١٥

وذكر اليعقوبي ( ٢ / ٣٩٩ ) أن المنصور ولى يزيد بن منصور خال المهدي على اليمن ، وأن المهدي ولاه مع ابنه الهادي على بغداد سنة مئة ستين ( ابن خلدون : ٣ / ٢٠٩ )

وذكر الطبري ( ٦ / ٣٧٩ ) أن يزيداً هذا توفي فولى ابنه منصوراً مكانه .

وكانت الخيزران قوية على زوجها المهدي ، ففي تاريخ بغداد : ١٤ / ٤٣١ : « عن الواقدي قال : دخلت يوماً إلى المهدي فدعا بمحبرته ودفتره ، وكتب عني أشياء حدثته بها ثم نهض وقال : كن مكانك حتى أعود إليك ودخل إلى دار الحرم ، ثم خرج متنكراً ممتلئاً غيظاً ! فلما جلس قلت : يا أمير المؤمنين خرجت على خلاف الحال التي دخلت عليها ؟ فقال : نعم ! دخلت على الخيزران فوثبت عليَّ ومدت يدها إليَّ وخرقت ثوبي ، وقالت : يا قشاش وأي خير رأيت منك ؟ وإنما اشتريتها من نخاس ، ورأت مني ما رأت وعقدت لابنيها ولاية العهد ! ويحك فأنا قشاش ؟ قال فقلت : يا أمير المؤمنين قال رسول الله (ص) إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام ! وقال : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي . وقال : خلقت المرأة من ضلع أعوج إن قومته كسرته . وحدثته في هذا الباب بكل ما حضرني ، فسكن غضبه وأسفر وجهه ، وأمر لي بألفي دينار ، وقال : أصلح بهذه من حالك وانصرفت . فلما وصلت إلى منزلي وافاني رسول الخيزران فقال : تقرأ عليك ستي السلام وتقول لك : يا عمي قد سمعت جميع ما كلمت به أمير المؤمنين فأحسن الله جزاءك ، وهذه ألفا دينار إلا عشرة دنانير ، بعثت بها إليك لأني لا أحب أن أساوي صلة أمير المؤمنين ، ووجهت إليَّ بأثواب » ! وتاريخ دمشق : ٥٣ / ٤٢٥ .

١١٦

وقال الذهبي في تاريخه : ١٠ / ٤٠ : « هلك الخليفة موسى الهادي من قرحة أصابته في جوفه ، وقيل سمته أمه الخيزران لما أجمع على قتل أخيه الرشيد . وكانت أيضاً حاكمة مستبدة بالأمور الكبار فمنعها ، وقد كانت المواكب تغدو إلى بابها ، فردهم عن ذلك وكلمها بكلام فج ، وقال : إن وقف بدارك أمير لأضر بن عنقه ، أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو سبحة ؟!

فقامت ما تعقل من الغضب ، فقيل إنه بعث إليها بطعام مسموم ! فأطعمت منه كلباً فانتثر ! فعملت على قتله لما وُعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه ، وكان يريد إهلاك الرشيد ليولي العهد ولده وهو صغير له عشر سنين .. وكانت خلافته سنة وربع ، وعاش ستاً وعشرين سنة » .

وروى الطبري في تاريخه : ٦ / ٤٢١ ، تفاصيل كثيرة في الصراع على السلطة بين موسى الهادي وأخيه الرشيد وأمهما خيزران ، وفيها أن موسى اتهم الخيزران بعبد الله بن مالك وأراد قتلها ، وعندما قتلته قالت ليحيى ين خالد : « إن الرجل قد توفي ، فاجدد في أمرك ولا تقصر » أي رتب الأمر للرشيد ، فرتبه وكان هو رئيس وزرائه ! وكان ذلك في سنة ١٧٠ ، وعاشت خيزران الى سنة ١٧٣ . ( تاريخ الذهبي : ١١ / ١٠٩ ) .

٥ ـ لم تكن الخيزران ناصبية كزوجها وولديها !

يدل على ذلك أنها وظفت مسؤولاً يخدم قبر الإمام الحسين عليه‌السلام وزواره ! وأن الإمام الكاظم عليه‌السلام أرسل لها رسالة يعزيها بموت موسى ويهنيها بتولي هارون !

١١٧

فقد منع المنصور بعد ثورة الحسنيين زيارة قبر الحسين عليه‌السلام في كربلاء ، وأمر والي الكوفة عيسى بن موسى أن يخرب القبر : « كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها » ! لكن الشيعة واصلوا زيارته . ( أمالي الطوسي / ٣٢١ ) .

وتجاوبت معهم الخيزران فرتبت بدون علم زوجها قيِّماً وخدماً لقبر الحسين عليه‌السلام ، وأمرت الوزير الشيعي الحسن بن راشد أن يجري عليهم راتباً شهرياً !

فقد روى الطبري في تاريخه : ٦ / ٥٣٦ ، وفي طبعة : ٥ / ٢١ ، عن : « القاسم بن يحيى قال : بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير ( أي كربلاء ) قال فأتيَ بهم ، فنظر إليه الحسن بن راشد وقال : ما لك ؟ قال بعث إليَّ هذا الرجل يعني الرشيد فأحضرني ، ولست آمنه على نفسي ! قال له : فإذا دخلت عليه فسألك فقل له : الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع ! فلما دخل عليه قال هذا القول ، قال : ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن ، أحضروه ! قال فلما حضر قال : ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير ؟ قال : رحم الله من صيره في الحير ، أمرتني أم موسى ( الخيزران ) أن أصيره فيه وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً ! فقال : ردوه إلى الحير وأجروا عليه ما أجرته أم موسى » !

والحسن بن راشد معاون علي بن يقطين . ( تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٤٠١ ) .

١١٨

٦ ـ كتب الإمام الكاظم عليه‌السلام رسالة الى الخيزان

في قرب الإسناد للحميري القمي / ٣٠٦ : « محمد بن عيسى ، عن بعض من ذكره ، أنه كتب أبو الحسن موسى عليه‌السلام إلى الخيزران يعزيها بموسى ابنها ويهنؤها بهارون ابنها : بسم الله الرحمن الرحيم . للخيزران أم أمير المؤمنين من موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، أما بعد : أصلحك الله وأمتع بك ، وأكرمك وحفظك ، وأتم النعمة والعافية في الدنيا والآخرة لك برحمته . ثم إن الأمور أطال الله بقاءك كلها بيد الله عز وجل يمضيها ويقدرها بقدرته فيها والسلطان عليها ، توكل بحفظ ماضيها وتمام باقيها ، فلا مقدم لما أخر منها ولا مؤخر لما قدم ، استأثر بالبقاء وخلق خلقه للفناء ، وأسكنهم دنيا سريع زوالها قليل بقاؤها ، وجعل لهم مرجعاً إلى دار لا زوال لها ولا فناء ، وكتب الموت على جميع خلقه ، وجعلهم أسوة فيه ، عدلاً منه عليهم عزيزاً ، وقدرة منه عليهم ، لا مدفع لأحد منه ولا محيص له عنه ، حتى يجمع الله تبارك وتعالى بذلك إلى دار البقاء خلقه ، ويرث به أرضه ومن عليها ، وإليه يرجعون .

بلغنا أطال الله بقاءك ما كان من قضاء الله الغالب ، في وفاة أمير المؤمنين موسى وإنا لله وإنا إليه راجعون ، إعظاماً لمصيبته وإجلالاً لرزئه وفقده ، ثم إنا لله وإنا إليه راجعون ، صبراً لأمر الله عز وجل وتسليماً لقضائه ... ونسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك ، وأن يحسن عقباك ، وأن يعوضك من المصيبة أفضل ما وعد الصابرين ... وأسأل الله أن يهنيك خلافة أمير المؤمنين أمتع الله به ... وأن يمتعك وإيانا خاصة والمسلمين عامة بأمير المؤمنين ، حتى نبلغ به أفضل الأمل فيه ...

١١٩

إن رأيت أطال الله بقاءك أن تكتبي إلي بخبرك في خاصة نفسك ، وحال جزيل هذه المصيبة وسلوتك عنها ، فعلت ، فإني بذلك مهتمٌّ إلى ما جاءني من خبرك وحالك فيه متطلع ، أتم الله لك أفضل ما عودك من نعمه ، واصطنع عندك من كرامته ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته . وكتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبعين ومائة » .

أقول : مات موسى الهادي في نصف ربيع الأول ( الطبري : ٦ / ٤٢٨ ) فتكون رسالة الإمام عليه‌السلام لخيزران بعد موته بثلاثة أسابيع . ومع أن الحميري رحمه‌الله تفرد بالرسالة وروايته مرسلة ، إلا أنها ممكنة الصحة ، فقد كانت الخيزران مركز القوة في الخلافة العباسية ، فخاطبها الإمام عليه‌السلام بليونة كما يخاطب الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام جبابرة عصورهم !

ويبدو أن إنفاقها على قيِّم وخدام قبر الإمام الحسين عليه‌السلام كان واحداً من سياستها الإيجابية مع الإمام عليه‌السلام وشيعته ، وقد تكون لها إيجابيات أخرى ، وتكون أرسلت اليه مبعوثين ورسائل .

وقد علق المجلسي رحمه‌الله في البحار ( ٤٨ / ١٣٥ ) على هذه الرسالة بقوله : « أنظر إلى شدة التقية في زمانه عليه‌السلام حتى أحوجته إلى أن يكتب مثل هذا الكتاب لموت كافر لا يؤمن بيوم الحساب ، فهذا يفتح لك من التقية كل باب » !

١٢٠