مفاهيم القرآن - ج ٦

الشيخ جعفر السبحاني

مفاهيم القرآن - ج ٦

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٢
ISBN: 964-357-222-6
الصفحات: ٥٢٧

العيوب في الزمن المستقبل.

هذا إذا فسّر السلام بمعنى ذي السلامة ، وأمّا لو فسّر بكونه معطي السلامة كما هو أحد الاحتمالين فالفرق بينه وبين القدّوس واضح ، فالقدّوس صفة ذات ، والسلام صفة فعل ، ولا يبعد هذا المعنى بملاحظة ما ورد من الايات حول « السلام » وهو سبحانه « يدعو إلى دار السلام » و « لهم دار السلام » فالله سبحانه هو معطي السلامة.

وأمّا حظّ العباد من هذا الاسم فله أن يطلب سلامة الدين والدنيا ويتجنّب عن العيوب.

قال سبحانه : ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ) ( الأنعام / ١٢٠ ). ويكون ذا قلب سليم.

قال سبحانه : ( إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) ( الشعراء / ٨٩ ).

٢٨١
٢٨٢

حرف الشين

التاسع والستون : « الشاكر »

قد ورد لفظ « الشاكر » في الذكر الحكيم مفرداً أربع مرات ووقع اسماً له سبحانه في موردين قال : ( وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ) ( البقرة / ١٥٨ ) وقال : ( مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ) ( النساء / ١٤٧ ).

وأمّا « الشكور » فقد جاء في الذكر الحكيم ١٢ مرّة ووقع اسماً له سبحانه في موارد.

قال سبحانه : ( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( فاطر / ٣٠ ).

وقال سبحانه : ( إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ) ( فاطر / ٣٤ ).

وقال سبحانه : ( وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ) ( الشورى / ٢٣ ).

وقال سبحانه : ( إِن تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ) ( التغابن / ١٧ ).

ترى أنّه استعمل تارة مع اسم « غفور » واُخرى مع « حليم » وهذا يعرب عن صلة بينهما وبين « الشكور » ، وأمّا معناه فقد ذكر ابن فارس له اُصولاً أربعة نكتفي بذكر المعنى الأوّل فإنّه المناسب لهذا الاسم.

قال : الشكر الثناء على الإنسان بمعروف يوليكه ، ويقال إنّ حقيقة الشكر

٢٨٣

الرضا باليسير ، يقولون : فرس « شكور » إذا كفاه لسمنه العلف القليل. وقال الراغب : الشكر تصوّر النعمة واظهارها ، قيل وهو مقلوب الكشر أي الكشف ويضادّه الكفر وهو نسيان النعمة وسترها ، ودابّة شكور : مظهرة بسمنها اسداء صاحبها إليها ، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم ، وإذا وصف الله بالشكر فإنّما يعني به انعامه على عباده وجزاءه بما أقاموه من العبادة ، يقال ناقة شكرة : ممتلئة الضرع من اللبن.

أقول : إذا كان الشكر بمعنى عرفان الاحسان فما معنى توصيفه بأنّه « شاكر » أو « شكور » وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم ؟

وبعبارة اُخرى : إذا كان الشكر هو الثناء على المحسن فما معنى ثناؤه سبحانه على المحسن ولا محسن سواه ؟

وبعبارة اُخرى : إذا كان الشكر هو مقابلة من أحسن اليه بالاحسان ، فكيف يصدق هذا في حقّه سبحانه فمن الذي يحسن اليه ؟ ولو اُحسن اليه بشيء ، فهو ملكه لا ملك المُحسِن ، ولأجل ذلك ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ تسميته بكونه شاكراً أو شكوراً من باب المجاز ، والمراد مجازاة الشاكر بالثواب فهو سبحانه يقبل شكر الشاكر بالجزاء عليه.

قال الصدوق : إنّه سبحانه لمّا كان مجازياً للمطيعين على طاعتهم جعل مجازاتهم شكراً لهم على المجاز كما سمّيت مكافأة المنعم شكراً (١).

ويمكن أن يقال : إنّ الاستعمال من باب الحقيقة استلهاماً من قوله سبحانه : ( إِن تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ).

فكما أنّ نسبة الإستقراض عليه بنوع من التوسع فهكذا توصيفه سبحانه بكونه شاكراً أو شكوراً به أيضاً.

__________________

(١) توحيد الصدوق : ص ٢١٦.

٢٨٤

قال العلاّمة الطباطبائي : والله سبحانه وإن كان محسناً قديم الإحسان ومنه كل الاحسان لا يد لأحد عنده ، حتى يستوجبه الشكر ، إلاّ أنّه جلّ ثناؤه عدّ الأعمال الصالحة التي هي في الحقيقة احسانه إلى عباده ، احساناً من العبد إليه ، فجازاه بالشكر والاحسان وهو احسان على احسان.

قال تعالى : ( هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ ) ( الرحمن / ٦٠ ).

وقال تعالى : ( إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ) ( الإنسان / ٢٢ ).

فاطلاق الشاكر عليه تعالى على حقيقة معنى الكلمة من غير مجاز (١).

السبعون : الشكور

قد تبيّن معناه ممّا قدّمناه في تفسير اسم « الشاكر ».

الواحد والسبعون : « شديد العقاب »

وقد ورد ذلك الاسم المركّب في الذكر الحكيم ١٤ مرّة ووقع في الجميع وصفاً له سبحانه ، ويستعمل تارة مجرداً عن سائر الأسماء مثل قوله : ( وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( البقرة / ١٩٦ ) ، واُخرى مقترناً باسم القوي ، قال سبحانه : ( فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الأنفال / ٥٢ ) ولولا كونه قوياً لما قدر على العذاب الشديد. وثالثة مقترناً باسمي « غفور » و « رحيم » مثل قوله : ( اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( المائدة / ٩٨ ). فله سبحانه تجلّيات كل في موضعه ، وفي دعاء الافتتاح :

وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة.

__________________

(١) الميزان : ج ١ ، ص ٣٩٢ ، وكونه على الحقيقة انّما هو بعد التنزيل كما في الاستقراض.

٢٨٥

ورابعة مع عدّة من الصفات مثل قوله سبحانه : ( غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ) ( غافر / ٣ ). وعلى كلّ تقدير فكونه شديد العقاب ، من قبيل الوصف بحال المتعلّق ، فالشديد هو عذابه ، كما ورد في عدّة من الآيات ، قال سبحانه : ( سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ ) ( الأنعام / ١٢٤ ).

الثاني والسبعون : « شديد العذاب »

وقد ورد في القرآن مرّة واحدة وقع وصفاً له سبحانه قال : ( أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) ( البقرة / ١٦٥ ). وهو متّحد مع الاسم السابق معنى ، ومختلف لفظاً.

الثالث والسبعون : « شديد المحال »

وقد ورد في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له ، قال سبحانه : ( وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ ) ( الرعد / ١٣ ).

وهل المحال ، من « محل » (١) يقال : محل به محلاً ومحالاً : إذا أراد بسوء ، والميم ليست زائدة أو من « حول » (٢) أو « حيل » والميم زائدة ، ومعناه : الكيد. على الأوّل معناه : شديد الأخذ ، وعلى الثاني : شديد المكر ، واستعماله في حقه سبحانه من قبيل المشاكلة كما هو واضح. وحيلته سبحانه هو ما جاء في قوله : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) ( الأعراف / ١٨٢ ) وقال : ( فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ) ( القلم / ٤٤ ).

__________________

(١) كما عليه البيضاوي في تفسيره للآية.

(٢) نقل الطبرسي عن ابن جني ، ونسبه الراغب الى القيل مشعراً بضعفه.

٢٨٦

الرابع والسبعون : « الشهيد »

قد ورد لفظ « الشهيد » في الذكر الحكيم معرّفاً ومنكراً ٣٥ مرّة ووقع وصفاً له سبحانه في ٢٠ مورداً.

قال سبحانه : ( لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ ) ( آل عمران / ٩٨ ).

وقال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( الحج / ١٧ ) (١).

وأمّا معناه فقد قال ابن فارس : إنّه أصل يدلّ على حضور وعلم واعلام من ذلك : الشهادة ، والمشهد محضر الناس.

وقال الراغب : الشهود والشهادة : الحضور مع المشاهدة أمّا بالبصر أو بالبصيرة وقد يقال للحضور مفرداً ، قال : « عالم الغيب والشهادة » ، ويقال للمحضر مشهد ، وللمرأة التي يحضرها زوجها مشهد ، وجمع مشهد مشاهد ومنه مشاهد الحج وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس.

أقول : الظاهر انّ الشهادة موضوعة للحضور وافادتها العلم ، لأنّها تلازمه ويدلّ على ذلك قوله سبحانه : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) ( الحجّ / ٢٨ ). و ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا ) ( النور / ٢ ). ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) ( الفرقان / ٧٢ ).

فمعنى كونه سبحانه « شهيداً » على كل شيء أنّه لا يخفى على الله منه شيء كما صرّح وقال : ( فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ) ( طه / ٧ ) ومع ذلك لأنّه ليس بينه وبين

__________________

(١) لاحظ النساء / ٣٣ و ٧٩ و ١٦٦ ، المائدة / ١١٣ و ١١٧ ، الأنعام / ١٩ ، يونس / ٢٩ و ٤٦ ، الرعد / ٤٣ ، الإسراء / ٩٦ ، العنكبوت / ٥٢ ، الأحزاب / ٥٥ ، سبأ / ٤٧ ، فصّلت / ٥٣ ، الاحقاف / ٨ ، الفتح / ٢٨ ، المجادلة / ٦ ، البروج / ٩.

٢٨٧

خلقه حجاب ، فحقيقة الشهادة عبارة عن فقدان الحجاب بين الشاهد والمشهود واحاطته به.

وبذلك يظهر : انّ تقسيم الأشياء إلى الغيب والشهادة ، تقسيم نسبي بالنسبة إلينا ، وأمّا بالنسبة إليه فالأشياء كلّها مشهودات فلأجل ذلك يقول : ( أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) والشهادة أمر اضافي له نسبة إلى الشاهد ، ونسبة إلى المشهود ، فلو كان شهيداً على كل شيء لكان الكل مشهوداً لا غائباً.

وبذلك يظهر أنّ ما نقل عن الكفعمي أحسن من غيره حيث يقول : « هو الذي لا يغيب عنه شيء أي كأنّه الحاضر الشاهد الذي لا يعزب عنه شيء ، وكونه شاهداً لكل شيء ، فوق كونه عالماً به ، فإنّ العلم يتحقّق بحضور صورة الشيء عند العالم دون حضور نفسه ، ولكن الشهادة أقوى وأوثق من العلم ، بل المتبادر منها حضور الأشياء بوجودها الخارجي لدى الباري ، وكيف والعالم فعله سبحانه وليس فعله غائباً عن ذاته ».

وهذا أولى ممّا نقل عن الغزالي وقال : يرجع معنى الشهادة إلى العلم مع خصوص اضافة فإنّه عالم الغيب والشهادة ، والغيب عبارة عمّا يطلب ، والشهادة عمّا ظهر وهو شاهد كليهما ، فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم ، وإذا اُضيف إلى الغير والامُور الباطنة فهو الخبير ، وإذا اُضيف إلى الاُمور الظاهرة فهو شهيد ، وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد منه.

هذا والأولى ما ذكرنا من أنّ توصيفه سبحانه بكونه عالماً للغيب والشهادة بملاك كونه شهيداً على كل شيء وعدم غيبوبة شيء عن ذاته بملاك آخر.

وإلى ما ذكرنا صرّح بعض المحقّقين وقال : « إنّ الشاهد المدرك يرى ما لا يرى الغائب ، والحاضر المعاين المطّلع ، يعلم ما لا يعلمه الغائب ، وليس ذلك إلاّ لأن معلوماته كلّها حاضرة عنده ، مشاهدة معاينة مدركة له غير غائبة عنه ، ففي

٢٨٨

اطلاق هذا الاسم عليه تعالى اشارة إلى أنّ علمه عزّ وجلّ بما سواه بالمشاهدة والحضور والادراك وليس شيء مما سواه من الأزل إلى الأبد غائباً عنه بل الكل حاضر عنده.

مع أنّ شيئاً ممّا سواه ليس معه مطلقاً من الأوّل إلى الأبد ، وهذا ستر مستور. لا يعلمه إلاَّ هو ومن هو ملهم بإلهام الله تعالى شأنه ، والغيب والشهادة إنّما يكونان بالنسبة إلى المخلوقات وعليه يحمل قوله عزّ وجلّ : ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) وإلاّ فلا غيب ولا غائب عنده جلّ شأنه (١).

__________________

(١) كاشف الاسماء في شرح الاسماء الحسنى ، وقداشبعنا الكلام في الجزء الثالث عند البحث عن علم الغيب فلاحظ : ص ٣٧٧ ـ ٣٨١.

٢٨٩
٢٩٠

حرف الصاد

الخامس والسبعون : « الصمد »

قد ورد لفظ « الصمد » في الذكر الحكيم مرّة واحدة ووقع وصفاً له فيها قال سبحانه :

( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ).

قال ابن فارس : الصمد له أصلان : أحدهما القصد والآخر الصلابة في الشيء.

فالأوّل يقال صمدته صمداً ، وفلان صمد ، إذا كان سيّداً يقصد إليه في الاُمور. والله جلّ ثناؤه الصمد لأنّه يصمد إليه عباده بالدعاء والطلب.

قال الشاعر :

علوته بحسام ثمّ قلت له

خذها حذيف فأنت السيّد الصمد

وقال طرفة في المصمّد :

وإن يلتقى الحي الجميع تلاقيني

إلى ذروة البيت الرفيع المصمّد (١)

وقال الراغب : الصمد : السيّد الذي يصمد إليه في الأمر ، وقيل : الصمد : الذي ليس بأجوف.

__________________

(١) الشعر من معلقة طرفة المشهورة.

٢٩١

وقال الصدوق : الصمد معناه السيد ، وللصمد معنى ثان وهو المصمود إليه في الحوائج (١).

والظاهر انّ المعنى الثاني من فروع الأوّل ومن لوازمه ، لأنّ من لوازم كون الرجل سيّداً مطاعاً ، كونه مقصوداً ومصموداً إليه في النوائب والحوائج.

ورواه في موضع آخر عن الامام الباقر عليه‌السلام : الصمد : السيّد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه (٢).

روى الكليني عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء من التوحيد فقال : ... صمد قدّوس يعبده كلّ شيء ، ويصمد إليه كلّ شيء ، ووسع كلّ شيء علماً.

قال الكليني وهذا المعنى الذي قال عليه‌السلام : إنّ الصمد هو السيّد المصمود إليه هو معنى صحيح.

قال أبو طالب في بعض ما كان يمدح به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

وبالجمرة القصوى إذا صمدوا لها

يؤمّون رضحا رأسها بالجنادل

وقال بعض شعراء الجاهلية :

ما كنت احبّ انّ نبيّنا ظاهراً

لله في أكناف مكّة يصمد

يعني يقصد.

وقال ابن الزبير :

ما كان عمران ذاغشّ ولا حسد

ولا رهيبة إلاّ سيّد صمد

__________________

(١) التوحيد : ص ١٩٧.

(٢) التوحيد : ص ٩٠.

٢٩٢

والله عزّ وجلّ هو السيّد الصمد الذي جميع الخلق من الجن والانس إليه يصمدون في الحوائج ، وإليه يلجأون عند الشدائد ، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء ، ليدفع عنهم الشدائد (١).

وإذا كان الله تعالى هو الموجد لكلّ ذي جود ممّا سواه فيقصده كلّ ما صدق عليه أنّه شيء غيره ، ويحتاج إليه في ذاته وصفاته وآثاره ، قال تعالى : ( أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ ) ( الأعراف / ٥٤ ). وقال : ( وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ المُنتَهَىٰ ) ( النجم / ٤٢ ). فهو الصمد في كلّ حاجة في الوجود ، لا يقصد شيء شيئاً إلاّ وهو الذي ينتهي إليه قصده ، وتنجح به طلبته ، وتقضى به حاجته.

وإنّما دخلت اللام على الصمد لإفادة الحصر ، فهو تعالى وحده الصمد على الاطلاق لما عرفت من أنّه ينتهي إليه قصد كلّ قاصد ، وهو المقصود بالاصالة وغيره مقصود بالتبع.

وإنّما كرّر لفظ الجلالة وقال : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ ) ولم يقل هو الصمد ، أو لم يقل الله أحد صمد ، فلعلّه للإشارة إلى أنّ كلا من الجملتين كاف في تعريفه تعالى فالمعرفة حاصلة بكلّ واحد.

وإنّما لم يدخل اللام على « أحد » فلعلّه لأجل ادعاء أنّه لا يطلق على غيره سبحانه فليس غيره أحد فلا يحتاج إلى عهد وحصر.

والآيتان تصفانه سبحانه بصفتي الذات والفعل ، فالأحدية من صفات الذات وهي عينها ، والصمدية من صفات الفعل حيث يصفه بانتهاء كلّ شيء إليه وهو من صفات الفعل.

هذا وقد نقل العلاّمة المجلسي للفظ الصمد معاني كثيرة تناهز العشرين غير أنّ أكثرها ليست معناني متعدّدة بل يرجع إلى أنّه السيد المصمود ، وقد ذكر الصدوق

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٢٤.

٢٩٣

أيضاً في تفسير ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) معاني مختلفة بحسب الظاهر غير أنّ أكثرها يرجع إلى ما ذكرنا ، فروى عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : « الصمد » الذي قد انتهى سؤدده ، والصمد : الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصمد : الدائم الذي لم يزل ولا يزال.

وروى عن محمد بن الحنفية رضي‌الله‌عنه أنّه كان يقول : الصمد : القائم بنفسه ، الغني عن غيره ، وقال غيره : الصمد : المتعالي عن الكون والفساد.

وروى عن علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام أنّه قال : الصمد : الذي لا شريك له ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء.

وروي أيضاً عنه عليه‌السلام أنّه قال : الصمد : الذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً وأشكالاً ، وأزواجاً وتفرّد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ندّ.

ولا يخفى إنّ هذه المعاني ليست معاني لغوية للفظ الصمد ولا نرى منها أثراً في المعاجم ، وإنّما هو من لوازم كون الشخص سيداً مصموداً لكلّ شيء ، فلازم ذلك أن ينتهي سؤدده وأن لا يكون له شريك ولا يؤده حفظ شيء إلى غير ذلك مما ورد في هذه التفاسير.

نعم ربّما يفسّر بالمصمّت الذي ليس بأجوف فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يلد ولا يولد وقد ورد تفسيره به في بعض الروايات وعلى ذلك فيكون قوله : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) تفسيراً للصمد ، وهناك حديث رواه الصدوق بسنده عن الحسين بن علي عليهما‌السلام فمن أراد فليرجع إليه (١).

__________________

(١) كتاب التوحيد : باب معنى قل هو الله أحد ، الحديث ٣ ـ ٤ ـ ٥ ـ ٦ ـ ٧ ـ ٨.

٢٩٤

حرف الظاء

السادس والسبعون : « الظاهر »

وقد مرّ تفسيره عند تفسير اسم « الباطن » فراجع.

حرف العين

السابع والسبعون : « عالم الغيب والشهادة »

لم يقع لفظ « عالم » وصفاً له سبحانه في الذكر الحكيم إلاّ مضافاً تارة إلى الغيب والشهادة ، واُخرى إلى الغيب وحده ، وثالثة إلى غيب السموات والأرض ، فقد جاء « عالم الغيب والشهادة » عشر مرّات ، و « عالم الغيب » مرّتين ، و « عالم غيب السموات والأرض » مرّة واحدة ، والكلّ يشير إلى علمه الوسيع لكل شيء سواء أكان مشهوداً للناس بالأدوات الحسّيّة أو كان غائباً عنهم إمّا لامتناع وقوعه في اطار الحسّ أو لضعف الحسّ.

توضيحه : انّ الغيب يقابل الشهود فما غاب عن حواسنا وخرج عن حدودها فهو غيب سواء أكان قابلاً للإدراك بالحواسّ كالحوادث الواقعة في غابر الزمان ، والمتكوّنة حاليّاً ، الغائبة عن حواسّ المخبر ، أم كان ممّا يمتنع ادراكه بالحسّ لعدم

٢٩٥

وقوعه في اُفقه كذاته سبحانه وصفاته إلى غير ذلك من عوالم الغيب كالوحي والنبوّة فالله سبحانه عالم بالجميع من غير فرق بين المشهود وغيره (١).

قال سبحانه : ( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ المُتَعَالِ ) ( الرعد / ٩ ).

وقال سبحانه : ( قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( سبأ / ٣ ). وقال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( فاطر / ٣٨ ).

لا شك إنّ هذه الآيات بصدد حصر العلم بالغيب والشهادة له ، وهناك سؤال يطرح نفسه بل سؤالان :

١ ـ كيف يصحّ حصر « العلم » بالغيب والشهادة مع أنّ العلم بالشهادة متاح لكلّ من اُعطي واحداً من أدوات الحسّ.

٢ ـ دلّ قسم من الآيات على أنّ الأنبياء والأولياء كانوا يعلمون الغيب ويخبرون عنه ، فهذا العلم بالغيب كيف يجتمع مع حصره في الله سبحانه ؟

والجواب : إنّ ما يجري على الله سبحانه من صفات ونعوت يختلف عمّا يجري على غيره لا بمعنى انّ للعلم ـ مثلاً ـ معنيين مختلفين يجري على الواجب بمعنى وعلى الممكن بمعنى آخر فإنّ ذلك باطل بالضرورة ، ومثله الحياة والقدرة بل المراد اختلاف المحمول عند الجري على الواجب والممكن اختلافاً في كيفيّة الجري والإتّصاف ، فإنّ العلم منه واجب ، ومنه ممكن ، ومنه ذاتي ، ومنه اكتسابي ، منه مطلق ومرسل عن القيود ، ومنه مقيّد محدود ، منه ما هو عين الذات بلا تعدّد بين الوصف والموصوف ، ومنه ما هو زائد على الذات ، ومن المعلوم أنّ

__________________

(١) وقد أشبعنا الكلام في حقيقة الغيب والشهود في الجزء الثالث من هذه الموسوعة لاحظ : الفصل السادس ص ٣٧٥ ـ ٣٨٢.

٢٩٦

ما يجري على الواجب ، هو القسم الأشرف وما يجري على الممكن هو القسم الأخسّ فعند ذلك يظهر صحّة اختصاص العلم بالغيب والشهادة بالله سبحانه ، فإنّ العلم الواجب ، المطلق ، الذي هو عين الذات ، يختصّ به سبحانه ، سواء أتعلّق بالغيب أم بالشهادة وأمّا علم الغير بالشهادة فانّما هو علم ممكن لا واجب ، محدود لا مطلق ، زائد على الذات لا عينه فلا يضر ثبوته لغيره مع حصر مطلق العلم ، سواء أتعلّق بالغيب أم بالشهادة عليه سبحانه.

وقد تقدّم في الجزء الثالث عند البحث عن اختصاص العلم بالغيب بالله سبحانه ما يفيدك في هذا المقام (١).

وعلى ذلك فالعلم المختصّ بالله سبحانه إنّما هذا النوع من العلم لا غيره.

وبذلك يعلم جواب السؤال الثاني فإنّ اطّلاع الأنبياء على الغيب بإذن منه سبحانه لا يضرّ بحصر علم الغيب على الله فإنّ المحصور من العلم ، غير المشترك.

الثامن والسبعون : « عالم غيب السموات والأرض »

قال سبحانه : ( إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) ( فاطر / ٣٨ ). وقد تقدّم تفسيره في الاسم السابق.

التاسع والسبعون : « علاّم الغيوب »

وقد ورد في الذكر الحكيم أربع مرّات.

قال سبحانه : حاكياً عن المسيح : ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( المائدة / ١١٦ ).

__________________

(١) المصدر نفسه.

٢٩٧

وقال سبحانه : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( التوبة / ٧٨ ).

وقال سبحانه حاكياً عن الرسل : ( قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( المائدة / ١٠٩ ).

وقال : ( إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) ( سبأ / ٤٨ ).

وحصر هذا الاسم على الله سبحانه حصر حقيقي مضافاً إلى أنّ علم الواجب غير محدود كوجوده ، وعلم الممكن محدود ، وإنّ علم غيره سبحانه بالغيب بما أنّه يتوقّف على اذنه سبحانه وتعلّق مصلحة عليه قليل في ذاته فضلاً عن إذا قيس إلى علم الواجب بالغيب.

الثمانون : « العليم »

قد ورد لفظ « العليم » في القرآن ١٦٢ مرّة ، ووقع وصفاً له في الجميع إلاّ في الموارد التالية : ( إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) ( الأعراف / ١٠٩ ) ، ( يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ) ( الأعراف / ١١٢ ) ، ( قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ( يوسف / ٥٥ ) ، ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) ( يوسف / ٧٦ ) ، ( قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ) ( الحجر / ٥٣ ) ، ( إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ) ( الشعراء / ٣٤ ).

وأمّا في غير هذه الموارد ، فقد جاء وصفاً له سبحانه ، وقورن بالصفات التالية : الحليم ، الواسع ، السميع ، الشاكر ، القدير ، العزيز ، الخبير ، الفتّاح ، الخلاّق.

وقد وقفت على معنى العلم في البحث السابق ، وبما أنّ العلم والقدرة من أبرز الصفات الثبوتيّة وجب علينا البحث عن اُمور يرجع إلى علمه سبحانه أو إلى قدرته ، فلأجل ذلك قد أسهبنا البحث في هذين الوصفين ، وآثرنا الاختصار في غيرهما ، فنقدّم فهرس البحوث الواردة فيه مستقلاًّ.

٢٩٨

العلم

ما هو حقيقة العلم ؟

التعريف المعروف للعلم.

نقد هذا التعريف من وجوه :

أوّلاً : عدم شموله لبعض أنواع العلم.

تقسيم العلم إلى الحضوري والحصولي.

نماذج من العلم الحضوري.

أ ـ نفس الصورة العلمية.

ب ـ علم الإنسان بذاته.

ج ـ علم الإنسان بالمشاعر النفسية.

د ـ علم العلّة بمعلولها.

ثانياً : عدم شموله للمعقولات المنطقية.

نماذج من المعقولات المنطقية.

أ ـ مفهوم الإنسان الكلّي.

ب ـ مفهوم الجنس والفصل.

ثالثاً : عدم شموله للمحالات والمعدومات.

رابعاً : عدم شموله للأرقام الرياضية.

نكتة هامة ليس كلّ انعكاس علماً.

اجابة عن سؤال.

تعريف العلم بوجه آخر ( التعريف المختار ).

٢٩٩

علمه سبحانه بذاته.

الدليل الأوّل : معطي الكمال ليس فاقداً له.

الدليل الثاني : عوامل الغيبة منتفية عن ساحته سبحانه.

دليل النافين لعلمه سبحانه.

علمه سبحانه بالأشياء قبل إيجادها.

أدلّة ذلك العلم.

الدليل الأوّل : العلم بالحيثيّة الموجبة للمعلول علم به.

الدليل الثاني : بسيط الحقيقة كلّ الأشياء.

علمه سبحانه بالأشياء بعد ايجادها.

الدليل الأوّل : قيام بالاشياء بذاته لا ينفك عن علمه بها.

الدليل الثاني : سعة وجوده دليل على علمه بالأشياء.

الدليل الثالث : اتقان المصنوع آية على علم الصانع.

مراتب علمه سبحانه.

شمول علمه سبحانه للجزئيات.

أهم الأقوال في هذا المجال.

القول المختار ودلائله.

التعبير القرآني الرفيع عن سعة علمه سبحانه.

دلائل النافين لعلمه سبحانه بالجزئيات ونقدها.

٣٠٠