رحلة الصَّفار إلى فرنسا

محمّد بن عبدالله الصفار الأندلسي التطواني

رحلة الصَّفار إلى فرنسا

المؤلف:

محمّد بن عبدالله الصفار الأندلسي التطواني


المحقق: د. سوزان ميللر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-9953-36-976-3
الصفحات: ٣٢٤

مدخول فرانسا ووجوه جبايتها

وأما مدخولها فمن جهات شتى : أحدها الأرض ، فيستفاد من خراجها : مايتا مليون وخمسة وسبعون مليونا وتسعماية ألف وسبعة وتسعون ألفا وأربعماية وأربعة وثمانون. ومن غلل أراضي البيلك : ماية مليون وتسعة وعشرون مليونا وستماية وعشرة. ومن خراج الشجر ، لأنهم يعطون عليها : ثلاثون مليونا وثلاثماية ألف واثنان وأربعون مليونا وخمسماية ألف. ومن أكرية دور البيلك في سائر إقليم فرانسا : خمسة ملاين وستماية ألف وستون ألفا (١).

ومن أوجه جباياتهم الأبواب والطاقات ، فكل من فتح بابا أو طاقا يعطي عليه خراجا معلوما ، يتحصل من ذالك في العام : أحد وتسعون مليونا وأربعماية ألف وثمانية وثمانون ألفا وتسعماية وثلاثون. ومن أوجه جباياتهم وظائف تعطى على الرءوس ، يتحصل منها : سبعة وخمسون مليونا وسبعماية ألف وسبعة وثلاثون ألفا وثلاثماية وعشرة. ومن قوانينهم ، أن من أراد أن يفتح حانوتا للبيع والشراء ، فلا بد أن يعطي شيئا معلوما للبيلك ، يتحصل من هذا الوجه : سبعماية ألف وثمانية وثمانون ألفا وتسعماية وثلاثون. ومن قوانينهم أن من حل عليه خراج وتأخر دفعه له عن وقت حلوله ، فيرجونه خمسة عشر يوما ، فإن لم يدفعه فيكتبون له بطاقة يطلبون منه ذالك ويعطي على هذه البطاقة شيئا قليلا زيادة على ما عليه من الخراج كفلسين من فلوسهم. يجتمع من هذا الوجه : سبعماية ألف وثمانية وثمانون ألفا وتسعماية وثلاثون (٢).

__________________

(١) يبدو أن الصفار والترجمان الفرنسي قد ارتكبا العديد من الأخطاء عند نقلهما الأرقام المتعلقة بميزانية فرنسا. إذ بلغت المداخل الحقيقية الآتية من الأراضي التي في ملكية الدولة : ٦١٠ ، ٠٢٩ ، ١ فرنكات. والمداخيل الصحيحة الآتية من الضرائب المفروضة على الأشجار : ٥٠٠ ، ٣٤٢ ، ٣٠ فرنك ؛ وبلغت الأرقام الصحيحة للمداخيل الآتية من مكتريات ممتلكات الدولة ٠٠٠ ، ٦٠٦ ، ٥ فرنك ، ومن الضرائب على الأبواب والنوافذ : ٦٣٨ ، ٧٥١ ، ٣٣ فرنكا.

(٢) اعتقد الصفار خطأ أن مبلغ : ٩٣٠ ، ٧٨٨ فرنكا قد تم تحصليه من مصدرين اثنين مختلفين. أحدهما هو الضرائب المحصلة من كل الذين يقومون بفتح متاجر جديدة لممارسة أنشطة تجارية. والمصدر الثاني ، هو الذعائر التي كان القانون الفرنسي يفرضها على كل المتأخرين عن تسديد الواجبات الضريبية

٢٦١

ومن قوانينهم أن من اشترى عقارا ، فإنه يكتب عقده في كاغد مخصوص فيه طابع البيلك. فإن كتب في هذا الكاغد كان صحيحا ، وإن كتب في غيره كان كالعدم. ويدفع ثمن ذلك الكاغد يتحصل من هذا الوجه : مايتا مليونا وخمسة وثلاثون مليونا وثلاثماية ألف وثمانية وعشرون ألفا (١).

ومن قوانينهم أن وزراءهم وسائر حكامهم يعطونهم ديارا يسكنون فيها ، وهي للبيلك بجميع أثاثها. فيوم يتولى يدخلها برأسه ، فإذا عزل خرج كما دخل. وعند رأس كل سنة يتفقدون ما فيها من الأثاث ، فيبيعون منه ما بلي ورثّ ، ويخلفونه بالجديد لتبقى دائما بأثاثها محفوظا جديدا ، فيدخل مما يباع من ذالك : ماية مليون وثمانماية ألف وخمسة وثلاثون ألفا (٢). ويدخل من عند أشياخ الإيالات على الحرث : مليون وستمائة ألف. ويدخل من عشور السلع الداخلة لفرانسا غير السكر : ماية مليون ومليونان وتسعمائة ألف وخمسة وعشرون ألفا. ومن السكر بخصوصه : خمسون مليونا ومايتا ألف واثنان وخمسون ألفا. ويدخل من عشور الخارج مليون ومايتا ألف وأربعة وأربعون ألفا.

ومن وجوه مداخلهم ، أن كل من له مركب في البحر يعطي عليه شيئا معلوما للبيلك ، يتحصل من ذالك : مليونان وتسعماية ألف وستة عشر ألفا. ويدخل من غرامات أهل كطربنضوا (٣) : مليونان وثمانماية ألف وستة وثمانون ألفا.

وعندهم ثلاثة أشياء اختص البيلك ببيعها ، وهي : طابة والملح والبارود. فيدخل من طابة : ماية مليون وسبعة ملاين وماية ألف وستة وخمسون ألفا. ويدخل من

__________________

في الوقت المحدد لها. بينما نجد أن النص الأصلي للميزانية الفرنسية لا يتضمن سوى الإشارة إلى مبلغ واحد مصدره الوحيد هو ضريبة الإنذار الأول المعروفة بالفرنسية هكذا.Taxe du premier) (avertissement.

(١) أما المبلغ الصحيح ، فهو : ٠٠٠ ، ٣٢٨ ، ٢٥٣ فرنك ، كما هو وارد في النص الأصلي للميزانية.

(٢) والصحيح هو : ٦٠٠ ، ٨٨٥ ، ١ فرنك.

(٣) الكونتر باند (contrebande) ، والمقصود بها التهريب. غير أن هذه التفاصيل كان مصدرها هو الترجمان وليست واردة في النسخة الأصلية للميزانية التي اكتفت بالعبارة الآتية : حقوق ومواد جمركية مختلفة. (droit et produit divers de douanes)

٢٦٢

الملح : أحد وسبعون مليونا وأربعماية ألف وثمانية وثمانون ألفا. ومن البارود : خمسة ملاين ومايتا ألف وستة وتسعون ألفا. ويدخل عليهم من مكس الخمر الذي يأتي من خارخ فرانسا : ثمانية وتسعون مليونا ومايتا ألف وثلاثة وثلاثون ألفا. ويدخل عليهم من فبريكات السكر التي بفرانسا : عشرة ملاين وسبعماية ألف وأحد وسبعون ألفا. ولهم مداخيل أخرى غير هذه ، جلها المدفوع فيها شيء قليل ، ومن كثرة الدافعين يجتمع العدد الكثير.

وحاصل داخلها وخارجها على ما فسره لي الترجمان من تلك الأوراق ، أن الداخل : مليار وثلاثماية مليون وثلاثة ملاين وستماية ألف وأربعة وثمانون ألفا وماية وأربعة ثلاثون. وأن الخارج : مليار وثلاثماية مليون وسبعة وسبعون ألفا وثمانماية وتسعة وثمانون. فيفضل لهم : ثلاثة ملاين وستماية ألف وستة آلاف ومايتان وخمسة وأربعون ، انتهى.

وليس لهم بيت مال يجمعون فيه المال كما عندنا ، بل يقدرون الداخل والخارج ويسوّون بينهما أو يفضل الشيء اليسير. وإن قصر الداخل عن القيام بالخارج ، استنبطوا وجوها أخر للداخل ، حتى يكون فيه كفاية قيام بالخارج. وإن فضل من الخارج كثيرا ، أسقطوا البعض من وجوه مداخلهم. وسمعنا عنهم في هذا العام ، أنهم أسقطوا عن قبائل إيالتهم خراجا كانوا يؤدونه ، لأن مدخولهم الآن صار يفي بالخارج ويفضل منه.

ولا يستطيع رؤساء الدولة أن يخفوا شيئا من ذالك ، أو يزيدوا فيه وينقصوا منه من قبل أنفسهم. لأن أهل القمرة الصغيرة ، وهم وكلاء الرعية ، أول ما يبتدءون به في القمرة أنهم يحاسبون الدولة على الداخل والخارج في العام الفارط. ومن وجوه استنباطاتهم ، أن كل من يقبض وظيفة من عسكريين أو غيرهم ، يأخذون له من وظيفته شيئا يسيرا لا يتأثر به كواحد من ماية. ويجتمع من ذالك مال ، ويعدونه لمن حصل له عذر ومنعه من القيام بما هو مكلف به ، ويعطون لكل جنس مما أخذ من جنسه ، فإن لم تكن فيه كفاية له ، كملوا له كفايته من الخزنة.

ولا يستغرب وجود هذا المال عندهم ، فإن مالهم كثير لحرصهم على التكسب وجمع المال ، ولا اهتمام لهم إلا به. وكل وجه من وجوه مداخلهم كثير الفائدة ، من تجارة وصناعة وزراعة وغير ذالك. لأنهم يضبطون أمورهم في ذالك غاية الضبط ، حتى أن عندهم من اخترع صنعة لا يزاحمه غيره في عملها. ومن ظهرت على يده

٢٦٣

مزية في صناعة أو تجارة أو زراعة أو غيرها ، أعطوه عليها العطاء الجزيل (١).

ومن جملة استنباطاتهم في تكثير الأموال ، أنهم استحدثوا كواغيد تطبع بطابع مخصوص من عند السلطان ، مع كتابة الحاصل فيها نقش وكتابة ، وجعلوها بمنزلة سكة الدراهم والدنانير. فمنها ورقة بألف ، وأخرى بخمسماية وأقل وأكثر. ففي ساعة واحدة يستخرجون ملاين عديدة ، وتروج عندهم هذه الكواغيد كما تروج السكة ، وقد يرغب فيها أكثر من السكة ، خصوصا المسافرين لخفة حملها ورواجها في كل مكان من سلطنتهم. فيدفع ذالك الكاغد لأول صيرفي يلقاه ويصرفه له بالريال أو غيره ويدفعه في ثمن ما يشتري ، وهكذا.

وغالب تجاراتهم ومكاسبهم مشحون بالربى (٢). ومن ذالك البنكة التي هي من أعظم مكاسبهم. ومن ذالك أيضا وجه آخر يستعمله التجار فيما بينهم ، فيشتري الرجل من آخر سلعة بثمن معلوم ، ولا يدفع المشتري ثمنا ولا البائع سلعة ويضربون

__________________

(١) قارن مع جاء عند الطهطاوي في هذا الباب ، انظر : تخليص ، ص. ١٦٩ ؛ ١٧٩.L\'or ,p

(٢) في الوقت الذي كانت فيه المناقشات جارية بين العلماء حول مشروعية الفائدة ، كان التجار المغاربة ، على أرض الواقع ، يقدمون سلفات مالية ويحصلون مقابلها على رأس المال بالإضافة إلى نسبة معينة من الفائدة. غير أن الفائدة كانت تؤدى دائما بطريقة غير مباشرة ، «على شكل مبيعات وهمية للسلع بثمن يقل بكثير عن قيمتها الحقيقية في السوق ... أو بإعادة الأداء بمبالغ نقدية تختلف عن المبلغ الأصلي الذي تم اقتراضه» ، انظر :

N. Cigar," Socio ـ economic Structures", p. ٦٥; Maxime Rodinson, Islam and Capitalism) New York, ٣٧٩١ (, p. ٨١.

وانظر أيضا مادة «ربا» في : SEI ,s.v."Riba ". (المعرب) : وحين حاول المغرب الحصول لأول مرة على قرض خارجي من بريطانيا في أعقاب حزب تطوان لتسديد الغرامة الحربية لفائدة إسبانيا ، وذلك في سنة ١٨٦١ ، اعتقد المفوضون المغاربة أنهم سيحصلون على السلف دون فائدة. لكن حين أفهمهم أصحاب مؤسسة القرض بأن تسديد الفائدة أمر حتمي ، فقد تم الاتفاق بين الجانبين على عدم الإشارة بصريح العبارة إلى تلك الفائدة في نص العقد ، لأنها حرام. على أن تضاف نسبة الفائدة اللازمة إلى رأس مال السلف دون التصريح بها ، انظر خالد بن الصغير ، المغرب وبريطانيا العظمى في القرن التاسع عشر ، ١٨٥٦ ـ ١٨٨٦ ، منشورات كلية الآداب بالرباط ، ١٩٩٧ ، الطبعة الثانية ، ص. ١٩٣ ـ ٢٠٣.

٢٦٤

لذالك أجلا. فإذا مضى الأجل ، ينظر ، فإن زادت تلك السلعة دفع البائع للمشتري تلك الزيادة ، وإن نقصت دفعها المشتري للبائع. وإن لم تزد ولم تنقص فلا له ولا عليه. وحيلهم وتدبيراتهم في ذالك لا تحصى ، واستنباطاتهم لا تستقصى. (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ)(١).

وهذا ما تيسر للعبد الضعيف جمعه مع تشويش البال وتزاحم الأشغال. ولو لا مساعدة من تجب إجابته وتتحتم طاعته ، لما كدت ولا قررت أن أفعل شيئا من ذالك ، لعلمي واعترافي بعجزي عن سلوك تلك المسالك. لاكن بركة الامتثال عادت على كنافة الفكر بالانتثال. وإني أعتذر من التقصير ، وأعترف بعدم التحرير ، وأستغفر الله مما جنته يداي ، وأبصرت هناك عيناي من المناكر الشنيعة ، وسمعته أذناي من الإشراك والكفريات الفظيعة ، ومن مخالطة أهل الضلال. وأسأله سبحانه الانتظام في سلك أهل الكمال ، وإن لم يكن لي ما لهم من صالح الأعمال ، وأن يميتنا على حسن الخاتمة بجاه عين الرحمة والواسطة في كل نعمة ، سيدنا ومولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم ، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأهل بيته وحزبه وأنصاره ، وأهل ملته وشريعته ومن في سلكهم انتظم ، آمين ، وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكان الفراغ منه ، حادي عشر رمضان عام اثنين وستين ومايتين وألف (٢) ، رزقنا الله خيره ووقانا ضيره.

__________________

(١) سورة الروم ، الآية ٦.

(٢) موافق ٢ شتنبر ١٨٤٦.

٢٦٥
٢٦٦

ملاحق

٢٦٧
٢٦٨

الملحق رقم ١

رسالة من أشعاش إلى السلطان عبد الرحمن بن هشام بتاريخ ٢٠ ذي الحجة ١٢٦١ / ٢٠ دجنبر ١٨٤٥ ، أصلها محفوظ بمديرية الوثائق الملكية تحت رقم ١٧٥٧٨.

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.

مولانا السلطان الهمام ، عصمة الدين وعز الإسلام ، إمام الهدى وحسام الله المسلول على العدل المتوج بإكليل العدل والإحسان ، المقتعد بسيطة العز والأمان ، أمير المؤمنين سيدنا ومولانا عبد الرحمن. أعلا الله كلمته ، وجعل الملائكة أنصاره والملوك خدمته. وسلام الله ورحماته وبركاته على حضرة سيدنا العلية المحفوظة بالله السنية. وبعد لثم حاشية البساط الكريم وأداء الواجب لرفيع مقامه من الإجلال والتعظيم.

فليعلم سيدنا أنا وصلنا مرسى مرسيليا عند طلوع الفجر من يوم الجمعة تاسع عشر الشهر ، فنزل أولا رفيقنا الروشوا ، ثم عاد إلينا ومعه اثنان من كبرائهم. فقال ي شأن أحدهما : هذا بعثه الوزير إليكم من باريز ليلقاكم وليكون في صحبتكم حتى تصلوا إليه ، وهذا الآخر ترجمانه. وأنه كتب إلى كل من تنزلون به أو تمرون عليه أن يكونوا عند أمركم ونهيكم. وأن جلنار البلد يسلم عليكم ويطلب منكم أن تنتظروه حتى ياتيكم لينزلكم. فلما ارتفع النهار ، جاءنا الجلنار ومعه رؤساء جنده وأصحابه ، فسلم علينا وبالغ في إثناء الجميل على جناب سيدنا المنصور بالله. فأنزلنا من المركب مكرمين معظمين وانتخب لنا أحسن ما عنده من الفلائك. وعند نزولنا اهتزت المرسى بالمدافع واجتمع أهل البلد ينظرون حتى امتلأت الطرق والشوارع ، فكان يوم دخولنا يوما مشهودا.

ثم سار بنا في الأكداش وهو معنا كواحد من خدامنا ، وصفوف عسكره خيلا ورجالا بين أيدينا حتى أنزلنا بدار أعدها لنا قد فرشت بالفرش الرفيعة ، وزخرفت بالأشياء البديعة. وقال لنا هؤلاء يعني أصحابه كلهم خدم لكم مروهم بما شئتم فإنهم سامعون لكم ومطيعون ، وكل هذا قليل في جانب السلطان مولانا عبد الرحمن. وبالغوا في برنا وإكرامنا ، فأقمنا بها بقية يوم الجمعة ويوم السبت ، ومن الغد إن شاء الله نتوجه لباريز.

٢٦٩

وأما رفيقنا الروشوا فإنه تقدم أمامنا سافر صبح يوم التاريخ ، قائلا إنه لا بد له من التقدم أمامنا لما لا بد منه مما يجب لملاقاتنا ، قائلا إنه يسبق لباريز ليرد الجبل وطاء.

وليعلم سيدنا أنا والحمد لله من يوم خروجنا من تطوان لم نلق إلا خيرا ونعمة ، لم نر في البحر هولا ولا شدة ، وفعل معنا أهل المركب من الإحسان ما يجازيهم الله عنه من جنس عملهم. كل هذا والحمد لله بخدمتكم الشريفة ، ونطلب من سيدنا أن يجللنا برضاه. وعلى الخدمة الشريفة والسلام.

في ٢٠ حجة عام ١٢٦١. الخديم عبد القادر أشعاش وفقه الله.

٢٧٠

الملحق رقم ٢

رسالة عبد القادر أشعاش إلى أخيه الحاج عبد الله ، بتاريخ ١ محرم ١٩٦٢ / ٣٠ دجنبر ١٨٤٥ أصلها محفوظ بمديرية الوثائق الملكية تحت رقم ١٧٥٧.

الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

أخانا الماجد الكامل الخليفة الأسعد والأصلح والأرشد ، سيدي الحاج عبد الله أدام الله عزه وعلاه. سلام طيب كريم مصحوب بالخير الكثير العميم يعتمد مقامكم السني ويحيط جنابكم العلي ورحمة الله وبركاته ورضوانه الأعم وتحياته ، عن خير مولانا أيده الله ونصره.

وبعد فهذا كتابنا يقبل يد والدتنا ويطلب رضاها ، ويتعرف منه سلامنا على جميع أخواتنا وأولادنا وأهلينا وسائر أحبتنا. نعلمكم فيه أنا والحمد لله في نعمة شاملة ، وأنا دخلنا باريز يوم الأحد ٢٨ حجة بعد ٧ أيام من يوم خروجنا من مرسيلية.

ورأينا في الطريق من المدن والقرى وما فيها من الأعاجيب ، وما لقينا من أهلها من الملاطفة والأدب وحسن الملاقات من عظمائها وكبرائها ما لا يحمل هذا الكتاب وصفه ، حتى وصلنا لباريز. فإذا هي مدن من أعظم مدن الدنيا وأحسنها زينة وبهجة. جديرة بأن تسمى حاضرة المشرق والمغرب ، ويكل عن وصفها كل لسان معرب. فأنزلونا فيها منزلا رفيعا ، وجعلوا فيه من فرش الحرير والديباج ، وستور الكمخة والثريات والشموع والمواكن والمراءاة شيئا حسنا بديعا.

فأول من لقينا الوزير ، فأظهر لنا سرورا وبشرا ، وبالغ في المبرة والإلطاف ، وذكر جميلا وأثنى خيرا. ثم جاءنا قائد المشوار من عند السلطان يقول لنا على لسان سيده ، أنه يطلب ملاقاتكم غدا. فلما كان من الغد ، جاءنا مع الكبراء من الجلنرات بأكداش السلطان نفسه مذهبة مزينة مبطنة بالحرير من ظاهرها وباطنها في أحسن ما يكون ، فسرنا إليه سير إكرام وإعزاز. فلما وصلنا أمام داره ، وجدنا رحبة واسعة أكبر من فدان بلدنا ، قد اصطفت فيها عساكره صفوفا وموسيقاته تضرب بنغماتها فرحا بنا وشفوفا.

فنزلنا فدخلنا داره وصعدنا في الدرج ، فانتهينا إلى أعلاها. فإذا هو من القصور المشيدة ، يسحر العيون حسنه ويبهر العقول زينة. فسرنا من صالة إلى صالة حتى

٢٧١

وصلنا إلى الموضع الذي هو فيه. فألفيناه قاعدا على كرسيه وحوله عظماء دولته وخواص مملكته ، لابسين غليظ الذهب في أحسن زي وأجمل زينة.

فخاطبناه خطاب الملاقات بما يناسب ، فأجابنا بأضعاف ذالك من الملاطفة وحسن الثناء على جانب سيدنا نصره الله. وأنه يحمد الله ويشكره على ما حصل من تجديد المحبة وتأكيد المودة بينه وبين سيدنا نصره الله. وبالغ معنا في الأدب والمبرة ، فمكناه من كتاب سيدنا ، فقبضه قبض تعظيم ودفعه لوزيره.

ثم رجعنا من عنده لمحلنا ، فقدمت علينا من عنده مكاتب لنا ولبعض خواصه ممن معنا يعرضنا للعشاء معه. فرجعنا إليه وقت العشاء ، فألفيناه قد أحضر جميع وزرائه وكبراء دولته وأولاده ونسائه وبناته. وجلس معنا هو بنفسه على طبلة لا يميز من كان طرفها من هو في الطرف الآخر. جلس عليها نحوا من ٧٠ نفسا. عليها من الشموع التي في الحسك ١٦٠ ، والتي في الثريات من البلار نحو ١٧٠ شمعة. فجملة ما كان يوقد من الشموع وحدها ثلاثماية ونيف وثلاثون شمعة. ولم يدر على هذه الطبلة إلا أواني الذهب والفضة ، وأحضروا فاخر الأطعمة ولذيذ الحلاوي وطيب الفاكهة شيئا عجيبا. فلما فرغنا من الأكل قمنا وقام معنا هو ومن ذكر معه. فأخذ يتحدث معنا ويباسطنا بطيب الكلام ، ويقف مع كل واحد منا وحده ويسأل عنه وعن أحواله ، ومن هو وما يعمل ويؤنسه بما لذ من الكلام ، ثم يذهب لعند آخر حتى أعطى لكل واحد منا حظه من ذلك. ثم تأتي زوجته وبناته وجميع نسائه ، فيفعلن مثل فعله. فبالغوا معنا في الإلطاف والمبرة والبشاشة فوق النهاية ، وهذا مع كبير سطوته وعظيم مملكته.

والحاصل إن قلت انهم أخذوا تسعة أعشار الأدب والملاطفة والرقة ، لم تشك في ذالك. فرجعنا من عنده مكرمين معظمين. وكان ذالك يوم الثالث من قدومنا. وها نحن في انتظار قضاء الوطر ، نطلب الله تيسيره عن قريب.

وهذا ما وجب إعلامكم به. ويعود عليكم السلام من كاتبه ، محبكم ومحب الخير لكم محمد الصفار. كما يسلم عليكم صهرنا عوض والدنا سيدي محمد اللبادي ، ومحبنا سيدي الحاج العربي العطار ، والخليفة السيد أحمد العياط ، وجميع أصحابنا والكل بخير وعافية. كما نطلب منكم أن تسلموا على كافة أحبتنا وقرابتنا خصوصا المحب الأبر سيدي محمد الزواق والأرضي سيدي عبد الوهاب لوقش وأصهارنا سيدي عبد الغفور اللبادي وإخوته وأولاد عمنا ، وكافة أصحابنا وأهل ودنا

٢٧٢

وود أبينا رحمه‌الله. والسلام بفاتح المحرم الحرام ، عام ١٢٦٢.

أخوك عبد القادر أشعاش وفقه الله.

ويصلك كتابان أحدهما لسيدنا نصره الله ، والآخر للفقيه سيدي محمد ابن إدريس. فبالفضل منك بمجرد وصولهما ابعثهما ولا يصحبك في ذالك تراخ.

٢٧٣

الملحق رقم ٣

نسخة من رسالة الملك لويس فيليب إلى السلطان عبد الرحمن بن هشام بتاريخ ١٣ فبراير ١٨٤٦ / ١٦ صفر ١٢٦٢ محفوظة بمديرية الوثائق الملكية تحت رقم ١٧٥٧٥.

هذا الكتاب الكريم والخطاب الجسيم مكتوب ومرقوم عن إذن المعظم الأرفع والهمام الأنفع لويس فيليب سلطان الفرانصيص مقصودا فيه حضرة المحب الأعظم والصديق الأعز الأكرم السيد عبد الرحمان سلطان مراكش وسوس وفاس كرم الله ملكه وبلغه كل مراده ومناه.

أيها السيد الأمجد الأنجد الوحيد الأسعد. الذي نعلم به جنابكم هو أنه قد حصل عندنا غاية السرور من إرسالكم إلى حضرتنا العالية بالله خديم جنابكم الأعز الأجل السيد الحاج عبد القادر بن محمد أشعاش باسم الباشدور لأجل إحكام حبل المواصلة والمودة القديمة ، وتأييد قواعد العهود المنعقدة بين الدولتين ، فقبلناه أحسن قبول وأكرمناه غاية الإكرام ، لنظهر بذالك خلوص حبنا لجنابكم وكمال رضانا بنفس خديمكم الباشدور ، لأنه فاضل نجيب كثير المعارف أديب. فقد أحببناه لأجل شمائله الحسنة ، ولما بان لنا من كثرة نصحه وصدق محبته لجنابكم ، وبذل ذاته في خدمتكم. فان أنعمتم عليه بشواهد رضاكم إكراما لخاطرنا ، كان ذلك مما يسرنا.

وقد أمرنا وزراءنا أن يبالغوا في إكرامه وتبجيله لكي تطيب له بلادنا مدة إقامته بها ، وأن يعرضوا عليه كلما فيها من عجائب الفنون والصنايع. واعلموا أيضا أن جميع ما تكلم به عن لسانكم قد استمع بكل اعتناء وتدقيق لا بد يخبّركم بذلك ، فتستدلوا بما قيل له وفعل في حقه على تمام مصافاتنا وعظم مودتنا لحضرتكم العالية. فإن غاية مرادنا دوام المهادنة والمناصحة بين دولتنا ودولة مراكش. وإنما تأييد قواعد العهود موقوف على كمال الوفاء بالشروط. وحيث أن الوفاء هو من شيمنا وشيم جنابكم ، فالمأمول أن لا يجري في ما بعد أمر يحصل منه كدر أو خلاف. وقد رأينا لذلك علامة خير في قدوم باشدوركم علينا ، وحسن سلوكه معنا ، وأدام الله بين الدولتين المهادنة والمصادقة ، ولكم الإنعام وبلغكم كل مقصود ومرام.

حرر بالطويلري ، دار السلطنة ، في ١٣ فبراير عام ١٨٤٦.

محل وضع توقيع السلطان لويس فيليب

محل وضع اسم موسيو كيزو وزير المقام العالي

ومدبر الأمور الخارجية تصديقا لتوقيع السلطان.

٢٧٤

الملحق رقم ٤

رسالة من عبد القادر أشعاش إلى وزير الخارجية الفرنسي كيزو بتاريخ ٧ محرم ١٢٦٢ / ٦ يناير ١٨٤٦. أصلها محفوظ بوزارة الخرجية الفرنسية :

Ministe؟re des Affaires Etrange؟res, Paris, Se؟rie Maroc.

" Me؟moires et Documents" vol. ٤, p. ٥٤١.

الحمد لله الذي له ملك السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله.

اعلموا وفقنا الله وإياكم أنا لما تحققنا مناصحتكم وتيقنا صدق مصافاتكم جينا إليكم لتجديد عقد المحبة ونظم عقد ما انتثر من عقد المواصلة والمهادنة والمودة بين دولة سيدنا السعيدة وبين دولة سلطان فرنصة ، وللسعي فيما تظهر فيه ثمرة ذالك. فإن الصلح والمهادنة معناهما صفاء الأمور وإجراء الأحوال على مقتضاها ، وسد كل باب يصل منه كدر أو خلاف ، وقطع كل ما يناقض المرافقة والائتلاف ، وملاك ذلك صفاء القلوب وموافقة الفعل للقول.

وعندنا أمور ربما تكون سببا للإخلال بشيء من ذالك ، فلا بد من النظر فيها وإجرائها على قانون المصافات ليزداد ركن المحبة اشتدادا وباب الكدر انسدادا كما هو مقصود.

فمن ذلك النظر في الحدود وتدارك ما وقع فيها من الغلط والتراجع ، بأن يوقف على حقوق الرعية وإنصافها ، بأن كل من كان يتصرف في أرض أو بلاد تبقى بيده ، ولا يرفع يده عنها إلا بموجب. لأن في شرعنا العزيز من تصرف في أصل عشر سنين ولم ينازعه فيه أحد فهو ملكه.

ومن ذالك أولاد سيدي الشيخ الغرابة وقبايل الجنبة من حميان قد ذكروا في نسخة الحدود أنهم من ايالة الغرب. وقصورهم التي يسكنونها ويخزنون بها أمتعتهم نسبت لإيالة الشرق. وهي الأبيض وبوصمغون والشلالات. ولا شاهد عليه ولا حجة وإنما هو اتباع رأي من يريد الشنئان والكدر. فكيف تكون القبائل من إيالة الغرب وقصورها من إيالة الشرق؟ هذا هو الخلاف بعينه ونحن نسعى في سد بابه.

ومن ذالك أرض تيوت وبلادها معلومة لإيالة الغرب ، ولا زال أبناء عم سيدنا مستوطنين بها إلى الآن. وكذلك أرض فجيج لا زال عمال سيدنا يتصرفون عليها

٢٧٥

إلى الآن. وقد بلغنا أنكم تريدون غزوها وتملكها ، فهذا وشبهه مما يكدر ويوجب الشنئان.

ومن ذلك قضية وادي نون ، فقد ترددت له مراكبكم ، وبلغنا أنكم تريدون البناء به والتجارة فيه. وتلك الأرضين كلها من عمالة سيدنا وأسلافه ، وقبائلها تحت حكمه. وهذا من الأسباب التي شككت العامة في انعقاد الصلح بيننا وبينكم. وقالوا لو كان هذا الصلح صحيحا ما طمع الفرنصيص في إيالتنا حتى تأتي مراكبه لواد نون. مع أن القانون والمهادنة تقتضي ترك هذا وشبهه وتسليمه لأهله. وإن كان لا علم لكم به ، فها نحن أعلمناكم لتحسموا مادة ذالك. وان كان غرضكم في التجارة عندنا فاتوا على القانون المتعارف بيننا وبينكم ، وتكونون في إعزاز وتوقير كما هي عادتنا معكم من قديم الزمان.

ومن ذالك أمر الحاج عبد القادر ، فان ضرره اليوم علينا وإفساده في إيالتنا أكثر وأعظم منه عليكم. إذ لا يخفى أنه أفسد قبائل الإيالة وصدها عن الخدمة ، وغرها بما يظهر من السعي في الجهاد وخدعهم بترهاته واستمالهم بسحره. وسيدنا ليس بغافل عنه ولا متهاون بأمره. ولا يخفى عليكم أيضا أن سيدنا كلف عمال تلك الناحية بالسعي في فسخ عقده والحرص على إخراجه وطرده. ولو قابله عمال سيدنا بالقتال فذالك مراده ، لأن تلك القبائل تلتف عليه وتشد فيه ، ويصعب أمرها لصعوبة جبالها. وغير خاف عليكم فساد قبائل الريف ومن والاهم وعدم استقامتهم من قديم. فاستعمال السياسة في إخراجه أولى بتخذيل العامة عنه وتزهيدهم فيه حتى يبقى وحده ، ولا يقبله أحد ويخرج بلا مشقة ولا تعب. فمن تمام المصافات إسقاط شرط إخراجه ، لأن غرضنا دوام المصالحة وخلوص المحبة معكم حتى لا يكون هناك ما يكدرها.

وأما ما وقع منكم بطنجة والصويرة من الهجوم ولرمي عليها بلا سبب ولا تقدم إعلام بنقض صلح ولا عقد كرة ، حتى ضاع للرعية وبيت المال ما له خطر وبال ، فقد كان خارجا عن القانون. فإن الشروط المنعقدة بين الدولتين تخالف هذا. لأن من جملتها وهو الشرط التاسع عشر أنه إذا حصل خلل في الشروط التي انعقد عليها الصلح ، فلا يفسد الصلح بسبب ذالك. وإنما يبحث عن المسلة ويرجع فيها إلى الحق من أي إيالة كان ، ولا يتعرض لرعايا الدولتين الذين لا مدخل لهم في شيء من الأشياء. مع أن قونصو الانكليز ادرمند هني ، كان قدم لحضرة سيدنا في شأن

٢٧٦

مطالبكم. وقال إنه متكفل عنكم بإذن رينته أن لا يحدث بالمرستين المذكورتين منكم رمي ولا غيره. فلذالك لم يأخذ سيدنا لذالك أهبة الاستعداد ، لأنه لم يكن يخطر على باله إن ذلك يقع منكم قط. حتى أنه كان يكتب لعمال المراسي ويوصيهم ، ويقول لهم إياكم إذا جاءتكم مراكب الفرنصيص أن تبءؤوهم بسوء ، فإنه لا كرة بيننا وبينهم. فبقي الناس في غرتهم حتى وقع ما وقع ، والأمر كله لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بسابع المحرم الحرام ١٢٦٢ موافقا سادس يناير عام ١٨٤٦.

ويليه خاتم عبد القادر اشعاش.

٢٧٧
٢٧٨

المصادر والمراجع

أولا : الوثائق والمخطوطات

١ ـ الوثائق المغربية والمخطوطات :

رحلة الصفار ، محمد بن عبد الله ابن عبد الكريم الأندلسي ثم التطواني ، المتوفى سنة ١٢٩٨ / ١٨٨١. نسخة خطية فريدة في الخزانة الحسنية بالرباط ، تحت رقم ١١٣.

تقييد في ترجمة الوزير الصفار لمؤلف مجهول ، ترجم فيه لحياة محمد الصفار التطواني. نسخة خطية فريدة في الخزانة الحسنية ، تحت رقم ١٢٤١٩.

مجموعة وثائق تخص سفارة أشعاش ، محفوظة في مديرية الوثائق الملكية بالرباط تحت الأرقام التالية : ١٠٧٩٥ ، ١٧٥٤٢ ، ١٧٥٦٠ إلى ١٧٥٨٣.

الحسام المشرفي لقطع لسان الساب العجرفي ، الناطق بخرافات الجعسوس ، سيء الظن أكنسوس ، تأليف العربي المشرفي. محفوظ في الخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم ك ٢٢٧٦.

عمدة الراوين في تاريخ تطاوين ، في عشرة أجزاء ، تأليف الرهوني أحمد بن محمد بن الحسن التطاوني ، المتوفى سنة ١٣٧٣ / ١٩٣٥. تتوفر المكتبة العامة بتطوان على تسعة أجزاء مرقمة من ٦٧٦ إلى ٦٨٤. وتوجد ترجمة محمد الصفار في الجزء السادس ، ص. ٥٢٣ ـ ٥٣٣.

وثائق عائلية عند حفدة محمد الصفار في تطوان : مخطوطات ، وثائق ، أشعار ، شجرة العائلة ، بالإضافة إلى كتب محمد الصفار ووصيته.

٢ ـ الوثائق الفرنسية :

٢٧٩

٢٨٠