رحلة الصَّفار إلى فرنسا

محمّد بن عبدالله الصفار الأندلسي التطواني

رحلة الصَّفار إلى فرنسا

المؤلف:

محمّد بن عبدالله الصفار الأندلسي التطواني


المحقق: د. سوزان ميللر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-9953-36-976-3
الصفحات: ٣٢٤

القمرة التي يجتمعون فيها لتدبير قوانينهم إلى دار السلطان بعمل مغيب تحت الأرض. ووكل بها من يحفظها من الجهتين ، فيكلمون السلطان من القمرة ، وهو في داره ويرد عليهم الجواب وبينهما مسافة طويلة. وهذه صورة ذالك في الجملة بتقريب :

فالدائرة التي في جانبها الشاخص القائم هي المبسوطة ، والنقط الدائرة بها هي الثقب التي تحت كل حرف ، فيدخل فيها مثل الإبرة ويدور حتى يقف عند ذالك الشاخص. والدائرة الأخرى هي القائمة ، والذي في وسطها هو الموري. وما امتد من إحداها للأخرى هما الخيطان فيهما تجعيد ويرتعدان عند الأخذ في الحركة ، وهذا من العجب ، انتهى.

دار الإصطنبا ، أعني طبع الكتب

وفي يوم الخميس ثالث عشر الشهر ، ذهبنا لدار طبع الكتب المسماة بالإصطنبا (١) ، وهي أيضا من أعاجيب الصنائع. ولتعلم أولا ، أن الحروف التي

__________________

(١) الكلمة ، مأخوذة عن الإسبانية إستانبا (estampa) ، وهي المطبعة ، والمقصود بها هنا المطبعة الملكية.

ولما كان الصفار كاتبا وله اهتمامات أدبية ، فليس من المستغرب أن يولي عنايته الكبيرة لآلة الطباعة. وكانت أول مطبعة في المغرب قد أدخلت إلى فاس ابتداء من ١٨٦٥ من الصنف الحجري ، وهناك طبعت فيها كتب غالبيتها في مواضيع دينية. وظهرت أول مطبعة تيبوغرافية في طنجة سنة ١٨٨٠ ، غير أن استعمالها لم يشمل الكتب العربية إلا في أوائل القرن العشرين. وعن تاريخ الطباعة في المغرب انظر : محمد المنوني ، مظاهر ١ : ٢٠١ ـ ٢٥١ ، بالإضافة إلى الدراسات التالية :

G. Ayache," L\'apparition de l\'imprimerie au Maroc", H ـ T ٥) ٤٦٩١ (: ٣٤١ ـ ١٦١; Fawzi

٢٤١

يطبعون بها مسامير من قزدير أسفلها غليظ وأعلاها مشحوذ وفيه الحرف ، منها ما هو حرف واحد ومنها ما هو حرفان متصلان. إذا كانا يكتبان كذالك ، فيعمد إلى الحروف الذي يريد أن يكتبها ويجمعها في لوحة على مقدار الورقة المطبوعة ، وينزلها مرتبة بسطورها على كيفية الرسم ، ويشدها في اللوحة ببعضها بعضا بئالة حتى لا يختل ترتيبها ، فتكون محكمة في اللوحة ، ثم يطليها بالمداد وينزل عليها الورقة ويعصرها بزيّار (١) فتخرج الورقة مكتوبة كلها. هذه الإشارة إلى كيفيتها في الجملة ، ولنذكر ما رأينا في هذه الدار تفصيلا.

فأول ما دخلنا بيت فيه أفران ومعلمون يفرغون الحروف. والإفراغ يكون في قالب من نحاس على قدر ذالك المسمار ، والحرف محفور في أسفل القالب هكذا مثلا س لحرف السين. فإذا دخل القزدير المذاب في القالب ، فإنه يخرج بذالك الحرف في رأسه ، لاكنه في أسفل القالب مستقيم ويخرج في المسمار معكوسا ، فإذا طبع به جاء الطبع مستقيما كما هو الشأن في كل طابع. وهذا عمل هاؤلاء يفرغون الحروف على اختلاف أشكالها عربية وعجمية ، وينزلونها صبة واحدة.

ثم بعدهم بيت آخر فيه عملة وخدام أكثر من الأولين ، عملهم تصويب تلك الحروف بإصلاحها وتمليسها وتسويتها وإزالة الشناقيب التي تخرج في جوانها ، وهكذا تصير في أحسن تقويم مستقيمة متساوية. بحيث إذا أنزلت في لوحة الطبع ورتبت يكون سطحها شيئا واحدا ، ليس فيها أعلا ولا نازل ليستقيم بها الطبع ولا يخطئ حرف موضعه. ثم بعدهم عملة آخرون يفرقون الحروف من بعضها بعضا ، وينزلون

__________________

Abdulrazak, The Kingdom of the Book : The History of Printing as an Agency of Change in Morocco between ٥٦٨١ ـ ٢١٩١) Unpublished Ph. D. dissertation, Boston University,) ٠٩٩١ (.

وانظر تعريبنا لهذه الأطروحة : فوزي عبد الرزاق : مملكة الكتاب : تاريخ الطباعة في المغرب ، ١٨٦٥ ـ ١٩١٢. تعريب خالد بن الصغير ، صدرت ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ، سلسلة نصوص وأعمال مترجمة ، رقم ٣ ، ١٩٩٦ (المعرب) ؛ وانظر أيضا فوزي عبد الرزاق ، المطبوعات الحجرية في المغرب (الرباط ، ١٩٨٩) ، وفيه لائحة كاملة بجميع المطبوعات الحجرية الصادرة في فاس.

(١) المقصود بها هنا أداة للضغط المحكم ، ٦١٨ : ١Dozy ، (المعرب).

٢٤٢

كل شكل على حدته في لوحة ذات بيوت كثيرة ، كل بيت يملأ بحرف خاص.

ثم بعدهم بيت آخر فيه النساخون (١). وعملهم أن يوتون بالكتاب الذي يريدون طبع مثله بورقة منه مثلا وينزلها النساخ أمامه ، ويأخذ في يده اللوحة ويرتب فيما الحروف مثل ما هي في الورقة. فينزل أولا السطر كله في حديدة حتى يكمل ، ثم يضعه في اللوحة ، ثم يعدل سطرا آخر وينزله ، وهكذا حتى يعمر لوحته على قدر ما فيها من الأسطر. وحروفها مثل الحروف التي في الورقة ومرتبة ترتيبها ، فيفعل هذا صانعه المذكور وإن كان لا يعرف الكتابة والقراءة ، يكفيه أن يعرف مقابلة الحروف بمثلها. فاختبرنا واحدا منهم ، وكتبنا له بيدنا سطرا ، فأنزله كما هو بحروفه وترتيبها. ثم قلنا له افسخه ففسخه ، وكانت أربعة وثلاثين حرفا ، فرد كل حرف في بيته الذي ينزل فيه بسرعة ، أخذها بيده جملة ثم جعل يفرقها في بيوتها كأنما يدرّ درورا على شيء ، فلم يخط في حرف واحد منها بإنزاله في غير محله مع غاية السرعة ، فتعجبنا منه غاية العجب. فإذا رتبت الحروف في اللوحة ، دخلت ليد عملة آخرين.

فدخلنا بعد هذا بيتا فيه صهاريج من ماء ، ورزم الكاغيد منزلة على حواشي الصهاريج. وذالك أنهم يغمسون الكاغيد أولا في الماء ، فيدخلون أربع أو خمس ورقات جملة في الماء. ثم يخرجونها ويضعونها على حاشية الصهريج حتى يسيل عنها الماء ويذهب عنها بعض البلل.

ثم بعدها بيت آخر فيه آلات ودوالب ، وهي على نار لا ترى ينشف فيه الكاغيد من البلل المذكور. على كل دولب ثلاث خدامات ، واحدة تدخل أوراق الكاغد في الدولب ، وأخرى تأخد الأوراق الخارجة من الدولب فتدخل الورقة مبلولة ، فتدور في الدولب فتخرج يابسة بحرارة نار هناك باطنية. ثم تدخل هذه الأوراق ولوحة الحروف لبيت الطبع ، وهو على نوعين : أحدها باليد والآخر بالدولب. فأما الأول فيحتاج إلى ثلاثة أناس ، فيأخذ أحدهم لوحة الحروف وينزلها في محلها التي تنزل فيه على شيء مرتفع أمامه. وإذا نزلت المرة الأولى فلا تعود ترتفع من محلها حتى يفرغ من الطبع بها. وءاخر بيده جلدة مطوية على عود يطليها أولا بالمداد ، ثم يمرها على الحروف التي في اللوحة ليسودها بالمداد. ومدادهم ليس سائلا كمدادنا ، بل يعطي الصبغ من غير سيلان. ثم يأخذ الأول الورقة التي يريد طبعها بيضاء ، ويجعلها على لوحة أخرى ،

__________________

(١) كما يبدو من السياق ، فإن الصفار يعني بذلك مصففي الحروف.

٢٤٣

ويفصل بينها وبين اللوحة بما يمنع وصول الوسخ لها. ثم ينزلها على لوحة الحروف ، ويطبق عليها من فوق بئالة رزينة من الحديد بحركة يديرها ، ثم يفتح عنها فتخرج الورقة مطبوعة. فيأخذها شخص آخر هو ثالث العملة ، ويطبعون على تلك اللوحة ما شاءوا من الأوراق ، ماية وألفا أو عشرة آلاف كلها متماثلة. وكذالك يفعلون في ورقة أخرى وأخرى ، حتى يأتوا على آخر أوراق الكتاب. فيوم يتم الكتاب ، يخرج معه ألف كتاب مثلا. وإذا توفرت الشروط فلا تبقى كلفة في الطبع ، ففي الساعة الواحدة يطبع المئين من الورقات.

والنوع الآخر من نوعي الطبع يكون بالدولب ، تارة يدوره شخص وتارة يدور وحده بحركة البابور أو بالماء الجاري كالرحى. فيجلس واحد ويأخذ الورقة ، فيطعمها الدولب فيبتلعها الدولب ، وتدور فيه حتى تمر على لوحة الحروف ، فتنفصل عنه مكتوبة ، فيأخذها شخص آخر ، وفيه تلك الجلدة تأخذ المداد من محل هنالك ، وتنزل على الحروف فتسود. كل ذالك بالحركات لا باليد ، ففي دورة تنزل الورقة على الحروف فتنطبع ، وفي دورة أخرى تنزل عليها جلدة المداد فتسودها والحركة متصلة. وهذه اللوحة التي فيها الحروف ، إذا فرغ من الطبع بها فسخت منها تلك الحروف ووضع فيها حروف أخر ترتيب ورقة أخرى. وقد يتركونها بحروفها ويرتبون غيرها في لوحة أخرى ، فيتركون الكتاب كله مرتبا في ألواحه ، فإذا أرادوا طبعه مرة فلا يتكلفون لترتيب حروفه مرة أخرى. رأينا عندهم بيوتا فيما ألواح كتب معينة مرتبا فيها حروفها.

وبعد فراغ الكتاب من الطبع ، إن أرادوا تسفيره فهناك صنعته أيضا. فيدخل لبيوت أخر ، أحدهما تقصص فيما حواشيه بحركة البابور تحرك السكين حتى تمرها على حواشي الأوراق فتقصصها. وبيت آخر تزير فيه بئالة ، بأن تجمع رزم من الكاغيد وتجعل بين لوحين ، أحدهما من فوق والآخر من أسفل بين أعمدة من الحديد وتحرك بالماء حتى تنحصر لأعلا فذالك زيّارها. وبيت آخر فيه عمل التسفير ، فتدخل لهذه الدار الأوراق بيضاء ويخرج منها الكتاب مسفّرا.

وأعجب ما رأينا عندهم من آلة الكتابة ، نوع خاص يطبع لك الكتاب بأي خط شئت ، عربيا أو عجميا ، مغربيا أو مشرقيا ، أو كيف ما شئت. وذالك أنهم يأتون بالورقة مكتوبة بمداد خاص يصنعونه مستحمر اللون كمداد الجوز ، فيضعونها على حجرة عندهم ، ويشدون عليها ثم يحلون عنها فتنطبع الكتابة في الحجرة كما هي في

٢٤٤

الورقة. ثم يطبعون على تلك الحجرة ما شاءوا من الأوراق بعد أن يدهنوا الحجرة بذالك المداد فتخرج الأوراق مكتوبة بمثل الكتابة الأولى من غير زيادة ولا نقصان ، ولا تحريف ولا تغيير. كتبت بيدي سطرا بذالك المداد في ورقة ، ووضعوها على الحجرة فانطبعت فيها الكتابة. ثم طبعوا على الحجرة ورقة أخرى ، فخرجت بمثل ذالك السطر بعينه. فمن أراد طبع ، بل تعديد كتاب بما شاء من الخطوط ، فينسخه أولا بذالك المداد ثم يطبع منه ما شاء ، فيخرج الخط الأول بعينه (١).

وجملة ما في هذه الدار من الخدمة ثمانماية ، وخدمتها دائمة مستمرة لا تفتر ، حتى يتعجب الإنسان أين تدخل هذه الكتب ، ولكن كل شيء عندهم مدون في الكتب. ولا ترى عندهم مكانا خاليا من الكتب ، لهم بها استيناس واستفادة. ولا يتكلون على حفظهم في شيء من الأشياء خوف النسيان والضياع كما قيل :

العلم صيد والكتابة قيده

قيد صيودك بالحبال الموثقة

ومن الجهالة أن تصيد حمامة

فتتركها بين الأوانس مطلقة

ومما قيل في الكتب :

سميري إذا جالسته كان مسليا

فؤادك مما فيه من ألم الوجد

يفيدك علما أو يزيدك حكمة

وغير حسود أو مصر على حقد

ويحفظ ما استودعته غير خائن

ولا غافل عهدا على قدم العهد

__________________

(١) يتعلق الأمر هنا بالطباعة الحجرية. وكان العلماء التقليديون معجبين بها جدا ، لأنها تغني عن المرور من مرحلة تصفيف الحروف ، وتقلل بالتالي من فرص الوقوع في الأخطاء. كما تمكن في الوقت نفسه من الحفاظ على مختلف نماذج الخطوط اليدوية عبر الزمن. فوزي عبد الرزاق ، المطبوعات ، ص. ٨ ، بالإضافة إلى الهامش ٦١ أعلاه.

٢٤٥

وقال الآخر :

إذا ما خلا الناس في دورهم

بخمر سلام وخود كعاب

وجادت لهم حسنات الزمان

بعز الندامى وجود السحاب

خلوت وصحبي كتب العلوم

وبنت عروسي بنت الكتاب

وقال آخر :

إذا ما خلوت من المؤنسين

فإن أنيسي لي دفتري

فلم أخل من شاعر محسن

ومن عالم صالح منذر

ومن حكم بين أثنائها

فوائد للناظر المفكر

وإن ضاق صدري بأسراره

فأودعته السر لم يظهر

وإن صرح الشعر باسم الحبيب

فلم أحتشمه ولم أحصر

وإن عدت من ضجرة بالهجا

وسب الخليفة لم أحذر

فلست أرى مؤنسا ما

حييت نديما عليه إلى المحشر

وقال آخر :

أنست إلى التفرد طول عمري

فما لي في البرية من أنيس

جعلت محادثي وأنيس نفسي

وأنسي دفتري بدل الجليس

٢٤٦

قد اسغيت عن فرسي برجلي

إذا سافرت أو بغل كبوس

وبطني سفرتي والجيب خرجي

وهمياني فمي أبدا وكيسري

وبيتي حين يدركني مساءي

وأهلي كل ذي عقل نفيس

انتهى ما يتعلق بدار الإسطنبا.

ثم بعد ذالك بنحو يومين ، ذهبنا لموضع يسمونه البنطيوا (١) وهو بناء عال جدا. وهو قبة عالية ارتفاعها من الأرض بنحو ربعماية ذراع ، ودارت بها أبنية. وهذا المحل تظهر منه باريز كلها ، وإذا كنت في أعلاه ترى الناس في الأرض كأنهم صبيان صغار. وهذا الموضع مدفن عظمائهم ، وقبورهم في مخادع تحت الأرض في صناديق من الحجر موضوعة على وجه الأرض وبها جثتهم مغلق عليها. وإلى جانب ذالك الصندوق ، زلافة مغلق عليها فيها قلب ذالك الميت ينزعونه منه ويطلونه بما يحفظه ، ويجعلونه في تلك الزلافة ويغلقون ، إشارة إلى أنه كان ذا قلب. وهناك تصاوير آدميين عظام الأجسام بيد واحد منهم تاج ، زعموا أنها صورة الزمان ، وأن من مات من الملوك نزع منه تاجه وألبسه آخر ، فهم يفنون ويموتون وهو لا يموت ، وبيد آخر سيف زعموا أنه الدين.

ومن خرافاتهم هنالك ، أن عمد قيم ذالك الموضع إلى ثقب في ركن وله منفذ تحت الأرض ، فجعل فمه عليه وأخذ يسئل الأموات ويجيبه صدا من تحت الأرض ، فيقول ما معناه ، كيف أنتم ويقول بخير ، فيجيبه الصدا بخير كأن الأموات يجيبونه ، وهو يجيب نفسه بنفسه. ويضرب في جلدة هنالك ، فيسمع تحت الأرض دوي عظبم كالصواعق ، كأن الأموات لهم هنالك مدافع يدفعون بها عن أنفسهم.

__________________

(١) البانتيون ويقابله بالفرنسية (Le Panthe؟on) ، بني في القرن الثامن عشر ليكون كنيسة. وعند قيام الثورة الفرنسية كرس من جديد لخدمة الآلهة القديمة ، ويعتبر من المدافن الرئيسية لكبار الشخصيات وعظمائهم في فرنسا.

٢٤٧

وبعد ذالك بأيام ، حثوا علينا في الذهاب لقصرين من قصورهم السلطانية خارج باريز ، أحدها ببلدة يقال لها سنكلو (١) ، والآخر ببلدة أخرى يقال لها فرسان (٢) وهما قريبان من باريز. فذهبنا إليهما ، فإذا هما من القصور المشيدة ، احتف بكل واحد منهما بستان عظيم ، فيه أشجار أنيقة ومياه متدفقة ، وخصص وصهاريج وتماثيل كلها تبزق الماء الزلال. ومما رأيناه في واحد منها طبلة من الرخام ، زعموا أنها كانت خشبة وألقيت في الماء وبقيت فيه حتى صارت رخامة ، وذالك عندهم خشب مخصوص. واعتناؤهم في البساتين غالبا إنما هو مد الطرقات وتعديلها ، وتنقية الأشجار حتى تكون مستوية مع بعضها بعضا من فوق ومن تحت. وفيها جلسات وتربيعات وأشكال النباتات ، وبيوت للنباتات التي لا يخرجونها زمن البرد. والماء بها كثير ، ولا يدرك لها طرف لكبرها.

وغالب ما رأيناه في قصور في فرسان تصويرات الحروب من أول الزمان إلى الآن ، لاكن لا يصورون إلا الحروب التي كانت لهم فها الغلبة ، ولا يصورون أنفسهم. ومما يحكى ، أن شخصا مر بالسوق فرءا الناس ، مجتمعين على صورة رجل وأسد تعاركا فغلب الرجل الأسد ، فذهب فلقي أسدا فأخبره بما رءا فقال له : «لو كان الأسد يعرف التصوير لرأيت ما يفعل ، وحيث لا يعرفه ، فليصور كل واحد ما شاء».

وفيه تصاوير كبرائهم وعظمائهم وسلاطينهم وشجعانهم ورهبانهم ، منها ما هو من الحجارة ومنها ما هو نقش ورقوم. فرأينا عندهم هناك صورة دخولهم مدينة الجزائر ودخولهم مدينة القسمطينة. وصورة تغلبهم على تلك النواحي كلها. وصورة السلطان العثماني عبد المجيد ، وصورة محمد بن علي باشا مصر. وغالب درج هذا القصر من المرمر الملون ، وفيه مواضع وبيوت كانت لسلطانهم لويز السادس عشر (٣). ولما مات بقيت تلك الأماكن على هيئتها بجميع أثاثها ، يحفظ ويصان حتى فراشه ومواضع جلوسه وتاجه وكنيسته ، الكل باق على حاله إلى آخر ما هنالك من الزخارف.

__________________

(١) سان كلود ، ويقابلها بالفرنسية (Saint Could).

(٢) يقصد فرساي وبالفرنسية هكذا :(Versailles).

(٣) وهو ملك فرنسا الذي أعدم هو وزوجته ماري أنتوانيت (Marie Antoinette) بمقصلة الثورة الفرنسية والتي لم يقل عنها الصفار شيئا على الإطلاق في متن رحلته ، انظر :

Dictionnaire d\'histoire de France Perrin, ed ١٨٩١., s. v." Louis XVI".

٢٤٨

القمرة

وفي رابع عشر صفر ، ذهبنا للقمرتين الكبيرة والصغيرة (١). والقمرة دار يجتمعون فيها لتدبير قوانينهم والكلام في أمورهم. وبناء موضع الاجتماع قبة على شكل بناء التياتروا في أرضها انحدار ، وكلها مصففة بالكراسي. وفائدة الانحدار ، ليروا كلهم من يكون أمامهم. وعند انتهاء الكراسي مرقاة على شكل المنبر ، إلا أن درجها من جانبها.

فمن يريد التكلم يصعد تلك المرقاة حتى يكون مشرفا على الجالسين ، ويتكلم بما يريد أن يتكلم به. وكل واحد من الجالسين أمامه الدواة والقلم والكاغد. فالمتكلم يتكلم ، وهذا يكتب حتى يذهب ويخلو ويتأمل في ذالك الكلام ، فيوافق عليه أو يرده بحجته. وإن ظهر لأحد من الجالسين أن يعارض ذالك المتكلم بمعارضة قريبة ، قام عن كرسيه وتكلم معه. وإن كانت المعارضة طويلة ، فحتى تصل له نوبة التكلم ويصعد ذالك المنبر ويقول ما بدا له.

وخلف ذالك المتكلم ثلاثة من الناس ، وظيفتهم إذا طال الكلام في مسلة ، أن يمضوا الحكم فيها ويقطعوا الكلام. وذالك بقانون معلوم به يقع ترجيح أحد الجانبين ، منها الحكم لأكثر العدد. فإذا قال عشرة كذا ، وقال عشرون بخلافهم ، فالحكم بما قاله العشرون ، ولو زاد أحد الفريقين على الآخر بشخص واحد.

__________________

(١) معناها هنا مجلس ، (Chambre). ويعني بالقمرة الكبيرة شامبر دو باير (Chambre des Pairs) ، أي مجلس النبلاء. والقمرة الصغيرة ، شامبر دي ديبوتي (Chambre des De؟pute؟s). وكانت تعقد الأولى في قصر اللكسمبورغ (Palais du Luxembourg) ، والثانية في قصر البربون Palais) (bourbon. ويؤكد الصفار أنه زار كلا المجلسين. إلا أن الغالبية العظمى من كلامه في هذا الحانب المتعلق بالسلوك السياسي للحكومة الفرنسية مأخوذ عن الطهطاوي. انظر : تخليص ، ص.L\'or ,.PP.٢٣١ ـ ٩٣١ ;٦٠١ ـ ٣٩ بل نجد الصفار يتبنى استعمال مصطلحات الطهطاوي مثل ملك ، بدلا من سلطان الذي اعتاد استعماله في رحلته. إن الدستور الذي صدر في عهد الملك لويس الثامن عشر (Louis XVIII) سنة ١٨١٤ وراجعه لوي فليب (Louis Philippe) عام ١٨٣٠ قد حافظ على محدودية الاقتراع ومنح امتيازات عريضة للنبلاء وطبقة الملاكين انظر :

La Grande encyclope؟die Larousse, ed ٢٧٩١., s. v." France".

٢٤٩

وهذا هو شكل القمرة الصغيرة أيضا. والفرق بينهما أن القمرة الكبيرة تحامي عن الملك ورءساء الدولة وتعضد أمرها. ومن وظيفتها ، تجديد قانون مفقود أو إبقاء قانون موجود على حاله. والصغيرة تحامي عن الرعية وتنصرها وتطلب حقوقها ، فكأنها خصم للأخرى. ولا يحضر القمرة الكبيرة إلا من بلغ عمره خمسة وعشرين سنة ، ولا يستحق الكلام فيها إلا إذا بلغ الثلاثين ، إلا إذا كان من أقارب الملك ، فإنه يدخلها من صغره ، ولا يستحق الكلام فيها إلا إذا بلغ خمسا وعشرين سنة. والذين يحضرون في القمرة الكبيرة ، غالبهم رؤساء الدولة من الوزراء والقضاة والحكام ، وكبراء معلومون لذالك.

والذين يحضرون في الصغيرة هم وكلاء الرعية يبعثونهم من سائر البلاد ، وعددهم أربعمائة ونيف. ويشترط فيهم وفيمن ينتخبهم للإرسال ، شروط معلومة عندهم : منها أنه لا يدخل هذا الديوان ويستحق الكلام فيه إلا من بلغ أربعين سنة ، وأن تكون له أملاك يؤدي عنها لبيت مالهم في خراجها ألف فرنك. ومن شرط من ينتخبهم أن يبلغ عمره ثلاثون سنة ، وأن تكون له أملاك يؤدي عليها ثلاثمائة فرنك فأكثر في العام. وهذا الديوان (١) لا يفتح إلا من رأس السنة لرأس السنة ، ولا يفتح إلا إذا أمر السلطان بفتحه. ومتى أراد إبطاله أبطله ، بشرط أن يجدد آخر بأناس آخرين ، وأن لا يزيد في تجديد الآخر على ثلاثة أشهر. ولا يمضي قانون من قوانينهم ولا حكم من أحكامهم ، إلا إذا اتفق عليه أهل القمرة الصغيرة والقمرة الكبيرة ، والسلطان ووزراؤه. وأما أحكام النوازل والجزءيات ، فهي عندهم مدونة في الكتب. ولا يستقل السلطان وحده بحكم من الأحكام ، لاكن لا يمضي حكم إلا إذا أنفذه أمره. وهو أعظم أهل الدولة : فهو الذي يأمر وينهى في عساكر البر والبحر ، وهو الذي يعقد الحرب والصلح والمعاهدة والتجارة بين أهل ملته وغيرها ، وهو الذي يولي المناصب الأصلية ويجدد بعض قوانين وسياسات ويأمر بما يلزم ويمضيه. لاكن بعد اتفاق من ذكر عليه ، وهو الذي يتولى الإمضاء. انتهى ما يتعلق بالقمرة.

__________________

(١) الديوان من الأسماء المستعملة عند العثمانيين ، بمعنى «مجلس للدولة يضم كبار موظفي الدولة ويرأسه السلطان أو الصدر الأعظم» ، انظر : Naff and Owen ,Studies ,glossary ,p.٩٠٤.

٢٥٠

مدرسة من مدارسهم

وبعد ذالك بيومين ، ذهبنا لمدرسة من مدارس تعليمهم ، فيها إحدى عشر ماية وخمسة وعشرون متعلما (١). منهم ستماية بدورهم يذهبون ويجيئون للتعليم ، ومنهم خمسمائة وخمسة وعشرون مقيمون بها ، وفيها أربعون معلما وأربعون ناظرا ، وهي دار كبيرة جدا. والمقيمون بها لهم فيها أكثرهم ومثواهم وفرش نومهم وموضع مرضهم وبيت الطبيب وءالات الطب والعقاقير وموضع الاستحمام ، ومواضع لوضع ملابسهم ومواضع يغسلون بها وجوههم في الصباح ، والكل في غاية النظافة والإتقان.

ويتعلم فيها الحساب والهندسة ، والفلسفة واللسان وعلم الفزيك والكيمياء والطبيعيات ، وكيفية التصوير والتشريح. ويتعلم فيها أيضا القفز والتعلق بنحو السور ، والمشي على الأشياء الرقيقة والمشي في الهواء بعد أن يأخذ بيده مخطافا يتعلق به ، ويغرزه في شيء أعلا وينقله وهو ماش معه. والقفز على الأشياء المرتفعة كحبل ممدود وغير ذالك مما يعد عند بعض الناس لعبا ، وهو عندهم علم من العلوم يقرأ ويدرس ويتعلم بالكيفية حسا. ومن قانون المتعلمين بها ، أنهم يأكلون في الساعة الثانية عشر من النهار. وفي حين أكلهم يقف واحد في مرقاة هنالك ، ويسرد عليهم كتابا من علم التاريخ ونحوه ، ليلا تذهب تلك اللحظة ضائعة. وبعد فراغهم من الأكل يوذن لهم في اللعب ، فينهضون يلعبون ويثبون ويتسابقون ، ويبقون كذالك نصف ساعة ثم يرجعون إلى شغلهم.

ثم ذهبنا لموضع آخر من مواضع التعليم ، إلا أنه تعليم صغير. وذالك أن هذا المحل يجتمع فيه أولاد الفقراء الذين يذهب آباؤهم وأمهاتهم لأشغال يعملونها ، ويبقون الأولاد وحدهم فيجتمعون في تلك الدار. وفيها متعلمة تعلمهم شيئا من الأدب والحروف وابتداء القراءة ، ليلا يبقوا في الأزقة هائمين ولا يكون اجتماعهم هنالك من غير فائدة. وتعلمهم كيفية القيام والقعود والإقبال والإدبار وملاقات الناس والتسليم عليهم ، وكيف يأخذون ألواحهم وكيف يمحونها ، وكيف يمشون مشية واحدة

__________________

(١) من المحتمل جدا أن يكون المقصود هنا مدرسة البوليتكنيك :(Polytechnique Ecole) التي أسست عند اندلاع الثورة الفرنسية وبها يتم تهييء الطلبة لمتابعة دراستهم العلمية والتقنية العليا ، انظر :

Grande encyclope؟die Larousse, ed. ٣٧٩١, s. v." Polytechnique, e؟cole".

٢٥١

في صف واحد على هيئة مشية العسكر. وتعزل الذكور على حدة والإناث على حدة ، وكلهم صغار من نحو أربع سنين ، فإذا بلغوا ست سنين لم يبق للإناث اجتماع بالذكور.

ثم ذهبنا لموضع آخر يتعلم فيه الصبيان. فأول ما يتعلمون حرفا واحدا ، ثم حرفين ثم ثلاثة الخ الحروف. ثم حرفين مركبين وثلاثة أحرف ، ثم كلمة ثم كلمتين ثم جملة كلام الخ ، ثم رجعنا.

وبعد ذالك بيومين خرجنا من مدينة باريز ورجعنا من حيث جئنا ، والحمد لله رب العالمين.

٢٥٢

الفصل السادس

خاتمة في بيان مداخلهم

خاتمة في بيان مداخلهم ووجوه جباياتهم ومخرجها ، وفي ضمن ذالك بيان بعض قوانينهم.

اعلم أن من قوانينهم أن يجتمعوا كل سنة في القمرتين ، ويحدثون قوانين لم تكن أو يقرون ما كان منها موجودا. ومن جملة ذالك ، أنهم يقدرون جبايات العام وما يصرف فيه من بيت مالهم بموافقة السلطان وأهل الرأي منهم ، فقدروا ذالك في عامهم هذا على عادتهم. وذالك الذي يقدرونه من الداخل والخارج ، يكتب في كتاب ويبرز للناس ، وتطبع منه عدة كتب تباع وتشترى ، فحصل في يدنا كتاب هذا العام ، وفسره لنا بعض تراجمهم (١).

ومن قوانينهم أن جعلوا ذالك الداخل يدخل بيد وزير الخزنة (٢) أعني أمين بيت مالهم ، ويخرج على يد الوزراء جميعا ، كل واحد وما يخرج على يده. وبيان ذالك أنهم رأوا أن السلطان وحده لا يستقل بأمور الرعية كلها ، فأراحوه من تكلف المشقة في ذالك ، واتخذوا عدة أناس ، سموهم وزراء ، وكلفوا كل واحد بأمر خاص وجعلوا

__________________

(١) وعنوان هذا الكتاب هو :

Recueil des lois de finance et autres lois de la session de ٤٤٨١) Paris, Imprimerie Royale, ٦٤٨١ (. AN / ADXIX / F ـ ٨٢ / ٤٤٨١ ـ ٦٤٨١.

(٢) أي وزير المالية أو الخزينة ، ويقابله بالفرنسية :(Ministre du Tre؟sor).

٢٥٣

نظره قاصرا عليه (١) وهم تسعة وزراء :

الأول وزير الخزنة ، أعني بيت مالهم ويدخل بيده جميع جبايات فرانسا ، ومنها يخرج أيضا ، ويدفع لكل وزير ما يصرف في على يده ، ويقال إن له من الكتاب خمس عشرة ماية.

والثاني وزير الأمور الخارجية ، ووظيفته النظر في كل ما هو خارج فرانسا وعمالتها ، من نصب القنصوات في البلاد وبعث الباشادورات للبلاد ، وتولي الكلام مع المملكات الخارجة عنهم ، ويبعث للأقاليم من يتجسس الأخبار وينظر في أمور من عندهم ببلادهم من النواحي الخارجية ، وعلى يده يكون مصروف جميع ما يتعلق بالأمور الخارجية.

والثالث وزير الأمور الداخلية ، أعني ما هو داخل سلطنة فرانسا. وله النظر في تولية الحكام (٢) في سائر البلاد ، وتفقد مصالح البلدان وضبط أمور الرعية ، وغير ذالك مما يتعلق بالأمور الداخلية. وهو بمنزلة القائد عندنا ، إلا أنهم يجعلون واحدا كبيرا ويجعل على يديه النياب في البلاد.

والرابع وزير محكمة الدين والشرع (٣) ، وله النظر في أمور الكنائس وتولية القضاة والشهود ، وغير ذالك مما يتعلق بدينهم وشرعهم.

والخامس وزير المدارس ، وهو ناظر تعليم العلوم (٤). وله النظر في أمور التعليم

__________________

(١) إلى حدود أربعينيات القرن التاسع عشر ، كان الجهاز المخزني في مستوياته العليا بسيطا إلى حد بعيد. حيث كان يتكون فقط من السلطان ومن الصدر الأعظم الذي كان في الوقت نفسه مستشارا ومنفذا لأوامر السلطان. وكان يسهر على تحرير المراسلات المخزنية عدد صغير من الكتاب. ولم يعرف المغرب وجود وزراء مستقلين بالمهام الموكلة إليهم إلا بعد حلول عهدي السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن (١٨٥٩ ـ ١٨٧٣) وخلفه السلطان مولاي الحسن (١٨٧٣ ـ ١٨٩٤). انظر المنوني ، مظاهر ، ص ٣٠ ـ ٩٢ ، بالإضافة إلى كل من :

Laroui, Origines, p. ٨٨; Lahbabi, Le gouvernement marocain, pp. ١٣١ ـ ٩٣١.

(٢) ويقصد الصفار بذلك رؤساء المقاطعات والولايات المحلية (Pre؟fets). انظر الفصل الثاني الهامش رقم ٥٦ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.

(٣) أي وزير العدل والشؤون الدينية ، ويقابله بالفرنسية :(Ministre de la Justice et des Cultes).

(٤) وزير المعارف ، أو وزير التربية الوطنية ، ويقابله بالفرنسية (Ministre de l\'Instruction Publique).

٢٥٤

ونظام المدارس والمكاتب ، ويبعث للأقاليم من يأتيهم بعلم جديد ولو في أمور الغرس والنبات ، ونحو ذالك إذ هي من جملة علومهم.

والعالم عندهم هو من له قدرة على استكشاف الأمور الدقيقة واستنباط فوائد جديدة ، وإقامة الحجج السالمة من الطعن على ما أبداه ، ورد ما عارضه به من عداه. وليس اسم العالم عندهم مقصورا على من يعرف أصول دين النصرانية وفروعها وهم القسيسون ، بل ذالك ربما كان عندهم غير ملحوظ بالنسبة لغيره من العلوم العقلية الدقيقة (١).

والسادس وزير التجارة والزراعة ، ووظيفته النظر في كل ما يتعلق بهما. والسابع وزير البناء والطرق والقناطر (٢) ، وما يتعلق بذالك.

والثامن وزير الحرب وله النظر في كل ما يتعلق بالبحر من العساكر ونظامها وءالاتها وإقاماتها ، وله النظر في المدافع والبارود والسلاح ، وكل ما يتعلق بأمور الحرب كلها.

والتاسع وزير البحر (٣) وله النظر في المراكب وتعليم علوم البحر والصنائع التي تخصه وسائر الأمور البحرية.

وسائر ما يصرفونه من المال ، يكون على يد هاؤلاء الوزراء بموافقة السلطان (٤) ، كل واحد وما إلى نظره. فإن وافق المصرف وجه الصواب برئ منه دافعه ، وإلا أغرمه الوزير الذي دفعه. وأما السلطان فلا يطالب بشيء ، وإن كان موافقا على الدفع ، إذ من جمله شرائعهم وقوانينهم ، أن الملك محترم لا يتعرض له ، وأن الوزراء هم

__________________

(١) قارن مع ما أتى به الطهطاوي في هذا الباب ، تخليص ، ص. ١٦١ ؛. ١٨٨ ـ ١٨٧.L\'or ,pp وكان ابن خلدون يرى أن الإنسان العارف أو العالم هو الشخص الذي حصل على معرفة معينة انطلاقا من الممارسة ؛ وحسب ما جاء عند فلاسفة القرن الرابع عشر ، فإن «التعليم العلمي» هو عبارة عن «حرفة» أو «عادة» يتعلمها الإنسان من خلال تكراره إياها إلى حين بلوغ درجة الإتقان ، انظر :

Muqaddimah ٢ : ٦٢٤, ٣ : ٩٩٢ ـ ٠٠٣.

(٢) وزير الأشغال العمومية ، ويقابله بالفرنسية (Ministre des Travaux Publiques).

(٣) وزير البحرية والمستعمرات ، ويقابلها في الفرنسية :(Ministere de la Marine et des Colonies) وربما أقصى الترجمان لفظة «المستعمرات» ، لأن فيها إشارة ضمنية إلى الوجود الفرنسي في الجزائر.

(٤) يبدو أن عبارة «بموافقة السلطان» قد أضيفت في مرحلة لاحقة في الهامش.

٢٥٥

الكفلاء (١).

فممّا يصرف على يد وزير الخزنة ، فلأهل البنكوا وهم الذين يدفعون المال لخزنتهم ويأخذون ربحه كل عام مايتا مليون واحد وثمانون مليونا ونصف. والحساب كله على الفرنك الذي هو خمس الريال (٢).

ومن قوانينهم إذا احتاجوا لعمل طريق أو إجراء نهر أو نحو ذالك ، ولم يكن عندهم ما يفي بذالك ، فيتسلفون من التجار ما ينفقونه في ذالك ويعطونهم فائدته ما دام عندهم حتى يردوه. فكان الذي لزمهم في هذا العام في ذالك : عشرة ملاين وماية ألف وخمسة وتسعين ألفا وثلاثماية.

ومن قوانينهم أيضا إذا أرادوا أن يولوا أحدا على قبض مال للدولة ، كأمناء أعشار المراسي وغيرهم ، فإنهم يأخذون منه قدرا من المال ينزلونه في خزنتهم كأنه رهن ، ليلّا يضيع شيئا من مال الدولة ، ويعطونه فائدته ما دام عندهم. فلزمهم في ذالك هذا العام : سبعة ملاين. فإذا صرف عن مرتبته ، ردوا له رأس ماله.

ومنها أنه إذا ضعف أحد من خدام الدولة عن الخدمة لعذر كالعسكر وغيره ، يرتبون له ما يكفيه ولا يضيعونه ، لزم في ذالك : سبعة وخمسون مليونا وماية ألف وتسعون ألفا.

ومن مصروف وزير الخزنة ما يعطونه كل عام لسلطانهم ، وقدره : ثلاثة عشر مليونا وثلاثماية ألف. ويدفع للقمرة الكبيرة ، لخدمتها وضوئها وحطبها وإصلاحها وسائر ما يتعلق بها : سبعماية وعشرون ألفا. وفي مثل ذالك على القمرة الصغيرة : سبعماية ألف وأربعة وسبعون ألفا وأربعماية واحد وخمسون. ويدفع ما يعطى لكل

__________________

(١) في حالة المغرب قبل عهد الحماية ، كان السلطان يأمر بمصادرة ممتلكات الموظفين المخزنيين الذين قد يتلاعبون بممتلكات الدولة. وكانت تلك هي حالة القائد أشعاش : انظر الصفحات السابقة من هذا الكتاب. والكفيل في التشريع الإسلامي هو الضامن لأحد الأطراف المتعاقدة. انظر مادة «الكفالة» في : SEI ,"Kafala ".

(٢) نقل الصفار جزءا من ميزانية فرنسا لسنة ١٨٤٦ كما وردت في الكتاب المشار إليه سابقا مع استثناء واحد مهم جدا هو أن الترجمان قد حذف منه المصاريف المتعلقة بحرب الجزائر. وقد فضلت سوزان ميلار عدم إدراج هذا القسم الخاص بمصاريف الدولة الفرنسية كما هو وارد في ميزانيتها ، فأعدناه إلى النص العربي للرحلة كما كتبه محمد الصفار (المعرب).

٢٥٦

وزير في العام وقدره : ثمانون ألفا.

ومما يصرف على يد وزير الأمور الخارجية ، فللقناصوا (١) المرسلين من عندهم للبلاد وللباشدورات القادمين عليهم من غيرهم : خمسة ملاين وماية ألف واثنان وتسعون ألفا وثمانماية. وللرقاسة المبعوثين لخارج فرانسا ، وما يهدونه للملوك إن عرض ما يوجبه ، وما يصرفه باشدورهم الذي يذهب لجهة أخرى ، ولمصروف يسمونه المصروف الخفي ، كأن يبعث أحدا خفية لإقليم من الأقاليم يتجسس الأخبار ولا يشعر به أحد : مليونان وسبعماية ألف وخمسة وسبعون ألفا وأربعماية وتسعة وستون. وللذين عجزوا عن الخدمة ممن إلى نظره ، كالقنصوات ونحوهم : ثمانون ألفا ، وله مصاريف غير ذالك. فجميع ما يصرف على يد وزير البرّاني وهو هذا : ثمانية ملاين وسبعماية ألف وخمسة وخمسون ألفا وثلاثماية واحد وتسعون.

ومما يصرف على يد وزير الداخلية أمور كثيرة ، فلوظيفته وكتابه وخدمه وما يتعلق بذالك : مليون وثلاثماية ألف وإثنان وأربعون ألفا وتسعماية وأربعة وخمسون. ولعساكر البلد غير عساكر الحرب ، وهم الذين يتخذونهم الحكام في البلدان لضبط أمور الرعية. وللعلامات المسماة بالشنايل (٢) التي ابتدعوها لوصول الخبر بسرعة : مليونان ومايتا ألف وسبعة وثلاثون ألفا. وللكومذيات التي اتخذوها للفرجة واللعب إذ كان مدخولها لا يكفيها ، ولهم غرض في عمارتها ، لأن ذالك من ضروريات البلد. وللصنائع النفيسة ولعمارة موضع اجتماع التجار المسمى بالبرصة : ثلاثة ملاين ومايتا ألف واحد وستون ألفا وتسعماية. ويصرف على يده مرتبات الاسبيطارات التي اتخذوها للمرضى الغرباء بمنزلة المارستان عندنا. وما يعطونه للفقراء الغرباء : ثلاثة ملاين وخمسماية ألف واثنان وستون ألفا.

ولوظيفة الحكام الذين يستعملهم في الإيالات ، ثمانية ملاين وماية ألف وأربعة وعشرون ألفا وسبعماية. وللمساجين في جميع بلاد فرانسا : ومؤن السجون سبعة ملاين وأربعماية ألف وعشرة آلاف. ومن حكمهم في بعض السجون وبعض المساجين ، أن المسجون إذا كانت له صنعة فإنه يجبر على خدمتها وهو مسجون. وما

__________________

(١) يريد أن يقول : للقناصل ، وهذا جمع للتسمية المغربية الدارجة بصيغة المفرد ، قونصو (المعرب).

(٢) يبدو أن هذه اللفظة تحريف للكلمة الفرنسية (signaux) بصيغة الجمع ، ومعناها مؤشرات أو علامات (المعرب).

٢٥٧

يستفيده منها يوضع له عند أمين ، فإذا تمت مدة سجنه وخرج فلا يجد نفسه فقيرا فيعود إلى السرقة أو نحوها. ويصرف على يده في بناء ديار المحاكم : ثمانماية ألف وأربعة وثلاثون ألفا ومايتان. وفي الطرق التي بداخل البلدان : عشرون مليونا وسبعماية ألف وسبعة وسبعون ألفا ، إلى غير ذالك مما يصرف على يده. فجميع ما يصرف على يد وزير الأمور الداخلية : ماية مليون وتسعة ملاين وستماية ألف وستون ألفا وماية وثمانية.

وما يصرف على يد وزير الدين والشرع : ستون مليونا وتسعماية ألف وثلاثة وتسعون ألفا وستماية وأحد عشر ، فيما بين ما يخصه لنفسه وللقضاة والشهود الذين يحتاج لجلبهم من مكان بعيد للشهادة في واقعة من الوقائع. وللكنائس والقسيسين وخدمة الكنيسة وإصلاحها ، ولمن كبر في الكنيسة وعجز ، ولتعليم علوم الدين والشرع وغير ذالك مما يتعلق بأمور دينهم وشرعهم.

ومما يصرف على يد وزير العلوم والمدارس ، فيما بين ما يجب له ولكتابه وأهل مشورته على مصلحة التعليم ونظام المدارس ، وللذين يذهبون كل سنة من باريز لأقاليم فرانسا وبلدانها لاختبار المدارس وأمور التعليم ، ولوظائف المدارس والمدرسين والنظار على الأولاد المتعلمين ، ولقومة دار الكتب السلطانية ، ولخدمة بستان الوحوش والنباتات والمعادن ، لأنه من جملة مدارس التعليم لما فيه من المعلمين والمتعلمين الذين يتعاطون علوم النباتات وكيفية تطبيعها ، وطبيعة المعادن وخاصيتها وكيفية الغرس ومعالجته ، وللذين يذهبون للأقاليم ليأتوا بما يتعلق بهذا الفن ، الجميع : سبعة عشر مليونا وسبعماية ألف واحد وثلاثون ألفا وثمانية فرنك.

ومما يصرف على يد وزير التجارة والزراعة ، فلوظيفته وما يتبعها سبعماية ألف وسبعة وأربعون ألفا وستماية وثمانون. ومن وظيفة هذا الوزير أنه يبحث على أصل الخيل الجياد ويجلبها من الآفاق ، وتربى على يده لينسل منها. فمن كانت له فرس أنثى فيأتي بها وينزى عليها بهذا المحل ، ويعطي عطاء معلوما ، لاكن لا يفي ذالك بمصروفها. فلزمهم في ذالك : مليونان ومايتا ألف أربعون ألفا. وفي تعليم طب الخيول وسائر البهائم والبيطرة ، ولمن ظهر على يده في الفلاحة والزراعة شيء لم يسبق به يعطونه ترغيبا في التنافس في الصنائع ، لتبقى دائما في الترقي : مليون وخمسمائة ألف واحد وثمانون ألفا وخمسماية.

وللذين يعلمون الصنائع وما تحتاج إليه من الآلات : مليون وماية ألف وخمسة

٢٥٨

وستون ألفا. ولمن ظهرت على يده مزية في الصنائع ، غير الفلاحة والزراعة : مايتا ألف وثمانية وأربعون ألفا. ولأناس يذهبون إلى البحر الكبير لاصطياد سمك مخصوص هنالك يبيعون لأنفسهم ولاكن يعينهم البيلك ، فيلزم في ذالك : أربعة ملاين.

ولهم مواضع يخرج فيها ماء سخن يقصده الناس للتداوي ، وبه بيوت وأطباء وعمارة يلزم في ذالك مايتا ألف وخمسون ألفا. ولأطباء الجدري في طبهم له ، من ذالك أن طبيبا لهم منذ سبع سنين ، اخترع لهم أن يأخذ حبة تخرج في بطن البقر فيقطعها منها ، ثم يعمد إلى ذراع الصبي فيشق جلده ويدخل تلك الحبة تحت الجلد ، فتبرز فيه حبة في ظار الجلد ، فيتألم بها قليلا ثم يبرأ ولا يمرض بعد ذالك. فيلزمهم لها وللأطباء : ثلاثماية ألف وتسعة وأربعون ألفا وخمسماية.

ولمن انهدم بيته بعارض الحرق ، أو انهدم بنفسه وعجز عن إعادته يعينونه ، فيلزمهم في ذالك : مليونان وسبعماية ألف وستون ألفا وأربعماية وأربعون ، لتدوم العمارة. إلى غير ذالك من المصاريف. فجميع ما يصرف على يد هذا الوزير : أربعة عشر مليونا وسبعة وثمانون ألفا وماية وعشرون.

ومما يصرف على يد وزير البناء وما عطف عليه ، فلوظيفته وكتابه وخدمته وما يتبع ذالك : خمسماية ألف وثمانية وأربعون ألفا وخمسمائة. وللمهندسين في الطرق والقناطر والبناءات : ثلاثة ملاين ومايتا ألف وتسعة وسبعون ألفا. وللبناءين والصناع وسائر عملة البناء : مليون وخمسماية ألف وثمانية وثلاثون ألفا. وللمهندسين في المعادن وسائر عملتهم : ستماية ألف وثمانية وتسعون ألفا وأربعمائة. ولأهل المشورة في البناء الذي تطلبه الرعية من الدولة : ثمانية وستون ألفا وتسعماية. ولمن عجز عن الخدمة من المعلمين والمهندسين : ثلاثماية ألف. ويصرف على يده أيضا في القناطر والطرق العامة : أحد وثلاثون مليونا وماية ألف. ولإصلاح الأنهار ومجاريها وبناء حواشيها وإصلاح طريق الماء ليلّا يذهب من غير طريقه فيفسد : أربعة عشر مليونا وسبعماية ألف وستون ألفا. ولإصلاح بناءات المراسي وترقيع ما احتاج له منها : خمسماية ألف وثمانية وخمسون. ولنظار طرق الحديد : مايتا ألف وثمانية آلاف ومايتان وخمسون. ولما تعين به الدولة التجار في إقامة طرق الحديد : أربعماية ألف وخمسون ألفا. إلى غير ذالك من المصاريف التي تصرف على يده ولم أتحقق جمعها.

ومما يصرف على يد وزير الحرب ويسمونه وزير الكرّة ، فلوظيفته وكتابه وخدمه

٢٥٩

وما يتبع ذالك : ثمانماية ألف وسبعة وأربعون ألفا وخمسون. وللفسيانس والجلنارات في جميع بلاد فرنسا : سبعة عشر مليونا وأربعماية ألف وستة وعشرون ألفا وسبعماية وسبعة وعشرون. وللعساكر الذين يكونون في البلاد ولا يسافرون للحرب : عشرون مليونا وعشرون ألفا وماية وخمسة وأربعون. ولعساكر مدينة باريز بالخصوص : مليون وتسعماية وسبعة وتسعون. ولتجديد العسكر ، لأنهم يجددون في كل عام ثمانين ألفا من العساكر. ومن دخل في العسكر يجب أن يبقى في الخدمة ثمان سنين ثم هو بالخيار ، فليزمهم في العسكر المجدد : أربعماية ألف وأربعة وسبعون ألفا. ولوظائف سائر العساكر ولباسهم وجميع مئونهم : ستة عشر مليونا وتسعماية واثنان وثلاثون ألفا ومايتان وثمانية وعشرون. ولقضاة العسكر : ستماية ألف وثمانية آلاف وتسعماية وأربعة وثلاثون. ولنقل أمتعة العسكر ولباسهم وأسلحتهم حيث يحتاجون إليها : مليون وتسعماية ألف واحد وأربعون.

ولتجديد الخيول : مليونان وعشرون ألفا وثلاثماية وعشرة. ولسرجهم وسائر آلاتهم وعلفهم : تسعة وعشرون مليونا وستماية ألف. وللمدافع : سبعة ملاين وماية ألف وثلاثة وتسعون ألفا وماية وسبعة وسبعون. وللبارود : أحد عشر مليونا وتسعماية ألف وستة وثلاثون ألفا ، إلى غير ذالك من المصاريف. فجميع ما يصرف على يد وزير الحرب : ثلاثماية مليون وخمسة وعشرون مليونا وخمسماية ألف وستة وتسعون ألفا وتسعماية وتسعة وعشرون.

ومما يصرف على يد وزير البحر ، فلوظيفته وما يتبعها : مليون وسبعة وعشرون ألفا. ولرؤساء السفن والمراكب وبحريتها ، وسائر مونها ولوازمها : سبعة وثمانون مليونا وستماية ألف وإثنان وعشرون ألفا وسبعماية وخمسة وثمانون. ولتعليم علوم البحر وما يخصه من الصنائع : تسعماية ألف وستة وستون ألفا وثلاثماية. ولما يلزم جزائرهم المتفرقة في البحور : عشرون مليونا وأربعة وأربعون ألفا وخمسماية وستون ، إلى غير ذالك من المصاريف. فجميع ما يصرف على يد هذا الوزير : ماية مليون وأربعة عشر مليونا وثلاثماية ألف وستون ألفا.

وجميع ما يصرف على يد هاؤلاء الوزراء ، وهو مدخول بل خارج فرانسا في هذا العام : مليار واحد. وهو ألف مليون وأربعماية مليون وأربعة وثلاثون مليونا وأربعماية ألف وتسعة وثلاثون ألفا وأربعماية وستة ، منه ما كان سنويا ومنه ما اختص بهذا العام لأمر أوجبه.

٢٦٠