رحلة الصَّفار إلى فرنسا

محمّد بن عبدالله الصفار الأندلسي التطواني

رحلة الصَّفار إلى فرنسا

المؤلف:

محمّد بن عبدالله الصفار الأندلسي التطواني


المحقق: د. سوزان ميللر
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-9953-36-976-3
الصفحات: ٣٢٤

الفصل الرابع

فصل في عوائدهم في المأكل

فصل في عوائدهم في المأكل وبيان أنواع مئاكلهم (١).

اعلم أن من عادة هاؤلاء القوم أنهم لا يعرفون اقتعاد بسيطة الأرض ، ولا يجلسون إلا على الشوالي (٢) ، ولم نر مدة إقامتنا ببلادهم أحدا منهم جالسا على الأرض مباشرة.

ومن عادتهم أنهم لا يباشرون الطعام باليد ، ولا يجتمعون على ماعون واحد (٣). فإذا حضر وقت الأكل أتى الخدمة بطبلة من الخشب ، إن كان القوم قليلين فصغيرة ، وإلا فكبيرة ، وينصبون لها أرجلا من الخشب تنزل عليها. وتلك الأرجل تنجبذ من بعضها بعضا وتتداخل ، فإن جبذوها من بعضها بعضا فتكبر الطبلة ويزاد في وسطها

__________________

(١) يلاحظ أن المعلومات التي أوردها الصفار حول فنون الطبخ وعادات الأكل عند الفرنسيين ، أشد طولا وتفصيلا مما في القسم الذي خصصه الطهطاوي للموضوع نفسه. انظر : تخليص ، ص. ١١٣ ـ ١١٥ ؛ وأيضا ، ٥٠ ـ ١٤٨L\'or ,pp.

(٢) مفردها شلية من الإسبانية سيليا (silla) ، انظر : ٧٨٣ : ١Dozy.

(٣) وصف جاكسن طريقة الأكل عند المغاربة على الشكل التالي : «يقوم المغاربة [...] بغسل أياديهم قبل تناولهم الطعام الذي [...] يأكلونه بأصابعهم : حيث يجلس ستة أفراد حول قصعة كبيرة [...] فيضع كل منهم يده فيها ليحمل لقمة من الطعام ويرسلها نحو فمه بخفة بديعة دون أن تلمس الأصابع الشفتين [...] ولا تجد في ديارهم كراسي أو طاولات ، بل يجلسون مربعين أرجلهم على الزرابي أو الحصائر ، ثم يتناولون الطعام من القصعة أو الآنية الموضوعة على الأرض. انظر : Jackson, Account, p. ٩٣١

٢٠١

ألواح حتى تكون على قدر الأرجل ، وإلا فتكون صغيرة بتداخل الأرجل والاكتفاء بالطبلة الأصلية من غير زيادة. فهي تقبل التصغير والتكبير بحسب الآكلين ، فتكون بحيث يجلس عليها أربعة مثلا ، ثم تصير بحيث يجلس عليها عشرة وأكثر. ثم يفرشون عليها ثوبا أبيض في غاية النظافة يسترها كلها ، ثم ينزلون لكل واحد ماعونا صغيرا فارغا فيه فوطة بيضاء مطوية ليجعلها على حجره ، ومعه قطعة من الخبز وملعقة من الفضة وسكين صغيرة وشوكة صغيرة بثلاثة أسنان ، وذالك من الفضة في الغالب.

ثم يصففون على الطبلة أواني الفواكه والحلاوات ، وربما زادوا مع ذالك صفا آخر من محابق النوار ، ويجعلون لكل واحد زجاجة من الماء معها كأسها ليصب فيه من الزجاجة ويشرب. فأما الزجاجة فقد يشركون اثنين في واحدة ، وأما الكأس فلا يكون إلا كل واحد بكأسه ، ولا يشرب أحد فيما شرب فيه آخر في ذالك المحل. ويرون أن ذالك أبلغ في النظافة ، وإن كان الجالس من قومهم زادوه زجاجة خمر معها كأسها. ثم يصففون أيضا لكل اثنين أو ثلاثة إناء من زجاجتين صغيرتين ملتصقتين ، في إحداهما ملح وفي الآخر الفلفل الذي نسميه الابزار مسحوقا ، وفيه ملعقة لطيفة جدا يؤخذ بها منه لأنهم لا يطبخون أطعمتهم بالملح ، وعند الأكل كل واحد يملح على قدر شهوته.

ثم يأتون بطاس من نحاس مموه مثقوب الجوانب إما مستدير وإما مستطيل ، عليه مغصة مبسوطة ، وفي قعر الطاس قطعة من شمع فيوقدونها ويجعلون ذالك الغطاء فوقها وينزلون عليها مواعين الطعام ليبقى سخنا ، فيجعلون واحدا في هذا الجانب وءاخر في الجانب الآخر. ثم يصففون الشوالي مع جوانب الطبلة. على عدد الجالسين ، ويبقى الخدمة يهيئون في هذه الطبلة نحو ساعتين ، وينزلون خارج الطبلة عددا كثيرا من الطباسيل (١) وما يتبعها من المعاليق والسكاكين والمشاوي.

فإذا وصل الوقت ، فيأتي الآكلون ويجلسون على شواليهم ، والخدمة واقفون على رءوسهم ، فينزلون لكل واحد طويسة من الزجاج فيها ماء يغسل به يده ، وفويطة أخرى يمسح بها يده. ثم يجعل الفويطة الأولى على حجره ، ويجعل الملعقة وما معها

__________________

(١) مفردها طبسيل ، وهو الإناء المخصص للأكل : بالفرنسية بلاطو هكذا (Plateau). انظر : ٢٠ : ٢Dozy (المعرب).

٢٠٢

عن يمينه. فيأتون أولا بالمرقة المعروفة عندنا بالشربة ، وهم يتفننون فيها ، تارة ، يركبونها من النباتات مع مرق اللحم ، وتارة من الدقيق مع نحو فداوش ، فيشربها بتلك الملعقة. فإذا فرغ رفع الخادم الطبسيل الذي كانت فيه والملعقة التى أكلت بها ، ويأتيه بطبسيل آخر نظيف. ثم يأتي الخادم بماعون كبير فيه لحم أو سمك أو دجاج أو غير ذالك ، بعد أن يقطعه قطعا صغيرة ليسهل تناول البعض منه. وفيه ملعقة يغرف بها منه أو غيرها من الآلات التي يؤخذ بها ذالك الطعام ، فيعرضه على الجالسين ، فإن اشتهاه أخذ منه أو أمر الخادم أن يغرف له منه ، وإلا صرفه عنه قائلا له مرسي (١) ، ومعناها كثر خيرك ، وهذا من آدابهم حتى مع خدامهم.

فإن كان المأخوذ مثل اللحم ، فإنه يمسك الشوكة بيده اليسرى والسكين بيده اليمنى ، فيغرز الشوكة في اللحم ويقطع بالسكينة ويرفع إلى فمه ، ولا يباشر بالمس باليد ، فإن ذالك عندهم من القذر. وإن كان فاترا من الملح ، فيجد آنيته حذاءه فيجعل فيه من الملح على قدر ما يريد ، وكذالك الفلفل إن احتاج إليه. وهو في خلال ذالك يقطع من الخبز بيده ، فإن أراد أن يودمها ركزها في الشوكة وءادمها ، وإلا رفعها إلى فيه بيده. وإن كان الطعام يحتاج للزيت والخل ، فلهم أيضا زجاجتان في أحدهما خل وفي الأخرى زيت مشتركتان في لوحة ينزلان فيها وتمسك بمخطاف صغير ، فإذا وضع الطعام الذي يحتاج لذالك ، أتبعه الخادم بالزيت والخل ، فإذا فرغ من أكل ما نصب له ، رفع الخادم الطبسيل وما تنوول به الطعام وأتاه بغيره نظيفا ، وهكذا في كل أكلة. ولذالك يعدون ما ذكر من الطباسيل وما معها ، لأنهم يبدلونها في كل طعام حتى لا يأكل ثانيا فيما أكل فيه أولا ، وهذا من مبالغتهم في النظافة.

ولهم في الأطعمة ترتيب معلوم ، فيقدمون أولا أنواع المطبوخات من لحم وغيره ، ثم يتبعونها بأنواع المشويات من دجاج وغيره ، ثم يختمون بالفواكه والحلاوات. ويبتدءون في كل نوع ، بما سهل هضمه وخف على المعدة حمله ، فيقدمون السمك والدجاج على اللحوم ونحو ذالك ، ويفصلون بين كل نوع والذي يليه بفاصل. وعلامة انقضاء المطبوخ وابتداء المشوي أن يأتوا بينهما بأكواس فيها بيض معقود بسكر ودقيق وحليب يجعلونه في الثلج حتى يصير مثله في البرودة. وعلامة نزول الفواكه أن يبدلوا شكل الطباسيل وما معها ، فينزلون طباسيل رقيقة الشكل ظريفة ،

__________________

(١) بالفرنسية (merci).

٢٠٣

ومعها سكينة وشوكة مموّهان بالذهب. فإذا فرغوا من أكل الجميع ، أتاهم الخدمة بماء مطبوخ فيه ما تزال به نكهة الطعام كالسعتر ونحوه ، فيغسلون أيديهم ويمضمضون ، ثم يمسح يده ويقومون.

وإن كانوا في دار أحد منهم ، فلا يقومون حتى تقوم ربة المنزل أولا ، ولا يجلسون في الابتداء حتى تجلس. فإذا قاموا فيذهبون لمحل آخر ، لأن محل الأكل غير محل الجلوس ، محافظة على نظافة محل الجلوس. فيتبعهم الخدمة بالقهوة فيشربونها ، ويأخذون في الحديث شيئا ما إن لم يكن لهم ما يحبسهم ويذهب كل واحد لشأنه.

ومقدار مكثهم على الطبلة نحو ساعتين ، لأن من عادتهم إطالة الحديث حال الأكل ، ليبالغوا في الأكل. وقد قالت العرب : «من تمام الضيافة ، الطلاقة عند أول وهلة وإطالة الحديث عند المواكلة». وكنا نكره مجيء وقت الأكل لطول الجلوس ، ولا نفهم كلامهم ، مع أن كثيرا من أطعمتهم لا توافقنا ، فكنا نعيا ونمل لطول المكث والجلوس. هذا ما يتعلق بكيفية الأكل.

وأما أطعمتهم فعمدتها اللحم والسمك والدجاج ، والدجاج الكبير المعروف عندنا بدجاج الهند (١) ، ولحوم الصيد والإوز. ثم الأرز والفداويش وكويرات يصنعونها من الدقيق قلبها هاش ويقلونها كالسفنج الصغير. والجلبانة الخضراء ولا تنقطع عندهم لأنهم يعالجون زرعها في البيوت بالنار كما تقدم ، وكذالك الفول الأخضر يوجد عندهم دائما. وكذالك السلق واللوبيا ويطبخونها بالحليب والكرافس نيئا ومطبوخا ، واللفت ويطبخونها وحدها ولا يجعلونها مع اللحم كما نفعله نحن. ولفتهم كثير الحلاوة ، حتى أن بعض الناس لا يقدر على أكلها لشدة حلاوتها. ولهم أنواع من العقيد (٢) ، منه ما هو من البيض والسكر والدقيق والحليب ، ومنها ما هو من القهوة ومنها غير ذالك. ومن خضراواتهم الخرشرف أضلاعه وكوبه ، ويطبخون كلا على حدته. وكذالك نوع من الكرنب ويطبخونه وحده بلا ملح ، وحين يوضع للأكل يملح ويجعل عليه الخل والزيت.

ومن خضراواتهم أيضا البطاطة الرومية وقل أن يخطيها طعام ، يستعملونها

__________________

(١) الديك الرومي.

(٢) نوع من الحلويات الذي يحضر بالدقيق والبيض والحليب والسكر (المعرب).

٢٠٤

وحدها ومع غيرها. ومنها الترفاس (١) وهو عندهم أسود ، والغالب أنهم يضيفون له في طبخه شيئا من الرّب ويحشون به بطن دجاجة الهند ، ولها عندهم كذالك ثمن غزير ، أخبرني بعضهم أنها تباع كذالك باثني عشر ريالا ، وانظر كم تبلغ هذا الثمن. ومنها الفقاع الذي ينبت عندنا وحده ولهم به اعتناء كبير ، يجعلونه وحده أو مع غيره. ولهم طبيخ من التفاح بالسكر. ومن خضراواتهم النيئة : الكرافس والنبات المعروف عندنا بكروينش والخس وفجل صغير جدا وحبات الزيتون أخضر ، ولا تخطيهما مائدة (٢).

وكل هذا من أنواع الشلايظ (٣) ، لاكن لا يركّبونه. ويحضرون أيضا بصيلات صغارا منقعات في الخل مع فلفلة خضراء ، وأما البصل الكبير فلا اعتناء لهم به وهو قليل عندهم.

ولحومهم البقر والغنم ، والكل قد بلغ غاية الغاية من السمن خصوصا العجول. ولهم على تسمينها باعث مخصوص ، وهو أن لهم موسما بكل عام يسمونه الكرنوال (٤) ، وهو عيد ثلاثة أيام يلعبون فيه ويشوهون أنفسهم بأن يتزوا بزي فيه

__________________

(١) ينمو الترفاس في المغرب بطريقة طبيعية في المناطق الغابوية في الشمال ، وكذا في جبال الأطلس المتوسط ومنطقة سوس. وأشار جاكسون إلى ارتفاع الطلب عليه كلما حلت أوقات نضجه ، وأنه قد «يباع بثمن أعلى من ثمن العنب ، أو غيره من بقية الفواكه والخضر» انظر :

Account, p. ٦٧; Dozy ١ : ٥٤١.

(٢) الفقاع ، والكرافس ، وكروينش وغيرها ، أسماء من العامية المغربية للخضروات وما إليها من النباتات الصالحة للاقتيات انظر :

H. P. J. Renaud et G. S. Colin, Tuhfat al ـ Ahbab : Glossaire de la matie؟re me؟dicale marocaine) Paris, ٤٣٩١ (, passim.

(٣) لفظة ربما أصلها إسباني : أنسلادا (ensalada) ، أو من الفرنسية : سلاد (salade) ، والتي دخلت إلى العامية المغربية ، وبالمفرد شلاظة ، وهي السلطة بالعربية الفصيحة (المعرب).

(٤) يقصد الكرنفال (carnaval) ، وأصلها من اللاتينية كارن (carn) أي لحم ولفار (Lavare) أي فعل رفع. ويتعلق الأمر هنا بمهرجان احتفالي يسود فيه اللهو وينعقد قبل حلول فترة الصوم الكبير (care؟me) ، ويرتدي خلاله الباريزيون من مختلف الطبقات الاجتماعية ملابسهم الخاصة بالكرنفال ويمرون عبر الشوارع صاخبين منتشين بما شربوه من الخمور. غير أن الصفار لم يشاهد

٢٠٥

تشويه ، ولهم وجوه مصنوعة بقصد ذالك ييعونها بعينين كبيرين أو فم أعوج أو نحو ذالك. ومن جملة ما يصنعون في هذا العيد ، أنهم يدورون في البلد بأسمن فحل من فحولها في موكب عظيم مدة ثلاثة أيام ، ثم يذبحونه ويعطون لصاحبه نصيبا من المال في مقابلة تسمينه له حتى يسمن سائر الناس عجولهم ، ويقول كل واحد إن عجله هو الذي يكون أسمن ، وبه يفعل ذالك فيتنافسون في تسمينها لأجل ذالك ، ولا يوجد عندهم الهزيل أصلا ، والغالب عندهم في ذالك الشي.

وأما السمك فإنهم يتفننون في طبخه تفننا عجيبا ، منه ما يطبخونه في الماء وعند أكله يصب عليه الخل والزيت ويدر عليه الملح. ومنه ما ينزع شوكه ويعجن في بعضه بعضا ويجعل أقراص ويشوى أو يطبخ. ويأكلون أيضا حيتانا تكون صغيرة وكبيرة ، من خاصيتها أنها تكون في الماء خضراء فإذا ألقيت في الماء الحار صارت حمراء (١). ويعتنون بها كثيرا في مئاكلهم ولا تخطيهم في الغالب ، والسمك من حيث هو لا يكون طعام بدونه أصلا. ولا يتفننون في الأطعمة بالتلون في طبخها ، وإن كان عندهم من ذالك شيء فيفعلونه كل وقت. وبالجملة فطعامهم كله لا لذة له ، وإن ملّحه وفلفله. لكن ما لا يستغنى عنه ليس منه بد ، وللضرورة ما يسد.

وفواكههم وحلاويهم حسنة لذيذة المذاق. فمن فواكههم التي كانوا يحضرونها لنا التفاح والإنجاص (٢) ، ويوجد عندهم في زمن الشتاء على الدوام. وهما في غاية من الصفاء سالمان من الأفات. واللشين وهو في بلادهم قليل ، ولاكن يجلب إليهم من محل آخر. والعنب في غالب الاوقات ولم يكن ينقطع عندهم أيضا وقتئذ ، إلا أنه ليس كثيرا مثل التفاح والإنجاص ، إنما يحضرون منه عنقودا أو عنقودين ، ويأكلون

__________________

الكرنفال ، ويحتمل أن يكون قد اكتفى بقراءة ما كتب عنه الطهطاوي ، أو أنه سمع كلاما في موضوعه من بعض الفرنسيين المرافقين. قارن مع ما جاء في الموضوع في تخليص ، ص. ١٢٣ ، وأيضا ،. ١٥٩.L\'or ,p

(١) ويتعلق الأمر ببعض أصناف السمك المعروفة بالقشريات : ومنها سرطان البحر المعروف بالهومار (homard) والكركند المعروف باللانكوست (langouste) والذي يسمى أيضا جراد البحر ، وأيضا الإربيان المعروف بالكروفيت (crevette). وتحتوي جميعها على مادة ملونة في قشراتها ، وحينما توضع فوق النار عند طبخها تتحول من اللون الأزرق إلى الأحمر.

(٢) وهي التسمية الدارجة التي يطلقها المغاربة على فاكهة الإجاص (المعرب).

٢٠٦

التفاح والإنجاص أخضران ، ويطبخونهما ويفندونهما بالسكر. ومن الفواكه المدخرة عندهم : المشماش يرقدونه في السكر ، ومنها البرقوق والخوخ والتين الخضراء مفندة أيضا بالسكر ، ويحضرون أيضا اليابسة. ومنها الليمون الصغير والأرنج بالتفنيد أيضا. ومن فواكههم أيضا اللوز ، ويزول قشره بالفرك باليد من غير دق ، والبندق والقسطال وهو عندهم كثير ، والجوز والزبيب. والتمر عندهم قليلا جدا لأنه إنما يأتيهم مجلوبا من محله ، فهو غريب عندهم.

ومن حلاواتهم ما يعرف عندنا ببشكتوا (١) ، ويتفننون فيه كثيرا ، وربما يضيفون له اللوز والسمسم ، وربما جعلوا في وسطه بياض البيض بالسكر ، وربما دهنوه بماء اللشين إلى غير ذالك من التفننات وهو عندهم حسن. ومنها اللوز المفند وهو حسن ، ومنها الشكلاط (٢) وهو معروف يطبخونه على الكيفية المعروفة ، وقد يجعلون منه أقراصا يابسة وغير ذالك. ويصنعون حلواء من اللوز مع عسل السكر ، ويجعلونها على شكل قبة أو برج أو صورة قرن كبير. ويعتنون باللوز المر في حلاواتهم كثيرا. وكل عسولهم من السكر ، وأما عسل النحل فهو عندهم قليل جدا لا يوجد إلا لنحو التداوي ، لأنه يجلب لهم من غير بلادهم ، وبلادهم لا يكون فيها لكثرة البرد. وحلاواتهم كثيرة ويحتفلون لها ويجعلون لها كواغيد مزوقة ملونة بصنائع بديعة ، وذالك مما يشهيها للنظر فيكون باعثا على شرائها ، وذالك مما يتعيّش به مقلاتهم.

وأشربتهم في الوقت الذي كنا فيه عندهم الخمر ممزوجا بالماء ، ولا يشربونه صرفا كما أنهم لا يشربون الماء صرفا في الغالب لاستغنائهم عنه بالخمر ، ويسيغون في خلال الأكل بالخمر. وكانوا يحضرون منه أنواعا ، ولاكن غالبها نوعان : أحدها

__________________

(١) يبدو من كلام محمد الصفار أن البشكيتو كان معروفا عند مغاربة القرن التاسع عشر. وسبق للغساني أن قدم تعريفا له في كتابه افتكاك ، ص. ٨٧ ، على الشكل التالي : «وهو خبز معجون بالسكر وصفرة البيض». وربما كانت لفظة بشكيتو تحريفا للتسمية الإسبانية :(bizcocho) ، كما جاء ذلك عند البستاني. أما الصفار ، فقد استعمل تلك التسمية للحديث عن مختلف أنواع الحلويات بوجه عام. (المعرب) ، وفي اتفاقية ١٨٥٦ التجارية التي أبرمها المغرب مع بريطانيا العظمى وردت الإشارة إلى مادة البسكوي في النص العربي للاتفاقية لكن تحت تسمية أخرى غريبة وهي البجماط ، ولا يعرف أصلها.

(٢) ورد ذكره أيضا عند الغساني ، افتكاك ، ص. ٨٧.

٢٠٧

الخمر المعروف ، والآخر خمر يسمونه الشنيالية (١) ، إذا صبت في الكأس علتها كشكشة كبيرة ثم تنزل وتصفوا ، وهي عندهم أرفع من مطلق الخمر. ولا يكثرون من الشرب حتى يثملوا أو يتمايلوا ، فإن ذالك عندهم معيب وفاعله لا يعد من أهل المروءة (٢).

وهاؤلاء القوم لا يكترثون بادخار القوت ، ولا يوجد فى بيوتهم إلا حين الأكل حتى بيوت أكابرهم وأهل الثروة منهم. ولا يعجنون الخبز في ديارهم كما عندنا ، وكل ذالك في الأسواق. فإذا كان أول النهار ، دفع رب الدار لخادمه الدراهم ، فيذهب ويشتري كل ما يحتاجون إليه في ذالك اليوم من خبز ولحم ودجاج وسمك وخضر وغير ذالك.

والدجاج يباع عندهم ميتا منتوف الريش ولا يذبحونه ، وكذالك سائر صيدهم من أرانب وطير وغيره. كله ميتة لا يذبحون شيئا منه ، ويرون أن في خنقه بقاء قوته (٣). فيأتي الخادم بالنفقة للدار ، فيطبخ منها ما يطبخ ويشوي ما يشوى ، ويعالج كل نوع بما يستحقه. وهذه عادتهم كل يوم ، فلا يتكلف أحد منهم بشراء زروع ولا طحنه ولا ادخاره (٤). وعلى أرباب الأسواق إقامتها بما يكفي المدينة ، حتى لا يفقد منها شيء طول السنة.

ومما يستحسن عندهم ، أنك لا تجد شيئا عندهم بالازدحام عليه ، فهذه المدينة على كبرها وامتلائها ، لا تفقد فيها شيئا من الأطعمة ، ولا تراه بالزحام أصلا ، حتى تظن أنه لا يشتري أحد شيئا من ذالك ، لكثرة ما ترى منه في الحوانيت والأسواق.

__________________

(١) أراد الصفار أن يقول خمرة الشامبانيا المشهورة :(champagne).

(٢) وردت الملاحظة نفسها عند الغساني ، افتكاك ، ص. ٣٧.

(٣) وفي ذلك مخالفة تامة للشريعة الإسلامية التي لا تحل على المسلمين أكل لحوم الحيوانات غير المذبوحة. وتدخل الحيوانات التي تخنق عوضا عن ذبحها في عداد «الميتة» ، انظر : SEI ,s.v ـ ـ "maita "

(٤) من عادة المغاربة تخزين بعض أصناف المواد الغذائية ، إذ يستغلون الفرق الحاصل في أثمانها حسب الفصول. فيشترون كميات كبيرة من القمح في موسم الحصاد ، ويطحن جزء منه فيصبح دقيقا ، ثم يحول إلى كسكس أو إلى سميد ، ويوضع الكل في أكياس تخزن في مواضع معينة من البيت ، وتكون صالحة للاستهلاك طوال فصول السنة.

٢٠٨

لاكن لا يفسد لهم شيء من ذالك ، وتبقى اللحم عندهم أياما لا تتغير ولا تفسد.

وينجر الكلام على ما خلص إلينا علمه مما يذبح من اللحم بهذه المدينة ؛ رأيت في كازيطة من كوازيطهم أنه ذبح في شهر يناير ، وكان فيه عيد لهم هو رأس عامهم : فمن الثيران سبعة آلاف ومايتان وثمانية وأربعون ، ومن إناث البقر ألف واحد وثمانماية وتسعة وثلاثون. ومن العجول سبعة آلاف ومايتان وثمانية وعشرون ، ومن الغنم أحد وأربعون ألفا وثمانماية وتسعة عشر. وليس في هذا الشهر زيادة كثيرة على الذي قبله ، إنما زاد عليه لأجل العيد. فمن البقر أربعماية واحدا وستين ، ومن العجول مايتين وتسعة وثمانين ، ومن الغنم ماية وثمانية وثمانين ، انتهى.

كما ينجر الكلام إلى ما خلص إلينا من بعض أسعارهم ، بعد أن تعلم أن سكتهم الريال وهو معلوم ، الذي رواجه عندنا في هذا الحين بست عشرة أوقية ، والفرنك وهو خمسه ، والصلدي وهو الذي عشرون منه في الفرنك ، وهو فلوسهم (١).

فسعر الخبز الجيد أربعة صلدي للرطل ، ولا يباع بالعدد كما عندنا بل بالوزن ، والذي دونه بصلديين. ورطل اللحم بخمسة عشر صلديا ، ولا فرق بين البقر والغنم إلا العجول فإنها بثمانية عشر ، والدجاجة الصغيرة بريال ، ودجاجة الهند بثمانية فرنك ، والإوز واحدة بنصف ريال. والزبد يختلف بالجودة والطراوة وضدها ، فهو من عشرين صلديا إلى أربعين ، والبيض اثنان منه بصلدي ، والأرنب بريال للواحدة ، ورطل السكر بفرنك واحد ، والقهوة بفرنكين ، والشكلاط بنصف ريال ، ورطل الأتاي من اثني عشر فرنكا إلى خمسة عشر. وليس عندهم الأتاي الجيد بل ولا المتوسط ، إنما أتايهم حشيش يابس لا مذاق فيه للأتاي المعروف ، ولو لا الحليب ما كان يشرب ولا اعتناء لهم به (٢). وثمن الثور حيا من ماية وعشرين فرنكا فأكثر. والثور الذي لا

__________________

(١) انظر ما أوضحناه بخصوص هذه النقطة في الهامش ٢٨ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.

(٢) كان دخول الشاي إلى المغرب في القرن الثامن عشر ، وانحصر استهلاكه في بداية الأمر على الأوساط المخزنية. وكان غالبا ما يحشر مع مختلف الهدايا المبعوثة من ملوك الدول الأوربية بواسطة سفرائهم إلى سلاطين المغرب. أما في زمن محمد الصفار ، فقد اتسع نطاق استهلاك مادة الشاي ، حتى بلغ جل أطراف الصحراء وواحاتها. انظر :

J. ـ L. Mie؟ge," Origine et de؟vloppement de la consommation du the؟au Maroc", Bulletin e؟conomique et social du Maroc, ٠٢, ١٧) ٦٥٩١ (: ٧٧٣ ـ ٨٩٣;

٢٠٩

أسمن منه الذي هو مثل ما تقدم ذكره ، أعني الذي يطوفون به في عيد الكرنوال ، يباع حتى بثلاثة آلاف فرنك. وقالوا إن مثل هذا يزن نحو أربعة وعشرين قنطارا.

وزيت الزيتون الحلو الجيد بفرنكين للرطل ، وغيره بخمسة عشر صلديا. ورطل الشمع بخمسة وثلاثين صلديا ، وشمعهم من شحوم البقر وقد يكون من شحم الحوت ، وهو في غاية البياض ، ولاكن الأول هو الغالب. وأما شمع النحل فهو عديم الوجود عندهم ، ويوقدون الشمع أكثر من الزيت. ولاكن شمعهم قليل الضوء ، فالشمعة الواحدة من شمعنا تضيء كما تضيء ثلاثة أو أربعة من شمعهم. والحطب عندهم يباع بالوزن لا بالأحمال ولا بالقت ، وثمن القنطار منه نحو ثلاثة فرنك.

هذا ما بلغنا من ذالك ، وبالله التوفيق.

__________________

وأيضا ، معلمة المغرب ، ج ١ ، مادة ، «أتاي» ، ص. ١٠٥ ـ ١٠٨. وهذا بالإضافة إلى الدراسة الأخيرة التي أنجزها الباحثان عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان لخصاصي في الموضوع ، وعنوانها : من الشاي إلى الأتاي ، العادة والتاريخ ، منشورات كلية الآداب بالرباط ، سلسلة بحوث ودراسات رقم ٢٥ ، ١٩٩٩.

٢١٠

الفصل الخامس

فصل في ذكر مكثنا في هذه المدينة

فصل في ذكر مكثنا في هذه المدينة ومدة إقامتنا بها وما رأيناه فيها ، وملاقات سلطانهم ، وغير ذالك مما يتعلق به.

قد أسلفنا أن دخولنا لها كان يوم الأحد الثامن والعشرين من ذي الحجة ، وكان خروجنا منها يوم الاثنين تاسع عشر صفر (١) ، فكانت مدة إقامتنا بها خمسين يوما. ومع قلة مدة إقامتنا بها ، فما كنا نخرج من المحل الذي كنا نازلين به إلا في بعض الأوقات حين يدعوننا له ، ويعزمون علينا في الذهاب لموضع من مواضعهم أو لضيافة أو فرجة أو نحو ذالك. فكان خروجنا قليلا ، وكان في ذالك حفظ لحرمتنا وبقاء أبهتنا وطلاوتنا. فكنا والحمد لله في أعينهم عظاما ، ينظرون إلينا دائما بعين الاحترام والتعظيم ، ولو كنا مبتذلين نكثر في الدخول والخروج لكنا بخلاف ذالك. كما قال أزدشير (٢) لابنه ، لا تمكن الناس من نفسك ، فإن أجرأ الناس على الأسد أكثرهم له معاينة.

__________________

(١) وصل أعضاء البعثة المغربية إلى باريز يوم الأحد ٢٨ دجنبر ١٨٤٥ ، وغادروها يوم الاثنين ١٦ فبراير ١٨٤٦.

(٢) يزدجرد الأول (Ardachir ler) ، هو مؤسس الدولة الساسانية الجديدة في بلاد فارس قبل مجيء الإسلام ، وكانت وفاته في سنة ٢٤٢ ميلادية. ترك أقوالا بليغة في أدبيات التربية الأميرية ، تداولتها الألسن وانتقلت مضامينها إلى الأدب العربي ، ومن ثم أصبح «يذكر اسمه ، كلما تعلق الأمر بالحديث عن كلمة حكيمة أو عن سلوك واع في الميدان السياسي والعسكري» ، انظر :

٢١١

وقال الشاعر :

كما يخلق الثوب الجديد ابتذاله

كذا تخلق المرء العيون اللوامح

وأيضا فلا نهتدي للذهاب لموضع وحدنا لعدم معرفتنا البلد واللسان ، فلم نكن نخرج إلا بقائد وسائق ، فلنا عذر في عدم استقصاء أخبار هذه المدينة وأخبار أهلها.

ولما دخلنا هذه المدينة ، أنزلونا بدار كانوا أعدوها لنا بالمحل المعروف عندهم بالشمزليزي المتقدم ذكره ، ومعنى هذه الكلمة عندهم رياض الجنة. وهو من منتزهاتهم ومحال فرجاتهم وتماشيهم ، وبه أشجار حسنة الشكل والترتيب والتصفيف ، وأحد جانبيه متصل بالنهر ، وابتداؤه من رياض السلطان وانتهاؤه إلى قوس عال لهم هناك كان بناه بونابرط (١). فطوله ما يزيد على أربعة ستة آلاف خطوة (٢) ، ومع طول مسافته فإنك إذا وقفت في ابتدائه ترى انتهاءه قبالة عينك في غاية من الاستقامة والاستواء. فاختاروا لنا هذه الدار في هذا المحل ، لأنه من أشرف محالهم. وإذا كان يوم مشمش خصوصا إذا كان يوم الأحد فإنه يوم بطالتهم ، فلا يبقى أحد في المدينة إلا جاء لهذا الموضع يتماشى فيه ويستريح مع من يليق به من رفقائه ، إما في الأكداش وإما على رجله. وكثير منهم يأتي إليه في الكدش ، فإذا وصله نزل وترك الكدش ينتظره ، وذهب يتماشى على رجليه حتى يقضي غرضه ويركب ، ويرى فيه وقتئذ من بنات الروم ما يلهي ويدهي.

ولما دخلنا لهذه الدار ألفيناهم قد هيئوها لنا بأحسن ما عندهم ، قد قصروها علينا لا يدخلها إلا نحن وخدمنا ، وليست بوصاضة (٣) كسائر ديار النزول لمطلق الناس.

__________________

C. E. Bosworth," The Persian Impact on Arabic Literature", in A. F. L. beeston et al., eds., Arabic Literature to the End of the Umayyad Period) Cambridge, ٣٨٩١ (, p. ٨٨٤; EI ٢, s. v." Ardashir".

(١) انطلقت أشغال بناء قوس النصر المعروف تحت اسم أرك دو تريومف :(Arc de Triomphe) في باريز ، على عهد نابليون سنة ١٨٠٦ ، وانتهت في ١٨٣٦.

(٢) وتعادل الخطوة مترا واحدا تقريبا.

(٣) انظر الهامش رقم ٢ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.

٢١٢

وجعلوا بها من الفرش الرفيعة والمواكن (١) النفيسة والثريات المضيئة والخدم المطيعة ، ما ينبئ عن عظيم منزلتنا عندهم. وأجروا علينا سائر ما نحتاج إليه من مأكول وغيره ، حتى الأكداش هيئوها لنا بالخصوص لنركب فيها إذا خرجنا ، متى احتجناها كانت حاضرة. وكانوا ينفقون علينا كل يوم في الأكل وغيره ، نحو مائتي ريال (٢). وجعلوا لنا من الخدمة نحو عشرين ، كل له شغل خاص. وانتخبوا لرئيسنا بيتا هو أرفعها وأنفسها أثاثا ، وجعلوا لنا بيتا للاجتماع. ولكل اثنين أو ثلاثة بيت للنوم والاستراحة ، كل واحد بفراشه وما يحتاج إليه. وفي كل بيت من هذه البيوت ، سائر ما يحتاج إليه من آلات الكتابة وأواني الماء وكراسي الجلوس.

فمكثنا يوم الدخول ، ومن الغد بعث لنا سلطانهم لنأتيه في عاشرة النهار ، فتهيأنا لملاقاته. فلما كان من الغد بعث لنا قائد مشوره (٣) ومعه جلنار (٤) آخر. وبعث إلينا بأربعة اكداش ، فقدم أكبرها يجره عشرة من الخيل ليركب فيه رئيسنا ، موشى بالحرير والديباج من ظاهره وباطنه. ثم آخر يليه يجره ثمانية من الخيل لبعض الخواص ، ثم الثالث ثم الرابع على اختلاف مراتب أصحابنا. لاكن الجميع في أحسن ما يكون ، ولها مشعرة بالتعظيم ورفع المنزلة ، فركب كل واحد منا كدشه وسرنا.

__________________

(١) انظر الهامش رقم ٥ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.

(٢) أو ما يعادل ألف فرنك ، وهو مبلغ كبير. وذكر بوميي (Beaumier) في رسالة له ، أن تكاليف وجبات الغذاء كانت تصل لوحدها إلى حوالي ستمائة فرنك في اليوم الواحدAAE / ADM / Voyage. ، من بوميي إلى أصدقائه ، دون تاريخ.

(٣) انظر الدراسة ، الهامش قم ١٠١. نقلت الأخبار المتعلقة بتفاصيل الاستقبال الملكي لأعضاء البعثة عبر رسالة وجهها أشعاش إلى أخيه في تطوان ، فأبلغها هذا الأخير إلى البلاط السلطاني ، انظر : (الملحق رقم ٢) ، رسالة عبد القادر أشعاش إلى أخيه عبد الله ١ محرم ١٢٦٢ / ٣٠ دجنبر ١٨٤٥ ، وهي محفوظة بمديرية الوثائق الملكية تحت رقم ١٧٥٧٩. وكتبت تلك الرسالة بخط محمد الصفار ، كما أنها تحكي تفاصيل الاستقبال في قصر الملك الفرنسي أسلوب مشابه لمثيله الوارد في الرحلة ، مما قد يوحي بأن الصفار وأشعاش قد اشتغلا معا في تحرير أجزاء معينة على الأقل من الرحلة.

(٤) ضابط عسكري من رتبة عالية ، وترد هكذا «جلنار» أيضا في المراسلات المخزنية خلال القرن التاسع عشر (المعرب).

٢١٣

وسمعوا بنا فامتلأت الطرق والشوارع لرؤيتنا ، حتى بلغنا إلى دار السلطان. فخصنا بالدخول على قوس لا يدخل منه إلا هو وأهله إكراما لنا. فخرجنا منه إلى رحبة واسعة ، فألفينا فيها من العسكر صفوفا بعضها خلف بعض على عادتهم في الاصطفاف ، يجعلون صفا خلف صف ، ويقف الواحد من الصف الثاني بين الاثنين من الصف الأول ، متسلحين بمكاحلهم متزيين بأحسن زيهم ، وعلى كل جملة منهم كبير بيده سيف مسلول بارز أمام جماعته. وبمجرد وصولنا تكلمت الموسيقى فنزلنا ، فدخلنا الدار فأتونا بيسير من الطعام.

ثم استدعونا للصعود في الدرج فصعدنا ، فإذا هو قصر من القصور المشيدة ذو بناء عجيب وتزويق غريب وقباب مشيدة وفرش ممهدة. والتماثيل البديعة والأواني الرفيعة والمرائي الصافية والزخارف البادية ، قصر من قصور الملوك دون شرط ولا ثنيا ، وإن كل ذالك لما متاع الحيوة الدنيا.؟ ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ، زهرة الحيوة الدنيا ، لنفتنهم فيه؟ (١). ثم أخذنا في الدخول من صالة (٢) إلى صالة حتى انتهينا إلى الصالة التي بها السلطان ، وهي أعظم زخرفة وأكمل بهجة مما قبلها. فألفيناه قاعدا على كرسي مملكته ، وحوله عظماء دولته ، والكرسي له ثلاثة أدرج يدور به ضربوز ، كل ذالك مموّه بالذهب وعليه ستور من الحرير لاكن غير مسدولة ، تتدلى منه مجاديل وهدب من الذهب (٣). وكسوة السلطان مثل كسوة غيره من العظماء الواقفين حوله ، لم يتميز عنهم بشيء ، وعليه سيفه وبرنيطته (٤) على رأسه. وأما من حوله فهم كاشفوا رءوسهم ، إذ لا يقفون أمام عظمائهم إلا كذالك.

ومن عادتهم في اللقاء ، أن ينتخب الوافد كلاما ويزوّره (٥) ، ويكتبه في ورقة

__________________

(١) سورة طه ، الآية ١٣١ ، وتضيف الآية : (وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى).

(٢) انظر الهامش رقم ٣٢ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.

(٣) سبق لابن خلدون أن أشار إلى أن من علامات الملك ، وجود كرسي للعرش يشترط أن يكون بارزا ، حتى يصبح رمزا ناطقا عن سمو شخص السلطان وتفوقه على الآخرين. ٥٣ : ٢Muqaddimah

(٤) البرنيطة ، من الإيطالية بيريطة (berretta) ، أو من الإسبانية بيريتة (birreta). وتعني في العامية المغربية ، كل أصناف القبعات التي يضعها الأوربيون فوق رؤوسهم ، على اختلاف أنواعها : ٨٠ : ١Dozy

(٥) وكأن الصفار يريد القول إن مضمون الرسالة التي قرأها أشعاش على مسامع الملك الفرنسي وحاشيته مجرد كلام ملفق لإخفاء مظاهر كاذبة. ويوجد نصها العربي في : ١٣٦ ـ ١٣٥ / ٤AAE / MDM

٢١٤

يسرده عند ملاقات السلطان ، ويجيبه السلطان أيضا بمثل ذالك. فهيأ رئيسنا كلاما وكتبه في ورقة ، ولما واجهه أخرج ورقته وسردها بالعربية ، مضمنها بعد الحمد والثناء مدح أمير المسلمين (١) نصره الله وذكره بالخير ، إذ بعثه إلى هذا السلطان ، وذكره أيضا بما يليق به مما فيه مداراته ، وذكر جنسه ورعيته بما فيه لهم مدح من الأمور الدنيوية والآداب والحضرية ، وذكر ما وصل إليه من إحسانه والفرح به منذ حل في بلاده ودخل في ولايته. وكل ذالك من المدارات الواجبة في مثل ذالك المقام ، ودارهم ما دمت في دارهم الخ ، ولله در من قال :

ومن لم يصانع في أمور كثيرة

يضرس بأنياب ويوطا بمنسم

وقال آخر :

سالم إذا أنت لم تستطع محاربة

واغلب إذا أنت لم تقدر على الغلب

والق العدو بوجه باسم

حتى إذا انقلبت دنياه فانقلب

وقال آخر :

فلله در امرئ عارف

يجاري الزمان على فطنته

يجازي الصديق بإحسانه

ويبقي العدو إلى مدته

ويلبس للدهر ثوب الرضى

ويشطح للقرد في دولته

وقال آخر :

وإذا عجزت عن العدو فداره

وامزح له إن المزاح وفاق

__________________

(١) وهو من الألقاب التي كان يحملها سلاطين المغرب. قارن بين ما كتبه الغساني عند لقائه بالملك الإسباني كارلوس الثاني (Carlos II). انظر افتكاك ، ص. ٤٢ ـ ٤٤.

٢١٥

فالنار للماء الذي هو ضدها

تعطي النضاج وطبعها الإحراق

فلا لوم في ذالك ولا عتاب. وفي الحديث : «إنا لنكثر في وجوه قوم قلوبنا تلعنهم».

وبعد فراغه من سردها فسرها الترجمان ، ثم أخرج السلطان من جيبه ورقة أيضا جوابا لذالك ، مضمنها أنه يحمد الله على ما تجدد من المهادنة والمحبة والمودة بينه وبين سلطان المغرب ، وأنه لا يصدر منه مع دولة مراكش والمغرب إلا ما يجري على مقتضى ذالك. وسردها بعجميته ، ثم فسرها الترجمان بالعربية. ثم ناوله كتاب أميرنا نصر الله ، فقبضه قبض تعظيم ، ثم انصرفنا من عنده فلقينا بناته وزوجته وقريباته متأدبين معنا ، ولا طفنا بأطيب كلام ، ثم رجعنا.

وبعد وصولنا لمحلنا ، قدمت علينا من عنده بطاقات يطلب منا أن نشرفه بالقدوم إليه ليلا لنتعشى عنده. فلما كان الليل ذهبنا إليه ، فدخلنا تلك الصالات فألفيناها قد أوقد فيها الشموع في ثريات عظيمة من البلور يخطف شعاعها البصر. وفي جوانب الصالات وصدرها مراءي كبير عظيمة أكثر من قامة الإنسان ، تنطبع فيها تلك الثريات بشموعها وسائر ما في البيت ، فيخيل للناظر أنها صالات أخر فيها مثل ذالك ، وذالك لشدة صفاء المرءات. فألفيناه قد أحضر جميع وزرائه وعظماء دولته ونسائه وبناته وسائر أولاده ونساء أولاده ، فكان الجميع نحوا من سبعين نفسا.

فأدخلنا لصالة الأكل ، فألفينا فيها طبلة كبيرة تسع العدد المذكور ، وهي مستطيلة بحيث لا يستثبت من يكون في طرفها من هو في الطرف الآخر. قد صفف عليها أواني الفواكه والحلاوات ، وفي وسطها صفان متقابلان من حسك الشموع ، كل حسكة بأفواه عديدة ستة أو سبعة. وبين الصفين صف آخر من أواني النوار والأزهار. وكل حسكة منزلة في طبلة مذهبة ، وفوق الطبلة على طول الصالة ثريات من البلار تضيء بالشموع ، وفي جوانبها ثريات صغار بالشموع أيضا ، فكان جملة ما يوقد في تلك الصالة من الشموع ثلاثمائة وثلاثين. وكل ما يدور على تلك الطبلة من الأواني فهو من الذهب والفضة. وكل الجالسين عليها لابسون الذهب على ثيابهم وسيوفهم ، فكان في ذالك منظر رائق وجمال فائق من شعاع الشموع ولمعان الأواني ولباس الجالسين وصفاء المراءي والثريات. وما على النساء من فاخر الدرر

٢١٦

ونفيس الأحجار وبرق خدود الجواري يكاد يسلب فؤاد الحواري. وأحضر مع ذالك فاخر الأطعمة ولذيذ الفواكه وطيب الحلاوي ما يباح ويستحسن.

حتى إذا فرغنا قمنا وقام معنا هو وجميع من حضر ، وخرجنا لصالة أخرى ، وبقينا وقوفا لا يجلس منا أحد كما هي عادتهم إلا النساء. وجعل سلطانهم يتحدث مع كل واحد منا ، ويباسطه بما تيسر من الكلام ، ويسأله عن أحواله ويؤنسه بطيب الكلام. وكذلك تفعل زوجته وهي عجوز في الغبرين ، ولاكن عليها من الأحجار والجواهر واليامنض ما لا يوجد مثله إلا هنالك ، وكذالك تفعل بناتها وسائر من معها. وليس تحدث النساء مع الرجال عندهم عيبا ولا مخلا بالمروءة ، بل ذالك هو المطلوب عندهم لاكن مع عفة وصيانة وعدم حماية حول الحمى ، بل بنحو ظريفة أو أديبة أو تستحيي أو نحو ذالك ، أو بالسؤال عن أولادها وعن أسمائهم ونحو ذالك. فبقينا معهم نحو ساعة بعد العشاء ثم انصرفنا.

ومن الغد وبعده ، لم يبق باشدور (١) في باريز من باشدورات الأجناس الذين هنالك إلا جاء لعند باشدورنا يسلم عليه ويحييه ، وتابع السلطان ووزراؤه في ضيافتنا وإكرامنا.

وفي يوم الخميس بعد ملاقاته بيومين ، دخل عامهم وهو عام ١٨٤٦ من ميلاد عيسى عليه‌السلام ، وهو أول يوم من يناير عندهم ، ووافق يوم العشرين من شهر دجنبير بحسابنا ، فهم يتقدموننا بأحد عشر يوما في كل شهر عجمي. وسبب ذالك حسب ما أخبر به بعضهم ، أن الشمس أسرع في الحركة من أيام العام بدقائق ، فبقوا غافلين عن تلك الدقائق مدة من الزمان ، إلى ما قبل هذا الحين بنحو ستمائة سنة ، رصد حبر من أحبارهم فألفى هذا العدد من الأيام قد توفر من تلك الدقائق. فلما كان اليوم الأول من يناير بالحساب القديم ، ألفوه قد تقدم بأحد عشر يوما توفرت من

__________________

(١) من الإسبانية أمباخادور (Embajador). صنفها بروفنسال) Le؟vi ـ Provenc؟al, Les histoiriens, () p. ٢٨, note ٢٦ ضمن «الكلمات الجديدة» الموجودة عند الزياني أواخر القرن الثامن عشر في كتابه الترجمانة الكبرى ، غير أن الكلمة كانت تستعمل في القرن السابع عشر ، ونجدها عند الغساني هكذا : الأنباشادور ، افتكاك ، ص. ٤٠.

٢١٧

تلك الدقائق ، فمضوا على هذا الحساب إلى الآن (١).

وكان من عادتهم أنه في هذا اليوم الذي هو أول يوم من العام ، لا يبقى كبير في مدينة باريز من أهلها أو من غير أهلها إلا جاء لعند السلطان لأنه عيد من أعيادهم ، فلم يكن لنا بد من الذهاب إليه. فسرنا إليه في وقت العصر ، فألفينا فيها من الكبراء والباشدورات ما لا يحصى ، كلهم مزينون بأحسن زينتهم يفخر بعضهم على بعض. وممن رافقنا هنالك من المسلمين سبعة من أهل مصر ، منهم اثنان حفيدا محمد بن علي باشا مصر ، واثنان ولدا ربيبه إبراهيم باشا ، وءاخر من خواص محمد بن علي اسمه سامي باشا ، واثنان من خدامهما. ومعهم هنالك غيرهم جملتهم نحو ستين ، أرسلهم محمد بن علي لهنالك لتعلم العلوم التي لا توجد إلا عند هاؤلاء القوم (٢). وكان على هاؤلاء المصريين من اللباس ما ليس على النصارى ، عليهم غلائل لا يرى

__________________

(١) إن التقويم الشمسي الذي يتبعه المغاربة لأسباب فلاحية ، هو في أصله التقويم نفسه المعروف قديما عند الرومان بتقويم جوليان (Calendrier de Julien). غير أنه لم يكن دقيقا بما فيه الكفاية ، فصحح سنة ١٥٨٢ على يد البابا كريكوري الثالث عشر (Gre؟goire XIII) وكان التقويم الكريكوري الجديد المتقدم بأحد عشر يوما عن مثيله القديم ، غير معروف في المغرب. وإذا كان أساس الشروح التي قدمها الصفار في الباب صحيحا ، ويحتمل أن يكون مصدره هو أحد المترجمين للبعثة ، فإن تفاصيله غير دقيقة ، انظر :

S. B. Burnaby, Elements of the Jewish and Muhammadan Calendars) London, ١٠٩١ (, pp. ٢١٥ ـ ٥١٥.

(٢) محمد علي باشا ، حاكم مصر ما بين ١٨٠٥ و ١٨٤٨. كان أميا إلى حين بلوغه سن السابعة والأربعين ، فتولد لديه اعتقاد راسخ وولع كبير بالتعليم ، وأرسل بعثات لدراسة مختلف العلوم الحديثة في فرنسا. وكان رفاعة الطهطاوي ضمن عناصر البعثة الأولى الموجهة سنة ١٨٢٦. وفي سنة ١٨٤٤ ، وصلت إلى باريز مجموعة إضافية تكونت من ثلاثين طالبا ، كان من بينهم أربعة أمراء : اثنان منهم ابنان لمحمد علي ، هما حليم وحسين. واثنان من أحفاده ، وهما ابنان لولده البكر إبراهيم (الذي أشار إليه الصفار خطأ على أنه كان ربيبا لمحمد علي) ، وهما أحمد وإسماعيل الذي أصبح خديويا لمصر فيما بعد. وكانا معا مصحوبين بالأرميني ستيفان باي المشرف على تربيتهما. أما سامي باشا الذي أشار إليه الصفار أيضا ، فلم نتمكن من معرفة هويته ، انظر : Louca, Voyageurs et e؟crivains, pp. ٥٧ ـ ٣٨.

٢١٨

ثوبها من أجل ما نسج فوق الثوب من طرازات الذهب مسلكة بالأحجار والجواهر ، وأقفالها كلها جوهر وعليهم حزم مثقلة بالذهب يجرون أسيابا لا توصف حليتها ، فكانوا أحسن زيا وأجمل منظرا من النصارى بكثير. هناك أيضا باشدور من عند السلطان العثماني (١).

فلما اجتمعنا في صالة من صيلانهم خرج علينا سلطانهم ، فوقف أولا مع الباشدور المبعوث من عند كبير رومة التي هي أصل دياناتهم وبها باباههم الكبير (٢) الذي ينقادون له في أمور دينهم ، ويزعمون أنه خليفة عيسى عليه‌السلام. فتكلم أولا باشدور رومة المذكور بكلام في ورقة كما هي عادتهم حسبما تقدم ، معناه بالعربية : هذا عام مبارك جئنا نفرح بسلامتك وسلامة أناسك ، وحمدنا الله الذي جعلك في هذا المحل وقواك على حمل ثقل ما أوليته من المرتبة العالية. فمن يوم وليت في كرسي فرانسا وأنت ساع في الخير. ردعت خيل الشر ورددتها بلجامها ، إذ كان بعضها يريد أن يغير على بعض ، وأنت برشادك وعقلك رددتهم إخوة ومشيتهم على الطريق المستقيم. ولم يتول سلطان إلا بإذن الله ، ونحن ننظر في خدمتك أنها بهداية الله وقدرته التي تحفظنا. فنطلب الله أن يديمك في هذا المقام ، وأن يبقيك دائما دمان لهذا الشقف (٣) تسيره بحسن سياستك. والله يبارك لك فيمن ازداد عند أولادك في هذا العام من الحفائد ، بقدر ما تتفرع جدراتك يتفرع الخير ، والله يحفظنا ويحفظك.

فأجابه السلطان بقوله : الله يجعل فيكم البركة ويجازيكم خيرا على هذا الدعاء الذي تدعون لي به وتحبون لي الخير ، وهذا هو الظن بكم وبالأجناس الذين أنتم مراسيل من عندهم. وشكركم الذي تشكروني إنما هو لله ، لأنه هو الذي جعلني في هذا المحل وألهمني لهذه الخدمة ، وهداني لهذه السيرة وأقدرني على ما أفعله فيها. ونحن معشر السلاطين علينا كلفة يسألنا الله عنها ، ونحن رعيان ولا بد نحفظ الغنم التي نرعاها. فما دمت في طريق الخير ، فادعوا لي بدوام المملكة ، وسعيي كله إنما هو في الحرص على الأخوة بين عباد الله. وما عندي جنس أفضل من آخر ، بل نريد أن تكون المحبة الخالصة بيننا وبينهم جميعا على السواء ، والله يسلمكم على مباركتكم

__________________

(١) أورد الصفار هذا الخبر في هامش الصفحة ٩٣ من مخطوط الرحلة.

(٢) ويعني بها البابا ، (Le Pape).

(٣) دمان ، ومعناه مقود ، ٤٦٢ : ١Dozy. ويقصد الصفار بعبارة دمان الشقف ، قائد السفينة أو المركب.

٢١٩

لي فيمن ازداد عندنا ، الله بجعل سلالتي لا تتبع إلا طريق الهدى ، والله يوفقنا وإياكم للخير ، انتهى.

ثم أخذ يسلم على كل واحد وحده ، حتى أتى على جميع من كان حاضرا هنالك ، ثم انصرفنا.

وفي يوم الثلاثاء سابع المحرم ، استدعانا الوزير الموكل بالبرّاني واسمه كيزوا للضيافة ليلا (١) ، فسرنا إليه ، فأدخلنا دارا فسار بنا إلى قبة حسنة المنظر بديعة الشكل مبهجة مرونقة ، قد علق في وسطها ثريا كبيرة من البلار. وقد احتف بها روض من النوار والأزهار منقول في الصناديق والأواني ، مركب بأحسن تركيب. لا ترى أوانيه إنما يرى النور وحده ، وتظن أن ذاك منبته. وفي أركان القبة من كل جوانبها سواري منقوشة مذهبة ، على كل سارية ثريا صغيرة ، كل ذالك يوقد بالشموع. وقد نصب فيها كثير من الشوالي والكراسي ، وبداخلها قبة أخرى مشتملة على آلات الموسيقى ، وهي كمنجات طوال قدر قامة الإنسان (٢) وربابات وغير ذالك من موسيقاهم (٣). ومن عادتهم أن غناءهم إنما يقولونه من الكواغيد (٤) ، فينصبون

__________________

(١) ويوافق يوم ٦ يناير ١٨٤٦. كيزو (١٧٨٧ ـ ١٨٧٤)(F.P.G.Guizot) ، وزير الخارجية الفرنسي وقتئذ. وجاء في جريدة جورنال دي ديباJournal des de؟bats بتاريخ ٨ يناير ١٨٤٦ حول تلك الأمسية ما يلي : «أقام وزير الخارجية الفرنسي حفل عشاء كبير على شرف بن أشعاش [...] وبعد تناول وجبة العشاء [...] قدم حوالي ثلاثمائة من طلبة المعهد الموسيقي وفنانين آخرين من الجمعية الموسيقية ، قطعا لمعزوفات كل من كلوك (Gluck) وبتهوفن (Beethoven) ، وفبير (Weber) ، وروسيني (Rossini) ، وهانديل (Handel) ، بدرجة نادرة من الإتقان. وبدا السفير مسرورا جدا بروعة حفل الاستقبال».

(٢) مفردها كمنجة. أصلها فارسي عربت ومعناها آلة قوسية. الصبيحي ، معجم ، ص. ١٣٨ ، ٢٣٠ ، وهي المعروفة بآلة الكمان (Violon). غير أن الصفار يقصد الإشارة هنا إلى أكبر أصناف آلات الكمان التي تتجاوز في حجمها آلة الفيولونسيل ، إذ يكون العازف عليها واقفا وتسمى بbasse) (viollon ، (المعرب).

(٣) H. G. Farmer, A History of Arabian Music to the XIII the Century) London, ٩٢٩١ (, p. ٠١٢.

(٤) أي ورقة السولفيج (solfe؟ge) التي تكتب فيها النغمات والنوتات الموسيقية (المعرب).

٢٢٠