رحلة العالم الألماني : ج. أو. هابنسترايت إلى الجزائر وتونس وطرابلس

رحلة العالم الألماني : ج. أو. هابنسترايت إلى الجزائر وتونس وطرابلس

المؤلف:


المترجم: أ. د. ناصر الدين سعيدوني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ تونس
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٦٨

(dorades) والتونة وهي تقوم بحركات خاصة بها وهي ليست دائما مؤشرا حقيقيا على اقتراب العاصفة.

وأثناء توقفنا لبضعة أيام بعنابة ، عقدت العزم على الذهاب إلى قسنطينة لمعاينة آثار هذه المدينة ، ولكون الطريق إليها كان غير آمن تماما لكون السكان كانوا يحقدون على النصارى ويتحينون الفرصة للانتقام منهم نظرا للحصار الذي كان يهدد مدينة الجزائر ، فقد اضطررت أنا ومن كان برفقتي أن نصطحب حرسا من الفرسان يؤمنون سفرنا ، وهذا ما جعلنا نشكل قافلة صغيرة يتوفر أفرادها على تسليح جيد ، فغادرنا عنابة وسرنا عبر سهل جميل مغطى بأشجار البرتقال والعناب وهو الشجر الذي أخذت منه المدينة اسمها ، فمدينة بونة أو هيبون القديمة تعرف في اللغة الموريسكية بعنابة (١) نسبة إلى

__________________

(١) عنابة من أهم الموانئ الجزائرية ، تقع إلى الشمال الشرقي من قسنطينة ب ١٦٠ كلم ، وتبعد عن مدينة تونس بحوالي ٣٠٠ كلم. يعود تأسيسها إلى الفينيقيين وبعد ذلك أصبحت ضمن أملاك قرطاج. خضعت للرومان وعرفت بهيبون الملكية (Hippo Regius) التي لا تزال آثارها ماثلة على منحدر الهضبة التي بنيت عليها كنيسة القديس أغسطين.

اشتهرت بكونها مقر أسقفية القديس أغسطين (٣٩٦ ـ ٤٣٠). تعرضت للنهب من قبل الوندال (٤٣١) ، وحاول البيزنطيون تحصينها قبل أن يتمكن حسان بن النعمان من فتحها سنة ٨٥ ه‍ / ٧٠٥ م.

تحول موقع عنابة في الفترة الإسلامية نحو السهل بجوار وادي جمعة بالقرب من نهر سيبوز ، لينتقل لا حقا إلى الهضبة الصخرية المحاذية لشاطئ البحر والمتصلة بالجهات الداخلية من ناحية الغرب تجنبا للفيضانات وابتعادا عن المستنقعات ، فعرفت المدينة آنذاك ببونة الحديثة وأحدث بها جامع وأحيطت بالأسوار (١٠٥٨ م) ، واشتهرت بكونها تحتضن ضريح الولي الصالح سيدي مروان (ت. ١١١١ م) ، وأصبحت بعد ذلك إحدى قواعد دولة الحماديين وعاصمة إقليمية للموحدين (ق. ١٢ م) ، ومن بعدهم الحفصيين (ق. ١٣ ـ ١٥ م). وأثناء ذلك تعرضت للعديد من الهجمات البحرية الأوربية ، فاحتلها لفترة قصيرة روجرز النورماني ملك صقلية (١١٥٣ م).

وأثناء الصراع العثماني الإسباني في القرن السادس عشر ، استولى على عنابة خير الدين بربروسة (١٥٢٢) واتخذها قاعدة له في حملته على تونس (١٥٣٤) ، ثم اضطر إلى

٨١

غابة العناب ، وذلك بسبب كثافة هذه الأشجار حولها ، فلم نر مثل هذا المشهد الرائع لموريطانيا الخصبة في مكان آخر ، فقد شاهدنا وكنا في موسم الحصاد أعدادا لا تحصى من أكوام القمح تنتشر في الريف ، كما أن خضرة الأشجار وتنوع الشجيرات تجعل المنظر متنوعا وممتعا لأبصارنا التي اعتادت منذ مدة ليست بالقصيرة على رؤية الصخور الجرداء والجبال العارية من الغطاء النباتي.

لقد اعتاد سكان تلك الجهات التي مررنا بها على درس القمح في الحقول التي يزرع فيها. وقد لا حظنا أن الأزهار بدأت تقل وتصبح نادرة وتفقد يناعتها وجمالها بعد شهر يونيو لاشتداد حرارة الجو مع بداية هذا الفصل ، وهذا عكس النباتات التي تتوفر على بذور كثيرة ، وقد قمنا بقطعها بكل عناية حتى يمكن لنا تكوين حديقة نباتات إفريقية.

وبعد أن عبرنا قنطرة قديمة جدا على نهر اعترض سيرنا (١) ، توقفنا لأخذ قسط من الراحة بدوار (٢) يتكون من العديد من الخيام بوطن قبيلة دغوسة ،

__________________

التراجع عنها ، فاحتلها القائد الإسباني المركيز دومندوخار (M.de Mandejar) بأمر من الإمبراطور شرلكان (١٥٣٥) ، عملا بالمعاهدة الحفصية الإسبانية التي حولت مملكة تونس إلى محمية إسبانية ، وأثناء ذلك أقام الإسبان بها الحصن المنسوب للجنويين ، لكن العثمانيين أرغموا قائد الحامية الإسبانية بها الدون ألفار زغال (D.Alvar Zagal) على إخلائها سنة ١٥٤٠ ، فتحولت عنابة بعد ذلك إلى قاعدة بحرية وميناء رئيسي لبايليك الشرق. قدر سكان عنابة أواسط القرن الثامن عشر بما لا يقل عن ١٢. ٠٠٠ نسمة ، تقيم بقلعتها حامية مؤلفة من ١٥٠ جنديا ، تمكنت من صد العديد من الهجمات البحرية كان أخطرها هجوم ١٦٢١.

(١) وهو نهر سيبوز ، يبلغ طوله ٢٣٢ كلم ، ينبع من الهضاب العليا بمواطن الحراكتة حيث يعرف بوادي الشارف ، يجتاز الخوانق الجبلية ويرفده عند قالمة وادي الزناتي ، وبعد أن يعبر مناطق قالمة وبوشقوف الجبلية يجتاز سهل عنابة ويصب في البحر شرق مدينة عنابة.

(٢) أنظر هامش رقم ٦٣.

٨٢

ووجدنا ملجأ نحتمي فيه من الحر في خيمة شيخ الدوار الذي سارع بتقديم بعض الزاد والعلف عندما قصدته أنا والمترجم مع مجموعة من الفرسان المصاحبين لي. بعدها تابعنا طريقنا على أمل أن نصل إلى دوار آخر نجد فيه مأوى مريحا وغذاء للأشخاص المصاحبين لنا ، ولكون هذا المكان يقع على مسافة بعيدة كان علينا اجتياز مناطق جبلية يحافظ سكانها على استقلالهم وهم في حرب دائمة مع رجال البايليك ، وبعد الوصول إلى هذا الدوار والتوقف فيه قصدنا شيخه الذي تسلم منا وصية موجهة إليه في شأننا من قائد عناية ، فبادر باستقبالنا بحفاوة كبيرة.

لقد قضينا ليلة مريحة على فرش صوفية أحضرت لنا ، ومع ذلك فإن هذا الوضع فاجأ رفاقي الذين بقوا في مدينة الجزائر عندما قمت بأول سفر لي داخل البلاد مع الآغا ، فمع أنهم كانوا يرغبون في الاستمتاع بهذه الرحلة إلا أنهم تفاجؤوا عند ما وجدوا أنفسهم مضطرين إلى قضاء الليلة تحت خيمة اسود لونها من دخان الموقد ، وأن يناموا بجانب الماعز والجديان ، وباستثناء هذه المفاجأة فإننا استطعنا النوم بأمان لأن حسن الضيافة إحدى خصال العرب ، فيسهرون جيدا على حراسة الأجانب ، وهناك كلاب متحفزة تثير الانتباه لأي محاولة هجوم قد يقوم بها رجال القبائل الأخرى ، فضلا على أن هؤلاء العرب يمتلكون الحراب والأسلحة النارية لرد المهاجمين ، وبالمناسبة وزعنا على مستضيفينا بعض الأدوية التي طلبوها منا ، وأثناء ذلك أحاط بنا جمهور من الناس الذين سرتهم رؤيتنا.

ومن الغد تابعنا طريقنا نحو مواطن قبيلة بني صالح التي كان شيخها مصاحبا لنا وقد تلقى أمرا من البايليك بتأمين سلامتنا ، فكان الفرسان المصاحبون لنا يسيرون دائما في المقدمة للتعرف على الأماكن الخطيرة التي تمكنا من اجتيازها بدون أن تعترضنا أية عراقيل ، وفي المساء وبعد أن اجتزنا مرتين النهر الذي ذكرته سلفا وصلنا إلى معسكر محلة باي قسنطينة.

والعرب التابعون لحكم مملكة الجزائر يأتمرون بأمر البايات الذين

٨٣

يتصرف كل واحد منهم في عدد من المشاة الأتراك والفرسان العرب (١) ، ويعيشون تحت الخيام وسط فرقتهم العسكرية الصغيرة (المحلة) ويقومون بتغيير أماكنهم كل يوم تقريبا. وهؤلاء البايات في تحركاتهم مع مجموعة الجند (المحلة) عبر مقاطعاتهم يبدون قسوة بالغة للتمكن من الحصول على مقدار الضريبة المفروضة عليهم من قبل حاكم الجزائر. وهذه الطريقة في استخلاص الضرائب لا يمكن لأي شخص أن يتجنبها أو يتهرب منها ما دام ليس في مقدوره أن يشتكي من الوسائل العنيفة التي يمارسها هؤلاء البايات في حقهم ، وكل من يريد الذهاب إلى الجزائر لرفع شكوى ، يعرف جيدا أن في ذلك مخاطرة كبيرة ولا يمكنه أن يجد من ينصفه في شكواه ما دام الأتراك كلهم يرغبون في تولي المناصب ذات الدخل المالي الوفير ، وهذا ما جعل البايات يرسلون مع مساعديهم الضريبة التي يحصلون عليها إلى الجزائر (٢) ، وبذلك يتجنبون المخاطر التي قد تؤدي بحياتهم ومن جهة أخرى يتمكنون من المحافظة على مناصبهم ولا يترددون في ممارسة كل أنواع الظلم في حق الجنود التابعين لسلطتهم والقيام بأي عمل يسمح لهم بزيادة جراياتهم.

لقد كان باي قسنطينة يقيم وسط محلته المؤلفة من جنود الفرقة العسكرية المرافقة له ، وهي في هذا الوقت ذات قدرة قتالية معتبرة جدا ، فمع أنها تتألف من ثمانية آلاف جندي ومائة فارس إلا أنها قادرة على كبح شكيمة العرب وفي استطاعتها أن تخوض الحرب عند ما يتطلب الأمر ذلك. ومع

__________________

(١) القوة العسكرية المصاحبة للبايات أو حكام المقاطعات في تنقلاتهم في الريف والمعروفة بالمحلة تتألف من المشاة الأتراك وهم من حاميات المدن المعروفة بالنوبة ، ومن فرسان العرب الذين يعرفون برجال المخزن ويشاركون في الحملات (المحلات) الموجهة لجمع الضرائب ومراقبة القبائل.

(٢) تعرف الضرائب التي يحملها خلفاء البايات إلى مدينة الجزائر في فصلي الخريف والربيع بالدنوش الصغرى تمييزا لها عن الدنوش الكبرى التي يقدمها البايات بأنفسهم مرة كل ثلاث سنوات.

٨٤

وصولنا إلى هذا المعسكر كان لزاما علينا أن نذهب لملاقاة الباي بعد أن علم بموضوع سفرنا ، فقدمنا له رسائل التوصية ، وعندما عرف بواسطتها أننا تحت حماية داي الجزائر ، أنزلنا في خيمة نظيفة جدا ووجدنا في معسكر المحلة أن كل شيء مهيأ من أجل توفير راحتنا وحسن معاملتنا ، لكن الظروف لم تكن في صالحنا فقد وصلنا إلى معسكر الباي في وقت اضطراب وفترة حرب ، وكان الباي قد ألحق منذ وقت قريب الهزيمة بأحد شيوخ القبائل المجاورين وحرمه من مكانته لدى قبيلته وأسندها إلى شيخ آخر مقابل مبلغ كبير من النقود ، وهذا ما دفع الشيخ المعزول الذي يعرف لدى رجال قبيلته ببو عزيز أو أبوالوطن (١) في سعيه من أجل رد الاعتبار لشخصه إلى الالتزام أمام الباي إن هو أثبته في منصبه الذي حرم منه أن يرسل له رهائن من رجال قبيلته تأكيدا على حسن نيته وأن يقدم له كترضية مبلغ ثلاثين ألف قرش بالإضافة إلى دفع ضريبة سنوية مقدارها عشرة آلاف قرش. فكان هذا العرض كاف لأن يغير الباي رأيه ويتخلى عن منافس هذا الشيخ الذي دفع هو بدوره من أجل الفوز بمنصب شيخ القبيلة مبلغا من المال ، وفي الحال أصدر الباي أوامره لفرسان المحلة للتوجه إلى الشيخ الذي أقر ، سلفا على مشيخة القبيلة لنهبه ومطاردته وتشريده ، ومن الغد رأينا بأعيننا نتيجة هذا الظلم ، فقد سيقت إلى المعسكر جماعات من رجال الدوار مع قطعان ماشيتهم ثم أطلق سراح الرجال دون أن يسمح لهم بأخذ أي شيء لسد حاجاتهم الملحة.

كانت محلة باي قسنطينة آنذاك معسكرة في أحد أوطان نوميديا الأكثر بهجة وروعة ، فقد كانت هذه المقاطعة تحت الحكم الروماني مزدهرة جدا

__________________

(١) بوعزيز (Boessys) شيخ قبيلة الحنانشة التي تقع مواطنها بمنطقة سوق أهراس ونواحيها ، وتعتبر مع قبيلتي الحراكتة والنمامشة من أهم قبائل الشرق الجزائري.

اشتهرت بقوة شكيمتها وموقفها المعادي للبايليك. وقد اشتهر زعيمها ابن صخري بثورته على بايات قسنطينة والتي تولت قيادتها بعده ابنته علجية التي عرفت بإقدامها وشجاعتها.

٨٥

وهذا ما تشهد عليه الآثار المتناثرة التي نشاهدها بكثرة ، فكانت تلك الأسوار المتهدمة لتلك البنايات عينات عن البقايا الملموسة للعمارة الرومانية والتي لم يستطع إلا القليل منها مقاومة عوامل الزمن وأعمال تخريب الوندال والعرب (١) ، فقد زودنا الباي بحراسة كافية تمكننا من الذهاب لمشاهدة آثار المدن والحصون القديمة ، وقد وجدنا في إحدى هذه الحصون التي يسميها العرب تيفاش (٢) بعض النقوش اللاتينية التي تتميز بحروفها الجميلة جدا وهذا نموذج منها :

(. M. S. Julia Junuaria P. V. a LXXXXVII. M. S. a Dis manib. Sec terentiur Fab.)

لقد اطلعنا في هذا المكان على أعداد كثيرة من هذه النقوش الجنائزية والتي تركناها ملقاة حيث كانت ولم نحاول جمعها ما دامت لا تتضمن شيئا جديرا بالملاحظة. وعلى بعد بضعة فراسخ من هذا المكان توجد آثار قديمة تتصف بشيء من الغرابة ، مما دفعنا لزيارتها فذهبنا إليها عبر مسلك مبلط بالحجارة وهو طريق تونس قسنطينة الروماني (٣) ، وهو بلا شك إنجاز يعود إلى

__________________

(١) تأثر صاحب الرحلة بالأقوال المتداولة التي تحمل العرب ـ والمقصود هنا العشائر الهلالية ـ ما أصاب المغرب الأوسط من خراب ، والواقع أن تراجع العمران وتعرض المظاهر الحضرية للتخريب كان ظاهرة عامة ارتبطت بتقدم البداوة نحو الشمال ، وتأكدت في القرن الخامس مع الاجتياح الوندالي ، واستمرت بعد ذلك لعدة قرون حتى أتت على معالم الحضارة القديمة التي عرفتها نوميديا أثناء الحكم الروماني.

(٢) تيفاش وهي مدينة تيبازا نوميديا (Tipasa) التي يربطها الطريق الروماني الرئيسي بكل من قرطاج وسرتا. عرفت ازدهارا ملحوظا في القرن الثالث الميلادي وظلت محافظة على عمرانها رغم تخريب الوندال لها في القرن الرابع ، وعدت في الفترة الإسلامية الأولى ، حسب ما يفهم من أوصاف الرحالة والجغرافيين ، من المراكز العمرانية المهمة الواقعة على طريق التل الشمالي الرابط بين الأربس وميلة ، وتضاءلت أهميتها العمرانية بعد ما استولى عليها أبو عبد الله الشيعي حتى تحولت إلى مجرد أنقاض.

(٣) طريق قرطاج ـ سرتا (Via Carthage) أهم الطرق الرومانية بشمال إفريقيا ، يربط عاصمة نوميديا سرتا (قسنطينة) بمركز السلطة الرومانية بإفريقيا (قرطاج) ، وأهم

٨٦

تاريخ قديم ؛ لأنه منذ أن طرد البرابرة (الوندال) السكان القدماء للبلاد لم يعد هذا الطريق محل اهتمام قط. وعندما وقفنا على بقايا أنقاض مدينة كبيرة جدا تملكنا إعجاب يصعب وصفه ، إذ رأينا بوابات رائعة مصطفة في نظام بديع وأعمدة رخام وقصور وأسوار لا زالت قائمة وهي من الحجارة المنحوتة ذات الأحجام الضخمة بحيث لم تستطع الحروب المتكررة ولا عوادي الزمان أن تنال منها أو تزيل معالمها ، وفي هذه المدينة الأثرية عثرنا أيضا على أعداد كثيرة من الكتابات الجنائزية المثبتة على القبور ، وهي وإن لم تقدم لنا شيئا ذا دلالة تاريخية عن ماضي المدينة ، إلا أننا قد تعرفنا من خلالها على كتابات تعود للعصر الروماني تتميز بجمال وتناسق حروفها.

على أن الشيء الذي شد انتباهنا أكثر في هذه الآثار هو المدرج الروماني (amphithe؟a؟tre) ، إذ له شكل يميل إلى الطول وقد يصل طول قطره إلى مائة وخمسين قدم ، وهو يدل من خلال جميع مكوناته أنه كان يستعمل لممارسة الألعاب الرومانية ، وقد تعرفنا على الأماكن التي كانت منتظمة في شكل صفوف نصف دائرية ، ولا تزال منها ستة صفوف في حالة جيدة ، هذا وأثناء ذلك بحثنا دون جدوى عن نقش قد يوفر لي بعض المعلومات التاريخية عن هذه المدينة التي لا تبعد إلا بيوم ونصف يوم عن مدينة تونس ، وهي تعرف عند العرب باسم (١) Hamessa)).

__________________

المدن التي يمر بها هي : تاغاست (سوق أهراس) ، وتيبازا نوميديا (تيفاش) ، وتوبربيكا (خميسة) ، وتيسيبيس (عنونة) ، ويتميز هذا الطريق بكونه مبلطا بالحجارة المرصوفة التي تساعد على سير العربات ، تنتشر عبره العديد من المواقع العسكرية.

(١) خميسة وهي المدينة الرومانية المعروفة بتوبربيكا نوميدروم (Thuburbica ـ Numidrum) ، تقع على بعد ١٤ كلم إلى الشمال الشرقي من مدينة صدراتة الحالية. كانت تعتبر من أهم المدن الرومانية بإقليم نوميديا. اشتهرت بكونها مركزا علميا تردد عليه القديس أغسطين وناظر فيه خصومه من دعاة المذهب الدوناتي.

٨٧

كان من الممكن لو كنا في ظروف أخرى يسودها السلم والهدوء أن نواصل طريقنا إلى أبعد من هذا المكان ، لكن الحالة الراهنة لم تعد تسمح بذلك ، فغارات العرب جعلت أي تحرك لنا محدودا من حيث المكان فضلا على أنه يتطلب مصاحبة قوة عسكرية كبيرة. مع العلم بأن هناك أسبابا أخرى لم تشجعنا على مواصلة رحلتنا الاستطلاعية داخل إقليم نوميديا ، منها أن إقامتنا بعنابة جعلتنا نأمل في معاينة عملية صيد المرجان بالقالة وطبرقة ، وبالفعل عدنا أدراجنا إلى معسكر الباي الذي لم يقم في الأيام التالية بأي تحرك بعد أن تعهد له الشيخ بوعزيز بتقديم ما يتوجب عليه من التزامات.

وفي تلك الأثناء كنا معسكرين بجوار مدينة خربة وجدنا بها نقشين ، ولأن تمضية تلك الأيام على النحو الذي يعيشه العرب أزعجنا قررنا زيارة قسنطينة وطلبنا من الباي توفير حراسة لنا وتزويدنا برسائل توصية لقائد قسنطينة لعلنا نحظى باستقبال طيب ومعاملة حسنة حسبما جرت عليه العادة ، وهذا ما يعفينا من دفع أي شيء مقابل تلك الزيارة باستثناء ما نقدمه في شكل ترضيات للخدم والتي يفوق ثمنها قيمة الأشياء التي نستهلكها.

قسنطينة هي عاصمة البايليك (المقاطعة) الذي يحمل اسمها (١) ، ومن

__________________

(١) مدينة قسنطينة أسسها على الأرجح الفينيقيون حسبما تدل على ذلك البقايا الأثرية.

اتخذها الملوك النوميديون عاصمة لهم ، واكتسبت أهميتها على عهد الملك ماسينيسا (٢٠٣ ـ ١٤٩ ق. م.) ، استولى عليها الرومان أثناء محاربتهم ليوغرطة (١٠٨ ق. م.) ، وأصبحت إحدى المدن الرئيسية بشمال إفريقيا. تعرضت للتدمير قبل أن يجدد بناءها الإمبراطور قسطنطين ، فحملت اسمه وأصبحت تعرف بقسنطينة.

يتميز موقع مدينة قسنطينة بكونه نتوءا صخريا مرتفعا بعض الشيء في الجهة الشمالية حيث موقع حصن القصبة بينما يميل إلى الانخفاض في الجهة الجنوبية الغربية المحاذية لوادي الرمال ، ويشرف على قسنطينة جبل المنصورة الواقع إلى الشمال الشرقي والذي يفصله عنها خانق وادي الرمال العميق ، ويؤدي إليه الجسر الروماني عند باب القنطرة ، ويواجهها في الجهة الشمالية الغربية مرتفع" كدية عاتي" حيث توجد اصطبلات الباي.

والمدينة في مجملها ، حسب أوصاف الرحالة في القرن الثامن عشر ، تحتوي على حوالي

٨٨

المسلم به أن تسميتها مستمدة من اسم الإمبراطور قسطنطين لأن كل القطع المعدنية التي عثرنا عليها في تلك الجهات تعود إلى عهد هذا الحاكم وقد تحصلت على بعض منها وهي تعتبر من القطع النادرة ، وما دامت هذه المدينة تعتبر من أقدم المستعمرات الرومانية فمن المؤكد أنها كانت تحمل اسماء اخرى ، قبل أن تعرف باسم قسنطينة الذي احتفظت به الآن (١).

لا يمكن أن نكون فكرة دقيقة عن مدينة قسنطينة وماضيها المجيد بالاعتماد فقط على النقش المهشم الذي عثرنا عليه والذي وردت فيه كلمة الكابيتول (Capitole) بينما سجلت في نقوش أخرى كلمات تتعلق بالسلطة الثلاثية (Triumvirat) وباللقب الشرفي للحكم الروماني المعروف بالنظام القنصلي ، ولكني لم أوفق في إيجاد نقش يحدد معاني هذه العبارات ، لكون هذه الكتابات التذكارية التي تحملها المنشآت العامة والتي هي منحوتة على حجارة ضخمة قد استعملها العرب لتحصين منازلهم المتواضعة.

إن أهم الآثار القديمة التي تشد الانتباه في مدينة قسنطينة تتمثل في قنطرة رومانية وفي بعض حنايا المياه مع بقايا قوس نصر رائع المنظر. فالأثر الأول وهو القنطرة ، يعتبر أهم أثر روماني ظل سليما من التخريب في هذا البلد ، فالبناة الرومان شيدوا هذه القنطرة الرائعة من أجل إيصال الماء إلى

__________________

١٧٠٠ منزل ويقدر عدد سكانها بأكثر من ٠٠٠. ٢٥ نسمة ، ويمكنها أن تجند في حالات الحصار ما لا يقل عن ٠٠٠. ٨ رجل قادر حمل السلاح.

(١) بهذه الاعتبارات فإن الاسم الأول الذي حملته مدينة قسنطينة هو سرتا (Cirta) ، وهو موضوع نقاش بين المؤرخين من حيث دلالته. فلفظ سرتا الذي يلفظ قرتا (Kirta) وهو تحريف لكلمة قرطة (Cartha) البونية التي تعني المدينة ، ومن الجدير بالملاحظة فيما يتعلق باسم قسنطينة أن الترجمة الفرنسية لرحلة الطبيب شاو تحدد موقع قسنطينة على ساحل البحر ، بينما هي تبعد عنه بخمسة وعشرين فرسخا ، كما يتبين ذلك بالرجوع إلى الخريطة العامة لدول الشمال الإفريقي التي وضعها السيد برويه (M.Brue ?) [تعليق صاحب الرحلة].

٨٩

قسنطينة التي بنيت على صخرة قبالة جبل عال من الراجح أنه كان جزاءا منها (١) ، وكذلك من أجل ربط جهتي المدينة بالجهة المقابلة. ويبلغ ارتفاع أعلى أقواس هذه القنطرة على وادي الرمال مائة قدم ، بحيث يختفي الوادي تحت هذه القنطرة ليغوص بعدها في مغارة طبيعية ، فتجري مياهه تحت الأرض مسافة تقدر بحوالي مائة قدم لتظهر من جديد من خلال فتحة في الصخر عرضها تقريبا عشرة أقدام ثم تختفي من جديد مسافة ثلاثين مترا ، بعدها ينفتح الوادي وتظهر مياهه بشكل كامل ليواصل مجراه بين الصخور التي تحف بجانبيه ، وبعد أن يتجه وادي الرمال عبر الخانق الذي يجري فيه نحو الشمال الشرقي تتساقط مياهه على صخرة قائمة على علو ثلاثين قدما مكونة بذلك عدة شلالات صغيرة ذات منظر عجيب ، بفعل اعتراض أشعة الشمس للضباب الرطب المكون من ذرات الماء المتطايرة في الهواء مشكلة بذلك منظر قوس قزح.

إن الصخرة التي بنيت عليها مدينة قسنطينة شاهقة الارتفاع بحيث يبدو الأشخاص أسفل منها عندما ننظر إليهم صغارا جدا. ومن تلك الهوة السحيقة تلقى النساء عندما تثبت عليهن جريمة الزنا ، وهذا أمر كثير الحدوث ، لأن هذه المخلوقات الشقية اللاتي تعيش واقعا صعبا جدا لا تعوزهن الوسيلة لخيانة أزواجهن ، ومما يلاحظ أن هذه الصخرة التي بنيت عليها المدينة والتي تلقى من حافتها النساء ممتلئة بالمغارات الطبيعية ، وقد شعرنا في زيارتنا لإحدى هذه المغارات ببرودة منعشة في وقت كانت فيه الحرارة على أشدها (٢).

__________________

(١) يعرف هذا الجبل الواقع في الجهة الشرقية لوادي الرمال بجبل المنصورة وهو امتداد لجبل الوحش الواقع إلى الشرق من مدينة قسنطينة والذي يبلغ ارتفاعه ١٢٨٩ م ، ولكون جبل المنصورة يشرف على قسنطينة ويتحكم في دفاعاتها فقد بني عليه حصن يرد الهجمات ، وقد تمكن باي تونس في حملته على قسنطينة من أن يستولي عليه ويوجه منه المدافع نحو المدينة.

(٢) يشكل هذا الجرف الصخري هوة سحيقة تعرف لدى سكان المدينة بكاف شكارة كناية

٩٠

كان علينا في يوم الغد وهو ٣ جويلية أن نقوم برسم المدينة والقنطرة وقوس النصر والحنايا ، فاصطحبنا فارسين ليقوما بحمايتنا ، وأثناء القيام بهذه المهمة تعرضنا للشتم من طرف عامة الناس وتكرر ذلك عدة مرات ، وعندما كان اهتمام مجموعتنا التي تتألف من بعض الأشخاص منصبا على مشاهدة معاينة المدينة كان الناس ينظرون إلينا وكأننا جواسيس إسبان ، وهذا ما جعلنا في وضع حرج حقا لم يسبق لنا أن تعرضنا لمثله قبل ذلك ، وبالفعل فقد واجهنا خطرا محدقا من جراء ما حدث لنا هذا اليوم ، فقد تجمهرت حولنا مجموعة كبيرة من الناس ، ورغم كل المقاومة التي واجههم بها حراسنا فإنهم رمونا بالحجارة التي انهارت علينا وكانت أحجامها كبيرة جدا وقد وجهت نحونا بدقة ، وقد كان يقود هذا الهجوم ضدنا أحد المحرضين ، وأمام هذا الوضع الحرج فضل أحد الفرسان المصاحبين لنا الهروب بينما ابتعد عنا الآخر وهو من الأعلاج الألمان ليعود بسرعة مسلحا ببندقية وسيف وغدارة ، وبالفعل تصدى لهذه الجموع فجرح بعض الأشخاص وتفرق الآخرون ، وقد كنا بعد ذلك ممتنون للاسترضاء الذي حظينا به لدى قائد المدينة إثر هذه الحادثة ، فقد قام بمعاقبة أحد الأشقياء الذين تعرف عليهم الفارس المرافق لنا ، فضرب ضربا مبرحا بالعصا ولو لم نتدخل لصالحه لتسبب ذلك في هلاكه.

وعندما علم الباي بالحادثة التي تعرضنا لها أعطى أوامره للبحث عن متزعم تلك المجموعة ولكن هذا الأخير تمكن من الهرب ، فطمأننا بأنه سوف يعاقب شخصا آخر مكانه ليكون عبرة وحتى يتعلم هؤلاء الناس احترام أصول الضيافة التي يلتزم بها الأتراك بكل متطلباتها ومقتضياتها ، والتي خولتنا حقوقا خاصة نظرا لكوننا نتمتع بحماية الباي ولأننا نقيم في منزل قائد المدينة ، بحيث أن أي إهانة تلحق بنا قد تتسبب في قتل أي عربي يقترفها.

__________________

على أن النساء اللاتي يلقين منها كن يوضعن في كيس (شكارة). وقد ورد في الروايات الشعبية أنه كان يوضع في الكيس مع المرأة المحكوم عليها بالإعدام ثعبان نكاية بها.

٩١

ورغم هذه الحادثة فإننا كنا راضين باكتشافنا ، فالقنطرة والكتابة غير المفهومة والأشكال المنحوتة جديرة بالاهتمام ، فالنسر الروماني يظهر بأن هذه المدينة عريقة في تاريخها وأن لها حقوق المدينة الرومانية. وشكل المرأة المنقوش في أسفل القنطرة يدل على المكانة المتميزة لهذه المستعمرة الرومانية ، وإن كان السكان يعتقدون أن شكل هذه المرأة المجردة من الملابس ليس من السهل تفسيره ومعرفة دلالته الحقيقية ، أما صورة الفيلين المتقاتلين فترمز للحرب التي كانت نوميديا مسرحا لها ، بينما نقش مرساة السفينة فله على الأرجح صلة بالقوة البحرية لهذه المدينة التي لا تبعد كثيرا عن البحر (١).

لقد ابتعدنا عن مدينة قسنطينة ونحن نشعر بخوف كبير مما قد يحدث لنا في الطريق ، وبفعل انحراف صغير عن طريق عنابة استطعنا أن نستمتع برؤية الحمامات الحارة المعروفة بحمام المسخوطين (Hamam Sucut) ) الذي يعني بلغة أهل البلاد سخط وغضب الله ، فهذه الحمامات ذات الشهرة الواسعة بنوميديا تقع في سهل وسط أرض ذات مناظر رائعة ؛ تتميز ستة من هذه الينابيع الكثيرة بجمالها وبخاصيتها المعدنية ، وأما حرارة ماء هذه الينابيع فهي تبلغ درجة الغليان بحيث يمكن أن تنضج فيها قطعة من اللحم خلال خمس دقائق ، كما أن البخار المتصاعد يجعل الذين يوجدون حولها يتصببون عرقا ، مما يضطرهم أن يتحولوا عنها عند ما يريدون شرب كأس ماء. ومياه هذه الينابيع الحارة تمر عبر مجراها بتكوينات كلسية تترسب شيئا فشيئا عند بلوغها سطح الأرض ، وبعد فترة زمنية من الأرجح أنها كانت طويلة ، تكونت

__________________

(١) تقع مدينة قسنطينة على بعد حوالي ٨٠ كلم من البحر الأبيض المتوسط بحيث ترتبط تجارتها منذ العصور القديمة وأثناء الفترة الإسلامية بموانئ سكيكدة وسطورة والقل.

(٢) حمام المسخوطين محطة مياه معدنية تقع إلى الغرب من مدينة قالمة على طريق قسنطينة ـ عنابة ، عرفت بمياهها الحارة التي تستعمل في علاج الأمراض الجلدية والروماتزم ..

٩٢

عند منابعها أهرامات متكلسة يبلغ علوها ستة أقدام فأكثر ، وذلك أنه عند ما يصل منفذ النبع إلى هذا الارتفاع لا يستطيع الماء أن يتصاعد منه فينسد لينفتح نبع آخر يتسرب منه الماء بجواره ، وبذلك تكونت هذه الأهرامات الكلسية التي تشكلها الينابيع الحارة وهي من الكثرة بحيث أحصينا أكثر من مائة هرم كانت تكون في الماضي منافذ يخرج الماء عن طريقها من باطن الأرض ، بعضها الآن انغلقت فتحاته نهائيا وبعضها الآخر لا يزال منفذا يمر منه الماء ليسيل من حافاتها المرتفعة نحو الأرض ، وفي جهات أخرى من هذا المكان ، حيث لا توجد هذه التكوينات الهرمية ، سمعنا خرير المياه وهي تجري تحت سطح الأرض.

إن هذه الظواهر الطبيعية جعلت الناس المطبوعين على تصديق الخرافات يتصورون أن هذه الأهرامات ما هي إلا رجال مسخوا حجرا ، مع أنها تكونت بفعل ترسب تكوينات حديدية وأخذت لونها الداكن بفعل المحلولات النباتية (la noix de galle) لتتحول هذه الترسبات بعد ذلك إلى ملح ترابي قاعدته ذات طبيعة هلوية (alcaline) بفعل تأكسدها بدليل أنها تفور أو تغلي إذا خالطها محلول الخل. ومن المؤكد أن هذه المياه المعدنية قد تعرف عليها الرومان واستعملوها لوجود آثار لغرف وحمامات وقنوات لجلب مياه هذه المنابع الحارة عن طريقها.

وبينما كنا منشغلين بمشاهدة هذه الينابيع تقدم نحونا ثلاثة رجال مسلحين بالحراب ، وما أن لمحوا أننا مسلحين حتى تراجعوا ؛ ولعل حالة الهلع التي أصابتهم تعود إلى وجود الفرسان معنا أو يرجع إلى دواع أخرى لا نعرفها. ومع حلول الظلام قضينا الليل في أحد الدواوير ، تولى سكانه حراستنا بعد أن هدد الفارس الألماني المصاحب لنا شيخ هذا الدوار بأنه سوف يغرمه فرسا مقابل أي قرش يضيع منا.

وبعد أن اطلعنا على بعض الآثار التي ليس فيها ما يشد انتباهنا واصلنا طريقنا في ١٤ جويلية إلى عنابة وهي مدينة بونة التي اكتسبت شهرتها لكونها

٩٣

مركز أسقفية القديس أغسطين (١) الذي يحظى باحترام السكان الذين يعتبرونه وليا صالحا ، وقد ذهب بهم الاعتقاد في صلاح هذا العالم الذي يوجد قبره عندهم إلى القول بأنه نهاهم عن ممارسة القرصنة واعتبرها سلوكا مستهجنا وعملا حقيرا ؛ أما القبور الأخرى التي تنسب إلى رجال الكنيسة وكذلك قبر القديسة مونيكا أم أغسطين وهي ذات ممرات منتظمة تحف بها أشجار العناب والتوت واللوز والليمون والبرتقال ، وعلى بعد ميل واحد منها يوجد مكان مدينة هيبون القديمة القريب من رأس ماترا (Matra) عند مدخل الخليج ، ومكانها الآن عبارة عن آثار آيلة للزوال باستثناء الحصن الذي ظل في حالة جيدة (٢).

وللفرنسيين بعنابة مركز تجاري يشتغل بتجارة الحنطة والشعير والخضار الجافة والجلود والعسل والشمع ؛ وهذا النشاط التجاري يعتبر عملا مربحا ومهما بالنسبة لمقاطعة البروفانس الفرنسية حيث لا تفي محاصيلها من الحبوب بحاجة السكان ، وقد حققت الشركة الإفريقية التي يقع مركزها بمرسيليا أرباحا معتبرة بفضل هذه التجارة ، وإن كلفها هذا النشاط التجاري

__________________

(١) القديس أغسطين (Saint ـ Augustin) يعتبر من آباء الكنيسة الرومانية ، كان لكتاباته تأثير حاسم على الفكر المسيحي عبر العصور. ولد بتاغاست (سوق أهراس حاليا) سنة ٣٥٤ من أب وثني وأم مسيحية ، عاش حياة متحررة وقام بتدريس البلاغة اللاتينية بقرطاج ، وتحول إلى المسيحية بميلانو (٣٨٧) ، وعاد إلى مسقط رأسه ثم أصبح أسقف مدينة هيبون (٣٩٦) ، وتوفي بها أثناء حصار الوندال لها سنة ٤٣٠ ، وكان له دور كبير في انتصار الكاثوليكية في مجمع قرطاج سنة ٤١١.

عمل على نشر المسيحية ومحاربة المذهب الدوناتي ، وركز في دعوته الدينية على أن مصير الإنسان تضله الخطيئة وتنقذه رحمة الله ، وعرف برسائله العديدة وكتابيه" الاعترافات" و" مدينة الله" ، وقد ضمن الكتاب الأخير تصوره للتاريخ المسيحي ضمن جدلية الصراع الأبدي بين مدينة السماء ومدينة الشيطان.

(٢) هيبون القديمة (Hippo Regius) ، أنظر تاريخ عنابة : هامش رقم ٨٩.

٩٤

مبالغ كبيرة من المال لتغطية نفقات مستخدميها والقائمين على أعمالها ولتسديد أجور الأشخاص الذين يتولون نشاطها بالساحل الإفريقي.

وفي ١٥ جويلية ركبنا قاربا صغيرا يحمل اسم طنجة ، لكننا لم نستطع الإبحار لركود الريح ، وفي الغد تيسر لنا السفر بفضل ريح ملائمة ، وبعد المرور على باستيون فرنسا (Bastion de France) وهو حصن قديم أقامه الفرنسيون واضطرهم العرب إلى إخلائه (١) ، وصلنا إلى مركز القالة وهو بدوره حصن به مخازن بنيت على صخرة في شكل شبه جزيرة (٢) وضعت به

__________________

(١) حصن فرنسا المعروف بباستيون فرنسا)(Bastion de France) ، يقع على بعد ٤٨ كلم شرق مدينة عنابة ، وقد أقيم على نتوء صخري يشرف على البحر وتحيط به الكثبان الرملية المكسوة بالأعشاب والشجيرات وخلفه أراضي قبيلة" معزولة" التي تكثر بها المستنقعات والغابات. ويتكون الحصن من بناية ضخمة تضم ساحتين تنفتح على غرف لإقامة مجموعة من العمال ومخازن لحفظ الحبوب والسلع ، تفصل بينهما بناية مخصصة لرئيس المركز وأعوانه.

أنشئ حصن فرنسا ليكون مركزا تجاريا عملا بالامتيازات التي تحصلت عليها فرنسا من الجزائر مقابل دفع مبالغ مالية سنوية لديوان الجزائر ، فأقيمت منشآته التجارية بمبادرة من التاجر الفرنسي توماس لنش (TH.Linches) وشريكه ديدييه (Didier) وبتشجيع من ملك فرنسا لويس التاسع سنة ١٥٥٠ ، وأصبح يعرف بحصن فرنسا سنة ١٥٦١. وعند ما حاول الفرنسيون تحويله عن طابعه التجاري بنصب بعض المدافع فيه وإقامة بعض الجنود به بحجة مواجهة غارات القبائل المجاورة له ، تعرض للتضييق من قبل حكام الجزائر قبل أن تدمر منشآته سنة ١٦٨٦ ، مما اضطر التجار الفرنسيين إلى التخلي عنه والانتقال إلى حصن القالة الواقع إلى الشرق منه على بعد ١٢ كلم.

(٢) مركز القالة يقع على بعد ٨٦ كلم شرق عنابة ، يتميز بموقعه الحصين ، فهو عبارة عن شبه جزيرة ضيقة تتشكل من لسان صخري ممتد بموزاة الشاطئ تقدر مساحته ب ٢٠٠. ٣ متر مربع ويتصل بالبر عن طريق معبر ضيق في الجهة الشرقية ، مما يشكل مع الساحل المقابل ميناء طبيعيا يتراوح عرضه بين ٥٠ و ١٠٠ متر وعمقه بين ٢. ٤ و ٥. ٨ متر ، وهذا ما جعل منه مركزا تجاريا حصينا منذ القديم ، فكان محطة قرطاجية ثم مركزا رومانيا عرف بتونيزا (Tunisa) ، وتحول بعد الفتح الإسلامي إلى مرسى للتجارة واستخراج المرجان فعرف بمرسى الخرز ، وفي العهد العثماني تحول إلى محطة تجارية

٩٥

الشركة الإفريقية (الفرنسية) حاكما ومعه حامية صغيرة تستخدم في الدفاع عن الحصن وحماية المواشي الموجودة في المراعي المجاورة ولحراسة العربات التي تخرج إلى الجهات القريبة من الحصن للبحث عن الحطب وجلب الأقوات.

وبمقتضى معاهدة السلام الموقعة بين فرنسا والجزائر عام ١٦٩٤ (١) سمح للشركة الإفريقية أن تحتفظ في منزل منفصل عن الحصن بعدد من الرهائن العرب حتى تأمن من غاراتهم ، ولأنه بدون هذا الإجراء الوقائي يصبح من المستحيل التصدي لهؤلاء القوم. وفي الوقت الحالي فإن موقع حصن القالة يعيش حالة من التوتر الشديد تسبب فيه العرب البدو بقيادة بو عزيز الذي

__________________

للشركات الفرنسية التي حصلت على امتيازات الصيد واستخراج المرجان وتصدير الحبوب والمواد الخام مقابل إتاوات سنوية تدفعها لديوان الجزائر ، ومن هذه الشركات التي مارست تجارة مربحة بحصن القالة : شركة إفريقيا (Compagnie d\'Afrique) (١٧١٢ ـ ١٧٣١) وشركة أوريول (Auriol) (١٧٣٠ ـ ١٧٤١) ، والشركة الملكية الإفريقية (Compagnie RoYale d\'Afrique) (١٧٤١ ـ ١٧٩٢) ثم ألغيت الحقوق الفرنسية ردا على موقف نابليون المعادي للدولة العثمانية واحتلاله مصر ، وأعطيت الامتيازات للإنكليز (١٨٠٧ ـ ١٨١٧) الذين تخلوا عنها ليتولاها الفرنسيون من جديد بواسطة شركة باري (Paret) ، ١٨٢٢ ـ ١٨٢٧. وبعد فرض الحصار الفرنسي على السواحل الجزائرية (١٨٢٧) أقدم الحاج أحمد باي قسنطينة بأمر من داي الجزائر على طرد الفرنسيين من حصن القالة وإحراق مركزهم التجاري به.

(١) دأبت فرنسا على عقد معاهدات مع الجزائر تخول لها امتيازات تجارية وتعطي لها حق احتكار صيد المرجان منذ سنة ١٦١٩ ، وتعتبر معاهدة عام ١٦٩٤ من أهم المعاهدات التي أبرمتها الجزائر مع فرنسا ، فأصبحت من حيث بنودها والشروط التي تضمنتها بمثابة نموذج للمعاهدات العديدة التي أعقبتها ، وهذه المعاهدة هي التي حددت الامتيازات الممنوحة للفرنسيين بمركز القالة مقابل إتاوات وهدايا سنوية ، فقد ضمنت لهم حرية الصيد البحري وخولت لهم استخراج المرجان وصيد وتصدير شحنات عديدة من الحبوب ، بالإضافة إلى شراء كميات من الجلود والصوف والشمع والعسل ، وهذا ما سمح لهم بنوع من حرية التصرف مكنتهم من استقدام ما لا يقل عن ٤٠٠ عامل وحارس ، ومكنهم من بناء منشآت تجارية وإحداث منزل يقيم به بعض رجال القبائل باعتبارهم رهائن ، وذلك حتى يأمن المركز التجاري الفرنسي غارات القبائل المجاورة.

٩٦

سبق الحديث عنه ، فهو يمارس كل أنواع الاجرام في البلاد حتى يستطيع أن يوفر لباي قسنطينة بثلاثين ألف قرش التي تعهد له بها مقابل احتفاظه بمنصبه كقائد لقبيلته ، وبالفعل فقد تمكن قبل وصولنا بفترة قصيرة من الاستحواذ على مواشي العرب المتعاملين مع الشركة الإفريقية كما ألحق أضرارا بتجارة الحبوب بفعل تهديده بمهاجمة القالة.

يمارس بالقالة صيد المرجان بنجاح كبير ، ونفس النشاط يمارسه الجنويون بجزيرة طبرقة (١) الواقعة على مسافة قصيرة من هنا. وهذا ما أدى إلى ظهور العديد من الصعوبات الناتجة عن انتهاك الحدود المتبادل بين البلدين (الجزائر وتونس). فمع أن سكان طبرقة كانوا في حالة سلم مع الجزائريين إلّا أن أحد قراصنتهم أقدم على الاستيلاء على قارب صيد تابع للقالة بحجة أن هذا القارب خرق الحدود المتفق عليها بين البلدين.

لقد عاينت الكيفية التي يتم بها صيد المرجان بالقالة ، فيرمى من

__________________

(١) جزيرة طبرقة تقع قبالة الساحل التي توجد فيه المدينة التي تحمل هذا الاسم طبرقة (Thabarca) ، وقد كانت هذه المدينة في أول أمرها محطة فينيقية ، وتحولت إلى ميناء روماني عرف ازدهارا ملحوظا في القرنين الثالث والرابع الميلاديين لوفرة المعادن والمحاصيل التي كانت تصدر منها ، ثم احتفظت بأهميتها في العصور الإسلامية. ومع انعدام الأمن بالبحر المتوسط منذ القرن الحادي عشر ، اكتسبت الجزيرة المقابلة لها أهمية خاصة ، فاستولى عليها خير الدين ليقايض بها الجنويين مقابل إطلاق سراح مساعده البحار الشهير دارغوث باشا (١٥٤١) ، فأصبحت منذ ذلك التاريخ تحت آل لوموليني إحدى العائلات الكبرى بجنوة ، وضمت إلى أملاكهم عندما قام بتسليمها لهم نائب ملك صقلية فردناد دو غونزاغ (F.de Gonzague) في ٢٢ سبتمبر ١٥٤٢ ، فظلوا يسيطرون عليها مدة قرنيين ، وأثناء ذلك اعتنوا بدفاعات الحصن ، وعملوا على تطوير صيد وتجارة المرجان وتصدير الحبوب. هذا ونافس الجنويين على هذا الحصن الفرنسيون وحاولوا افتكاكه منهم ، وعندما فشلوا في ذلك أقنعوا باي تونس علي باشا بطردهم منه ، فتمكن ابنه يونس من الاستيلاء عليه في شهر يونيه ١٧٤١ ، وهذا ما مكن فرنسا فيما بعد من إنشاء مركز تجاري به سنة ١٧٨١.

٩٧

القوارب قطعة خشب على شكل صليب في البحر بعد أن يشد إلى حبل ، ويثبت في الخشب جسم ثقيل ويزود بشباك مصنوع من خيوط القطن أو القنب ، وما أن تغوص هذه الأشياء داخل الماء وتلامس قاع البحر الذي يصل عمقه حسب المواقع من ثلاثين إلى أربعين براس (١) Brasses)) ، حتى يشد إلى الأعلى فتعلق بالشباك جذور وأغصان شجر المرجان وغيرها من التكوينات البحرية في حالة جيدة أو مهشمة ، وطريقة الصيد هذه يستبعد فيها في كل حال من الأحوال استعمال التكوينات البحرية غير المرجانية من قبيل عرق اللؤلؤة (Matrepores) والمرهم الشمعي (Ce؟ratophyle) والفطر المعروف بعش الغراب (Champignon) والمجوفات (Alcyonites) وغيرها من المنتجات البحرية. على أنه غالبا ما ترمى معها في البحر قطع ثمينة جدا من المرجان والتي اقتنيت مجموعة جميلة منها.

توجد على مسافة من القالة آثار تاغاست (٢) موطن القديس أغسطين ، حيث تشاهد بعض بقايا الأسوار بالقرب من بحيرة ذات مياه مالحة قد تكون بحيرة مادور (Madaure) التي ذكر القديس أغسطين بأنه درس بها (٣) ، والتي

__________________

(١) براس (Brasse) قياس بحري يستعمل في تحديد عمق المياه ، يقدر طوله بخمسة أقدام أي حوالي ٠٦. ١ متر ، بحيث تساوي ١٠ براس ثانية واحدة بالنسبة لقياس عمق البحر.

(٢) تاغاست (Thagaste) هي مدينة سوق أهراس الحالية ، تقع في منخفض جبل يعبره وادي مجردة (باغرادا) ، عرفت ازدهارا تحت حكم الرومان ، واشتهرت بكونها مسقط رأس القديس أغسطين (٣٥٤) ، ولم يغادرها إلا سنة ٣٦١ عندما ذهب للدراسة بمادور ، وعاد إليها بعد اعتناقه المسيحية بإيطاليا ليستقر بها قبل أن يصبح أسقفا لهيبون (عنابة) (٣٨٨ ـ ٣٩١).

(٣) مادور المعروفة اليوم بمداوروش والواقعة إلى الجنوب من سوق أهراس (ب ٤٦ كلم) ، تعد إحدى المدن الرومانية المهمة بمقاطعة نوميديا ، اشتهرت بكونها مركزا ثقافيا تخرج منه العديد من الأدباء اللاتين ودرس به كل من أبوليوس والقديس أغسطين. ومن الراجح أن هابنسترايت قد أخطأ في تحديد المكان ، فالبحيرة المالحة التي ذكرها هي بلا شك البحيرة الواقعة بالقرب من القالة ، وهذا ما يظهر لنا بأن هابنسترايت لم يصل في

٩٨

كانت موطن أبوليو (١) Apule؟e)).

لقد انتقلنا من القالة إلى طبرقة أملا في العثور على بعض النباتات البحرية ؛ فركبنا زورقا يسير بالمجاديف ، وبعد ست ساعات وصلنا جزيرة طبرقة وهي تبعد عن اليابسة ببعض مئات من الأقدام (٢) ، وهي عبارة عن صخرة محصنة بفعل عامل الطبيعة وعمل الإنسان وفي أعلاها حصن ؛ يمارس سكانه تجارة مربحة جدا مع العرب ويشتغلون أيضا بنجاح في صيد المرجان.

تعود ملكية جزيرة طبرقة إلى آل لوموليني (Lomellini) الجنويين بعد أن منحت لهم هذه الجزيرة كهدية من أحد أعيان مدينة تونس اعترافا منه بفضل الذين أطلقوا سراحه بعد أن وقع في الأسر ووثقوا بكلامه واعتبروه تعهدا شرفيا منه لدفع فديته ، وقد كانت هذه الجزيرة في وقت سابق ضمن ملكية الإمبراطور شرلكان الذي عمل على تحصينها لاستعمالها في حملته على

__________________

جولاته إلى تاغاست أو مادور الواقعتين بعيدا في الجنوب وإنما ذكرهما في معرض حديثه عن القديس أغسطين.

(١) أبوليوس (Apule؟e) وهو لوسيوس أبوليوس (Lucius Apuleius) (١٢٥ ـ ١٨٠ م) الأديب اللاتيني ، ولد بمادور (مداوروش) بنوميديا ، درس بمسقط رأسه وبقرطاج وأثينا ، وتجول في العالم الروماني ، واستقر مدة بمدينة طرابلس ، وكرم بقرطاج كخطيب وكاتب. اعتنق المذهب الأفلاطوني وعرف ببلاغته ومحاضراته في الفلسفة والعلوم والآداب ، واشتهر بأشعاره وكتاباته الأدبية ، فلم تصلنا منها سوى المرافعة (Apologie) وهي دفاعه عن نفسه من تهمة السحر ، وبعض نصوص محاضرات الأزاهير (Florides) ، أما الرواية التي خلدته في عالم الأدب القديم والتي ظلت متداولة ومعروفة باعتبارها أول رواية في التاريخ ، فهي" التحولات" (Me؟tamorphoses) أو الحمار الذهبي التي استقاها من الأدب الإغريقي ووضعها في أحد عشر كتابا وعرض فيها مغامرات وأوضاع شخص تحول بفعل السحر إلى حمار.

(٢) تقدر المسافة بين حصن جزيرة طبرقة والساحل المقابل لها ب ٤٠٠ متر ، وهي اليوم ملتصقة بالبر بعد إصلاح الميناء وتهيئة طريق يؤدي إلى حصن الجنويين الذي تهدمت بناءاته الداخلية.

٩٩

مدينة تونس ، وهي اليوم تتكفل بالدفاع عن نفسها (١) ، وسكانها يتكلمون لغة إيطالية غير سليمة. وغير بعيد من هذه الجزيرة عند مصب وادي قنديل بربا (Gondil ـ Barba) تشاهد آثار طبرقة أو طبثرة (Thabathra) التي كانت فيما مضى مدينة أسقفية شهيرة.

وبعد معاينة بعض النباتات والأسماك غادرنا طبرقة على إحدى السفن الجيدة التسليح وذلك لعلمنا بأن القرصان الذي استولى على قارب الصيد بطبرقة لا يزال متواجدا أيضا بنواحي رأس نيغرو. وقبل سفرنا استقبلنا حاكم جزيرة طبرقة بحفاوة حاول أثناءها تجاوز ما صدر منه سلفا ، إذ قابلنا بكل تحفظ في أول مرة عند نزولنا بالحصن ظنا منه أننا فرنسيون ، ليظهر لهم أنه لم ينس ما لحق به من اعتداء تحت حصن القالة عندما استولى أحد القراصنة على سفينة تابعة له ؛ ورغبة منه في تجاوز ما صدر منه وتعبيرا عن امتنانه لنا ودعنا بعدة طلقات مدفعية.

وفي نفس اليوم (٢٥ جويلية) وصلنا إلى رأس نيغرو (٢) ، وعملا بالأوامر التي أصدرها تمت تحيتنا بطلقات مدفعية واستقبلنا الحاكم مع بعض الضباط على الشاطئ ؛ وهذا ما نعتبره تشريفا خاصا بملكنا نحاول جاهدين أن نكون أهلا له.

لقد أصبحنا الآن بمملكة تونس ، ونظرا لكون الباي كان مع الجند

__________________

(١) لا نسلم بهذه الرواية المتعلقة باستقرار الجنويين بحصن جزيرة طبرقة ، فمن المعروف أن وجود الجنويين بها يعود إلى عهد متقدم عندما تنازل لهم عنها خير الدين بربروسة مقابل إطلاق سراح مساعده الرايس دراغوث باشا (أنظر الهامش رقم ١١٠).

(٢) رأس نيغرو (Cap Negro) نتوء بحري يقع إلى الشرق من طبرقة ، يتحكم في خط الملاحة بين بنزرت وعنابة ، عرف في القديم بوجود معبد أوبولون به حسب بطوليمي (Ptole؟me؟e). أقام به الفرنسيون مؤسسة تجارية لصيد المرجان ، وتمكن الباي علي باشا من الاستيلاء عليه بعد حملة عسكرية بقيادة ابنه يونس سنة ١٧٤١.

١٠٠