الشّفاء ـ طبيعيّات

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الدكتور عبدالحليم منتصر و سعيد زايد و عبدالله إسماعيل
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

فبطلت حرارته لبطلان صورته الأصلية ، فقد فسد نوعه ؛ وإن عرض له برد غريب وقوته الطبيعية المسخنة ثابتة ، لم يبطل نوعها ؛ وكذلك الصفراء. وإذا قيل : إن الصفراء يابسة فيعنى بها أن العضو الذي تغلب هي في مزاجه يصير أيبس ، وأنها تيبس العضو أيضا بالمجاورة.

ثم نتكلم بعد هذا في الغذاء وكيفية نفوذه في الفم إلى أقصى الأعضاء ، وما يعرض له الاستحالات ، وفي أصناف ما يتولد عنه من الفضول. وقد علمت ذلك فيما سلف. ثم نتكلم في أحوال تنفصل بها الحيوانات (١) من جهة اختلاف رطوباتها (٢) ، وهي مشهورة أو مذكورة. ومنها (٣) أن الحيوان المائى الدم أخوف وأجزع ، والغليظ الدم أجرأ وأغضب وأحقد (٤). فإن الحرارة تحتبس في الحجر أشد من احتباسها في الماء ، وانفعال ما هو (٥) أقرب منه بين الغضب وبين التكليف بالحرارة ، سواء كانت كذلك لنوعها كالخنازير البرية والجمال والثيران والأسود ، أو لشخصها مثل الرجل الغليظ الدم. ومن ذلك أن الحيوان الذي لا دم له لا شحم له (٦) ولا ثرب. والثرب والشحم (٧) بارد أرضى ، ولذلك (٨) يجمد. وهو فى الحيوان الأرضى. وإنما يجمد الشحم المذاب أكثر ، ذلك إذا كان شحم حيوان لا سن فى فكه الأعلى. وهذه الحيوانات أرضية جدا ، ولذلك ما يكثر فيها قرون وأظلاف ولا يجمد شحم غيره إذا أذيب. وإذا فشا الشحم على البدن أهلك بنفسه وبسببه : أما (٩) بنفسه فلأنه يخنق (١٠) الحار الغريزى ، وأما بسببه (١١) فلأنه مبرد (١٢). ولا حس لعظم ولا لشحم ، لأنه أيضا دم جمد ، وليس في نضجه كدم اللحم. وإذا استولى البرد بقى البدن بغير حس ، وهذا (١٣) هو الموت. وإذا كثر الشحم في البدن ، قل الإيلاد ، لبرد الدم في صاحبه ، ولأن الدم يذهب فى غذاء السمين الكثير التحلل. والمخ أيضا دم ما قاصر النضج ، لأن النضج التام إلى

__________________

(١) الحيوانات : الحيوان د ، ط. م

(٢) رطوباتها : رطوبتها م.

(٣) ومنها : وفيها د ، سا ، م ؛ منها ط.

(٤) وأحقد : وأحقر د.

(٥) هو : ساقطة من ب ، د ، سا ، م.

(٦) له (الثانية) : ساقطة من م

(٧) والشحم : ساقطة من م

(٨) ولذلك. وكذلك د.

(٩) اما : وأما ط.

(١٠) يحنق : يخبو ط

(١١) بسببه : بنفسه سا

(١٢) مبرد : مبرده ط ، م.

(١٣) وهذا : هذا ط.

٢٢١

طريق اللحمية. وأما (١) طريق المخية والشحمية فقصور وبرد. والمخ يشبه المنى من وجه ، ومخ الصبى دم صرف ، ومخ الشباب (٢) أشد دموية من مخ الشيخ. والمخ دعامة للعظم ، وفضل من غذائه ينعصر (٣) إلى داخله. وأقول : وغذاء له أيضا وليس بين القولين خلاف. فإن فضل الغذاء إذا كان فضلا من جهة الكم ، جاز أن يعود عند الحاجة غذاء ، فلا ينبغى أن يشنع الطبيب كل الشناعة لذلك. وهو بالجملة دم استحال إلى مشاكلة ما لطباع العظم.

الحيوان الذي لا (٤) تحتاج عظامه إلى دعامة كبيرة لغلظه وضيق تجويفه يقل فيه المخ مثل الأسد ، ويعين على ذلك حرارة مزاجه ، والحيوان (٥) الذي لا عظم له لا مخ له إلا نخاعه المحيط به شوك. والنخاع (٦) وإن كان منبت الأعصاب ، فمن منافعه دعامة الفقار ، الذي من منافعه دعامة البدن. فكما (٧) أنه ليس كل منفعة الفقار (٨) وقاية النخاع ، بل كونه منبتا (٩) للعظام التي تدعم البدن ، كذلك لا ينبغى أن يتعجب الطبيب فيظن أن كون النخاع منبتا للأعصاب يمنع أن يكون من منافعه كونه (١٠) دعامة للفقار. وقد يظن باتصال النخاع بالدماغ أن طبيعتهما واحدة وأن مزاج النخاع يستفاد (١١) من مزاج الدماغ ، وإنما يغلط (١٢) في ذلك اتصاله به ونباته منه. وليس كذلك ، فإن الدماغ بارد المزاج جدا حتى في اللمس ، وأما النخاع فإن مزاجه حار ، ولذلك هو دسم دهنى ، وإنما استفاد مزاجه من القلب ، واستفادته (١٣) استفادة قوية ، إلا أنه يتعدل بحيث لا يجف بسبب اتصاله بالدماغ واستقائه (١٤) من (١٥) البرد والرطوبة.

قال المعلم الأول : ويظنون أن جوهر الدماغ حساس وله حس لمس ، وليس كذلك ، بل هو كالمخ الذي في العظام.

__________________

(١) وأما : + من د ، سا ، ط ، م.

(٢) الشباب : الشبان سا ؛ الشاب ط.

(٣) ينعصر : فيعصر م.

(٤) لا : ساقطة من ب.

(٥) والحيوان : الحيوان ب ، ط ، م.

(٦) والنخاع : النخاع م.

(٧) فكما : وكما ب

(٨) الفقار : ساقطة من م

(٩) منبتا : مبدأ م.

(١٠) كونه : وكونه ب ، م.

(١١) يستفاد : مستفاد ط ، م

(١٢) يغلط : يغلظ سا.

(١٣) واستفادته : واستفاده د ، سا ، ط.

(١٤) واستقائه : واستفادته ط ؛ واستيفائه طا

(١٥) من : منه د ، سا.

٢٢٢

أقول : يشبه أن يكون الدماغ إنما صار لا يؤلم ما يحدث فيه من الورم الذي يكون فى جوهره ، بل إنما يؤلم الورم الذي في حجبه (١) لذلك (٢). وليس يمنع كون الدماغ خزانة ما للقوة الحاسة (٣) وللروح بعد القلب أن لا يكون له في نفسه حس ، وذلك لأنه (٤) مبدأ أيضا للبصر ، وبنفسه لا إبصار له ، وهو مبدأ للقوة المحركة بالإرادة ، وهو في نفسه لا حركة له إرادية ، بل بالحقيقة مبدأ هذه القوى هو الروح الذي فيه وهو خزانة لذلك الحاس (٥) الذي يتم (٦) حسه عند عضو ما معين يصل إليه ، كما أن القحف أيضا عند من يجعل الدماغ حساسا خزانة له. وليس إذا كان الشىء خزانة أو منفذا لروح ذى قوة يجب أن يكون له نفسه تلك القوة ، كما أن العصبتين المجوفتين وعاءان للقوة الباصرة ولا قوة باصرة فى جوهرهما ، لكن الدماغ له (٧) شىء ليس للأوعية التي ذكرناها ، وهو أنه يعدل مزاج الروح الحار ، فيكون أوفق لأفعال الحس والحركة أو مختصا بها. كأن الروح الذي فى القلب مشترك للقوى (٨) ، فإذا (٩) صار في الدماغ صار (١٠) بعض القوى فيه (١١) أظهر فعلا ، أو صار (١٢) يفعل بالجملة. وإذا صار إلى الكبد صار أجزاء (١٣) بعض القوى أظهر فعلا أو صار يفعل (١٤) بالجملة. فيكون الدماغ إنما يكون ليعى (١٥) الروح الحساس (١٦) خاصة ويعدلها ، لا لأن يحس بجوهره ، وخصوصا وقد قال الطبيب إن اللمس بالاعتدال وكل حيوان أعدل أعضاء فهو ألمس أعضاء ، ثم شهد بنفسه أن الدماغ خارج عن الاعتدال وليس خروجه إلى جنبة (١٧) المزاج الذي به تقوى الأفعال وهو الحار ، بل إلى المزاج الذي تسقط غلبته (١٨) الأفعال وهو البرد. فلا ينبغى أن يتخذ الطبيب هذا الكلام حجة له في التعجب من الفلاسفة الكبار.

وأما القلب فهو معتدل (١٩) بوجه ما في جوهره ، لأنه لحمى ؛ فإن مال (٢٠) إلى المزاج

__________________

(١) حجبه : حجمه ط (٢) لذلك : ولذلك م.

(٣) الحاسة : الحساسة ب (٤) وذلك لأنه : ولأنه ذلك م.

(٥) الحاس : الحساس د ، سا.

(٦) يتم : ساقطة من د.

(٧) له : ساقطة من د ، سا.

(٨) للقوى : للقوة سا

(٩) فإذا : وإذا ط ، م

(١٠) صار (الثانية): + أجزاء ط

(١١) فيه : ساقطة من ط ، م

(١٢) أو صار : وصار ب ، م.

(١٣) أجزاء : ساقطة من م

(١٤) أو صار يفعل : أو يفعل ب ؛ وصار يفعل م.

(١٥) ليمى : ليقى سا ، ليتقى ط

(١٦) الحساس : الحساسة ط ، م.

(١٧) جنبة : جنيبة د. (١٨) غلبته : غلبة د ، م.

(١٩) معتدل : المعتدل ط (٢٠) مال مال : مال م.

٢٢٣

الحار الذي لا يسقط القوى ، بل يقويها. بل يقويها. وأكثر ما يضره أن لا تكون عنده في إحساسه الحار المعتدل إلا باردا أو مائلا إلى البرد. وأما أنه يجب أن لا يلمس أصلا لأنه حار (١) المزاج ، فليس حر المزاج يمنع اللمس منه (٢) منع برد المزاج. وأما الرأى (٣) الذي يلوح لى خاصة هو أن الحساس الأول هو الروح ، وليس (٤) يجب أن تكون خزانة تولده أو خزانة تعديله أو خزانة حفظه حساسا ، إلا أن يكون له مزاج يقبل من الروح الحامل للقوة (٥) الحساسة الحس. والجوهر اللحمى أولى بذلك من الجوهر الرطب البارد المائى. وليس عندى فى هذا حكم جزم ، ولا شىء كالصدق. وعندى أن الروح إنما تستعد لقبول هذه القوى على شرط أن يكون حارا ، ليس أن يكون معتدلا. وأن النفس ليس إنما تعدله بأن تبرده (٦) ، بل بأن تمنع الإفراط الذي يكون له بحسب (٧) ما يؤدى إلى تحلله ، وأن تنفض عنه البخار الدخانى الذي هو فيه كالفضل في البدن. وأما العضو الذي به يكون الحس فيشبه أن يكون المعتدل منه أدق لمسا ، وأن الدماغ وضع باردا بإزاء القلب ليخفض (٨) من إفراطه ويفثأ (٩) من غليانه. وتفيد الروح الذي يأتيه اعتدالا ما بذلك (١٠) الاعتدال يكون أوفق لعمل الحس والحركة.

وأما القوة فتأتى الدماغ من (١١) القلب ومع الروح ، لكن الروح الذي يأتيه فإنه يصلح فى جوهره الأول أيضا لأعمال أخرى ، مثل التغذية والتنمية وغير ذلك. فإذا عدل بطل استعداده لتلك القوى ، فصار غير غاذ ، وانفرد بفعل (١٢) واحد ، ولم تترادف عليه الأفعال فتشغل بعضها عن بعض ، ولذلك (١٣) إذا صار إلى الكبد أبطل مزاج الكبد عنه (١٤) الاستعداد لفعل الحس والحركة ، وتركه خاصا (١٥) لفعل التغذية.

فهذه الأعضاء التي بعد القلب إنما تغير المزاج ليصير الروح عادم قوة ، وهذا بالذات

__________________

(١) حار : خارج سا.

(٢) منه : ساقطة من د ، سا ، ط ، م

(٣) الرأى : الذاتى د ، م.

(٤) وليس : فليس م.

(٥) الحامل للقوة : القوى د ؛ القوة سا ، م.

(٦) تبرده : تبرد ب ، ط ، م.

(٧) بحسب : بحسبه ب ، د ، ط ، م.

(٨) ليخفض : ليحفظ م.

(٩) ويفثأ : [فثأ القدر فثأ سكن غليانها (لسان العرب)]

(١٠) بذلك : فلذلك ط ؛ وذلك م.

(١١) من : مع سا ، ط ، م.

(١٢) بفعل : لفعل سا.

(١٣) ولذلك : وكذلك ط

(١٤) عنه : عند د ، سا.

(١٥) خاصا : خاصة ط.

٢٢٤

وليصير (١) الروح أقوى فعلا من جهة قوة ، وهذا بالعرض ، لأنه إنما يصير أقوى فعلا من جهة لأنه يفرغه ، وإنما يفرغه لأنه يميط (٢) عنه شاغلا. وعلى هذه الجهة يصح أن يطرد القول أن النفس واحدة وأن أول تعلقها بأول عضو ، وستجد كتب اللواحق ـ إن عمّر الله (٣) ـ بالغة في شرح هذا الباب أقصى المبالغ. ولا يبعد أن يكون الازدياد في البحث يفضى بنا إلى حكم جزم في هذه الأبواب.

ولقد علمت أن الآلة الأولى للنفس هو (٤) الحار الغريزى وبها (٥) تتم جميع أفعالها وقد (٦) صينت في الإنسان (٧) في وسطه (٨) ، وكثر (٩) دمه ، وأعان حرارة مزاجه على انتصاب قامته ، وإن لم تكن الحرارة هي العلة الأولى الذاتية لذلك ، ولكن (١٠) القوة المصورة. وأما الحرارة فتكون معينة إعانة آلة القوة المصورة. ولم يخلق يافوخه عند الطفولة كيافوخ ما يشبهه في حاله ، بل هو في أول ما يولد يكون يافوخه (١١) لينا (١٢) جدا ليكون الطفل (١٣) الضعيف (١٤) الأعضاء ، وخصوصا ضعيف الدماغ الذي خلق للطف (١٥) الإنسان كثير الرطوبة.

ولننتقل الآن إلى ذكر الأعضاء الباطنة ونبدأ من فوق ومن الدماغ.

__________________

(١) يصير : يصيره ط.

(٢) يميط : يميل د.

(٣) الله : أغفلتها نسخة سا.

(٤) هو : هى ط ، م

(٥) وبها : وبه طا

(٦) وقد : وفي م.

(٧) الإنسان : الناس د ، ط ، م

(٨) وسطه : وسط د

(٩) وكثر : فكثر ط.

(١٠) ولكن : لكن ط ، م.

(١١) يكون يافوخة : ساقطة من ب ، ط ، م

(١٢) لينا : لدنا سا.

(١٣) الطفل : ساقطة من د ، سا

(١٤) الضعيف : ضعيف ط.

(١٥) للطف : للطيف ط.

٢٢٥

الفصل الثامن

(ح) فصل (١)

فى الدماغ وتشريحه ونبات النخاع منه

قال : إن كل حيوان ذى دم فله دماغ ، وأما البحريات فإن (٢) لمالاقيا (٣) منها دماغا. والإنسان أعظم الحيوان ـ بحسب مشاكلة بدنه ـ دماغا. ونقول : إن ذلك لحاجته الكثيرة إلى آلة الروح النفسانى المفكر التي ليست (٤) لسائر الحيوانات ، فأما تشريح دماغ الإنسان فإن الدماغ ينقسم إلى جوهر حجابى ، وإلى جوهر مخى ، وإلى تجاويف فيه مملوءة روحا. وأما الأعصاب فهى كالفروع المنبعثة عنه لا على أنها أجزاء جوهره (٥) الخاص به (٦). وجميع الدماغ منصف في طوله تنصيفا نافذا (٧) في حجبه ومخه ، وفي بطونه ، لما في التزويج من المنفعة ؛ وإن (٨) كانت (٩) الزوجية في البطن المقدم وحده أظهر للحس. وقد (١٠) خلق جوهر الدماغ باردا رطبا ؛ أما برده فلئلا تشغله (١١) كثرة ما يتأدى إليه من قوى حركات الأعضاء (١٢) وانفعالات الحواس وحركات الروح في الاستحالات التخيلية (١٣) والفكرية والذكرية ، وليتعدل به الروح الحار جدا النافذ إليه من القلب في العرقين الصاعدين منه إليه ، وخلق رطبا لئلا تجففه الحركات وليحسن تشكله (١٤) ، ولينا (١٥) دسما.

أما الدسومة فليكون (١٦) ما ينبت منه من العصب علكا. وأما اللين فقد (١٧) قال الطبيب

__________________

(١) فصل : فصل ح ب ؛ ساقطة من د ؛ الفصل الثامن من ط.

(٢) فإن : فإنه ط.

(٣) لمالاقيا : مالاقيا د.

(٤) ليست : ليس ب ، د.

(٥) جوهره : جوهر ب.

(٦) الخاص به : ساقطة من د ، سا ، م

(٧) نافذا : ساقطة من د ، سا ، م.

(٨) وإن : فإن م

(٩) كانت : كان د ، سا

(١٠) وقد : فقد م.

(١١) تشغله : تشتعله ط.

(١٢) الأعضاء : الأعصاب ط

(١٣) التخيلية : التخييلية ط

(١٤) ولينا : لينا د ، سا ، م.

(١٥) باردا رطبا ... وليحسن تشكله : ساقطة من د ، سا ، م.

(١٦) فليكون : فيكون د

(١٧) فقد : وقد د.

٢٢٦

إن السبب فيه ليحسن تشكله واستحالته بالمتخيلات ، فإن اللين أسهل قبولا للاستحالات ، وليس يعجبنى ذلك ، فإن اللين قد يعد لسرعة (١) الاستحالة ، ولكن لا كل (٢) استحالة (٣) ، بل الاستحالة التي تكون بالتقطيع والتشكل (٤).

وأما التصور بالأشباح وقبول الخيالات فليس مما يتعلق بتحريك جرمه وتقطيعه البتة ، بل كونه لينا ليكون دسما ، وليحسن غذوه للأعصاب الصلبة بالتدريج. فإن الجوهر الصلب لا يمده الصلب ما يمده (٥) اللين ، وليكون ما ينبت عنه لدنا ، إذ كان بعض النابت (٦) منه محتاجا إلى أن يتصلب عند أطرافه لما سنذكره من منافع العصب. ولما كان هذا النابت محتاجا إلى أن يصلب على التدريج وتكون صلابته صلابة لدن ، وجب أن يكون منشؤه جوهرا لدنا دسما والدسم اللزج لين لا محالة ، وأيضا ليكون الروح الذي يحويه الذي (٧) يفتقر إلى سرعة الحركة ممدا برطوبة (٨) ، وأيضا ليخف بتخلخله ؛ فإن الصلب في الأعضاء أثقل (٩) من اللين الرطب المتخلخل.

لكن جوهر الدماغ أيضا متفاوت (١٠) في (١١) اللين والصلابة ، وذلك لأن الجزء (١٢) المقدم (١٣) منه ألين (١٤) والجزء المؤخر أصلب. وفرق بين الجزءين باندراج الحجاب الصلب الذي نذكره فيه إلى حد ما. وإنما لين (١٥) مقدم الدماغ لأن أكثر عصب الحس وخصوصا الذي للبصر والسمع ينبت منه ، لأن الحس طليعة وميل الطليعة (١٦) إلى جهة المقدم أولى. وعصب الحركة ينبت أكثره من مؤخره ، وينبت منه النخاع الذي هو رسوله وخليفته في مجرى الصلب. وحيث يحتاج (١٧) أن ينبت منه أعصاب قوية. وعصب الحركة محتاج (١٨) إلى فضل صلابة لا يحتاج إليها عصب الحس ، بل اللين أوفق لها (١٩) فجعل منشؤه أصلب. وإنما أدرج

__________________

(١) لسرعة : بسرعة ط ، م

(٢) لا كل : ليس كل م

(٣) استحالة : الاستحالة سا.

(٤) والتشكل : والتشكيل د ، سا ، ط.

(٥) ما يمده : مما يمده سا.

(٦) النابت : النبات ط.

(٧) الذي (الثانية) : التي ط ، م.

(٨) برطوبة : رطوبة م.

(٩) أثقل : أبعد سا.

(١٠) متفاوت : متقارب سا

(١١) فى : من د (١٢) الجزء : الحركة سا

(١٣) المقدم : المتقدم سا. (١٤) ألين : اللين سا.

(١٥) وإنما لين : لين د ؛ ولين سا ، م.

(١٦) وميل والطليعة : والطليعة د ، سا ، ط ، م.

(١٧) يحتاج : + إلى ط

(١٨) محتاج : محتاجة سا ، ط ، م.

(١٩) بل اللين أوفق لها : ساقطة من د ، سا ، م.

٢٢٧

الحجاب فيه ليكون فضلا ، وقيل ليكون اللين (١) مبرأ (٢) عن مماسة الصلب ولين (٣) ما يغوص فيه جدا (٤). وقد (٥) يشكل على هذا القول أمر مماسة هذا الجزء (٦) اللين من الدماغ لهذا المندرج الصلب ، فعسى أن يكون ذلك الجزء من الحجاب المندرج قد عرض (٧) له هناك من اللين ما هو زائد على الذي في الجزء من الحجاب الذي يغشى مؤخره. وكذلك الرقة التي يكون فيها (٨) أيضا فإن الرقيق كاللين (٩) ، وفي تليين (١٠) الحجاب هناك المنفعة المذكورة ، وسقوط الحاجة إلى الصلابة ، حيث يلقى به العظم.

ولهذا الطى منافع أخرى ، فإن الأوردة النازلة إلى الدماغ المتفرقة فيه تحتاج إلى (١١) مستند وإلى شىء يشدها (١٢) ، فجعل هذا الطى دعامة لها. وتحت آخر (١٣) هذا العطف وإلى خلفه المعصرة وهو (١٤) مصب الدماء إلى فضاء ما كالبركة ، ومنها (١٥) تتشعب جداول يتفرق (١٦) فيها (١٧) الدم وتتشبه بجوهر الدماغ ، ثم تنشفها العروق من فوهاتها (١٨) وتجمعها إلى عرقين ، كما (١٩) سنذكر تشريح ذلك.

وهذا الطى أيضا ينتفع به في أن يكون منبتا لرباطات (٢٠) الحجاب اللصيق (٢١) بالدماغ فى موازاة الدّرز اللامى (٢٢).

وفي مقدم الدماغ منبت الزائدتين الحلميتين اللتين يكون بهما الشم ، وقد فارقتا لين الدماغ قليلا ، ولم تلحقهما صلابة العصب. وقد جلل الدماغ كله بغشاءين : أحدهما رقيق يليه ، والآخر صفيق يلى العظم. وخلقا ليكونا حاجزين بين الدماغ وبين العظم (٢٣) ، ولئلا (٢٤)

__________________

(١) اللين : ساقطة من م (٢) مبرأ : مميزا سا

(٣) ولين : وليس ط. (٤) ولين ما يفوص فيه جدا : ساقطة من د ، سا ، م.

(٥) وقد : ساقطة من د ، سا ، م (٦) الجزء : أكثر د ، سا ، م.

(٧) قد عرض : مما يعرض د ، سا ؛ يعرض ط ، م.

(٨) فيها : فيه د ، سا (٩) كاللين : تحت اليد د ، سا ، ط

(١٠) تليين : لين د ، سا. (١١) إلى : + شىء ط ، م.

(١٢) يشدها : يستندها د ؛ يسندها سا ، م

(١٣) آخر : ساقطة من سا.

(١٤) وهو : وهي ط ، م (١٥) ومنها : وفيها ط ، م

(١٦) يتفرق : متفرق د (١٧) فيها : منها د ، سا ، ط ، م.

(١٨) فوهاتها : فوفاتها د (١٩) كما : وكما ب.

(٢٠) منبتا لرباطات : منبت الرباطات ط ، م

(٢١) اللصيق : الصفيق د ، سا ، م.

(٢٢) الدرز اللامى : الدرز من القحف الذي يليه ب ؛ الدرز من القحف الذي يليه اللامى ط.

(٢٣) ليكونا حاجزين بين الدماغ وبين العظم : ساقطة من د ، سا ، م

(٢٤) ولئلا : لئلا د ، سا ، ط ، م.

٢٢٨

يماس الدماغ جوهر العظم ، ولا تتأدى إليه الآفات من العظم. وإنما تقع هذه المماسة فى أحوال تزيد الدماغ في جوهره أو في حال الانبساط الذي يعرض له عقيب الانقباض. وقد يرتفع الدماغ (١) إلى القحف عند أحوال مثل الصياح الشديد. فلمثل هذا من المنفعة ما جعل بين الدماغ وعظم القحف حاجز لين يتوسط بينهما في اللين والصلابة (٢). وجعلا اثنين لئلا يكون الشىء الذي تحسن ملاقاته للعظم (٣) بلا واسطة ، هو بعينه الشىء الذي تحسن ملاقاته للدماغ بلا واسطة. بل فرق بينهما (٤) فكان (٥) القريب من الدماغ رقيقا ، والقريب من العظم صفيقا ، وهما معا (٦) كوقاية واحدة. وهذا الغشاء مع أنه وقاية للدماغ فهو رباط للعروق (٧) التي في الدماغ ، ساكنها وضاربها. وهو كالمشيمة يحفظ أوضاع العروق بانتساجها فيه ، ولذلك ما يداخل أيضا (٨) جوهر الدماغ في مواضع كثيرة مزردة (٩) وتتأدى إلى بطونه وتنتهى عند المؤخر (١٠) لاستغنائه بصلابته عنه.

والغشاء الثخين غير ملتصق بالدماغ ولا بالرقيق أيضا التصاقا يتهندم (١١) عليه في كل موضع ، بل هو مستقل عنه. إنما تصل بينهما العروق النافذة في (١٢) الثخين إلى الرقيق. والثخين مستمر إلى القحف بروابط غشائية تنبت من الثخين بشدة إلى الدروز لئلا يثقل (١٣) على الدماغ جدا. وهذه الرباطات (١٤) أيضا (١٥) تطلع من الشؤون إلى ظاهر القحف ، فتنبت هناك حتى ينتسج منها (١٦) الغشاء المجلل للقحف ، وبذلك ما يستحكم ارتباط الغشاء الثخين بالقحف أيضا. وللدماغ في طوله ثلاثة بطون ، وإن كان كل بطن منه (١٧) في عرضه ذا جزءين ، فالجزء المقدم محسوس الانفصال إلى جزءين عظيمين (١٨) يمنة (١٩) ويسرة ، عظمهما (٢٠) عظم واحد ،

__________________

(١) يرتفع الدماغ : يرفع الحجاب ط.

(٢) وإنما تقع ... والصلابة ساقطة من د ، سا ، م.

(٣) للعظم : للدماغ سا.

(٤) بينهما : د ، سا ، م

(٥) فكان : مكان د ؛ وكان ط.

(٦) معا : ساقطة من سا.

(٧) للعروق : العروق ط ، م.

(٨) أيضا : + فى ط

(٩) مزردة : من دروزه ب ، ط [الزردة : حلقة الدرع ، ج زرود والزّرد تدخل حلق الدرع بعضها في بعض. (لسان العرب)].

(١٠) المؤخر : + منقطعا ب ، ط.

(١١) يتهندم : يهدم م. (١٢) فى : من د.

(١٣) يثقل : تبطل د. (١٤) الرباطات : الرباط ط

(١٥) أيضا : ساقطة من د ، سا ، م.

(١٦) منها : منهما م : (١٧) منه : ساقطة من م.

(١٨) عظيمين : ساقطة من د ، سا ، م

(١٩) يمنة : منه سا (٢٠) عظمهما : عظمها سا ، م.

٢٢٩

وهو يعين على الاستنشاق وعلى بعض الفضل (١) بالعطاس وعلى توزيع أكثر (٢) الرّوح الحساس وعلى أفعال القوة المصورة من قوى الإدراك الباطن.

وأما البطن المؤخر فهو أيضا عظيم ؛ لأنه يملأ تجويف عضو عظيم ، ولأنه مبدأ شىء عظيم ، أعنى النخاع. ومنه تتوزع أكثر الروح المحرك. وهناك أفعال القوة الحافظة لكنه أصغر من المقدم ، بل من كل واحد من بطنى (٣) الجزء المقدم. ومع ذلك فإنه (٤) يتصغر تصغرا مدرجا إلى النخاع ويتكاثف تكاثفا إلى الصلابة.

أما (٥) البطن الأوسط (٦) فإنه كمنفذ من الجزء المقدم إلى الجزء المؤخر وكدهليز مضروب بينهما (٧). وقد عظم لذلك وطال (٨) ؛ لأنه (٩) مؤد من عظيم إلى عظيم (١٠). وبه يتصل الروح المقدم بالروح المؤخر وتتأدى أيضا الأشباح المتذكرة ويتسقف (١١) مبدأ هذا البطن الأوسط تسقف كرى الباطن كالأزج (١٢). ويسمى به ليكون منفذا ومع ذلك مبعدا بتدويره من الآفات ، وقويا على حمل ما يعتمد عليه من الحجاب المدرج. وهناك يجتمع بطنا الدماغ المقدمان اجتماعا يتراءيان للمؤخر في هذا المنفذ. وذلك الموضع يسمى (١٣) مجمع البطنين. وهذا المنفذ نفسه بطن. ولما كان منفذا يؤدى عن التصور (١٤) إلى الحفظ ، كان أحسن موضع للتفكر والتخيل على ما علمت. ويستدل على أن هذه البطون مواضع هذه الأفعال من جهة ما يعرض لها من الآفات ، فيبطل مع آفة كل جزء فعله أو تدخله آفة (١٥). والغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشى بطون الدماغ إلى الفجوة التي عند الطاق. وأما ماوراء ذلك فصلابته تكفيه تغشية الحجاب إياه.

وأما التزريد الذي في بطون (١٦) الدماغ فليكون (١٧) للروح النفسانى نفوذ في جوهر الدماغ ،

__________________

(١) الفضل : الفضول ط ، م (٢) اكثر : ساقطة من د ، سا ، م.

(٣) بطنى : بطن م. (٤) فإنه : ساقطة من م.

(٥) أما : فأما ب ؛ وأما سا

(٦) الأوسط : الوسط د ، سا ، م.

(٧) وكدهليز مضروب بينهما : ساقطة من د ، سا ، م.

(٨) وطال : وطول ب

(٩) لأنه : وهو د ، سا ، ط ، م

(١٠) عظيم إلى عظيم : عظم إلى عظم د ، سا.

(١١) تسقف : تسقفا ط ، م.

(١٢) كالأزج : [الأزج : الحاجب ، اسم له في لغة أهل اليمن (لسان العرب)].

(١٣) يسمى : + منفد م.

(١٤) التصور : التصوير ط.

(١٥) أو تدخله آفة : ساقطة من د ، سا ، م.

(١٦) بطون : بطن د

(١٧) فليكون : فيكون سا.

٢٣٠

كما في بطونه. إذ ليس كل وقت تكون البطون متسعة متفتحة (١) أو الروح قليلا ، بحيث يسع البطون فقط ؛ ولأن الروح إنما تكمل استحالته عن المزاج الذي للقلب إلى المزاج الذي للدماغ ، بأن ينطبخ فيه انطباخا ما يأخذ به من مزاجه وهو أول ما يتأدى إلى الدماغ ، يتأدى إلى جوفه الأول لينطبخ فيه ، ثم ينفذ إلى البطن (٢) الأوسط فيزداد فيه انطباخا ، ثم يتم انطباخه (٣) في البطن المؤخر (٤). والانطباخ الفاضل إنما يكون لمخالطة (٥) وممازجة ونفوذ في أجزاء (٦) الطابخ كحال الغذاء في الكبد ، وعلى ما نصفه لك فيما يستقبل (٧) (٨) لكن زرد (٩) المقدم أكبر (١٠) أفرادا (١١) من زرد (١٢) المؤخر ؛ لأن نسبه الزرد (١٣) إلى الزرد كنسبة العضو إلى العضو بالتقريب. والسبب المصغر للمؤخر عن المقدم موجود في الزرد (١٤). وبين هذا البطن والبطن المؤخر (١٥) ومن تحتهما (١٦) مكان هو متوزع العرقين العظيمين الصاعدين إلى الدماغ ـ اللذين سنذكرهما ـ إلى شعبهما التي تنتسج منهما (١٧) المشيمة من تحت الدماغ. وقد عمدت تلك الشعب بحزم من جنس الغدد يملأ ما بينها (١٨) وتدعمها (١٩) ، كالحال في سائر المتوزعات العرقية (٢٠). فإن من شأن الخلاء الذي يقع بينها (٢١) أيضا أن (٢٢) يملأ أيضا (٢٣) بلحم (٢٤) غددى. وهذه الغدة (٢٥) تتشكل بشكل الشعب المذكورة (٢٦) وعلى هيئة التوزع (٢٧) الموصوف (٢٨). فكما (٢٩) أن الشعب والتوزع المذكور تبتدئ من مضيق وتتفرع إلى سعة (٣٠) يوجبها (٣١) الانبساط ، كذلك صارت هذه الغدة صنوبرية رأسها يلى مبدأ التوزع من فوق ، وتذهب متجهة نحو غايتها

__________________

(١) متفتحة : منتفخة م. (٢) البطن : بطن ط.

(٣) انطباخه : ساقطة من ط

(٤) يأخذ به من مزاجه ... البطن المؤخر : ساقطة من د ، سا ، م.

(٥) لمخالطة : بمخالطة د ، ط ، م.

(٦) أجزاء : الأجزاء ط (٧) لك فيما يستقبل : ساقطة من د ، سا

(٨) فيما يستقبل : ساقطة من م.

(٩) زرد : درز م (١٠) أكبر : أكثر سا ، م

(١١) أفرادا : إفراجا سا ، م ؛ إفرازا ط

(١٢) زرد : درز م (١٣) الزرد (الأولى والثانية) : الدرز م.

(١٤) الزرد : الدرد سا ؛ الدرز م.

(١٥) والبطن المؤخر : والمؤخر د ، سا ، م

(١٦) ومن تحتهما : من تحت د ، سا ، ط ، م.

(١٧) منهما : منها د ، ط ، م. (١٨) بينها : بينهما د ، ط ، م

(١٩) وتدعمها : وتدعمهما ط.

(٢٠) العرقية : ساقطة من سا

(٢٢) من شأن الخلاء الذي يقع بينها أيضا أن : الخلاء بينهما د ، م ؛ الخلاء بينها سا

(٢١) بينها : بينهما ط (٢٣) أيضا (الثانية) : ساقطة من ط

(٢٤) بلحم : باللحم م. (٢٥) الغدة : الغدد سا

(٢٦) المذكورة : ساقطة من د ، سا ، ط ، م (٢٧) التوزع : المتوزع ط ، م

(٢٨) الموصوف : المذكور د ، سا ، ط ، م (٢٩) فكما : وكما د.

(٣٠) سعة : شعبه م (٣١) يوجبها : يوجبه د ، م ؛ بوجه سا ، ط.

٢٣١

إلى أن يتم تدلى الشعب ، ويكون هناك منتسج (١) على مثال المنتسج في المشيمة فتستقر فيه. والجزء من الدماغ المشتمل (٢) على هذا البطن الأوسط عامته وأجزاؤه التي من فوق ، دودى الشكل مزرد من زرد موضوعة في طوله مربوط (٣) بعضها إلى بعض ؛ ليكون له أن يتمدد وأن يتقلص (٤) كالدود ، وباطن فوقه مغشّى بالغشاء الذي يستبطن الدماغ إلى حد المؤخر. وهو مركب على زائدتين من الدماغ مستديرتى إحاطة الطول (٥) ، كالفخذين يتقاربان (٦) إلى التماس ، ويتباعدان إلى الانفراج تركيبا بأربطة تسمى وترات ، لئلا يزول عنه (٧) ، ليكون الدودة إذا تمددت وضاق عرضها ضغطت هاتين الزائدتين إلى الاجتماع فينسد المجرى ؛ وإذا تقلصت (٨) إلى القصر وازدادت عرضا ، تباعدت إلى الافتراق ، فانفتح المجرى.

وما يلى منه مؤخر الدماغ أدق ، وإلى التحديب ما هو (٩) ، ويتهندم في مؤخر (١٠) الدماغ كالوالج (١١) في مولج. ومقدمه أوسع من مؤخره على الهيئة التي يحتملها (١٢) الدماغ. والزائدتان المذكورتان تسميان العتبتين (١٣) ، ولا تزريد (١٤) فيهما (١٥) البتة ، بل هما ملساوان (١٦) ، ليكون شدهما (١٧) وإطباقهما (١٨) أشد ، ولتكون إجابتهما إلى التحريك بسبب حركة شىء آخر أشبه بإجابة (١٩) الشىء الواحد.

ولدفع فضول الدماغ مجريان : أحدهما في البطن المقدم وعند الحد المشترك (٢٠) بينه وبين الذي بعده ، والآخر في البطن الأوسط. وليس للبطن المؤخر مجرى مفرد ، وذلك لأنه موضوع في الطرف ، وصغير (٢١) أيضا بالقياس إلى المقدم ، ولا يحتمل ثقبا ، ويكفيه والأوسط مجرى مشترك لهما ، وخصوصا وقد جعل مخرجا للنخاع يتحلل بعض (٢٢) فضوله ،

__________________

(١) منتسج : منتسجة ب. (٢) المشتمل : المستمكن م.

(٣) مربوط : مربوطة ط ؛ ساقطة من سا.

(٤) يتقلص : يتقبض سا. (٥) مستديرتى إحاطة الطول : مستديرتين د ، سا ، ط ، م

(٦) يتقاربان : يقترنان د ، سا ؛ يفترقان م.

(٧) عنه : عنها د ، سا ، ط ، م. (٨) تقلصت : انفصلت سا.

(٩) ما هو : ساقطة من د ، سا ، م

(١٠) مؤخر : مؤخرة ط. (١١) كالوالج في مولج : ساقطة من د ، سا ، م

(١٢) يحتملها : تحتمله د ، سا ، ط ، م.

(١٣) العتبتين : اليتين د ، سا ، م ؛ غبتين ط

(١٤) تزريد : تزايد ط (١٥) فيهما : فيها د ، سا ، م

(١٦) ملساوان : متساوان د ؛ متساويان م

(١٧) ليكون شدهما : ساقطة من سا. (١٨) وإطباقهما : وانطباقهما د ، سا ، ط ، م

(١٩) بإجابة : إلى إجابة د ، سا ، ط ، م.

(٢٠) المشترك : + الذي د ، سا ، ط ، م.

(٢١) وصغير : ومتغير ط.

(٢٢) بعض : ببعض ط.

٢٣٢

ويندفع من جهته. وهذان المجريان إذا ابتديا من البطنين ونفذا في الدماغ نفسه (١) توربا (٢) نحو الالتقاء عند منفذ واحد عميق (٣) ، مبدؤه (٤) الحجاب الرقيق ، وآخره وهو أسفله عند الحجاب الصلب ، وهو مضيق فإنه كالقمع يبتدئ من سعة (٥) مستديرة إلى مضيق ، فلذلك (٦) يسمى قمعا ، ويسمى أيضا مستنقعا. فإذا نفذ (٧) في الغشاء الصلب لاقى هناك مجرى في غدة ، كأنها كرة مغمورة من الجانبين ، متقابلين فوق وأسفل ، وهي بين الغشاء الصلب وبين مجرى الحنك. ثم تجد هناك المنافذ التي في مشاشة (٨) المصفاة (٩) في أعلى الحنك (١٠). وقد ذكر في التعليم الأول أنه ليس في جوهر (١١) الدماغ دم البتة. فينبغى أن يعلم أن معناه أنه ليس فيه دم البتة على هيئة الدم ، بل يستحيل رطوبة أخرى. وفيه أنه لا عروق في جوهره ، ومعناه (١٢) أن العروق تنفذ إليه من الحجاب ، وتستبطنه ، وترسل الفوهات في جرمه حتى يمتص منها (١٣) من غير أن يكون جوهره جوهرا تنتسج فيه العروق ، كما في كثير من اللحم ، وكما في الكبد والقلب.

والدماغ أبرد الأعضاء الرئيسة حتى (١٤) أنه ربما (١٥) يميز باللمس (١٦) كونه باردا بالقياس إلى غيرها. وعظم اليافوخ ثخين ليبعد (١٧) عن (١٨) الآفة ، متخلخل ليكون خفيفا.

وأقول : إنه لما كان الدماغ ناتئ الموضع عن الأطراف البعيدة ، وكان مبدأ لتوجيه الأعصاب المؤدية للحس والحركة إلى الأعضاء (١٩) ، وكانت الأعصاب المحركة إذا بعدت عن أوائلها إلى المواضع التي ترسل إليها عرض لها أن تسترخى ولا يجود فعلها في تحريك الأطراف ، أرسل الصانع إلى قرب (٢٠) الأطراف شعبة كأنها مختزلة من الدماغ

__________________

(١) نفسه : وحده سا

(٢) توربا : فوربا د.

(٣) عميق : ساقطة من د ، سا ، م

(٤) مبدؤه : ومبدؤه ط ، م.

(٥) سعة : سعته م

(٦) فلذلك : ولهذا سا.

(٧) فإذا نفذ : فإنه أنفذ م.

(٨) مشاشة : مشاشية ب ، د ، سا ؛ [المشاشة : واحدة المشاش ، وهي رءوس العظام اللينة التي يمكن نصفها (لسان العرب)]

(٩) ثم تجد ... الحنك : ساقطة من م

(١٠) المصفاة : المصفى ب ، سا ، ط.

(١١) جوهر : ساقطة من د.

(١٢) ومعناه : + أنه م.

(١٣) منها : منه د ، سا ، ط ، م.

(١٤) حتى : وحتى ب ، د ، سا

(١٥) ربما : ساقطة من د ، سا ، م

(١٦) باللمس : بالحس ب. (١٧) ليبعد : يبعد ط ، م

(١٨) عن : من ط ؛ ساقطة من م. (١٩) إلى الأعضاء : ساقطة من سا.

(٢٠) قرب : أقرب ط.

٢٣٣

لتتوزع من (١) (٢) جانبيها أعصاب تتجه إلى جانبيها ، وإلى أسفل تكون قريبة ما بين المصدر والمورد. ومع ذلك فقد وثق بها مفاصل الفقرات توثيق الحشو للمحشو ، فكان كعماد لدعامة (٣) البدن التي هي (٤) الصلب. ولو كان الرأس منبتا لجميع الأعصاب لاحتيج إلى (٥) أن يكون أكبر من هذا بكثير ، ولكان (٦) ثقيلا على البدن جدا.

__________________

(١) من : بين م

(٢) من : في د.

(٣) لدعامة : الدعامة م

(٤) هى : بين سا ، ط ، م

(٥) إلى : ساقطة من د ، سا.

(٦) ولكان : ولو كان د.

٢٣٤

الفصل التاسع

(ط) فصل (١)

في منفعة العصب وتشريح الدماغى منه

منفعة (٢) العصب منها ما هي بالذات ، ومنها ما هي بالعرض. أما التي (٣) بالذات فهو إفادة الدماغ بتوسطها لسائر الأعضاء حسا وحركة ؛ والتي بالعرض ، فمن ذلك تشديد اللحم وتقوية البدن ، ومن ذلك الإشعار بما يعرض من الآفات للأعضاء العديمة الحس مثل الكبد والطحال والرئة. فإن هذه الأعضاء ـ وإن فقدت الحس ـ فقد أجرى عليها لفافة عصبية وغشيت بغشاء عصبى. فإذا ورمت أو تمددت بريح تأدى ثقل الورم أو تفريق الريح إلى اللفافة وإلى أصلها ، فعرض لها من الثقل انجذاب ، ومن الريح تمدد (٤) فأحس به.

والأعصاب مبدؤها على الوجه المعلوم هو الدماغ ، ومنتهى تفرعها (٥) هو الجلد. فإن الجلد يخالطه ليف دقيق منبث فيه من أعصاب (٦) (٧) الأعضاء المجاورة له. والدماغ مبدأ العصب (٨) على وجهين : فإنه مبدأ لبعض العصب بذاته ، ومبدأ لبعضه بوساطة (٩) النخاع السائل منه. والأعصاب المنبعثة من الدماغ لا يستفيد منها الحس والحركة إلا أعضاء لرأس والوجه والأحشاء الباطنة ؛ وأما سائر الأعضاء فإنما تستفيدها (١٠) من أعصاب النخاع. وقد يستدل على عناية عظيمة تختص (١١) بما (١٢) ينزل من الدماغ إلى الأحشاء من العصب. فإن الصانع عز اسمه (١٣) احتاط في وقايتها احتياطا لم يوجبه في سائر العصب ، وذلك لأنها

__________________

(١) فصل : فصل ط ب ؛ الفصل التاسع ط ؛ ساقطة من د.

(٢) منفعة : ومنفعة ط

(٣) التي : الذي ب ، م.

(٤) تمدد : تمزق د ، سا ، ط ، م.

(٥) تفرعها : تفريقها ؛ تفرقها د ، سا.

(٦) أعصاب : ساقطة من د ، سا ، م

(٧) من أعصاب : أعصاب من ط.

(٨) العصب (الأولى) : للعصب د ، سا.

(٩) بوساطة : بواسطة د ، سا ، ط ، م.

(١٠) تستفيدها : تستفيد ط.

(١١) تختص : + بها م

(١٢) بما : لماد.

(١٣) عز اسمه : ساقطة من ب ، د ، سا.

٢٣٥

لما بعدت من المبدأ وجب أن ترفد بفضل توثيق ، فغشيت يجرم متوسط بين العصب والغضروف في قوامه ، مشاكل لما يحدث في جرم العصب عند الالتواء. وذلك في مواضع ثلاثة : أحدها عند (١) الحنجرة ، والثاني إذا صارت في (٢) أصول الأضلاع ، والثالث إذا جاوز موضع الصدر والأعصاب الدماغية الأخرى. فما (٣) كان المنفعة فيه منها هي إفادة الحس أنفذ من منبعه على الاستقامة إلى العضو المقصود ، إذ (٤) كانت الاستقامة مؤدية إلى المقصود من أقرب الطرق. وهنالك يكون التأثير الفائض من المبدأ أقوى. وإذا (٥) كانت الأعصاب الحسية لا يراد فيها من التصليب المحوج إلى التبعيد عن جوهر الدماغ بالتعريج ليبعد من مشابهته في اللين بالتدريج ما يراد في أعصاب الحركة ، بل كلما كانت ألين كانت لقوة الحس (٦) أشد تأدية. وأما الحركية (٧) فقد وجهت إلى المقصد بعد تعاريج تسلكها لتبعد عن المبدأ وتتدرج في التصليب (٨). وقد أعان كل واحد من الصنفين على الواجب فيه من التصليب (٩) والتليين (١٠) جوهر منبته. إذ كان جل ما يفيد الحس منبعثا عن مقدم الدماغ ، وجل ما يفيد (١١) الحركة منبعثا من مؤخره. والجزء الذي هو مقدم الدماغ ألين قواما ، والجزء الذي هو مؤخر الدماغ أثخن قواما.

وقد ينبت من الدماغ أزواج من العصب سبعة :

فالزوج الأول مبدأه من غور (١٢) البطنين المقدمين من الدماغ عند جوار الزائدتين الشبيهتين بحلمتى الثدى اللتين بهما الشم. وهو صغير مجوف يتيامن النابت منهما (١٣) يسارا ، ويتياسر النابت منهما يمينا ، ثم يلتقيان على (١٤) تقاطع صليبي ، ثم (١٥) ينفذ النابت يمينا إلى الحدقة اليمنى ، والنابت يسارا إلى الحدقة اليسرى ، وتتسع فوهاتهما حتى تشتمل على

__________________

(١) عند : ساقطة من م

(٢) فى : إلى ب.

(٣) فما : لما د.

(٤) إذ : وإذ ط.

(٥) وإذ : وإذ ط.

(٦) لقوة الحسن : القوة الحسية م

(٧) الحركية : الحركة م.

(٨) التصليب : التصلب سا.

(٩) التصليب : التصلب د ، سا ، م

(١٠) والتليين والتلين د ، سا.

(١١) يفيد : يقدر سا.

(١٢) غور : عقب د.

(١٣) منهما : بينهما م.

(١٤) على : لا على هامش ب

(١٥) ثم (الثانية) : بل هامش ب.

٢٣٦

الرطوبة التي تسمى زجاجية. وهما (١) ينفذان على التقاطع الصليبي من غير انعطاف. وقد ذكر لوقوع هذا (٢) التقاطع منافع ثلاث : إحداها لتكون الروح السائلة إلى إحدى الحدقتين غير محجوبة عن السيلان إلى الأخرى إذا عرضت لها آفة ، ولذلك تصير كل واحدة من الحدقتين أقوى إبصارا إذا غمضت الأخرى وأصفى منها لو لحظت والأخرى تلحظ (٣) ، ولهذا ما تزيد الثقبة العينية اتساعا إذا غمضت (٤) الأخرى وذلك لقوة اندفاع الروح إليها. والثانية أن يكون للعينين (٥) مؤدى واحد يؤديان إليه شبح المبصر فيتحد هناك ، ويكون الإبصار بالعينين إبصارا واحدا (٦) لتمثل (٧) الشبح في الحد المشترك ، ولذلك تعرض للحول (٨) أن يروا (٩) الشىء شيئين عند ما تزول إحدى الحدقتين إلى فوق أو إلى (١٠) أسفل ، فتبطل به استقامة نفوذ المجرى إلى التقاطع ، ويعرض قبل الحد المشترك حد لانكسار العصبية. والثالثة لكى تستدعم كل عصبة الأخرى (١١) وتستند إليها وتصير كأنها تنبت من قرب الحدقة.

والزوج الثاني من أزواج العصب الدماغى منشؤه خلف منشأ الزوج الأول ومائلا عنه إلى الوحشى (١٢) ويخرج من الثقبة التي في النقرة (١٣) المشتملة على المقلة ، فينقسم في عضل المقلة. وهذا الزوج غليظ جدا ليقاوم غلظه لينه الواجب لقربه من المبدأ ، فيقوى على التحريك ، وخصوصا إذ لا معين له ، إذ الثالث مصروف إلى تحريك عضو كبير هو الفك الأسفل ، فلا يفضل عنه فضلة ، بل يحتاج إلى معين غيره ، كما نذكره (١٤).

وأما الزوج الثالث فمنشؤه الحد المشترك من مقدم الدماغ ، ومؤخره من لدن قاعدة الدماغ ، وهو يخالط أولا الزوج الرابع قليلا ، ثم يفارقه. ويتشعب أربع شعب (١٥) : شعبة تخرج من مدخل العرق السباتى الذي نذكره بعد ، وتأخذ منحدرة عن الرقبة حتى

__________________

(١) وهما : وقد ذكر جالينوس أنهما ط.

(٢) هذا : هذه ط ، م.

(٣) تلحظ : لا تلحظ ط.

(٤) غمضت : غمضنا د ، سا ، م.

(٥) للعينين : للعين م.

(٦) واحدا : ساقطة من م

(٧) لتمثل : ليتمثل د ، سا ، م

(٨) للحول : للأحول ط ، م.

(٩) يروا : يرى ط ، م

(١٠) أو إلى : وإلى م.

(١١) الأخرى : بالأخرى ط.

(١٢) الوحشى : الوحش م

(١٣) النقرة : الفقرة سا ؛ النقيرة م.

(١٤) نذكره : سنذكره ط.

(١٥) أربع شعب : شعبا ط ، م.

٢٣٧

تجاوز الحجاب فتتوزع في الأحشاء التي دون الحجاب. وشعبة مخرجها من ثقب في عظم الصدغ ، وإذا انفصل اتصل بالعصب المنفصل من الزوج الخامس الذي سنذكر حاله. وشعبة تطلع في الثقب الذي يخرج منه الزوج الثاني إذ كان مقصده (١) الأعضاء الموضوعة قدام الوجه ، ولم يحسن أن تنفذ في منفذ الزوج الأول المجوف فتزاحم أشرف العصب ، وتضغطه (٢) فينطبق التجويف. وهذا الجزء إذا انفصل ، انقسم ثلاثة أقسام : قسم يميل إلى ناحية الماق ويتخلص إلى عضل الصدغين والماضغين والحاجب والجبهة والجفن ؛ والقسم الثاني ينفذ في الثقب المخلوق (٣) عند اللحاظ حتى يخلص إلى باطن الأنف ، فيتفرق في الطبقة المستبطنة للأنف ؛ والقسم الثالث وهو قسم غير (٤) صغير ينحدر (٥) في التجويف البربخى (٦) المهيأ في عظم الوجنة فيتفرع إلى فرعين : فرع منه يأخذ إلى داخل تجويف الفم فيتوزع في الأسنان ، أما حصة الأضراس منها (٧) فظاهرة ، وأما حصة (٨) سائرها فكالخفي عن البصر ، وتتوزع أيضا (٩) في اللثة العليا. والفرع الآخر ينبت في ظاهر الأعضاء هناك مثل جلدة الوجنة (١٠) وطرف الأنف والشفة العليا. فهذه أقسام الجزء الثالث من الزوج الثالث. وأما الشعبة الرابعة من الزوج الثالث فيخلص نافذا في ثقبة في الفك (١١) الأعلى إلى اللسان ، فيتفرق في طبقته الظاهرة ، ويفيده (١٢) الحس الخاص به وهو الذوق. وما يفضل (١٣) من ذلك يتفرق في غمود (١٤) الأسنان السفلى ولثاتها وفي الشفة السفلى. والجزء الذي يأتى اللسان أدق من عصب العين ، لأن صلابة هذا ولين ذاك يعادل غلظ ذاك (١٥) ودقة هذا.

وأما الزوج الرابع فمنشؤه خلف الثالث ، وأميل إلى قاعدة الدماغ ، ويخالط الثالث كما قلنا ، ثم يفارقه ، ويخلص إلى الحنك فيؤتيه الحس. وهو زوج صغير ، إلا أنه أصلب من الثالث لأن الحنك وصفاق الحنك (١٦) أصلب من (١٧) صفاق (١٨) اللسان.

__________________

(١) مقصده : مقصد د.

(٢) وتضغطه : وتضغط د ، سا ، ط ، م.

(٣) المخلوق : المخلوقة د.

(٤) غير : ساقطة من م (٥) ينحدر : منحدر د

(٦) البربخى : الريحى م. (٧) منها : ساقطة من ط

(٨) حصة : ساقطة من د.

(٩) أيضا : ساقطة من سا

(١٠) الوجنة : الوجه د ، م.

(١١) الفك : فك ط. (١٢) ويفيده : وتفيدها ط

(١٣) يفضل : ينفصل ب. (١٤) غمود : غمور م.

(١٥) ذاك (الأولى) : ذلك ط.

(١٦) وصفاق الحنك : ساقطة من د ، سا ، م.

(١٧) أصلب من : ساقطة من د

(١٨) صفاق (الثانية) : وصفاق د.

٢٣٨

وأما الزوج الخامس ، فكل فرد منه ينشق بنصفين على هيئة المضاعف ، بل عند أكثرهم كل فرد منه زوجان (١) ، ومنبته من جانبى الدماغ. والقسم الأول من كل زوج منه يعمد (٢) إلى الغشاء المستبطن للصماخ (٣) ، فيتفرق فيه كله. وهذا القسم منبته بالحقيقة من الجزء المقدم (٤) من الدماغ وبه حس السمع. وأما القسم الثاني ، وهو أصغر من الأول ، فإنه يخرج من الثقب المثقوب في العظم الحجرى ، وهو الثقب الذي يسمى بالأعور (٥) والأعمى لشدة التوائه وتعريج مسلكه ، إرادة لتطويل المسافة وتبعيد آخرها عن المبدأ ، ليستفيد العصب قبل خروجه منه بعدا من المبدأ ، تتبعه (٦) صلابة ، فإذا برز اختلط بعصب الزوج الثالث ، فصار أكبرهما إلى ناحية الخد والعضلة العريضة ، وصار الباقى منهما إلى عضل الصدغين. وإنما خلق الذوق في العصبة الرابعة ، والسمع في الخامسة ، لأن آلة السمع احتاجت إلى أن تكون مكشوفة غير مسدود إليها سبيل الهواء. وآلة الذوق وجب أن تكون محرزة. فوجب من ذلك أن يكون عصب السمع أصلب ، فكان منبته من مؤخر الدماغ أقرب. وإنما اقتصر في عضل العين (٧) على عصب واحد ، وكثر (٨) أعصاب عضل الصدغين ، لأن ثقبة العين احتاجت إلى فضل سعة لاحتياج العصبة (٩) المؤدية لقوة البصر إلى فضل غلظ لاحتياجها إلى التجويف ، فلم يحتمل العظم المنتقر لضبط المقلة ثقوبا كثيرة. وأما عصب الصدغين فاحتاجت إلى فضل صلابة ، فلم يحتج إلى فضل غلظ ، بل كان الغلظ مما يثقل (١٠) عليها (١١) الحركة. وأيضا المخرج الذي لها في عظم حجرى صلب يحتمل ثقوبا عديدة (١٢).

وأما الزوج السادس (١٣) فإنه ينبت من (١٤) مؤخر الدماغ ، متصلا بالخامس (١٥) مشدودا (١٦) معه

__________________

(١) زوجان : زوج ب.

(٢) يعمد : يعتمد م

(٣) للصماخ : للسماخ ب.

(٤) المقدم : المؤخر ط.

(٥) بالأعور : الأعور ب.

(٦) تتبعه : ليتبعه سا.

(٧) العين : العينين ط

(٨) وكثر : وكثير د.

(٩) العصبة : العصب م.

(١٠) يثقل : تنقد د

(١١) عليها : عنها م.

(١٢) عديدة : كثيرة سا ، ط ، م ؛ + كثيرة د.

(١٣) السادس : الثالث سا

(١٤) من : في د ، سا ، ط ، م

(١٥) بالخامس : بالسادس م

(١٦) مشدودا : مشدودة ط.

٢٣٩

بأغشية وأربطة ، كأنهما عصبة واحدة ، ثم يفارقها ويخرج من الثقب الذي في منتهى الدرز اللامى. وقد انقسم قبل الخروج ثلاثة أجزاء ، ثلاثتها تخرج من ذلك الثقب معا. فقسم منه يأخذ طريقه إلى عضل الحلق وأصل اللسان ليعاضد الزوج السابع على تحريكها. والقسم الثاني ينحدر (١) إلى عضل الكتف وما يقاربها ، ويتفرق أكثره في العضلة العريضة التي على الكتف. وهذا القسم صالح المقدار ، وينفذ معلقا إلى أن يصل إلى مقصده. وأما القسم الثالث ، وهو أعظم الأقسام الثلاثة ، فإنه ينحدر إلى الأحشاء في مصعد العرق السباتى ، ويكون مشدودا إليه مربوطا به (٢) فإذا حاذى الحنجرة تفرعت منه شعب فأتت (٣) العضل الحنجرية (٤) التي رءوسها إلى فوق التي تشد (٥) الحنجرة وغضاريفها ، فإذا جاوزت الحنجرة صعد منها شعب (٦) تأتى العضل المنتكسة (٧) التي رءوسها إلى أسفل ، وهي التي لا بد منها في إطباق الطرجهالى وفتحه (٨). إذ لا بد من جذب إلى أسفل ، ولهذا يسمى العصب الراجع. وإنما أنزل هذا من الدماغ لأن النخاعية لو أصعدت لصعدت (٩) مورّبة غير مستقيمة من مبدئها ، فلم يتهيأ الجذب بها إلى أسفل على الإحكام. وإنما خلقت من من السادس لأن ما فيه من الأعصاب اللينة والمائلة إلى اللين ما كان منها قبل السادس فقد توزع في عضل الوجه والرأس وما فيهما (١٠).

والسابع لا ينزل على الاستقامة نزول السادس ، بل يلزمه توريب لا محالة. ولما كان قد يحتاج الصاعد (١١) الراجع إلى مستند محكم شبيه بالبكرة ليدور عليه الصاعد متأيدا به ، وأن يكون مستقيما وضعه صلبا قويا أملس موضوعا بالقرب ، فلم يكن كالشريان العظيم. والصاعد من هذه الشعب ذات اليسار يصادف هذا الشريان ، وهو مستقيم غليظ ، فينعطف عليه من غير حاجة إلى توثيق كثير. وأما الصاعد ذات اليمين فليس (١٢) يجاوره (١٣)

__________________

(١) ينحدر : فينحدر ب ، د ، سا ، م.

(٢) مربوطا به : برباطه سا.

(٣) فأتت : وأتت د ، سا ، ط

(٤) الحنجرية : الحنجرة م

(٥) تشد : تشيل د ، سا ، ط ، م.

(٦) شعب : ساقطة من م

(٧) المنتكسة : المنكسة م.

(٨) وفتحه : ساقطة من سا.

(٩) لصعدت : ساقطة من د :

(١٠) فيهما : فيه م.

(١١) الصاعد : + إلى ط.

(١٢) فليس : وليس ط

(١٣) يجاوره : + في جرم جزء د ؛ في جزء من سا ؛ جرم م.

٢٤٠