الفائق في غريب الحديث - ج ١

جار الله محمود بن عمر الزمخشري

الفائق في غريب الحديث - ج ١

المؤلف:

جار الله محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

والتقدير حتى هم يتبادَحُون ، ولو كانت هي الجارة لسقطت النون لإضمار أَنْ بعدها.

بوَادِرُ في (ظه). بادناً في (شذ). المبدىء في (نك). فلا تَبْدَحِيه في (سد). البدن في (رج) بَدَداً في (عل). وذو بَدَوَان في (عد). بَوَادِره في (سا).

الباء مع الذال

[بذاذة] [بذة] (*) : النبي صلى الله عليه وسلم ـ البَذَاذَةُ من الإيمان.

يقال : بَذِذْتَ بَعْدي بَذَاذة وبِذَاذاً وبَذَاذاً : أي رثَّت هيئتك. والمراد التواضع في اللِّباس ، ولُبْس ما لا يؤدّي منه إلى الخيلاء والرّفول ، وأن لذلك موقعاً حسناً في الإيمان. ورجل باذّ الهيئة وبذّها.

ومنه : إنّ رجلاً دخل المسجد ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب ، فأمره أن يصلّي ركعتين. ثم قال : إنّ هذا دخل المسجد في هَيْئَةٍ بَذَّةٍ ، فأمرتُه أن يصلّيَ ركعتين ، وأنا أُريد أن يفطُن له رجل فيتصدَّق عليه.

[بذج] : يُؤْتَى بابنِ آدمَ يوم القيامة كأنه بَذَجٌ من الذُّلِّ.

هي كلمة فارسيّة تكلمت بها العرب ، وهو أَضعف ما يكون من الْحُمْلَان ، وتُجمَع على بِذُجَان.

[بذق] : ابن عباس رضي الله عنهما ـ سُئِلَ عن الباذِق ؛ فقال : سبَقَ محمد الباذِق ، وما أسكر فهو حرام.

هو تعريب باذَه ، ومعناها الخمر.

[بذاء] : الشعبي رحمه الله ـ إذا عظمت الحلقة فإنما هي بِذَاء ونِجَاء.

أي مُبَاذاة ؛ وهي الفاحشة ، ومناجاة.

فيه بَذَاذَة في (تا). في هيئته بَذَاذَة في (حج). بَذِيّا في (طف). يبذّ القوم في (مغ). فابْذَعَرَّ في (زف). البُذر في (نو). فما ابذَقرّ في (مذ).

__________________

ـ سيبويه ٢ / ٤٢٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٠ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢٨ ، ٢٥٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٧٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٧٩ ، والكتاب ٣ / ٢٧ ، ٦٢٦ ، ولسان العرب ١٥ / ٢٨٤ (مطا) ، ومغني اللبيب ١ / ١٢٧ ، ١٣٠ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٢٦٧ ، وجواهر الأدب ص ٤٠٤ ، ورصف المباني ٥ / ١٨١ ، وشرح المفصل ٨ / ١٩ ، ولسان العرب ١٥ / ١٢٤ (غزا) ، والمقتضب ٢ / ٧٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٣٦.

(*) [بذاذه] : [بذة] : ومنه الحديث : بذ القائلين. ومنه في صفة مشية صلي الله عليه وآله وسلم : مش الهونا بد القوم. النهاية ١ / ١١٠.

٨١

الباء مع الراء

[برد] (*) : النبي صلى الله عليه وسلم ـ لما توجَّه نحو المدينة خرج بُرَيْدَة الأسلمي رضي الله عنه في سبعين راكباً من أهل بيته من بني سَهْم ، فتلقَّى نبيَّ الله ليلاً. فقال له : مَن أنت؟ فقال : بُرَيْدة ، فالتفت إلى أبي بكر وقال : يا أبا بكر ؛ بَرَد أَمْرنا وصلح ، ثم قال : مِمَّنْ؟ قال : من أسلم. قال لأبي بكر : سَلِمنا. ثم قال : ممن؟ قال : من بني سَهْم. قال : خَرَج سَهْمك.

بَرَد أمرُنا : أي سهل ؛ من العيش البارد ، وهو النَّاعم السهل ، وقيل : ثبت ، مِنْ بَرَدَ لي عليه حَقّ.

خَرَج سَهْمُك : أي ظَفِرت. وأصله أن يُجِيلُوا السهامَ على شيء ، فمن خرج سَهْمه حازَه.

مَنْ صَلَّى البَرْدَيْن دخل الجنة.

هما الغداة والعشيّ ، لطيب الهواء وبَرْدِه فيهما.

إذا اشتد الحر فأَبْرِدوا بالصلاة.

أي صلّوها إذا انكسر وهَج الشمسِ بعد الزَّوال ، وإذا كانوا في سفَر فزالت الشمسُ وهبّت الأرواح تنادَوْا : أَبْرَدتُم بالرواح.

وحقيقة الإبراد الدخول في البَرْد. كقولك : أظهرنا وأفجرنا.

والباء للتعدية. فالمعنى ادخُلوا الصلاة في البرد.

[باردة] : الصَّوْمُ في الشِّتَاءِ الْغَنِيمةُ الْبَارِدَةُ.

هي التي تجيء عَفْواً من غير أن يُصْطَلى دونها بنار الحرب ، ويُباشر حرّ القتال.

وقيل : الثابتة الحاصلة ، من بَرَدَ لي عليه حقّ. وقيل : الهَنيّة الطيبة من العيش البارد.

والأصلُ في وقوع البرد عبارة عن الطِّيب والهناءة أنَّ الهواء والماء لما كان طِيبهما ببردهما خصوصاً في بلادِ تِهامة والحجاز قيل : هواء بارد ، وماء بارد ، على سبيل الاستِطَابة ، ثم كثر حتى قيل : عَيْش بارد ، وغنيمة باردة ، وبَرَدَ أمرنا.

[بريد] : كان يكتب إلى أمرائه : إذَا أَبْرَدْتُمْ إليَ بَريداً فاجْعَلُوه حسنَ الْوَجْهِ حَسَن الاسْمِ.

__________________

(*) [برد] ومنه حديث ابن الزبير : كان يسير بنا الأبردين. وحديث فضالة بن شريك : وسر بها البردين ومنه حديث ابن عمر : رددت أنه برد لنا عملنا. ومنه حديث : إذا أبصر أحدكم أمراة فليأت زوجته فإن ذلك برد ما في نفسه. ومنه حديث عمر : أنه شرب النبيذ بعدما يرد. ومنه الحديث : لا تبرد را عن الظالم. وفي حديث عمر : فهبره بالسيف حتي يرد. النهاية ١ / ١١٤ ، ١١٥.

٨٢

أي إذا أرسلتم إليَّ رسولاً.

والبريد : في الأَصْل : البَغْل ، وهي كلمة فارسية أصلها بُرَيْدَة دُم : أي محذوف الذَّنَب ؛ لأنَّ بغالَ البريد كانت محذوفة الأَذناب ، فعرِّبت الكلمة وخُفِّفَت ، ثم سُمِّي الرسولُ الذي يركبه بَريداً ، والمسافةُ التي بين السكتين بريداً.

والسَّكَّة : الموضعُ الذي يسكُنُه الفُيُوج (١) المرتّبون من رِباط أو قُبَّة أو بيتٍ أو نحو ذلك ـ وبُعْدُ ما بين السكتين فَرْسَخان ، وكان يُرَتّبُ في كُلّ سكة بغال.

[برقاء] (*) : أَبْرِقُوا فإنَّ دَمَ عَفْرَاءَ أَزْكى عند الله من دَمِ سَوْدَاوَيْن.

أي ضَحُّوا بالْبَرْقَاء ، وهي الشاةُ التي تشقُّ صوفَها الأبيض طاقاتٌ سود.

والعَفْراء : التي يضربُ لونها إلى بياض ، من عُفْرَة الأرض.

[برر] (*) : سئل ـ أيُّ الكَسْبِ أفضل؟ فقال : عمل الرجلِ بيده ، وكل بيع مَبْرُور.

بره ، أي أحسن إليه فهو مبرور. ثم قيل : بَرَّ الله عمله إذا قَبِلَه كأَنَّه أَحْسَن إلى عمله بأَن قَبِلَهُ ولم يرُدَّه.

ومنه حديث أبي قِلَابة : إنه قال لخالد الحذّاء وقد قَدِمَ من مكة : بُرَّ العَمَل.

والبيع المبرور : هو الذي لم يُخالطه كذِب ولا شيء من المآثم ؛ كأنّ صاحبَه أحسنَ إليه بإخلائه عن ذلك.

[برث] (*) : يَبْعَثُ الله منها سبعين ألفاً لا حسابَ عليهم ولا عذابَ فيما بين البَرْثِ الأَحمر وبين كذا.

هو الأَرض اللينة ، جمعُها بِراث.

الضمير في منها لحِمْص ، وإنما قال ذلك لأنَّ جماعة كثيفة من المؤمنين قُتِلوا هناك.

__________________

(١) الفيج : المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد ، وجمعه فيوج.

(*) [برقاء][برق] : ومنه في حديث الدجال : إن صاحب رايته في عجب ذنبه مثل ألية البَرَق. ومنه حديث قتادة : تسوقهم النار سوق البَرَق الكسير. ومنه حديث ابن عباس : لكل داخل بَرْقَة. ومنه حديث الدعاء : إذا برقت الأبصار. ومنه الحديث : كفى ببارقة السيوف. وفي حديث أبي إدريس : دخلت مسجد دمشق فإذا فتى برّاق الثنايا. النهاية ١ / ١١٩ ، ١٢٠.

(*) [برر] : ومنه الحديث ؛ تمسَّحوا بالأرض فإنها بكم برَّة. وفي حديث حكيم بن حزام : أرأيت أموراً كنت أتبرر بها. ومنه الحديث : ليس من البر الصيام في السفر. ومنه الحديث : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة. ومنه الحديث : الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة. ومنه الحديث : أُمرنا بسبع منها إبرار القسم. النهاية ١ / ١١٦ ، ١١٧.

(*) [برث] : ومنه الحديث : بين الزيتون إلى كذا برث أحمرُ. النهاية ١ / ١١٢.

٨٣

[برة] : أُهْدِي مائة بدَنة منها جَمَلٌ كان لأبي جهل في أَنْفه بُرَة من فِضّة.

هي الْحَلْقة ، ونقصانها واو ، لقولهم : بُرَة مَبْرُوَّة ؛ أي معمولة.

[برثمة] : سئل عن مُضَر ، فقال : كِنانةُ جَوْهرها ، وأَسد لسانها العربي ، وقيس فُرْسان الله في الأرض ، وهم أصحاب الملاحم ، وتميم بُرْثُمَتُهَا وجُرْثُمتُها.

قيل : أراد بالْبُرْثُمة : البُرْثُنة واحد البَراثن ، وهي المخَالَب ، والمراد شَوْكتها وقوّتها ؛ فأبدل من النون ميماً لِتعاقُبهما ولِتزاوج الجرثمة ، كالغَدايا والعشايا.

والجرثمة : الجرثومة ؛ وهي أصلُ الشيء ومُجْتَمعه.

[براز] : انطلق للبَرازَ فقال لرجل : ائتِ هاتين الأشَاءَتَيْن فقل لهما حتى تجتمعا ، فاجتمعتَا فقضى حاجته.

البَراز : الفضاء ، واشتقَّ منه تبرَّز ، كما قيل من الغائط : تغوّط.

الأَشاءة : النخلة الصغيرة.

[برا] : إن أبا طلحة قال له : إن أحبَّ أموالي إليَ بَيْرَحَى ، وإنها صدقة لله أَرجو برَّها وذُخرها عند الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بَخ! ذلك مالٌ رابحٌ ، أَو قَال رائح.

بَيْرَحي : اسم أرض كانت له ، وكأنها فَيْعَلى ، من البَرَاح ، وهي الأرض المنكشفة الظاهرة.

بَخ : كلمةٌ يقولها المعْجَبُ بالشيءِ.

رابح : ذو رِبْح ، كقولهم : همٌّ ناصب.

رائح : قريب المسافة يروح خيرُه ولا يعزب. قال :

سأَطْلب مالاً بالمدينة إنني

أَرعى عازبَ الأموال قلَّت فَوَاضِلُه

[برزة] : خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فُهَيْرة ودليلهما اللَّيْثي عبدُ الله بن أُرَيْقِط ، فمروا على خَيْمتي أمّ معبد ، وكانت بَرْزَة جَلْدة تَحْتبِي بفناء القبّة ثم تَسْقِي وتُطْعم. فسألوها لَحْماً وتمْراً يشترونه منها ، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك.

وكان القوم مُرْمِلين (١) مُشْتين ـ وروي مُسْنِتِين ؛ فنظر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى شاةٍ في كِسْر الخيمة ، فقال : ما هذه الشاة يا أم مَعْبد؟ قالت : شاةٌ خلّفها الجَهْد عن الغنم. فقال : هل بها من لَبن؟ قالت : هي أَجْهَد من ذلك! قال : أتأذنين لي أَنْ أَحْلبها؟ قالت : بأبي أنت وأمي! إن رأيتَ بها حلَباً (٢) فاحْلبها.

__________________

(١) المرمل : الذي نفد زاده.

(٢) الحلب : اللبن.

٨٤

وروي أنه نزل هو وأبو بكر بأُمّ معبد وَذْفَان مَخْرَجه (١) إلى المدينة. فأرسلت إليهم شاةً فرأى فيها بُصْرة (٢) من لَبن ، فنظر إلى ضَرعها ، فقال : إن بهذه لبناً ، ولكن أبْغيني شاةً ليس فيها لبن ، فبعثت إليه بعَنَاقٍ (٣) جَذَعة ، فدعا بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده ضَرْعها ، وسمَّى اللهَ ودَعا لها في شائها ؛ فتفاجّت عليه ودَرَّت واجترَّت.

وروي أنه قال لابنِ أمّ معبد : يا غلامُ ؛ هات قَرْواً ، فأتاه به ؛ فضرب ظَهْر الشاة فاجترَّت ودَرَّت ، ودعا بإناء يُرْبِضُ الرَّهْطَ ، فحلب به ثَجًّا حتى علاه الْبَهاء ـ وروي : الثُّمال ، ثم سقاها حتى رَوِيت ، وسقَى أصحابَه حتى رَوُوا ، فشرب آخرهم ، ثم أَرَاضُوا عَلَلاً بعد نَهل ، ثم حلب فيه ثانياً بعد بَدْء حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، ثم بايعها ثم ارتحلُوا عنها.

فقلَّما لبثت حتى جاء زوجُها أبو معبد يسوق أَعْنزاً عِجَافاً تَشَارَكْن هُزالاً ـ وروي : تَسَاوكُ ـ وروي : ما تَسَاوَق ، مُخّهن قليل. فلما رأى أبو معبد اللَّبنَ عَجِب ، وقال : من أين لك هذا يا أمّ معبد والشاءُ عَازِب حِيَال (٤) ، ولا حَلوبَ في البيت؟

قالت : لا والله إلا أنه مرَّ بنا رجلٌ مُبَارك مِنْ حاله كذا وكذا. قال : صِفيه لي يا أم معبد. قالت : رأيتُ رجلاً ظاهرَ الوضاءة ، أَبلج الوجه ، حَسَن الخلق ، لم تعْبه ثجْلَة ، ولم تُزْر به صُقْلة ـ وروي صَعْلة ـ وروي لم يعبه نُحْلة (٥) ، ولم يزر به صُقْلة ، وَسِيماً قسيماً ، في عينيه دَعَج ، وفي أشفاره عَطَف. أو قال غَطَف ـ وروي وَطَف. وفي صَوْته صَحَل ، وفي عُنُقه سَطَع ، وفي لحيته كَثاثة ، أزجّ أَقْرن ، إن صمت فعليه الوَقَارُ ، وإن تكلَّم سما وعلاه البَهَاء ، وأجلّ الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحسَنُه وأجملُه من قريب ، حُلْو المنطق ، فَصْلٌ لا نَزْر ولا هَذَر ، كأنما منطقه خَرزات نَظْم يتحدّرون ، رَبْعَة لا يائس من طول ، ولا تقتحمه عَيْن مِنْ قِصَر ، غُصن بين غُصْنَيْن ، فهو أنضر الثلاثة مَنْظَراً ، وأَحسنهم قَدْراً ، له رُفَقاء يَحفُّونه ، إن قال أَنْصتوا لقَوْله ، وإن أمر تبادَرُوا إلى أَمره ، مَحْفود مَحْشود ، لا عابِس ولا مُعْتد.

قال أبو معبد : هو والله صاحبُ قُريش الذي ذُكِر لنا من أمْرِه ما ذُكِر بمكة ، لقد هممتُ أن أصحبَه ولأفعلنّ إنْ وجدتُ إلى ذلك سبيلاً.

__________________

(١) وذفان مخرجه : أي عند مخرجه.

(٢) أي أثراً قليلاً يبصره الناظر إليه.

(٣) العناق : الأنثى من أولاد المعز ، والجذع : ما قبل الثني ، والأنثى جذعة ، وأجذع ولد الشاة دخل في السنة الثانية.

(٤) عازب حيال : أي بعيدة المرعى لا تأوي إلى المنزل إلا في الليل ، والحيال : جمع حائل وهي التي لم تحمل.

(٥) النُحلة : الدقة والهزال.

٨٥

فأَصبح صوتٌ بِبَكة عالياً يسمعون الصوت ولا يَدْرون مَنْ صاحبه (١) :

جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جزائه

رفيقين قَالا خَيْمَتي أمِّ مَعْبَد

هما نَزَلَاها بالهُدى واهتدت بهم

فقد فاز من أَمْسى رفيقَ محمد

فيا لقُصَيّ ما زوى اللهُ عنكمُ

به من فَعَال لا يُجَارى وسؤدد

لِيَهْن بني كعب مقامُ فَتَاتهم

ومقعدُها للمؤمنين بمَرْصَد

سلُوا أختكم عن شَاتِها وإنائها

فإنكم إن تسألوا الشاةَ تَشْهدِ

دعاها بشاةٍ حائِل فتحلّبت

له بصريح ضَرَّةُ الشاةِ مُزْبِدِ

فغادرها رَهْناً لديها لحالب

يردّدها في مَصْدرٍ ثم مَوْرد.

البَرْزَة : العفيفة الرزينة التي يتحدَّث إليها الرجالُ فتبرزُ لهم ، وهي كَهْلَة قد خلا بها سنّ ، فخرجت عن حدّ المحجوبات ، وقد بَرُزَت بَرَازَةً.

المُرْمِل : الذي نَفِد زاده فرقّت حاله وسخُفت ، من الرَّمْل وهو نسجٌ سخيف ، ومنه الأرملة لرِقَّةِ حالها بعد قَيِّمها.

المُشْتِي : الداخل في الشتاء.

والمُسْنِت : الداخل في السّنة ، وهي القَحْط ، وتاؤه بدل من هاء لأنّ أصل أسنَتّ أسْنَهْتُ.

الكِسر ـ بالكسر والفتح : جانب البيت.

وَذْفَان مَخْرَجِه : أي حِدْثَان خروجه ، وهو من تَوَذّف إذا مرّ مرًّا سريعاً.

البُصْرَة : أثر من اللبن يُبْصَر في الضَّرْع.

التَّفَاج : تفاعل من الفجَج ، وهو أشد من الفَحَج ، ومنه قوس فجَّاء.

وعن ابنة الخسِّ في وصف ناقة ضَبِعة : عَيْنها هَاجّ (٢) ، وصَلَاها رَاج ، وتمشي وتَفَاجّ.

القَرْو : إناء صغير يردَّد في الحوائج ، من قروت الأرض : إذا جُلت فيها وتردّدت.

الإرباض : الإرواءِ إلى أن يَثْقُل الشارب فيرْبِض.

انتصاب ثَجًّا بفعل مضمر ؛ أي يثج ثجّاً ، أو بحلب لأن فيه معنى ثجّ ، ويجوز أن يكون بمعنى قولك ثاجًّا نَصْباً على الحال.

المراد بالبَهَاءِ وَبيصُ الرّغْوَة.

__________________

(١) الأبيات من الطويل ، وهي لرجل من الجن في الدرر ٣ / ٨٧ ، وشرح شذور الذهب ص ٣٠٥ ، وبلا نسبة في لسان العرب ١١ / ٥٧٨ (قبل) ، والمقرب ١ / ١٤٧ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٠.

(٢) عين هاجة : عين غائرة.

٨٦

والثُّمالُ : جمع ثمالة ، وهي الرغوة.

أرَاضُوا : من أَرَاض الحوض : إذا استنقع فيه الماء ، أي نقعوا بالرِّي مرةً بعد أُخرى.

تَشَاركن هُزالاً : أي عمَّهُنَّ الهزال فكأنهن قد اشتركْنَ فيه.

التَّسَاوُك : التمايل من الضعف : قال كعب :

حَرْفٌ تَوَارَثها السِّفَارُ فجسْمُها

عارٍ تَسَاوَمُ والفُؤَادُ خَطِيفُ (١)

تَسَاوُق الغنم : تتابعها في السير ، كأنَّ بعضها يسوق بعضها.

والمعنى : أنها لضعفها وفَرْط هُزَالها تتخاذلُ ويتخلَّف بعضُها عن بعض.

الحَلُوب : التي تَحْلِب. وهذا مما يستغربه أهل اللغة زاعمين أنه فَعُول بمعنى مفعولة نظراً إلى الظاهر ، والحقيقة أنه بمعنى فاعلة ، والأصل فيه أن الفعل كما يسند إلى مُباشرهِ يسند إلى الحامل عليه والمُطَرِّق إلى إحْدَاثه. ومنه قوله :

*إذا رَدَّ عَافِي القِدْرِ مَنْ يَسْتَعِيرها (٢) *

وقولهم : هزم الأَمِيرُ العدوَّ ، وبنى المدينةَ. ثم قيل على هذا النهج : ناقة حَلُوب : لأنها تحمِل على احتلابها بكونها ذات حَلب ، فكأنها تحلب نفسها لحملها على الحَلب ، وكذلك ناقة ضَبُوث : التي يُشَك في سمنها فتُضْبَث (٣) ، فكأنها تَضْبِث نَفْسها لحملها على الضَّبث بكونها مشكوكاً في شأنها. ومن ذلك : الماء الشروب ، والطريق الرّكوب ، وأشباهها.

بَلَج الوَجْه : بياضُه وإشراقه. ومنه : الحق أَبْلج.

الثُّجْلة والثَّجَل : عِظَم البَطْن.

والصُّقْلة والصُّقْل : طولُ الصُّقْل ؛ وهو الخصْر ، وقيل ضُمْره وقلّة لحمه وقد صقل ، وهو من قولهم : صَقَلْتُ الناقةَ إذا أضْمَرْتَها بالسَّيْرِ.

والمعنى : إنه لم يكن بمنتفخ الخصْر ولا ضَامِره جدّاً والنُّحْل : النُّحول.

والصَّعْلَة : صِغَر الرَّأْس ، يقال : رَجلٌ صَعْل وأَصْعَل ، وامرأةٌ صَعْلاء.

القَسَام : الجمال ، ورجل مُقَسّم الوَجْه ، وكأنّ المعنى أَخذ كلُّ موضعٍ منه من الجمالِ قِسْماً ، فهو جميل كلّه ، ليس فيه شيء يُسْتَقبحُ.

__________________

(١) البيت لكعب بن زهير في لسان العرب (سوك).

(٢) صدره :

فلا تسأليني وأسألي ما خليقتي

والبيت لمضرس الأسدي في لسان العرب (عفا).

(٣) تُضبث : أي تجس باليد (القاموس المحيط : ضبث).

٨٧

العَطَف : طول الأشفار وانعطافُها ، أي تثنّيها. والعطف والغَطَف ، وو انعطف وانغطف وانغضف أَخوات.

الوَطَف : الطول.

الصَّحَل : صوتٌ فيه بُحَّة لا يبلغُ أن تكون جُشَّة (١) ، وهو يُسْتَحْسن لخلوِّه عن الحِدّة المُؤْذية للضماخ.

السَّطَع : طول العُنق ، ورجل أَسْطع وامرأة سَطْعَاء ، وهو من سُطوع النار.

سَما : قيل ارتفع وعَلَا على جُلسائه. وقيل : عَلا برَأسه أو بيده. ويجوز أن يكون الفعل للبهاء ؛ أي سَماهُ البَهَاء وعلَاه على سبيل التأْكِيد للمُبَالغة في وصفه بالبَهَاء والرَّوْنق إذا أخذ في الكلام ؛ لأنه عليه السلام كان أفصح العرب.

فَصْل : مصدر موضوع موضع اسم الفاعل ؛ أي منطقة وسط بين النَّزر والهَذر فاصل بينهما.

قالوا : رجل رَبْعة فأَنَّثُوا ؛ والموصوفُ مذكَّر على تأويل نَفْس رَبْعة. ومثله : غُلَامٌ يَفَعَة وجمل حُجَأَة.

لا يائِس من طُول : يروى أنه كان فُوَيْق الرَّبعة. فالمعنى أنه لم يكن في حدّ الرّبعة غيرَ متجاوزٍ له ، فجعل ذلك القَدْر مِنْ تجاوز حدِّ الرَّبعة عدم يأس من بعض الطُّول.

وفي تنكير الطول دليل على معنى البَعْضِيَّة ـ وروي : «رَبْعة لا يائس من طول».

يقال في المنظر المستقبح : اقْتَحمَتْهُ العينُ ؛ أي ازْدَرَتْهُ ، كأنها وقعت من قُبْحِه في قُحْمَة ، وهي الشدّة.

مَحْفُود : مَخْدُوم. وأصل الحَفْد مُدَاركة الخَطْو.

مَحْشُود : مجتمَع عليه ؛ تعني أَن أصحابه يَزِفون في خِدْمَته ، ويجتمعون عليه.

خيمتي ، نصْب على الظرف ، أجرى المحدودَ مجرى المُبْهم كبيت الكتاب :

*كما عَسَل الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ (٢) *

__________________

(١) الجشة : شدة الصوت ، وصوت غليظ من الخياشيم فيه بحة.

(٢) تمامه :

لدن يهز الكف يعسل متنه

فيه كما عسل الثعلب

والبيت من الكامل ، وهو لساعدة بن جؤية الهذلي في تخليص الشواهد ص ٥٠٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ٨٣ ، ٨٦ ، والدرر ٣ / ٨٦ ، وشرح أشعار الهذليين ص ١١٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٥٥ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٨٥ ، والكتاب ١ / ٣٦ ، ٢١٤ ، ولسان العرب ـ

٨٨

اللام في «يا لَقُصَيّ» للتّعجب ، كالتي في قولهم : يَا للدَّواهي ويَا للْماء! والمعنى : تعالَوْا يا قصيّ لنعجبَ منكم فيما أَغْفلتموه من حظّكم ، وأَضَعْتُمُوه من عِزّكم بعِصْيَانكم رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإلجائكم إياه إلى الخروج من بين أظهركم.

وقوله : «ما زَوى الله عنكم» ، تعجّب أيضاً معناه أيّ شيء زَوَى الله عنكم! الضَّرِّة : أصل الضّرْع الذي لا يخلو من اللَّبن. وقيل : هي الضَّرْع كلُّه ما خَلا الأَطْبَاء (١).

[برىء] : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ـ دخل عليه عبدُ الرحمن بن عوف في علَّته التي مات فيها فقال : أراك بارئاً يا خليفةَ رسول الله ، فقال : أمَا إنّي على ذلك لشديد الوَجَع ، ولَما لقيتُ منكم يا معْشَرَ المهاجرين أشدُّ عليَّ من وَجعي ؛ وَلَّيْتُ [أموركم] خَيْرَكم في نفسي ، فكلُّكم وَرِم أنفُه (٢) أن يكونَ له الأمرُ من دونه ، والله لتَتَّخِذُنّ نَضَائدَ الدِّيباج وستُور الحرير ، ولتألمُنَّ النومَ على الصُّوف الأَذْرَبي ، كما يألم أحدُكم النومَ على حَسَك السَّعْدَان ؛ والّذِي نفسي بيده لأن يقدَّم أحدُكم فتُضرَب عنقُه في غير حدٍّ خيرٌ له من أن يخوضَ غمرات الدنيا. يا هادي الطريق جُرت ؛ إنما هو الفَجْرُ أو البَجْر ـ وروي : البَحْر.

قال له عبد الرحمن : خفِّض عليك يا خليفةَ رسولِ الله! فإنَّ هذا يَهيضُك إلى ما بِكَ. ورُوي أنَّ فلاناً دخل عليه فنال من عمر ، وقال : لو استخلفتَ فلاناً؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : لو فعلتُ ذلك لجعلتَ أَنْفَكَ في قَفَاك ، ولَمَا أَخَذْتَ من أهلك حقًّا.

ودخل عليه بعضُ المهاجرين وهو يشتكِي في مرضه ، فقال له : أتستخلف علينا عمر ، وقد عَتَا (٣) عَلَيْنا ولا سُلْطَانَ له ، ولو مَلكَنا كان أعْتَى وأعْتَى! فكيف تقول لله إذا لقيتَه! فقال أبو بكر : أَجْلِسُوني ، فأجْلَسوه ، فقال : أبالله تُفَرِّقُني فإني أقولُ له إذا لقيتُه : استعملتُ عليهم خيرَ أَهلك.

برئ من المرض ، وبرَأ ، فهو بارئ ، ومعناه مُزَايلة المرض والتَّباعد منه ، ومنه : برئ من كذا براءةً.

وَرَمُ الأَنف ، كناية عن إفراط الغيظ ؛ لأنه يرْدَفُ الاغتياظ الشديد أن يَرِمَ أنفُ المغتاظ وينتفخ مِنْخَراه ، قال :

*ولا يُهَاجُ إذَا ما أَنْفُه وَرِما (٤) *

__________________

ـ ٧ / ٤٢٨ (وسط) ، ١١ / ٤٤٦ (عسل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٤ ، ونوادر أبي زيد ص ١٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٨٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٧٩ ، وجمهرة اللغة ص ٨٤٢ ، والخصائص ٣ / ٣١٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٩٧ ، ومغني اللبيب ص ١١ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٠.

(١) الطبى ، بكسر الطاء وضمها : حلمات الضرع التي من خف وظلف وحافر وسبع وجمعها أطباء.

(٢) ورم أنفه : اغتاظ من ذلك ، قال في لسان العرب (ورم) : وهو من أحسن الكنايات لأن المغتاظ يرم أنفه ويحمر.

(٣) العتو : التجبر والتكبر.

(٤) الشطر بلا نسبة في لسان العرب (ورم).

٨٩

النضائد : الوسائد والفُرُش ونحوها مما يُنْضَدُ ، الواحدة نَضِيدة.

الأَذْرَبيّ منسوب إلى أَذْرَبيجان ـ وروي : «الأَذْرِيّ».

البَجْرُ : الأَمر العظيم. والمعنى : إن انتظرت حتى يُضيء لك الفَجْر أبصرتَ الطريق. وإن خَبَطْتَ الظّلماء أَفْضَت بك إلى المكروه. وقال المبرِّد فيمن رواه البَحْر : ضَرَب ذلك مثلاً لَغَمرات الدنيا وتحْييرها أَهلَها.

خَفِّض عليك ، أي أَبقِ على نفسك ، وهوِّن الخَطْبَ عليها.

الهَيْض : كَسْر العظْم المجبور ثانية ، والمعنى أنه يَنْكُسُك إلى مرضك.

جَعل الأنف في القَفَا عبارة عن غايةِ الإعراض عن الشيء وَلَيِّ الرأس عنه ؛ لأنّ قُصَارى ذلك أن يُقْبِل بأنفه على ما وراءه ، فكأنه جعل أَنْفَه في قفاه ؛ ومنه قولهم للمنهزم : عيناه في قَفَاه لِنَظَرِه إلى ما وراءه دائباً فَرقاً من الطَّلب ؛ والمرادُ لأَفْرَطْتَ في الإعراض عن الحقّ ، أو لجعلتَ دَيْدَنك الإقبالَ بوجْهك إلى مَنْ وراءك من أقاربك مختصًّا لهم بِبرِّك ، ومُؤْثراً إياهم على غيرهم.

تُفَرّقني : تُخَوِّفني من أهلك. كان يقال لقريش : أهل الله ؛ تفخيماً لشأنهم ، وكذلك كلّ ما يُضاف إلى اسم الله كبيت الله وكقولهم : لله أنت ، وكقول امرىء القيس :

فلِلّه عَيْنَاً مَنْ رَأَى مِنْ تَفَرُّقٍ

أَشَتَّ وأَنْأَى من فِرَاقِ المُحصَّبِ (١)

[البرنس] : أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ـ قال رجل : ضربَنِي عمر ، فسقط البُرْنُس عَنْ رأسِي ، فأغاثني الله بشَعَفتيْن في رَأْسِي.

البُرْنس : كلّ ثوبٍ رأْسُه منه ملتزِق به ، دُرَّايَةً كان أو جُبَّة أو مِمْطَراً.

الشَّعَفَة : خُصْلة في أعلى الرأس.

[برهوت] : أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ـ خيرُ بئر في الأرض زَمْزَم ، وشرُّ بئرٍ في الأرض بَرَهُوت (٢).

هي بئر بحضرموت يزعمون أن بها أَرْوَاح الكفَّار ؛ وقيل : وادٍ باليمن. وقيل : هو اسم للبلد الذي فيه هذه البئر ، والقياس في تائها الزيادة ، لكونها مَزِيدة في أخواتها الجائية على أمثالها مما عُرِف اشتقاقُه ؛ كالتَّرَبُوت (٣) والخرَبُوت وغير ذلك.

__________________

(١) البيت في ديوان امرىء القيس ص ٤٣.

(٢) برهوت : واد معروف مشهور بأسفل حضرموت قريب من بلاد مهرة.

(٣) التربوت : المذلل.

٩٠

[بربر] (*) : سعد رضي الله عنه ـ قال : لما قُتِل على رَايةِ المشركين مَنْ قُتل من بني عبد الدّار أَخَذ اللِّوَاء غلامٌ لهم أَسْوَد ، وكان قد انتكس ، فَنصبه العبد وبَرْبَر يسبّ ، فرميته وأصيبت ثُغْرتُه ، فسقَط صَريعاً ، فأقبل أبو سفيان : فقال : مَنْ رَدَاه؟ من رَدَاه؟.

البربرة : كثرةُ الكلام ، ويحكى أن إفريقِيس أبا بِلْقِيسَ غزا البَرْبَر فقال : ما أَكثر بَرْبرتهم! فَسُمُّوا بذلك.

رَدَاه : رماه بحجر.

[البارقة] : عمَّار رضي الله عنه ـ الجنَّة تحت البَارِقة.

هي السيوفُ لبريقها ، وهذا كقولهم : الجنّةُ تحت ظِلال السيوف.

[البردة] : ابن مَسعود رضي الله عنه ـ أصلُ كلِّ داءٍ البَرَدَة.

هي التُّخَمة ؛ لأنها تُبَرِّد حرارةَ الشهوة ، أو لأنّها ثقيلةٌ على المِعدة بطيئةُ الذهاب من بَرَد إذا ثبت وسكَن ؛ قال :

اليوم يومٌ بارِدٌ سَمُومُهُ

مَنْ جَزِع اليَوْمَ فَلا نَلُومُه (١)

والمعنى ذمّ الإكثار من الطعام ؛ وعن بعضهم : لو سُئل أهلُ القبور : ما سببُ آجالكم؟ لقالوا : التُّخَم (٢).

[برشم ـ برهم] : حُذيفة رضي الله عنه ـ قال سُبَيع بن خالد : أتينا الكوفةَ ، فإذا أنا برجال مشرفين على رجل ، فقالوا : هذا حُذيفة بن اليَمَان ، فقال : كان الناس يَسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنتُ أَسْأله عن الشرّ ، فبَرْشَمُوا إليه.

أي حدّدُوا النظر وأداموه إنكاراً لقوله وتعجّباً منه ، يقال بَرْشَم إليه وبَرْهَم ؛ وإنما كان يسأله عن الشرّ ليتوقّاه فلا يقع فيه ؛ ولهذا كانت عامةُ ما يُرْوى من أحاديث الفِتَن منسوبةً إليه.

[بريء وبراء] : أبو هريرة رضي الله عنه ـ استعمله عمرُ على البَحْرَين ، فلمَّا قدم عليه قال له : يا عدوَّ الله وعدوَّ رسوله ؛ سرقتَ من مال الله ، فقال : لستُ بعدوِّ الله ولا عدوِّ رسوله ، ولكني عدوُّ من عادَاهُما ، ولكنها سِهامٌ اجتمعت ونِتَاجُ خَيْلٍ ، فأخذ منه عشرةَ آلاف درهم فألقاها في بيتِ المال ؛ ثم دعاه إلى العمل فأبى ، فقال عمر رضي الله عنه : فإن يُوسف

__________________

(*) [بربر] : ومنه في حديث علي : لما طلب إليه أهل الطائف أن يكتب لهم الأمان على تحليل الربا والخمر فامتنع قاموا ولهم تغزمرٌ وبربرة. النهاية ١ / ١١٢.

(١) الرجز في لسان العرب (برد) ، وفيه «تلومه» بدل «نلومه» ، وسموم بارد ثابت لا يزول.

(٢) التخم : جمع تخمة.

٩١

قد سَأَل العمل ، فقال : إنّ يوسف منِّي بريءٌ وأنا منه بَرَاء ، وأخافُ ثلاثاً واثنتين ، قال : أفلا تقول خمساً؟ قال : أخاف أن أقول بغير حُكْم ، وأقضي بغير عِلْم ، وأخاف أن يُضْرب ظهْري ، وأن يُشْتَم عِرْضي ، وأن يُؤْخذ مالي.

البَرَاء : البريء. والمراد بالبراءة بُعْده عنه في المُقَايسة ، لقوة يوسف عليه السلام على الاستقلال بأَعْبَاء الولاية وضعفه عنه. وأراد بالثلاث والاثنتين الخلال المذكورة ، وإنما جعلها قسمين لكون الثنتين وَبالاً عليه في الآخرة ، والثلاث بَلاءً وضراراً في الدنيا.

[برق] : ابن عباس رضي الله عنهما ـ لكلّ داخل بَرْقَةٌ.

هي المرّة من البَرَق ، مصدر بَرَق يَبْرَق إذا بقي شاخصَ البصر حَيْرةً ؛ وأصله أن يَشِيم البرقَ فيضعُفَ بصرُهُ.

ومنه حديث عمرو بن العاص : إنّه كتب إلى عمر رضي الله عنه : يا أميرَ المؤمنين ؛ إنَّ البَحْرَ خَلْقٌ عظيم ، يركبه خَلْقٌ ضَعيف ، دُودٌ على عُود ، بين غَرَق وبَرَقٍ.

يريد أنّ راكب البحر إما أن يغرق أو يكون مَدْهُوشاً من الغَرَق.

علقمة رضي الله عنه ـ قال أبو وائل : قال لي زياد : إذا وليتَ العراق فائْتني ، فأتيتُ علْقَمة فسألتُه ؛ فقال : لا تقربهم فإنَّ على أبوابهم فِتناً كمَبَارِك الإبل ، لا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابُوا من دِينك مِثْلَيْه.

أرادَ مبارك الإبل الْجَرْبَى. يعني أن هذه الفِتَن تُعْدى مَنْ يَقْربهم إعْدَاءَ هذه المبارك الإِبل المُلْس إذا أُنيخت فيها. قال :

* تُعْدى الصحاحَ مَبارك الجُرْبُ (١) *

*[برى] : علي بن الحسين صلوات الله عليهما ـ اللهمّ صلّ على محمد عدد البَرَى والثَّرَى والوَرَى.

البَرَى : التراب الذي على وَجْه الأرض ، وهو العَفَر ، من بَرَى له إذا عَرض وظهر.

الثَّرَى : النَّدَى الذي تحت البَرَى ، ومنه قولهم : التقى الثَّرَيان ، أي ندَى المطرِ وندَى الثَّرى.

[برطم] : مجاهد رحمه الله ـ قال في قوله عز وجل : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) [النجم : ٦١] البَرْطَمة.

__________________

(١) صدره :

جالبك من يجني عليك وقد

والبيت من الكامل ، وهو لذؤيب بن كعب في تخليص الشواهد ص ١٩٩ ، وجمهرة الأمثال ١ / ٣٠٧ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٣٤ ، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص ١٧٠ ، ولسان العرب ١٤ / ١٥٤ (جنى).

٩٢

هذا تفسيرٌ للسمود ، والسَّامِد : الرَّافع رَأْسَه تكبراً ، والمُبَرْطِم : المُتخاوِص (١) في النَّظر ، وقيل : المقطّب المتغضِّب لِكِبْرِه. وجاء في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : سامِدُونَ متكبّرون.

[برق] : قتادة رضي الله عنه ـ تخرجُ نارٌ من مشارقِ الأَرض تَسُوق الناسَ إلى مغارِبها سَوْقَ البَرَقِ الكَسِير.

هو الجمل تعريب «بَرَهْ».

[برد] : في الحديث ـ لا تُبَرِّدُوا عن الظَّالِم.

أي لا تخَفِّفُوا عنه ، ولا تسهِّلوا عليه من عقوبة ذَنْبه بشَتْمِه ولَعْنِه.

البَيْرم والبَرَم في (ان). التَّبْريح في (ول). يَتَبرّضه في (خب). البُرْد في (خي). وثلاثين بُرْدة في (سر). من هذا البَرْح في (سر). غير أبْرَام في (عب). كثيرات المَبَارك في (غث). البَرَهْرَهة في (هو). بكُم بَرَّة في (مس). أبر عليهم في (نض). من البُرَحاءِ في (وغ). بَرّانيًّا في (جو). وهذه البَرَازق في (طر). البَرْجَمة في (رس). إن البِر دُونَ الإثْم في (رب).

الباء مع الزّاي

[البزبزة] : النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كانت نُبُوَّةَ رَحْمَة ، ثم تكون خِلافةَ رَحْمَة ، ثم تكون مُلْكاً يملِّكه اللهُ من يشاء من عباده ، ثم تكون بَزْبَزِيًّا : قَطْع سبيل ، وسَفْك دماء ، وأخذ أموال بغير حقِّها.

أي استيلاءً منسوباً إلى البَزْبَزة ؛ وهي الإسرَاع في الظّلم ، والخِفّةُ إلى العَسْف ، وأصلها السَّوْقُ الشديد ـ وروي «بِزِّيزَى» بوزنِ «خِلّيفى» ، وهي مصدر من بزّ إذَا سلَب ، ومعناها كثرة البَزّ. الضمير في «كانت» للحال ، وكذلك في «تكُون».

[بازل] : خطب يومَ فتح مكة فقال : أَلَا في قتيل خطأ العَمْد ثلاث وثلاثون حِقَّة (٢) ، وثلاث وثلاثون جَذَعة ، وأربع وثلاثون ما بين ثَنِيّة إلى بازلِ عامِها كلُّها خَلِفة.

يقال : جمل بازِل وناقةٌ بازل : إذا تمّت لهما ثماني سنين ودَخَلا في التاسعة. وإذا أتى على الجمل عامٌ بعد البُزُول قيل له : مُخْلِف ، فأمَّا الناقة فلا تكون مُخْلِفاً ، ولكن يقال لها : بَزُول وبازِلُ عام. والضمير في «عامها» ، يرجع إلى موصوف محذوف ؛ لأنَّ التقديرَ : إلى ناقةٍ بازل عامها ، ولا يجوزُ رجوعه إلى «بازل» نفسها ، لأنَ البازلَ مضافةٌ إلى العام ، فلو

__________________

(١) التخاوص : الغض من البصر.

(٢) الحِق (بالكسر) : من الإبل ما دخل في السنة الرابعة.

٩٣

رجعت فأضفت العامَ إليها كنتَ بمنزلة من يقول : سيّد غلامه ، أي سيّد غلامِ السيّد ، وهذا مُحالٌ ، ونظيره في قول حاتم يخاطب امرأته :

أماويّ إني رُبَّ وَاحدِ أُمِّه

أَجَرْتُ فلا غرم عليه ولا أَسْرُ (١)

والخَلِفَة : واحدة المخاض ، وهي الحوامل على غير لَفْظِها.

[البزو] : في قصيدة أبي طالب يعاتبُ قريشاً في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

كذَبتُم وبَيْت الله يُبْزَى مُحمَّدٌ

ولما نُطَاعِنْ دُونَهُ ونُقَاتِلِ (٢).

أي لا يُبْزَى ، فحذفه لأنه لا يُلْبَس ، ومثله :

*فقلت يمينَ اللهُ أبرحُ قاعِداً (٣) *

وقوله :

*آليتُ حبّ العِراق الدَّهر أطعمه (٤) *

والبَزْو : القَهْر والغَلبة ، ويجوز أن يكون من الإِبزاء ، قال :

وإنّي أخوكَ الدائم العَهْد لم أحُلْ

إن ابْزَاك خَصْمٌ أَوْ نَبَا بِك مَنْزِلُ (٥)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لحاتم الطائي في ديوانه ص ٢٠١ ، والأغاني ١٧ / ٢٩٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢١٠ ، ٢١١ ، ولسان العرب ٣ / ٤٤٩ (وحد) ، وبلا نسبة في لسان العرب ٩ / ٥٦٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ٤٧.

(٢) البيت في ديوان أبي طالب ص ١١٠ ، وفيه ونناضل بدل ونقاتل.

(٣) عجزه :

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصاني

والبيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٣٢ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ١٠ / ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، والخصائص ٢ / ٢٨٤ ، والدرر ٤ / ٢١٢ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ١٨٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، وشرح المفصل ٧ / ١١٠ ، ٨ / ٣٧ ، ٩ / ١٠٤ ، والكتاب ٣ / ٥٠٤ ، ولسان العرب ١٣ / ٤٦٣ (يمن) ، واللمع ص ٢٥٩ ، والمقاصد النحوية ٢ / ١٣ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٣٢ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٩٣ ، ٩٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١١٠ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٣٧ ، والمقتضب ٢ / ٣٦٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ٣٨.

(٤) عجزه :

والحب يأكله في القرية السوس

والبيت من البسبط ، وهو للمتلمس في ديوانه ص ٩٥ ، وتخليص الشواهد ص ٥٠٧ ، والجنى الداني ص ٤٧٣ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٥١ ، وشرح التصريح ١ / ٣١٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٩٤ ، والكتاب ١ / ٣٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٥٤٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢ / ١٨٠ ، وشرح الأشموني ١ / ١٩٧ ، ومغني اللبيب ١ / ٩٩.

(٥) البيت لمعن بن أوس في ديوانه ص ٥٧.

٩٤

أمير المؤمنين [عليّ] رضي الله عنه ـ قال سعد بن أبي وقَّاص : رأيته يوم بدر وهو يقول:

بَازِلُ عامَيْنِ حَدِيثٌ سَنِّي

سَنَحْنَحُ اللّيل كأنيَ جِنِّي

لمثل هذا وَلَدَتْني أمي

ما تَنْقِمُ الحربُ العَوَانُ مِنِّي

[* سَنَحْنَحُ اللَّيْلِ كأنّيَ جِنِّي (١) *]

وروي :

*سَمَعْمَع كأنَّني من جِنّ *

. بازلُ عامين : هو البعير الذي تمّتْ له عشر سنين ، ودخل في الحادية عشرة فبلغ نهايتَه في القوة ، وهو الذي يقال له : مُخْلِفُ عَام ؛ والمعنى : أنا في استكمال القوة كهذا البعير مع حَدَاثَةِ السن.

السَّنَحْنَح والسَّمَعْمَع مما كُرّر عينه ولامه معاً ، وهما من سَنَح وسَمِع. فالسَّنَحْنَح : العريض الذي يَسْنَح كثيراً ، وإضافته إلى الليل على معنى أنه يُكْثِرُ السُّنوح فيه لِأَعدائه والتعرّض لهم لجَلَادته. والسَّمَعْمَع : الخفيف السريع في وَصف الذئاب ، فاستُعير ، والذئب موصوف بحدّة السمع ، ولهذا قيل لولده من الضَّبُع : السِّمْع ، وضُرِب به المثل فقيل : أَسْمَع من سِمْع.

السنّ : أُنِّثت في تسمية الجارحة بها ، ثم استُعيرت للعُمْر ، للاستدْلال بها على طُولهِ وقِصَره ، فقيل : كَبِرَتْ سني ؛ مُبْقَاة على التّأْنيث بعد الاستعارة ، ونظيرُها اليد والنار في إبقاء تأنيثهما بعدما استُعيرنا للنِّعْمة والسِّمَةِ.

وقوله : حديثٌ سنّي ، كما يقال : طلع الشمس ، واضطرم النار ؛ لأن «حديث» معتمد على «أنا» المحذوف وليس بخبرٍ قُدِّم.

خفّف ياءُ «جنِّي» ضَروةً ، ويجوز في القوافي تخفيفُ كلّ مشدد ومثله قوله :

*أصحوتَ اليومَ أم شاقَتْك هِرْ (٢) *

خالف بين حَرْفَيِ الرويّ ؛ لتقارب النون والميم ، وهذا يسمّى الإكْفَاء في عِلم القَوَافي ، ومِثْلُه:

__________________

(١) الرجز لعلي بن أبي طالب في ديوانه ص ١٩٢ ، ولسان العرب ١٢ / ٥٩٠ (نقم) ، ولأبي جهل في جمهرة اللغة ص ٦١٦ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٢٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٤٧ ، ولسان العرب ١١ / ٥٢ (بزل) ، ١٣ / ٢١ (سنن) ، ٢٩٩ (غون) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٦ / ١٩٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٠ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٨٢ ، والمقتضب ١ / ٢١٨ ، والممتع في التصريف ٢ / ٦٩٦.

(٢) الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٥ ، والخصائص ٢ / ٣٢٠.

٩٥

يَا رِيَّهَا الْيَوْمَ على مُبين

على مُبِينٍ جَرَدِ الْقَصِيمِ (١)

[بازلة] : زيد رضي الله عنه ـ قضى في البَازِلة بثلاثة أَبْعِرَة.

هي في الشِّجاج : المتلاحمة ، لأنها تَبْزُل اللَّحْمَ أي تشُقُّه.

بَزِيع في (خش). بأشْهَب بَازِل في (شه). البَيَازر في (بج). بِزّة في (شك).

الباء مع السين

[البسّ] (*) : النبي صلى الله عليه وسلم ـ يخرج قومٌ من المدينة إلى العراق والشام يَبُسُّون المدينة ، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون.

البسُ : السَّوْق والطَّرْد ، يقال : بسّ القومَ عنك ، أي اطرُدْهم ، ومنه بسّ عليه عَقَارِبَه ؛ إذا بثَّ نَمائمه ؛ قال أبو النجم :

*وانْبَسَ حَيَّاتُ الكَثيبِ الأَهْيَلِ (٢) *

وبه فسر قوله تعالى : (وَ) بُسَّتِ (الْجِبالُ) بَسًّا [الواقعة : ٥]. والمعنى يسوقون بَهائمهم سائرين ؛ ولا محلّ له من الإعراب ؛ لأنه بدل من «يخرج قومٌ» ، ولا يجوز أن يُقال : هو في محلّ النصب على الحال ؛ لأن الحال لا ينتصب عن النكرة ، ويجوز أن يكونَ صفةً لقوم ؛ فيُحْكم على موضعِه بالرفع.

[بسط] (*) : يَدُ الله بُسْطَان لمُسيء النهار حتى يتوبَ بالليل ، ولمسيء الليل حتى يتوبَ بالنهار.

يقال : يدُ فلان بُسُط : إذا كان مِنْفاقاً منبَسِط الباع ، ومثله في الصفات : روضة أُنُفٌ ، ومِشْيَة سُجُح ، ثم يخفف فيُقال : بُسْط كعُنْق وأُذْن ، جُعِل بسط اليد كنايةً عن الجود ، حتى قيل للملك الذي يُطْلِق عطاياه بالأمر وبالإشارة : مبسوط اليد ، وإن كان لم يُعْطِ منها شيئاً بيده ، ولا يبسطها به البتّة ، وكذلك المراد بقوله : يَدَا اللهِ بُسْطَانِ ، وبقوله تعالى : (بَلْ يَداهُ

__________________

(١) البيت لحنظلة بن مصبح في لسان العرب (جرد).

(*) [البسّ] : ومنه في حديث المتعة : ومعي بُردة قد بُسَّ منها. وفي حديث مجاهد : من أسماء مكة الباسَّة.

وفي حديث المغيرة : أشأم من البسوس. النهاية ١ / ١٢٦ ، ١٢٧.

(٢) الرجز لأبي النجم في الطرائف الأدبية ص ٦٢ ، وقبله :

ومات دعملاص الغدير المثمل

(*) [بسط] : ومنه في وصف الغيث : فوقع بسيطاً متداركاً. ومنه حديث فاطمة : يبسطني ما يبسطها. ومنه حديث : لا تبسط ذراعيك انبساط الكلب. النهاية ١ / ١٢٧ ، ١٢٨.

٩٦

مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] الجواد والإِنعام لا غير ، من غير تصوّر يد ولا بَسْطها ؛ لأن قولهم: مبسوط اليد وجَوَاد عبارتان معتقبتان على معنى واحد ، والمعنى : إنّ الله جوادٌ بالغفران للمسيء التائب. رزقنا الله التوبة ومغفرة الذنوب. وفي قراءة ابن مسعود : بل يداه بُسْطان.

وفي حديث عُرْوة : مكتوب في الحكمة : ليكن وجهك بِسْطاً تكن أحبَّ إلى الناس ممّن يعطيهم العطاء.

أي مُنْبَسطاً منطلقاً.

[بسل] (*) : أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ـ مات أُسَيْد بن حُضَيْر فأُبْسِلَ مالُه بدَيْنه ، فبلغ عمر ، فردّه فباعه ثلاث سنين متوالية فقضى دينه.

أي أُسْلِم إذا كان مستغرقاً بالدَّين ، ومنه أُبسل فلان بجريرته. قال الشَّنْفَرى :

هُنَالِك لا أَرْجُو حياةً تَسُرُّني

سَجِيس اللَّيَالِي مُبْسَلاً بالجَرَائر (١)

وكان المالُ نخلاً فباعه ، أي باع ثمرته حتى قضى منها دَيْنَه.

قال في دعائه : آمين وبَسْلاً.

قيل : معناه إيجاباً وتحقيقاً. قال أبو نخيلة :

لا خابَ من نَفْعِكَ مَنْ رَجَاكَا

بَسْلاً وَعادَى اللهُ مَنْ عَادَاكَا (٢)

[باسنة] : ابن عباس رضي الله عنهما ـ نزل آدمُ من الجنة ومعه الحجرُ الأسود متأبِّطَه ، وهو ياقوتة من يَوَاقيت الجنة ، ونزل بالباسِنَة ونَخْلة العَجْوة ـ وروي : «ونزل بالعَلَاة».

الباسِنةَ : آلات الصُّنَّاع ، وقيل سكَّة الحَرَّاث.

العَجْوَة : ضربٌ من أجود التمر. وعنه عليه الصلاة والسلام : العَجْوَة من الجنّة.

وهي شفاء من السمّ.

العَلاة : السَّنْدَان.

[البسر] : الأشجع العبديّ رضي الله عنه ـ لا تَبْسُرُوا ولا تَثْجُروا ولا تُعَاقِرُوا فتَسْكَروا.

البَسْر : خَلْط البُسْر بالتمر وانتباذهما.

والثّجْر : أن يُؤْخذ ثَجِير البُسْر فيُلْقَى مع التمر ، وهو ثُفْلُهُ.

__________________

(*) [بسل] : ومنه في حديث خيفان : قال لعثمان : أمَّا هذا الحي من همدان فأنجاد بُسْل. النهاية ١ / ١٢٩.

(١) البيت في ديوان الشنفرى ص ٣٦ ، وعجز البيت في لسان العرب :

سمير اللبالي مبسلا لجزائري

(٢) البيت للمتلمس الهذلي في لسان العرب (بسل).

٩٧

والمُعَاقَرة : الإدْمان ، مَأْخوذٌ من عُقْر الحوض ؛ وهو مقام الشاربة ، أي لا تلزموه لزومَ الشاربة العُقْر.

الحسن رحمه الله ـ قال له وليدٌ التَّيَّاس : إني رجل تَيَّاس. قال : لا تَبْسُر ولا تَحْلُب.

وروي : سألت الحسن عن كسب التَّيَّاس. فقال : لا بأس به ما لم يَبْسُر ولم يَمْصُرْ.

هو أن يحمِل على الشاة غير الصارف والناقة غَيْر الضَّبِعة.

المَصْر : أَنْ يحْلُب بإصبعين ، أَرَاد ما لم يسترقِ اللَّبَن.

قد بُسَّ منه في (عي). البُساط في (عم). وبواسقها في (قع). فأنجادٌ بُسْل في (فر) بعد تبسّق في (رب). ومرة بالبَسَر في (رغ). الباسّة في (بك). أشأم من البَسُوس في (زو).

الباء مع الشين

[التبشبش] : النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لا يُوطِنُ من المسجد للصلاة والذِّكْر رجل إلا تَبَشبشَ اللهُ به من حِينِ يخرج من بيته كما تَبَشْبَشُ أهل البيت بغائبهم إذا قَدِم عليهم.

التَّبشبُش بالإنسان : المسرّة به والإقبال عليه ، وهو من معنى البشاشة لا من لفظها عند أصحابنا البصريين ؛ وهذا مثل لارتضاء الله فعلَه ووقوعه الموقعَ الجميل عنده.

يخرج : في موضع الجر بإضافة حين إليه ، والأوقات تضاف إلى الجمل ، ومِن لابتداء الغاية ؛ والمعنى : إن التبشبش يبتدىء من وقت خروجه من بيته إلى أنْ يدخل المسجد ؛ فترك ذكر الانتهاء لأنه مفهوم ، ونظيره :

*شمتُ البرقَ من خَلَل السحاب *

ولا يجوز أن يفتح «حين» كما فتحه في قوله :

*على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصّبا (١) *

لأنه مضافٌ إلى مُعْرَب ، وذاك إلى مبنيّ.

__________________

(١) عجزه :

وقلت ألما أصح والشيب وازع

والبيت من الطويل ، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٣٢ ، والأضداد ص ١٥١ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٥٦ ، ٣ / ٤٠٧ ، ٦ / ٥٥٠ ، ٥٥٣ ، والدرر ٣ / ١٤٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٥٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨١٦ ، ٨٨٣ ، والكتاب ٢ / ٣٣٠ ، ولسان العرب ٨ / ٣٩٠ (وزع) ، ٩ / ٧٠ (خشف) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٤٠٦ ، ٤ / ٣٥٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١١ ، والإنصاف ١ / ٢٩٢ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٣٣ ، ورصف المباني ص ٣٤٩ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣١٥ ، ٣ / ٥٧٨ ، وشرح شذور ـ

٩٨

[بشر] (*) : ابن مسعود رضي الله عنه ـ من أحبَّ القرآنَ فلْيَبْشَرْ ـ وروي فلْيَبْشُر.

يقال : بَشَرْتُه ، بمعنى بشّرته ، فَبَشَر ، كجَبَرْته فجَبَر ، وبَشرته فبَشِر كثَلَجْت صدرَه فثَلِج ، والمعنى البِشَارة بالثواب العظيم الذي لا يبلغ كُنهَه وَصْف ؛ ولهذا المعنى حذف المبشَّر به.

وقيل : المراد بقوله : «فليبشُر» بالضمّ أن يضمِّرَ نفسه لحِفْظه ؛ فإنَّ كَثْرَةَ الطَّعام تنسيه إياه ، من بَشْر الأديم وهو أَخْذُ باطِنه بشفرة. ومثله قوله : «إني لأكره أن أرى الرجل سميناً نسيًّا للقرآن». ونظير البَشْر في وقوعه عبارة عن التضمير النَّحت والبَرْيُ في التعبير بهما عن الهُزَال وذَهاب اللَّحم. يقال : براه السفر ، قال :

*وهو من الأَيْنِ حَفٍ نَحِيت (١) *

ومن البَشْر حديث ابن عمروٍ : أُمرنا أن نَبْشُرَ الشَّوَارِب بَشْراً.

أراد أن نُحُفِيَها حتى تظهر البَشَرة.

[البشام] (*) : ابن غَزْوَان رضي الله عنه ـ خطب الناسَ بالبصرة ، فقال : لقد رأيتُني سَابع سَبْعَة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ما لنا طعام إلّا وَرَقُ البَشَام حتى قَرِحت أَشْدَاقُنا ، ما منَّا اليوم رجلٌ إلا على مِصْرٍ من الأمصار.

وروي : «سابع سبعة قد سُلقت أفواهنا من أكل الشجر».

البَشَام : شجر يُسْتاك به. قال جرير :

أَتَذْكُرُ يَوْم تَصْقُل عَارِضَيْهَا

بِفَرْع بَشامةٍ سُقِي البَشَام (٢)

سُلِقَت ، من السُّلاق ، وهو بَثْر يخرج في باطنِ الفم.

__________________

ـ الذهب ص ١٠٢ ، وشرح ابن عقيل ص ٣٨٧ ، وشرح المفصل ٣ / ١٦ ، ٤ / ٥٩١ ، ٨ / ١٣٧ ، ومغني اللبيب ص ٥٧١ ، والمقرب ١ / ٢٩٠ ، ٢ / ٥١٦ ، والمنصف ١ / ٥٨ ، وهمع الهوامع ١ / ٢١٨.

(*) [بشر] : ومنه في حديث توبة كعب : فأعطيته ثوبي بشارة. ومنه الحديث : لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم. ومنه الحديث : أنه كان يقبِّل ويباشر وهو صائم. ومنه حديث نجية : ابنتك المؤدمة المبشرة. النهاية ١ / ١٢٩.

(١) جمل نحيت : انتحتت مناسمه (لسان العرب : نحت).

(*) [بشم][البشام] : ومنه حديث الحسن : وأنت تتجشأ من الشبع بشماً. وفي حديث عبادة : خير مال المسلم شاءٌ تأكل من ورق القتاد والبشام. ومنه حديث عمرو بن دينار : لا بأس بنزع السِّواك من البشامة. النهاية ١ / ١٣٠ ، ١٣١.

(٢) البيت في ديوان جرير ص ٥١٢ ، ويروى :

أتنسى إذْ تودّعنا سُلَيْمَى.

٩٩

السابع على معنيين : يكونُ اسماً للواحد من السبعة ، واسمَ فاعل من سَبَعْت القوم ؛ إذا كانوا ستة ، فأتممتَهم بك سبعة. فالأوّل يُضاف إلى العدد الذي منه اسمه ، فيقال : سابع سبعة ، إضافة مَحْضة بمعنى أحَد سبعة ، ومثله في القرآن : (ثانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة : ٤٠] ، و (ثالِثُ ثَلاثَةٍ). والثاني يضاف إلى العدد الذي دونه فيقال : سابع ستة إضافة غيره من أسماء الفاعلين ، كضارب زيد ، والمعنى سابع ستّة.

[بشر] : الحجاج ـ دخل عليه سَيَابة بن عاصم السُّلَمِيّ ، فقال : من أيّ البُلْدَان أنت؟ قال : من حَوْران قال : هل كان وراءك من غَيْث؟ قال : نعم! أصلح الله الأَمِير. قال : انعتْ لنا كيف كان المطرُ وتَبْشِيره؟ قال : أَصَابتني سَحَابَةٌ بحَوْرَان ، فوقع قَطْرٌ كبار وقَطرٌ صغار ، فكأنَّ الصغار لُحْمةٌ لِلكِبَارِ ، ووقع سَبْطاً مُتَدَارِكاً ، وهو السَّحُّ الذي سمعتَ به ؛ وادٍ سائل ، وواد نَادِح ، وأَرْضُ مُقْبلة ، وأَرْض مدبرة ، وأصابتني سحابة بالقَرْيَتين فلبَّدَت الدِّماثَ ، وأسالت العَزَاز ، وصدعَتْ عن الكمَأة أماكنها ، وجئتُك في مثل جارّ الضَّبُع (١).

وروي : فلَبَّدتِ الدِّمَاث ، ودَحَّضَت التِّلَاع ، وملأَت الحفر ، وجئتُك في ماء يجرّ الضّبُع ، ويستخرجها من وِجارها ؛ فقاءت الأرضُ (٢) بعد الرّيّ ، وامتلأَت الإِخَاذ (٣) وأُفْعِمت الأَوْدِية.

ثم دخل عليه رجلٌ من أهل اليمامة ، فقال : هل كان وراءك من غَيْث؟ فقال : نعم ، كانت سماءٌ ولم أرها ، وسمعتُ الروَّاد تدعو في رِيَادَتها ، فسمعتُ قائلاً يقول : أُظعِنكم إلى مَحَلّة تُطْفَأ فيها النيران ، وتَشْتَكِي فيها النساء ، وتَنَافَسُ فيها المعزى.

فلم يفهم الحجاج ما قال ، فاعتلَّ عليه بأَهلِ الشام ، فقال : ويحك! إنما تُحدِّث أهل الشام فأَفْهِمهم. فقال : أما طَفْءُ النيران ، فإنه : أَخْصَب الناسَ فكثُر السمن والزّبد واللَّبن فلم يُحتج إلى نارٍ يخبز به. وأما تشكّي النساء فإن المرأة تَرْبِق (٤) بَهْمَها (٥) وتمْخَض لبنها فتَبِيت ولها أَنِين. وأما تنافس المعزى فإنها تَرَى من ورق الشجر وزهر النبات ما يُشْبِع بطونها ولا يُشبع عيونها ؛ فتبيتُ ولها كِظّة من الشبع وتَشْتَرُّ فتتنزل الدِّرّة.

ثم دخل رجل من بني أَسَد ، فقال له : هل كان وراءك من غَيث؟ قال : أغبر البلاد (٦) ، وأُكِل ما أشرف من الجنة ؛ فاستيقنَّا أنه عامُ سَنَة. فقال : بئس المخبرُ أنت!

__________________

(١) يقال غيث جار الضبع : أي يدخل عليها في وجارها حتى يخرج منها ، والوجار جحر الضبع.

(٢) قاءت الأرض : أي أخرجت نباتها وخزائنها.

(٣) الإخاذ : الغدران.

(٤) الربق ، بالكسر : حبل فيه عدة عرى تشد به البهم.

(٥) البهمة : الصغير من أولاد الضأن والمعز والبقر.

(٦) أغبرت البلاد : وقع مطرها واشتد.

١٠٠