وسائل الشيعة - ج ١٥

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]

وسائل الشيعة - ج ١٥

المؤلف:

محمد بن الحسن الحرّ العاملي [ العلامة الشيخ حرّ العاملي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-5503-15-9
ISBN الدورة:
964-5503-00-0

الصفحات: ٣٩٠
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أبواب جهاد النفس وما يناسبه

١ ـ باب وجوبه

[ ٢٠٢٠٨ ] ١ ـ محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أنّ النبي ( صلّى الله عليه وآله ) بعث سريّة فلما رجعوا قال : مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر ، فقيل : يا رسول الله ما الجهاد الأكبر ؟ قال : جهاد النفس.

[ ٢٠٢٠٩ ] ٢ ـ وعن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابه رفعه قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : احمل نفسك لنفسك فإن لم تفعل لم يحملك غيرك.

[ ٢٠٢١٠ ] ٣ ـ وعنهم ، عن أحمد رفعه قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) لرجل إنّك قد جعلت طبيب نفسك ، وبيّن لك الداء ، وعرفت آية الصحة ، ودللت على الدواء ، فانظر كيف قيامك على نفسك.

__________________

أبواب جهاد النفس وما يناسبه

الباب ١

فيه ١٠ أحاديث

١ ـ الكافي ٥ : ١٢ / ٣.

٢ ـ الكافي ٢ : ٣٢٩ / ٥.

٣ ـ الكافي ٢ : ٣٢٩ / ٦.

١٦١

[ ٢٠٢١١ ] ٤ ـ وعنه رفعه قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) لرجل : اجعل قلبك قريناً برّاً ، وولداً واصلاً ، واجعل علمك والداً تتبعه ، واجعل نفسك عدوّاً تجاهده ، واجعل مالك عارية تردّها.

محمّد بن علي بن الحسين بإسناده ، عن ابن مسكان ، عن عبدالله بن أبي يعفور ، عن الصادق ( عليه السلام ) نحوه (١).

[ ٢٠٢١٢ ] ٥ ـ قال : ومن ألفاظ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : الشديد من غلب نفسه.

[ ٢٠٢١٣ ] ٦ ـ وبإسناده عن محمّد بن سنان ، عن المفضل بن عمر قال : قال الصادق جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) : من لم يكن له واعظ من قلبه وزاجر من نفسه ولم يكن له قرين مرشد استمكن عدوه من عنقه.

[ ٢٠٢١٤ ] ٧ ـ وبإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمّد ، عن أبيه جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ( عليهم السلام ) في وصيّة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) لعلي ، قال : يا علي أفضل الجهاد من أصبح لا يهم بظلم أحد.

[ ٢٠٢١٥ ] ٨ ـ وبإسناده عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن شعيب العقرقوفي ، عن الصادق ( عليه السلام ) قال : من ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا اشتهى وإذا غضب وإذا رضي حرّم الله جسده على النار.

وفي ( ثواب الأعمال ) عن أحمد بن محمّد ، عن سعد بن عبدالله ،

__________________

٤ ـ الكافي ٢ : ٣٢٩ / ٧.

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٤ / ٨٨٩.

٥ ـ الفقيه ٤ : ٢٧٢.

٦ ـ الفقيه ٤ : ٢٨٧ / ٨٦٢.

٧ ـ الفقيه ٤ : ٢٥٤ / ٨٢١ ، وأورده في الحديث ١١ من الباب ٧١ من هذه الأبواب.

٨ ـ الفقيه ٤ : ٢٨٦ / ٨٥٦.

١٦٢

عن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن شعيب ، عن رجل ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) مثله ، وترك قوله وإذا رضي (١).

[ ٢٠٢١٦ ] ٩ ـ وفي ( المجالس ) و ( معاني الأخبار ) عن أبيه ، عن الحسين بن أحمد بن إدريس ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن يحيى الخزاز ، عن موسى بن إسماعيل (١) ، عن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) قال : إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بعث سرية فلمّا رجعوا قال : مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر ، قيل يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟ فقال : جهاد النفس.

وقال ( صلّى الله عليه وآله ) : إن أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه.

[ ٢٠٢١٧ ] ١٠ ـ محمّد بن الحسين الرضي في ( المجازات النبوية ) عنه ( عليه السلام ) أنّه قال : المجاهد من جاهد نفسه.

أقول : وتقدّم ما يدلّ على ذلك في أقسام الجهاد ، وغيره (١) ، ويأتي ما يدل عليه (٢).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ١٩٢ / ١.

٩ ـ أمالي الصدوق : ٣٧٧ / ٨ ومعاني الأخبار : ١٦٠ / ١.

(١) في المصدرين زيادة : عن أبيه.

١٠ ـ المجازات النبويّة : ٢٠١ / ١٥٧.

(١) تقدم في الحديث ١ من الباب ٥ ، وفي الحديث ١ من الباب ٤ من أبواب جهاد العدو وفي الباب ١ من أبواب مقدّمة العبادات ، وفي الباب ٢٤ من أبواب الاحتضار.

(٢) يأتي في الحديث ١١ من الباب ٤ ، وفي الحديث ٥ من الباب ٣٢ من هذه الأبواب ، وفي الحديث ١ من الباب ٢ من أبواب الأمر والنهي.

١٦٣

٢ ـ باب الفروض على الجوارح ووجوب القيام بها

[ ٢٠٢١٨ ] ١ ـ محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن يزيد (١) ، عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث طويل ـ قال : إنّ الله فرض الإِيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها وفرّقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلاّ وقد وكلت من الإِيمان بغير ما وكلت به أُختها ـ إلى أن قال : ـ فأمّا ما فرض على القلب من الإِيمان فالإِقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ( صلّى الله عليه وآله ) ، والإِقرار بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الإِقرار والمعرفة وهو عمله ، وهو قول الله عزّ وجلّ ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (٢) وقال : ( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (٣) وقال : ( الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ) (٤) وقال : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ) (٥) فذلك ما فرض الله على القلب من الإِقرار والمعرفة وهو عمله ، وهو رأس الإِيمان ، وفرض الله على اللسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به قال الله تبارك وتعالى اسمه :

__________________

الباب ٢

فيه ٨ أحاديث

١ ـ الكافي ٢ : ٢٨ / ١.

(١) في المصدر : القاسم بن بريد.

(٢) النحل ١٦ : ١٠٦.

(٣) الرعد ١٣ : ٢٨.

(٤) المائدة ٥ : ٤١.

(٥) البقرة ٢ : ٢٨٤.

١٦٤

( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) (٦) وقال : ( قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (٧) فهذا ما فرض الله على اللسان وهو عمله ، وفرض على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم الله ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى الله عزّ وجل عنه ، والإِصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل ، فقال : عز وجل في ذلك : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (٨) ثمّ استثنى موضع النسيان فقال : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) (٩) وقال : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ) (١٠) وقال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ) (١١) وقال : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) (١٢) وقال : ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (١٣) فهذا ما فرض الله على السمع من الإِيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحل له وهو عمله وهو من الإِيمان ، وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم الله عليه ، وأن يعرض عمّا نهى الله عنه ممّا لا يحلّ له وهو عمله وهو من الإِيمان ، فقال تبارك وتعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (١٤) أن ينظروا إلى عوراتهم ، وأن ينظر المرء

__________________

(٦) البقرة ٢ : ٨٣.

(٧) العنكبوت ٢٩ : ٤٦.

(٨) النساء ٤ : ١٤٠.

(٩) الأنعام ٦ : ٦٨.

(١٠) الزمر ٣٩ : ١٧ ، ١٨.

(١١) المؤمنون ٢٣ : ١ ـ ٤.

(١٢) القصص ٢٨ : ٥٥.

(١٣) الفرقان ٢٥ : ٧٢.

(١٤) النور ٢٤ : ٣٠.

١٦٥

إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه وقال : ( قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (١٥) من أن تنظر إحداهن إلى فرج أُختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها وقال : كل شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ هذه الآية فإنّها من النظر ، ثمّ نظم ما فرض على القلب والبصر واللسان في آية أُخرى فقال : ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ) (١٦) يعني بالجلود : الفروج والأفخاذ وقال : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) (١٧) فهذا ما فرض الله على العينين من غض البصر وهو عملهما ، وهو من الإِيمان ، وفرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم الله ، وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله عز وجل ، وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلوات ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١٨) وقال : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) (١٩) فهذا ما فرض الله على اليدين لأن الضرب من علاجهما ، وفرض على الرجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عز وجل فقال : ( وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً ) (٢٠) وقال : ( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ

__________________

(١٥) النور ٢٤ : ٣١.

(١٦) فصلت ٤١ : ٢٢.

(١٧) الإِسراء ١٧ : ٣٦.

(١٨) المائدة ٥ : ٦.

(١٩) محمّد ٤٧ : ٤.

(٢٠) الإِسراء ٢٧ : ٣٧.

١٦٦

الحَمِيرِ ) (٢١) وقال : فيما شهدت به الأيدي والأرجل على أنفسهما وعلى أربابها من تضييعها لما أمر الله به وفرضه عليها : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٢٢) فهذا أيضاً ممّا فرض الله على اليدين وعلى الرجلين وهو عملها وهو من الإِيمان ، وفرض على الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٢٣) فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرجلين ، وقال في موضع آخر ( وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) (٢٤) ـ إلى أن قال : ـ فمن لقي الله حافظاً لجوارحه موفّياً كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عليها لقي الله عز وجل مستكملاً لإِيمانه وهو من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها أو تعدّى ممّا أمر الله عز وجل فيها لقي الله ناقص الإِيمان ـ إلى أن قال : ـ وبتمام الإِيمان دخل المؤمنون الجنّة وبالنقصان دخل المفرطون النار.

[ ٢٠٢١٩ ] ٢ ـ وعن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً ، عن البرقي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عبيدالله بن الحسن ، عن الحسن بن هارون قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) (١) قال : يسأل السمع عما سمع ، والبصر عمّا نظر إليه ، والفؤاد عما عقد عليه.

__________________

(٢١) لقمان ٣١ : ١٩.

(٢٢) يس ٣٦ : ٦٥.

(٢٣) الحج ٢٢ : ٧٧.

(٢٤) الجن ٧٢ : ١٨.

٢ ـ الكافي ٢ : ٣١ / ٢.

(١) الإِسراء ١٧ : ٣٦.

١٦٧

[ ٢٠٢٢٠ ] ٣ ـ وعن أبي علي الأشعري ، عن محمّد بن عبدالجبار ، عن صفوان أو غيره ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : الإِيمان لا يكون إلاّ بعمل ، والعمل منه ، ولا يثبت الإِيمان إلاّ بعمل.

[ ٢٠٢٢١ ] ٤ ـ وعنهم ، عن ابن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبدالله بن مسكان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال : من أقرّ بدين الله فهو مسلم ومن عمل بما أمر الله به فهو مؤمن.

[ ٢٠٢٢٢ ] ٥ ـ وعنهم ، عن ابن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن أيوب بن الحر ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ أنّه قال له إنّ خيثمة أخبرنا أنّه سألك عن الإِيمان ؟ فقلت : الإِيمان بالله ، والتصديق بكتاب الله ، وان لا يعصى الله ، فقال : صدق خيثمة.

[ ٢٠٢٢٣ ] ٦ ـ وعن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن الإِيمان ؟ فقال : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، قال : قلت : أليس هذا عمل ؟ قال : بلى ، قلت : فالعمل من الإِيمان ؟ قال : لا يثبت له الإِيمان إلاّ بالعمل والعمل منه.

[ ٢٠٢٢٤ ] ٧ ـ محمّد بن علي بن الحسين بإسناده إلى وصية أمير المؤمنين

__________________

٣ ـ الكافي ٢ : ٣٢ / ٣.

٤ ـ الكافي ٢ : ٣٢ / ٤.

٥ ـ الكافي ٢ : ٣٢ / ٥.

٦ ـ الكافي ٢ : ٣٢ / ٦.

٧ ـ الفقيه ٢ : ٣٨١ / ١٦٢٧.

١٦٨

( عليه السلام ) لولده محمّد بن الحنيفة أنّه قال : يا بني لا تقل ما لا تعلم ، بل لا تقل كل ما تعلم ، فإنّ الله قد فرض على جوارحك كلّها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة ، ويسألك عنها وذكرها ووعظها وحذرها وأدبها ولم يتركها سدى ، فقال الله عز وجل : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) (١) وقال عزّ وجلّ : ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ ) (٢) ثمّ استعبدها بطاعته فقال : عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (٣) فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح ، وقال : ( وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) (٤) يعني : بالمساجد الوجه واليدين والركبتين والإِبهامين ، وقال عزّ وجلّ : ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ) (٥) يعني بالجلود : الفروج ثمّ خص كل جارحة من جوارحك بفرض ونصّ عليها ، ففرض على السمع أن لا يصغي إلى المعاصي فقال عزّ وجلّ : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ) (٦) وقال عزّ وجلّ : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) (٧) ثمّ استثنى عزّ وجل موضع النسيان فقال : ( وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ

__________________

(١) الإِسراء ١٧ : ٣٦.

(٢) النور ٢٤ : ١٥.

(٣) الحج ٢٢ : ٧٧.

(٤) الجن ٧٢ : ١٨.

(٥) فصّلت ٤١ : ٢٢.

(٦) النساء ٤ : ١٤٠.

(٧) الأنعام ٦ : ٦٨.

١٦٩

الظَّالِمِينَ ) (٨) وقال عزّ وجل ( فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ) (٩) وقال عزّ وجلّ : ( وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (١٠) وقال عز وجل : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) (١١) فهذا ما فرض الله عز وجل على السمع وهو عمله ، وفرض على البصر أن لا ينظر به إلى ما حرم الله عليه ، فقال عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (١٢) فحرّم أن ينظر أحد إلى فرج غيره ، وفرض على اللسان الإِقرار والتعبير عن القلب ما عقد عليه ، فقال عز وجل : ( قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا ) (١٣) الآية ، وقال عز وجل : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) (١٤) وفرض على القلب وهو أمير الجوارح الذي به يعقل ويفهم ويصدر عن أمره ورأيه فقال عز وجل : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (١٥) الآية ، وقال عز وجل حين أخبر عن قوم أعطوا الإِيمان بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم فقال : ( الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ) (١٦) وقال عز وجل : ( أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (١٧) وقال عزّ وجلّ ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ) (١٨) وفرض على اليدين أن لا تمدهما إلى ما

__________________

(٨) الانعام ٦ : ٦٨.

(٩) الزمر ٣٩ : ١٧ ، ١٨.

(١٠) الفرقان ٢٥ : ٧٢.

(١١) القصص ٢٨ : ٥٥.

(١٢) النور ٢٤ : ٣٠.

(١٣) العنكبوت ٢٩ : ٤٦.

(١٤) البقرة ٢ : ٨٣.

(١٥) النحل ١٦ : ١٠٦.

(١٦) المائدة ٥ : ٤١.

(١٧) الرعد ١٣ : ٢٨.

(١٨) البقرة ٢ : ٢٨٤.

١٧٠

حرّم الله عز وجل عليك ، وأن تستعملهما بطاعته ، فقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (١٩) وقال عزّ وجل : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ) (٢٠) وفرض على الرجلين أن تنقلهما في طاعته وأن لا تمشي بهما مشية عاص ، فقال عزّ وجل : ( وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ) (٢١) وقال عزّ وجل : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٢٢) فأخبر الله عنها أنّها تشهد على صاحبها يوم القيامة ، فهذا ما فرض الله على جوارحك فاتق الله يا بني واستعملها بطاعته ورضوانه ، وإياك أن يراك الله تعالى ذكره عند معصيته ، أو يفقدك عند طاعته فتكون من الخاسرين ، وعليك بقراءة القرآن والعمل بما فيه ولزوم فرائضه وشرائعه وحلاله وحرامه وأمره ونهيه والتهجّد به وتلاوته في ليلك ونهارك ، فإنّه عهد من الله تبارك وتعالى إلى خلقه فهو واجب على كلّ مسلم أن ينظر كل يوم في عهده ولو خمسين آية ، واعلم أنّ درجات الجنة على عدد آيات القرآن ، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن : إقرأ وارق ، فلا يكون في الجنة بعد النبيين والصديقين ارفع درجة منه.

والوصية طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.

[ ٢٠٢٢٥ ] ٨ ـ وفي ( العلل ) عن محمّد بن موسى بن المتوكل ، عن السعدآبادي ، عن البرقي ، عن عبدالعظيم الحسني ، عن علي بن جعفر ،

__________________

(١٩) المائدة ٥ : ٦.

(٢٠) محمّد ٤٧ : ٤.

(٢١) الإِسراء ١٧ : ٣٧ و ٣٨.

(٢٢) يس ٣٦ : ٦٥.

٨ ـ علل الشرائع : ٦٠٥ / ٨٠ ، وأورد قطعة منه في الحديث ١٧ من الباب ٣٨ من أبواب الأمر بالمعروف.

١٧١

عن أخيه ، عن أبيه ، عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : ليس لك أن تتكلّم بما شئت لأنّ الله يقول : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (١). وليس لك أن تسمع ما شئت ، لأنّ الله عزّ وجل يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) (٢).

أقول : ويأتي ما يدلّ على ذلك (٣).

٣ ـ باب جملة مما ينبغي القيام به من الحقوق الواجبة والمندوبة

[ ٢٠٢٢٦ ] ١ ـ محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال :

حق الله الأكبر عليك أن تعبده ولا تشرك به شيئاً ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة (١) ،

وحقّ نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزّ وجل.

وحق اللسان إكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها ، والبر بالناس ، وحسن القول فيهم.

وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحلّ سماعه.

__________________

(١ و ٢) الإِسراء ١٧ : ٣٦.

(٣) يأتي في الباب ٣ من هذه الأبواب.

الباب ٣

فيه حديث واحد

١ ـ الفقيه ٢ : ٣٧٦ / ١٦٢٦.

(١) من قوله : حق الله الأكبر إلى قوله : والآخرة ، ليس في المجالس ، وهو موجود في الخصال ( هامش المخطوط ).

١٧٢

وحق البصر أن تغضّه عمّا لا يحلّ لك ، وتعتبر بالنظر به.

وحقّ يديك (٢) أن لا تبسطهما إلى ما لا يحل لك.

وحقّ رجليك أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحلّ لك ، فبهما تقف على الصراط ، فانظر ان لا تزل (٣) بك فتردى في النار.

وحقّ بطنك ان لا تجعله وعاء للحرام ، ولا تزيد على الشبع.

وحقّ فرجك عليك أن تحصنه من الزنا ، وتحفظه من أن ينظر إليه.

وحقّ الصلاة أن تعلم أنّها وفادة إلى الله عزّ وجل وأنت فيها قائم بين يدي الله ، فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار ، وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها.

وحقّ الحج أن تعلم أنّه وفادة إلى ربك وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.

وحقّ الصوم ان تعلم أنّه حجاب ضربه الله عزّ وجل على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك يسترك به من النار ، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.

وحقّ الصدقة أن تعلم أنّها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإِشهاد عليها وكنت بما (٤) تستودعه سرّاً أوثق منك بما تستودعه ، علانية ، وتعلم أنّها تدفع عنك البلايا والأسقام في الدنيا ، وتدفع عنك النار في الآخرة.

وحقّ الهدي أن تريد به الله عز وجل ، ولا تريد خلقه ولا تريد به إلاّ

__________________

(٢) في نسخة : يدك ( هامش المخطوط ).

(٣) في المصدر : الاّ تزلا.

(٤) في نسخة : لما ( هامش المخطوط ).

١٧٣

التعرض لرحمته ونجاة روحك يوم تلقاه.

وحقّ السلطان أن تعلم أنّك جعلت له فتنة ، وأنّه مبتلى فيك بما جعل الله له عليك من السلطان ، وأنّ عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقي بيدك إلى التهلكة وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء.

وحقّ سائسك بالعلم التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإِقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوّاً ولا تعادي له وليّاً فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته ، وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للناس.

وأمّا حقّ سائسك بالملك فأن تطيعه ولا تعصيه إلاّ فيما يسخط الله عزّ وجلّ فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأمّا حقّ رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنّهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوّتك فيجب أن تعدل فيهم ، وتكون لهم كالوالد الرحيم ، وتغفر لهم جهلهم ، ولا تعاجلهم بالعقوبة ، وتشكر الله عزّ وجل على ما أتاك من القوّة عليهم.

وأمّا حقّ رعيتك بالعلم فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ إنّما جعلك قيّماً عليهم (٥) فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزانته (٦) فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقّاً على الله عزّ وجل أن يسلبك العلم وبهائه ، ويسقط من القلوب محلّك.

وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأُنساً ،

__________________

(٥) في نسخة : لهم ( هامش المخطوط ).

(٦) في نسخة : خزانة الحكمة ( هامش المخطوط ).

١٧٤

فتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجلّ عليك فتكرمها وترفق بها ، وإن كان حقّك عليها أوجب فإنّ لها عليك أن ترحمها ، لأنّها أسيرك ، وتطعمها وتكسوها ، وإذا جهلت عفوت عنها.

وأمّا حقّ مملوكك فأن تعلم أنّه خلق ربّك وابن ابيك وأُمّك ولحمك ودمك لم تملكه لأنك صنعته دون الله ، ولا خلقت شيئاً من جوارحه ، ولا أخرجت له رزقاً ، ولكن الله عزّ وجلّ كفاك ذلك ثمّ سخّره لك وائتمنك عليه واستودعك إيّاه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه ، فأحسن إليه كما أحسن الله إليك ، وإن كرهته استبدلت به ولم تعذب خلق الله عزّ وجلّ ولا قوّة إلاّ بالله.

وأمّا حقّ أُمّك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً ، وأعطتك (٧) من ثمرة قلبها ما لا يعطي (٨) أحدٌ أحداً ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك ، وتعرى وتكسوك وتضحى وتظلّك ، وتهجر النوم لأجلك ، ووقتك الحرّ والبرد لتكون لها ، وأنّك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه.

وأمّا حق أبيك فأن تعلم أنّه أصلك فإنّه لولاه لم تكن ، فمهما رأيت من نفسك ما يعجبك فاعلم إنّ أباك أصل النعمة عليك فيه ، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوّة إلاّ بالله.

وأمّا حقّ ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره وشره وإنك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب والدلالة على ربّه عز وجل ، والمعونة على طاعته ، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإِحسان إليه ، معاقب على الإِساءة إليه.

وأمّا حقّ أخيك فأن تعلم أنّه يدك وعزّك وقوّتك فلا تتخذه سلاحاً على

__________________

(٧) في تحف العقول : أطعمتك ( هامش المخطوط ).

(٨) في تحف العقول : لا يطعم ( هامش المخطوط ).

١٧٥

معصية الله ، ولا عدّة للظلم لخلق الله ، ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له ، فإن أطاع الله وإلاّ فليكن الله أكرم عليك منه ، ولا قوة إلاّ بالله.

وأمّا حق مولاك المنعم عليك فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذلّ الرق ووحشته إلى عزّ الحرية وأُنسها فأطلقك من أسر الملكة ، وفك عنك قيد العبودية ، واخرجك من السجن ، وملّكك نفسك ، وفرّغك لعبادة ربك ، وتعلم أنه اولى الخلق بك في حياتك وموتك ، وأن نصرته عليك واجبة بنفسك ، وما احتاج إليه منك ، ولا قوة إلاّ بالله.

وأمّا حقّ مولاك الذي أنعمت عليه فأن تعلم ان الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجاباً لك من النار ، وأنّ ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافأة لما انفقت من مالك. وفي الآجل الجنة.

وأما حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه ، وتكسبه المقالة الحسنة ، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عز وجل ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية ثمّ ان قدرت على مكافأته يوماً كافأته.

وأما حقّ المؤذّن أن تعلم أنّه مذكّر لك ربك عزّ وجلّ ، وداع لك إلى حظك ، وعونك على قضاء فرض الله عزّ وجلّ عليك فاشكره على ذلك شكر المحسن إليك.

وأمّا حقّ إمامك في صلاتك فأن تعلم أنّه تقلّد السفارة فيما بينك وبين ربك عزّ وجلّ ، وتكلّم عنك ولم تتكلّم عنه ، ودعا لك ولم تدعُ له ، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّ وجلّ ، فإن كان نقص كان به دونك ، وإن كان تماماً كنت شريكه ، ولم يكن له عليك فضل (٩) فوقى نفسك بنفسه ، وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك.

__________________

(٩) هذا له معارض تقدم في أحاديث الجماعة في باب استحباب تقدم من يرضى به المأمومون وفيه أن للإِمام [ بقدر ] ثواب جميع من خلفه. فيحمل هذا على إتحاد المأموم ( منه. قدّه ).

١٧٦

وأمّا حق جليسك فأن تلين له جانبك ، وتنصفه في مجاراة اللفظ ، ولا تقوم من مجلسك إلاّ بإذنه ، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك ، وتنسى زلاّته ، وتحفظ خيراته ، ولا تُسمعه إلاّ خيراً.

وأمّا حقّ جارك فحفظه غائباً وإكرامه شاهداً ، ونصرته إذا كان مظلوماً ، ولا تتبع له عورة ، فإن علمت عليه سوء سترته عليه وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ، ولا تسلمه عند شديدة ، وتقيل عثرته ، وتغفر ذنبه ، وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا قوة إلاّ بالله.

وأمّا حقّ الصاحب فأن تصحبه بالتفضل والإِنصاف ، وتكرمه كما يكرمك ، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة ، فإن سبق كافأته ، وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية الله ، وكن عليه رحمة ، ولا تكن عليه عذاباً ، ولا قوّة إلاّ بالله.

وأمّا حقّ الشريك فإن غاب كافيته (١٠) ، وان حضر رعيته ، ولا تحكم دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته ، وتحفظ عليه ماله ، ولا تخنه (١١) فيما عزّ او هان من أمره ، فإنّ يد الله تبارك وتعالى على الشريكين ما لم يتخاونا ، ولا قوة إلاّ بالله.

وأمّا حق مالك فأن لا تأخذه إلاّ من حلّه ، ولا تنفقه إلاّ في وجهه ، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك فاعمل به بطاعة ربّك ، ولا تبخل به فتبوء بالحسرة والندامة (١٢) مع التبعة ولا قوّة إلاّ بالله.

وأمّا حقّ غريمك الذي يطالبك فإن كنت موسراً أعطيته وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول ، ورددته عن نفسك ردّاً لطيفاً.

__________________

(١٠) في المصدر : كفيته.

(١١) في نسخة : تخونه ( هامش المخطوط ).

(١٢) في نسخة زيادة : و ( هامش المخطوط ).

١٧٧

وحقّ الخليط أن لا تغرّه ولا تغشّه ولا تخدعه وتتّقي الله في أمره.

وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليك فإن كان ما يدّعيه عليك حقّاً كنت شاهده على نفسك ولم تظلمه وأوفيته حقّه ، وإن كان ما يدّعي باطلاً رفقت به ، ولم تأت في أمره غير الرفق ، ولم تسخط ربّك في أمره ، ولا قوّة إلاّ بالله.

وحقّ خصمك الذي تدّعي عليه إن كنت محقّاً في دعواك أجملت مقاولته ولم تجحد حقّه ، وإن كنت مبطلاً في دعواك اتقيت الله عزّ وجلّ وتبت إليه ، وتركت الدعوى.

وحقّ المستشير ان علمت أنّ له رأياً حسناً أشرت عليه ، وإن لم تعلم له أرشدته إلى من يعلم.

وحقّ المشير عليك أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه ، وإن وافقك حمدت الله عز وجل.

وحقّ المستنصح أن تؤدي إليه النصيحة ، وليكن مذهبك الرحمة له والرفق (١٣).

وحقّ الناصح أن تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك. فإن أتى بالصواب حمدت الله عزّ وجلّ ، وإن لم يوافق (١٤) رحمته ولم تتهمه وعلمت أنّه أخطأ ولم تؤاخذه بذلك إلاّ أن يكون مستحقّاً للتهمة فلا تعبأ بشيء من أمره على حال ، ولا قوة إلاّ بالله.

وحقّ الكبير توقيره لسنّه وإجلاله لتقدّمه في الإِسلام قبلك ، وترك مقابلته عند الخصام ، ولا تسبقه إلى طريق ، ولا تتقدمه ولا تستجهله ، وإن

__________________

(١٣) في المصدر زيادة : به.

(١٤) في المصدر : يوفق.

١٧٨

جهل عليك احتملته وأكرمته لحقّ الإِسلام وحرمته.

وحقّ الصغير رحمته ( من نوى ) (١٥) تعليمه ، والعفو عنه ، والستر عليه ، والرفق به ، والمعونة له.

وحقّ السائل إعطاؤه على قدر حاجته.

وحقّ المسؤول إن أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله ، وإن منع فاقبل عذره.

وحقّ من سرك لله تعالى (١٦) أن تحمد الله عز وجل أولاً ثم تشكره.

وحقّ من أساء اليك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت ، قال الله تعالى ( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) (١٧).

وحقّ أهل ملّتك إضمار السلامة والرحمة لهم ، والرفق بمُسيئهم وتألفهم ، واستصلاحهم ، وشكر مُحسنهم ، وكفّ الأذى عن مُسيئهم (١٨) ، وتحب لهم ما تحبّ لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن تكون شيوخهم بمنزلة أبيك ، وشبابهم بمنزلة إخوتك ، وعجائزهم بمنزلة أُمّك ، والصغار منهم بمنزلة أولادك.

وحقّ الذمّة أن تقبل منهم ما قبل الله عز وجل منهم ولا تظلمهم ما وفوا الله عز وجل بعهده.

ورواه في ( المجالس ) بالإِسناد المشار إليه (١٩).

__________________

(١٥) في نسخة : في ( هامش المخطوط ).

(١٦) في نسخة : سرك الله به ( هامش المخطوط ).

(١٧) الشورى ٤٢ : ٤١.

(١٨) في المصدر : عنهم.

(١٩) أمالي الصدوق : ٣٠١ / ١.

١٧٩

ورواه في ( الخصال ) عن علي بن أحمد بن موسى ، عن محمّد بن أبي عبدالله الكوفي ، عن جعفر بن محمّد بن مالك ، عن خيران بن داهر ، عن أحمد بن علي بن سليمان ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) (٢٠).

ورواه الحسن بن علي بن شعبة في ( تحف العقول ) مرسلاً (٢١) ، وكذا الطبرسي في ( مكارم الأخلاق ) (٢٢) إلاّ أنّ في تحف العقول زيادات عما نقلناه.

٤ ـ باب استحباب ملازمة الصفات الحميدة واستعمالها وذكر نبذة منها

[ ٢٠٢٢٧ ] ١ ـ محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبدالله بن مسكان عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إنّ الله خصّ رسوله ( صلّى الله عليه وآله ) بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم ، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله وارغبوا إليه في الزيادة منها ، فذكرها عشرة : اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروءة.

ورواه في ( الخصال ) عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبدالله بن مسكان (١).

__________________

(٢٠) الخصال : ٥٦٤ / ١.

(٢١) تحف العقول : ٢٥٦.

(٢٢) مكارم الأخلاق : ٤١٩.

الباب ٤

فيه ٣١ حديثاً

١ ـ الفقيه ٣ : ٣٦١ / ١٧١٤.

(١) الخصال : ٤٣١ / ١٢.

١٨٠