الشّفاء ـ طبيعيّات

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الدكتور محمود قاسم
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: گل‌وردى
الطبعة: ٢
ISBN: 978-600-161-072-1
الصفحات: ٩٤

ومذهب الطبيعيين المحصلين ؛ وهو أنه لا يخرج من البصر شعاعات البتة ؛ بل من شأن المرئى إذا قابل البصر وبينهما (١) مشف ، والمرئى مضىء بالفعل ، أن صورته تتشبح فى العين من غير أن يكون ذلك كشىء يخرج ويلاقى المشف المتوسط وينفذ (٢) فيه الى البصر البتة ، بل (٣) إنما يحدث الشبح فى العين نفسها ، (٤) ويكون المشف المتوسط مؤديا بمعنى أنه يمكن من تأثير ذى الشبح بشبحه. (٥) فى العين والعلة التي بها يمكن إلقاء الشبح ، هو وقوع الضوء على ذى الشبح دون القابل. وهذه من الأفعال الطبيعية التي (٦) لا يحتاج فيها إلى مماسة بين الفاعل والمفعول ، (٧) بل تكفى فيها المحاذاة.

وكذلك (٨) إيقاع الشعاع ، فإن اتفق أن كان الجسم ذو الشبح صقيلا تأدى إلى العين أيضا صورة جسم آخر ، (٩) نسبته من الصقيل نسبة الصقيل (١٠) من العين ، لا بأن يقبل الصقيل فى نفسه شيئا ينطبع فيه البتة ، بل يكون تأدى صورته سببا (١١) لتأدى صورة ما يكون منه ومن العين على نسبة مخصوصة. وأكثر ما يتعجب من هذا (١٢) أنه كيف يرى ما لا يحاذى ولا تنطبع (١٣) صورته فيما يحاذى؟ وهذا ليس فيه إلا العجب والندرة فقط. ولو كانت العادة فى التأثيرات الطبيعية جرت على أن (١٤) عامتها تكون بالمحاذيات (١٥) ولا تكون بالمماسة ، كما لا يبصر البصر الآن شيئا بالمماسة ، لكان إذا اتفق أن يقال فى شىء : إنه يؤثر (١٦) بالمماسة ، استندر ذلك وتعجب منه. وكذلك (١٧) الحال فى التعجب الذي يعرض من وجود جسم يؤثر (١٨) على نصبة (١٩) ووضع غير متعارف ، مثله فى تأثير (٢٠) سائر الأجسام. وأما أن هذا ممتنع ، فلا برهان عليه ، بل هو موجود واجب ، إذ (٢١) كان من شأن الصقيل (٢٢) أن ترى مع صورته صورة شىء آخر ، وهو يؤديه من غير أن يقبله ؛ بل يكون ممكنا لذى الصورة من إيقاع شبحه فى العين ، كما

__________________

(١) وبينهما : بينهما ط (٢) وينفذ : ينفذ ط. (٣) بل : ساقطة من م

(٤) نفسها : نفسه د ، سا ، ط

(٥) بشبحه : لشبحه ط (٦) التي : ساقطة من ط

(٧) والمفعول : والمنفعل ط (٨) وكذلك : فكذلك م

(٩) آخر : ساقطة من م

(١٠) الصقيل : (الأولى والثانية والثالثة) : الصيقل ط

(١١) سببا : شيئا سا ، م (١٢) من هذا : فى هذا طا

(١٣) ولا تنطبع : وما لا تنطبع ط

(١٤) أن : أنها ط (١٥) بالمحاذيات : بالمحاذات ط

(١٦) استندر : استنكر د ، ط ، م ؛ استكثر سا

(١٧) وكذلك : فكذلك د ، سا ، ط ، م

(١٨) يؤثر : مؤثر ط

(١٩) نصبة : نسبة ط [النصبة : السارية (لسان العرب)]

(٢٠) سائر : ساقطة سا ، ط ، م

(٢١) إذ : إذا د ؛ إن ط

(٢٢) الصقيل : الصيقل ط.

٤١

المشف ممكن ، (١) إلا أن المشف يمكن مفارقا محاذيا حتى يؤثر ، وهذا يمكن مفارقا محاذى المحاذى. ثم البرهان يمنع من صحة غير هذا ، كما ستعلمه. والصوت قد يسمع من أى محاذاة (٢) اتفقت ، لأن له ناقلا ينقله الى السمع. وليس يتعجب من ذلك ولا يقال : لم ينقله ، ولم كان القرع صوتا ؛ لأن ذلك كذلك (٣) نفسه (٤) وطبعه ، فكذلك (٥) هاهنا.

فهذا المذهب فى تأدى الأشباح الى البصر ، عكس المذهب الأول. ونحن سنتكلم فيه فى غير هذا الموضع.

والمذهب الثالث ، مذهب من يقول : إن شبح المرئى يتصور كما هو فى المرآة ، فإذا (٦) رؤيت (٧) المرآة بالمحاذاة رؤى أيضا الشبح المنطبع فيها. وهذا المذهب مضطرب لا حقيقة له. وهذا الانطباع قول لا معنى له ، لأن انطباع صورة شىء فى شىء يوجبه نوع من المحاذاة (٨) لا يتغير عن (٩) موضع إلى موضع بزوال شىء ثالث لا تأثير له فيه. كما أن الضوء إذا نقل على الوجه المحاذى لوّن الشىء مع انتقاله عكسا ، مثل ما يعرض للحائط أن يخضر بسبب انعكاس الضوء عن الحضرة إليه. فإن ذلك اللون يلزم موضعا واحدا بعينه ولا يختلف على المنتقلين. (١٠)

وأنت ترى صورة الشجرة فى الماء ، ينتقل مكانها من الماء مع انتقالك. وفرق بين اللون المستقر فى الشىء نفسه ، وإن كان فى غيره ؛ (١١) وبين اللون (١٢) الساطع (١٣) إليه من غيره ، ما دام محاذيا له بتوسط الضوء سطوعا مستقرا ، إلى أن تزول المحاذاة (١٤) ، مثل (١٥) البرق (١٦) ومثل صبغ الياقوت لليد ؛ وبين الخيال الذي لا حقيقة ارتسام (١٧) له.

فهذا (١٨) المذهب لا حقيقة له ، بل الصورتان إنما تتحدان فى الأبصار وإحداهما علة بوجه ما لتأدى الأخرى (١٩) إلى البصر. فإذا رؤيتا (٢٠) معا ، ظن أن إحداهما فى الأخرى. وكيف كان

__________________

(١) المشف ممكن إلا : ساقطة من ط

(٢) محاذاة : محاذات ط (٣) نفسه وطبعه فكذلك : ساقطة من سا

(٤) نفسه : لنفسه ب ، د ، م

(٥) فكذلك : كذلك ب ، د ، م

(٦) فإذا : وإذا د ، سا ، ط ، م

(٧) رؤيت : رأيت ب ، ط (٨) المحاذاة : المحاذات ط

(٩) عن : من د ، سا (١٠) المنتقلين : المنقلين م

(١١) وان كان فى غيره : ساقطة من ط

(١٢) اللون : النور سا (١٣) الساطع : السامع د

(١٤) المحاذاة : المحاذات ط (١٥) البرق ومثل : ساقطة من ب

(١٦) البرق : الشرق د ؛ الشروق سا ؛ البروق ط

(١٧) ارتسام : أو تسام م (١٨) فهذا : وهذا م

(١٩) الأخرى (الأولى) : الآخر ط

(٢٠) رؤيتا : رؤيا ب ، سا.

٤٢

فإن هاهنا مراى (١) لا يشك فى وجودها (٢). وسواء (٣) أخرج (٤) من البصر شىء فانعكس عن المرآة إلى المرئى ، أو كان تأثير من المرئى فى الرائى بواسطة المرآة ، فإن الأحكام التي نحن فى اعتبارها متفقة ، لأن الأشكال والخطوط التي ترتسم (٥) فيما بين ذلك تكون واحدة. فلهذا ما لم يشاق المعلم الأول فى هذا الموضع من كتابه ، بل استعمل انعكاس البصر ، إذ كان ذلك أشهر وأعرف ؛ وإذ لم (٦) يكن بين القول فى الحس والمحسوس بعد ، فجرى (٧) على المشهور.

وأما تحقيق هذه الجملة ، ففى الفن الذي يلى هذا الفن. وقد حاول قوم من الطبيعيين تعليم أسباب هذه الخيالات السحابية ، محاولات متكلفة بعيدة (٨) من العقول ، أحوجهم اليها ما هو متشدد فيه من التعصب على أصحاب الأشعة من الرياضيين ، والتصلب فى مذهب المشائين مع القصور عن الواجب من البصيرة ، فصاروا الى جانب من المحال أشد من القول بالشعاع. حتى (٩) قال بعضهم : إن الهالة شكل تموج يقع فى السحاب لصدمة (١٠) نور النير أو لتحليله (١١) وسطا وتركه أطرافا (١٢) متساوية البعد عن الوسط ، وغير ذلك من أقاويل لا يقولها إلا من يتوهم أن الهالة مستقرة فى سحاب معين.

فنقول الآن : إن الفرق بين الصور الحقيقية المنطبعة فى موادها وبين خيالات الأشباح التي يظن أنها فى المرايا (١٣) ، أن هذه تنتقل مع المنتقل ، والحقيقة (١٤) تلزم مواضعها. وهذه يتخيل أنها تقرب مما يقرب من المرئيات مواجها لها فى المرايا (١٥) وتبعد مما يبعد عنها ، وتلك تلزم مواضعها. وهذه توجد متخيلة (١٦) فى ظواهر أجسام صقيلة ، (١٧) وتلك لا تكون كذلك. وإذا كان الجسم الصقيل (١٨) مشفا ، (١٩) ورأى (٢٠) مشفا (٢١) بالفعل ، لم يمكن أن يرى عليه هذا الخيال. فإذا رؤى (٢٢) عليه الخيال لم يؤد ما وراءه ولم يكن (٢٣) مشفا بالفعل (٢٤) حينئذ بالقياس إلى ما وراءه. وإن كان وراء

__________________

(١) مراى : مريا بخ ، ط (٢) وجودها : وجوده ب ، ط

(٣) وسواء : سواء م (٤) أخرج : خرج ب ، سا ، ط ، م.

(٥) ترتسم : + منها ط.

(٦) واذ لم : وإذا لم د ، سا ؛ ولم ط ، م

(٧) فجرى : فيجرى م.

(٨) من : عن سا. (٩) حتى : ساقطة من م

(١٠) لصدمة : بصدمة ط (١١) أو لتحليله : وتحليله ب ؛ بتحليله ط.

(١٢) أطرافا : أوساطا ب ، م (١٣) المرايا : المراى د ، سا ، م ؛ المرائى المرايا ط

(١٤) والحقيقة : والحقيقية ط

(١٥) المرايا : المراى د ، سا ، م

(١٦) متخيلة : منحلة م (١٧) صقيلة : الصيقل ط

(١٨) الصقيل : الصيقلى ط (١٩) مشفا (الأولى) : + بالفعل ط

(٢٠) ورأى مشفا : ساقطة من م (٢١) ورأى : ورؤى د ، سا

(٢٢) رؤى : رأى ب ، ط (٢٣) ولم يكن ... ما وراءه : ساقطة من م

(٢٤) بالفعل ... ما وراءه : ساقطة من ب.

٤٣

الجسم الشفاف جسم ذو لون يحدده ، أرى (١) هذا الخيال ؛ وإن (٢) لم يكن وراءه ما يحدده ، (٣) نفذ فيه البصر ، ولم ير هذا الخيال.

وهذه كلها مقدمات تجربية. ونقول أيضا : إن المرايا (٤) إذا كانت (٥) بحيث (٦) لا يحدها الحس ، لم (٧) يمكن أن (٨) يؤدّى اللون والشكل معا ؛ فإن كانت صغارا ، أدت اللون ، ولم تف بأداء الشكل. لأن الجسم لا يمكن أن يرى مشكلا (٩) إلا وهو بحيث يقسّمه الحس ، فكيف يرى ما لا ينقسم (١٠) فى الحس مشكلا؟ (١١) وإن (١٢) كانت مفردة ، (١٣) فربما عجز البصر عن إدراك ما يؤديه من اللون أيضا. فإن كثرت وتلاقت ، أدى كل واحد منها اللون ، ولم يؤد واحد منها الشكل. فاتصل من جملتها من تأدية اللون ما لو كانت متصلة متحدة ، (١٤) لأدت مع ذلك اللون الشكل. (١٥) وإذا كان المرئى فى مشف ثان وراءه (١٦) وبينهما سطح بالفعل ، فإنه يؤدى مقدار الشىء أعظم مما ينبغى أن يؤديه ، وخصوصا إذا كان سيالا مثل ما يرى الشىء فى الماء ، إلا أنه يقصر فى تأدية لونه ، فيريه (١٧) أقل سوادا (١٨) وصبغا من سواده وصبغه. (١٩) فإن كان ذلك الشىء خارجا عن ذلك السطح ، وكان ذلك السطح يؤديه على أنه مرآة ، رؤى (٢٠) ذلك الشىء أصغر حجما ، وأشد سوادا من سواده. وأقل بياضا من بياضه.

والبصر يعرض له الغلط فى الشىء من وجوه ، منها فى (٢١) مقدار الشىء كما ذكرناه من أنه تارة يراه (٢٢) أعظم (٢٣) وتارة يراه (٢٤) أصغر ؛ ومنها فى شكله ، فإن البعيد لا يحس بزواياه (٢٥) ولا بتقبيبه ، بل يرى مستديرا مسطحا ؛ (٢٦) ومنها فى وضع (٢٧) أجزائه ، فإن البعيد لا يحس بخشونته ؛ ومنها فى لونه ، فإنه تارة (٢٨) يرى الشىء أشد صبغا وتارة أقل صبغا ؛ ومنها فى وضعه من شىء آخر ،

__________________

(١) أرى : لوّن د ، سا ، ط ؛ لذى م (٢) وإن لم : ولم د ، سا ، م

(٣) ما يحدده : ما يحدد د. (٤) المرايا : المراى سا ؛ المرائى د ، ط ، م

(٥) كانت : كان سا ، ط (٦) بحيث : حيث سا. (٧) لم : لا د ، سا ، ط ، م

(٨) أن : + لا د ، سا (٩) مشكلا : متشكلا د ، سا.

(١٠) لا ينقسم فى : لا يقسمه د ، سا

(١١) مشكلا : متشكلا د ، سا (١٢) وان : فان د ، سا ، ط ، م

(١٣) مفردة ، منفردة د ، سا. (١٤) متحدة : متحددة : ب ، م.

(١٥) الشكل : والشكل سا ، م

(١٦) وراءه : أو وراءه د ، سا ، ط ، م.

(١٧) فيريه : فيرد د (١٨) سواده : سواد م

(١٩) وصبغه : ساقطة من م (٢٠) رؤى : أرى ب ، سا ، م ؛ أدى د

(٢١) فى (الثانية) : ساقطة من د (٢٢) يراه (الأولى) : يريه د ، م ؛ ساقطة من سا

(٢٣) أعظم : + وتارة يريه أعظم م (٢٤) يراه (الثانية) : يريه د ، سا ، م

(٢٥) بزواياه : زواياه ب. (٢٦) مسطحا : ومسطحا د ، سا

(٢٧) وضع : موضع د ، سا ، ط ، م (٢٨) وتارة : + يريه د ، ط ، م ؛ تراه سا

٤٤

فإن البعيد جدا لا يحس البعد الذي بين الرائى وبينه ولا الذي بينه وبين بعيد آخر مثله ، كما لا يحس (١) البعد بين القمر والثوابت فى جهة ارتفاعها. والأجسام المضيئة إذا انعكس ضوؤها عن المرايا (٢) القريبة منها ، لم يبعد أن يخيّل (٣) لون نير. فإن بعدت وكانت مظلمة لم يبعد أن تتركب (٤) من الضوء ومن الظلمة ألوان أخرى. كما أن الضوء إذا وقع على السحابة السوداء رؤيت حمراء ، وكذلك (٥) يجوز أن يكون حال الضوء الخيالى فى شىء بعيد وأسود (٦) معا. وإذا قام قائم وحاذى بصره أشياء كثيرة أو شيئا (٧) واحدا عظيما (٨) مما من شأنه أن يؤدى الشبح ، فليس يجب أن تكون كل تلك (٩) الأشياء والشىء (١٠) بحيث يؤدى شبح شىء واحد أو أشياء كثيرة ، بل ربما (١١) كانت النسبة مع بعض تلك الأجزاء نسبة توجب أداء شبح ما ، ومع (١٢) أجزاء أخرى نسبة توجب أداء شبح آخر. وربما كانت الأجزاء الأخرى لا توازى ما يوجب تأدية شبحه ، فتتعطل تلك الأجزاء ويبقى الفعل لما يوازى ذا (١٣) الشبح الواحد الذي قد مر (١٤) ذكره.

وتلك الأجزاء تتعطل على وجهين : فإنها تتعطل إما لفقدان شىء من شأنه أن يؤدى شبحه ، فإذا كانت لا مؤدى لها وللأجزاء المقدم ذكرها مؤدى اختلفا ، وإما لأن ما (١٥) نسبته إليه نسبة الأداء ، (١٦) ليس يبلغ من قوة إرساله الشبح وتمثيله إياه مثلا فى المرآة قوة الشىء الآخر ، إما للبعد ، (١٧) وإما لضعف اللون. وأقوى ما يرسل شبحه هو الأقوى ضوءا ، وكلما اشتد الضوء اشتد التأثير حتى يمنع أيضا من تأثير أشياء (١٨) أخرى من شأنها أن تؤثر. فإذا كان تمثل الشبح مرئيا فى مرايا (١٩) من شأنها تأدية الشبح ، فبالحرى أن لا يتعطل تشبح ما سواه فى أجزاء أخرى من الأجزاء (٢٠) التي يخصها فى النسبة. فإذا (٢١) كانت المرآة متشابهة الوضع ، وجب أن تكون النسبة بين الرائى وبين أجزاء المرآة وبين المرئى واحدة. فيجب

__________________

(١) لا يحس : لا يعرف د ، سا ، ط ، م.

(٢) المرايا : المراى د ، سا ؛ المرائى ط ، م

(٣) بخيل : تخيلت السماء تهيأت للمطر فرعدت وبرقت (لسان العرب).

(٤) تتركب : تركب م. (٥) وكذلك : فكذلك د ، سا ، ط

(٦) وأسود : وفى أسود د ، سا ، ما.

(٧) أو شيئا : أن شيئا م

(٨) عظيما : ساقطة من م.

(٩) كل تلك : ذلك ط

(١٠) والشىء : أو الأشياء ط.

(١١) بل ربما : وربما د ، سا

(١٢) ما ومع ... شبح : ساقطة من م.

(١٣) ذا : فما م. (١٤) قد مر : قدم ب ، سا ، ط ، م

(١٥) ما : ساقطة من م (١٦) الأداء : الأجزاء د.

(١٧) للبعد : لبعد ط. (١٨) أشياء : أجزاء م.

(١٩) مرايا : مراى د ، سا ، م. (٢٠) الأجزاء : أجزاء م

(٢١) فإذا : وإذا د ، سا ، ط ، م.

٤٥

أن تكون الزوايا التي تحدث من خطوط تتوهم خارجة من البصر إلى المرآة ومن المرآة إلى الشىء ذى الشبح فتتصل عند المرآة ، هى (١) زوايا متساوية من جميع الجهات. فيكون تمثل الشكل المرتسم بين زوايا الناظر والمرآة والشبح (٢) مستديرا ، كأن الشكل المرتسم بين زوايا (٣) الناظر والمرآة والمرئى قد أدير على نفسه بأن يحفظ الخط الذي بين الشىء ذى الشبح والرائى ثابتا فى الوضع ويدار عليه الشكل. لأن التجزئة إنما تقع فيما نحن بسبيله على المرآة ، وأما الرائى والمرئى فكشيء لا ينقسم ، فيكون المرئى مكان طرف المحور ، (٤) والشبح المتخيل مكان منطقة المحور ، وأعنى (٥) بذلك أوسع دائرة ترتسم على ما يحيط به الشكل المرتسم من الحركة المذكورة.

فهذه (٦) الأشباح تتبدل أماكنها بحسب حركاتك ، فإن توجهت إليها تقدمت إليك ، (٧) وإن نكصت عنها تأخرت عنك ، (٨) وإن علوت علت ، وإن نزلت نزلت ، وإن تركتها يمنة (٩) وحاذيتها بالانتقال حاذتك بالمرافقة ، وإن تركتها يسرة وحاذيتها (١٠) بالانتقال حاذتك بالمرافقة ، (١١) (١٢) وبهذا نعلم أنها خيالية. (١٣)

فهذه الأشياء كمقدمات (١٤) وتوطئات ، بعضها يعوّل فيه على صناعة الهندسة ، وبعضها على علم البصر ، ونحن نتكلم فيه (١٥) فى موضعه ، وبعضها على الامتحان بالحس.

__________________

(١) هى : ساقطة من ط

(٢) الناظر والمرآة والشبح : الشبح د ، سا ، ط

(٣) المرتسم بين زاويا : ساقطة من د ، سا ، م

(٤) المحور : محور د ، سا ، م

(٥) وأعنى : أعنى ب.

(٦) فهذه : وهذه د ، سا

(٧) إليك : عنك د

(٨) عنك : إليك د

(٩) يمنة : يمنية ط

(١٠) حاذتك (الثانية) : ما حاذتك ط

(١١) وإن تركتها ... بالمرالقة : ساقطة من د

(١٢) بالمرافقة : بالموافقة ب

(١٣) خيالية : + على أنك يجب أن تعلم أن الهالة إذا لم تكن من نير على سمت الرأس وجب أن يكون للسحاب ثخن حتى تكون الخطوط البصرية التي من وراء النير والرائى تقع من السحاب على مرأى أقرب فى السطح الباطن والخطوط البصرية التي تقابلها أذهب فى عمق السحاب حتى تستوى وإلا فإنها إن وقعت على سطح واحد كرى كانت التي فى الجانب الأبعد أطول م

(١٤) كمقدمات : لمقدمات د سا

(١٥) فيه : ساقطة من م.

٤٦

[الفصل الثالث] (١)

(ج) فصل

فى الهالة وفى قوس (٢) قزح (٣)

وأما الهالة فإنها دائرة بيضاء تامة أو ناقصة ترى حول القمر وغيره ، إذا قام دونه سحاب لطيف لا يغطيه ، لأنه يكون رقيقا. فمن أحب أن يتراءى بأنه شديد التعصب على أصحاب الشعاع ، قال إن سطح الغمام كرى ، وكذلك سطوح الأجسام البسيطة ؛ ومما يدل على كرية السحاب أنه متشاكل البعد عن الأرض وعن المركز قال : وإذا وقع عليه شعاع القمر حدث من الشعاع ومنه قطع مستدير. وقال من هو أقدم من هؤلاء : إن الشعاع إذا سقط على السحاب كان شبيها بحجر (٤) يلقى على الماء فيحدث هناك موج مستدير مركزه المسقط. قالوا : ووسطه يكون كالمظلم ، لأنه يتحلل لقوة الشعاع.

وهذان القولان من جنس الخرافة. وذلك لأن الهالة لو كانت كما قالا لكان لها موضع معلوم من السحاب ، وليس كذلك ؛ بل يراها الذين تختلف مقاماتها فى مواضع مختلفة من السحاب ، وعلى أن ضوء القمر ليس مما يختصر قطعه بموضع من السحاب دون موضع ، أو يكون (٥) سقوطه وتحليله (٦) على موضع دون موضع ؛ بل هذا كله من جنس الكلام الذي يجب أن يترفع (٧) عنه أهل البصيرة ، إنما (٨) الهالة خيال ، ولذلك يختلف منظره. وإنما يتخيل عن ضوء القمر أو عن ضوء نير غيره ، لإشراق السحاب به على سبيل التأدية لا على سبيل التكيف به. وذلك إذا كان السحاب مائيا لطيف (٩) الأجزاء رقيقا (١٠) لا يغم (١١) القمر أو الكوكب ، (١٢) وأدى نفس الكوكب (١٣) مع أداء (١٤) شبح الكوكب ، (١٥) لا على استقامة ما بين الناظر والمنظور إليه. (١٦) فإن الشىء إنما يرى على الاستقامة نفسه

__________________

(١) فصل : فصل ب : الفصل الثالث د ، م

(٢) وفى قوس : وقوس سا ، ط ، م

(٣) قزح : وقزح ط

(٤) بحجر : بالحجر م.

(٥) أو يكون سقوطه : أو سقوط د ، م ؛ أو سقوطه سا

(٦) وتحليله : أو تحليله ط

(٧) يترفع : ترفع د

(٨) انما : وانما سا.

(٩) لطيف : رقيق ب

(١٠) رقيقا : لطيفا ب

(١١) لا يغم : لا يغمر ب ، د ، سا

(١٢) الكوكب (الأولى) : الكواكب م

(١٣) وأدى نفس الكوكب. ساقطة من م

(١٤) أداء : أدائه د ، سا ، م

(١٥) الكوكب (الثالثة) : الكواكب م

(١٦) إليه : ساقطة من م.

٤٧

لا شبحه ، وإنما يؤدى شبحه زائلا (١) عن محاذاة الاستقامة التي بينه وبين الرائى ضرورة. فإذا كان جميع أجزاء السحاب أو أكثره (٢) مستعدا لهذه التأدية ، وكانت نسبة كل مرآة فى وضعها (٣) من الرائى والكوكب (٤) يجب أن تكون (٥) نسبة واحدة من جميع جوانب الكوكب ، (٦) وجب أن يكون ما يرى من الهالة مستديرا.

على أنك يجب أن تعلم أن الهالة إذا لم تكن من نير على سمت الرأس ، وجب أن يكون السحاب ثخينا ، (٧) حتى تكون الخطوط البصرية التي تكون (٨) من وراء النير والرائى (٩) تقع من السحاب على مرأى (١٠) أقرب إلى السطح الباطن ، والخطوط البصرية التي نقابلها أذهب فى عمق (١١) السحاب حتى تستوى ؛ وإلا فإنها إن وقعت على سطح واحد كرى كانت التي فى الجانب الأبعد أطول. ولأن ما يخرج عن المرآة وما يدخل فيها مما لا يخيل ، لا يكون (١٢) له إشراق ما يردّ الضوء ويعكسه إلى البصر ، فيخيل أن خارجه وداخله أسود ؛ فإن كل ما نقص من إشراقه عن الأبيض ، ووضع فى جنب (١٣) الأبيض يرى أسود. وداخل الهالة يعرض له سبب آخر ، وهو أن قوة الشعاع الذي للكوكب تخفى حجم السحاب الذي لا يستره ، فكأنه ليس هناك سحاب ولا شىء آخر لأن (١٤) ما فيه من السحاب ليس يستر القمر ، إذ كان هو (١٥) سحابا رقيقا. ويعرض للصغير والرقيق أن لا يرى فى الضوء القوى خصوصا إذا كان بحيث لا يستر الشىء (١٦) فيكون كأنه ليس موجودا ، مثل ما لا ترى اللهبات (١٧) الجوية فى الصحراء ، وإن رؤى لم ير مضيئا بل أسود مثل الشعلة فى النهار ، وإذا لم ير (١٨) أو رؤى أسود يتخيل (١٩) كأن هناك منفذا أو مدخلا أو شيئا أسود. ومتى أردت أن تتأمل هذا ، فتأمل السحابة الرقيقة التي تجتاز تحت (٢٠) القمر ترى كأنها ليست أو ترى ضعيفة سوداء. فإذا فارقت محاذاته ، (٢١) رؤيت أثخن (٢٢) حجما وأظهر عينا. فإن تمزقت الهالة

__________________

(١) زائلا : ذابلا ط (٢) أو أكثره : أو أكثرها م

(٣) وضعها : وضعه د ، سا (٤) والكوكب : والكواكب م

(٥) يجب أن تكون : ساقطة من سا ، ط

(٦) الكوكب : الكواكب د (٧) السحاب ثخينا : للسحاب ثخن د ، سا

(٨) تكون (الثانية) : ساقطة من د ، سا ، ط

(٩) والرائى : والذي سا (١٠) مرأى : مرايا ب ، ط ؛ مراى د

(١١) عمق : عميق د (١٢) لا يكون : لأن يكون د

(١٣) فى جنب : من حيث ب (١٤) لأن : إذ كان ب ؛ إذا كان د

(١٥) هو : ساقطة من سا ، م (١٦) لا يستر الشىء : لا الشىء ب

(١٧) الهبات : الهيآت د ، سا ، م

(١٨) مضيئا ... لم ير : ساقطة من د

(١٩) يتخيل : ويخيل د ؛ فيخيل سا

(٢٠) تجتاز تحت : تحاذى ط ، م (٢١) محاذاته : المحاذاة د ، سا ، م

(٢٢) أثخن : أسخن د ، ط.

٤٨

من جميع الجهات متحللة ، دلت (١) على الصحو. وإن انتظمت حتى ثخن السحاب وبطلت الهالة ، دلت على المطر ؛ لأن هذه الأجزاء الرطبة المائية القليلة تكون قد صارت كثيرة. فإن تمزقت (٢) من جهة (٣) دلت على ريح تأتى من تلك الجهة ، وأنها هى التي مزقته (٤) لا سيما ومبادئ الريح (٥) من فوق. وقلما تكون حول الشمس هالة ، (٦) لأن الشمس فى الأكثر تحلل السحب الرقيقة التي تبلغ من رقتها أن لا تستر الشمس. وربما أخرجت (٧) عنها البخار الدخانى فيلتحم ويتكاثف. ومع ذلك فقد تكون حول الشمس هالة وهو الطفاوة ، وذلك فى الندرة. والتي تكون من الهالات تحت الشمس ، أدل على المطر من الخيالات القزحية التي تكون قبالتها. وإذا وقعت سحابة بهذه الصفة تحت سحابة ، أمكن أن تتولد هالة تحت هالة. والتحتانية تكون أعظم من الفوقانية ، لأنها أقرب ، فتكون تأديتها المرئى بأجزاء أبعد من الوسط.

ومنهم من ذكر (٨) أنه رأى سبع هالات معا وهو بعيد. وقد حكى (٩) بعضهم أنه رأى هالة ، فلما قدرت بالكواكب التي حاذت أقطارها (١٠) كانت قريبة من خمسة وأربعين اسطاذيا. (١١) وأكثر ما تكون (١٢) الهالة فتكون (١٣) مع عدم الريح ، فلذلك تكثر مع السحب الدوانى. وقد رأيت حول الشمس فيما بين سنة تسعين وثلاث مائة وإحدى وتسعين هالة تامة فى ألوان قوس قزح وأخرى ناقصة مولية الحدبة إليها ، فعلى هذه الصورة تكون الهالة. وقد رأيت بعد ذلك بزمان له قدر عشرين (١٤) سنة هالة تطيف بالشمس فيها قليل قوسية خفية. وإنما تتقزح هالة الشمس أحيانا ، إذا كتف السحاب وأظلم. وهالة الشمس تخالف (١٥) قوس قزح فى أن محور هذه الدائرة ينتهى إلى البصر وإلى المرئى فى الجانبين جميعا. (١٦) وتكون الهالة منطقة لذلك (١٧) المحور ، ويكون مركز دائرتها على هذا الخط بين الرائى والمرئى. وأما القوس

__________________

(١) دلت : ساقطة من م

(٢) تمزقت : تخرقت د ، سا ، ط ، م

(٣) جهة : جنبه سا ، م ؛ جنبته د

(٤) مزقته : مزقتها م

(٥) الريج : الرياح د ، سا ، ط ، م

(٦) هالة ... الأكثر : ساقطة من م

(٧) أخرجت : أخرج د ، سا ، ط ، م

(٨) ومنهم من ذكر ... السحب الدوانى : هذه العبارة ذكرت فى نسخة م فى غير موضعها

(٩) وقد حكى : حكى سا

(١٠) أقطارها : أقطاره د ، سا.

(١١) اسطاذيا : اصطاذيا م

(١٢) تكون : تتكون د ، سا ، ط ، م

(١٣) فتكون : تتكون د ، سا ، ط ، م

(١٤) عشرين سنة : ساقطة من م

(١٥) تخالف قوس : مخالف د ؛ مخالف قوس ط ، م

(١٦) جميعا : ساقطة من د ، سا (١٧) لذلك : لهذاب.

٤٩

فإن الرائى والشمس يكونان جميعا على خط المحور ، لكن (١) مركز (٢) دائرة المنطقة لا يكون واقعا (٣) بينهما. والقوس لا يزيد على نصف دائرة لكن الهالة قد تتم دائرة ، وقلما ترى الهالة مكسورة بالأفق ـ د لقرب النير من الأفق (٤) ، لأن خط البصر فى مثل هذه الحال (٥) يصيب (٦) من السحاب فى الأكثر عمقا كثيرا (٧) فى أكثر الأمر. (٨) والهالة الشمسية فى الأكثر إنما ترى إذا كانت الشمس تقرب من وسط السماء ، والقوس لا ترى إلا إذا كانت الشمس تقرب من الأفق. وقد (٩) رأيت بهمذان هالة حول القمر قوسية اللون ، وكان ذلك لأن السحاب كان أغلظ فشوش (١٠) فى (١١) أداء الضوء ، وعرض ما يعرض للقوس مما نذكره.

واعلم أن الكلام فى الهالة فهو (١٢) كالمحصل المحقق عندى. وأما القوس فقد حصل (١٣) عندى من أمره أحوال ، وبقيت أحوال لم أتحققها بعد ، ولا يقتضى ما يقال فيها. وقد شاهدت مرارا أن ارتسام هذه (١٤) القوس (١٥) ليس على السحاب الكثيف ، وليس يقنعنى ما يقوله أصحابنا من المشائين فيها ، وأنا واصف لك أولا حال القوس فى ارتسامها حيث لا سحاب كثيف على ما شاهدت ، ثم واصف لك السبب فى كونها نصف دائرة أو أقل (١٦) من نصف دائرة لا غير ، ومعط لك السبب فى أن القوس لا تحدث فى جميع أوقات النهار الصيفى وتحدث فى الشتاء. وأما الألوان فلم يتحصل لى (١٧) أمرها بالحقيقة ، ولا عرفت سببها ، ولا قنعت بما يقولون ، فإن (١٨) كله كذب وسخف.

وأقول : أما أن هذا العارض لا بد من أن يكون وراءه فى أكثر الأمر سحاب مائى مستوى (١٩) الأجزاء ، فأمر توجبه المشاهدة لأن (٢٠) هذا الأثر لا يكون (٢١) فى نفس السحاب البتة ، ولا نفس السحاب هو الذي يؤديه ، لكن البصر يغلط فلا يميز بين مكان مرآته وبين السحاب الذي يكون وراءه. فأول ما عرفت هذا هو فى البلاد الجبلية ، فقد شاهدت فيها مرارا كثيرة

__________________

(١) لكن : ولكن ط ، م (٢) مركز : ساقطة من م.

(٣) واقعا : واقعة م (٤) لقرب النير من الأفق : النير من الأفق النير من الأفق د

(٥) الحال : الحالة ط (٦) يصيب : يصير د

(٧) وقلما ......

عمقا كثيرا : هذه العبارة ذكرت فى نسخة م فى غير موضعها

(٨) فى أكثر الأمر : ساقطة من د ، سا ، ط ، م

(٩) وقد : فقد ط (١٠) فشوش : فيشوش د

(١١) فى : ساقطة من ط

(١٢) فهو : هو م (١٣) حصل : حصلت ط

(١٤) هذه : هذا ب ، د ، ط (١٥) فقد ...... القوس : ساقطة من م

(١٦) أو أقل : وأقل ب (١٧) لى : إلى م

(١٨) فان : فانه م (١٩) مستوى : مستولى م

(٢٠) لأن : لا أن د ، سا

(٢١) لا يكون : يكون د ، سا

٥٠

سحابا يتولد مع مثله هذا الأثر ، وكان ذلك السحاب مشرفا شاهقا وجهته حيث (١) جهة الجبل. وظهر (٢) الأثر ، فوقع بصرى (٣) أول ما وقع على ذروته ومنتصف (٤) قوسه ، (٥) وتخيلت أنه فى ذلك السحاب ، فلما تأملت أسافله ، كان قائما فيما بيننا وبين الجبل قياما فى الجو ، وأنه لو لا الجبل لكان يتوهم أنه فى السحاب الكدر. ورأيت القوس مرة وهى (٦) مرتسمة فى الجو المصحى قدام جبل ، إلا أن ذلك الجو رطب (٧) مائى من غير ضباب ولا شىء ، وكان (٨) موضعه ما بيننا وبين الجبل لا يزيد عليه ارتفاعه. ورأيت مرة أخرى قوسين عظيمتين (٩) تلى ذروتيهما وأوسط (١٠) حدبتيهما سحاب ، ويلى طرفيهما (١١) جبال ، (١٢) فيرى كل واحد (١٣) منهما (١٤) كأنه مرتسم على الجبل وعلى السحاب ؛ (١٥) وذلك لأن البصر لا يفرق بين شفيفه وبين ما خلفه ، فيرى كأنه ملتصق به.

وقد تواترت منى هذه التجربة بعد ذلك مرارا ، فظهر لى أن السحاب الكدر ليس يصلح أن يكون مرآة البتة لحدوث هذا الخيال ، وإنما ينعكس للبصر (١٦) منه عن هواء رطب منتشر فيه أجزاء صغار من الماء مشفة صافية كالرش ، وليست بحيث تكدر وتزيل الإشفاف ، لكنها (١٧) إذا لم يكن وراءها ملون لم تكن مرآة. وذلك كالبلورة ، فإنها إذا سترت (١٨) من الجانب الآخر صارت مرآة فى الجهة التي تليك ، وإن لم تستر وتركت ووراءها فضاء مشف غير محصور لم تكن مرآة. فيجب أن يكون فى أكثر الأمر وراء هذا الهواء الرطب شىء لا يشف : إما جبل ، وإما سحاب (١٩) مظلم ، حتى يرتسم هذا الأثر (٢٠) منعكسا عن الأجزاء المائية الشافة المنتشرة (٢١) الواقعة فى الجو ، دون البخارية الكدرة ؛ فإنها إذا كانت بخارية كدرة لم تصلح لذلك.

__________________

(١) حيث : ساقطة من م.

(٢) وظهر : فظهر ب ، م

(٣) بصرى : البصر ب ، م

(٤) ومنتصف : + من د ، سا

(٥) قوسه : قوس د

(٦) وهى : ساقطة من د ، سا

(٧) رطب : رطيب سا

(٨) وكان : فكان سا

(٩) عظيمتين : عظيمين ب ، سا ، م

(١٠) وأوسط : وواسطة سا ، ط ، م ؛ واسطة د

(١١) طرفيهما : طرفهما سا ، م

(١٢) جبال : جبل م (١٣) واحد : ساقطة من د ، سا ، م

(١٤) منهما : منها سا

(١٥) وعلى السحاب : والسحاب د ، سا ، ط ، م

(١٦) للبصر : البصر ب ، د ، سا ، م

(١٧) لكنها : لكن ب (١٨) سترت : استترت ط

(١٩) وإما سحاب : أو سحاب د ، سا ، ط ، م

(٢٠) الأثر : + فيه ط (٢١) المنتشرة : المنيرة د ، سا.

٥١

ورأينا مثل هذا الخيال يتولد فى أرجاء الماء إذا انتضح عن أجنحة الآلة المنصوبة فى وجه الماء رشّ ماء (١) صغير الأجزاء طلّى ، توازيه الشمس ، فيحدث دائرة بالوان القوس. وكذلك إذا أخذ الإنسان (٢) الماء فى فمه ، ونفخه فى الجو حذاء الشمس أو السراج (٣). ورأينا (٤) الشمعة فى الحمام يتولد حواليها (٥) من رطوبة جو الحمام هذا الخيال ؛ بل قد رأينا فى الغدوات حول الشمس (٦) خيالا هلالى الشكل قوسى (٧) اللون ، والسبب فيه (٨) رطوبة (٩) المنتبه عن نومه ، فكان إذا مسحت العين لم يظهر منه شىء. وقد رأينا فى بعض الحمامات هذا الخيال منطبعا تمام الانطباع فى حائط الحمام ، ليس على سبيل الخيال ، بل كان الشعاع يقع على جام الكوة فينفذ فى الرش المملوء منه هواء الحمام ، ثم يقع على حائط الحمام وهو شعاع مضىء ، ثم ينعكس عنه فى الهواء الرشى إلى الحائط الآخر ألوان قوس مستقرة ليس مما تبرح موقعه بانتقال الناظر. وقد (١٠) يحكى أن هذه الألوان تظهر من ماء (١١) ينتشر من مجاديف السفن فى البحر ؛ ومن (١٢) ضعف بصره حتى صار كأنه لا ينفذ فى الجو فقد (١٣) يتخيل له ذلك ، يتخيل له (١٤) أشباح أشياء أخرى ، وربما يخيل له (١٥) شبح (١٦) نفسه أمامه ، فإن الهواء يصير بالقياس إلى بصره محدودا منقطعا. وأكثر ما يعرض (١٧) هذا الخيال حول السراج ، وما لا يكون له شفيف ولون قوى فإنه يرى أرجوانيا ذا لون واحد. فالذى (١٨) صح عندى أن مرآة هذا الأثر ليس هو (١٩) بسحاب (٢٠) مظلم لا يشف ، بل هو (٢١) جو (٢٢) رطب فيه أجزاء مائية رشية كثيرة مشفة ، ولكنه يحتاج أن يكون خلفه مثل هذا السحاب أو جبل أو سترة أخرى من نفسه أو من غيره. (٢٣)

وقد رأيت بجبل بين أبيورد وبين طوس ، وهو (٢٤) مشرف جدا ، كان قد أطبق تحته غيم عظيم عام ، وهو دون قلّته بمسافة يعتد بها ، لكن الهواء الذي فوقه كان بهذه الصفة ؛

__________________

(١) رش ماء : ورش الماء ط (٢) الإنسان : إنسان سا

(٣) أو السراج : والسراج د (٤) ورأينا : أو رأينا م.

(٥) حواليها : حولها د ، سا (٦) الشمس : الشمعة ب ، ط ، م

(٧) قوسى : قوى د (٨) فيه : ساقطة من سا

(٩) رطوبة : الرطوبة سا (١٠) وقد : قد م (١١) من ماء : مما ب

(١٢) ومن : لمن ب (١٣) فقد : وقد م

(١٤) ويتخيل له : ساقطة من م

(١٥) له : ساقطة من سا (١٦) أشباح : ساقطة من د

(١٧) يعرض : يكثر سا

(١٨) فالذى : والذي سا ، م

(١٩) هو (الأولى) : ساقطة من سا

(٢٠) بسحاب : سحاب ب (٢١) هو (الثانية) : هواء ط

(٢٢) جو : ساقطة من م

(٢٣) من غيره : غيره ب ، د ، ط ، م

(٢٤) وهو : ساقطة من د ، سا.

٥٢

وقد كانت (١) ظهرت هذه القوس على الغمام ، ونحن ننزل عنه إلى الغمام ، فنرى هذا الخيال ما بيننا وبين الغمام المتراكم متشبحا (٢) على السحاب ، (٣) منثلم (٤) الاستدارة ، لصق (٥) الجبل ، لا ينقص عن الدائرة إلا قدر ما يكسره الجبل. وكنا كلما أمعنا فى النزول صغر قدره ونقص قطره ، حتى صارت (٦) دائرة صغيرة جدا ، لأن قربها منا وبعد الشمس عنها (٧) كان يزيد (٨) ويصير المخروط البصرى أصغر قطعا ؛ فلما قربنا من السحاب وكدنا نخوض فيه اضمحل ، ولم يتخيل بعد. (٩) فهذا هو صورة المرآة التي تخيّل (١٠) هذا الخيال. وأما لونه فلعله إنما (١١) لا يكون (١٢) منيرا أبيض ، لأن (١٣) مرآته (١٤) بعيدة عن النير ، ليس كما يرى فى الهالة. فلذلك يختلط الضوء الخيالى (١٥) بشيء من جنس الظلمة ، فتتولد حمرة وأرجوانية وغير ذلك.

وأما شكله ، فأعلم أنه يجب أن يكون مستديرا ، وأعلم علته وهو ما قد دللت عليه. ولذلك (١٦) فإن الشمس إذا كانت على الأفق وجب (١٧) ضرورة أن ترى من القوس نصف دائرة ، وذلك لأن القوس ليس وضعها وضع الهالة موازيا للأرض حتى يكون جميع (١٨) ما تخيله مرئيا ، فيرى الخيال ؛ وإنما وضع القوس وضع مقاطع للأفق (١٩) لا مواز له. فإذا كانت الشمس على الأفق قطعت الأفق من الدائرة الموهومة له نصفها لا محالة ، فإن ارتفعت الشمس ارتفع (٢٠) محور المنطقة ، فانحطت (٢١) المنطقة لا محالة ، فنقصت القوس لا محالة. حتى إذا ارتفعت الشمس ارتفاعا كبيرا لم يكن قوس ، وأما إذا كان ارتفاعها إلى حدّ كان (٢٢) قوس. فلذلك يجوز أن تحدث القوس فى بعض البلاد فى الشتاء فى أنصاف النهار. ولا تحدث فى الصيف ، لقلة (٢٣) ارتفاع الشمس فى أنصاف نهار الشتاء وكثرته فى أنصاف نهار الصيف.

__________________

(١) كانت : كان د ، سا (٢) متشجا : ساقطة من د

(٣) السحاب : ساقطة من د (٤) منثلم : + فى ط

(٥) لصق : لصيق ط ؛ لشق طا (٦) صارت : صار د ، سا

(٧) عنها : عنا ط (٨) يزيد : يزيده م

(٩) بعد : بعدا م (١٠) تخيل : تخيلت ط

(١١) إنما : إنه إنما م ؛ ساقطة من سا

(١٢) لا يكون : يكون م (١٣) لأن مراته بعيدة : ساقطة من م

(١٤) مراته : مائيته ب ؛ مرايته د ؛ مرائية سا

(١٥) الخيالى : الخيال د

(١٦) ولذلك : وكذلك م

(١٧) وجب : يوجب د ، سا

(١٨) جميع : ساقطة من سا

(١٩) للأفق : الأفق د ، سا

(٢٠) ارتفع : + طرف د ، سا ، ط

(٢١) فانحطت المنطقة : ساقطة من د

(٢٢) حد كان : ساقطة من سا

(٢٣) لقلة : لعلة سا.

٥٣

وكلما كانت القوس أتم وأقرب من نصف دائرة كانت أصغر ، أى من دائرة أصغر ، (١) وكلما كانت أصغر منه (٢) كانت أكبر. وفى الحالة الأولى تكون أقوم على الأفق ، وفى الحالة الثانية تكون زاويتها على الأوفق مما يلى الشمس أشد انفراجا ، لأن مركز دائرتها (٣) كلما ارتفعت (٤) الشمس انخفض ومال إلى (٥) الجهة التي تفارقها الشمس. وأما وجوب كون الألوان ثلاثة ، ومرافقة لون أصفر إياها ، وما يرى (٦) معها فى الأحيان بأعيانها ، وترتيبها ، فليس يمكننى أن أقف على السبب فيه. والذي يقال إن السبب فيه (٧) اختلاف وضع سحابتين (٨) وامتزاج لون ثالث منهما فشيء لا أصل له ، ولا هناك سحابتان بوجه من الوجوه ، بل يجوز أن ترتسم فى جو متشابه الأحوال قوس مع ثلاثة أحوال. ولا ما قيل إن الناحية العليا تكون أقرب إلى الشمس ، وانعكاس البصر يكون أقوى فترى حمرة ناصعة ، وأن الناحية السفلى أبعد منها وأقل لذلك إشراقا فيرى فى (٩) الطوق الثاني حمرة إلى السواد وهو الأرجوانى ، وأنه يتولد فيما بينهما لون كراثى كأنه مركب من إشراق حمرة (١٠) الفوقانى وكدر ظلمة السفلانى ، فكله (١١) ليس بشيء (١٢) لأن الأولى هو أن يكون الأقرب ناصع الحمرة ، ثم لا يزال كذلك (١٣) على التدريج يضرب إلى الأرجوانية والقتمة ، فيكون طرفه الآخر أقتم أرجوانيا.

وأما انفصال هذه الألوان بعضها عن بعض حتى يكون عرض واحد متشابه الحمرة وآخر متشابه الأرجوانية وبينهما قطع ، فلا معنى له.

وليس فى ذلك (١٤) الرش اختلاف استعداد. ولو لا ذلك لكان لا تتبدل بالقرب والبعد مواقع تلك الألوان. فإنك كلما قربت من الموضع (١٥) الأول (١٦) انتقل وترك (١٧) كل لون على تدريجه ، وكلما بعدت انتقل إلى خلاف ذلك. لأن الانتقال الأول متباعد عن مقامك الأول ، والثاني متقارب إليه ؛ وكلما (١٨) علوت علا معك ، وكلما نزلت نزل (١٩) معك ؛ فتجد كل بقعة

__________________

(١) أى من دائرة أصغر : ساقطة من سا ؛ أى من دائرة م

(٢) منه : نسبة د ، سا ، ط (٣) دائرتها : ذاتها م.

(٤) ارتفعت : + من سا (٥) إلى : ساقطة من م

(٦) وما يرى : وربما رؤى د ؛ ربما رؤى سا ، ط ، م.

(٧) فيه (الثانية) : ساقطة من سا

(٨) سحابتين : سحابين ب ، سا

(٩) فى : ساقطة من د ، سا

(١٠) حمرة : الحمرة ط. (١١) فكله : وكله ب

(١٢) بشيء : لشيء سا (١٣) كذلك : ساقطة من د ، سا

(١٤) فى ذلك : كذلك م. (١٥) الموضع : المواضع م

(١٦) الأول : ساقطة من سا (١٧) وترك : ونزل ب ، سا.

(١٨) وكلما (الأولى) : كلما م(١٩) نزل : ساقطة من م.

٥٤

صالحة لكل لون. ولو أمكنك أن تقرب الشمس إليك لقربت القوس منك وكبرت ، (١) ولو أمكنك أن تزيدها بعدا محسوسا تباعدت القوس عنك وصغرت. وبعض من لا يحقق ظن أنك إذا قربت من القوس قربت منك وإذا بعدت بعدت (٢) عنك (٣) ؛ وهو (٤) خطأ. وتولّد هذا (٥) الكراثى أيضا بين الأرجوانى والأحمر الناصع بديع. فإن اللون الممتزج منهما شىء هو أشد نصوعا من الأرجوانى وأشد أرجوانية من الناصع ، لا لون (٦) كراثى لا مناسبة له مع واحد منهما. ولأن (٧) يتولد الكراثى بين الأصفر وبين الأسود والنيلى ، (٨) أولى من أن يتولد بين أحمر ناصع (٩) وبين أرجوانى.

وبالجملة فإن أصحابنا من المشائين لم يأتوا فى أمر هذه الألوان وهذه الفصول بشيء فهمته ، وعسى أن يكون عند غيرى منه ما يفهمه ونفهمه. (١٠) ولعلك تحب (١١) أن لا تطلب علة هذه الألوان كلها فى المرآة ، ولا فى ذى الشبح ، بل فى بصرك ، بأن تعلم أن لا حقيقة للشبح فى المرآة ، ولا اختلاف للون (١٢) فى المرئى. ولعل (١٣) الأولى أن تطلب فى بصرك ؛ ثم تطلب أن فى (١٤) الراكد القائم الذي لا يتبدل ، كيف تختلف الألوان أيضا؟ واجهد فى هذا جهدك ، ستصل إليه. (١٥)

وهذه (١٦) القوس فى أكثر الأمر يلى الأرض منها (١٧) لون ، ويلى الجو منها (١٨) لون ، يشتدان معا عند الوسط ، وربما كان فى الوسط لون آخر غير ذينك. (١٩) (٢٠) والذي أحدثته من أمر هذه (٢١) القوس ، لست واثقا به بعد ، حتى أودعه كتابى هذا. لكنى أعلم بالجملة أنه خيال ، وأنه لا يمكن أن يكون منه أكثر من قوسين ، لأن الثاني منهما (٢٢) يكاد أن لا يظهر (٢٣) ، فالثالث كيف نطمع فيه؟ ومعنى قوله لا يمكن هاهنا وفيما (٢٤) يجرى مجراه ، هو أنه بعيد ، (٢٥) ليس أنه مستحيل.

__________________

(١) وكبرت ، ولكبرت م

(٢) بعدت بعدت : بعدت م

(٣) عنك : منك ب (٤) وهو : وهذا سا.

(٥) هذا : ساقطة من م (٦) لا لون : لأن لون ط

(٧) ولأن يتولد : ولا يتولد د (٨) والنيلى : النيلى ط

(٩) ناصع : ساقطة من ط (١٠) ونفهمه : ساقطة من م

(١١) تحب أن لا تطلب : أن لا تحب أن تطلب ط

(١٢) للون : اللون د ، ط (١٣) ولعل : فلعل د ، ط ، م ؛ فعلى سا

(١٤) أن فى : بأن فى ط ؛ فى أن م

(١٥) إليه : + وتفهمه ط. (١٦) وهذه : وهذا ط

(١٧) منها (الأولى والثانية) : منه د ، سا ، ط.

(١٨) منها (الأولى والثانية) : منه د ، سا ، ط.

(١٩) يشتدان ... ذينك : ساقطة من سا

(٢٠) غير ذينك : يحاذيك د ، م. (٢١) هذه : هذا د ، سا ، ط

(٢٢) منهما : ساقطة من م (٢٣) لا يظهر : يظهر د

(٢٤) وفيما : وما سا

(٢٥) بعيد : ساقطة من م.

٥٥

فهذا مقدار معرفتى من أمر القوس وسائر ما بقى فيه (١) يجب أن يطلب من عند غيرى.

وأما الشميسات فإنها خيالات كالشموس عن مراى ، (٢) شديدة (٣) الاتصال والصقالة ، تكون (٤) فى جنبة الشمس ، فتؤدى شكلها ولونها (٥) ، أو تقبل ضوءا شديدا فى نفسها ، (٦) وتشرق على غيرها بضوئها ، وتعكسها أيضا. وأما النيازك فإنها أيضا خيالات فى لون قوس قزح ، إلا أنها ترى مستقيمة ، لأنها تكون فى جنبة الشمس يمنة عنها (٧) أو يسرة لا تحتها ولا أمامها. (٨) وسبب استقامتها أنها (٩) إما أن تكون قطعا صغارا من دوائر كبار فترى (١٠) مستقيمة لا سيما إذا توالت من (١١) سحب ، وإما لأن مقام الناظر وأوضاع السحب بحيث يرى المنحدب مستقيما. وليس ما يقال فيها إنه عن سحابتين (١٢) أيضا أو أكثر بشيء (١٣) ، كما ليس (١٤) ما قيل من ذلك فى القوس بشيء. ولو كان بحسب (١٥) اختلاف سحب لاتفقت (١٦) مداخلة (١٧) الألوان عن تركيب (١٨) الأصباغ مختلفة الأشكال والوضع من الشمس واحد. وقلما تكون هذه عند كون الشمس فى نصف النهار ، بل عند الطلوع والغروب ، لا سيما (١٩) عند الغروب ، ففى ذلك الوقت يكثر تمدد (٢٠) السحاب. وكثيرا ما تتفق لهذه أن تساير الشمس طالعة وغاربة ، وذلك (٢١) لأن الشمس فى هذا الوقت تحلل السحاب الرقيق فى الأكثر. وهذه الشميسات (٢٢) تدل على المطر ، لأنها تدل على وفور أبخرة رطبة. قال بعضهم : إنها إن كانت شمالية عن الشمس قلت دلالتها هذه ، وإن كانت جنوبية اشتدت. وقد غفل هذا عن أن السحب التي عنها (٢٣) تتأدى هذه الخيالات لا يبلغ بعدها عنا أن يتميز ما بين شماليها عن جنوبيها ؛ (٢٤) وأنه (٢٥) لا يبعد أن يكون ما هو شمالى عندنا يصير جنوبيا منا عن فراسخ قريبة ، والجنوبى (٢٦) شماليا.

__________________

(١) فيه : ساقطة من ب ، م. (٢) مراى : مرايا ب ؛ مرائى ط

(٣) شديدة : شديد د ، سا ، ط ، م. (٤) تكون : ترى سا (٥) ولونها : أو لونها ط

(٦) نفسها : أنفسها ط. (٧) عنها : عنه د ، سا

(٨) لا تحتها ولا أمامها : لا تحته ولا أمامه د ، سا ، ط

(٩) أنها : ساقطة من ط (١٠) فترى : وترى سا (١١) من : فى د ، سا ، ط

(١٢) سحابتين : ب ، د ، سا

(١٣) بشيء : ساقطة م ن م (١٤) ليس : ساقطة من م

(١٥) بحسب : بحب م (١٦) لا لاتفقت : لا تقف سا

(١٧) مداخلة : بداخله ط (١٨) عن تركيب : مركبة د ، سا ، ط.

(١٩) لا سيما : ولا سيما د ، ط (٢٠) تمدد : تجدد ب ، م

(٢١) وذلك : ساقطة من سا (٢٢) الشميسات : الشمسيات ط

(٢٣) عنها : ساقطة من م. (٢٤) شماليها عن جنوبيها : شمالها عن جنوبها ط

(٢٥) وانه : وأن د.

(٢٦) والجنوبى : والجنوب ط.

٥٦

وقد حاول بعض الطبيعيين فى تعليل ما يرى من القوس تارة نصف دائرة وتارة أقل ، فقال : إن ذلك بسبب أن الشمس إذا كانت فى الأفق كان الذي يليها نصف طوق الشمس ، وإذا ارتفعت جعل (١) ذلك ينقص شيئا. وهذا شىء لم أفهمه ، (٢) ولا اشتهيت أن أفهمه. (٣)

والقمر قد يحدث قوسا خياليا ؛ لا يكون له ألوان ، وذلك لأنه لا يكون فى العالم من الضوء ليلا ما يكون نهارا ، حتى يرى ضوء ينعكس (٤) رؤية ضعيفة مغلوبة بالضوء الساطع فى النواحى ، فيرى بعضه مثلا أحمر ، وبعضه بالخلاف ؛ بل الأشياء البراقة ، والمضيئة (٥) ، والعاكسة للنور ، ترى فى الليل رؤية (٦) واضحة جدا ، غير مغلوبة بضوء غالب. ولذلك ما كانت النار ترى فى النهار حمراء وأرجوانية (٧) منكسرة (٨) النور ، (٩) وترى فى الليل بيضاء منيرة ، وذلك بسبب غلبة ضوء الشمس فى النهار ، فيكون خيال ضوء القمر فى (١٠) السحاب أضوأ من لون السحاب فى الليل فيرى أبيض ، وخيال ضوء الشمس عن شىء بعيد منه يكون أقل ضوءا (١١) من ضوء النهار فيرى ملونا ، لا شديد الإشراق. وأما قوس الليل فإنه إنما يقع فى الأحيان وعلى سبيل الندرة ، فإنها تحتاج فى تكونها إلى أن يكون النير شديد الإضاءة حتى ينعكس (١٢) منه خياله. فإن الأشياء الضعيفة اللون لا ينعكس عنها ضوؤها (١٣) انعكاسا يظهر. وأن يكون أيضا الجو شديد الاستعداد ، فإنه إن كان قاصرا لم يؤد خيال ما ليس بذلك البالغ فى كيفيته ، وإنما يكون القمر شديد الإضاءة عند ما يتبدر فى الشهر مرة ، فيقل أن يجتمع تبدره والاستعداد التام من الجو ، فلهذا (١٤) لا تتولد قوسه إلا فى الندرة.

__________________

(١) جعل : حصل د

(٢) أفهمه (الأولى) : افهم د ، سا ، ط

(٣) أفهمه (الثانية) : أفهم ط

(٤) ينعكس : منعكس ط

(٥) والمضيئة : المضيئة ط

(٦) رؤية : برؤية ط

(٧) وأرجوانية : وأرجوانيا د ، سا

(٨) منكسرة : منكسر د ، سا ، ط

(٩) النور : اللون سا

(١٠) فى (الثانية) : عن د ، سا

(١١) ضوءا : ضوء ط.

(١٢) ينعكس : لا ينعكس سا.

(١٣) ضوؤها : صورها د ، ط ، م.

(١٤) فلهذا : ولهذا سا.

٥٧

الفصل الرابع

(د) فصل (١)

فى الرياح

وقد حان لنا أن نتكلم فى أمر الرياح ، فنقول : كما أن المطر وما يجرى مجراه إنما يتولد عن البخار الرطب ، فكذلك الريح وما يجرى مجراها تتولد عن البخار اليابس الذي هو الدخان. ويتولد عنه على وجهين : أحدهما أكثرى والآخر أقلى. أما الأكثرى فإذا (٢) صعدت أدخنة كثيرة إلى فوق ، ثم عرض لها أن ثقلت فهبطت (٣) لبرد أصابها ، أو لأنها (٤) قد حبستها (٥) حركة الهواء العالى عن النفوذ ، فرجعت تارة مطيعة لحركة ذلك الهواء فى جهة ، وتارة فى جهة أخرى. وذلك أنه ليس يلزم فى المندفع تارة مطيعة لحركة ذلك الهواء فى جهة ، وتارة فى جهة أخرى. وذلك أنه ليس يلزم فى المندفع الى فوق ما ظنه بعض المتشككين (٦) أنه إذا ضغط (٧) من فوق إلى أسفل بحركة معارضة ، يكون لا إلى أسفل ، بل إلى جهة أن يلزم تلك الجهة. فربما أوجبت هيئة صعوده وهيئة لحوق المادة به أن ينكس إلى خلاف جهة المتحرك المانع ، (٨) كالسهم يصيب جسما متحركا إلى جهة (٩) فيعطفه تارة إلى جهته ، إن كان الحابس كما يقدر على (١٠) صرف المتحرك عن متوجهه ، يقدر أيضا على صرفه الى جهة حركة نفسه ، وتارة إلى خلاف تلك الجهة ، إذا كان المعاوق يقدر على الحبس ولا يقدر على الصرف.

فلهذا السبب ما توجد الريح بعد صعودها مائلة فى حركتها النازلة إلى جانب وجانب ، وربما اضطرها أيضا إلى ذلك هيئة ما يتصعد من (١١) تحت ، فخصص (١٢) لها ذلك جانبا ؛ ومنعها من أن تنزل سافلا على الاستقامة ، وهذا الجنس من الرياح فى أكثر الأمر تتحرك قبلها سحب ، ثم تهب هى. وكثيرا ما رأينا الأبخرة والأدخنة المتصعدة من الأتونات وما يجرى مجراها ، يعرض لها أن تنزل من أقصى الجو بعد ارتفاعها ، والجو سجسج ، (١٣) فينذر بهبوب رياح عاصفة.

__________________

(١) فصل : الفصل الرابع د ، م ؛ فصل ٤ ط

(٢) فاذا : ساقطة من م. (٣) فهبطت : وهبطت م

(٤) أو لأنها : ولأنها ط (٥) حبستها : حبسها ب ، د ، سا ، م

(٦) المتشككين : المتشكين م.

(٧) ضغط : أضغط ط

(٨) المانع : التابع ط ؛ المنافع م

(٩) جهته : جهة ب ، م.

(١٠) على (الأولى) : ساقطة من م.

(١١) من : + صعود مادتها بخ

(١٢) فخصص : يخصص م.

(١٣) سجسج : سجيج ط ؛ شبح م [السجسج ، الهواء المعتدل بين الحر والبرد (اللسان)].

٥٨

وهذه الرياح التي تصرف الأدخنة من غير قسر ، (١) فهى فى أكثر الأمر لا تكون (٢) قوية فى ابتداء وصولها. وكان أصحابنا يتأملون ذلك وينذرون بحدوث رياح قوية فى الوقت فيصيبون ، ويتعجب الحاضرون. فهذا هو الأمر الأكثرى فى تولد الرياح.

ومن الرياح أيضا ما يتولد قبل انتهاء الأدخنة إلى معاوقة (٣) الحركة العالية (٤) ، وقبل انتهائها إلى حيز التبريد. وذلك حين ما تكون هذه الأدخنة (٥) المتصعدة تنصرف إلى جهة ما انصرافا قويا ، لعلة غير الوصول إلى العلو المحض. وذلك إما لأن لها منفذا متعرجا فى التصعد ، وإما لرياح (٦) باردة هابة فوقها تمنعها عن الارتقاء وتصرفها من حيث تلاقيها إلى أولى الجهات بوضعها ، وإما لرياح أخرى تلتقى بها. ويتفق أن تتلاحق أيضا أدخنة أخرى تمدها ، إما من مصعدها ، وإما من منابع (٧) أخرى ، فتتصل (٨) بها كالعيون للأودية. فحينئذ تتصل رياح قوية فى تلك الجهة ، لاستمرار الاتصال ، وقوة انجذاب البعض إثر البعض ، وخصوصا إذا أصابها برد يحبسها عن الصعود ، وينقلها ، ويميلها إلى الهبوط منجرة (٩) بعضها إثر بعض.

وربما هبت الريح لحركة (١٠) الهواء وحدها (١١) إذا تخلخل جهة من الهواء (١٢) للسخونة فانبسط فسال له الهواء. لكن الريح بالحقيقة ما يتولد عن الدخان اليابس ؛ ولو كان الهواء مادة الريح ، لما كان يمتد هبوبه زمانا طويلا ؛ بل مقدار ما يحركه شىء أو يخلخله. وكثيرا ما تهب الرياح ، ونحن نعلم أن الشمس قد خلخلت (١٣) فى ممرها (١٤) ما من شأنه أن يتخلخل ، (١٥) وكثيرا ما تهب رياح من جهات مقابلة للجهات التي منها يتوقع ما يكون من خلخلة الشمس.

ومما يدل على أن مادة الريح غير مادة المطر ، الذي هو البخار الرطب ، هو أنهما فى أكثر الأمر يتمانعان. والسنة التي يكثر فيها المطر (١٦) لكثرة البخار الرطب (١٧) تقل الرياح ، والسنة التي تكثر فيها الرياح تكون (١٨) سنة جدب وقلة مطر. لكنه كثيرا ما يتفق أن يعين المطر (١٩) على

__________________

(١) قسر : أن تنشرط ؛ نشر م

(٢) لا تكون : تكون ب ، م ؛ ليس تكون ط.

(٣) معاوقة : معاقد ط ، معاونة م

(٤) العالية : الغالبة ب (٥) الأدخنة : الأرض م

(٦) وإما لرياح : أو لرياح ط ، م

(٧) منابع : منافع م (٨) فتتصل بها : فتصل به سا ، م ؛ فتنحل به ط

(٩) منجرة : محيرة م. (١٠) لحركة : بحركة ط

(١١) وحدها : وحده د (١٢) وحدها ..... الهواء : ساقطة من م

(١٣) خلخلت : خلخل ب ، د ، سا ، ط

(١٤) ممرها : ممره ب ، د ، سا ، ط (١٥) يتخلخل : يخلخله د ، سا.

(١٦) المطر : الأمطار ب ، د ، سا (١٧) الرطب : ساقطة من م

(١٨) تكون : ساقطة من م (١٩) يعين : بعض م.

٥٩

حدوث الريح تارة (١) بأن يبل الأرض ، فيعدها لأن يتصعد منها دخان ، فإن الرطوبة تعين على تحلل (٢) اليابس وتصعده ، وتارة بما يبرد البخار الدخانى فيعطفه ، كما أنه قد يسكنه بمنع حدوث البخار الدخانى وقهره (٣) والريح أيضا كثيرا ما تعين على تولد المطر بأن تجمع السحاب أو بأن تقبض برودة السحاب إلى باطن ، للتعاقب المذكور أو تعين على تحلل ما فيه من البخار الدخانى ، أو تكون متولدة عن المنفصل منه (٤) من البخار الدخانى فيبرد بانفصاله. (٥) (٦) وإن كانت باردة أعانت أيضا بالتبريد. وأما فى أكثر الأمر فإن المطر يبل البخار (٧) الدخانى ويثقله ويجمده ويمنعه أن يصعد أو يتصل بعضه ببعض. فإذا نزل بثقله المستفاد عن الترطيب ، ضعفت (٨) حركته. وكذلك الريح فى أكثر الأمر تحلل (٩) السحاب وتلطف مادته بحرارتها ، أو تبدده بحركتها.

وبالجملة فإن مبادئ هبوب الرياح (١٠) كيف كانت توجب الصحو بما (١١) تبدد. وليس يمكن عندى أن نعطى الرياح المختلفة أحكاما فى المعونة على المطر أو الصحو كلية (١٢) بحسب البلدان كلها ، بل يجب أن يختص (١٣) بالبقاع المختلفة لها أحكام خاصة. (١٤) والرياح المولدة للسحاب تسمى رياحا سحابية ، واسم الرياح السحابية يقع فى الأكثر ، بحسب عاداتنا (١٥) على هذه الرياح وقد يقال رياح (١٦) سحابية ، وخصوصا (١٧) فى القديم ، لما كان من الرياح ينفصل عن (١٨) السحاب إلى ناحية الأرض ، ولأنها منضغطة مقسورة فهى قوية العصف (١٩) جاعفة (٢٠) مغرقة. والزوبعة أكثرها من الرياح السحابية الثقيلة الرطبة التي تندفع إلى فوق (٢١) فتصدم سحابة فتلونها وتصرفها فتستدير نازلة ؛ وهذه أردأها. وربما زادها (٢٢) تعرج (٢٣) المنافذ التفافا وتلولبا ، (٢٤)

__________________

(١) تارة : ساقطة من د ، سا ، م

(٢) تحلل : تخلخل ب (٣) وتارة : ... وقهره : ساقطة من م.

(٤) منه : منها د ، سا ، ط (٥) أو تكون ... بانفصاله : ساقطة من م.

(٦) بانفصاله : بانفصالها د ، سا ،

(٧) البخار : السحاب م. (٨) ضعفت : ضعف ب ، ط ، م

(٩) تحلل : يتحلل ط (١٠) الرياح : الريح سا

(١١) بما : لما د ، سا ، ط ، م

(١٢) كلية : كليته ط (١٣) يختص : يخص ط

(١٤) خاصة : خاصية ب ، د ، م (١٥) عاداتنا : عادتها ط ؛ عادتنا د ، سا ، طا

(١٦) رياح : ريح ب ، د ، سا (١٧) وخصوصا فى القديم : ساقطة من ب

(١٨) عن : من د ، سا ، ط ، م (١٩) العصف : العصوف د ؛ الضعف م

(٢٠) جاعفة : جاحفة ب ؛ صاعقة د [جعفه كمنعه صرعه كأجعفه والشجرة قلعها : هامش ط]

(٢١) فوق : أسفل د ، سا ، ط ، م (٢٢) زادها : زاد لها ط.

(٢٣) تعرج : تفرج ب ؛ تعوج د ، سا (٢٤) وتلولبا : وتلوياب ، ط ؛ وتأريباد.

٦٠