الشّفاء ـ طبيعيّات

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الدكتور محمود قاسم
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: گل‌وردى
الطبعة: ٢
ISBN: 978-600-161-072-1
الصفحات: ٩٤

وأما الشب والنوشادر فمن جنس الأملاح ، إلا أن نارية النوشادر أكثر من أرضيته ، فلذلك يتصعد بكليته ، فهو ماء (١) خالطه دخان حار لطيف جدا كثير النارية ، وانعقد باليبس.

وأما الكباريت فإنها قد (٢) عرض لمائيتها أن تخمرت بالأرضية والهوائية تخمرا شديدا بتخمير الحرارة حتى صارت دهنية ، ثم انعقدت بالبرد.

وأما الزاجات فإنها (٣) مركبة من ملحية وكبريتية وحجارة ، وفيها (٤) قوة بعض الأجساد الذائبة. وما كان منها مثل القلقند والقلقطار فكونها (٥) من جلالة الزاجات ، وإنما تنحل منها الملحية مع ما فيها من الكبريتية ، ثم تنعقد وقد استفادت قوة معدن أحد الأجساد ؛ فما استفاد من قوة الحديد احمرّ واصفرّ كالقلقطار وما استفاد من قوة النحاس اخضر ، ولذلك ما أمكن (٦) أن تعمل هذه بالصناعة. (٧)

وأما الزئبق فكأنه ماء خالطته (٨) أرضية لطيفة جدا كبريتية مخالطة شديدة ، حتى أنه لا ينفرد منه سطح لا يغشاه (٩) من تلك اليبوسة شىء. فلذلك لا يعلق (١٠) باليد ، ولا ينحصر أيضا انحصارا شديدا بشكل ما يحويه ؛ بل (١١) يثبت على شكل ما ؛ اللهم إلا (١٢) أن يغلب. وبياضه من صفاء تلك المائية ، وبياض الأرضية اللطيفة التي فيه وبممازجة الهوائية (١٣) إياه. ومن شأن الزئبق أن ينعقد بروائح الكباريت ، (١٤) ولذلك يمكن أن يعقد بالرصاص أو رائحة الكبريت بسرعة ، فيشبه (١٥) أن يكون الزئبق أو ما يشبهه هو عنصر جميع الذائبات ، فإنها كلها عند الذوب تصير إليه ؛ لكن أكثر ما يكون ذوبه بعد الحمى ، فيرى زئبقه محمرا. وأما الرصاص فلا يشك مشاهده إذا ذاب أنه زئبق ، لأنه يذوب قبل الحمى ، وإذا حمى فى الذوب كان لونه كلون (١٦) سائر الذائبات. أعنى فى الحمرة النارية. ولذلك ما يعلق الزئبق بهذه الأجساد كلها ، لأنه من جوهرها. لكن هذه الأجساد يختلف

__________________

(١) فهو ماء : مهما بخ.

(٢) قد : ساقطة من د ، سا ، م.

(٣) فإنها : فلأنها ب

(٤) وفيها : فيها ب.

(٥) فكونها : فتكونها ط.

(٦) ما أمكن : أمكن م

(٧) هذه بالصناعة : بهذه الصناعة ب

(٨) خالطته : خالطه ب

(٩) لا يغشاه : لا يغشيه ب ، د.

(١٠) لا يعلق : لا يعلو د ؛ لا يتعلق ط.

(١١) بل : + له أن د ، سا ، ط ، م

(١٢) إلا : ساقطة من ب.

(١٣) الهوائية : الهواء ب.

(١٤) الكباريت : الكبريت د.

(١٥) يشبهه : أشبهه سا.

(١٦) كلون : لون ط.

٢١

تكونها عنه بسبب اختلاف الزئبق ، وما يجرى مجراه فى نفسه ؛ وبسبب اختلاف ما يخالطه (١) حتى يعقده. فإن كان الزئبق نقيا وكان ما يخالطه فيعقده (٢) قوة كبريت أبيض غير محرق ولا درن ، بل هو أفضل مما يتخذه (٣) أهل الحيلة (٤) ، كان منه الفضة. وإن (٥) كان الكبريت (٦) مع نقائه (٧) أفضل من ذلك وأنصع ، وكان فيه قوة صباغية (٨) نارية لطيفة غير محرقة أفضل من الذي يتخذه أهل الحيلة ، عقده ذهبا. ثم إن كان الزئبق جيد الجوهر ، ولكن الكبريت الذي يعقده غير نقى ، بل فيه قوة احتراقية ، كان منه مثل النحاس. وإن كان الزئبق رديئا دنسا متخلخلا أرضيا ، وكان كبريته نجسا (٩) أيضا ، كان منه الحديد. وأما الرصاص (١٠) القلعى فيشبه أن يكون زئبقه جيدا ، إلا أن كبريته ردئ وغير شديد المخالطة ، وكأنه (١١) مداخل (١٢) إياه سانا فسافا ، فلذلك يضر. وأما الآنك فيشبه أن يكون ردئ الزئبق ، ثقيلة (١٣) طينته ، ويكون كبريته رديئا منتنا ضعيفا ، فلذلك لم يستحكم انعقاده. وليس يبعد أن يحاول أصحاب الحيل حيلا تصير بها أحوال انعقادات الزئبق بالكباريت انعقادات محسوسة بالصناعة ، وإن لم تكن الأحوال الصناعية على حكم الطبيعية (١٤) وعلى صحتها (١٥) ، بل تكون مشابهة (١٦) أو مقاربة لذلك (١٧) ، فيقع التصديق بأن جهة كونها فى الطبيعة هذه الجهة ، أو (١٨) مقاربة لها ، إلا أن الصناعة تقصر فى ذلك عن الطبيعة ولا تلحقها (١٩) وإن اجتهدت.

وأما ما يدعيه أصحاب الكيمياء ، فيجب أن تعلم أنه ليس فى أيديهم أن يقلبوا الأنواع قلبا حقيقيا ، لكن فى أيديهم تشبيهات حسية ، حتى يصبغوا (٢٠) الأحمر صبغا أبيض شديد الشبه بالفضة ، ويصبغوه صبغا أصفر شديد الشبه (٢١) بالذهب ؛ وأن يصبغوا الأبيض أيضا

__________________

(١) ما يخالطه : يخالطه م (٢) فيعقده : فيعقد د ، ط ، م.

(٣) يتخذه : يتخذ سا ، ط ، م (٤) الحيله : + منه سا ، ط

(٥) وإن : فإن د ، سا ، ط ، م (٦) الكبريت : بالكبريت ط

(٧) نقائه : نقصايه م (٨) صباغية : صباغة سا ، ط ، م.

(٩) نجسا : نجيبا د. (١٠) الرصاص : + الجيد بخ.

(١١) وكأنه : فكأنه ط

(١٢) مداخل : يداخل ط.

(١٣) ثقيلة : منتنة ب.

(١٤) الطبيعية : الطبيعة سا ، ط ، م

(١٥) صحتها : الصحة د ، سا ؛ صحته ط

(١٦) مشابهة : متشابهة ب

(١٧) لذلك : ساقطة من م.

(١٨) مقاربة ... أو : ساقطة من سا.

(١٩) ولا تلحقها : تلحقها م. (٢٠) يصبغها : يصبغ ط.

(٢١) بالفضة ... الشبه : ساقطة من م.

٢٢

أى صبغ شاءوا ، حتى يشتد شبهه بالذهب أو النحاس ؛ وأن يسلبوا الرصاصات أكثر ما فيها من النقص والعيوب ، إلا أن جواهرها تكون محفوظة ، وإنما يغلب عليها كيفيات مستفادة بحيث يغلط فى أمرها ، كما أن للناس أن يتخذوا الملح والقلقند والنوشادر وغيره.

ولا أمنع أن يبلغ فى التدقيق مبلغا يخفى الأمر فيه على الفرهة. (١) (٢) وأما أن يكون الفصل المنوع يسلب أو يكسى ، (٣) فلم يتبين (٤) لى إمكانه ؛ بل بعيد (٥) عندى جوازه ، إذ لا سبيل إلى حل المزاج إلى المزاج الآخر ، فإن هذه الأحوال المحسوسة يشبه أن لا تكون هى الفصول التي بها تصير هذه الأجساد أنواعا ، بل هى عوارض ولوازم وفصولها مجهولة ؛ وإذا كان الشىء مجهولا كيف يمكن أن يقصد قصد إيجاده أو إفقاده. وأما سلخ هذه الأصباغ والأعراض من الروائح والأوزان أو كسوها ، (٦) فهذا (٧) مما لا يجب أن يصر (٨) على جحده ، لفقدان العلم به ، (٩) فليس يقوم البتة برهان على امتناعه. ويشبه أن تكون النسبة التي بين العناصر فى تركيب كل جوهر من هذه المعدودة ، غيرها (١٠) فى التركيب الآخر. وإذا كان كذلك ، لم يعد إليه ، إلا أن يفك التركيب إعادة إياه إلى تركيب ما يراد إحالته إليه. وليس ذلك مما (١١) يمكن بأدائه (١٢) حفظ (١٣) الاتصال ، (١٤) وإنما يختلط (١٥) به شىء غريب أو قوة (١٦) غريبة.

ولنا فى هذا كلام طويل ، لو (١٧) شئنا لقلناه. (١٨) لكن الفائدة فى ذلك قليلة ، (١٩) والحاجة عنه منقطعة فى هذا الباب.

__________________

(١) الفرهة : الفاره ، الحاذق بالشيء [اللسان]

(٢) الفرهة : الفريقة ط.

(٣) يكسى : يكسا م

(٤) يتبين : يبن ب

(٥) بعيد : بعد د ، سا ، م.

(٦) كسوها : كسرها ب

(٧) فهذا : فهذه ب

(٨) يصر : يصبر د ، سا ، م.

(٩) به : + فليس العلم به م.

(١٠) غيرها : غيره ب ، سا ، م ؛ غير د.

(١١) مما : ساقطة من ط

(١٢) بأدائه : بإذابة ب ، د ، ط

(١٣) حفظ : تحفظ ب ، د ، سا ، ط

(١٤) الاتصال : الأفضال ب

(١٥) يختلط : يخلط سا ، م

(١٦) أو قوة : وقوة ط.

(١٧) لو : بل لو ب ، ولوم

(١٨) لقلناه : لقلنا ط

(١٩) قليلة : مقلة ب.

٢٣

[الفصل السادس]

(و) فصل (١)

فى أحوال المسكونة وأمزجة البلاد

وإذ قد (٢) تكلمنا فى حال تكون الجبال ، وما يتفجر فى (٣) الارض من العيون ، وما يحدث فيها من الزلازل ، وما يتكون فيها من المعادن ؛ فبالحرى أن نتكلم فى حال المسكون (٤) كيف هو (٥) من الأرض.

فنقول أولا : إنا كنا (٦) قد أشرنا فيما تقدم إلى أن الواجب بحكم طبيعة الماء والأرض أن تكون الأرض فى ضمن الماء ، ويكون الماء محيطا بها من جميع الجوانب ؛ ولكن الوجود ليس على ذلك ، وليس على (٧) ما هو طبيعى للأرض والماء ، بل ما هو طبيعى لنظام الكل. وذلك أنه لما كان من شأن العناصر أن يستحيل بعضها إلى بعض بأجزائها ، كانت الأرض لو وجدت على ما هو طبيعى لها لم يثبت. لأن فى طبيعة الأرض أن تستحيل أجزاء منها ماء أو نارا ، أو غيرهما (٨) من الجواهر الأخرى. (٩) وتلك الجواهر أيضا قد تستحيل (١٠) أجزاء منها (١١) أرضا ، فما يستحيل من الأرض إلى غيره ينقص من جملة حجم الأرض ، فيلزم ضرورة أن يقع هناك ثلمة فى تدوير الأرض ، وغور إذا (١٢) كانت الأرض يابسة لا تجتمع إلى شكلها الطبيعى ، بل يبقى عليها الشكل المستفاد. وما يستحيل إلى الأرض يكون لا محالة زيادة ونتوّا ملحقا بها ، فلا (١٣) ينبسط (١٤) عليها (١٥) انبساط الماء المهراق على ماء غيره ، حتى يصير منهما (١٦) حجم واحد (١٧) مستدير ؛ فيلزم (١٨) ضرورة أن يتولد على كريّة الأرض تضريس من غور ونجد ، وخصوصا وللكواكب لا محالة تأثير فى إيجاب هذه الإحالة بحسب المسامتات التي تتبدل بحسب حركاتها ؛ (١٩) وخصوصا الثوابت الصائرة تارة إلى الجنوب وتارة

__________________

(١) فصل : فصل ب ؛ الفصل السادس د ، م.

(٢) قد : ساقطة من ب ، د ، سا ، م

(٣) فى (الثانية) : من م. (٤) المسكون : المسكونة ب ، ط ؛ السكون م

(٥) هو : هى ب ، ط (٦) كنا : كانا ب ، م.

(٧) ذلك وليس على : ساقطة من م.

(٨) أو غيرهما : أو غيره ب ، د

(٩) الأخرى : + غير تلك الجواهر د ، سا

(١٠) تستحيل : + أيضا ب

(١١) منها : منه سا. (١٢) إذا : إذ ب ، ط ، م.

(١٣) فلا : لا مماد ؛ لأنها لا سا

(١٤) ينبسط : يبسط ب (١٥) عليها : عليه ط (١٦) منهما : منها ب ، د ، سا ، ط

(١٧) واحد : ساقطة من ب

(١٨) فيلزم : فيلزمه م

(١٩) حركاتها : حركتها د ، سا ، ط ، م.

٢٤

إلى الشمال ، والأوجات والحضيضات المتغيرة فى أمكنتها. فيشبه أن تكون هذه (١) أسبابا عظاما فى إحداث المائية فى جهة أو نقلها (٢) إليها ، وإبطال المائية من جهة أو نقلها (٣) عنها إذ (٤) نقل المائية من جهة إلى جهة إنما يكون بتوسط إحداث المائية فى جهة وإفنائها من جهة ، وإحداثها إنما يكون بتبخير الرطوبة وتصعيدها بالتبخير (٥) إلى جهة خاصة من (٦) الأرض ، وإن كان كل واحد منهما (٧) يعظم ويكثر على الدهر حتى يؤثر فى هيئة شكل الماء لسيلان الماء إلى الغور وكشفه للنجد.

وقد أعان على هذا (٨) أسباب أخرى ، إذ لا بد من حدوث طين بين الماء والأرض ، ولا بد من نفوذ قوة الشمس والكواكب إلى الطين وتحجيرها (٩) إياه إذا انكشف (١٠) حتى تتخلق الجبال ، على ما قلناه. فإذا (١١) كان كذلك ، لم يكن بد من أن يكون بر وبحر ، وفى ذلك حكم إلهية لولاها لم يكن للحيوانات الأرضية التي تعيش بالنسيم مكان طبيعى. فلمثل هذا السبب ما انكشف من الأرض شىء برّا. والأولى أن يكون المستولى على الأرض هو الماء الذي من حقه أن يفيض على كليتها.

ثم أن أصحاب الرصد وجدوا ربع الأرض برا وإذا (١٢) وجد (١٣) هذا ، فمن الذي يطمع فى (١٤) أن يكون غيره برا يعتد به ، إلا جزائر قليلة. فإن انكشاف الربع كثير ، ووجد هذا الربع آخذا فى طوله نصف دور الأرض ، على ما سنوضح هذا فى الفن الذي نتكلم فيه (١٥) على الهيئة ، ووجد عرضه آخذا ربع دور الأرض إلى ناحية الشمال ، حتى يكون الربع الشمالى بالتقريب منكشفا ثم لم يقم برهان (١٦) واضح على أن الأرباع (١٧) الأخرى مغمورة بالماء ، إلا ما يوجبه أغلب الظن بسبب وجوب غمور الماء للأرض. إذ (١٨) الماء بحسب غالب الظن أكثر لا محالة من الأرض أضعافا ، لأنه يشبه أن يكون كل عنصر بحيث لو استحال بكليته إلى عنصر آخر كان مثله ، والماء يتصغر حجمه عند الاستحالة أرضا. وأما أمر كون الشمس

__________________

(١) هذه : هذا م

(٢) أو نقلها (الأولى والثانية) : ونقلها ب.

(٣) أو نقلها (الأولى والثانية) : ونقلها ب.

(٤) إذ : لأن د ؛ لكن سا

(٥) بالتبخير : ساقطة من د ، سا ، م

(٦) من (الثانية): + جهة سا.

(٧) منهما : منها ط ، م

(٨) هذا : هذه ب (٩) وتحجيرها : وتحجيره ب

(١٠) انكشف : انكشفت ط.

(١١) فإذا : وإذا ب ، سا

(١٢) وإذا : وإذ د ، م (١٣) وجد : وجدوا م

(١٤) فى : ساقطة من م (١٥) فيه : ساقطة من ط

(١٦) برهان : البرهان م (١٧) الأرباع : أرباع م

(١٨) إذ : إذا م.

٢٥

فى ناحية الجنوب أقرب (١) إلى الأرض ، ووجوب تسخين قوى بسبب ذلك ، فليس ذلك (٢) مما يقع به تفاوت بعيد (٣) فإن خروج الشمس عن المركز ليس بالكثير ، وليس مما يوجب جزم القول بأن العمارة لا تحتمل أن تكون عنده.

ولنفرض أن ما تحت مدار نقطة الجدى قد يشتد حره ، فليس يبعد أن يكون الإمعان إلى ناحية القطب الجنوبى يتدارك ذلك ، فيكون إمكان العمارة هناك أو غل (٤) من إمكان العمارة فى القطب الشمالى. فهذا الربع يشبه أن يكون حده الجنوبى وهو خط الاستواء مختارا فى أكثر (٥) المواضع على البحر. ويشبه أن تكون العمارة التي تتعدى ذلك إلى الجنوب عمارة لا يعتد بها ، ولا يكون أولئك الناس ناسا يعتد بهم وهم مع ذلك جزيريون ليسوا مقيمين على بر متصل بالبر الأعظم. ثم يشبه أن يكون حده الشمالى حيث ارتفاع القطب ، مثل تمام الميل. ولم يتبين لنا بعد أن مثل ذلك الموضع موضع يصلح لتوالد الناس فيه ولمقامهم الدائم فيه أو لا يصلح لذلك ، بل يمكن أن يسافروا إليه فى الصيف ولا تكثر (٦) هناك (٧) إقامتهم. وعسى أن يكون ذلك الموضع أو ما وراءه إن لم يكن صالحا لأن يتوالد (٨) فيه الناس ، كان صالحا لأن (٩) يتولد فيه حيوانات مخصوصة.

وجميع هذه الأحكام منّى ظنية ، ولا أجزم (١٠) فى شىء منها. فلنضع أولا (١١) أنه لا مانع بسبب البحر ، ولنعتبر المانع إنما هو بسبب قرب الشمس وبعدها الذي هو سبب الحر والبرد ، ولننظر فى الأحكام التي يوجبها ذلك فى الأقاليم.

فنقول : إن قوما جعلوا كرة الأرض مقسومة بخمسة أقسام ، تفصلها دوائر موازية لمعدل النهار. فمن ذلك دائرتان تفصلان (١٢) الغامر (١٣) (١٤) الخراب (١٥) من العالم ، بسبب القرب من القطب وشدة البرد ، إحداهما شمالية والأخرى جنوبية. وهاتان (١٦) تفصلان من الأرض قطعتين طبليتين تحيط بكل واحدة منهما طائفة من محيط الكرة وسطح مستقيم ،

__________________

(١) أقرب : ساقطة من د

(٢) بسبب ذلك : بسببه د ، سا ، ط ، م

(٣) بعيد : يعتد به سا ، ط

(٤) أوغل : أوغلى م (٥) أكثر : الأكثر م

(٦) ولا تكثر : ولا تمكن ب ، ولا يمكن طا

(٧) هناك : هنا ط (٨) لأن يتوالد : لا يتوالد م

(٩) لأن (الثانية) : أن د ، سا

(١٠) أجزم : جزم د

(١١) أولا : ساقطة من د ، سا.

(١٢) تفصلان : مفصلان ط

(١٣) الغامر : الغامر من الأرض والدور خلاف العامر [اللسان]

(١٤) الغامر : العامر سا ، ط ؛ + من م

(١٥) الخراب : والخراب د ، ط

(١٦) وهاتان : وهذان ب ، ط.

٢٦

والحد المشترك بينهما دائرة. وأما الحد بين الغامر والعامر من جهة الحر عندهم ، فهو ما بين البلاد التي تكون خارجة عن مجاز (١) الشمس إلى الأرض المحترقة التي تحاذيها الشمس بمدارها ، فتسخنها تسخينا لا يحتمل عندهم الحيوان المقام فيه. وهو مكشف بين العمارتين ، فتكون الأرض المحترقة محدودة بدائرتين شمالية وجنوبية تليهما من جهة القطبين (٢) عمارتان ، فتكون ثلاثة قطوع دفيّة يحيط (٣) بكل واحد منها من الجانبين سطحا دائرتين ، ويصل بينهما سطح دفى ، وكذلك تكون هيئة العمارتين. لكن السطحين المحيطين بكل واحد (٤) منهما لا يكونان متساويين ، (٥) بل الذي يلى القطب يكون أصغر. وأما سطحا دفّ الأرض المحترقة عندهم فمتساويان.

فهذا هو قول قدماء المشائين ، وليس التحقيق والوجود على ما حكوه. فإن هاهنا بلادا عروضها أقل من الميل ، والشمس تسامت الرءوس فيها مرارا ، وهى عامرة. وقد وجدت بلاد تقرب من خط الاستواء ، بل قد (٦) دوّن الثقات أحوال بلاد موضوعة فى خط الاستواء ومنها سرنديب. (٧) والقياس يجوّز ، بل يوجب أن تكون بقعة خط الاستواء أصلح المواضع للسكنى وأولاها بالاعتدال ، ولكن ذلك لا يفهم إلا بعد تقديم مقدمات ، فإنه يجب ان تتحقق أسباب شدة تسخن الجو وأن تعرف أيضا كيفية ملاءمة ذلك للسكان وغير ملاءمته.

فنقول : بالحرى أن يكون السبب الأول فى سخونة الجو الذي يلينا هو الشمس وليس ذلك لأن الشمس حارة ، ولا لأن الشمس تقهر شيئا من النار وتنزله ، ولا لأن الشعاع شىء نارى ينفصل منه. فقد علمت أن للفلك طبيعة ، بحيالها غير هذه (٨) الأربع ، وعلمت من خلال ما مضى لك أنه لا يجوز أن يكون الشعاع الشمسى يقهر النار إلى الهبوط ، وستعلم أيضا أن الشعاع ليس جسما أو قوة تأتى منتقلة من الشمس إلى الأرض مارة فى الوسط ؛ بل هو شىء يحدث فى المقابل القابل للضوء دفعة إذا توسط بينهما جسم لا يمنع (٩) فعل ذلك فى هذا (١٠) بالموازاة ؛ وذلك الجسم (١١) هو الشاف. لكن الجسم القابل للحر ، إذا أضاء سخن ،

__________________

(١) مجاز : ممار طا

(٢) القطبين : القطعتين م

(٣) يحيط : محيط ط

(٤) واحد : واحدة ط ، م

(٥) متساويين : مساويين ب

(٦) قد : ساقطة من م

(٧) سرنديب : سريب سا ؛ سرانديب ط

(٨) هذه : هذا ط.

(٩) جسم لا يمنع : ساقطة من م

(١٠) فى هذا : وهذا م

(١١) الجسم (الأولى) : بالجسم م.

٢٧

وكلما اشتدت الإناءة اشتد الحر. (١) وليست الحرارة إنما تشتد فى الصيف بسبب أن الشمس تصير أقرب مسألة منا ؛ بل هى أبعد حينئذ مسافة ، لأنها أوجية ، لكنها فى الصيف أقرب مسامتة ، وهى فى الشتاء أقرب مسافة وأبعد مسامتة. والشعاع الذي يقع من الشمس يكون كأنه شىء يفيض منه على صورة مخروط أو اسطوانة مثلا ، وتكون واسطته ، وهو الذي لو توهمناه شيئا متصلا بين الشمس وبين المستضيء ، كان خارجا من مركز الأرض ، نافذا فى وسط تلك (٢) الصورة كالمحور أو كالسهم ؛ هى أشد المواضع تسخينا لأنه أشد المواضع إنارة ، لأن الأطراف أضعف فى التأثيرات من الواسطة المكتنفة من كل جهة بالسبب المقوى ، (٣) فما يسقط عليه هذا السهم المتوهم يكون أشد إضاءة (٤) فلذلك يكون أشد سخونة ، وما يبعد عن هذا السهم يكون أقل اضاءة فيكون أقل سخونة (٥) ، أعنى السخونة التي تلزم من نفس المسامتة المضيئة فقط.

والذي يقال من أمر التفاف الأشعة ورجوعها على زوايا حادة تارة ومنفرجة أخرى ، فهو تشبيه لا حقيقة له (٦). فإن الضوء لا ذات له فى الجو البتة ، وكل ما له ضوء فإنه يرى والجو (٧) لا يرى البتة ، بل هو شاف. لكن (٨) ليس كل ما يسخن (٩) الجو من الشمس إنما هو بهذه المسامنة ، (١٠) وإلا لكان الحر والشمس فى نقطة السرطان أشد منه وهى (١١) فى نقطة الأسد ؛ وليس كذلك ، وإلا لكان الحر والشمس فى نقطة الجوزاء مساويا للحر وهى فى نقطة الأسد ، والحر وهى فى نقطة النور مساويا للحر وهى فى نقطة السنبلة ، وليس الأمر كذلك ، ولكانت البلدان التي هى أقرب إلى مجاز الشمس لا تكون البتة أبرد من البلاد النائية عنه ، (١٢) وقد يكون كثيرا.

وبالجملة فإن الشمس لو كان يجوز لها أن تنتقل دفعة إلى نقطة السرطان ، لكانت لا تسخن البلاد التي تحتها تسخينا شديدا مفرطا ، بل كان يكون إلى حد ما. وهذا مثل

__________________

(١) الحر : الضوء م

(٢) تلك : هذه ب ؛ ذلك ط

(٣) المقوى : القوى ط

(٤) إضاءة : إنارة د ، سا ، ط ، م

(٥) سخونة (الثانية) : إضاءة د ، سا ، م.

(٦) له (الأولى) : لها ط

(٧) والجو : والضوء سا

(٨) لكن : لكنه ط

(٩) ما يسخن : تسخين د ، سا ، ط

(١٠) بل هو شاف ... المسامتة : ساقطة من م

(١١) وهى : وهو ب ؛ والشمس م

(١٢) عنه : عنها د ، سا ، ط ، م.

٢٨

النار التي تدخل بيتا ما دفعة ، فإنها (١) لا تؤثر تأثيرا كبيرا ، وإنما تؤثر بالمداومة ؛ فإن المداومة تزيد كل وقت حرا إلى حر ، وتجعل الهواء أيضا شديد الاستعداد للتسخن. (٢) ولهذا ما تكون الحرارة بعد زوال الشمس فى الصيف أشد منها قبله ، (٣) والنسبة واحدة.

فهذه البلاد التي تلينا يعرض لها أن الشمس تقرب منها بتدريج يتقدمه تسخين (٤) بعد تسخين ؛ (٥) ثم إذا وازاها (٦) وحاذاها ، (٧) عرض أن يقيم عندها مدة (٨) لا تتنحى عن رءوسها ، لأن الميول عند قرب من (٩) المنقلبين تقل وتصغر جدا ؛ ثم إن كانت تسامت الرأس وتجاوزه ، (١٠) عاودت المسامتة عن قريب ، ويكون النهار أيضا طويلا والليل قصيرا ، فيدوم إلحاح الشمس عليها بالتسخين ، لكون مددها متقاربة ومع (١١) ذلك طويلة ، ومع ذلك حافظة لقرب واحد من الشمس ، فيكون الحر متجاوزا للحد.

وأما فى خط الاستواء ، فإن الشمس تبلغ المسامتة دفعة ، لأن الميول هناك تكثر وتتفاوت تفاوتا لا يؤثر إلا أثر المسامتة والمغافصة ، (١٢) ثم تبعد عن سمت الرؤوس بسرعة ، ولا تلح عليها ، وتأخذ كل ساعة تزداد بعدا إلى أن يبعد الميل كله ، غير ملحة ولا لجوج ، (١٣) ويكون النهار مساويا لليل فى الطول والقصر. ثم لا تعود إلى سمت الرأس عن قرب ، (١٤) بل إلى نصف السنة. ثم تكون (١٥) المسامتة خفيفة (١٦) على الجملة المذكورة. ثم تأخذ فى البعد ، فلا يشتد الحر جدا ، لما قلناه ، ولا يشتد أيضا البرد.

وذلك لأن بلادنا وخصوصا حيث نحن ، فقد يكون بعد الشمس فيها عن سمت رءوسنا ضعف الميل ، وزيادة بعد سمت رءوسنا عن مدار البروج. فيعرض برد شديد ، ثم يتعقبه حر شديد ، وتبتلى الأبدان بالانتقال من ضد إلى ضد. وأما هناك فلا ينتقل

__________________

(١) فإنها : فإنه د ، سا ، ط

(٢) للتسخن : للتسخين ط.

(٣) قبله : قبلها د ، سا ، ط

(٤) تسخين : وتسخن ط ؛ وتسخين م.

(٥) تسخين : تسخن ط

(٦) وازاها : زاوتها م

(٧) وحاذاها : وحاذتها م

(٨) مدة : + كبيرة د ، سا ، ط

(٩) من : ساقطة من ب ، د ، سا ، م

(١٠) وتجاوزه : وتجاوز ب ، د ، سا ، م

(١١) ومع : مع م

(١٢) المغافصة : غافص الرجل مغافصة ، أخذه على غرة [اللسان]

(١٣) ولا لجوج : ساقطة من ط

(١٤) قرب : قريب د ، ط ، م

(١٥) تكون : ساقطة من م

(١٦) خفيفة : حقيقية د.

٢٩

من ضد إلى ضد ، بل إنما ينتقل من واسطة اعتدال إلى حد غير بعيد. ولو كان هناك حر دائم وكانت الأبدان هنالك (١) قد نشأت على مزاجه ، لا تنفعل عنه كثيرا ، ولا يعرض (٢) لها خروج بعيد عما نشأت عليه ، لكانت لا تحس بأمر مغير ، فكيف وليس هناك إفراط البتة. وللأبدان ملاءمة لما نشأت عليه ، حتى (٣) لا تنفعل عنه كثيرا. تأمل ذلك فى حال أبدان الترك ، فإنهم لا ينفعلون من برد بلادهم انفعالا شديدا ، ولا الحبشة (٤) ينفعلون من حر بلادهم انفعالا شديدا. وربما كان البدوى بخراسان يشكو البرد ، فى وقت ما يكون الخراسانى يشكو الحر فى وقت واحد. وقد شاهدت هذا ببخارا من حال بدوى حضرها فى ماه أرديبهشت (٥) أو خرداد وقد تسلط بها أكثر الحر وهو يرتعد ويتزمل ويستغيث (٦) من البرد ، وأهل البلد يتأذون من الحر ؛ لأن مزاج (٧) العربى ألف (٨) مزاجا حارا ، وألف (٩) الآخر (١٠) مزاجا باردا ؛ (١١) فيكون ذلك المزاج باردا بالقياس إلى الأعرابى ، حارا بالقياس إلى البخارى بحسب مزاجه الذي له فى ظاهر بشرته.

وأما خط الاستواء ، فتكون الأحوال فيه متقاربة. فمن يكون منشأه فى ذلك المزاج لا يحس البتة بتغير ببلاده (١٢) محسوس ، ويتشابه عنده حال هواء بلده ، ويكون كأنه فى ربيع دائم ، اللهم إلا أن يتفق هناك من أسباب الحر غير ما هو منسوب إلى قرب الشمس وبعدها (١٣) من الأسباب التي نذكرها.

فهذا هو المذهب الصحيح الحق ، فهكذا يجب أن يتصور حال المعمورة ، من (١٤) جهة (١٥) (١٦) تأثير الشمس فيها. لكن البلاد أيضا قد يختلف حرها وبردها بسبب آخر ، وهو أن البلاد المشرفة ، أبرد من الغائرة والتي بينها وبين الجنوب جبال. وناحية الشمال واضحة برية من الجبال ، أبرد من التي الجبال فيها شمالية لسببين : (١٧) أحدهما أن (١٨) الشمس لا يستوى تسخين (١٩)

__________________

(١) هنالك : هناك سا ، ط (٢) ولا يعرض : فلا يعرض ب

(٣) حتى : ساقطة من ط (٤) الحبشة : الحبشية ط

(٥) ماه أرديبهشت : ماه أرديهقت ب ؛ أردبهشت د ؛ أروبهشت سا ، م

(٦) ويتزمل ويستغيث : ويستغيث ويزمل سا ؛ ويزمل ليستغيث م.

(٧) مزاج : المزاج د (٨) ألف : آلف د

(٩) وألف : وآلف د (١٠) الآخر : الآخرون ب ، ط

(١١) وألف ... باردا : ومزاج الأخر ألف مزاجا باردا م (١١) فى : ساقطة من م

(١٢) ببلاده : بلاده ط (١٣) وبعدها : وبعده ط

(١٤) من : ومن سا (١٥) من جهة : ساقطة من د

(١٦) جهة : جهته ط

(١٧) لسببين : بسببين د

(١٨) أن : لأن سا ، ط ، م

(١٩) تسخين : تسخن ب.

٣٠

ما ينعكس عنه حرها بمقابلها ، (١) وما ينعكس (٢) فى جهة مخالفة لها. والثاني من جهة الريح. فإن الشمالية تبرّد ، والجنوبية تسخّن ، وأيهما حبس بسد حبس مقتضاه.

وإذا تشابهت البلاد فى هذه الأحوال فالشمالية أبرد من الجنوبية ، وإن اختلفت (٣) فى هذه الأحوال جاز أن تكون الشمالية أسخن من الجنوبية. (٤) وأما اختلافها فى أنها شرقية وغربية ، فلا يوجب اختلافا فى الحر والبرد إذا كان عرضها (٥) واحدا. والذي قيل : إن الشرقية إنما هى أسخن من الغربية ، بسبب أن الغربية تكون الشمس آخذه عنها فى حركتها ومودّعة إياها ، والشرقية (٦) تكون آخذة إليها فى حركتها ؛ فهو كلام من لا بصر له البتة. فإن كل نقطة من الأرض تأخذ إليها الشمس ، وتأخذ عنها بالسواء ؛ وليس الشرق شرقا والغرب غربا ، إلا بالإضافة ؛ فإن كان الشرق أسخن من الغرب ، فيجب أن يكون السبب فيه البحر الذي خلفه والذي عن الجنوب منه ، فإن الشمس قبل أن توافى سمت الرأس منهم تسامت البحر وتجرى عليه فتثير بخارا حارا كثيرا. (٧) وكذلك إذا حاذت (٨) الناحية (٩) لم تعدم بحرا (١٠) قريبا. والبلاد البحرية تسخن بمجاورة البحر إذا كان بحرها يبخّر كثيرا ، ثم يشتد عنها انعكاس الشعاع إلى البخار بحيث (١١) يؤثر فى البخار ويحميه. وإن لم تكن هذه العلة موجودة كانت مجاورة البحر مما يبرّد بسبب برد الماء.

وأما ناحية (١٢) المغرب ، فالشمس (١٣) لا تأتيها ولها مرور ببحر معتد (١٤) به ؛ بل البحر منهم إلى الغرب (١٥) فى قربهم ، وخليج يأخذ من شماله إلى جنوبه ، ولا يبلغ قرب (١٦) مسامتة منطقة

__________________

(١) بمقابلها : بمقابلتها سا

(٢) وما ينعكس : أو ما ينعكس م.

(٣) اختلفت : اختلف ط.

(٤) فى (الأولى) : ساقطة من ب وإن ... الجنوبية : ساقطة من سا

(٥) عرضها : عرضهما ط ؛ عرضا م

(٦) والشرقية : والغربية م (٧) كثيرا : كثيرة م ؛ ساقطة من ب

(٨) حاذت : حاذى ب ، د ، سا ، ط

(٩) الناحية : + التي ط

(١٠) بحرا : حرا م.

(١١) بحيث ... البخار : ساقطة من م

(١٢) ناحية : ساقطة من ب ، د ، سا ، ط

(١٣) فالشمس : فإن الشمس م

(١٤) معتد : يعتد ب

(١٥) الغرب : المغرب ب ، د ، سا ، م

(١٦) قرب : + من م.

٣١

البروج ؛ ومدار الشمس جنوبى عنهم ، فلا (١) يحاذى الخليج الشمالى ولا يسامته. فإذا (٢) حاذت (٣) البحر الذي وراءهم ، كانت آخذة فى البعد منهم

ومما يجب أن يعلم أن لممرات (٤) الكواكب تأثيرات فى الحر والبرد ، وفى (٥) سائر الأحوال ، وإن كانت مما (٦) لا يدرك. والله أعلم. (٧)

__________________

(١) فلا : ولا ب

(٢) فإذا : وإذا د ، سا

(٣) حاذت : جاوزت ط

(٤) لممرات : للممرات ط

(٥) وفى : فى م

(٦) مما : ساقطة من ب

(٧) والله أعلم : ساقطة من ب ، سا ، ط ؛ تمت المقالة الأولى من الفن الخامس من جملة الطبيعيات بحمد الله وحسن توفيقه د.

٣٢

المقالة الثانية

وهى تشتمل على الأحداث والكائنات التي لا نفس لها ؛

مما يكون فوق الأرض. وهى ستة فصول

٣٣
٣٤

[الفصل الأول] (١)

(ا) فصل

فى السحب وما ينزل منها وما يشبه ذلك

فنقول أولا : فى كيفية تولد السحاب : إن السحاب جوهر بخارى متكاثف طاف فى الهواء ، ومن شاء أن يتأمل ذلك أمكنه ، إذا حصر الجبال الشامخة ، وتأمل تكوّن السحاب فيها. وهذا الجوهر البخارى كأنه متوسط بوجه ما بين الماء والهواء ، فلا يخلو إما أن يكون ماء قد تحلّل وتصعّد ، أو يكون هواء قد تقبض واجتمع. وقد يعرض تكون السحاب من كلا الوجهين جميعا. وذلك أنا كثيرا ما شاهدنا الهواء يبرد فى أعالى الجبال الباردة فينقبض (٢) بعد الصحو سحابا دفعة ، ثم يثلج. وقد شاهدت هذا بجبل طبرستان عند ويمة وبجبال طوس. (٣) وأما تصعد البخار وانعقاده سحابا ماطرا ، فذلك أمر قد شاهدناه كثيرا فى كل البلاد الجبلية. وهذا البخار ليس يحتاج كل مرة أن يبلغ الموضع البارد الشديد البرد فى الجو ، فقد (٤) شاهدنا البخار وقد (٥) صعد فى بعض الجبال صعودا يسيرا حتى (٦) كأنه مكبّة موضوعة على وهدة تحتها قرية ، إحاطة تلك الوهدة لا يبلغ نصف فرسخ.

وكنا نحن فوق تلك الغمامة فى الصحو (٧) وكان الهواء خريفيا (٨) ليس بذلك البارد جدا ، فكان أهل القرية يمطرون من تلك الغمامة. فعلمنا أن البخار كثيرا ما يؤدى به تكاثفه وتواتر مدده وبطء حركته المصعدة إياه إلى فوق ، فيحوج إلى أن يتكاثف ويقطر مثل المعصور ، وربما أحوجته الرياح إلى ذلك إما مانعة (٩) إياه عن الصعود بحركتها فوق ، (١٠) وإما ضاغطة إياه إلى الاجتماع بسبب وقوف جبال حائلة قدام الريح أو بسبب اختلاف رياح متقابلة ، وإما لإلحاق المتأخر بالمتقدم (١١) الواقف وإلصاقه (١٢) به من غير أن يكون حاجز من قدام ، وإما لشدة بردها فيكثف (١٣) به السحاب.

__________________

(١) فصل : فصل أب ؛ الفصل الأول م

(٢) فينقبض : فيقبض ط

(٣) طوس : + أيضا د

(٤) فقد : وقد ب

(٥) وقد : قد ط

(٦) حتى : + كان م

(٧) الصحو : الشمس ب ؛ الصبح د ، سا ، م

(٨) خريفيا : خريفا م

(٩) مانعة : المانعة د ، سا ، م ؛ لممانعة ط

(١٠) بحركتها : لحركتها سا

(١١) بالمتقدم : بالمقدم م

(١٢) به : ساقطة من م

(١٣) فيكثف : فكثف ب.

٣٥

وإنما يكثر المطر بأرض الحبشة مع حرارتها لاندفاع الأبخرة إليها وانضغاطها فى جبالها وهى (١) بين يدى رياحها. وأما فى أكثر الأمر فإن الأبخرة تتصعد وتعلو إلى الحيز البارد من الهواء فتبرد (٢) ويعين ذلك انفصال ما ينفصل عنها من الدخان الحار اليابس الذي نذكره. وقد شاهدنا ذلك الانفصال على بعض قلل (٣) الجبال. فإذا بردت بالسببين انعقدت هناك غماما ، ثم يستحيل ماء فيثقل فينزل. والدّيمة (٤) والوابل (٥) إنما تكون من أمثال هذه الغيوم. وأما ما كان من جنس الغيوم الأولى ، فإنها تصب شيئا وتنقشع ، وإنما مثلها مثل الطل ، فإن الطل ليس يتكون (٦) من سحاب (٧) ، بل من البخار اليومى المتباطئ الصعود (٨) القليل المادة إذا أصابه (٩) برد الليل وكثفه وعقده ماء ينزل (١٠) نزولا ثقيلا فى أجراء صغار جدا لا نحس بنزولها إلا عند اجتماع شىء يعتد به ، فإن جمد كان صقيعا.

وهذا السحاب يعرض له كثيرا أنه كما (١١) يأخذ فى التكاثف ، وفى أن (١٢) يجتمع فيه (١٣) حب القطر ، يجمد ولم تتخلق الحبات بحيث تحس (١٤) فينزل جامدا فيكون ذلك هو الثلج ، ونظيره من البخار الفاعل للطل هو الصقيع. وأما إذا جمد بعد ما صار ماء وصار حبّا كبارا ، فهو البرد. وأكثر البرد إنما (١٥) يكون فى الربيع والخريف ، ولا يكون (١٦) فى الشتاء. وذلك (١٧) لأن البرد الشتوى إن كان شديدا ، (١٨) فعل الثلج ، وأجمد السحاب ، ولا يمهله (١٩) ريثما ينعقد حبا ؛ وإن كان ضعيفا ، لم يفعل شيئا.

وأما فى الربيع والخريف فإن السحاب ما دام لم يتكاثف بعد تكاثفا يعتد به يكون (٢٠) الحر مكتنفا إياه فلا يجمد (٢١) ثلجا ؛ حتى إذا استحكم استحصافه وأحاط به الهواء الحار والرياح القوية الحارة ، هربت البرودة دفعة (٢٢) إلى باطن السحاب ، واستحصف السحاب دفعة

__________________

(١) وهى : ومن د ، سا ، ط ، م

(٢) فتبرد : وتبرد ب ، ط ، م (٣) قلل : تلك م

(٤) والديمة : دامت السماء تديم مطرت ديمة [اللسان]

(٥) والوابل : والوابل م. (٦) ليس يتكون : لا يتكون ب

(٧) سحاب : السحاب سا (٨) الصعود : بالصعود ب

(٩) أصابه : ضربه ب ، د ، سا ، ط

(١٠) ينزل : فنزل ب ؛ فينزل ط ، م

(١١) كما : ساقطة من م (١٢) أن : أنه م (١٣) فيه : منه سا

(١٤) تحس : ساقطة من م

(١٥) إنما : دائما د ، سا (١٦) ولا يكون : لا يكون م

(١٧) وذلك : ساقطة من د ، سا

(١٨) كان شديدا ... وإن : ساقطة من د

(١٩) ولا يمهله : ولم يمهله سا

(٢٠) يكون : فيكون ط ، م (٢١) فلا يجمد : ولا يجمد ب

(٢٢) دفعة (الأولى) : دفعا ط.

٣٦

على ما علمت من التعاقب المشروح فيما سلف صورته. ويكون الاستحصاف (١) قد جمع البخار قطرا ، قد (٢) عرض له استعداد شديد للجمود لخلخلة (٣) الحر إياه. كما أن الماء الحار أسرع جمودا من البارد ، فيجمد وقد صار قطرا كبارا. ولذلك ما يكون البرد (٤) فى الخريف أكثر لأن الصيف يكون قد أفاد الأجسام زيادة تخلخل ، والمتخلخل أقبل لأثير (٥) البرد والحر جميعا. (٦)

ولا يظن (٧) ظان أن البرد يكون أجزاء صغار جامدة ، ثم تتصل فى الجو فإن اليابس الجامد يعسر اتصاله. ولكن السبب ما أشرنا إليه من التحام يقع دفعة لأجزاء السحاب يستحيل به (٨) ماء بغتة ، أو بعد ما انتظم فيجمد حبا كبارا ، أو لأنه ينزل رش مطر. وكلما (٩) يجتمع حينئذ (١٠) يضر (١١) به البرد ، لا سيما إذا وافى حيز الحرارة. فإن الفعل العرضى (١٢) من الحرارة حينئذ ، يكون أشد. على أنه قد يتفق أن يكون من أسباب تكون البرد مغافصة ريح باردة لسحاب (١٣) حار قريب من الأرض فيجمعه (١٤) بحركته جمعا ، وتجمد أجزاؤه ببرده ، وقد شاهدنا (١٥) هذا (١٦) أيضا. (١٧) وما كان من البرد نازلا من سحب بعيدة ؛ يكون قد صغر وذاب واستدار لذوبان زواياه بالاحتكاك فى الجو. وأما الكبار وخصوصا التي لا استدارة فيها ، فهى التي تنزل من سحب دوان. ولو كانت المادة غير جامدة لكان منها المطر المسمى بالقطقط. (١٨) فإن المطر يعرض له أن تكون أجزاؤه فى ابتداء (١٩) تكونه صغارا جدا ثم تجتمع (٢٠) وتكبر ، ويعرض له مرة أخرى فى الانحدار إذا طالت مسافتها أن تنفصل ماء وتتجزأ كالماء. فإنك إذا صببته (٢١) من موضع عال ، وافى القرار وقد تشتت (٢٢) وتفرق. وإنما يصير بردا بعد الاجتماع الأول أو معه.

__________________

(١) الاستحصاف : الاستصحاف ط ؛ الاستصحاب م

(٢) قد : ساقطة من د ، سا

(٣) لخلخلة : بخلخلة ب ، د

(٤) البرد : للبرد ط ، م

(٥) لتأثير : التأثير م

(٦) جميعا : + وحكى أن صيادى السمك فى الشصّ [بالشيص سا] فى البرد الشديد إذا شق عليهم إمساك القصبة الصقوها بمتكإ وصبوا عليها هناك ماء حارا بسرعة ويمسكها بخ ، سا

(٧) ولا يظن : ولا يظنن د ، سا

(٨) به : ساقطة من ط (٩) وكلما : فكما ب ، سا ، ط ؛ وكما م.

(١٠) حينئذ (الأولى) : ساقطة من د

(١١) يضربه : فضربه ط ؛ يصير به م

(١٢) العرضى : العرض د ، م

(١٣) لسحاب : بسحاب سا.

(١٤) فيجمعه : فيجتمع ب (١٥) شاهدنا : شاهدناه ب ، ط

(١٦) هذا : ساقطة من ب.

(١٧) هذا أيضا : ساقطة من ط (١٨) بالقطقط : بالقطقطة م

(١٩) ابتداء : أول ب (٢٠) تجتمع : يجمع ط

(٢١) صببته : أصبته م (٢٢) تشتت : تشتتت ط ؛ تشذب سا ، م.

٣٧

وقد حدّثت (١) أن ببلاد الجبل قطعة (٢) بردة وقعت من السماء فنقلت إلى بدر بن حسنويه تزن كذا منا. ويقل البرد (٣) فى الصيف ، لأن البخار الرطب الثقيل يقل فيه ، وفى الشتاء لأنه يجمد سحابا ، ويكثر فى الخريف ، إذا استفادت (٤) الأرض بلة بالنّشف (٥) وقوى فيها لقلة التحلل وبمعونة (٦) الليل. فإذا تحللت مع قوة من الحرارة معتدلة ، كانت مادة بخارية تصعد إلى (٧) الحيز (٨) المولد للبرد ، ولا تصعد (٩) إلى الحيز (١٠) المحلل لأصل المادة.

فهكذا يتولد المطر والثلج والبرد والمطل والصقيع. وأما الضباب فهو من جوهر الغمام إلا أنه ليس له قوام السحاب فما كان منه (١١) منحدرا من العلو وخصوصا عقيب الأمطار ، فإنه ينذر بالصحو. وما كان منه مبتدئا من الأسفل متصعدا (١٢) إلى فوق ولا يتحلل (١٣) فهو ينذر بالمطر.

ويجب أن تعلم أن نسبة المطر إلى الثلج نسبة الطل إلى الصقيع. وللرياح (١٤) تأثير فى تكون الثلج والصقيع. كما أن لها تأثيرا فى تكون المطر والثلج ، وإن اختلف وجه التأثير. فإن الرياح الشمالية (١٥) تفعل فى الأكثر صحوا لقرب مهابّها منا ، فإنها تجتمع (١٦) فى آخر مهابها. وإنما تولد عندنا الغيوم إذا هبت منا ببعيد ، (١٧) وبالجملة هى رطبة وإن أقشعت. (١٨) والرياح الجنوبية جماعة (١٩) للغيوم عندنا ، وإن كانت طرادة لها فى مبادى مهابّها. لكن الشمالى (٢٠) مع ذلك ثلجى والجنوبى (٢١) مطرى والشمالى (٢٢) صقيعى والجنوبى (٢٣) طلى ؛ إلا فى بلاد بنواحى (٢٤) طوس (٢٥) فإن الشمالى (٢٦) بها لم يبرد بعد لأنها مبتدئة ، والجنوبى (٢٧) قد برد (٢٨) بما (٢٩) اجتاز (٣٠) عليه.

__________________

(١) أن : أنه حدثت م (٢) قطعة : ساقطة من م (٣) ويقل البرد ... لأصل المادة : ساقطة من م.

(٤) استفادت : استعادت د ، سا

(٥) بالنشف : أصل النشف بسكون الشين دخول الماء فى الأرض والثوب [اللسان].

(٦) وبمعونة : ولمعونة د ، سا ، ط. (٧) تصعد إلى (الأولى) : تجد د ، سا ، ط

(٨) الحيز : الحر سا ، ط (٩) ولا تصعد : ولا تجد د ، سا ، ط

(١٠) إلى الحيز المحلل : الحيز المحلل د ؛ الحر المحلل سا ، ط.

(١١) منه : ساقطة من ب ، م (١٢) متصعدا : ومتصعدا د ، سا

(١٣) ولا يتحلل : لا يتحلل ط ؛ ولا ينحل م. (١٤) وللرياح .. والصقيع : ساقطة من ط

(١٥) الشمالية : السمائية م (١٦) تجتمع : تجمع د ، م

(١٧) ببعيد : ببعد سا ، ط (١٨) أقشعت : انقشعت ط.

(١٩) جماعة : جرّعه ط (٢٠) الشمالى : الشمال ب ، د ، سا ، م

(٢١) والجنوبى (الأولى) : والجنوب ب ، د ، سا ، م

(٢٢) والشمالى : (٢٣) الشمال ب ، د ، سا ، م (٢٤) والجنوبى (الثانية) : والجنوب ب ، د ، سا ، م

(٢٥) بنواحى : نواحى ب (٢٦) طوس : قبطوس ب ؛ فيطوس سا ، م ؛ فنطوس ط

(٢٧) الشمالى : الشمال ب ، د ، سا ، م والجنوبى : والجنوب ب ، د ، سا ، م

(٢٨) برد : يبرد د ، سا ، ط ؛ بردت (٢٩) بما : لما د ، سا ، ط ، م

(٣٠) اجتاز : اجتازت م.

٣٨

وإذ قد بينا هذه المعانى فيجب أن نعلم أن جميع الآثار العلوية تابعة لتكون البخار والدخان ، وذلك لأن (١) الحرارة السمائية (٢) إذا أثرت فى البلة الأرضية أصعدت منها أبخرة ، وخصوصا إذا أعانتها حرارة (٣) محتقنة فى الأرض ، فما تصعد من جوهر الرطب فهو بخار وصعوده (٤) بطيء ثقيل ، وما يصعد من جوهر اليابس فهو دخان وصعوده خفيف سريع. والبخار حار (٥) رطب ، والدخان حار يابس ، وقلما (٦) يتصعد بخار ساذج أو دخان ساذج ، بل إنما يسمى الواحد منهما باسم الغالب ، وفى أكثر الأمر فيصعدان من الأرض مختلطين.

لكن البخار ينتهى (٧) تصعده (٨) إلى حد قريب ، والدخان إذا كان قويا انفصل عنه مرتقيا مجاوزا إياه إلى حد النار. وقد شاهدنا انفصال الدخان عن السحاب ، ونحن فى قلل جبال (٩) شاهقة. ورأينا المنفصل الدخانى يخلف سطح السحاب المتراكم من تحت ، ويسرع إلى فوق وهو أسود يشم منه رائحة الحريق. فالبخار مادة السحاب والمطر والثلج والطل (١٠) والجليد ، وعليه تتراءى الهالة وقوس قزح والشميسات (١١) والنيازك. والدخان مادة الريح والصواعق والشهب والرجوم وذوات الاذناب من الكواكب والعلامات الهائلة. وسيرد عليك تفصيل جميع ذلك.

__________________

(١) لأن : أن د ، م

(٢) السمائية : السماوية د ، سا

(٣) حرارة : أبخرة سا

(٤) وصعوده بطيء ... وصعوده : وصعود م

(٥) حار (الثانية) : ساقطة من م

(٦) وقلما : قلما م.

(٧) ينتهى : منتهى ب ، د ، سا

(٨) تصعده : مصعده د ، سا.

(٩) جبال : الجبال ط ، م : ساقطة من سا

(١٠) والطل : + والصقيع د ، ط

(١١) والشمسيات : والشمسيات ط.

٣٩

[الفصل الثاني]

(ب) فصل (١)

فى المقدمات (٢) التي توطأ (٣)

لتعليم (٤) السبب الفاعل للهالة وقوس قزح وسائر ما يشبههما (٥)

فلنقدم أول (٦) شىء ، ولنعرف حال الخيالات التي تتكون (٧) فى الجو ، مثل الهالة وقوس قزح والنيازك والشمسيات ؛ فإن هذه كلها تشترك فى أنها خيالات. ومعنى الخيال هو أن يجد الحس شبح شيء مع صورة شيء آخر ، كما نجد صورة الإنسان مع صورة المرآة ، ثم لا يكون لتلك الصورة انطباع حقيقى فى مادة ذلك الشىء الثاني الذي يؤديها ويرى معها. كما أن صورة الإنسان لا تكون منطبعة (٨) بالحقيقة ولا قائمة فى المرآة ، وإلا لكان لها مقر معلوم ، ولما كانت تنتقل بانتقال الناظر (٩) فيه ، والمرئى ساكن.

والمذاهب (١٠) المعتد بها (١١) فى إدراك البصر لهذه الأشباح ثلاثة مذاهب :

مذهب أصحاب الشعاعات ، وهم يرون أنه يخرج (١٢) من البصر شعاع فيمتد (١٣) هو بنفسه إلى الصقيل الذي هو المرآة ويحيل (١٤) ما يشوبه من الشعاع الذي فى العالم إلى طبعه ويجعله كالآلة له ، (١٥) فيلقى الأملس ، ثم ينعكس عنه (١٦) ما را على الاستقامة ، حتى يلقى شيئا يقابل ما انعكس عنه ، فيدرك معا الأملس الذي هو المرآة وذلك الشىء ، فيخيل عنده أنه يدرك صورة ذلك الشىء فى المرآة.

قالوا : وليس الأمر (١٧) كذلك ، وإلا لما كان المرئى ينتقل عن المرآة بانتقال الرائى ، ولكان (١٨) الرائى لا يرى بعد ما بين المرآة (١٩) وبين (٢٠) المرئى ، والرائى يرى ذلك البعد وإن نظر فى المرآة.

__________________

(١) فصل : فصل ب ، الفصل الثاني د ، م ، فصل ٢ ط.

(٢) المقدمات : المقامات م

(٣) توطأ : يتوطأ ط (٤) لتعليم : لتعلم ط.

(٥) ما يشبههما : ما يشبهها ب ، د ، سا.

(٦) أول : أولا ط (٧) تتكون : تكون سا.

(٨) منطبعة : طبيعية م. (٩) الناظر : التناظر م.

(١٠) والمذاهب : والمذهب ب ، د ، سا ؛ فى المذاهب م

(١١) بها : به ب ، د ، سا.

(١٢) يخرج : مخرج د (١٣) فيمتد : ممتد ط ؛ يمتد م.

(١٤) ويحيل : أو يحيل ب.

(١٥) له : ساقطة من م (١٦) عنه : عليه ب.

(١٧) الأمر : ساقطة من ب ، م.

(١٨) ولكان : ولكن م

(١٩) المرآة وبين : ساقطة من م

(٢٠) وبين : وما بين ط.

٤٠