الشّفاء ـ طبيعيّات

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الدكتور محمود قاسم
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: گل‌وردى
الطبعة: ٢
ISBN: 978-600-161-072-1
ISBN الدورة:

الصفحات: ٢٦٧

الفصل التاسع (١)

فصل فى (٢)

أصناف انفعالات الرطب واليابس

وأما الابتلال والانتقاع والنشف والميعان فلنتكلم فيها ، فنقول.

إن من الأجسام ما يبتل ، ومنها ما لا يبتل. أما الذي يبتل (٣) فهو الذي إذا ماسه جسم (٤) مائى لزمه (٥) منه رطوبة غريبة ؛ والذي لا يبتل فهو الذي إذا ماسه ذلك لم يعرض له هذا العرض. وذلك إما لشدة صقالته ، وإما لشدة (٦) دهنيته. على أن الدهنية تفعل (٧) ذلك بما يحدث هناك من الصقالة. فإن الصقيل ، لاستواء سطحه ، تزلق (٨) عنه الرطوبة إلى جهة تميل إليها بالتمام. وأما غير الصقيل فتلزم (٩) الرطوبة ما فيه من المسام ، ثم يتصل (١٠) ذلك اللزوم ، فيحصل منه شىء كثير على وجهه.

وأما (١١) الانتقاع فأن يغوص الرطب فى جوهره (١٢) ، فيحدث فيه لينا ، مع تماسك. فإنه إن لم يحدث فيه لينا لم يقل (١٣) منتقع. (١٤) وإن انحل لم يكن أيضا (١٥) منتقعا. وكل منتقع (١٦) مبتل. وليس كل مبتل منتقعا.

والأجسام الرطبة إما رطبة (١٧) برطوبة هى لها فى أنفسها ، مثل الغصن الناضر ، وإما رطبة رطوبة غريبة. وتلك إما لازمة لسطح الجسم ، كالحب المبلول ، وإما غائصة فى عمقه ، كالجسم المنقوع (١٨) فى الماء.

__________________

(١) م : الفصل الثامن

(٢) سا ؛ ب : فصل فى

(٣) د : ما يبتل منه ومنه ما لا يبتل

(٤) ب : جسم+ هو

(٥) م : لزمنه

(٦) ب : «وإما لشدة» مكررة

(٧) ط : يفعل

(٨) م ، ط : يزلق

(٩) م ، ط : فيلزم

(١٠) م : يحصل

(١١) ط : أما

(١٢) د : ـ فى جوهره

(١٣) م ، سا : نقل

(١٤) سا : منتقعا (الأولى)

(١٥) م : ـ أيضا

(١٦) سا ، د : بمنتقع

(١٧) سا : رطيبة

(١٨) د : المنتقع

٢٤١

وإذا نفذت الرطوبة (١) فى العمق ، ولم يحدث العارض المذكور ، كما فى حال النشف الذي لا يبلغ الترطيب البالغ ، فلا يسمى نقيعا. (٢)

والنشف يحدث لدخول الرطوبة المائية إثر ما ينفش من مسام الجسم اليابس من الأجزاء الهوائية المحصورة فيه المحتبسة فى مجاريه بالقسر لضرورة الخلاء. فإذا وجدت ما ينفذ ، ويقوم مقامها ، (٣) أمكنها أن تتحلل (٤) بالطبع الذي يقتضى مفارقتها له. فإن انحصار الهوائية فى الأرضية وفى المائية انحصار قسرى. فإذا تحلل وانفصل وجرى الماء فى مجاريه فربما عرض لما يجرى (٥) فى المسام ، وخالط الجسم ، أن ينعقد من اليبوسة للمخالطة لمثل السبب الذي ينعقد له الملح ، وما يجرى (٦) مجراه. فيعرض له ما يعرض فى الجص إذا خلط به الماء ـ وكذلك فى النورة وغيره. (٧) وربما لم يعرض.

وكثير (٨) مما ينشف يعرض له أن يجف فى الحال. وذلك لأن الرطوبة إذا كانت قليلة ، وانجذبت بالقوة إلى باطن لم يجب أن تحتبس (٩) على الظاهر إذا لم تجد (١٠) الهواء الآخر المماس للرطوبة (١١) يتبعها منجذبا عن انجذابها من الهواء المنفصل. ويكون جذب الهواء (١٢) الآخر (١٣) للمقسور أشد من ممانعة الهواء الذي فى موضعه الطبيعى ، لأن المقسور المحبوس المضيق ذو ميل بالفعل.

والذي فى موضعه الطبيعى لا ميل له بالفعل ، إلا إذا (١٤) تحرك وزال عن موضعه.

وإنما ينفعل من الهواء الحادث فيما نحن فيه من الهواء ما هو (١٥) ساكن فى موضعه لا ميل له. (١٦) وإذا تحرك غلب ميله الطبيعى أيضا ، فلم يكن ميل الساكن الذي لم ينزعج (١٧) من ذاته ميلا طبيعيا.

__________________

(١) م : تقدمت الرطوبة

(٢) سا ، د : نقعا.

(٣) م ، د : مقامه

(٤) م ، ط : يتحلل

(٥) سقط في م : من قوله «فربما عرض لما جرى» إلى قوله : وما يجرى ، وفي ط ، د : يجرى بدلا من جرى ،

(٦) د : سقط «الملح وما يجرى» ، وفي ط ، د : مجاريها بدلا من مجاريه

(٧) د : ـ غيره

(٨) سا : وكثيرها

(٩) م ، ط : يحتبس

(١٠) ط : إذ نجد ، وفي د : إذا انجذب

(١١) م : سقطت «المماس للرطوبة»

(١٢) ط : فيكون الهواء

(١٣) ب : ـ الآخر

(١٤) م : إلا أن

(١٥) سا : مما هو (١٦) د : لا مبدله

(١٧) م : له ينزعج

٢٤٢

وإذا كانت الرطوبة المنشوفة مائية رقيقة (١) أسرع نفوذها. وكثيرا ما تكون (٢) سرعة الحركة سببا لتسخين (٣) الرطوبة ، حتى تتبخر (٤) وتتحلل. وإن لم تكن الرطوبة (٥) مائية ؛ بل كانت دهنية ، أبطأ نفوذها. ولا ينشف من الأجسام اليابسة إلا ذو مسام موجودة بالفعل لطيفة. وأما المصمت فلا (٦) ينشف ، وكذلك (٧) مسامه مملوءة (٨) من غير الهواء. (٩) وقد بقى مما نحن نتكلم فيه الانحصار (١٠) والاتصال والانخراق.

فالانحصار هو قبول الرطب وضعا يلزمه شكل مساو لشكل (١١) باطن ما يحويه. فإن كان ما يحويه مشتملا على جميعه تشكل جميعه بشكله ؛ وإن كان أعظم منه ، فإن كان الجسم الرطب مائيا ، وينقص من الحاوى سطحه الأعلى ، تشكل علوه بتقبيب. والسبب فى ذلك التقبيب أن ذلك السطح لا يلزمه شكل غريب. وإذا لم يلزمه كان له (١٢) الشكل الذي عن طبعه. (١٣) والشكل الذي عن طبعه (١٤) هو الكرى. (١٥)

والجسم الرطب إن كان مخلى عنه امتد فى وضعه نافذا ؛ (١٦) وإن كان محصورا أو ممنوعا تشكل (١٧) فى الحاصر والمانع بمثل شكله.

وأما الاتصال فهو أمر يخص الرطب ، وهو أن الرطب ، إذا لاقى ما يماسه ، (١٨) بطل السطح بينها بسهولة ، وصار مجموعها واحدا بالاتصال. واليابس لا يسهل ذلك فيه.

والرطوبات المختلفة إذا اجتمعت ، فما كان منها مثل الماء والدهن ، ظهر تميز السطوح فيها ؛ وما لم يكن كذلك ؛ بل كان مثل دهنين ، أو مثل شراب وخل وماء ، لم يظهر. فيشبه أن تتحد (١٩) فى بعضها السطوح اتحادا ، وأن تخفى فى بعضها (٢٠) عن الحس. وتحقيق الأمر فى ذلك وتفصيله فى كل شىء مما يصعب.

__________________

(١) د : دقيقة (٢) م ، ط : ما يكون

(٣) سا ، د لتسخن

(٤) م ، ط : يتبخر ويتحلل

(٥) م ، ط : يكن الرطوبة

(٦) م : فلا (٧) م : ولذلك

(٨) م : مسامه مطموسة

(٩) م : غير الماء (١٠) م : والانحصار

(١١) م : ـ تشكل جميعه ، وفي ط : فتشكل ، وفي سا «تشكله» بدلا من «بشكله»

(١٢) سا : ـ له (١٣) م : طبيعته ـ (الأولى والثانية)

(١٤) م : طبيعته ـ (الأولى والثانية)

(١٥) م ، سا : الكروى (١٦) م : ـ نافذا

(١٧) م ، ط : يشكل

(١٨) يماسه هكذا في بخ ، وفي م ، ط ، د : يجانسه وفي سا : يشاكله

(١٩) م ، ط : يتحد

(٢٠) م : ـ في بعضها

٢٤٣

وأما الانخراق فهو خاصية (١) الرطب ، وهو سهولة انفصاله بمقدار جسم النافذ (٢) فيه ، مع التئامه عند زواله. وأنواع تفرق (٣) الاتصال هى (٤) الانخراق والانشقاق والانكسار ، والانرضاض والتفتت.

فالانخراق يقال لما قلنا ، وقد يقال لما يكون من تفرق الاتصال للأجسام اللينة ، لا لحجم ينفذ فيها ؛ بل يجذب (٥) بعض أجزائها عن جهة (٦) بعض ، فينفصل.

وأما الانقطاع فهو انفعال بسبب (٧) فاصل (٨) بنفوذه ، يستمر (٩) مساويا لحجم النافذ فى جهة حركة نفوذه لا يفضل (١٠) عليه. وإنما قلنا من جهة الحركة لأنه يجوز أن يفضل على الحجم من الجهة التي عنها الحركة.

وأما الانشقاق فهو تفرق (١١) اتصال عن سبب تفريقه فى جهة (١٢) حركته أكثر من الموضع الذي تأتيه قوة السبب أولا. وهذا على وجهين :

فيكون تارة بمداخلة جسم ذى حجم ، فيزيد (١٣) تفرق الاتصال فى الجهة التي إليها الحركة على حجمه.

والثاني أن (١٤) لا يكون لأجل حجم نافذ ؛ بل لجذب (١٥) يعرض للأجزاء بعضها (١٦) لبعض. والسبب فى ذلك أن الجزءين المفصولين يكون بينهما جسم مستطيل ؛ (١٧) ويكون الجزءان يابسين (١٨) وإلى الصلابة ما هما. (١٩) فإذا (٢٠) حمل عليهما بالتفريق لم يجب الأجزاء الطولية المحمول بالقوة عليها وحدها (٢١) للتباعد ، مع بقاء الاتصال ، كأنها لا تنحنى ؛ (٢٢) بل هو ذا (٢٣) يجب أن يكون تباعدها مستتبعا لأجزاء كثيرة. وأكثر ما ينشق طولا لا ينقطع (٢٤) عرضا.

__________________

(١) سا : خاصة م : + وهو الرطيب

(٢) م : جسم النافذ (٣) م : أنواع يفرق

(٤) د : فهو (٥) سا : لجذب

(٦) م : من جهة (٧) م ، ب : لسبب

(٨) ب : فاضل (٩) م : بنفوذ ويستمر

(١٠) ـ م : لا يفصل (١١) م ، ط : يفرق

(١٢) م : على جهة (١٣) م : يزيد

(١٤) م : ـ أن (١٥) ب ، ط : بجذب

(١٦) د : «عن بعض» وفي «سا» : بعضا

(١٧) د : مستمر طويل وفي ب : جسم مستمر طويل.

(١٨) د : يابسان (١٩) م : ما هثا

(٢٠) د : فإذ (٢١) د : وجدها

(٢٢) ط : ينحنى (٢٣) في جميع النسخ ما عدا د : هو ذا ، وفي د : هو ذى

(٢٤) في سا : طولا ينقطع وفي م : طولا يقطع ، وفي ط : طولا ينشق

٢٤٤

ومن أنواع القطع الحرد (١) والخرط والنقر والنشر والثقب والحفر ، وغير ذلك مما لا نطيل (٢) الفصل بتحديده. (٣)

وأما الانكسار فهو انفصال الجسم الصلب بدفع دافع قوى من غير نفوذ حجمه (٤) إلى أجزاء كبار ؛ والانرضاض كذلك إلى أجزاء صغار.

أما (٥) التفتت فكالانرضاض ، إلا أنه مما يتهيأ (٦) رضه لقوة ضعيفة. والمنكسر والمنرض والمتفتت (٧) هو الذي له منافذ خالية عن غير الهواء. فالمنكسر (٨) منافذه (٩) أقل وأعظم. والمنرض منافذه أكثر وأصغر. وكلاهما منافذهما يتصل عند حدود محكمة يتماسك بها. والمتفتت منافذه كثيرة صغيرة ضعيفة التئام الحدود.

ونقول (١٠) أيضا إن من الأجسام المركبة ما هى لينة ، ومنها ما هى صلبة. واللين هو الذي يتطامن سطحه عن الدفع (١١) بسهولة ، ة (١٢) ويمكن أن يبقى بعد مفارقته مدة طويلة أو قصيرة ؛ وبهذا يفارق السيال. فإن السيال (١٣) لا يحفظ الحجم إلا زمانا يجب ضرورة بين كل (١٤) حركتين مختلفتين ، وفى ذلك الزمان يكون ملاقيا (١٥) لفاعل الحجم ، ولا يمكن أن يحفظ الحجم والشكل مع مفارقة (١٦) الفاعل البتة.

والصلب هو الذي لا يتطامن سطحه إلا بعسر. (١٧)

ثم إن أنواع اللين تقبل (١٨) أنحاء من التشكيل والوضع لا يقبلها (١٩) أنواع الصلب. فمنه ما ينشدخ ، (٢٠) ومنه ما ينحنى. والمنشدخ أعم من المنطرق. (٢١) وذلك (٢٢) لأن المنشدخ هو الذي تتحرك (٢٣) أجزاؤه إلى باطنه. فمنه ما يبقى على ما يعمل به من ذلك ، (٢٤) وهو المنطرق (٢٥). ومنه ما لا يبقى ؛ بل يعود مثل (٢٦) الإسفنجة التي تعتصر فتعود.

__________________

(١) د : والخرد (٢) م : يطيل

(٣) ب : بتعديده

(٤) سا : تعدد حجمه ، وفي ط ، د : نفوذ حجم فيه

(٥) م : ـ أما (٦) سا : يتهيأ منه

(٧) سا : الفتت (٨) ب : والمنكسر

(٩) ط : «منافذة»

(١٠) د : فنقول (١١) د : الرفع

(١٢) سا : سهولة

(١٣) ب : لأن السيال ، وفي د : سقطت «فإن السيال»

(١٤) م : من كل (١٥) م ، د : تلاقيا

(١٦) ط : مفارقته

(١٧) م. سا : يقسر (١٨) م ، ط : يقبل إنما

(١٩) سا : لا يقبله (٢٠) م : ينشرخ

(٢١) ط : المتطرق (٢٢) ب : ـ وذلك

(٢٣) م ، ط : يتحرك (٢٤) م : ومن ذلك

(٢٥) ط : المتطرق ، وفى د : المنطرد م : يعصر

(٢٦) فى د : ومثل.

٢٤٥

وبين المنعصر والمنطرق (١) فرق ؛ لأن المنطرق متصل الأجزاء غير مشوب بجسم غريب. وإنما يتطامن جزء منه مجيبا للدافع (٢) ، لا بخروج (٣) شىء منه. والمنعصر يتطامن بخروج شىء (٤) منه ، ويخرج منه دائما ، إما مائية (٥) وإما هوائية (٦). ثم يجوز أن يبقى على حاله ، ويجوز أن لا يبقى. فالمنطرق (٧) هو المندفع إلى عمقه بانبساط (٨) يعرض له في القطرين الآخرين ، قليلا قليلا ، (٩) وهو يحفظ ذلك فى نفسه ، ويكون من غير (١٠) انفصال شىء منه.

والمنعصر يخالفه فى كلا الشرطين (١١) أو أحدهما. والمنعصر الذي يبقى على الهيئة التي يفيدها العصر ، إن كان يابسا يسمى متلبدا ؛ وإن كان رطبا يسمى منعجنا. ويقال (١٢) انعجان (١٣) أيضا (١٤) لاندفاع الأجزاء اليابسة فيما يخالطها من الرطوبة المائية ليشتد بذلك تداخلها.

ويعرض لكل منطرق (١٥) أن يترقق ، فيكون من حيث يندفع فى عمقه منطرقا ، (١٦) ومن حيث ينعصر فى عمقه أو يزيد ، فى قطريه الآخرين ، مترققا.

وأما المنحنى فهو الذي من شأنه أن يصير أحد جانبيه الطوليين (١٧) أزيد ، والآخر أنقص بزواله (١٨) عن الاستقامة إلى غيرها. وذلك يكون للين فيه مطاوع. ويكون ذلك لرطوبة فيه. (١٩)

والتمدد هو حركة الجسم مزدادا فى طوله منتقصا فى قطريه الآخرين. وذلك الجسم إما لزج وإما لين جدا. (٢٠) والأولى أن يسمى هذا (٢١) لدنا ، وهو الذي يقبل التمدد والعطف ، ولا يقبل الفصل بسرعة. وإنما يكون الحال كذلك في جميع ذلك ؛ لأنه يكون (٢٢) قد اشتد مزاج (٢٣) رطوبته ويبوسته ، حتى إن رطوبته لا تسيل ؛ (٢٤) بل تتماسك (٢٥) لشدة ما خالطها من اليبوسة.

__________________

(١) م : والمتطرق (٢) د : عجيبا للدافع

(٣) م : لا يخرج (٤) د : + من بخروج شىء

(٥) م «ما ماهية» بدلا من «مائية»

(٦) د : أو هوائية (٧) م : فالمتطرق

(٨) م : انبساط (٩) د : قليل (الثانية)

(١٠) د : ويمكن من غير (١١) د : كل الشرطين

(١٢) د : أو يقال (١٣) م : انعجنان ، وفى سا : انعجاف

(١٤) ب ، سقطت «أيضا» (١٥) ط : متطرق

(١٦) ط : متطرقا (١٧) م : الطولين ، وفى د : «الطوليين» مكررة.

(١٨) د : بزوالته (١٩) م : الرطوبة فيه

(٢٠) سا ، ب : ـ جدا (٢١) م : هذا الدنا

(٢٢) م : لأنه لا يكون (٢٣) د ، سا : امتزاج

(٢٤) م : يسيل

(٢٥) م ، ط : يتماسك

٢٤٦

ويبوسته لا تتفرك ، (١) ولا تتفتت ؛ (٢) بل تتماسك (٣) لشدة ما جمعها من الرطوبة ؛ (٤) إذ الرطب (٥) يتماسك متقوما باليابس ، واليابس يتماسك مجتمعا بالرطب.

فمن الممتدد (٦) (٧) ما (٨) يلزم المادّ له بالالتصاق ، وهو اللزج ، ومنه ما يلزمه بتعلقه به كالقير. (٩) وهذا الصنف لا يسمى لزجا ؛ بل لدنا. فإن اللزج ما يسهل تشكيله وحصره ، ويلزم جرمه ما يماسه. وذلك بسبب أن الغالب فيه الرطوبة. (١٠) لكن اللزج ألزم من الرطب ؛ لأن الرطب سيال جدا. وأما اللزج فإن أجزاءه التي تلزم الشىء أكثر من أجزاء الرطب ؛ لأن اللزج لا ينفصل بسهولة إلى أجزاء صغار انفصال الرطب ، فتكون (١١) حركته أبطأ ، وزواله أعسر.

وليس كل لزج يمتد. فإن الدهن لا يتمدد. (١٢) ولكن كل لزج له قوام صالح. وإنما يقبل التمدد من اللزج (١٣) ما لا يجف. وذلك هو اللزج الحقيقى. فإن اللزج التام اللزوجة لا يجف ؛ بل إنما يجف (١٤) لزج لم يبلغ مزاج رطبه ويابسه (١٥) مبلغا لا يتميزان بعد. لكنه مع ذلك امتزاج متداخل (١٦) جدا لا ينفصل إلا بقوة محللة لطيفة. والأجسام التي فى طباعها رطوبة يعتد بها ، (١٧) فإما أن تكون (١٨) بكليتها جامدة ، فلا تتطرق (١٩) ولا تمتد ولا تنحنى ، (٢٠) كما يعرض للياقوت والبلّور ، وكثير من الحجارة التي تتكون (٢١) عن مياه تجمد ؛ بل كنفس الجمد ؛ (٢٢) وإما أن يكون فيها بكليتها (٢٣) فضل من (٢٤) رطوبة ليس يجمد. وإنما ليس يجمد لدهانته. فذلك الشىء ينطرق ، (٢٥) وخصوصا (٢٦) إذا حمى ، فسال أيضا شىء مما هو جامد. فإن سيّل الجميع عاد ذائبا.

__________________

(١) م : ينفرك (٢) م : يتفتت

(٣) م ، ط : يتماسك (٤) م : من اليبوسة د : ـ الرطب

(٥) م : إذا الرطب (٦) سا : فى التمدد

(٧) م : التمدد (٨) م : ـ ما

(٩) م : «اليسير» ، وفى ط : القير ومعناه القار. أما : أما في بقية النسخ فهى السير.

وفى م : اليسير أما فى بقية النسخ فهى : السير

(١٠) م : للرطوبة (١١) م ، ط : فيكون

(١٢) سا ، د : بممتد (١٣) م : الزج

(١٤) سقطت من «م» : «بل إنما يجف»

(١٥) م : رطبة ويابسة (١٦) سا : متداخل جزءا

(١٧) ط : معتد بها (١٨) م ، ط : يكون

(١٩) م : يتطرق (٢٠) م ، ط : ولا يمتد ولا ينحنى

(٢١) ط : التي يتكون

(٢٢) سقط فى م من «بل كنفس الجمد» إلى قوله «ليس بجمد»

(٢٣) سا : بكلتيها (٢٤) د : فضل عن

(٢٥) ط : يتطرق

(٢٦) م : خصوصا

٢٤٧

والنار ، وإن كانت تعقد بمعونة اليابس (١) فذلك إلى حد ، ما دام لم يشتد فعلها (٢) فى اليابس ، ولم تخرجه (٣) عن كونه يابسا كثيفا. فإذا أفرط (٤) فعلها (٥) فى اليابس خلخلت (٦) اليابس أيضا. فإذا (٧) تحلل اليابس تحلل الجميع. (٨)

__________________

(١) م : ـ بمعونة اليابس

(٢) سا ، د : فعله

(٣) م : يخرجه

(٤) م : فإذا فرط

(٥) د : فعل

(٦) سا ، د : خلخل

(٧) سا : وإذا

(٨) ط : فاذا تخلخل اليابس تخلخل الجميع ، وفي «د» : تحلل اليابس محلل الجميع في آخر المقالة زيادة في نسخة د وهى : تمت المقالة الأولى من الفن الرابع من جملة الطبيعيات في الآثار العلوية بحمد الله وحسن توفيقه.

٢٤٨

المقالة الثانية من الفن الرابع

 فى الطبيعيات(١) (٢) (٣)

هذه (٤) المقالة نصف فيها جملة القول فيما يتبع المزاج من الأحوال (٥) المختلفة ، وهى (٦) فصلان. (٧)

__________________

(١) ط ، سقط : «من الفن الرابع في الطبيعيات»

(٢) سا : من جملة الطبيعيات

(٣) د : من الطبيعيات

(٤) ب : وهذه

(٥) م : أحوال

(٦) م : ـ وهى ـ د : + ب فصل فى ذكر اختلاف أموال الناس فى حديث الكيفيات التي بعد الأربع ، وفى نسبتها إلى المزاج ومناقضة المبطلين منهم : ب ، وفصل فى تحصيل القول فى توابع المزاج.

(٧) ط : ـ وهى فصلان

٢٤٩

الفصل الأول (١)

فصل فى (٢)

ذكر اختلاف الناس فى حدوث الكيفيات المحسوسة (٣) التي بعد الأربع ،

وفى (٤) نسبتها إلى المزاج ، ومناقضة المبطلين منهم

أما المزاج وما هو ، وكيف هو فقد قلنا فيه. فيجب أن يتذكر (٥) جميع ما قيل من ذلك.

والذي يجب علينا أن نستقصى (٦) الكلام فيه حال الأمور التي توجد فى هذه المركبات عند المزاج ، فنقول :

إن هذه العناصر الأربعة لا يوجد فيها من الكيفيات إلا الأربع ، وإلا الخفة والثقل ، ما خلا الأرض. فقد يشبه أن يكون لها لون. (٧) لكن لمانع أن يمنع (٨) ذلك ، فيقول : إن اللون الموجود للأرض إنما يوجد لها بعد ما يعرض لها من امتزاج المائية ، وغير ذلك. ويصلح لذلك المزاج أن تكون ملونة. (٩) (١٠) ويقول إنه لو كان لنا سبيل (١١) إلى مصادفة (١٢) الأرض الخالصة لكنا نجدها خالية عن الألوان ، وكنا نجدها شافة. فإن الأخلق (١٣) بالأجسام البسيطة الاّ يكون لها لون. والأحرى (١٤) عندى (١٥) ، بعد الشك (١٦) الذي يوجبه الإنصاف ، وبعد وجوب ترك القضاء البت فيما لا سبيل فيه إلى قياس يستعمل ، وإنما المعول فيه على تجربة (١٧) تتعذر (١٨) ـ هو (١٩) أن الأرض لها فى ذاتها لون ، وأن الامتزاج الذي وقع لا يقعدنا (٢٠) عن وجود

__________________

(١) فى م ، ط ، د : الفصل الأول

(٢) سا ، ب : فصل فى

(٣) د ، سا : ـ المحسوسة

(٤) م ، ب : ـ فى (٥) سا : تتذكر

(٦) م : يستقصى (٧) د : لونا

(٨) م ، سا : المانع أن يمنع

(٩) م : يكون ملونة

(١٠) ط : متلونة (١١) م : سبل

(١٢) سا : مصارمة

(١٣) ط : اللاخلق

(١٤) م ، د : والأخرى

(١٥) م : عند

(١٦) م : الشكل

(١٧) سا : تجزئة

(١٨) م : يتعذر

(١٩) م ، د : ـ هو سا : الذي حصل

(٢٠) د : لا يعقدنا.

٢٥٠

ما فيه أرضية غالبة. فكان يجب (١) أن نرى (٢) فى شىء من أجزاء التربة الأرضية ، مما ليس متكونا تكونا معدنيا ، شيئا فيه إشفاف ما أفكان (٣) لا تكون (٤) هذه الكيفية فاشية فى جميع أجزاء الأرض ، ولكان حكم الأرض حكم الماء أيضا والهواء. فإنها ، وإن امتزجت ، فلا يعدم (٥) فيها مشف. (٦) فالأحرى (٧) أن تكون الأرض (٨) ملونة (٩) لا ينفذ فيها البصر. فإنا نعنى باللون ما إذا جعل وراءه مرآة (١٠) لم تؤده إلى البصر.

والبساطة لا تمنع (١١) (١٢) أن يكون الجرم ملونا غير شفاف ؛ فإن القمر ، على مذهب الجمهور من الفلاسفة ، هذا شأنه. ثم إن أنكر ذلك منكر كان حاصل الأمر أنه لا كيفية للعناصر خلا ما ذكر. (١٣) وإن اعترف لم يكن (١٤) لها (١٥) إلا اللون لبعضها. وأما الطعم والرائحة فلا يوجد (١٦) لشىء منها إلا بالمزاج. فإن كان من ذلك شىء لشىء فعسى أن يظن أنه للأرض. وبالحقيقة لا رائحة لأرض لم تستحل (١٧) بالمزاج.

والأرض الصحيحة كالأرض التي يتولد فيها الذهب ، لا يوجد لها (١٨) رائحة البتة. وكذلك فى غالب (١٩) حال الأرض. ومما يعلم أن ذلك محدث بالمزاج ما نراه (٢٠) يشتد بالامتزاج. ثم إن كان للأرض طعم أو رائحة ، وكان للأشياء الأخرى بسبب الأرض ، فإنما يجب أن يحصل للمركب من الأرض وغيرها (٢١) ذلك الطعم ، وقد انكسر ، وتلك (٢٢) الرائحة وقد انكسرت. وأما طعم ورائحة غريبة فلا. فكيف (٢٣) تكون (٢٤) الطعوم والروائح المتضادة إلا أن تكون (٢٥) الرائحة قد تتولد (٢٦) بالامتزاج ، وليست إنما تستفاد (٢٧) من الأرضية على ما ظنه بعضهم ، وكذلك (٢٨) الألوان.

__________________

(١) سا : وكان يجب (٢) م : يرى ، وفى ط : ترى

(٣) د : وكان (٤) م ، ط : لا يكون

(٥) سا : لا نعدم (٦) سا ، د : شف

(٧) م ، د : فالأخرى

(٨) ط : أن يكون الأرض

(٩) د : ـ ملونة

(١٠) ط ، سا ، ب ، د : مرئى ، وفي م : مرأى ، وفى بخ مره

(١١) م ، ط : يمنع (١٢) م : ـ إن

(١٣) م ، ط : ذكروا (١٤) ط ، ب : فلم يكن

(١٥) سا : ـ لها (١٦) د : فليس يوجد

(١٧) م : لم يستحيل ، وفى ط : لم يستحل

(١٨) سا ، د : لا يوجد له

(١٩) م : ـ فى غالب (٢٠) م : يراه ، وفي ط : تراه

(٢١) سا ، د : وغيره

(٢٢) م : ـ تلك

(٢٣) سا : فكلا (٢٤) م : ـ تكون

(٢٥) م ، ط : يكون (٢٦) ط : يتولد

(٢٧) م ، ط : يستفاد

(٢٨) فكذلك

٢٥١

ونحن نشاهد فى المركبات طعوما وأراييح وألوانا ليست (١) فى البسائط. ونشاهد أيضا أفعالا تصدر (٢) عنها ليست فى البسائط ، لا صرفة ، ولا مكسورة ، وذلك مثل جذب المغناطيس للحديد والكهربا للتبن ، والسقمونيا للصفراء ؛ وأفعالا وأحوالا أخرى للجمادات (٣) والنبات ، بل للحيوانات. والحياة أيضا من هذه الجملة.

فمعلوم أن هذه الأشياء إنما تحصل (٤) لهذه (٥) الأجسام بعد المزاج. فمن الناس من ظن أن هذه الأفعال نسب تقع (٦) بين الممتزجات ؛ بل بين المجتمعات ، عند الذين لا يقولون بالمزاج ، وبين أمور أخرى. فيقولون إنه لا لون بالحقيقة ، وإن اللون الذي يرى هو وضع وترتيب (٧) مخصوص يكون للأجرام الغير المتجزئة (٨) بعضها عند بعض ، وعند الأجسام الشعاعية (٩) التي تقع (١٠) عليها ؛ وإن الطعوم أيضا هى (١١) انفعالات تعرض (١٢) من تقطيع حدة تلك الأجسام وزواياها (١٣) على نظم (١٤) مخصوص ، فيكون الذي يقطع تقطيعا إلى عدد كثير ، صغار (١٥) مقادير الآحاد ، شديد النفوذ يرى محرقا حريفا ؛ والذي يتلافى (١٦) تقطيعا (١٧) مثل ذلك يسمى حلوا. وكذلك فى الروائح ، وإنه لا طعم فى الحقيقة ولا لون ولا رائحة. (١٨) ولو كان لون حقيقى لكان طوق الحمامة لا يختلف حكمه عند البصر ، مع اختلاف مقامات الناظر ، إذا انتقل الناظر ، وجعل يستبدل بالقياس إليه وإلى الشمس ، وضعا بعد وضع.

ولو كان طعم حقيقى لكان الممرور لا يستمرئ العمل. فهذا مذهب قوم. وقوم (١٩) يرون أن الأمر بالضد ، وأن العناصر موجود فيها اللون والرائحة والطعم ، (٢٠) إلا أنها كامنة مغمورة بما لا لون له ولا رائحة له (٢١) ، وأن المزاج لا فائدة (٢٢) له فى حصول ما ليس من ذلك ؛ بل فى ظهوره. وهؤلاء أصحاب الكمون.

__________________

(١) ط : ليس (٢) ط : يصدر

(٣) م : للجماديات (٤) ط : يحصل

(٥) م : بهذه ، وفي سا : من هذه

(٦) سا : ليست تقع

(٧) م : وضع ترتيب (٨) م : غير المتجزئة

(٩) م : الشعاعة (١٠) ط : يقع

(١١) سا : ـ هى (١٢) م : يعرض

(١٣) م : زوايا (١٤) سا : نظم نظم

(١٥) م : صغير (١٦) م : يتلاقى ، وفي د : يلاقى

(١٧) م : تقطيع (١٨) م : ورائحة

(١٩) ب ، د : ـ قوم (الأولى)

(٢٠) ط : أو الطعم

(٢١) م : ـ له

(٢٢) سا ، د : لا فائدة فيه.

٢٥٢

وقوم يرون أن المزاج ، الذي كيفيته متوسطة (١) حدا من المتوسط ، (٢) إذا كان حده بحال ما كان لونا وطعما ، وإن كان بحال أخرى (٣) كان لونا وطعما آخر ؛ (٤) وأنه ليس الطعم واللون ، وسائر (٥) الأمور التي تجرى مجراها (٦) ، شيئا والمزاج شيئا آخر ؛ (٧) بل كل واحد منها (٨) مزاج خاص يفعل فى اللمس شيئا ، وفى البصر شيئا.

وقال قوم آخرون (٩) إنه ليس الأمر على أحد هذه الوجوه ؛ بل المزاج ، على التقدير الذي يتفق له ، أمر يهيئ (١٠) (١١) المادة لقبول صورة (١٢) وكيفية مخصوصة. فما كان (١٣) قبوله ذلك إنما هو من علل فاعلة لا تحتاج إلى أن يكون لها وضع محدود قبله مع استكمال الاستعداد ، مثل النفس والحياة وغير ذلك. وما كان (١٤) قبوله ذلك (١٥) إنما هو من (١٦) علل محتاجه إلى وضع محدود قبله إذا صار له مع غلية (١٧) ذلك (١٨) الوضع ، كنضج التين مثلا من الشمس إذا أشرقت عليه. فهذه هى المذاهب التي يعتد بها فى هذا الباب.

فأما المذهب المبنى على الأجرام (١٩) التي لا تتجزأ ، وعلى أن سبب حدوث الكيفيات اختلاف أحوالها ، بحسب اختلاف الترتيب والوضع الذي يعرض لها ، فما قدمناه (٢٠) يغنى عن إعادتنا قولا كثيرا في رده ؛ بل نحن نعلم أن هذه الأجسام متصلة ، وأن الأسود منها أسود ، كيف كان شكله ووضعه ، والأبيض أبيض كيف كان وضعه.

وكذلك قولنا فى الطعوم والروائح ، وإن ذلك لا يختلف بحسب (٢١) وضع وترتيب ، وإنه لو لا خاصية (٢٢) لكل واحد (٢٣) من الأجسام المختلفة لاستحال أن تتخيل (٢٤) منها الحواس تخيلات مختلفة ، أو تنفعل (٢٥) انفعالات مختلفة.

__________________

(١) ط : كيفية متوسطة (٢) فى سا : تتوسط

(٣) د : كان بحال آخر

(٤) ط : سقط منها : «وإن كان بحال أخرى كان لونا وطعما آخر»

(٥) وفي «سا» سقط : كان لونا وطعما آخر

(٦) ط : يجرى مجريها

(٧) سقط فى د : والمزاج شيئا آخر ؛ بل كل واحد منهما مزاج خاص يفعل في اللمس شيئا وفى البصر شيئا

(٨) م : منهما (٩) ب : أو قوم آخرون يقولون

(١٠) د : أم يهيؤ (١١) ط : يهيؤ ، وفي ب : أمر تهيؤه

(١٢) سا : صورته (١٣) سا : مما كان

(١٤) سا : كان+ هو

(١٥) سقط من سا : «لا تحتاج إلى أن يكون لها وضع محدود» إلى قوله «وغير ذلك»

(١٦) ط : ذلك (الثانية) مشطوبة

(١٧) ط : هو عن (١٨) ط : علته

(١٩) ب : على الأجزاء (٢٠) سا : مما قدمناه

(٢١) سا ، د : لا يختلف بسبب

(٢٢) د : لا خاصية (٢٣) د : واحدة

(٢٤) م ، ط : يتخيل (٢٥) م ، ط : ينفعل.

٢٥٣

وأما طوق الحمامة فليس المرئى منها شيئا (١) واحدا ؛ بل هناك أطراف للريش ذات (٢) (٣) جهتين أو جهات ، كل جهة لها لون ، وكل جهة تستر الجهة (٤) الأخرى بالقياس إلى القائم. (٥) وذلك بالجملة (٦) على مثل (٧) سدى ولحمة «أبو قلمون» (٨) من الثياب والفرش. (٩)

ومذهب الكمون فقد بالغنا فى نقضه فى موضعه.

وأما (١٠) مذهب القائلين إن كل واحد منها (١١) مزاج ، ليس أنه يتبع المزاج ، فهو مذهب خطأ. فإن كل (١٢) واحد من الأمزجة على التفاوت الذي بينها ، (١٣) لا يخرج عن حد (١٤) ما بين الغايات ، ويكون ملموسا لا محالة إن كان أخرج من اللامس إلى الطرف ، (١٥) أو يكون مساويا للامس لا ينفعل عنه ، إما أن يكون المزاج لا يدرك باللمس ؛ (١٦) بل بالبصر أو بالشم ـ فهذا باطل ؛ لأن المزاج كيفية ملموسة ، واللون ليس بملموس. (١٧) وكذلك الطعم وغيره.

وليس (١٨) لقائل أن يقول إن الإبصار لمس ما (١٩) لمزاج مخصوص لا يضبطه سائر آلات اللمس. وذلك لأن كل ملموس فيحس. (٢٠) وله إضافة إلى برد أو إلى حر ، أو إلى رطوبة أو إلى يبوسة. واللون لا يدرك النفس (٢١) منه شيئا من ذلك ، ولا الطعم ولا الرائحة. وهذه الكيفيات يوجد منها (٢٢) غايات فى التضاد. والأمزجة متوسطة (٢٣) ليست بغايات البتة. فهذه إذن (٢٤) أشياء غير المزاج.

لكن الأمزجة المختلفة تختلف فى الاستعداد لقبول شىء منها دون شىء ، فيستعد بعضها (٢٥) للاحمرار ، وبعضها للاصفرار ، (٢٦) وبعضها للابيضاض ، (٢٧) وبعضها لطعم ما ، وبعضها لرائحة ما ، وبعضها للنمو ، (٢٨) وبعضها للمس ، (٢٩) وبعضها للنطق ؛ بل قد تحصل (٣٠) بالأمزجة

__________________

(١) سا : شىء (٢) سا : أطراق للرايين ذواث

(٣) د : ذوات (٤) م : يسير الجهة (٥) م : القيم (٦) ط : وذلك الجملة

(٧) ب : على مثال

(٨) في د ، ب : البوقلمون ، وفي ط : أبو قلمون : وهو ثوب رومى ، وفي بقية النسخ البقلبون (كذا)

(٩) م : الثبات والفرس. (١٠) ط : ـ أما

(١١) م : منهما (١٢) ب : لأن كل (١٣) د : التي بينها (١٤) سا : ـ حد

(١٥) ب : الطرف+ لا محالة

(١٦) سا : الملامس (١٧) د : بملموسة

(١٨) سا : فليس (١٩) م : ليس ما

(٢٠) ط : فيمس (٢١) ط : لا يدرك اللمس

(٢٢) سا : يوجد بينها ، وفي ب : فيها (٢٣) م : والأربعة متوسطة

(٢٤) م : ـ إذن (٢٥) م : فيشتد بعضها (٢٦) سا : ـ وبعضها للاصفرار

(٢٧) سا : للابتضاض (٢٨) ب : بل بعضها للنمو

(٢٩) ط : وبعضها للحس (٣٠) سا : وقد تحصل ، وفي د ، ط : بل قد يحصل.

٢٥٤

فى المركبات استعدادات لقوى فعالة أفعالا تصدر (١) عنها بالطبع ليست من جنس أفعال البسائط (٢) مثل جذب الحديد للمغناطيس ، وغير ذلك. فتكون هذه (٣) القوى التي تحدث (٤) (٥) بالحقيقة ، منها ما هى (٦) طبائع لأنها مبادئ حركات لما هى فيه بالذات ، ومنها ما هى مبادئ تحريكات لأشياء (٧) خارجة عنها يفعل فيها بالاختيار.

والناس قد يقعون فى شغل شاغل إذا أخذوا يفحصون عن علل هذه الأحوال والقوى ، يرومون (٨) أن ينسبوا (٩) ذلك إلى كيفيات أو أشكال (١٠) أو غير ذلك مما للبسائط. ويشق (١١) عليهم الأمر ، فيدفعون إلى تكلف يخرجهم عن الجادة (١٢) المستقيمة. فلا سبيل (١٣) إلى إدراك المناسبات التي بين الأمزجة الجزئية وبين هذه (١٤) القوى والأحوال التي تتبعها ، (١٥) وتوجد (١٦) بعد وجودها.

ومن شأن الناس أن لا يبحثوا (١٧) عن علل الأمور المتقاربة الظاهرة ؛ (١٨) لأن كثرة مشاهدتهم إياها يزيل عنهم (١٩) التعجب ؛ وزوال التعجب عنهم (٢٠) (٢١) يسقط الاشتغال بطلب العلة ، ولا يعنى (٢٢) أكثرهم بأن يعلموا (٢٣) (٢٤) أنه لم كانت النار تحرق (٢٥) فى ساعة واحدة بلدة كبيرة ، أو لم (٢٦) البرد ييبس (٢٧) الماء ، ويعنيهم بأن يعلموا لم المغناطيس يجذب الحديد. ولو كانت النار شيئا عزيز الوجود ينقل (٢٨) من قطر (٢٩) بعيد من أقطار العالم ، ثم يشعل (٣٠) من شعلة منها شعل كثيرة (٣١) لدهش الإنسان من العجب الموجود فيها ، ولكان طلبه لسبب فعلها (٣٢) أكثر من طلبه لسبب فعل المغناطيس. وكذلك لو كان البرد مما يجلب من بلاد إلى بلاد (٣٣) ، فيسلط (٣٤) على الماد فييبسه (٣٥) ، لكان (٣٦) الناس يتعجبون. لكن كثرة مشاهدتهم ما يشاهدون (٣٧) من

__________________

(١) م ، د : «لا تصدر» (٢) م : أفعال التسليط

(٣) م ، ط : فيكون هذه (٤) سا : الذي تجذب

(٥) ط : يحدث (٦) د : بما هى فيه

(٧) د : ـ لأشياء (٨) سا : يرون ، وفي ط : ويرومون

(٩) سا : ان ينسبون (١٠) م : وأشكال

(١١) سا ، ط ، د : فيشق

(١٢) سا : ـ الجادة (١٣) سا : ولا سبيل

(١٤) م : ومن هذه (١٥) م ، ط : التي يتبعها

(١٦) م : ويوجد (١٧) سا : أن يبحثوا

(١٨) م ، سا : ـ الظاهرة (١٩) سا : يزيل عنها

(٢٠) د : ـ التعجب وزوال التعجب عنهم (٢١) م : ـ عنهم (الثانية)

(٢٢) م : فلا يعنى (٢٣) م ، ط : أن يعلموا

(٢٤) سا : ـ بان يعلموا (٢٥) م : يحرق

(٢٦) م ، ط : بلدة كثيرة ، ولم (٢٧) ط : يبس

(٢٨) ط : وينتقل (٢٩) ب : عن قطر

(٣٠) م : ثم يشغل (٣١) م : كثير

(٣٢) سا : «لتعلمها» بدلا من «لسبب فعلها» (٣٣) م ، ب ، د : ـ إلى بلاد

(٣٤) سا : فتسلط (٣٥) م : فينسبه (٣٦) م : لكن+ من (٣٧) د : يشاهدونه

٢٥٥

ذينك يسقط عنهم الاشتغال به ، (١) حتى إن سأل سائل لم يفعل البرد ذلك (٢) استنكروا ، وقالوا : لأن طبيعته ذلك ، ولأنه برد ؛ وكذلك فى جانب النار يقولون (٣) إنها إنما تفعل ذلك ، لأنها (٤) نار. والبصير منهم (٥) الذي يرتفع عن درجة الغاغة يقول : لأن المادة (٦) التي للنار اكتسبت صورة تفعل هذا الفعل لذاتها ، ولأن البرد طبيعته أن يكثف الجسم ويجمده. (٧) ثم لا يقنعه مثل (٨) هذا فى حجر مغناطيس (٩) أن يقال : لأن المزاج سبب (١٠) لأن حصل (١١) فى هذا المركب قوة هى (١٢) لذاتها وطباعها تجذب (١٣) الحديد ، لا لشىء آخر. وليس أمر جذب (١٤) مغناطيس بأعجب (١٥) من أمر نبات ما ينبت ، وإحساس ما يحس ، وحركة ما يتحرك بالإرادة. (١٦) لكن جميع ذلك أسقط فيه التعجب كثرته (١٧) وغلبة (١٨) وجوده.

والقول فى جميع ذلك قول واحد ، وهو أن الجسم المركب استعد ، بمزاجه ، لقبول هيئة ، أو صورة ، أو قوة مخصوصة ، يفاض عليه ذلك من واهب الصور (١٩) والقوى ، دون غيره. أما فيضانه عنه فلجوده ، ولأنه (٢٠) لا يقصر عنه مستحق مستعد.

وأما اختصاص ذلك الفيض به دون غيره فلاستعداده (٢١) التام الذي حصل (٢٢) بمزاجه. فجميع هذه (٢٣) الأشياء تفعل (٢٤) أفاعيلها ؛ لأن لها تلك القوة الفعالة. وإنما لها تلك القوة هبة من الله تعالى. (٢٥) فيجب أن يتحقق أن المزاج هو المعد لذلك.

على أن كثيرا من الأعراض يعرض أيضا بسبب مخالطة غير مزاجية. فإن كل جسم شاف ، إذا خالطه الهواء فصار أجزاء صغار ، ابيضّ ، (٢٦) كالماء إذا صار زبدا ، أو كالزجاج إذا دقّ ، وغير ذلك. ويكون ذلك لأن النور الذي ينفذ فيه (٢٧) يقع على سطوح

__________________

(١) د : ـ به (٢) سا : استنكروا+ ذلك

(٣) سقط في م : ولأنه برد. وكذلك فى جانب النار يقولون : إنها إنما تفعل ذلك

(٤) ط : لأنه (٥) د : فمنهم

(٦) م : العامة. (٧) سا : وتجمده

(٨) سا : مثل ذلك (٩) ط : المغناطيس

(١٠) م : بسبب ، وفي سا : تسبب

(١١) ط : لأن يحصل

(١٢) د : ـ هى (١٣) ط : يجذب

(١٤) م : ـ جذب (١٥) م : ما عجب ، وفى سا : أعجب

(١٦) ط : للإرادة (١٧) م : لكثرته ، وفى د ، سا ، أكثريته

(١٨) د : وعلت (١٩) م : واجب الصور

(٢٠) سا ، د : وأنه (٢١) د : فلاستعداد النار

(٢٢) ب ، ط ، د : حصل+ له (٢٣) م : هذه الأجزاء

(٢٤) م ، ط : يفعل (٢٥) سا ، ط. ـ تعالى

(٢٦) م ، سا : بيضاء ، وفى ط. بيضا (٢٧) م : ـ فيه

٢٥٦

كثيرة (١) صغار لا ترى (٢) أفرادها وترى مجتمعة ، فيتصل رؤية شىء منير باطنه لنفوذ الضوء فى المشف إلى السطوح الباطنة ، وانعكاسه عنها مستقرا (٣) عليها ، ولا ينفذ (٤) البصر فيها لكثرة ما ينعكس (٥) عنها من الضوء (٦). فإن المشف الذي يشف ، وينعكس عنه الضوء جميعا ، لا يشف حين ينعكس الضوء عنه. (٧) فإذا صار لا يشف رؤى ذا لون. ويكون (٨) هو البياض. وكذلك الشىء اليابس إذا عملت (٩) فيه النار عملا كثيرا (١٠) وأخرجت عن منافذه الرطوبة وأودعته (١١) الهوائية ، بيّضته. (١٢)

وأما أنه هل يكون بياض غير هذا ، وفى جسم متصل ، فمما لم أعلم بعد امتناعه ووجوده. وسيأتى لى كلام فى هذا المعنى أشد استقصاء.

وأما فى الطعوم والروائح فليس الأمر فيها على هذه الجملة. وذلك لأنه ليس فيها شىء مذوق أو مشموم بذاته ينفذ فى الأجسام ، فيجعلها (١٣) بحال من الطعم والرائحة ، كما أن الضوء شىء مرئى بذاته. فإذا خالط الأجسام جاز أن يجعلها على حال من الرؤية.

فههنا يفترق حال اللون وحال الطعم والرائحة ؛ إذ اللون يصير مرئيا ؛ بمرئى بذاته هو غيره ، (١٤) وهو الضوء. وليس الطعم والرائحة كذلك (١٥). وكما (١٦) أن المرئى بذاته ، وهو الضوء ، على ما نحقق (١٧) الأمر فيه من بعد ، هو كيفية حقيقية ، كذلك الطعم والرائحة.

وأما القوى فإنها ليست من هذا القبيل. فإنها ليست بحسب إدراك الحس ، (١٨) أو نسبة (١٩) غير الشىء الذي ينفعل عنها. فإن (٢٠) لم يكن الجسم الذي يصدر عنه فعل مخصوص مخصوصا مميزا مما ليس يصدر عنه الفعل الذي كان مخصوصا به ، لم يصدر عنه فعل مخصوص. (٢١)

__________________

(١) م : ـ كثيرة (٢) ط : لا يرى ـ م ، ب : دونه شىء منير

(٣) م : وانعكاسها عنه مستقرة ، وفى د : وانعكاسها عنها مستقرة

(٤) ب : فلا ينفذ (٥) م : تنعكس

(٦) سا : عليها الضوء. (٧) د : يشف (الثانية) + حين ينعكس الضوء عنه

(٨) د : فيكون (٩) د : عمل

(١٠) د : كثيرا+ وأخرجت عنه مثافذها

(١١) سا ، د : وأودعها (١٢) سا : بيضة ، وفي د : مضيئة

(١٣) د : فنجعلها (١٤) م : وهو غيره

(١٥) ط : ـ كذلك

(١٦) ط : كما

(١٧) ط : تحقق

(١٨) سا ، ط ، د : حس

(١٩) م : او بسببه

(٢٠) ب : وإن

(٢١) ط : ـ مخصوصا

٢٥٧

وإذ ليس (١) الاختصاص بالجسمية فهو بغير الجسمية. وإذ ليس الفعل صادرا عن المزاج (٢) صدورا أوليا ، لأن الفعل الصادر عن المزاج هو ما يصدر عن حار وبارد ورطب ويابس مكسور ، (٣) وليس هذا الفعل ذلك ، فهو إذن عن قوة غير المزاج. (٤)

لكن لقائل أن يقول : إنكم تقولون إن المزاج ، وليس (٥) إلا كيفيات مكسورة ، قد يوجب (٦) إعدادا لم تكن للبسائط ، (٧) وليس هو كسر إعداد البسائط. وكذلك سيوجب (٨) (٩) صدور أفعال لم تكن (١٠) للبسائط ، ولا هو كسر أفعال لها.

فنقول إن هذا غلط. فإن الأفعال إنما تنسب نسبة أولية إلى الكيفيات ، ولا يكون للمواد فيها شركة ، وتكون كل قوة إنما هى ما هى لأجل فعلها. ويكون (١١) معنى قولنا إن هذه القوة قوية (١٢) صرفة أن فعلها يصدر (١٣) عنها قويا صرفا ؛ ومعنى قولنا هذه (١٤) القوة ضعيفة مكسورة أن الفعل الذي يصدر عنها يصدر ضعيفا. فلا مفهوم لقولنا حرارة ضعيفة إلا أن الفعل الذي للحرارة يصدر عنها ضعيفا. ثم لا ننكر (١٥) أن تكون (١٦) الأفعال عن الحرارات (١٧) المختلفة فى الضعف والقوة تختلف (١٨) اختلافا كثيرا ، حتى يكون بعضه إحراقا وبعضه إنضاجا. (١٩) لكنها (٢٠) تشترك (٢١) فى المعنى الذي يكون للحرارة. فالذى يقع ذلك المعنى منه شديدا وقويا يقع منه إحراق ، والذي يقع منه ذلك إلى حد يكون إنضاجا. (٢٢)

ولا ننكر (٢٣) أيضا أن تحدث (٢٤) أمور مشتركة من (٢٥) بين الحرارة واليبوسة ، ومن بين الحرارة والرطوبة ، ويكون عنها اختلافات ؛ إلا أنها ترجع ، (٢٦) آخر الأمر ، إلى ما تقتضيه (٢٧) الحرارة واليبوسة ، أو الحرارة والرطوبة. (٢٨) وأما شىء خارج جملة عن طبيعة الحرارة ، أو عن الطبيعة المشتركة التي تتألف (٢٩) عن الحرارة وشىء آخر ، فلا يكون ذلك فعل الحرارة بالذات ، وذلك مثل

__________________

(١) د : وإذا ليس (الأولى والثانية)

(٢) د : عند المزاج (٣) م : مكسورا.

(٤) في نسخة «ب» تبدأ فقرة مكررة من قوله «غير المزاج في هذه الصفحة» إلى قوله : أمر للمادة فى ص ٢٥٩. (٥) م : وليس+ كونه (٦) ط : توجب

(٧) م : «ولا» بدلا من «وليس» (٨) سا : فكذلك سنوجب

(٩) ط : فكذلك (١٠) م ، ط ، يكن (١١) ط : ويكون (الثانية)

(١٢) د : أن هذه القوة+ قوة (١٣) م : تصدر (١٤) د : ان هذه (الثانية)

(١٥) م : لا ينكر (١٦) ط : يكون (١٧) م : عن الحوادث ، وفي سا : الحريات ، وفي ط : الحرارة

(١٨) ط : يختلف (١٩) م : إيضاحا (٢٠) سا ، د : ولكنها (٢١) م ، ط : يشترك

(٢٢) د : إنضاج (٢٣) م : ينكر

(٢٤) م ، ط : يحدث (٢٥) سا ، د : سقطت «من» (الأولى والثانية)

(٢٦) ط : يرجع (٢٧) ط : يقتضيه

(٢٨) ط : والحرارة والرطوبة (٢٩) م ، ط : يتألف

٢٥٨

جذب المغناطيس ، أو مثل شىء آخر مما هو خارج عن أن يكون ملموسا بوجه. فلا هو ذات حرارة ممزوجة أو صرفة. فليس هو من قبيل المزاج ، (١) وذلك كاللون. وكيف ، والمزاج يلمس ويحس به ، ولا يشعر بلون أصلا ، واللون يدرك ويبصر ، ولا يشعر بمزاج أصلا؟ فيكون لا محالة ما أدرك غير ما لم يدرك. وليس يلزم من هنا أن لا تكون (٢) أمور تلحق (٣) هذه الكيفيات باختلاف أحوالها ، مما ليست هى أفاعيل هذه الكيفيات ؛ بل أمور أخرى تتبعها. (٤)

وأما ما كنا فيه من أمر الاستعداد فيجب أن نعلم أن الاستعداد بالحقيقة أمر (٥) للمادة ، (٦) ويكاد (٧) تكون (٨) المادة مستعدة لكل شىء. وفيها قوة قبول كل شىء. لكن الأمور التي توجد فيها (٩) منها ما من شأنه أن لا يجتمع مع بعض ما هو فى قوة (١٠) قبول المادة. فإذا وجد ذلك لم يوجد هو ، فيقال حينئذ إنه لا استعداد فى المادة لذلك (١١) الأمر.

ومنها ما من شأنه (١٢) أن يجتمع معه اجتماعا. وكل ذلك لا لأن الكيفية فعلت فى ذلك فعلا ما ، ولكن لأن المادة فى نفسها هذا شأنها. (١٣)

ولا يمتنع أن يكون بعض مقادير الكيفيات بحيث لا يصلح لبعض الأمور ، وبعضها يصلح. فإنا ندرى أنه لا يستوى الغالب والمعتدل ، وإن كنا ندرى أن فعل الغالب والمنكسر من جنس واحد ، لكنه تارة قوى ، وتارة منكسر ، وليس (١٤) صلوحه لشىء من الأشياء هو فعله. وليس إذا كان فعله متجانسا يجب أن يكون صلوحه متجانسا. فأنت (١٥) تعلم أن الحرارة (١٦) القوية جدا لا تصلح (١٧) لإنضاج الخبز ، وإنما تصلح له (١٨) الحرارة بقدر

__________________

(١) سا : كيف المزاج

(٢) م ، ط : يكون

(٣) ط : يلحق

(٤) م ، ط : يتبعها

(٥) ط : الأمر ـ م ، ط : يعلم

(٦) فى «ب» تنتهى الفقرة المكررة التي أشرنا إليها من قبل فى ص ٢٥٨ بقوله «أمر للمادة»

(٧) سا ، د : يكاد أن

(٨) ط : يكون

(٩) م : ـ «قوة»

(١٠) د : ـ «فيها»

(١١) سا : كذلك

(١٢) ط : عنها ما من شأنه

(١٣) ط : شانه

(١٤) م : أو ليس صارحه ، وفى ط : ليس صلوح

(١٥) سا : وأنت

(١٦) ط : حرارة

(١٧) م ، ط : لا يصلح ..

وإنما يصلح

(١٨) سا ، د : لها

٢٥٩

دون الغالب. فالمزاج إذن لا يوجب إعدادا لم يكن ؛ بل الاستعداد قائم فى المادة. فربما حيل بين المادة وبين ما هى مستعدة (١) له بكيفية. (٢) وربما دفعت تلك الكيفية بضدها ، فخلص الاستعداد عن العوق ، لا لأنه (٣) حدث فى أمر المادة استعداد لم يكن. (٤)

فالمزاج علة عرضية للاستعداد ، بمعنى أنه (٥) يميط المانع. وليس يلزم من ذلك أن يكون فعلا الحرارتين (٦) مختلفين (٧) إلا بالأشد والأضعف.

فبين أن قياس ما قيل ليس قياس الاستعداد.

__________________

(١) سا ، د : هو مستعد لها

(٢) د : بكيفيته

(٣) ط : لا أنه

(٤) د : شىء لم يكن

(٥) سا ، د : ـ أنه

(٦) م ، ط : فعل الحرارتين

(٧) م : مختلفا.

٢٦٠