شرح زيارة الغدير

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان

شرح زيارة الغدير

المؤلف:

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤

أمير المؤمنين عليه‌السلام

«السلام عليك يا أمير المؤمنين» :

اقترن لقب (أمير المؤمنين) تأريخيا بمن يتولى السلطة الزمنية منذ عهد عمر ابن الخطاب ، وهو أول من لقب به ، فقد روى ابن عبد البر ، قال : «وأمّا القصة التي ذكرت في تسمية عمر نفسه أمير المؤمنين ، فذكر الزبير ، قال : قال عمر لمّا ولي : كان أبو بكر يقال له : خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يقال لي : خليفة خليفة رسول الله؟!. قال : فقال له المغيرة بن شعبة : أنت أميرُنا ، ونحن المؤمنون ، فأنت أمير المؤمنين» (١) ، فاستهلَّ به كتبه ، ورسائله ، وكتب به إلى ولاته على الأمصار ، وقد لُقب بهذا اللقب الخلفاء الراشدون ما عدى أبي بكر حيث لقب بخليفة رسول الله ، ولقب به جميع من تولى السلطة من بني أمية ، وبني العباس ، فكان يعني السلطة الزمنية ، وهو لقب للخليفة ما دام في منصبه.

ولكن الأمر يختلف بالنسبة للوصي المرتضى الإمام علي عليه‌السلام فهو بالنسبة إليه لا يقتصر على السلطة الزمنية ؛ لأنَّه الخليفة الذي نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خلافته بعده بلا فصل ، ولقبه بهذا اللقب ، كما جاء في الأحاديث الشريفة ، وإليك بعضاً منها :

قال أنس بن مالك : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أنس ، أول من يدخل من هذه الباب : أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، وسيد المؤمنين علي» (٢) ، وفي لفظ

__________________

(١) الإستيعاب ٣ / ١١٥٠ ، وبنفس المعنى : تاريخ ابن خلدون ١ / ٢٢٧ ، تاريخ الاُمم والملوك ٣ / ٢٧٧ ، تاريخ الخلفاء ١٣٨.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٠٣.

٦١

آخر عن أنس ، قال : «يا أنس ، أول من يدخل عليك من هذا الباب : أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين» ، قال أنس : قلت : اللّهم اجعله رجلاً من الأنصار ، وكتمته ، إذ جاء علي بن أبي طالب ... الحديث.

وفي حديث ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وروى حديثاً في وصف يوم القيامة جاء فيه ـ : «فينادي منادٍ من لدنان العرش [أو قال : من بطنان العرش] : ليس هذا ملكاً مقرباً ، ولا نبياً مرسلاً ، ولا حامل عرش رب العالمين ، هذا علي بن أبي طالب ، أمير المؤمنين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين إلى جنات رب العالمين ... حديث» (١).

وفي حديث ابن عباس ـ أيضاً ـ قال : (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته ، فغدا عليه علي بن أبي طالب بالغداة ـ وكان يحب أن لا يسبقه إليه أحد ـ فدخل ، وإذا بالنبي في صحن الدار ، وإذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي ، فقال : السلام عليك ، كيف أصبح رسول الله؟ قال : بخير ، يا أخا رسول الله ، قال له علي : جزاك الله عن أهل البيت خيراً ، قال له دحية : إنّي أحبك ، وإنَّ لك عندي مدحة أزفها إليك : أنت أمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين [إلى أن قال] : فرفع رسول الله رأسه ، فقال : ما هذه الهمهمة؟. فأخبره علي ، فقال : يا علي ، ليس هو دحية الكلبي ، هو جبرئيل ، سمّاك باسمٍ سمّاك الله به ، هو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين ، ورهبتك في صدور الكافرين» (٢).

وفي حديث ابن عباس ـ أيضاً ـ أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأم سلمة رضي الله عنها :

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ / ١٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٢٨.

(٢) المناقب : ٢٣١.

٦٢

«اسمعي واشهدي ، هذا علي أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين» (١) ، وروي هذا الحديث بلفظ : «يا أم سلمة اشهدي ، واعلمي ، واسمعي ، هذا علي أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين ، وعيبة علمي ، وبابي الذي أوتى منه» (٢).

وروى بريدة الأسلمي ، قال : (أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسلِّم على علي بإمرة المؤمنين ، ونحن سبعة ، وأنا أصغر القوم يومئذٍ) (٣).

والشيعة يرون اختصاص لقب أمير المؤمنين بالإمام علي عليه‌السلام اقتداءً بأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وما رووه عن جدهم الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، ننقل ـ على سبيل المثال ـ ما روي عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه صلوات الله عليهم ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكل أمة صدِّيق ، وفاروق ، وصدِّيق هذه الأمة وفاروقها علي بن أبي طالب ـ في حديث طويل جاء فيه ـ : إنَّ عليا خليفة الله ، وخليفتي عليكم بعدي ، وإنَّه لأمير المؤمنين ، وخير الوصيين ...» الحديث (٤).

__________________

(١) الإرشاد : ٢٠.

(٢) المناقب : ٨٦.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٤٢ / ٣٠٣.

(٤) بحار الأنوار : ٣٨ / ١١٢.

٦٣
٦٤

سيد الوصيين

(وسيد الوصيين) :

الإمام علي عليه‌السلام وصي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا ما أخذه الشيعة من روايات أهل البيت عليهم‌السلام ، ويتفق معهم المعتزلة حيث يقول ابن أبي الحديد : (أمّا الوصية فلا ريب عندنا أنَّ علياً عليه‌السلام كان وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن خالف في ذلك من هو منسوب ـ عندنا ـ إلى العناد ، ولسنا نعني بالوصية : (النص والخلافة) ، ولكن أمور أخرى ، لعلّها إذا لمحت أشرف وأجل) (١).

ويبدو أن الرأي السائد لدى أكثر الأشاعرة يتفق مع رأي الشيعة والمعتزلة في ذلك ، قال الفضل بن روزبها ـ في رده على العلّامة الحلي رحمه‌الله ـ (الوصي : قد يقال ويراد به : من أوصى له بالعلم والهداية ، وحفظ قوانين الشريعة ، وتبليغ العلم والمعرفة ، فإن أريد هذا من الوصي ، فمسلّم أنَّه كان وصيّاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا خلاف في هذا ، وإن أريد الوصية بالخلافة ، فقد ذكرنا بالدلائل العقلية والنقلية عدم النص في خلافة علي) (٢).

وعلى هذا يبدو أنَّ المسلمين جميعاً يتفقون على أنَّه الوصي ما عدا المتعصبين ، وهم الذين نسبهم ابن أبي الحديد إلى العناد.

وقد روى حديث الوصية أئمة الحديث ، وحفاظه في كتبهم عن عدد من

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٣٩.

(٢) دلائل الصدق ٢ / ٢٤١.

٦٥

الصحابة ، ومن هذه الكتب : حلية الأولياء لأبي نعيم ، وذخائر العقبى للمحب الطبري ، والرياض النضرة ، وكنوز الحقائق للمنّاوي ، والمستدرك للحاكم ، والمناقب للإمام أحمد (١) ، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ٤٢ / ٣٩٢ ، وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ١ / ٩٨ ، ٩٩ ، وفضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل ٢ / ٦١٥ ، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ١٨٣ ، وكنز العمال للمتقي الهندي ١١ / ٦٢٠ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٩ / ١١٣ ، ومسند أبي يعلى ٤ / ٣٤٤ ، والمعجم الكبير للطبراني ٦ / ٢٢١ ، والمناقب للخوارزمي ٨٥ ، ١٤٧.

والذي يحدد دور الوصي ، ومعنى الوصية ، هو ما كان عليه أوصياء الأنبياء عليهم‌السلام ، فكما كانوا وزراء للأنبياء في حياتهم ، وخلفاء لهم بعد وفاتهم ، كذلك يكون دور الإمام علي عليه‌السلام لا يختلف عنهم ، والحديث النبوي الشريف نصَّ على الخلافة والوصية معاً ، لم يفصل بينهما ، كما جاء في حديث دعوة العشيرة الذي رواه الإمام علي عليه‌السلام ، قال : «بَدَرَهُمْ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالكلام فقال : «أيّكم يوازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم؟». فأحجم القوم عنها جميعاً ـ وإنّي لأحدثهم سناً ، فقلت : «يا نبي الله ، أنا أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثمَّ قال : «هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له ، وأطيعوا» (٢)».

وفي لفظ أبي رافع مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايته لحديث دعوة العشيرة ، قال : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فمن يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ، ووصيي ،

__________________

(١) فضائل الخمسة ٢ / ٢٧ ـ ٣٤.

(٢) تاريخ الأمم والملوك ٢ / ٦٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢١١ ، كنز العمال ١٣ / ١١٤.

٦٦

وقاضي ديني ، ومنجز عداتي؟» [إلى أن قال] : فقام إليه علي بن أبي طالب فبايعه) (١).

فحديث الوصية اقترن بالدعوة منذ بدئها ، وقبل أن يعلنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس كافة ، إذ اُمر بإعلانها لعشيرته الأقربين أولاً ، ثمَّ تكرر النص بها في مناسبات عديدة ، كان آخرها مرضه الذي قبض فيه على ما رواه أبو أيوب الأنصاري ، من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة في مرضه : «إنَّ الله اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة ، فاختارني منهم ، فبعثني نبياً مرسلاً ، ثمَّ اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك ، فأوحى إلي أن أزوجك إياه ، وأتخذه وصياً وأخاً» (٢).

وممّا يؤيد ما ذهب إليه الشيعة من إرادة النص بالخلافة من الوصية حديث أم سلمة الذي جاء فيه : أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال لها : «إنّ الله اختار لكل أمة نبياً ، واختار لكل نبي وصياً ، فأنا نبي هذه الأمة ، وعلي وصيي في عترتي ، وأهل بيتي ، وأمتي من بعدي» (٣).

وقد روى أحاديث الوصية عدد من الصحابة ، ولكل حديث منها مناسبته الخاصة به ، منهم : ابن عباس ، وأبو رافعع ، وأبو سعيد ، وأم سلمة ، وأنس بن مالك ، وسلمان ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقد مرت روايات أكثرهم ، وتقدم بيان أسماء المصادر التي روت عنهم ؛ لذا كان أمر الوصية على حد كبير من الشهرة في صدر الإسلام ، يدل على ذلك ما رواه ابن أبي الحديد من أراجيز بعض الصحابة والتابعين في حرب الجمل ، وفي حرب صفين ، وما أشار إليه من أنَّ الشعر الذي

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٩ ، شواهد التنزيل ١ / ٥٤٤ ، كفاية الطالب ١٨٤.

(٢) المناقب ٦٣.

(٣) المناقب ١٤٧.

٦٧

يتضمن الوصية لا يمكن حصره (١).

والإمام علي عليه‌السلام خاتم الوصيين ، لأنَّه وصي خاتم الأنبياء عليه وعليهم‌السلام ، وقد جاء النص بذلك في حديث أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذر مرَّ في موضوع أمير المؤمنين (٢) ، وهو ينص على أنَّه خاتم الوصيين.

والإمام علي عليه‌السلام سيد الوصيين لأنه نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنص الذكر ، وهو منه بمنزلة الذراع من العضد ، وبمنزلة الرأس من البدن ، ولما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد النبيين ، فلا ريب أنَّ وصيه سيد الوصيين ، وهو خير الوصيين ، وقد جاء في الحديث النبوي الذي رواه الإمام الصادق عليه‌السلام : وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «لو لا أنّي خاتم الأنبياء لكنت شريكاً في النبوة ، فإن لا تكن نبيّاً فإنَّك وصي نبي ووارثه ، بل أنت سيد الأوصياء ، وإمام الأتقياء» (٣).

وقد جاء في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي قبض فيه ، قال للبضعة الطاهرة عليها‌السلام : «أنا خاتم النبيين ، وأكرم النبيين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله ، وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبهم إلى الله ، وهو بعلك» (٤).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١ / ١٤٣ ـ ١٥٠.

(٢) ص ٦١ من هذا الكتاب.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢١٠ ، ينابيع المودة ١ / ٢٣٩.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٣٠ ، ذخائر العقبى ١٣٦ ، المعجم الأوسط ١ / ١٦٥ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٧.

٦٨

وارث علم النبيّين

(ووارث علم النبيين) :

إنَّ جميع الرسالات السماوية تبتني على أسس واحدة ، وكلها جاءت لإرساء هذه الأسس ، وترسيخها ، لأنَّها جميعاً من مصدر واحد ، وتعمل لهدف واحد ، فكلُّ الرسالات دعت إلى عقيدة التوحيد ، وعبادة الله تعالى ، وجاءت بأحكام وتعليمات من أشنها : إحقاق الحق ، وإزهاق الباطل ، ونشر العدل ، ورفع الظلم ، وتوجيه البشرية نحو الخير ، والصلاح ، وإرشادها إلى مكارم الأخلاق ، وكلّما يسعدها في النشأتين ، ومحاربة كلّ ما يؤدي إلى معصية الله عزوجل : من الرذائل ، والأعمال القبيحة ، وما يؤدي إلى الإضرار بالناس في النشأتين.

لذا نجد أنَّ القرآن الكريم ذكر الكثير من أحكام الديانات السابقة ، وأقرها لتكون تشريعاً من تشريعات الدين الإسلامي الحنيف ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلقى عن طريق الوحي الكثير من سِيَر الأنبياء ، وعلومهم ، والتعليمات السماوية التي اُرسلوا بها ، وقد نص القرآن الكريم في آيات عديدة على تصديق الكتب السماوية السابقة بلفظ : (مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)(١).

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الوارث لعلم الأنبياء بما تلقاه عن طريق الوحي ، ولمّا كان الإمام علي عليه‌السلام باب مدينة علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعيبة علمه ، ومستودع أسرار رسالته ، ووارث علمه ، فهو إذاً وارث علم النبيين عنه ، وإليك بعض الأحاديث التي نصت على أنَّه وارث علمه :

__________________

(١) البقرة ٢ : ٩٧ ، آل عمران ٣ : ٣ ، المائدة ٥ : ٤٨ ، فاطر ٣٥ : ٣١ ، الأحقاف ٤٦ : ٣٠.

٦٩

١ ـ جاء في حديث المؤاخاة عن زيد بن أبي أوفى : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنَّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ، ووارثي. قال : وما أرث منك يا رسول الله؟. قال : ما ورَّثت الأنبياء من قبلي. قال : وما ورَّثت الأنبياء من قبلك؟. قال : كتاب ربِّهم ، وسنة نبيهم ...» الحديث (١).

٢ ـ وجاء في حديث معاذ بن جبل قال : قال علي : يا رسول الله ، ما أرث منك؟. قال : «ما يرث النبيون بعضهم من بعض ، كتاب الله ، وسنة نبيه» (٢).

٣ ـ روى ابن عباس ، قال : كان علي يقول في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله يقول : (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ)(٣). والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات ، أو قتل ، لأقتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله إنّي لأخوه ، ووليه ، وابن عمِّه ، ووارث علمه ، فمن أحق به منّي (٤)».

هذا بعض ما روي من الأحاديث في وراثة الإمام علي عليه‌السلام لعلم الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تضمن كثير من الأحاديث النص على أنَّه وارث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر بنا بعضها في مواضيع سابقة ، ومعلوم أنَّ كل الأحاديث التي تنص على الوراثة بصورة عامة ، غير مخصصة بوراثة العلم ، هي محمولة عليها ، لأنَّ الإمام علياً عليه‌السلام لا يرث من مال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيئاً بحسب القواعد الشرعية ، فابنته الصديقة الزهراء عليها‌السلام هي الوارث الوحيد غير زوجاته على رأي الشيعة ، ويشاركها في وراثته عمه

__________________

(١) ذخائر العقبى ٧١.

(٢) ذخائر العقبى ٧١.

(٣) آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٤) تفسير ابن كثير ١ / ٤١٨ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٢٥ ، المستدرك ٣ / ١٢٦ ، المعجم الكبير ١ / ١٠٧.

٧٠

العباس عليه‌السلام على رأي أهل السنة (١).

وممّا يؤكد وراثته لعلم الأنبياء ، مجمل الأحاديث التي تدل على انتقال علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه ، لأنَّها تستلزم انتقال علم النبيين إليه ، وكونه وارث علمهم ، وهي كثيرة ، ننقل منها :

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا دار الحكمة وعلي بابها» (٢). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم ، فليأت باب المدينة» (٣). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صاحب سري علي بن أبي طالب» (٤). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي عيبة علمي» (٥). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي باب علمي ، ومبيِّن لأمَّتي ما أرسلت به من بعدي» (٦).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (٧).

وروى أبو البختري أنَّه رأى عليا كشف عن بطنه على المنبر ، وقال : «سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنَّ ما بين الجوانح منّي علم جم ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا ما زقني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زقّا ، من غير وحي أوحي إلي ،

__________________

(١) راجع فضائل الخمسة ٢ / ٤١ ففيه تفصيل ما أشير إليه.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٧٨ ، كنز العمال ١١ / ٦٠٠ ، ١٣ / ١٤٧ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٥٨.

(٣) تاريخ بغداد ١ / ٤٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٧٨ ، ٣٨٣ ، شواهد التنزيل ١ / ١٠٤ ، ٤٣٢ ، فيض القدير ٣ / ٦٠ ، كنزل العمال ١٣ / ١٤٨ ، المستدرك ٣ / ١٢٧ ، المعجم الكبير ١١ / ٢٥٥.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٧.

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٨٥ ، فيض القدير ٤ / ٤٦٩ ، ينابيع المودة ٢ / ٧٧ ، ٩٦.

(٦) كشف الخفاء ١ / ٢٠٤ ، كنز العمال ١١ / ٦١٤ ، ينابيع المودة ٢ / ٢٤٠ ، ٣٠١.

(٧) شواهد التنزيل ١ / ١٠٣ ، المناقب ٣٠.

٧١

فوَالله لو ثنيت لي وسادة ، فجلست عليها ، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم ، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم ، حتى ينطق الله التوراة والإنجيل ، فيقول : صدق علي ، قد أفتاكم بما فيَّ ، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون» (١) ، وما ذلك إلّا لأنَّه ورث علم الأنبياء عليهم‌السلام الذي حواه التوراة والإنجيل ، ممّا علّمه إيّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واختصه به.

__________________

(١) المناقب ٩١ ، ينابيع المودة ٢ / ٣٣٨.

٧٢

ولي ربِّ العالمين

(وولي ربّ العالمين) :

اللغة : الوَلْي (١) القرب والدنو ، وَلِيّ الله : المطيع له ، والمؤمن : ولي الله : أي المعان بنصره ، أو الناصر لأوليائه ودينه ، وجمعه : أولياء الله : وهم الذين يطيعون الله ، فيبتعدون عن المعاصي ، ويترقبون إليه بالعبادة والزهد ، وترويض النفس بما يرضي الله.

والإمام علي عليه‌السلام هو سيد أولياء الله تعالى ، وإمامهم ، لم يشرك به طرفة عين ، تربّى في حجر الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنشأ على التوحيد ، وكان أول الأمة إيماناً برسالته ، وتصديقاً لنبويته ، وأول من صلّى معه من الذكور ، تلقى تعاليم الدين ، وأحكامه ، وهو في مقتبل العمر ، فكان شديد الالتزام بها ، يتقيد بأوامرها ، ونواهيها في كل تصرفاته ، فكان بذلك أقواهم إيماناً ، وأشدهم يقيناً ، وأكثرهم عبادة ، وورعاً ، وزهداً ، وتقوى ، لم يحد عن النهج الإسلامي القويم قيد شعرة ، فبلغ بذلك درجة من الإيمان لم يبلغها غيره ، ومن كانت هذه سيرته فلا شك أنه ولي الله ، بل هو سيد أوليائه.

وقد شهد الذكر الحكيم للإمام علي عليه‌السلام لبلوغه هذه الدرجة العظيمة من الإيمان ، في آيات عديدة فسِّرت فيه ، تشهد له بصدق الإيمان ، وتنعته بأسمى

__________________

(١) راجع الصحاح ، والقاموس المحيط ، والمنجد ، والفروق اللغوية.

٧٣

النعوت التي تبين كونه ولي الله ، لذا يقول حبر الأمة عبد الله بن عباس : (ما أنزل الله من آية فيها : يا أيها الذين آمنوا دعاهم فيها ، إلّا وعلي كبيرها وأميرها) (١).

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٦٢ ، الصواعق المحرقة ١٢٧.

٧٤

مولى المؤمنين

(ومولاي ومولى المؤمنين) :

للمولى في اللغة معان كثيرة ، والمعنى الذي يقتضيه سياق الزيارة هو : من يملك الطاعة. وهو بذلك الولي.

وولاية الإمام علي عليه‌السلام ممّا ثبت بنص الكتاب العزيز في آية الولاية ، وأكدته السنة النبوية الشريفة في أحاديث متعددة ، يؤيد بعضها بعضاً ، وأوضحها دلالة حديث الغدير ، الذي نقلناه في التمهيد (١) ، والذي يتضمن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه» ولا شك في تواتر هذا الحديث عن الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ طرق نقله كثيرة ، وعدد من رواه من الصحابة ، ومن تبعهم على روايته في مختلف الطبقات ، قد تجاوز الحد المعتبر في التواتر بكثير ، وإليك بعض الموارد الأخرى لأحاديث الولاية :

١ ـ حديث البضعة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كنت وليه فعلي وليه» (٢) ، وروي هذا الحديث عن بريدة (٣) ، وعن زيد بن أرقم (٤) ، وعن ابن عباس (٥).

__________________

(١) ص ١٥ من هذا الكتاب.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٨٧.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٨٨ ، ١٩٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ ، فضائل الصحابة ١٤ ، مسند أحمد ٥ / ٣٥٨ ، ٣٦١.

(٤) كنز العمال ١٢ / ١٠٤ ، ١٣ / ١٠٥ ، ١٩٢ ، المعجم الكبير ٥ / ١٦٦.

(٥) السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١١٣.

٧٥

٢ ـ حديث بريدة الأسلمي ، قال : غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة ، فقدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكرت علياً ، فتنقصته ، فرأيت وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغير ، فقال : «يا بريدة ، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟. فقلت : بلى يا رسول الله ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه» (١).

وفي رواية ابنه عبد الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو وليكم بعدي» (٢).

وفي رواية أخرى عنه ، قال : «يا بريدة لا تقع في علي ، علي منّي ، وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي» (٣).

٣ ـ حديث عمران بن حصين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «علي منّي وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي» (٤).

٤ ـ حديث ابن عباس ، قال : إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : «أنت ولي كل مؤمن بعدي» (٥).

٥ ـ حديث وهب بن حمزة ، قال : فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تقولوا هذا

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٨٧ ، الدر المنثور ٥ / ١٨٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ ، ١٣١ ، فضائل الصحابة ١٤ ، المستدرك ٣ / ١١٠.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٨٩.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٨٩ ، خصائص أمير المؤمنين ٩٧ ، كنز العمال ١١ / ٦٠٨ ، ينابيع المودة ٢ / ١٥٩.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٩٨ ، خصائص أمير المؤمنين ٩٧ ، كنز العمال ١١ / ٥٩٩ ، ٦٠٨ ، مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ ، المعجم الكبير ١٨ / ١٢٩ ، نظم درر السمطين ٧٩ ، ٩٨.

(٥) البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٩٩ ، خصائص أمير المؤمنين ٦٤ ، مسند أبي داود ٣٦٠ ، المعجم الكبير ١٢ / ٧٨ ، ينابيع المودة ٢ / ٨٦.

٧٦

لعلي ، فإنَّ علياً وليكم بعدي» (١).

وقد عرف له الصحابة هذه الولاية والمولوية ، وأقرّوا بها بمشهد ومسمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبأمر مؤكد منه ، وأول من أقرَّ له بها عمر ، إذ تقدم يوم غدير خم ، وقال له : «بخ .. بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت ، وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة» ، ثمَّ تقدم سائر من حضر من الصحابة ، فبايعه عليها (٢) ، ولم يقتصر إقرار الصحابة بالولاية لعلي عليه‌السلام يوم غدير خم ، بل جرت عليه السيرة العملية لبعضهم بعد ذلك ، وإليك بعض الروايات التي نصت على إقرار كبار الصحابة بأنَّه مولى المؤمنين :

روي عن عمر ـ وقد جاءه اعرابيان يختصمان ـ فقال لعلي : اقض بينهما يا أبا الحسن ، فقضى علي بينهما ، فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا! فوثت إليه عمر ، وأخذ بتلبيبه ، وقال : ويحك ، ما تدري من هذا؟!. هذا مولاي ، ومولى كل مؤمن ، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن (٣).

وروى سالم بن أبي الجعد ، قال : قيل لعمر : إنَّك تصنع بعلي شيئاً لا تصنعه بأحدٍ من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : إنَّه مولاي (٤).

وروى أبو فاختة ، قال : أقبل علي ، وعمر جالس في مجلسه ، فلمّا رآه عمر تضعضع ، وتواضع ، وتوسع له في المجلس ، فلمّا قام علي ، قال بعض القوم : يا أمير المؤمنين ، إنَّك تصنع بعلي صنعاً ما تصنعه بأحدٍ من أصحاب محمد ، قال عمر : وما

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ / ٣٨١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٩٩.

(٢) راجع ص ١٩ من هذا الكتاب.

(٣) ذخائر العقبى ٦٨ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٥ ، الصواعق المحرقة ١٧٩.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٥ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٤٩ ، فيض القدير ٦ / ٢٨٢ ، المناقب ١٦٠.

٧٧

رأيتني أصنع به؟. قال : رأيتك كلما رأيته تضعضعت ، وتواضعت ، وأوسعت ، حتى يجلس ، قال : وما يمنعني ، والله إنَّه لمولاي ، ومولى كل مؤمن (١).

وروي عن رباح بن الحرث النخعي ، قال : كنت جالساً عند علي عليه‌السلام ، إذ قدم عليه قوم متلثمون ، فقالوا : السلام عليك يا مولانا. فقال لهم : أوَ لستم قوماً عرباً؟. قالوا : بلى ، ولكنا سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». فقال : لقد رأيت علياً عليه‌السلام ضحك حتى بدت نواجذه ، ثمَّ قال : اشهدوا ، ثمَّ إنَّ القوم مضوا إلى رحالهم ، فتبعتهم ، فقلت لرجل منهم : مَنِ القوم؟. قالوا : نحن رهطٌ من الأنصار ، وذاك ـ يعنون رجلاً منهم ـ أبو أيوب صاحب منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : فأتيته ، فصافحته (٢).

وروي عن أبي أيوب قوله للإمام علي عليه‌السلام : السلام عليك يا مولاي (٣).

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٠٨ ، الغدير ١ / ١٨٨.

(٣) البداية والنهاية ٧ / ٣٨٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢١٤.

٧٨

أمين الله تعالى وسفيره

(السلام عليك يا أمير المؤمنين ، يا أمين الله في أرضه ، وسفيره في خلقه) :

إنَّ الله عزوجل جعل الأنبياء عليهم‌السلام أمناء في الأرض ، فهم المسؤولون أمامه بمقتضى هذه الأمانة عن تبليغ رسالاته إلى أممهم ، وهم خزنة علمه الملزمون بتعليم الناس شرائعه ، وأحكامه التي تنظم لهم أمور دينهم ودنياهم ، وهم الذين يقودون أممهم نحو الخير ، والصلاح ، وما يسعدهم في النشأتين ، وهم السفراء بين الله عزوجل وبين عباده ، عن طريقهم يبلغ العباد ما يهمهم في دينهم ودنياهم من أحكام وتشريعات ، وقد مرَّت الإشارة إلى ذلك في موضوع : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيين (١).

ويشارك الأنبياء في ذلك ، ويرثه عنهم أوصياؤهم ، فيتحملون معهم المسؤولية أمام الله عزوجل في تحمل علم الشريعة ، وتبليغها إلى الناس ، فهم أمناء وسفراء من دون وحي ، تتفرع أمانتهم وسفارتهم عن الأنبياء عليهم‌السلام.

ولما كان الإمام علي عليه‌السلام وصي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومستودع علمه ، ووارثه ، وصاحب سره ، والمرجع للأمة بعده ، ترجع إليه في ما لم تسمع به نصاً جلياً من المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم تجده في سيرته العملية ، وتقريراته ، أو وجدته ، وجهلت تأويله ، أو جهلت ناسخه ، ومنسوخه ، أو موارد التخصيص ، والتقييد فيه ، وكل ما خفي عليها من أمر.

وقد جرت السيرة العملية للصحابة ـ وفي مقدَّمهم الخلفاء الثلاثة ـ على الرجوع إليه في ما أشكل عليهم ، وجهلوا حكمه ، وبذلك تحمل ذات الأمانة التي

__________________

(١) ص ٥٤ من هذا الكتاب.

٧٩

تحملها الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبليغ الأمة ، وإرشادها إلى أحكام دينها ، وتعليماته ، وهو يرث عنه الأمانة ، والسفارة ، ويؤديهما عنه بما استودعه عنده من علم ، فكان المفزع بعده إليه ، لما بيَّنه للأمة من أنَّه لا يؤدي عنه إلّا علي عليه‌السلام ، وأنَّه الذي يبين للأمة ما اختلفوا فيه من بعده ، في أحاديث عديدة ، ننقل منها :

١ ـ حديث حبشي بن جنادة السلولي ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «علي منّي وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلّا أنا أو علي» (١).

٢ ـ حديث عبد الله بن عباس أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «لا يؤدي عنّي إلّا أنا أو علي بن أبي طالب» (٢).

٣ ـ حديث الآيات من سورة براءة ، وأخذها من أبي بكر : رواه سعد بن أبي وقاص ، جاء فيه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنَّه لا يؤدي عنّي إلّا أنا أو رجلٌ منّي» (٣) ، وفي رواية علي بن أبي طالب عليه‌السلام للحديث بلفظ : ولكن جبرئيل جاءني ، فقال : «لا يؤدي عنك إلّا أنت أو رجلٌ منك» (٤).

٤ ـ حديث أنس بن مالك ، جاء فيه : أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي : «وما يمنعني وأنت تؤدي عنّي ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي» (٥).

وفي حديث آخر عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : «أنت تغسلني ،

__________________

(١) البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢ ، ٧ / ٣٩٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٥ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٥ ، الصواعق المحرقة ١٢٥ ، المعجم الكبير ٤ / ١٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٥.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١١٧ ، خصائص أمير المؤمنين ٩٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٢٩.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٤٨.

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٨٦ ، شرح نهج البلاغة ٩ / ١٦٩ ، المناقب ٨٥.

٨٠