شرح زيارة الغدير

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان

شرح زيارة الغدير

المؤلف:

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤

بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّـهِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(١) * أَشْهَدُ أَنَّكَ المَخْصُوصُ بِمِدْحَةِ الله * المُخْلِصُ لِطاعَةِ اللهِ * لَمْ تَبْغِ بِالهُدىْ بَدَلاً * وَلَمْ تُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّكَ أَحَداً * وَأَنَّ الله تَعالى اسْتَجابَ لِنَبِيِّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ فِيكَ دَعْوَتَهُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِظْهارِ ما أَوْلاكَ لاُمَّتِهِ إِعْلاءاً لِشَأْنِكَ * وَإِعْلاناً لِبُرْهانِكَ * وَدَحْضاً لِلاَباطِيلِ * وَقَطْعاً لِلْمَعاذِيرِ * فَلَمّا أشْفَقَ مِنْ فِتْنَةِ الفاسِقِينَ * وَاتَّقى فِيكَ المُنافِقِينَ * أَوْحى إِلَيْهِ رَبُّ العالَمِينَ : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(٢) * فَوَضَعَ عَلى نَفْسِهِ أوْزارَ المَسِيرِ * وَنَهَضَ فِي رَمْضاءِ الهَجِيرِ * فَخَطَبَ وَأَسْمَعَ وَنادى فَأَبْلَغَ ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَجْمَعَ * فَقالَ : هَلْ بَلَّغْتُ؟ * فَقالوا : اللّهُمَّ بَلى * فَقالَ : اللّهُمَّ اشْهَدْ * ثُمَّ قالَ : أَلَسْتُ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ * فَقالوا : بَلى * فَأَخَذَ بَيَدِكَ وَقالَ : مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيُّ مَولاهُ * اللّهُمَّ والِ مَنْ وَالاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ * وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ * وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ * فَما آمَنَ بِما أَنْزَلَ الله فِيكَ

__________________

(١) التوبة ٩ : ١٩ ـ ٢٢.

(٢) المائدة ٥ : ٦٧.

٤١

عَلى نَبِيِّهِ إِلاّ قَلِيلٌ وَلا زادَ أَكْثَرَهُمْ غَيْرَ تَخْسِيرٍ (١) * وَلَقَدْ أَنْزَلَ الله تَعالى فِيكَ مِنْ قَبْلُ وَهُمْ كارِهُونَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)(٢) * (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)(٣) * (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)(٤) * اللّهُمَّ إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ هذا هُوَ الحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ * فَالعَنْ مَنْ عارَضَهُ وَاسْتَكْبَرَ وَكَذَّبَ بِهِ وَكَفَرَ * (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)(٥) * السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَسَيِّدَ الوَصِيِّينَ * وَأَوَّلَ العابِدِينَ * وَأَزْهَدَ الزَّاهِدِينَ وَرَحْمَةَ الله وَبَرَكاتُهُ وَصَلَواتُهُ وَتَحِياتُهُ * أَنْتَ مُطْعِمُ الطَّعامِ عَلى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيماً وَأَسِيراً لِوَجْهِ الله لا تُرِيدُ مِنْهُمْ جَزاءً

__________________

(١) إلّا تخسير (المزار الكبير ٢٧٢).

(٢) المائدة ٥ : ٥٤ ـ ٥٦.

(٣) آل عمران ٣ : ٥٣.

(٤) آل عمران ٣ : ٨.

(٥) الشعراء ٢٦ : ٢٢٧.

٤٢

وَلا شُكُوراً (١) * وَفِيكَ أَنْزَلَ الله تَعالى : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٢) * وَأَنْتَ الكاظِمُ لِلْغَيْظِ * وَالعافِي عَنِ النَّاسِ * وَالله يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (٣) * وَأَنْتَ الصَّابِرُ فِي البَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ (٤) * وَأَنْتَ القاسِمُ بِالسَّوِيَّةِ * وَالعادِلُ فِي الرَّعِيَّةِ * وَالعالِمُ بِحُدُودِ الله مِنْ جَمِيعِ البَرِيَّةِ * وَالله تَعالى أَخْبَرَ عَمَّا أَوْلاكَ مِنْ فَضْلِهِ بِقَوْلِهِ : (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(٥) * وَأَنْتَ المَخْصُوصُ بِعِلْمِ التَّنْزِيلِ * وَحُكْمِ التَّأْوِيلِ * وَنَصِّ الرَّسُولِ * وَلَكَ المَواقِفُ المَشْهُودَةُ * وَالمَقاماتُ المَشْهُورَةُ * وَالأيَّامُ المَذْكُورَةُ : يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الاَحْزابِ (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ * وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ

__________________

(١) إشارة إلى الآيتين ٨ و ٩ من سورة الإنسان ، وفي المزار ٧٨ (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا).

(٢) الحشر ٥٩ : ٩.

(٣) إشارة إلى الآية ١٣٤ من سورة آل عمران.

(٤) إشارة إلى الآية ١٧٧ من سورة البقرة.

(٥) السجدة ٣٢ : ١٨ ـ ١٩.

٤٣

فَارْجِعُوا * وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)(١) * وَقالَ الله تَعالى : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)(٢) * فَقَتلْتَ عَمْرَهُمْ وَهَزَمْتَ جَمْعَهُمْ (وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ (٣) وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)(٤) * وَيَوْمَ أُحُدٍ (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ)(٥) وَأَنْتَ تَذُودُ بِهِمُ المُشْرِكينَ عَنِ النَّبِيَّ ذاتَ اليَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ حَتّى رَدَّهُمُ الله تَعالى عَنْكُما (٦) خائِفِينَ * وَنَصَرَ بِكَ الخاذِلِينَ * وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَلى ما نَطَقَ بِهِ التَّنْزِيلُ (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٧) * وَالمُؤْمِنُونَ أَنْتَ وَمَنْ يَلِيكَ * وَعَمُّكَ العَبَّاُس يُنادِي المُنْهَزِمِينَ يا أَصْحابَ سُورَةِ البَقَرَةِ * يا أَهْلَ بَيْعَةِ

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ١٠ ـ ١٣.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٢٢.

(٣) بك (المزار ٧٩).

(٤) الأحزاب ٣٣ : ٢٥.

(٥) إشارة إلى الآية ١٥٣ من آل عمران ، وفي المزار الكبير ٢٧٤ ، والمزار ٨٠ : (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم).

(٦) حتى صررفهم عنكم خائفين (المزار الكبير ٢٧٤).

(٧) التوبة ٩ : ٢٥ ـ ٢٦.

٤٤

الشَّجَرَةِ * حَتّى اسْتَجابَ لَهُ قَوْمٌ قَدْ كَفَيْتَهُمُ المُؤْنَةَ * وَتَكَلَّفْتَ دُونَهُمُ المَعُونَةَ * فَعادُوا آيِسِينَ مِنَ المَثُوبَةِ * راجِينَ وَعْدَ الله تعالى بِالتَّوْبَهِ * وَذلِكَ قَوْلُ الله جَلَّ ذِكْرُهُ (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّـهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ)(١) * وَأَنْتَ حائِزٌ دَرَجَةَ الصَّبْرِ * فائِزٌ بِعَظِيمِ الاَجْرِ * وَيَوْمَ خَيْبَرَ إِذْ أَظْهَرَ الله خَوَرَ المُنافِقِينَ * وَقَطَعَ دابِرَ الكافِرِينَ * وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ * (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ * وَكَانَ عَهْدُ اللَّـهِ مَسْئُولًا)(٢) * مَوْلايَ أَنْتَ الحُجَّةُ البالِغَةُ * وَالمَحَجَّةُ الواضِحَةُ * وَالنِّعْمَةُ السابِغَةُ * وَالبُرْهانُ المُنِيرُ * فَهَنِيئا لَكَ بِما أَتاكَ الله مِنْ فَضْلٍ * وَتَبّاً لِشانِئِكَ ذِي الجَهْلِ * شَهِدْتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ جَمِيعَ حُروبِهِ وَمَغازِيهِ * تَحْمِلُ الرَّايَةَ أَمامَهُ * وَتَضْرِبُ بِالسَّيْفِ قُدَّامَهُ * ثُمَّ لِحَزْمِكَ المَشْهُورِ * وَبَصِيرَتِكَ فِي الاُمورِ * أَمَّرَكَ فِي المَواطِنِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ أَمِيرٌ * وَكَمْ مِنْ أَمْرٍ صَدَّكَ عَنْ إِمْضاءِ عَزْمِكَ فِيهِ التُّقى * وَاتَّبَعَ غَيْرُكَ فِي مِثْلِهِ الهَوى * فَظَنَّ الجاهِلُونَ أَنَّكَ عَجَزْتَ عَمَّا إِلَيْهِ انْتَهى * ضَلَّ وَالله الظَّانُّ لِذلِكَ وَما اهْتَدى * وَلَقَدْ أَوْضَحْتَ ماأَشْكَلَ مِنْ ذلِكَ لِمَنْ تَوَهَّمَ وَامْتَرى بِقَوْلِكَ صَلّى الله عَلَيْكَ : قَدْ يَرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحِيلَةِ وَدُونَها حاجِزٌ مِنْ تَقْوى الله فَيَدَعُها رَأْيَ العَيْنِ *

__________________

(١) التوبة ٩ : ٢٧.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ١٥.

٤٥

وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَها مَنْ لا حَرِيجَةَ (١) لَهُ فِي الدِّينِ * صَدَقْتَ وَخَسِرَ المُبْطِلُونَ * وَإِذْ ماكَرَكَ الناكِثانِ فَقالا : نُرِيدُ العُمْرَةَ فَقُلْتَ لَهُما : لَعَمْرُكُما ماتُرِيدانِ العُمْرَةَ لكِنْ تُرِيدانِ الغَدْرَةَ (٢) * فَأَخَذْتَ البَيْعَةَ عَلَيْهِما * وَجَدَّدْتَ المِيثاقَ * فَجَداً فِي النِّفاقِ * فَلَمَّا نَبَّهْتَهُما عَلى فِعْلِهِما أَغْفَلا وَعادا وَما انْتَفَعا وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِهِما خُسْراً * ثُمَّ تَلاهُما أَهْلُ الشَّامِ فَسِرْتَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الاعْذارِ * وَهُمْ لا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ * وَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ * هَمَجٌ رعاعٌ ضالُّونَ * وَبِالَّذِي اُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ فِيْكَ كافِرُونَ * وَلِأهْلِ الخِلافِ عَلَيْكَ ناصِرُونَ * وَقَدْ أَمَرَاللهُ تَعالى بِاتِّباعِكَ * وَنَدَبَ المُؤْمِنِينَ إِلى نَصْرِكَ * وَقالَ عَزَّوَجَلَّ (٣) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(٤) * مَوْلايَ بِكَ ظَهَرَ الحَقُّ وَقَدْ نَبَذَهُ الخَلْقُ * وَأَوْضَحْتَ السُّنَنَ بَعْدَ الدُّرُوسِ وَالطَّمْسِ * فَلَكَ سابِقَةُ الجِهادِ عَلى تَصْدِيقِ التَّنْزِيلِ * وَلَكَ فَضِيلَةُ الجِهادِ عَلى تَحْقِيقِ التَّأْوِيلِ * وَعَدُوُّكَ عَدُوُّ الله جاحِدٌ لِرَسُولِ الله يَدْعُو باطِلاً * وَيَحْكُمُ جائِراً * وَيَتَأَمَّرُ غاضِباً * وَيَدْعُو حِزْبَهُ إِلى النَّارِ * وَعَمَّارُ يُجاهِدُ وَيُنادِي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ : الرَّواحَ الرَّواحَ إِلى الجَنَّةِ * وَلَمّا اسْتَسْقَى فَسُقِيَ اللَّبَنَ كَبَّرَ وَقالَ : قالَ لِي رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ : آخِرُ شَرابِكَ مِنَ الدُّنْيا ضَياحٌ مِنْ لَبَنٍ

__________________

(١) جريحة (المزار الكبير ٢٧٦).

(٢) لعمري ما تريدان العمرة ، لكن الغدرة (المزار الكبير ٢٧٦).

(٣) وقال الله تعالى (المزار : ٨٢).

(٤) التوبة ٩ : ١١٩.

٤٦

* وَتَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ * فَاعْتَرَضَهُ أَبُو العادِيَةِ الفَزارِيِّ فَقَتَلَهُ * فَعَلى أَبِي العادِيَةِ لَعْنَةُ الله وَلَعْنَةُ مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ أجْمَعِينَ * وَعَلى مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ عَلَيْكَ وَسَلَلْتَ سَيْفَكَ عَلَيْهِ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مِنْ المُشْرِكِينَ وَالمُنافِقِينَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ * وَعَلى مَنْ رَضِيَ بِما سأَكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ وَأَغْمَضَ عَيْنَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ * أَوْ أَعانَ عَلَيْكَ بِيَدٍ أَوْ لِسانٍ * أوْ قَعَدَ عَنْ نَصْرِكَ * أوْ خَذَلَ عَنِ الجِهادِ مَعَكَ * أوْ غَمَطَ فَضْلَكَ وَجَحَدَ حَقَّكَ * أوْ عَدَلَ بِكَ مَنْ جَعَلَكَ الله أَوْلى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ * وَصَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَسَلامُهُ وَتَحِيَّاتُهُ * وَعَلى الأَئِمَّةِ مِنْ آلِكَ الطَّاِهرِينَ * إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * وَالأمْرُ الاَعْجَبُ وَالخَطْبُ الأفْظَعُ بَعْدَ جَحْدِكَ حَقَّكَ * غَصْبُ الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساءِ فَدَكاً * وَرَدُّ شَهادَتِكَ وَشَهادَةِ السَّيِّدَيْنِ سُلالَتِكَ وَعِتْرَةِ (١) المُصْطَفى صَلّى الله عَلَيْكُمْ * وَقَدْ أَعْلى الله تَعالى عَلى الاُمَّةِ دَرَجَتَكُمْ * وَرَفَعَ مَنْزِلَتَكُمْ وَأَبانَ فَضْلَكُمْ وَشَرَّفَكُمْ عَلى العالَمِينَ * فَأَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيراً (٢) * قالَ الله عَزَّوَجَلَّ : (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ)(٣) * فَاسْتَثْنى الله تَعالى نَبِيَّهُ المُصْطَفى وَأَنْتَ ياسَيِّدَ الأَوْصِياء مِنْ جَمِيعِ الخَلْقِ * فَما أَعْمَهَ مَنْ

__________________

(١) وعترة أخيك المصطفى (المزار الكبير : ٢٧٨).

(٢) اقتباس من آية التطهير (الأحزاب : ٣٣).

(٣) المعارج ٧٠ : ١٩ ـ ٢٢.

٤٧

ظَلَمَكَ عَنِ الحَقِّ * ثُمَّ أَفْرَضُوكَ سَهْمَ ذِي القُرْبى مَكْراً * وَأَحادُوهُ عَنْ أَهْلِهِ جَوْراً * فَلَمّا آلَ الأمْرُ إِلَيْكَ أَجْرَيْتَهُمْ عَلى ما أَجْرَيا (١) رَغْبَةً عَنْهُما بِما عِنْدَ الله لَكَ * فَأَشْبَهَتْ مِحْنَتُكَ بِهِما مِحَنَ الأَنْبِياءِ عليهم‌السلام عِنْدَ الوَحْدَةِ وَعَدَمِ الاَنْصارِ * وَأَشْبَهْتَ فِي البِياتِ عَلى الفِراشِ الذَّبِيحَ عليه‌السلام * إِذْ أَجَبْتَ كَما أَجابَ * وَأَطَعْتَ كَما أَطاعَ إسْماعِيلُ صابِراً مُحْتَسِباً إِذْ قالَ لَهُ : (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(٢) * وَكَذلِكَ أَنْتَ لَمّا أَباتَكَ النَّبِيُّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ * وَأَمَرَكَ أَنْ تَضْجَعَ فِي مَرْقَدِهِ وَاقِياً لَهُ بِنَفْسِكَ أَسْرَعْتَ إِلى إِجابَتِهِ مُطِيعاً * وَلِنَفْسِكَ عَلى القَتْلِ مُوَطِّناً * فَشَكَرَ الله تَعالى طاعَتَكَ وَأَبانَ عَنْ جَمِيلِ فِعْلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ)(٣) * ثُمَّ مِحْنَتُكَ يَوْمَ صِفِّينَ وَقَدْ رُفِعَتِ المَصاحِفُ حِيلَةً وَمَكْراً * فَأَعْرَضَ الشَّكُّ وَعُرِفَ الحَقُّ وَاتُّبَعَ الظَّنُّ * أَشْبَهْتْ مِحْنَةَ هارُونَ إِذْ أَمَّرَهُ مُوسى عَلى قَوْمِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ وَهارُونُ يُنادِي بِهِمْ (٤) وَيَقُولُ : (يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ

__________________

(١) ما أجريا عليه (المزار ٨٥).

(٢) الصافات ٣٧ : ١٠٢.

(٣) البقرة ٢ : ٢٠٧.

(٤) يناديهم (المزار الكبير ٢٨٢).

٤٨

يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ)(١) * وَكذلِكَ أَنْتَ لَمَّا رُفِعَتِ المَصاحِفُ قُلْتَ ياقَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِها وَخُدِعْتُمْ * فَعَصَوكَ وَخالَفُوا عَلَيْكَ * وَاسْتَدْعَوا نَصْبَ الحَكَمَيْنِ * فَأَبَيْتَ عَلَيْهِمْ * وَتَبَرَّأْتَ إِلى الله مِنْ فِعْلِهِمْ * وَفَوَّضْتَهُ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا أَسْفَرَ الحَقُّ وَسَفِهَ المُنْكَرُ * وَاعْتَرَفُوا بِالزَّلَلِ وَالجَوْرِ عَنِ القَصْدِ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِهِ * وَأَلْزَمُوكَ عَلى سَفَهٍ التَّحْكِيمَ الَّذِي أَبَيْتَهُ وَأَحَبُّوُه وَحَظَرْتَهُ وَأَباحُوا ذَنْبَهُمْ الَّذِي اقْتَرَفُوهُ وَأَنْتَ عَلى نَهْجِ بَصِيرَةٍ وَهُدىً * وَهُمْ عَلى سُنَنِ ضَلالَةٍ وَعَمىً * فَما زالُوا عَلى النِّفاقِ مُصِرِّينَ * وَفِي الغَيِّ مُتَرَدِّدِينَ حَتّى أَذاقَهُمُ الله وَبالَ أَمْرِهِمْ * فَأَماتَ بِسَيْفِكَ مَنْ عانَدَكَ فَشَقِيَ وَهَوى * وَأَحْيا بِحُجَّتِكَ مَنْ سَعَدَ فَهُدِيَ صَلَواتُ الله عَلَيْكَ غادِيَةً وَرائِحَةً وَعاكِفَةً وَذاهِبَةً * فَما يُحِيطُ المادِحُ وَصْفَكَ * وَلايُحْبِطُ الطَّاعِنُ فَضْلَكَ * أَنْتَ أَحْسَنُ الخَلْقِ عِبادَةً * وَأَخْلَصُهُمْ زَهادَةً * وَأَذَبُّهُمْ عَنِ الدِّينِ * أَقَمْتَ حُدُودَ الله بِجُهْدِكَ * وَفَلَلْتَ عَساكِرَ المارِقِينَ بِسَيْفِكَ * تُخْمِدُ لَهَبَ الحُرُوبِ بِبَنانِكَ * وَتَهْتِكُ سُتُورَ الشُّبَهِ بِبَيانِكَ * وَتَكْشِفُ لَبْسَ الباطِلِ عَنْ صَرِيحِ الحَقِّ * لا تَأْخُذُكَ فِي الله لَوْمَةَ لائِمٍ * وَفِي مَدْحِ اللهِ تَعالى لَكَ غِنىً عَنْ مَدْحِ المادِحِينَ وَتَقْرِيظِ الواصِفِينَ * قالَ الله تَعالى : (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)(٢) * وَلَمَّا

__________________

(١) طه ٢٠ : ٩١ ـ ٩١.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٢٣.

٤٩

رَأَيْتَ أَنْ قَتَلْتَ النَّاكِثِينَ وَالقاسِطِينَ وَالمارِقِينَ وَصَدَّقَكَ رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعْدَهُ فَأَوْفَيْتَ بِعَهْدِهِ قُلْتَ : أَما آنَ أَنْ تُخْضَبَ هذِهِ مِنْ هذِهِ؟ أَمْ مَتى يُبْعَثُ أَشْقاها؟ واثِقاً بِأَنَّكَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَبَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ * قادِمٌ عَلى اللهِ * مُسْتَبْشِرٌ بِبَيْعِكَ الَّذِي بايَعْتَةُ بِهِ * وَذلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ * اللّهُمَّ العَنْ قَتَلَةَ أَنْبِيائِكَ وَأَوْصِياء أَنْبِيائِكَ بِجَمِيعِ لَعَناتِكَ * وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ * وَالعَنْ مَنْ غَصَبَ وَلِيَّكَ حَقَّهُ * وَأَنْكَرَ عَهْدَهُ * وَجَحَدَهُ بَعْدَ اليَقِينِ وَالإقْرارِ بِالوِلايَةِ لَهُ يَوْمَ أَكْمَلْتَ لَهُ الدِّينَ * اللّهُمَّ العَنْ قَتَلَةَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَمَنْ ظَلَمَهُ وَأَشْياعَهُمْ وَأَنْصارَهُمْ * اللّهُمَّ الْعَنْ ظالِمِي الحُسَيْنِ وَقاتِلِيهِ * وَالمُتابِعِينَ عَدُوَّهُ وَناصِرِيهِ * وَالرَّاضِينَ بقَتْلِهِ وَخاذِلِيهِ لَعْنا وَبِيلاً * اللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ مُحَمَّدٍ وَمانِعِيهِمْ حُقُوقَهُمْ * اللّهُمَّ خُصَّ أَوَّلَ ظالِمٍ وَغاصِبٍ لالِ مُحَمَّدٍ بِاللّعْنِ * وَكُلَّ مُسْتَنٍّ بِما سَنَّ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ (١) اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَبِيِّنَ (٢) وَعَلى عَلِيٍّ سَيِّدِ الوَصِيِّنَ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ * وَاجْعَلْنا بِهِمْ مُتَمَسِّكِينَ وَبِوِلايَتِهِمْ مِنَ الفائِزِينَ الامِنِينَ الَّذِينَ لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣).

__________________

(١) إلى يوم الدين (المزار الكبير ٢٨٢).

(٢) وسيد المرسلين (المزار الكبير ٢٨٢).

(٣) إنّك حميد مجيد (المزار الكبير ٢٨٢).

٥٠

الشرح

٥١
٥٢

محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيّين

«السلام على محمد رسول الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وصفوة ربِّ العالمين ، أمين الله على وحيه ، وعزائم أمره ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ، ورحمة الله وبركاته ، وصلواته وتحياته» :

اللغة : السلام تحية الإسلام.

إختلف في معنى السلام على وجوه : منها : أنَّه دعاء بمعنى : سَلِمْتَ من المكاره.

ومنها : اسم السلام عليك.

ومنها : اسم الله عليك ، أي أنت في حفظه.

ومعنى السلام على الأحياء ، وعلى الأموات : الدعاء بالسلامة من آفات الدنيا ، وعذاب الآخرة (١).

خاتَمِ النبيين : يجوز فيه : فتح التاء وكسرها ، فالفتح : بمعنى الزينة ، مأخوذ من الخاتَمْ الذي هو زينة لِلابسه ، والكسر : اسم فاعل بمعنى : اللآخِر (٢) ، فالخاتَم : حلي للإصبع ، والخاتِم : آخر القوم (٣).

صفوة رب العالمين : صفوة الشي : خالصه ، ومحمد صفوة الله من خلقه ،

__________________

(١) بتصرف عن مجمع البحرين.

(٢) مجمع البحرين.

(٣) القاموس المحيط.

٥٣

ومصطفاه (١).

عزائم : جمع عزيمة : وهي إرادة الفعل ، والقطع عليه ، والجد في الامر ، وعزائم الله : موجباته ، والأمر المقطوع عليه ، لا ريب فيه ، ولا شبهة ، ولا تأويل فيها ، ولا نسخ (٢) ، وعزمة من عزائم الله : حق من حقوقه ، وواجب ممّا أوجبه ، وعزائم الله : فرائضه التي أوجبها (٣).

الفاتح : من أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لفتحه أبواب الإيمان ، ولأنَّه جعله الله حاكماً في خلقه ، ولأنَّه فتح ما استغلق من العلم (٤).

المهيمن : الشاهد (٥) ، المهيمن على كذا : صار رقيباً عليه ، وحافظاً (٦).

السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

جاء الأمر بالسلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معطوفا على الأمر بالصلاة عليه ، في قوله عزوجل : (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(٧).

وقد ورد في الحديث الشريف في فضل السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قوله : «إنَّ ملكاً أتاني ، فقال لي : يا محمد ، إنَّ ربَّك يقول لك : أما يرضيك أن لا يصلّي عليك

__________________

(١) الصحاح.

(٢) مجمع البحرين.

(٣) القاموس المحيط.

(٤) مجمع البحرين.

(٥) الصحاح.

(٦) القاموس المحيط.

(٧) الأحزاب : ٥٦.

٥٤

أحد من أمتك ، إلّا صليت عليه عشراً ، ولا يسلّم عليك إلّا سلّمت عليه عشراً؟» (١).

خاتم النبيين :

إنَّ الله عزوجل أرسل الأنبياء لهداية البشر إلى طاعته وعبادته ، وزوَّد كلَّ نبي بالدلائل والمعجزات ، ليثبت صحة دعواه ، وكلُّ الأنبياء مهَّدوا للنبوة الخاتمة لنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبشَّروا بها ، وقد دخل التحريف على الديانات السابقة للإسلام ، وشوِّهت معالمها ، أمّا رسالة الإسلام الخالدة فقد حفظت من التشويه والتحريف بالقرآن الكريم الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)(٢) ، وقد تعهد الباري عزوجل بحفظه حيث يقول : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(٣) فبقيت الرسالة كما أنزلها الله تعالى ، وستبقى مدى الدهر ، لأنَّها مزوَّدة بما يضمن بقاءَها : بمعجزتها الخالدة ، ولشمولها على ما يصلح شتى نواحي الحياة ، ومعالجتها بأفضل وجه ، ولمواكبتها سنن التطور والرقي ، وقد نص الذكر الحكيم على كونه خاتم النبيين في قوله تعالى : (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(٤) ، كما أكده الحديث النبوي الشريف في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا نبيَّ بعدي» ، فهو خاتَم الأنبياء ، وخاتِمهم.

__________________

(١) سنن الدارمي ٢ / ٣١٧ ، السنن الكبرى للنسائي ١ / ٣٨٠ ـ ٣٨٤ ، مسند أحمد ٤ / ٣٠ ، المصنف لابن أبي شيبة ٢ / ٣٩٨ ، ٧ / ٤٤٢.

(٢) فصلت : ٤٢.

(٣) الحجر : ٩.

(٤) الأحزاب : ٤٠.

٥٥

سيد المرسلين :

والنبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو سيد المرسلين ، ولا خلاف في ذلك ، وقد شاركهم في جميع خصائصهموفضائلهم ، وزاد عليهم ، وتحمل الأذى في سبيل الله عزوجل من أجل إبلاغ رسالته أكثر ممّا تحمله أيّ نبي ، ولم يقتصر الأذى عليه في حياته ، بل تعداء إلى ذريته ، وأهل بيته عليهم‌السلام من بعده.

وقد ورد في الحديث النبوي الشريف النص على أنّه سيد المرسلين : روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث في الإسراء قال فيه : «وأعطت ثلاثاً : إنَّك سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، ورسول رب العالمين ، وقائد الغر المحجلين» (١) وفي حديث جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأول شافع ومشفع ولا فخر» (٢) ، وفي حديث آخر : «أنا سيد المرسلين إذا بعثوا» (٣).

المصطفى :

وهو الذي اصطفاه الله تعالى ، فاستخلصه ، واختاره من بين عباده من الأولين والآخرين ، وقد جاء في حديث واثلة بن الأسقع ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنَّ الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم ، واتخذه خليلاً ، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، ثمَّ اصطفى من ولد إسماعيل نزار ، ثمَّ اصطفى من ولد نزار مضر ، ثمَّ اصطفى من ولد مضر كنانة ، ثمَّ اصطفى من كنانة قريشاً ، ثمَّ اصطفى من قريش

__________________

(١) الدر المنثور ٤ / ١٥٣ ، كشف الخفاء ٢ / ٣٤٢ ، مجمع الزوائد ١ / ٥٧٨.

(٢) الأوائل لأبي عاصم : ٨٤.

(٣) كنز العمال ١١ / ٤٣٥.

٥٦

بني هاشم ، ثمَّ اصطفى من بني عبد المطلب ، ثمَّ اصطفاني من بني عبد المطلب» (١).

فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المصطفى المختار الذي خصه الله عزوجل بكل مكرمة ، وحباه بكل فضل ، فاختاره للنبوة الخاتمة ، وأمر الأنبياء السابقين أن يبشروا به وبرسالته ، وأوجب على جميع الخلق اتباعه.

أمين الله :

كلُّ نبي هو أمين الله عزوجل على ما يوحى إليه ، يؤتمن عليه ، ليبلّغه إلى أمته ، ونبينا المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يختلف في ذلك عن سائر الأنبياء ، والوحي الذي نزل عليه على نوعين :

الأول : القرآن الكريم : وقد نزل بالنَّص الذي بين أيدينا ، بلا زيادة ، ولا نقص ، وقد أخذه المسلمون بالتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذ نزوله ، وحفظه بعض الصحابة عن ظهر قلب على عهده ، وتناقله المسلمون من بعده ، وحفظوا سوره وآياته ، ورتّلوه في صلواتهم ، ومحافلهم ، وندواتهم ، وتعبدوا الله تعالى بالعمل بأحكامه ، وتدارسوا أوجه تفسيره ، وتأويله.

الثاني : ما كان يتلقاه من الوحي ـ غير القرآن الكريم ـ وهو يشتمل على تفسير القرآن ، وبيان الأحكام ، وأخبار الماضين ، والإخبار بالمغيبات ، وما إلى ذلك مما ائتمن الله عزوجل عليه نبيَّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليؤديه إلى أمته.

وكما أدّى القرآن ، وبلّغه إلى الأمة بنَصِّه ، وبلّغهم أحكامه ، وتفسير آياته ، فإنَّه علّمهم معالم دينهم كما جاءته عن الله تعالى ، كلّما اقتضت الحاجة إلى ذلك ما دام

__________________

(١) الدر المنثور ٢ / ٢٣٤ ، ذخائر العقبى : ١٠.

٥٧

فيهم ، وأودع أسرار رسالته إلى وصيه المرتضى الإمام علي عليه‌السلام ليكون مرجع الأمة بعده ، ثمَّ نوَّه عنه ، وأرشد إليه ، فأخبرهم بأنَّه موضع سرّه ، وعيبة علمه ، وباب مدينة علمه (١) ، إلى غير ذلك من الأحاديث التي أرشد فيها إليه ، وبهذا حفظ الأمانة ، وأدّاها خير أداء ، فكان الإمام علي عليه‌السلام بذلك الأمين بعد الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والوحي يشتمل على العزائم ، وعلى غيرها من الأحكام ، وائتمانه على العزائم يتفرع عن ائتمانه على الوحي ، وقد بلَّغها إلى الناس ، وحثهم على العمل بها ، كما حثهم على عدم التهاون بها ، أو تركها.

وهو الخاتِم لما سبقه من الأنبياء والمسلين ، ورسالته خاتمة الرسائل ؛ لذا فالتعبد بما جاء به واجب على كافة البشر إلى يوم الدين.

وهو الفاتح للناس أبواب الإيمان والعلم بعد أن كانت عقولهم مستغلقة على الكفر والجهل ، فهو المنقذ من الضلال ، والمرشد إلى الخير في النشأتين.

وطبيعة رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقتضي أن يكون شاهداً ، ورقيباً ، وحافظاً ، يهيمن على الرسالة تبليغاً ، وتطبيقاً ، قال تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)(٢) ، وسيرته مع أمته كانت خير تطبيق لذلك ، إذ كان يرشد الضال ، ويبشر المخلص ، ويحاسب المقصر ، باذلاً أقصى الجهد في تبليغ الرسالة ، وتطبيقها.

__________________

(١) سيأتي ذكر مصادر هذه الأحاديث في موضعها من الزيارة.

(٢) الفتح : ٨.

٥٨

السلام على الأنبياء والرسل

«السلام على أنبياء الله ، ورسله ، وملائكته المقربين ، وعباده الصالحين» :

اللغة : النبي هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة بشر ، سواء كانت له شريعة ، أم لا.

والرسول : هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة بشر وله شريعة مبتدأة كآدم عليه‌السلام ، أو ناسخة كمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والفرق بينهما مضافاً لما بين التعريفين : أنَّ النبي يرى في منامه ، ويسمع الصوت ، ولا يعاين الملك ، والرسول يسمع الصوت ، ويرى في منامه ، ويعاين الملك ، والنبي لا يكون إلّا بشراً ، والرسول يكون من البشر ، ومن الملائكة (١).

يعتقد المسلمون بجميع الأنبياء والرسل السابقين ، ويقدسونهم ، ولا تصح عقيدة المسلم إلّا بالإعتقاد بهم ، وبما أرسلوا به إجمالاً.

ويعتقدون بوجود الملائكة ، ويقدسونهم ؛ لأنَّ القرآن الكريم أخبر بوجودهم.

والسلام على الأنبياء والرسل والملائكة من المستحبات ، وفيه تعظيم لهم ، وتقدير لجهودهم في طاعة الله عزوجل.

__________________

(١) بتصرف عن مجمع البحرين.

٥٩
٦٠