شرح زيارة الغدير

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان

شرح زيارة الغدير

المؤلف:

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤

بالقرب من الخندق.

خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمسلمين ، وكان عددهم ثلاثة آلاف ، فنزلوا قرب الخندق من جهة المدينة المنورة ، وجعلوا ظهورهم لجبل من جبالها اسمه : (سلع) ، ولم يكن بين الجيشين فاصل سوى الخندق.

بلغ المسلمين خبر نقض بني قريظة لعهدهم ، وتأليهم مع الأحزاب ، فأصاب الكثير منهم الهلع ، واشتد بهم الخوف ، لأنَّهم أصبحوا بين خطرين ، وتعين عليهم أن يحاربوا على جبهتين :

جبهة خارجية : تتمثل بالجيش الذي عسكر على الجانب الآخر من الخندق ، والذي لم يزل منذ قدومه يفتش عن وسيلة لعبوره.

وجبهة داخلية : تتمثل ببني قريظة الذين نقضوا العهد ، والتزموا للعدو الخارجي بأن يقفوا معه في حربه ، ويعينوه من الداخل حيث كانوا يسكنون حول المدينة.

ثمَّت جبهة ثالثة ليست أقل خطراً من ذينك الجبهتين ، بل ربما كانت في بعض الأحيان تشكل خطراً أكبر ، لأنَّها تفتح الطريق أمام قوى العدوان ، وتنكشف أمامها ، هذه الجبهة تتمثل بالمنافقين والذين في قلوبهم رمض.

بلغ الخوف بكثير من المسلمين أن بلغ الأمر إلى حالة تشبه حالة المحتضر الذي تميل عينيه ، ويضطرب قلبه حتى يبلغ من شدة اضطرابه إلى الحنجرة ، وهي حالة من حشرجة الصدر عند المحتضر المشرف على الموت ، وفي هذه الحال من الشدة ظن المنافقون بأن النصر سيكون حليف الأعداء ، وأن الإسلام سيقضى عليه ، فكانوا يتطلعون إلى غد يظهرون فيه الكفر ، الذي كانوا يبطنونه ، ويعودون إلىل جاهليتهم ، كما ظن الذين في قلوبهم مرض بأنَّ هزيمة المسلمين أصبحت حتمية ،

٣٢١

وأن المشركين سينتقمون من أهل الإيمان.

كان الموقف في غاية الصعوبة والتعقيد ، فالخطر محدق بالمسلمين من الخارج ومن الداخل ، حيث أراد المشركون واليهود الإجهاز على الإسلام ، وحيث كان وجود المنافقين بين صفوف الجيش يثير له المشاكل ، بيما يبثه هؤلاء من دعايات مغرضة ، تفت في عضد المجاهدين ، فكانت هزَّة عنيفة تعرَّض لها المسلمون ، أدَّت بهم إلى اضطراب شديد ، فيما كانت اختباراً لهم بالبلاء.

كشف المنافقون عن دخائل نفوسهم ، وما يبطنون من الكفر ، ومعهم الذين في قلوبهم مرض ، من ضعاف النفوس الذين لم يجد الإيمان مجالاً في أعماقهم ، وذلك عندما مروا بهذه التجربة الصعبة والهزة العنيفة ، فكذبوا ما وعدهم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند حفر الخندق من فتح اليمن ، والإستيلاء على مدائن كسرى ، وعرش قيصر ، وقالوا : ليس ذلك إلّا خداع ، وتغرير للوقوف أمام عدو لا يستطيعون مقابلته بالعدة ولا بالعدد ، وقال معتب بن قشير العوفي ـ وهو من رؤوسهم ـ : (كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط).

لم يقف المنافقون عند هذا الحد ، بل راحوا يبثون الأراجيف ، وينشرون الخوف والهلع في صفوف المسلمين ، يحثونهم على الفرار من جبهة القتال ، ويؤكدون لهم عدم جدوى البقاء ، والإقامة عند الخندق ، لأنَّ الأمر محسوم ، والنصر والغلبة للكثرة.

ولم يكتف المنافقون والذين في قلوبهم مرض بالأراجيف ، بل عمدوا إلى أسلوب آخر أشد خطراً ، فقد عملوا على إضعاف الجيش بتقليل عدده ، فكانوا يستأذنون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العودة إلى بيوتهم لحراستها ، مدعين أنَّها مكشوفة أمام

٣٢٢

العدو ، وأنَّهم لا يأمنون تركها ، وهو ادعاء كاذب ، لأنَّ المدينة كانت محصَّنة ، ولا منفذ لها إلّا من جانب الخندق ، وقد عجز جيش الأحزاب عن اجتيازه.

الإيمان والتحدي :

هذه الهزة العنيفة التي تعرض لها المسلمون كان لها عند المؤمنين رد فعل مخالف لرد فعل المنافقين والذين في قلوبهم مرض ، كما وصف الذكر الحكيم حال كل من الفريقين ، وما انطوت عليه سريرتهما ، فالمؤمن عندما تحل به كارثة. يسلم أمره إلى الله عزوجل ، ثمَّ يعمل بجدٍ وثبات وروية ما يراه مناسباً للخروج من المأزق الذي أحاط به ، مستعيناً بالله تعالى ، ومتوكلاً عليه ، ومستمدا منه العون والسداد.

وإذا كان المنافقون والذين في قلوبهم مرض قد أدت بهم هذه الأزمة إلى الإنزلاق في هووة سحيقة ، فإنَّ أثرها في المؤمنين لم يكن سوى الثبات على العقيدة ، بل استفادوا منها درساً بليغاً تمثل في تصديق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أنبأ به عن الله تعالى حول هذا الموقف الحرج ، فلم يزدهم ذلك المأزق إلّا إيماناً وتسليماً ، فانبلج لهم الحق ، ولم يجد الشك طريقا إلى نفوسهم ، بل ازدادوا وثوقاً بما هم فيه من الإيمان ، وازدادوا يقينا.

أما المشركون فقد أقاموا إلى جانب الخندق ما ينوف على العشرين يوماً لم يكن فيها بينهم وبين المسلمين سوى المراماة بالنبل والحجارة ، فتقدم من فرسانهم : عمرو بن عبد ود ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطاب بن مرداس ، وأقبلوا نحو الخندق ، فوجدوا فيه مكاناً ضيقاً ، فأقحموا خيلهم فيه بالضرب ، وعبروا منه ، وأخذوا يجولون بخيلهم بينه وبين المسلمين ، وكان عمرو بن عبد ود فارساً شجاعاً ، أصابته جراحات كثيرة في بدر ، منعته من

٣٢٣

الحضور في أحد ، فجعل يجول ، ويدعوا المسلمين إلى مبارزته ، ويصرخ فيهم : هل من مبارز؟. فلم يقم أحدٌ منهم لمبارزته ، وقام الإمام علي عليه‌السلام ، فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجلوس.

أخذ عمرو يعرِّض بالمسلمين ، ويقول : (أيّها الناس إنَّكم تزعمون أنَّ قتلاكم في الجنة ، وقتلانا في النار ، أفما يحب أحدكم أن يقدم على الجنة؟! أو يقدم عدوّاً له إلى النار؟!) ، فلم يقم أحد لمبارزته إلّا الإمام علي عليه‌السلام ، فأمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجلوس ثانية.

فأنشد عمرو قائلاً :

ولقد بححت من الندا

ء بجمعكم : هل من مبارز؟

ووقفت إذ وقف المشيع

موقف القرن المناجز

إنّي كذلك لم أزل

مسترعاً قبل الهزاهز

إنَّ الشجاعة في الفتى

والجود من خير الغرائز

وللمرة الثالثة لم يقم لمبارزته سوى الإمام علي عليه‌السلام ، فأذن له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مبارزة عمرو ، وقال له : «ادن منّي» ، فدنا منه ، فعممه بعمامته ، وقلده سيفه ، وقال له : «إمض لشأنك» ، ورفع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدع بالدعاء له : «اللهم إنَّك أخذت مني عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، فاحفظ عليَّ اليوم علياً ، ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين».

برز الإمام علي عليه‌السلام لعمرو ، فقال له عمرو : من أنت؟. فانتسب له ، وقال : أنا علي بن أبي طالب. فقال عمرو : كان أبوك نديماً لي وصديقا ، فارجع ، فإنّي لا أحب أن أقتلك!. فقال له : لكنّي أحب أن أقتلك!. فقال عمرو : يا ابن أخي إنّي

٣٢٤

لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، فارجع وراءك خير لك!. فأجابه : إنَّ قريشاَ تتحدث عنك أنَّك قلت : لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث إلّا أجبت إلى واحدة منها. قال عمرو : أجل. فدعاه علي عليه‌السلام إلى الإسلام. فقال : دعْ عنك هذه. فدعاه إلى الرجوع بالجيش إلى مكة. فقال : إذاً تتحدث نساء قريش عنّي أنَّ غلاماً خدعني!. فدعاه إلى المبارزة. فقال : ما كنت أظن أنَّ أحداً من العرب يرومها منّي!.

فنزل عمرو عن فرسه ، وعقرها ، وضرب وجهها ، وتجاولا ، فعلت غبرة ، انجلت بمصرع عمرو ، ورأى الناس من الجيشين علياً عليه‌السلام وهو جاثم على صدر عمرو ، يحز رأسه ، ففرّ الفرسان على أعقابهم ، وارتفعت أصوات المسلمين بالتكبير ، مؤذنة بالنصر.

عاد الإمام علي عليه‌السلام وهو منتصر على العدو إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستقبله فرحاً مستبشراً ، وقال : «هذا أول النصر» ثمَّ قال : «ذهبت ريحهم ، ولا يغزوننا بعد اليوم ، نحن نغزوهم إن شاء الله». وقال لعلي عليه‌السلام : «أبشر يا علي ، فلو وزن اليوم عملك بعمل أمة محمد ، لرجح عملك بعملهم ، وذلك أنَّه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلّا وقد دخله وهن بقتل عمرو ، ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلّا وقد دخله عز بقتل عمرو» (١). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة» (٢).

كان مقتل عمرو بن عبد ود حدثاً حاسماً ، له أثر كبير وخطير في نفوس المشركين واليهود ، بث اليأس في نفوسهم ، وأدركوا أنَّ عبور الخندق أمرٌ مستحيل ، وأنَّ مصير من يعبره مصير عمرو ، وإذا كان الأمر كذلك ، فهل يتعين عليهم أن

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ / ١٢.

(٢) تاريخ بغداد ١٣ / ١٩ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٤ ، المستدرك ٢ / ٣٢ ، المناقب ١٠٧.

٣٢٥

يرسلوا فرسانهم وأبطالهم للقتل؟!. وما الفائدة من المقام في مثل هذا المكان؟!. وإلى متى؟!. وكيف يؤمَّن لذلك الجيش الكبير ما يحتاجه من ميرة؟!.

كان مصرع عمرو هاجساً أثار التساؤلات ، وأدخل الرعب ، وأدى إلى اليأس ، فانتهى الأمر برجوع الجيش عن المدينة يجر أذيال الخيبة والفشل ، يقول الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري ـ الذي رافق الإمام علياً عليه‌السلام عندما خرج لمبارزة عمرو ـ : (والله ما شبهت يوم الأحزاب قتل علي عمرواً ، وتخاذل المشركين بعده إلّا بما قصه الله تعالى من قصة طالوت وجالوت في قوله : * (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ)(١)(٢).

رد الله المشركين والذين تحالفوا معهم عن المدينة المنورة ، وهم يتحرقون من الغيض ، لما نالهم من هذا الغزو الخاسر ، ولأنَّهم لم يحققوا شيئاً طيلة هذه المدة التي قضوها في محاصرتهم المدينة ، بل تحملوا خسائر جسيمة بما هيئوا من السلاح والمتاع ، وما أنفقوا مدة مكثهم عند الخندق ، وقد فقدوا أشجع فرسانهم.

أمّا المسلمون فقد كفاهم الله عزوجل قتال جيش الأحزاب بما تحقق لهم من نصر حاسم على يد الإمام المرتضى عليه‌السلام ، كان سبباً في يأس الأحزاب ، وعودتهم خائبين ، وقد روي أنَّ ابن مسعود كان يقرأ : «وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب» (٣) ، كما روي عن ابن عباس في قوله : «وكفى الله المؤمنين القتال». قال : كفاهم الله القتال يوم الخندق بعلي بن أبي طالب حين قتل

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٥١.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٩ / ٦٢.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٦٠ ، الدر المنثور ٥ / ١٩٢ ، شواهد التنزيل ٢ / ٧ ، ميزان الإعتدال ٢ / ٢٨٠.

٣٢٦

عمرو بن عبد ود (١).

لقد غلبت إرادة الله عزوجل ما حسبه المشركون واليهود من كثرتهم واجتماعهم وتآلفهم سبباً للنصر والغلبة ، وفاتهم أنَّ النصر بيد الله عزوجل ، وهو القوي الذي تنعدم أمام قوته كل قوة ، والعزيز الذي يمنح العز والنصر لأوليائه ، وليس الأمر كما ظن المشركون واليهود أنَّهم سينتصرون بما أعدوا من عدة وعدد ، ولا كما ظن المنافقون والذين في قلوبهم مرض ـ عندما رأوا هول الموقف ـ أنَّ النصر محسوم للأحزاب.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٨٤ ، شواهد التنزيل ٢ / ١٠.

٣٢٧
٣٢٨

واقعة اُحُد (١)

«ويوم أحدٍ : إذ يُصعدون ولا يلوون على أحدٍ والرسول يدعوهم في أخراهم (٢) ، وأنت تذود بُهَمَ المشركين عن النبي ذات اليمين وذات الشمال ، حتى ردهم الله تعالى عنكما خائبين ، ونصر بك الخاذلين» :

اللغة : يُصعدون : صعد صعوداً : أي ارتقى مكاناً مشرفاً (٣). قوله تعالى : (وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ): أي لا يقف أحدٌ لأحد ، ولا ينتظره (٤). اُخراهم : يقال : جاء في اُخريات الناس : أي في أواخرهم (٥) تذود : ذاد ، ذدته ، أذوده عن كذا : أي دفعته (٦). بُهَم : البُهمة (بالضم) : الفارس الذي لا يُدرى من أين يُؤتى من شدة بأسه ، والجمع : بُهَم ، ويقال ـ أيضاً ـ للجيش : بُهمة (٧).

اُحُد جبل يقع شمالي المدينة المنورة ، وقعت عنده المعركة التي عرفت باسمه

__________________

(١) باختصار وتصرف عن : الإرشاد ٣٥ ، أيام العرب في الإسلام ٣٣ ، تاريخ الأمم والملوك ٢ / ١٨٦ جامع البيان ٤ / ٩٣ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ١٩ ، سيرة النبي ٣ / ٥٨٤ ، شرح نهج البلاغة ١٤ / ٢٣٥.

(٢) إشارة إلى الآية ١٥٣ من سورة آل عمران.

(٣) كتاب العين.

(٤) مجمع البحرين.

(٥) الصحاح.

(٦) كتاب العين.

(٧) الصحاح.

٣٢٩

بين المسلمين والمشركين ، يوم الجمعة في النصف من شوال من السنة الثالثة للهجرة ، وكان سببها خروج قريش ليثأروا في بدر ، وينتقموا من المسلمين لما أصابهم من خسائر مادية ممّا غنمه المسلمون عند فرار المشركين ، وما أخذوه فداءً ممن أسر منهم لإطلاق سراحهم.

إتفق المشركون على أن يجعلوا أرباح تجارتهم التي حملتها القافلة التي أفلتت يوم بدر من أيدي المسلمين لتأجيج حرب جديدة على الإسلام بتلك الأموال ، واستعدوا لذلك أتم استعداد ، وحرَّضوا القبائل المحيطة بمكة للخروج معهم ، وأخرجوا معهم النساء ، ليذكرنهم بقتلى بدر ، ويشجعنهم على القتال.

بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبأ استعداد قريش وخروجهم لحربه ، فجمع المسلمين للتشاور معهم ، وكان رأيه البقاء في المدينة ، والتحصّن بها ، وقال لهم : «إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة ، وتَدَعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا ، أقاموا بشر مقام ، وإن هم دخلوا علينا ، قاتلناهم فيها». فوقع خلاف بين المسلمين ، وصاروا فريقين :

فريق أيَّد رأي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المقام بالمدينة المنورة ، ومن هؤلاء عبد الله بن اُبي بن سلول رأس المنافقين ، وكان من المتحمسين لهذا الرأي.

وفريق كانوا متحمسين للقتال ، ونيل الشهادة ، وهؤلاء يريدون الخروج للقاء العدو ، فاندفعوا لرأيهم دون أن يشعروا بما ارتكبوه من مخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واشتد النزاع بين الفريقين ، وألح الراغبون في الخروج للقتال ، ونيل الشهادة عليه إلحاحاً شديداً ، فساءه ما حصل من النزاع ، ودخل بيته ، ثم خرج عليهم وهو لابس لامة حربه استعداداً للخروج.

ندم المتحمسون للخروج على مخالفتهم لرغبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشعروا بأنَّهم ارتكبوا خطأ جسيماً ، باستكراههم إياه ، ومخالفتهم لما يرغب ، فجاءوا إليه

٣٣٠

يعتذرون منه ، وقالوا : (استكر هناك ، ولم يكن ذلك لنا ، فإن شئت فاقعد) ، فرد عليهم قائلاً : «لا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل» ، ثمَّ خرج بألف من أصحابه.

وخرج رأس المنافقين عبد الله بن اُبي بن سلول مع الجيش ، وفي الطريق انظم إليه المنافقون ، فاتفقوا على العودة إلى المدينة المنورة متعللين بمخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرأيهم في البقاء فيها ، فعاد ومعه ما يقرب من ثلث ذلك الجيش ، بينما واصل الباقون سيرهم نحو اُحد للقاء العدو.

وصل الجيش الإسلامي إلى اُحد ، فأمرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنزول في الوادي ، وجعلوا ظهورهم إلى جبل اُحد ، وعبَّأ أصحابه ، وكانوا سبعمائة رجل ، فوضع الرماة ـ وهم خمسون رجلاً ـ على الجبل ، ليقوموا بحماية ظهور المسلمين من العدو ، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير ، وقال له : «إنضح الخيل عنّا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك ، لا نؤتين من قبلك».

وتعبَّأ المشركون ، وكان لواؤهم مع بني عبد الدار ، يحمله طلحة بن أبي طلحة ، والنساء خلفهم ، يضربن الدفوف ، يذكرنهم بقتلى بدر ، ويحرضنهم على القتال ، وينشدن :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق

إن تقبلوا نعانق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق

وابتدأت المعركة بخروج طلحة حامل اللواء ، فصاح : من يبارز؟. فبادر إليه الإمام علي عليه‌السلام ، فتبارزا ، فضربه على رأسه ، ففلق هامته ، وخر صريعاً إلى الأرض ، وأخذ بنو عبد الدار كلما سقط اللواء بمصرع أحدهم أخذه الآخر ، إلى أن أخذه

٣٣١

غلام لهم ، فقتله الإمام علي عليه‌السلام فسقط اللواء ، وهزم المشركون ، وأخذ المسلمون يلاحقونهم ، ويجمعون ما في معسكرهم من غنائم.

شاهد الرماة المسلمين يطاردون المشركين ، ويجمعون الغنائم من معسكرهم ، فقال بعضهم : (لم تقيمون ها هنا في غير شيء؟!. قد هزم الله العدو ، وهؤلاء إخوانكم ينتهبون عسكرهم ، فادخلوا عسكر المشركين ، فاغنموا مع إخوانكم).

فأجابهم البعض الآخر : (ألم تعلموا أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لكم : إحموا ظهورنا ، وإن غنمنا فلا تشركونا). فأجابوهم : (لم يرد ذلك). وخطبهم أميرهم عبد الله بن جبير ، وطلب منهم أن يثبتوا مكانهم ، وأن يطيعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن لا يخالفوا أمره ، وان لا يعصوا أميرهم ، فلم يستجيبوا له ، ولحقوا بالجيش يجمعون الغنائم ، ولم يبق معه إلّا نفر قليل لا يبلغون عشرة رجال.

كان خالد بن الوليد بإزاء الجبل ، فاغتنم فرصة خلوِّه من الرماة ، وتقدم بمن معه من المشركين ، فقاومهم عبد الله بن جبير والصفوة الذين ثبتوا من الرماة ، وقاتلوهم قتالاً عنيفاً ، فاستشهدوا جميعاً ، وهجم خالد بمن معه من المشركين على المسلمين من خلفهم ، وعاد المنهزمون من المشركين إلى صفوفهم ، فأحاطوا بالمسلمين ، وأخذ المسلمون يضرب بعضهم بعضاً من هول الموقف ، وكمن وحشي لحمزة عليه‌السلام ، فقتله غدراً ، ومثلت به هند ، فقطعت أنفه وأذناه ، واستخرجت كبده فلاكتها ، وانقلب النصر إلى هزيمة.

انهزم المسلمون ، وصعدوا إلى الجبل لينجو كلُّ واحد منهم بنفسه ، وتركوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الميدان ، ليس معه إلّا الإمام علي عليه‌السلام ، ونفر قليل من صحابته الكرام.

تصف الآية الكريمة كيفية فرارهم : (وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ) إيماناً منهم في

٣٣٢

الفرار ، يندفع أحدهم فيه فلا يقف ، ولا ينتظر ، ولا يلتفت إلى ورائه ، ليرى إخوانه الذين تبعوه في الفرار ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوهم إليه ، فلم يرجع منهم أحد لنجدته ، حتى أولئك الذين كانوا قريبين منه في آخر الفارين يبلغهم صوته ، ولكن أصمَّهم عن سماع صوته ، ما حل بهم من رعب.

باشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القتال بنفسه ، فكُلِمَت شفته ، وكُسِرت رباعيته ، وشجَّت جبهته ، وسالت الدماء على وجهه الشريف ، وتكاثر عليه المشركون يريدون قتله ، وكان الإمام علي عليه‌السلام يدافع عنه ، وهو ينادي : «يا علي إكفني هذه الكتيبة». فيحمل عليها ، حتى يردها عنه ، ويصرع أبطالها ، ثم تحمل عليه كتيبة أخرى ، فينتدبه لها ، ولم يزل كذلك حتى قال جبرائيل عليه‌السلام : «يا محمد إنَّ هذه لهي المواساة ، وقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى». فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وما يمنعه وهو منّي وأنا منه؟!». فقال جبرائيل عليه‌السلام : «وأنا منكما». وسُمِع صوت هاتف ينادي في السماء ـ مراراً ـ : «لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتى إلّا علي». فسُئِل عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : «هذا جبرائيل».

سَئِم المشركون من حملات الإمام علي عليه‌السلام ، ودفعه الكتائب ، ومطاردته الأقران ، وهو يذودهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيئسوا من الوصول إليه ، وتمكن هو ومن بقي معه من الصعود إلى الجبل ، للإحتماء به من كيد الأعداء ، وليجمع الجيش الذي شتته الهزيمة ، وعلى سفح جبل اُحد عاد المنهزمون ، وتجمعوا حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثانية.

خارت قوى المشركين ، وأيقنوا أنَّ بقاءهم لا يحقق لهم ما يهدفون إليه ، وارتهبوا لتجمع المسلمين من جديد ، وخشوا أن يصل المسلمين مدد من المدينة ، فتدور عليهم الدائرة من جديد ، فعادوا إلى مكة في يأس ، والرعب يملأ قلوبهم

٣٣٣

خشية طلب المسلمين لهم.

فالنصر يتمثل في هذه المعركة بثبات الإمام علي عليه‌السلام ، ورده الكتائب عن النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتفويته الفرصة التي اغتنمها المشركون للقضاء عليه بثباته ، وجهاده ، وبذله النفس في سبيل الله عزوجل ، فلم يتحقق لهم هدف ، وقد ردهم الله تعالى بجهاده خائبين ، ونصر به الذين خذلوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحرج الأوقات وأعسرها ، فتركوه وحيداً ، وفرّوا من الزحف ، وأسلموه لرماح الأعداء وسيوفهم ونبالهم لينجو كلّ منهم بنفسه ، ولم يفكر أحد منهم بالتضحية دونه ، والدفاع عنه ، ومواساته فيما يحل به من أذى.

٣٣٤

واقعة حُنين (١)

«ويوم حنين على ما نطق به التنزيل : * (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنزَلَ اللَّـهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٢) * والمؤمنون أنت ومن يليك ، وعمك العباس ينادي المنهزمين : يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، حتى استجاب له قوم قد كفيتهم المؤونة ، وتكفلت دونهم المعونة ، فعادوا آيسين من المثوبة ، راجين وعد الله تعالى بالتوبة ، وذلك قوله جل ذكره : * (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّـهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ)(٣) * وأنت حائز درجة الصبر ، فائز بعظيم الأجر» :

اللغة : الرَّحب (بالفتح) : الواسع ، تقول : من بلد رحب ، وأرض رحبة (٤).

وَلّيتم : ولّى عن الشي : أعرض وابتعد عنه.

مدبرين : أدبر عنه : جعله وراءه (٥).

السكينة : قال بعضهم : السكينة : هي الرحمة ، وقيل : هي الطمأنينة ، وقيل : هي

__________________

(١) باختصار وتصرف عن : الإرشاد ٦٣ ، أيام العرب في الإسلام ١٠٩ ، البداية والنهاية ٤ / ٣٦٨ ، تاريخ الأمم والملوك ٢ / ٣٤٤ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٦٢ ، السيرة النبوية لابن كثير ٣ / ٦١٠ ، سيرة النبي (ص) ٤ / ٨٩٥.

(٢) التوبة ٩ : ٢٥ ـ ٢٦.

(٣) التوبة ٩ : ٢٧.

(٤) الصحاح.

(٥) المنجد.

٣٣٥

الوقار ، وما يسكن به الإنسان (١).

المؤونة : قال الفرّاء : هي مفعلة من الأين : وهو التعب والشدة (٢).

المعونة : المساعدة (٣).

حُنين : وادٍ بين مكة والطائف ، اشتبك فيه المسلمون مع هوازن بعد فتح مكة في شهر شوّال من السنة الثامنة للهجرة ، وسبب وقوع هذه المعركة ، أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما خرج إلى فتح مكة لم يفصح عن الجهة التي يقصدها ، وسلك طريقا يموه فيه على الناس ، لأنَّه كان يريد أن يدخل مكة على حين غفلة من أهلها ، وكان يكره أن يقاتل فيها ، حفاظاً على حرمة الحرم ، فبلغت أخبار مسيره إلى الطائف ، وظنت هوازن أنَّه يريد غزوها ، فاستعدت لذلك ، وبقيت هوازن تترقب أخباره.

بلغت أخبار فتح مكة هوازن ، وسمعوا باستسلام أهلها بدون مقاومة ، وأنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَنَّ عليهم ، ودخل أكثرهم في الإسلام ، فدخلهم لذلك رعب شديد ، وخافوا أن يغزوهم الجيش المنتصر ، فاجتمع أشرافهم ، وأشراف ثقيف ، وقرروا أن يغزوا جيش المسلمين في مكة قبل أن يغزوهم.

خرجت هوازن وثقيف بقيادة مالك بن عوف ، وكان رئيسهم يومذاك ، فأمرهم أن يصبحوا معهم النساء والصبيان ، وأن يسرقوا معهم الماشية ، ليدافعوا عن أعراضهم وأموالهم ، وساروا حتى نزولوا وادي حنين ، وكان عددهم يقدَّر بعشرين ألفاً.

بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبر استعداد هوازن ، وخروجها لغزو مكة ، فأرسل عيناً

__________________

(١) لسان العرب.

(٢) الصحاح.

(٣) المنجد.

٣٣٦

ليستطلع له أخبارهم ، ثمَّ عاد ، وأخبره بعددهم وعدَّتهم ، فتهيأ للخروج إليهم ، فخرج بألفين من الذين أسلموا يوم الفتح من أهل مكة ، وبالجيش الذي فتح به مكة ، فكان عددهم اثني عشر ألف رجل ، وقد اُعجب المسلمون بكثرتهم ، إذ لم يسبق لهم أن يخرجوا بهذه الكثرة ، وظن أكثرهم أنَّ هذه الكثرة لا تغلب ، وأنَّ النصر سيكون حليفهم ، فقال أبو بكر : (لن نغلب اليوم من قلة) ، وإلى هذا أشارت الآية الكريمة : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) ولكن الأحداث أثبتت عكس ذلك ، وأنَّ الكثرة لم تغن عنهم شيئاً.

إنحدر جيش المسلمين ليلاً في وادٍ شديد الإنحدار من أودية تهامة ، كان جيش هوازن قد سبقهم إليه ، وكمن لهم في مضايقه ، وشعابه ، ومنعطفاته ، فشدَّ عليهم جيش هوازن شدة رجل واحد ، فتفرق المسلمون ، ودخلهم الرعب والفزع ، وانهزموا أمام زحف العدو والسبب الذي أدى إلى هذه الهزيمة يعود إلى أمور منها :

١ ـ إنَّ القتال كان في الليل ، وفي منطقة وعرة ، وأرض متعرجة لا يعرف المقاتلون مسالكها ، بينما كان العدةو يقاتل في أرضه التي يعرف مسالكها جيداً ، فأحاط بجيش الإسلام من كل جانب.

٢ ـ وجود عدد لا يستهان به من المنافقين في جيش المسلمين ، وقد خرجوا مع الجيش من المدينة ، وهؤلاء يتربصون بالإسلام الدوائر ، ويريدون القضاء على الإسلام ونبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم لا يثبتون عند لقاء العدو وقتاله.

٣ ـ إنَّ ألفي مقاتل من ذلك الجيش كانوا من مسلمي فتح مكة ، وهؤلاء لم يخرجوا للقتال عن عقيدة راسخة ، لأنَّ الإسلام لم يتمكن بعد من قلوبهم ، وأكثرهم دخل الإسلام رهبة ، ولم يدخله رغبة ، فهم بين مشرك يتظاهر بالإسلام ، وبين

٣٣٧

مسلم ضعيف الإيمان.

أمعن هذا الفريقان بالفرار ، وولّوا الدبر ، لا يلوون على شي ، فبان الوهن والفشل في الجيش ، وانتشر الفزع ، وفر الجميع من الزحف ، حتى (ضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) واتسعت من شدة هلعهم.

كان الفرار فرصة لمن كانوا يرون أنَّ الإسلام غلبهم ، فراحوا يظهرون دخائل نفوسهم ، وما تنطوي عليه من الكفر ، فجهروا بما أخفوه خوفاً ، ومن هؤلاء : أبي سفيان الذي كان مع الجيش يحمل في كنانته الأزلام التي يستقسم بها أهل الجاهلية ، فأظهر الشماتة بالمسلمين ، وقال : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر.

ومنهم : كلدة بن الحنبل ، قال : ألا بطل السحر اليوم.

ومنهم : شيبة بن عثمان من بني عبد الدار ، همَّ بقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : اليوم أدرك ثاري ، سأقتل محمداً ، يريد أن يثأر لأبيه الذي قتل يوم اُحد ، ولكنه فشل في محاولته.

بقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد فرّ عنه المسلمون ، ولم يبقَ معه إلّا نفر من بني هاشم ، أنزل الله عليهم الطمأنينة لأنَّهم ثبتوا أمام العدو ، ولم يفروا من الزحف ، فلم يكترثوا لكثرة عدوهم وقلة عددهم ، ولم يرهبهم هول الموقف ، بل صمدوا حتى تحقق النصر المبين ، ولولا ثباتهم لم تقم للإسلام قائمة ، ولكان أثراً بعد عين ، وهؤلاء النفر هم :

١ ـ العباس بن عبد المطلب عليه‌السلام عن يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٢ ـ الفضل بن العباس عن يساره ٣ ـ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ممسك بسرجه ٤ ـ علي بن أبي طالب عليه‌السلام بين يديه يدافع عنه بسيفه ٥ ـ نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ٦ ـ ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب ٧ ـ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ٨ ـ عتبة بن أبي

٣٣٨

لهب بن عبد المطلب ٩ ـ معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب ١٠ ـ أيمن بن أم أيمن مولاهم ، وهؤلاء كانوا محيطين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وفي هؤلاء العشرة فسر الإمام علي الهادي عليه‌السلام قوله تعالى : (وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) كما يفهم من قوله في الزيارة : «والمؤمنون أنت ومن يليك» ، لأنَّه لم يثبت أمام زحف العدو غيرهم ، وفيهم يقول العباس بن عبد المطلب عليه‌السلام :

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وقد فرَّ من قد فرَّ عنه فأقشعوا

وقولي ـ إذا ما الفضل شد بسيفه

على القوم ـ : أُخرى يا بني ليرجعوا

وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه

لما ناله في الله لا يتوجع

عندما رأى النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرار المسلمين أمام زحف عدوِّهم ، التفت إلى عمه العباس عليه‌السلام ـ وكان جهوري الصوت ـ فقال له : «ناد بالقوم ، وذكرهم العهد». فأخذ يناديهم برفيع صوته : (يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، إلى أين تفرون؟!). ومن الواضح أنَّ العباس عليه‌السلام خصَّ بندائه هذا المؤمنين المخلصين دون غيرهم ، فالمنافقون ، والذين أظهروا الإسلام رهبة ، لا يؤمنون بشيء من أحكام الإسلام بما فيها الجهاد ، ولا يلتزمون بعهد من عهوده ليفوا به ، ولا يأثمون من الفرار أمام زحف العدو.

أمّا قوله عليه‌السلام : (يا أصحاب سورة البقرة) ، فلم أجد فيما لدي من مصادر تفسيراً له سوى احتمالات ذكرها العلّامة المجلسي رحمه‌الله في البحار (١) ، وهي : (قوله : يا أصحاب سورة البقرة ، كأنَّه وبَّخهم بذلك ، لقوله تعالى فيها : * (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ)(٢) * ، أو لاختتامها بقوله : * (فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ

__________________

(١) بحار الأنوار ٢١ / ١٦١.

(٢) البقرة ٢ : ٢٤٦.

٣٣٩

الْكَافِرِينَ)(١) * ، أو لاشتمالها على آيات الجهاد ، كقوله تعالى : * (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ)(٢) * ، كما ورد في أخبار العامة.

ويمكن إضافة احتمالات أخرى لما ذكره الشيخ المجلسي في البحار ، فقد افتتحت سورة البقرة المباركة بذكر المؤمنين في قوله تعالى : (الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٣) ، واختتمت بذكر المؤمنين ـ أيضاً ـ في قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)(٤) ... إلى آخر السورة المباركة» ولافتتاح السورة واختتامها بذكرهم يصح القول بأنَّهم أصحاب سورة البقرة ، والنداء تذكيرٌ لهم بما آمنوا به ، وألزموا أنفسهم ، من إطاعة أوامر الله عزوجل ، واتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعمل بالأحكام ، بما فيها أحكام الجهاد ، وهي تشمل وجوب الثبات في الميدان ، وعدم الفرار من الزحف.

وقد يكون هذا النداء جاء لمناسبة اُخرى وهو ما جاء في الآية الكريمة : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(٥) ، فيكون النداء تذكيراً لهم بأن القتال الذي فرّوا منه طلباً للسلامة ، هو فرض من الله تعالى ، مع ما به من

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٨٦.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٣.

(٣) البقرة ٢ : ١ ـ ٥.

(٤) البقرة ٢ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٥) البقرة ٢ : ٢١٦.

٣٤٠