شرح زيارة الغدير

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان

شرح زيارة الغدير

المؤلف:

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤

المخصوص بمدحة الله تعالى

«أشهد أنَّك المخصوص بمدحة الله ، المخلص لطاعة الله ، لم تبغ بالهدى بدلاً ، ولم تشرك بعبادة ربك أحداً» :

اللغة : المدح الثناء الحسن (١).

مدحة الله تعالى :

الإنسان يستحق المدح عندما يسمو بسلوك حسن ، كقيامه بعمل إنساني نبيل طاعة لله عزوجل ، أو خدمة للدين الحنيف ، أو لما من شأنه خدمة وطنه ، وأمته ، وما إلى ذلك من أعمال الخير المحببة في مختلف مجالات الحياة.

ومدح الإنسان لأخيه الإنسان لا يكون بالضرورة منطبقاً على الممدوح ؛ لأنَّ الإنسان لا يتعدى بمعرفته وخبرته ظواهر الأمور ، فقد يخطيء في التقدير ، لجهله بما تنطوي عليه نفوس الآخرين ، وعدم معرفته بحقائق الأمور ، وعواقبها ، وما يترتب عليها.

أمّا الباري عزوجل فلا يخفى عليه شيء ، ولا يفوته ، وهو عالم بحقائق الأمور ، وعواقبها ، وما يترتب عليها ، ويعلم ما تنطوي عليه الضمائر ، وما تخفيه الصدور ، ولا يخطيء في تقديره ، وهو العالم بالسرائر ، والخبير الذي لا تخفى عليه خافية ، فمدحه ينطبق على الممدوح ، ويكشف عن حقيقته.

__________________

(١) الصحاح.

٢٦١

وقد لا يتعدى مدح الإنسان لأخيه الإنسان التملق ، والمحاباة ، كمدح ذوي المال ، طمعاً بما في أيديهم ، أو لمصلحة يرجوها منهم ، أو مدح ذوي السلطان ، خوفاً من سطوتهم ، أو محاولة للتقرب إليهم ، وهو في كلا الحالين يعلم أنَّه كاذب في مدحه ، وقد سجّل التأريخ عبر القرون شواهد لا تحصى لمن عرفوا بوعّاظ السلاطين ، والشعراء الذين كانوا يمدحون السلطان لنيل جوائزه ، ويغمضون أعينهم عن جميع عيوبه وعوراته ، ثمَّ يلتمسون له فضائل ، ومناقب قد لا تخطر له على بال ، ولا يعرفها ، فيمدحونه بها.

والله عزوجل لا يتملّق لأحد من عباده ، ولا يحابي أحداً ، ولا يحتاج أحداً ، ولا طمع له عند ذوي المال والجاه ، بل الخلق كلهم عباده ، وأمرهم بيده ، وما في أيديهم من عطاياه ، وهم محتاجون إلى كماله المطلق في كلِّ آن ، لا يستغنون عن فضله ، ورحمته ، وجوده ، لحظة واحدة.

والله عزوجل لا يخاف سطوة ظالم ، ولا يرهبه سلطانه ، وهو القاهر الجبار ، الذي ينتقم من الظالمين ، وينتصف للمظلومين منهم بعدله ، وقوته.

وكثيراً ما ينخدع الناس بما يتظاهر به المراؤون من أعمال الخير ، متوهمين استقامتهم ، وحسن سريرتهم ، ولو اطلعوا على زيفهم لعرفوا أنَّهم يريدون بما عملوا مصالح شخصية ، ولو تحققت مصالحهم في الأعمال التخريبية ، لما ترددوا في الإقدام عليها ، ولمارسوها بأبشع صورها ، ولانقلب مدح الناس لهم ذمّاً.

من هنا تتجلى أهمية مدح الله عزوجل ، فمدحه لا يشوبه جهل ، أو طمع ، أو خوف ، وفي مدحه دلالة واضحة على أنَّ الممدوح معصوم يستحيل عليه أن يتخلّف عمّا مُدح به ، أو يسلك طريقاً منافياً له ، وإن ذمَّ أحداً علمنا ـ بالضرورة ـ خبثه ، وضلاله ، وأنَّه رجس لا يهتدي أبداً ، وخير شاهد على ذلك ما جاء من الذكر

٢٦٢

الحكيم في ذم أبي لهب ، حيث بقي على ضلاله حتى هلك ، وكان ذلك دليل على إعجاز القرآن الكريم ، وصدق من جاء به.

اختص الإمام علي عليه‌السلام بمدحة الله عزوجل ، وقد أبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدحه عن طريق الوحي في مناسبات متعددة : منها بالنص القرآني ، ومنها ما تلقاه ليبلغه الأمة عن طريق السنة النبوية الشريفة ، وقد تضمّنت الزيارة عدداً من آيات الذكر الحكيم التي نزلت في مدحه ، وهذا الإختصاص بالمدح حدَّث به بعض الصحابة والتابعين ، ورواه الحفاظ ، والمحدثون ، والمفسرون في مصنفاتهم ، وإليك نماذج من أقوالهم :

١ ـ حذيفة إنَّ أناساً تذاكروا ، فقالوا : ما نزلت آية في القرآن فيها : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا في أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال حذيفة : ما نزلت في القرآن : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا كان لعلي لبها ولبابها (١).

٢ ـ عبد الله بن عباس ، قال : ما أنزل الله قط : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلّا وعلي أميرها ، وشريفها ، ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان ، وما ذكر علياً إلّا بخير (٢). وهذه الرواية تبين للإمام علي عليه‌السلام خصيصة امتاز بها عن الصحابة الذين مدحوا في القرآن الكريم ، لأنَّهم عوتبوا ، واختص من بينهم بالمدح دون العتاب.

وقال ابن عباس : نزل في علي ثلاثمائة آية (٣).

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٦٣.

(٢) هذا الأثر مروي بنصه أو بمعناه في : تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٦٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٦٧ ، الصواعق المحرقة ١٢٧ ، المعجم الكبير ١١ / ٢١١ ، ينابيع المودة ٢ / ٤٠٦.

(٣) تاريخ بغداد ٦ / ٢١٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٦٤ ، كفاية الطالب ٢٣١ ، ينابيع المودة ٢ / ٤٠٦.

٢٦٣

وقال : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي (١).

٣ ـ وقال مجاهد نزلت في علي سبعون آية لم يشركه فيها أحد (٢).

٤ ـ وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى لقد نزل في علي ثمانين آية صفواً في كتاب الله ما يشركه فيها أحد من هذه الأمة (٣).

٥ ـ وقال يزيد بن رومان ما نزل في أحدٍ من القرآن ما نزل في علي بن أبي طالب (٤).

والإختلاف في العدد بين هذه الروايات لا يدل على تضاربها : فابن عباس يتحدث عن مجمل ما نزل فيه ، شركه فيه غيره ، أو لم يشركه ، وأمّا مجاهد ، وابن أبي ليلى فإنهما يتحدثان عمّا نزل فيه ، ولم يشركه فيه غيره ، واختلافهما في العدد ربما يعود لحفظ كلٍّ منهما ، أو لما صحت عنده روايته.

هدي علي عليه‌السلام :

تحدثنا عن إخلاص الإمام علي عليه‌السلام لطاعة الله عزوجل فيما مرّ من الشرح ، أمّا كونه لم يبغ بالهدى بدلاً ، فذلك نتيجة حتمية لإخلاصه لله تعالى ، فالؤمن المخلص يتبع في سلوكه سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويسير على هديه ، ويرى أنَّ الدنيا وما فيها من المباهج ، والملذات ، وما يمكن أن يحصل فيها من ثراء ، وجاه ، وسلطان ، وما

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٦٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٥٢ ، الصواعق المحرقة ١٢٧.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ٥٢.

(٣) شواهد التنزيل ١ / ٥٥.

(٤) شواهد التنزيل ١ / ٥٤.

٢٦٤

شابه ذلك ، لا قيمة له في قبال ما هو عليه من الهدى ، الذي ليس له أجر سوى الجنة التي أعدت للمتقين ، أمّا الدنيا فليست هي بأجر للمؤمنين ، ولا تصلح أن تكون كذلك ، لأنَّها دار فناء ، وكل ما فيها إلى زوال ، ومن طمع فيها ، وجعلها همَّه الأكبر والوحيد ، ضيَّع حظه في النشأتين ، فلا ديناً يكسب ، ولا آخرة.

وسيرة الإمام علي عليه‌السلام خير شاهد على أنَّه لم يبف بالهدى بدلاً ، بل كانت غايته التزام الطريق المستقيم الذي رسمته الشريعة الغرّاء.

والشرك : هو الإعتقاد بوجود إله مع الله تعالى ، وإشراكه بالعبادة ، سواء كان ذلك الشريك المدّعى وثناً ، أو بشراً ، أو غير ذلك كالنجوم ، والشمس ، والقمر ، وما شاكلها ، ممّا كان يعبد في الجاهلية.

والرياء يسمى : (الشرك الخفي) ؛ لأنَّ المرائي يشرك في عبادته من عمل لأجله ، ولا يصدق عليه الإخلاص لله تعالى في العبادة ، فهو مشرك بهذا المعنى ، وإن لم يقصد ذلك.

والإمام علي عليه‌السلام اختص من بين الصحابة بأنَّه لم يشرك بالله عزوجل بل نشأ في بيت الوحي ، وترعرع في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يوحّد الله تعالى قبل نزول الوحي ، وكان يرافقه في حراء ، فشهد معه نزول الوحي ، وكان أول من آمن به وهو غلام ، ثم اقتحم ميادين الجهاد ، لم ينفك عن الدعوة إلى الله تعالى ، والذب عن دينه حتى استشهد في المحراب ، فلم يشرك بالله لحظة واحدة.

٢٦٥
٢٦٦

آية التبليغ

«وأنَّ الله تعالى استجاب لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيك دعوته ، ثم أمره بإظهار ما أولاك لأمته ، إعلاءً لشأنك ، وإعلاناً لبرهانك ، وقطعاً للمعاذير ، فلمّا أشفق من فتنة الفاسقين ، واتقى فيك المنافقين ، أوحى إليه رب العالمين : * (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(١) *» :

اللغة : أولاك أولاني : أي أنعم عليّ من الآلاء ، وهي النعم. المعاذير : الحجج : كل حجة يعتذر بها.

أشفقت منه : حذرته.

إتقاه : حذره.

الفاسق : الفسق : هو العصيان والترك لأمر الله عزوجل ، والخروج عن طريق الحق.

المنافق : هو الذي يستر كفره ، ويظهر إيمانه (٢).

دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ممّا اختص به الإمام علي عليه‌السلام دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في مناسبات مختلفة ، وقد نقل المحدثون بعض تلك الأدعية في مصنفاتهم ، منها :

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦٧.

(٢) لسان العرب.

٢٦٧

١ ـ دعاؤه له ولفاطمة عند زفافهما حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم إنَّهما منّي ، وأنا منهما ، اللهم كما أذهبت عني الرجس وطهرتني تطهيرا ، فأذهب عنهما الرجس وطهرهما تطهيرا» (١). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جمع الله شملكما ، وأسعد جدَّكما ، وبارك عليكما ، وأخرج منكما كثيراً طيباً» (٢).

٢ ـ دعاؤه له يوم الأحزاب ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم إنَّك أخذت منّي عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، فاحفظ عليَّ اليوم علياً ، ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين» (٣).

٣ ـ دعاؤه له يوم خيبر ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم أذهب عنه الحرّ والبرد» (٤).

٤ ـ دعاؤه له ، وللصدِّيقة ، والحسنين عليهم‌السلام في حديث آية التطهير ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرا» (٥).

والدعاء المقصود في هذه الفقرة من الزيارة يخص الولاية بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث دعا له بقوله : «اللهم إنّي أقول كما قال موسى : اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي ، علياً أخي اشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبّحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنَّك كنت بنا بصيراً» (٦).

__________________

(١) كفاية الطالب ٣٠٦ ، المعجم الكبير ٢٢ / ٤١٢ ، ينابيع المودة ٢ / ٦٤.

(٢) الصواعق المحرقة ١٤٢ ، ينابيع المودة ٢ / ١٢٣.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٩ / ٦١.

(٤) البداية والنهاية ٧ / ٣٧٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٥ ، خصائص أمير المؤمنين ١٢٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٥٢ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٢٢ ، ينابيع المودة ٢ / ٧٢.

(٥) أسباب النزول ٢٣٩ ، جامع البيان ٢٢ / ١٠ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١١٣ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ٤٥١ ، المعجم الأوسط ٧ / ٣١٩ ، المعجم الكبير ٣ / ٥٤.

(٦) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٢ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٧٩ ، المعيار والموازنة ٧١ ، ينابيع المودة

٢٦٨

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «ما سألت الله تبارك وتعالى شيئاً إلّا سألت لك مثله ، ولا سألت الله شيئاً إلّا أعطانيه ، غير أنَّه قيل لي لا نبي بعدك» (١). وفي قوله : (لا نبي بعدك) دلالة على أنَّ المراد من الدعاء الولاية.

وبديهي أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفصح في جميع أقواله عن أمر الله تعالى لأنَّه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)(٢) ، فكل ما بلّغه للأمة في الإمام علي عليه‌السلام هو ممّا أنعم به الله عزوجل ، وتكرَّم به عليه من الفضائل ، وقد بلّغه وأظهره للأمة بأمر منه تعالى ، وكل ذلك إعلاء لشأن الإمام علي عليه‌السلام ببيان فضائله ، وما وهبه الله عزوجل له من كرامة.

التبليغ :

وهذا التبليغ ينطوي على إعلان برهانه ، فكل أحاديث الفضائل هي براهين لتفضيله على غيره من الأمة ، وإذا ثبت أنَّه أفضل الأمة فهو الأحق بالولاية ، والذي يتعين أن يكون الخليفة للرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ممّا لا يدع مجالاً لحجج يعتذر بها معتذر ، بعد وضوح البراهين التي قدَّمتها تلك النصوص.

والفرق واضح بين الفااسقين والمنافقين : فالفاسقون يجهرون بمخالفتهم الشريعة ، وخروجهم عن طريق الحق ، أمّا المنافقون فإنَّهم يتظاهرون بالإيمان ، ويبطنون الكفر ، وهم أشد خطراً على الدين وأهله ، وكلا الصنفين من أشد أعداء

__________________

= ١ / ٢٥٨.

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣١٠ السنة لعمرو بن عاصم ٥٨٢ ، كنز العمال ١١ / ٦٢٥ ، معجم الزوائد ٩ / ١١٠ ، المعجم الأوسط ٨ / ٤٧ ، المناقب ١١٠.

(٢) النجم ٥٣ : ٣ ـ ٤.

٢٦٩

الإمام علي عليه‌السلام ؛ لأنَّه سيد المؤمنين ، وأولهم إيماناً ، والإيمان من جهة ، والفسق والنفاق من جهة على طرفي نقيض ، والإمام علي عليه‌السلام بجهاده قد وتر الفاسقين ، والمنافقين بقتله أئمة الكفر ، ورؤوس الضلال ، لذلك استحكم عداؤهم له.

وكان هؤلاء يتربصون الفرص لإثارة الفتن ، ويتعللون بكل ذريعة للخروج على الدين الحنيف ، يحاولون الإجهاز عليه ، والتخلص منه ، وبذلك كانوا يشكّلون خطراً مستمراً يهدد الأمة الإسلامية.

وعندما اُبلغ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستجابة دعائه للإمام علي عليه‌السلام ، واُمر بأن يعلن ولايته للأمة من بعده ، ويلزمهم بالتمسك بها ، لتتم الحجة بذلك عليهم ، بعد أن يعرِّفهم بولي أمرهم ، توقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التبليغ ، وأراد تأخيره ، ولم يكن ذلك تلكؤاً منه ، وتردداً في تبليغ ما أمر الله تعالى به ، فقد كان أتقى ، وأورع ، وأقوى من ذلك ، وهو الذي نهض بمفرده ، متحدياً العالم كله ، إذ أعلن دعوة التوحيد ، ولم يُرهِبه العالم بأسره ، ينفّذ إرادة الله عزوجل ، وهو غير مكترث بما يحيط به من خطر ، وقد قال كلمته المشهورة : «والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والمقر في يساري على أن أترك هذا الأمر ، حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته» (١).

ولكنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد فسحة في الوقت ليمهِّد لهذا الأمر الخطير قبل إعلانه ، ليفوِّت الفرصة على الفاسقين ، والمنافقين ، كي لا يستغلوا هذا الموقف للتلاعب بعواطف الناس ، ويعملوا على إعادة الناس إلى جاهليتهم ، وكان إعلان الولاية ـ بما يتضمنه من إظهار ما منحه الله تعالى للإمام علي عليه‌السلام من الفضل ، والكرامة ، والتقديم على سائر المسلمين ، بجعله تالي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفضل ـ يثير حسد قوم ، وضغائن آخرين.

__________________

(١) البداية والنهاية ٣ / ٦٣.

٢٧٠

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرغب في أن يعمل على خلق ظروف ملائمة لإعلان الولاية ، ويخشى أن يؤدي الإسراع في تبليغها إلى إثارة الفتنة ولكن الإرادة الإلهية كانت في غاية الصرامة ، فتضمن الأمر بالتبليغ موقفاً حدِّياً ، لا مجال فيه للتأخير ، ولا فسحة فيه في الوقت ، إذ تضمّن إنذاراً : (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، فلا بد من المبادرة ، إذ لا خيار سواها ، وقد جاء الأمر بالتبليغ مشغوعاً بضمان من الله عزوجل : (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

فليس سوى التبليغ في ذلك الموقف ، إذ لا تردد ، ولا حرج في تنفيذ إرادة الله عزوجل ، وتبليغ أوامره ، وهو العاصم الذي يتكفل منع حدوث الفتنة ، أو إماتتها بعد حدوثها ، لذلك جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس في غدير خم على الثرى المنصهر ، وتحت أشعة الشمس المحرقة ، ليصدع بأمر الله عزوجل ، وليكون نزول الآية ، وجمع الناس في تلك الظروف إمارة على أهمية ما يراد تبليغه ، وهو كاف لردع من يريدون الفتنة ، وكمِّ أفواههم عن إثارتها.

إنّ نزول الآية في غدير خم مروي عن عدد من الصحابة ، وقد رواه عنهم جمع غفير من التابعين ، وأخذه عنهم المفسرون ، والحفاظ ، والمحدثون بأسانيد معتبرة ، دونتها كتب السنة ، وقد أحصى الحجة الأميني رواية نزولها في غدير خم عن ثلاثين مصدراً من كتب السنة الموثوقة في التفسير والحديث (١).

كما نقل الحجة الأميني ما جاء في المصادر من وجوه في تفسير قوله تعالى : (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وسبب نزولها ، وناقش تلك الوجوه مثبتاً عدم تناقضها مع تفسير الآية في غدير خم ، وإمكان الجمع بين مختلف الوجوه (٢) ، لذا

__________________

(١) الغدير ١ / ٢١٤ ـ ٢٢٣.

(٢) الغدير ١ / ٢٢٣.

٢٧١

فنحن في غنىً عن إيرادها ومناقشتها.

على أنَّ نزول هذه الآية الكريمة في الغدير هو رأي أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم أهل الذكر ، وقد رواه عنهم المحدثون من الفريقين ، لذا نقتصر على نقل بعض ما روي عن طريق السنة :

روى الحاكم الحسكاني بإسناده إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ما نصه : قال : سمعت زياد بن المنذر يقول : كنت عند أبي جعفر محمد بن علي ، وهو يحدث الناس ، إذ قام إليه رجل من أهل البصرة ، يقال له : عثمان الأعشى ـ كان يروي عن الحسن البصري ، فقال له : يا ابن رسول الله ـ جعلني الله فداك ـ إنَّ الحسن يخبرنا : أنَّ هذه الآية نزلت بسبب رجل ، ولا يخبرنا من الرجل : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ)؟

فقال : لو أراد أن يخبر به ، لأخبر به ، لكنه يخاف. إنَّ جبرائيل هبط على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : إنَّ الله يأمرك أن تدل أمتك على صلاتهم ، فدَلَّهم عليها. ثم هبط ، فقال : إنَّ الله يأمرك أن تدل أمتك على زكاتهم ، فدَلَّهم عليها. ثم هبط ، فقال : إنَّ الله يأمرك أن تدل أمتك على صيامهم ، فدَلَّهم. ثم هبط ، فقال : إنَّ اله يأمرك أن تدل أمتك على حجِّهم ، ففعل. ثم هبط ، فقال : إنَّ الله يأمرك أن تدل أمتك على وليهم ، على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم ، وزكاتهم ، وصيامهم ، وحجهم ، ليلزمهم الحجة من جميع ذلك.

فقال رسول الله : يا ربّ إنَّ قومي قريبوا عهد بالجاهلية ، وفيهم تنافس ، وفخر ، وما منهم رجل إلّا وقد وتره وليُّهم ، وإنّي أخاف ، فأنزل الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)ـ يريد فما بلغتها تامة ـ (وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، فلما ضمن العصمة ، وخوفه ، أخذ بيد علي بن أبي طالب ،

٢٧٢

ثم قال : «يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، وأحب من أحبه ، وابغض من أبغضه» (١).

وروى الثعلبي في تفسيره ، قال : قال جعفر بن محمد : معنى قوله : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) في فضل علي ، فلما نزلت هذه أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي ، فقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه» (٢).

نكتفي بهاتين الروايتين عن الإمامين الصادقين عليهما‌السلام ، وقد روُي عنهما روايات أخرى في هذا المعنى لست بصدد استقصائها.

ورواية الإمام علي الهادي عليه‌السلام التي تضمنتها الزيارة في معنى هاتين الروايتين.

وهناك روايات أخرى في معناها رويت عن عدد من الصحابة ننقل منها رواية عبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله ، قالا : (أمر الله محمداً أن ينصب علياً للناس ، ليخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول الله أن يقولوا : حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى الله إليه : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) الآية ، فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم (٣)).

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٢٥٤.

(٢) الميزان ٦ / ٥٤ نقلاً عن تفسير الثعلبي.

(٣) شواهد التنزيل ١ / ٢٥٥.

٢٧٣
٢٧٤

مع حديث الغدير

«فوضع على نفسه أوزار المسير ، ونهض في رمضاء الهجير ، فخطب ، وأسمع ، ونادى فأبلغ ، ثم سألهم أجمع ، فقال : هل بلّغت؟ فقالوا : بلى. فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا : بلى. فأخذ بيدك ، وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، فما آمن بما أنزل الله فيك على نبيه إلّا قليل ، ولا زاد أكثرهم غير تخسير» :

اللغة : أوزار جمع وزر : وهو الحمل الثقيل.

والرمضاء : شدة وقع الشمس على الرمل.

والهجير : نصف النهار ، عند زوال الشمس إلى العصر ، أو شدة الحر.

التخسير : الإبعاد عن الخير (١) ، والتخسير : الإهلاك (٢).

عود إلى حديث الغدير :

تحدثنا عن غدير خم بما لا يحتمل هذا الموجز المزيد عليه في موضوعي : (يوم الغدير وحجة الوداع ، وفي رحاب الغدير) (٣) ، وما ذكر هناك يوضح ما

__________________

(١) لسان العرب.

(٢) مجمع البحرين.

(٣) راجع ص ١٥ وص ٢١ من هذا الكتاب.

٢٧٥

تضمنته هذه الفقرة من الزيارة ، ونضيف إليه شيئاً عن مصادر حديث الغدير :

حديث الغدير من الأحاديث المتواترة ، لأنَّ عدد رواته في جميع الطبقات بلغ الكثرة التي يمتنع معها التواطؤ على الكذب ، ولا أغالي إن قلت : لم يتوفر لحديث آخر أن يحضى بهذه الكثرة من الرواة ، وقد أحصى الحجة الأميني قدس سره رواته في حدود ما اطلع عليه من مصادر السنة فقط ، فبلغ الإحصاء ما يأتي :

١ ـ عدد رواة الحديث من الصحابة : ١١٠ صحابياً (١).

٢ ـ عدد رواة الحديث من التابعين : ٨٤ تابعياً (٢).

٣ ـ عدد رواة الحديث من المحدثين والمؤلفين : ٣٦٠ مؤلفاً (٣).

٤ ـ عدد المؤلفين الذين ألفوا كتباً للبحث في حديث الغدير : ٢٦ مؤلفاً (٤).

عدم الإيمان بما اُنزل في علي عليه‌السلام :

لا نجد في تأريخ الإسلام ، بل في تأريخ البشرية قضية يبلغ عدد شهودها مائة ألف أو أكثر ـ على الإختلاف بين الروايات في التقدير ، ثم تضيع قبل أن تمر بضعة أشهر ، فالمدة بين يوم الغدير وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام ، وبين يوم وفاة الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثامن والعشرين من شهر صفر تبلغ سبعين يوماً ، وقد تزيد على ذلك بأيام على رواية من روى وفاته في شهر ربيع الأول ، فهل ذهب حديث الغدير ، وما تبعه من بيعة طيَّ النسيان في هذه المدة الوجيزة؟!

__________________

(١) الغدير ١ / ١٤ ـ ٦٠.

(٢) الغدير ١ / ٦٢ ـ ٧٢.

(٣) الغدير ١ / ٧٣ ـ ١٥١.

(٤) الغدير ١ / ١٥٢ ـ ١٥٧.

٢٧٦

أم حصل ما أنبأ به الذكر الحكيم في قوله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ)(١)؟! إنَّ نسيان هذا الحدث الخطير ـ على ما فصلناه ـ أمر غير ممكن في مثل هذه المدة القصيرة ، بل وفي مدة أطول منها ومهما طال الزمن ، فيتعين إذاً الإنقلاب على الأعقاب ، وعدم الإيمان بما جاء به الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ولاية علي عليه‌السلام عن الله عزوجل.

ولابد من تكرار القول بأنَّ الإيمان بما أنزل الله عزوجل فيه ، يعني الإيمان بأنَّه خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وولي أمور المسلمين بعه بلا فصل بما تعنيه هذه الولاية من كونه أولى بهم من أنفسهم ، يتصرف في شؤونهم حسب ما يقرره الشرع القويم ، وبما تستلزمه هذه الولاية العامة من وجوب الطاعة ، والإذعان لأوامره ، ونواهيه ، ووجوب نصرته ، ومحاربة أعدائه ، والبراءة منهم ... وما إلى ذلك من لوازم الولاية.

والشيعة يؤمنون بولايته عليه‌السلام بهذا المعنى ، يتعبّدون بما قامت عليه الأدلة القطعية ، لا يحيدون عنها ، وقد ضحّوا من أجل ذلك بكل غال ونفيس ، وجادوا بأنفسهم للثبات على هذه العقيدة ، ومقاومة من نصب العداء لأهل البيت عليهم‌السلام ، وحاول استئصالهم ، واستئصال شيعتهم.

ومن لم يؤمن بهذه الولاية بعد قيام الأدلة القطعية عليها ، وهي أدلة لا تقبل التأويل ، والتمحل ، فإنَّه مخالف لأوامر الله تعالى ، ورادّ على رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجاحد لما جاء به عنه واهتم بتبليغه ، وأكد عليه ، ولا شك أنَّ من نهج هذا السبيل المعوج لا يزداد إلّا خسراناً في الدنيا والآخرة ، لمخالفته لله عزوجل ، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عناداً وتعصباً ، وهو من الضالين الهالكين.

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٤٤.

٢٧٧
٢٧٨

جهاد المرتدين

«ولقد أنزل الله فيك من قبل وهم كارهون : * (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(١) *» :

اللغة: أذلّة على المؤمنين : رحماء على المؤمنين ، أعزّة على الكافرين : غلاظ شداد على الكافرين (٢).

اختلف المفسرون في تحديد المقصود بهذه الآية الكريمة على أقوال ، وأحد هذه الأقوال ما نصت عليه الزيارة من أنَّ المقصود بها هو الإمام علي عليه‌السلام ، وهو ما ذهب إليه أهل البيت عليهم‌السلام الذين هم خزنة علم الكتاب ، وتراجمة الوحي ، وتشمل من خرج لقتاله في حروبه الثلاثة من البغاة وهم : الناكثون ، والقاسطون ، والمارقون ، يؤيد ذلك أمور ، هي :

١ ـ تضمنت الآية الكريمة قوله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) وقد ثبت بالسنة المتواترة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر في الإمام علي عليه‌السلام : «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب

__________________

(١) المائدة ٥ : ٥٤.

(٢) مجمع البحرين.

٢٧٩

الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله» (١) ، وقد أيد الرازي نزول هذه الآية الكريمة في الإمام علي عليه‌السلام بهذا الدليل (٢).

٢ ـ إنَّ نزول الآية الكريمة في الإمام علي عليه‌السلام هو رأي أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم أعلم الناس بتأويل الكتاب العزيز ، لأنَّهم أهل الذكر الذين أودع الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمه عندهم ، قال الإمام علي عليه‌السلام يوم البصرة : «والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم» ، وتلا هذه الآية الكريمة (٣) ، كما روي القول بنزولها فيه عن الإمامين الصادقين عليهما‌السلام ، وروي ذلك عن عمار ، وحذيفة (٤) ، وبين أيدينا رواية الإمام الهادي عليه‌السلام التي تضمنتها الزيارة.

٣ ـ تتضمن الآية الكريمة قوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) وهذه الصفاة كلها مجتمعة في الإمام علي عليه‌السلام ، ومن درس سيرته العطرة ، اتضح له أنَّ هذه الأوصاف من أخص خصائصه ، والسنة النبوية الشريفة تنص على ذلك.

٤ ـ إنَّ الآية الكريمة التي تلي هذه الآية هي قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(٥) ، ومن المتفق عليه بين علماء المسلمين من الفريقين من مفسرين ، وحفاظ ،

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٣ ، السنة لعمرو بن أبي عاصم ٥٩٤ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ / ٣٦٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٧٩ ، صحيح البخاري ٤ / ١٢ ، ٢٠٧ ، صحيح مسلم ٥ / ١٩٥ ، مسند أحمد ١ / ١٣٣ ، المصنف للصنعاني ٥ / ٢٨٧ ، المعجم الكبير ٧ / ٣٦.

(٢) فضائل الخمسة ١ / ٢٨٢ نقلاً عن تفسير الرازي.

(٣) التبيان ٣ / ٥٥٦.

(٤) التبيان ٣ / ٥٥٥.

(٥) المائدة ٥ : ٥٥.

٢٨٠