شرح زيارة الغدير

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان

شرح زيارة الغدير

المؤلف:

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤

وفاء بعهد الله

(وأشهد أنّك وفيت بعهد الله تعالى ، وأن الله تعالى موف لك بعهده (وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّـهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (١)) :

كل من يعتنق الدين الإسلامي الحنيف ، مقراً بأن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله ، فقد ألزم نفسه بعهد مع الله عزوجل يلتزم بموجبه بتطبيق الشريعة الغرّاء ، والعمل بأحكامها ، والانتهاء عمّا نهت عنه.

وكل عهد يلزم الإنسان به نفسه ، فهو ملزم بالوفاء به عقلاً وشرعاً ، والمؤمن لا يتخلف عن الوفاء بالعهد مهما كلفه الوفاء من ثمن ، فإذا كان العهد مع الله عزوجل فإنه يضحي بنفسه وفاءً له.

وسيرة الإمام علي عليه‌السلام فيها أروع أمثلة الوفاء بعهود الله تعالى ، تتجلى في تضحياته ، والتزامه التام بأحكام الشريعة ، وجهاده المتواصل حتى نيل الشهادة ، وفاءً لبيعته التي أداها للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقتبل عمره الشريف.

وفي قبال ما يقوم به المؤمن من الوفاء بعهد الله تعالى من الإطاعة لأحكام شريعته ، بتنفيذ أوامرها ، واجتناب نواهيها ، جعل الله تعالى الجزاء في الآخرة الذي أعده من لطفه للمؤمنين من الفوز بالجنة ، والتمتع بنعيمها الدائم الذي وصفته ووعدت به آيات الذكر الحكيم ، والسنة النبوية الشريفة ، والله سبحانه أهل الجود والوفاء.

ومن البديهي أنَّ الإنسان كلما أكثر التزود من الطاعة كان جزاؤه عند الله عزوجل

__________________

(١) الفتح ٤٨ : ١٠.

١٤١

أكبر وأكثر ، وليس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد من هذه الأمة أطاع الله تعالى ، والتزم بأحكام شريعته كالإمام علي عليه‌السلام ، وقد وفى الله عزوجل له بعهده على لسان نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي أخبر بأنَّه من سادة أهل الجنة ، وأنَّه معه يوم القيامة ، وفي درجته ، وأنَّه حامل لوائه فيها ، وأنَّه صاحب حوضه ، وأول من يدخل الجنة معه ، وأنَّه قسيم الجنة والنار ، والدخول إلى الجنة لا يكون إلّا بجواز منه ، إلى غير ذلك من الأحاديث المستفيضة ، التي اتفق على روايتها جميع أهل القبلة على اختلاف مذاهبهم ، ولننقل بعضاً منها :

عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة : أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي» (١).

وفي حديث زيد بن أبي أوفى في المؤاخاة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وأنت معي في قصري في الجنة ، مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ، ورفيقي ، ثمَّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : * إخواناً على سرر متقابلين * المتحابين في الله ، ينظر بعضهم إلى بعض» (٢).

وفي حديث زيد بن أرقم في المؤاخاة ، قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه ، فقال علي : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ، وتركتني ، فقال : «أنت أخي ، أما ترضى أن تدعى إذا دعيت ، وتكسى إذا كسيت ، وتدخل الجنة إذا دخلت؟. قال : بلى» (٣).

وفي حديث جابر بن سمرة ، قال : قيل : يا رسول الله من يحمل رايتك يوم

__________________

(١) ذخائر العقبى ٨٩ ، الصواعق المحرقة ١٦٠ ، فضائل الخمسة ٣ / ١١٠.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٣١ / ٤١٦ ، ٤٢ / ٥٣ ، ذخائر العقبى ٨٩ ، فضائل الخمسة ٣ / ١٠٨ ، كنز العمال ٩ / ١٦٧ ، ١٧٠ ، ١٣ / ١٠٦.

(٣) أنساب الأشراف ٢ / ١٤٤.

١٤٢

القيامة؟. قال : «من كان يحملها في الدنيا علي بن أبي طالب (١)».

وقال ابن حجر المكي : أخرج الدارقطني أنَّ علياً قال للستة الذين جعفل عمر الشورى بينهم كلاماً طويلاً من جملته : «أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي أنت قسيم الجنة والنار غيري؟». قالوا : اللهم لا.

وفي معناه : ما رواه عنترة عن علي الرضا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له ـ لعلي عليه‌السلام ـ «أنت قسيم الجنة والنار ، فيوم القيامة تقول النار : هذا لي ، وهذا لك» (٢).

وفي حديث أبي بكر ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يجوز أحدٌ على الصراط إلّا من كتب له علي الجواز» (٣).

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٧٤ ، ذخائر العقبى ٧٥ ، حديث خيثمة ١٩٩ ، وري معناه عن أنس في : تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٧٥ ، وعن الإمام علي عليه‌السلام في ٣٣١ منه وفي كنز العمال ١٣ / ١٥٤ ، وعن أبي سعيد في كنز العمال ١١ / ٦١٤ ، وعن عمر بن الخطاب في كنز العمال ١٣ / ١١٧ ، وعن محدوج بن زيد في تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٤.

(٢) الصواعق المحرقة ١٢٦ ، وروي عن الإمام علي عليه‌السلام قوله : (أنا قسيم النار يوم القيامة ، أقول : خذي ذا ، وذري ذا) في تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٩٨ ، ٣٠٠ بطرق عديدة ، وشرح نهج البلاغة ٢ / ٢٦٠ ، وكنز العمال ١٣ / ١٥٢.

(٣) الصواعق المحرقة ١٢٦.

١٤٣
١٤٤

الولاية والإمارة

(أشهد أنَّك أمير المؤمنين الحق الذي شهد بولايتك التنزيل ، وأخذ العهد على الأمة بذلك الرسول) :

الذي يفهم من هذه الفقرة أنَّ الولاية التي أعلنها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام علي عليه‌السلام تدل على أنَّه أمير المؤمنين ، بغض النظر عن وجود النص بإمرته ، سواء وجد النص ، أم لا.

ويتضح لنا ذلك من مراجعة نص الولاية ، وما استفدناه منها فيما مر من هذا الشرح ، إذ تقرر لدينا أنَّ الولاية منصب من الله تعالى ، وأنَّها تعني أنَّ للإمام علي عليه‌السلام ما للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ومقامه فيهم كمقامه ، لا يختلف عنه بشي سوى النبوة ، لأنَّ رسالته خاتمة الرسائل ، كما تواتر عنه النقل بذلك.

فعلي عليه‌السلام خليفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمينه على رسالته ، وطاعته متفرعة عن طاعته ، وولايته متفرعة عن ولايته ، فهو بذلك أمير المؤمنين ، وقد شهد بولايته التنزيل في قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(١) ، وسيأتي الحديث عن هذه الآية في محلها من الزيارة.

وقد مر بنا أنَّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ العهد من المسلمين يوم غدير خم بولاية الإمام علي عليه‌السلام ، فأشهد الله تعالى عليهم ، وأمرهم بتبليغ من لم يحضر ، فهو أمير

__________________

(١) المائدة ٥ : ٥٥.

١٤٥

المؤمنين حقاً بما دلت عليه النصوص من الذكر الحكيم ، والسنة النبوية الشريفة ، وهذا ما استفاده الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان من سيرة الرسول صلى الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما جاء في رواية البلاذري بإسناده عن أبي شريح ، قال : أتى حذيفة بالمدائن ـ ونحن عنده ـ أنَّ الحسن وعمّاراً قدما الكوفة يستنفران الناس إلى علي ، فقال حذيفة : إنَّ الحسن وعمّاراً قدما يستنفرانكم ، فمن أحب أن يلبي أمير المؤمنين حقاً حقاً ، فليأت علي بن أبي طالب (١).

__________________

(١) أنساب الأشراف ١٢٦.

١٤٦

تجارة مع الله تعالى

(وأشهد أنَّك وعمَّك وأخاك الذين تاجرتم الله بنفوسكم فأنزل الله فيكم : إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّـهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(١) :

حمزة سيد الشهداء :

المقصود بالعم ـ هنا ـ حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أسد الله ورسوله ، وسيد الشهداء ، وهو بطل من خيرة أبطال الإسلام ، أبلى بلاءً حسناً في نصرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجاهد بين يديه بصلابة ، وصدق ، وإخلاص ، وتفان في الله.

ومن مواقفه الجهادية أنَّه كان يتناوب حراسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكة مع الإمام علي عليه‌السلام ، وهو الذي ضرب أبا جهل عند البيت على رأسه بالقوس ، فشج رأسه انتصاراً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لما بلغه من أذى أبي جهل له ، وأعلن إسلامه في تلك الحادثة مبالغاً في تحديه لجبابرة الشرك ، غير مكترث بهم ، وهو يعلم بأنَّه وترهم بعمله هذا.

وكان عليه‌السلام بعد الهجرة في طليعة المجاهدين ، وقد انتدبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر مع

__________________

(١) التوبة ٩ : ١١١ ـ ١١٢.

١٤٧

علي عليه‌السلام وعبيدة عندما طلب شيبة ، وعتبة ، والوليد أن يبرز إليهم أكفاؤهم من بني هاشم ، ومواقفه في بدر وأحد مشهودة مشهورة ، وقد اغتالته يد الإثم في اُحد بتدبير وتشجيع من هند بنت عتبة التي مثلت به بعد القتل ، فاستخرجت كبده ولاكتها ، فعرفت لذلك بآكلة الأكباد.

جعفر الطيار :

والأخ هو : جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه‌السلام ، وهو من السابقين إلى الإسلام ، حيث كان مع أبيه أبي طالب ، فوجدا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي ، والإمام علي عليه‌السلام يصلي عن يمينه ، فقال أبو طالب لابنه جعفر : (صل جناح ابن عمك) (١) فانظم إليهما ، ليكون ثالثاً ، وقد أرسله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على من هاجر من المسلمين إلى الحبشة هرباً بدينهم من مشركي قريش ، وكان لحديثه مع النجاشي ملك الحبشة أثر كبير ، أدى إلى اهتمامه بالمسلمين ، وتصلبه في أمرهم عندما جاء وفد قريش مع عمرو بن العاص يطالبون النجاشي أن يسلم المسلمين إليهم ، ليردّوهم إلى مكة ، فأبى عليهم ذلك ، واهتم برعايتهم.

ولحق جعفر ومعه المسلمون الذين هاجروا إلى الحبشة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الهجرة إلى المدينة ، واستقراره فيها ، فوصلوا المدينة المنورة يوم فتح خيبر في السنة السابعة للهجرة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لست أدري أي الأمرين أسر إلي أفتح خيبر؟. أم قدوم جعفر؟» (٢).

وانظم جعفر إلى صفوف المجاهدين ، إلى أن أمَّره الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على

__________________

(١) أسد الغابة ١ / ٢٨٧ ، شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٧٢.

(٢) أنساب الأشراف ٤٣.

١٤٨

الجيش الذي جهزه لحرب الروم في السنة الثامنة للهجرة ، فقاتل حتى قطعت يداه ، واستشهد في مؤتة حيث قبره الآن ، وقد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله تعالى أبدله عن يديه المقطوعتين بجناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة ، ولذا لقب بالطيار ، وبذي الجناحين (١).

ومن كان على هذه الدرجة م الإيمان ، ومن الفداء ، وبذل النفس في سبيل الله ، والتضحية من أجل إعلاء كلمة التوحيد ، حتى نيل الشهادة ، كحمزة وجعفر عليهما‌السلام ، اللذين لقيا الله عزوجل مضرجين بدمائهما الطاهرة ، وقد مثل بهما أعداء الله تشفياً منهما ، لأنَّهما يدعوان إلى الله عزوجل ، ويجاهدان لإعلاء كلمته في الأرض ، فلا شك أنَّهما والإمام علياً عليه‌السلام ممن قصدتهم الآية الكريمة ، وهم أظهر مصاديقها ، وأنَّهم ممن اشترى الله تعالى منهم أنفسهم ، فبذلوها في سبيله ، ولم يتخلفوا يوماً عن سوح الجهاد ، حتى استشهدوا في سبيله ، ودراسة سيرتهم خير شاهد على ذلك.

وهذا ينطبق على الآية الثانية ؛ لأنَّها تضمنت صفات هي من أظهر ما امتازت به حياة هؤلاء الثلاثة منذ بدء الدعوة حتى نال كل واحد منهم الشهادة ، مقتفين أثر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سائرين على هديه ، لا يحيدون عن نهجه القويم.

__________________

(١) أنساب الأشراف ٤٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢٧ / ٢٥٧ ، شرح نهج البلاغة ١٥ / ٧١ ، كنز العمال ١٣ / ٤٤٧ ، المعجم الأوسط ٧ / ٨٨.

١٤٩
١٥٠

الشاك في علي عليه‌السلام

«أشهد يا أمير المؤمنين أنَّ الشاك فيك ما آمن بالرسول الأمين ، وأنَّ العادل بك غيرك عاند «عادل» عن الدين القويم الذي ارتضاه لنا رب العالمين ، وأكمله بولايتك يوم الغدير» :

اللغة : عاند عند ، يعند (بالكسر) ، عنوداً : أي خالف ، وردَّ الحق ، وهو يعرفه ، فهو عنيد ، وعاند ، والعاند : البعير الذي يجور عن الطريق ، ويعدل عن القصد (١).

للإمام علي عليه‌السلام خصائص لا يشاركه فيها أحد من المسلمين ، وفضائله نص عليها متواتر الحديث ، وصحيحه ، فهو نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووصيه ، ووزيره ، وخليفته ، وباب علمه ، وحكمته ، وعيبة علمه ، ووارثه ، وأمينه على شرعه ، ووليه ، والحجة الذي فرضت على الأمة طاعته ، وولايته ... إلى غير ذلك من فضائله التي لا تحصى.

ودراسة سيرته العطرة تضيف إلى ما جاء به النقل الكثير من المزايا ، والمآثر ، والفضائل ، والذي يعطي هذه السيرة بعداً خاصاً يضفي عليها القداسة ، هو تفانيه في ذات الله تعالى ، وهو الذي تربى في حجر الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانطبع به ، واقتفى أثره ، واحتذى مثاله ، وسار على هديه ... فسيرته سيرته وهديه هديه ، وفضائله فضائله ، ومآثره مآثره ، حيث لا مجال للتفريق بين الشخصين القدسيتين إلّا بالنبوة ، وما اختص به سيد الأنبياء.

فمن شك في الإمام علي عليه‌السلام بعد معرفة مكانته من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ثبت

__________________

(١) الصحاح.

١٥١

تفسيره فيه من الذكر الحكيم ، وما صرَّحت به السنة النبوية الشريفة ، فقد شك في صحة ما جاء به المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يؤمن برسالته إيماناً صحيحاً ، وإنَّما أظهر الإيمان نفاقاً.

وللعدول عن الإمام علي عليه‌السلام بواعث تختلف باختلاف من عدلوا عنه : فالذين أقصوه عن الخلافة أولاً ، عدلوا عنه حسداً ، أو بغضاً ، لأنَّه وترهم بقتله لذويهم من رجال الشرك الذين أجهزوا على المدينة المنورة للقضاء على الإسلام ونبيه ومعتنقيه ، فتعصب القرشيون ضده ، وأقصوه عن الخلافة ، وهذا الموقف ضده جرى على قواعد العصبية القبلية التي كانت تسود في الجاهلية ، والتي ألغاها الدين الإسلامي الحنيف ، وإلى جانب هؤلاء وقف ضده المنافقون كيداً للإسلام ، وبغضاً لأهل البيت عليهم‌السلام.

وأمّا من جاء بعدهم على مرِّ العصور ، وتابعوهم على العدول عنه ، فهم بين من اتبع سنة السلف على التعصب ، والبغض ، والنفاق ، وبين من أثرت فيه الشبهات ، وغررت به الدعاية الأموية ، وهؤلاء يشكلون الغالبية العظمى ممن عدل عنه ، وقد تأثر هؤلاء بما عمل من أجله معاوية ، حيث بذل أقصى الجهد في محاولة الإنتقاص من الإمام علي عليه‌السلام ، فلم يجد مجالاً لذلك ، فعمل على وضع أحاديث في فضائل الصحابة ، ليقابل بها فضائله ، ويعارضها ، واشترى ضمائر بعض من يسمَّون بالصحابة ، وبعض التابعين ، فبذل لهم الأموال الطائلة ليضعوا له أحاديث في ذمه وانتقاصه.

ولم يكتف معاوية بذلك ، بل أمر ولاته بأن يمنعوا الناس من التحدث بفضائل الإمام علي عليه‌السلام ، كما أمرهم بإرهاب من يتحدث بفضائله ، بأن يسجن ، ويقطع عطاؤه ، وتهدم داره ، كل ذلك لستر مناقبه ومآثره ، ثم أمر الناس وأكرههم على لعنه

١٥٢

على المنابر (١).

وسار على سيرة معاوية في التشجيع على وضع الحديث أغلب من تسلط بعده على الدولة الإسلامية في العهدين : الأموي ، والعباسي فانتشرت ـ بشكل فضيع ـ الأحاديث التي وضعها الطامعون في فضائل الصحابة (٢) ، والتي توهم تفضيل بعضهم على الإمام علي عليه‌السلام ، ومساواة البعض الآخر له في الفضل ، ومن تفحص الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة ، يتضح له ضعف أسانيدها ، وركة متونها ، ومناقضة تلك المتون لسيرتهم ، فهي تحمل معها شواهد وضعها ، ولكن التعصب جعلها مما يحتج به ، ويقدم ـ أحيانا ـ على الصحيح ، والمتواتر ـ كما مر ـ

أمّا ما جاء في الإمام علي عليه‌السلام من تفسير لآيات الذكر الحكيم ، وما جاء من الحديث النبوي الشريف ، فهو إمّا متواتر ، أو صحيح ، أو حسن ، ويندر فيه الضعيف حتى لا نكاد نجده ، وقد ادعى المتعصبون ضعف بعض الأحاديث ، أو وضعها ، ولكن التحقيق يثبت خلاف ذلك ، وقد نص على صحة ما روي من الأحاديث في فضائل الإمام علي عليه‌السلام غير واحد من أئمة الحديث عند السنة ، يقول أحمد بن حنبل ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي ، والنسائي : (لم يرو في فضائل أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان (٣) ما روي في فضائل علي بن أبي طالب (٤)).

وكل من عدل عن الإمام علي عليه‌السلام بعد قيام الحجة بالأحاديث المستفيضة التي

__________________

(١) راجع فصيل ذلك في شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٤ ـ ٤٦.

(٢) راجع الغدير ففيه بحث مفصل عن أحاديث الفضائل.

(٣) يظهر أنّ المقصود بالحسان ما هو أعم من المعنى الاصطلاحي أي ما يشمل المتواتر والصحيح والحسن.

(٤) شواهد التنزيل ١ / ٢٧ ، الصواوعق المحرقة ١٢٠ ، فضائل الخمسة ١ / ١٦٧.

١٥٣

نقلها علماء المسلمين ، ونصوا على وثاقة رواتها ، وصحة ما جاء فيها من تفسير أو حديث ، فهو غير معذور ، وعادل عن الدين الإسلامي القويم ، الذي نصت تعليماته على حبه ، والتمسك بولايته ، التي بلّغ بها الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم ، فنزل الذكر الحكيم معلناً إكمال الدين وإتمام النعمة على الأمة بهذا الأصل الإعتقادي.

ولا فرق في ذلك بين من كان مدفوعاً بالحسد ، أو البغض ، أو النفاق ، وبين من اعتمد على أدلة واهية بينة الضعف ، تستند إلى الأحاديث الموضوعة في تفضيل وتقديم غيره عليه ، ولم يبحث عن الأحاديث الصحيحة والمتواترة ، ولم يتحقق في هذا الموضوع ، أو لجأ إلى تأويل الأحاديث ـ حتى لو كانت لا تحتمل التأويل ـ تعصباً ومتابعة ، وتقليداً للسلف.

١٥٤

الصراط المستقيم

«وأشهد أنَّك المعني بقول العزيز الرحيم : (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)(١) ، ضلَّ والله وأضلَّ من اتبع سواك ، وعَنَد عن الحق من عاداك ، اللهم سمعنا لأمرك ، وأطعنا ، واتبعنا صراطك المستقيم ، فاهدنا ربنا ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا إلى طاعتك ، واجعلنا من الشاكرين لأنعمك».

اللغة : عَنَدَ عند ، يعند (بالكسر) ، عنوداً : أي خالف ، وردَّ الحق ، وهو يعرفه. الزيغ : الميل ، زاغ ، يزغ ، زيغاً ، وزيغاناً ، وزيوغاً : مال ... وقوله تعالى : (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا): أي لا تملها عن الهدى والقصد ، ولا تضلنا (٢).

أخبر الإمام الهادي عليه‌السلام بنزول هذه الآية الكريمة في جده الإمام المرتضى عليه‌السلام ، وأنَّه المعني بالصراط المستقيم ، وكلامه في ذلك حجة ، لأنَّه عَلَمٌ من أعلام بيت النبوة عليهم‌السلام الذين أودع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علومه عندهم ، ولم أجد في حدود ما اطلعت عليه من المصادر السنية حديثاً في نزولها فيه ، ولكن روي تفسير الصراط المستقيم في سورة الفاتحة ، والصراط في آيات أخرى فيه ، كما جاء في الحديث النبوي الشريف وصفه بالصراط المستقيم ، وإليك نماذج من ذلك :

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٥٣.

(٢) لسان العرب.

١٥٥

آيات الذكر الحكيم :

روى المأمون الخليفة العباسي ، عن آبائه ، عن ابن عباس ، في تفسير قول الله تعالى : (وَاللَّـهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ): يعني به الجنة ، (وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(١) : يعني به إلى ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

وقال زيد بن علي في هذه الآية : (وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). قال : إلى ولاية علي بن أبي طالب (٣).

قوله تعالى : (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ)(٤) عن ابن عباس ، قال : «أصحاب الصراط السوي» : هو ـ والله ـ محمد وأهل بيته ، والصراط : الطريق الواضح الذي لا عوج فيه (٥).

قوله عزوجل : (وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ)(٦) عن علي عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ... الآية) ، قال : عن ولايتنا (٧).

الحديث النبوي الشريف :

جاء في حديث ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بن أبي طالب :

__________________

(١) يونس ١٠ : ٢٥.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ٣٤٦.

(٣) شواهد التنزيل ١ / ٢٤٧.

(٤) طه ٢٠ : ١٣٥.

(٥) شواهد التنزيل ١ / ٤٩٩.

(٦) المؤمنون ٢٣ : ٧٤.

(٧) شواهد التنزيل ١ / ٥٢٤.

١٥٦

«أنت الطريق الواضح ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت يعسوب المؤمنين» (١) ، وفي حديث جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله جعل علياً ، وزوجته ، وأبناءه حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في أمتي ، من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم» (٢).

وسيرة الإمام علي عليه‌السلام تعطينا خير دليل على صحة ما جاء في هذه الأحاديث ، لاقتفائه أثر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تطبيق أحكام الشريعة الغراء وآدابها : قولاً ، وفعلاً ، وتقريراً كما أنَّ عصمته ، وما تقتضيه من كونه حجة الله تعالى على العباد ، وما جاء من النص على التمسك بولايته ، وخلافته يؤيد كونه الصراط المستقيم ، لأنَّه يقتضي وجوب طاعته ، وأنَّ الإقتداء به ، والسير على هديه اقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطاعة لله ورسوله. ومن البديهي أنَّ اتباع الجاهل ، وتقديمه على العالم ضلال ، لأنَّ العالم يرشد إلى طريق الصواب ، بخلاف الجاهل الذي لا يعرف طريق الرشد ليهدي إليه ، كما أنَّ تقديم غير المعصوم على المعصوم ومتابعته ضلال ؛ لأنَّ من لا عصمة له لا يُؤمَن تورطه بالمعاصي ، والإقتداء به في معاصيه ضلال.

وبما أنَّ الإمام علياً عليه‌السلام باب علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نصَّ الذكر الحكيم والسنة النبوية الشريفة على عصمته ، فمن تمسك بولايته ، وتابعه أمن من الضلال ، واتبع الهدى ، ولزم الصراط المستقيم ، ومن أبى التمسك بولايته ومتابعته ، فقد خالف الله عزوجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وضل بمخالفته لهما ، وتقديمه الجاهل على العالم ، وغير المعصوم العاصي على المعصوم الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيرا ،

__________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٧٦.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ٧٦.

١٥٧

وأضل كل من تابعه على هذا النهج.

وأمّا تركه الحق فواضح لما صح وتواتر من الحديث النبوي الشريف الذي يدل على كونه مع الحق ، من ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي مع الحق ، والحق مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة الغدير : «وأدر الحق معه حيث دار» ، وغير خفى أنَّ هذين الحديثين يفيدان كونه مع الحق في جميع تصرفاته ، وفي كل أحواله ، وحديث الثقلين الذي نص على عدم افتراق العترة عن الكتاب حتى يردا الحوض ، وأنَّ التمسك بهما عصمة من الضلال يدل على أنَّ سيد العترة مع الحق ، إذ لو فارق الحق ، لافترق عن الكتاب العزيز الذي (لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ)، وانتفت بذلك عصمته من الضلال ، وكذلك حديث : «علي مع القرآن والقرآن مع علي» يدل على ما دل عليه حديث الثقلين (١).

بعد أن بيّن الإمام الهادي عليه‌السلام أنَّ جده المرتضى عليه‌السلام هو الصراط المستقيم ، وأنّ اتباع غيره ضلال ، وأنّ من عاداه مفارق للحق ، عقب ذلك بالإقرار والتسليم ، وإعلان السمع والطاعة ، ثم انتقل إلى الإبتهال والتضرع ، سائلاً العلي القدير أن يثبته على هذه العقيدة ، طالباً منه المزيد من الهداية ، كي لا يزيغ قلبه ، فتميل به الأهواء عن الصراط المستقيم ، الذي اُمر باتباعه ، وأن يرزقه أداء الشكر لهذه النعمة التي أسداها إليه بهدايته إلى طريق الصواب ، وهو الصراط المستقيم.

__________________

(١) ما تضمنته هذه الفقرة من أحاديث ذكرت مصادرها في مختلف مواضيع هذا الكتاب.

١٥٨

من مظاهر إيمان الإمام علي عليه‌السلام

«وأشهد أنَّك لم تزل للهوى مخالفاً ، وللتقى محالفاً ، وعلى كظم الغيظ قادراً ، وعن الناس عافياً غافراً ، وإذا عصي الله ساخطاً ، وإذا أطيع راضياً ، وبما عهد إليك عاملاً ، راعياً لما استحفظت ، حافظاً لما استودعت ، مبلغاً ما حمِّلت ، منتظراً ما وُعِدْت» :

اللغة: كظم الرجل غيضه إذا اجترعه. كظمه ، يكظمه ، كظماً : رده ، وحبسه ، فهو رجل كظيم ، والغيظ مكظوم ، وفي التنزيل العزيز : (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ): فسره ثعلب ، فقال : الحابسين الغيظ ، لا يجازون عليه (١).

مخالفته الهوى :

يتحرج المؤمن في جميع تصرفاته ، ويراقب نفسه ، ويحاسبها ، فلا يتصرف أيَّ تصرف إلّا بعد معرفة موقف الشرع منه ، فإن كان مما يحبذه الشرع ، أو يبيحه ، أقدم عليه ، وإن كان مما ينهى عنه الشرع تركه ، وابتعد عنه ، سواء وافق ذلك هواه أو خالفه.

ومن تتبع سيرة الإمام علي عليه‌السلام ، وتأملها ، وجد فيها أروع الأمثلة في مخالفة الهوى ، فقد مرَّ بأحداث وأزمات كثيرة ، وضعته أمام تجارب قاسية ، وامتحان صعب ، ولكنه خرج منها بدينه ، إذ لم يفارق هدي الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صمد

__________________

(١) لسان العرب.

١٥٩

وتحرّى سبل الرشاد ، فسلكها غير مكترث ولا هيّاب لما يواجهه من مخاطر وصعوبات ، لأنَّه يبذل نفسه في طاعة الله تعالى ، وتهون لديه الحياة ، فيضحي من أجل عقيدته ، وينتظر الشهادة بشوق ولهفة.

يشق صوته هدوء الليل في الأسحار ، وهو يناجي ربه ، فيمزج مناجاته بمخاطبة الدنيا : «غري غيري» ، بينما يتكالب غيره على الدنيا ، فيضحي بدينه للنيل من نعيمها الزائل ، والتمتع بملذاتها الفانية التي لا يرى الإمام علي عليه‌السلام لها قيمة ، ولا يقيم لها وزناً ، متبعاً في ذلك سيرة الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذي كان مثله الأعلى ، وقدوته الحسنة ، لم يعمر دنياه على حساب آخرته ، بل عاش ببساطة ، يواسي الفقراء ، ويعطف عليهم ، مترفعاً عن مظاهر الترف ، فلم يسكن قصر الإمارة عندما تولّى الخلافة في الكوفة ، بل سكن دار ابن أخته جعدة بن هبيرة ، تواضعاً ومواساة للمعوزين.

قال عليه‌السلام ـ وهو يفصح عمّا انطوت عليه سيرته ـ في رسالته إلى عثمان بن حنيف واليه على البصرة : «ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ، ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنَّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد ، فوَالله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا أعددت لبالي ثوبيّ طمرا ، ولا حزت من أرضها شبرا» (١).

وقال عبد الله بن عباس : دخلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام بذي قار ـ وهو يخصف نعله ، فقال لي : ما قيمة هذا النعل؟. فقلت : لا قيمة لها. فقال عليه‌السلام : والله لهي أحب إلي من إمرتكم ، إلّا أن أقيم حقّاً ، أو أدفع باطلاً.

فمن كانت هذه سيرته ، وهذه نظرته إلى الدنيا ، ثمَّ إلى الخلافة ما لم يتوفر في

__________________

(١) نهج البلاغة ٣ / ٧٠.

١٦٠