شرح زيارة الغدير

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان

شرح زيارة الغدير

المؤلف:

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الْيَوْمَ اَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ

لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً

صَدَقَ اللهُ العَليُ العظيم

الله أكبر على إكمال الدين ،

وإتمام النعمة ، ورضى الرب

برسالتي والولاية لعلي من بعدي

صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٥
٦

الاهداء

إلى سيدي ومولاي إمام الثقلين ،

ويعسوب الدين ، ومولى المؤمنين ، الذي

فرض الله تعالى ولايته يوم الغدير ، فأكمل

بها الدين ، وأتم بها النعمة على المؤمنين ،

صنو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وزوج البتول ، وأبي

السبطين عليهما‌السلام، أمير المؤمنين علي بن أبي

طالب عليه‌السلام ، اُقدم هذا الجهد المتواضع ، راجياً

منه أن يتفضل علي بالقبول.

٧
٨

مقدمة تفضل بها سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلّامة المجاهد

الشيخ علي الكوراني مشكوراً

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين لا سيما أولهم صاحب بيعة يوم الغدير علي أمير المؤمنين وسيد الوصيّين.

وبعد ، فإن زيارة الغدير نصُّ معصومٍ ، من إنشاء الإمام علي الهادي عليه‌السلام ، زار بها جدَّه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، عندما أجبره المعتصم على ترك المدينة النبوية ، وفرض عليه الحضور إلى سامراء ليكون تحت الإقامة الجبرية! فأقنع الإمام عليه‌السلام سرية الجيش التي رافقته أن يجعلوا طريقة على النجف ، فكان يوم الغدير عند قبر جده عليه‌السلام وزاره بهذه الزيارة البليغة ، فكتبها وأعطاها إلى المسلمين ، أو ألقاها فكتبها عنه أصحابه!

ولا يبعد أن يكون ذلك في سنة ٢٢٥ ، أي بعد خمس سنوات من إحضار المعتصم لأبيه الإمام محمد الجواد عليه‌السلام إلى بغداد سنة ٢٢٠ ، وقَتْله إيّاه! وقبل سنتين من هلاك المعتصم سنة ٢٢٧ ، وقد بقي الإمام الهادي عليه‌السلام في سامراء بإجبار الخلفاء الذين عاصرهم بعد المعتصم ، وهم الواثق ، وخلافته من سنة ٢٢٧ ـ ٢٣٢ ،

٩

والمتوكل من سنة ٢٣٢ ـ ٢٤٧ ، والمنتصر ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ، والمستعين ٢٤٨ ـ ٢٥٢ ، والمعتز ٢٥٢ ـ ٢٥٥ ، وهو الذي أقدم على جريمة قتل الإمام الهادي عليه‌السلام سنة ٢٥٤.

في ذلك الجو قام الإمام الهادي عليه‌السلام بهذا العمل ، وصدر عنه هذا الكلام ، فهو من هذه الجهة يدل على تحديه عليه‌السلام للسلطة وصدعه بالحق رغم الخطر.

ويدل من جهة أخرى ، على إصراره عليه‌السلام على تقديم مكانة أمير المؤمنين عليه‌السلام الربّانية في الإسلام ، بصفته أوّل العترة النبوية الذين هم منظومة إمامة وقيادة ، اختارها الله تعالى رغم رفض قريش له ، وبنى عليها عزوجل خطته لإظهار الإسلام على الدين كله.

وتتكامل صورة زيارة الأمير يوم الغدير ، عندما تعرف اَنَّ زيارة الجامعة الكبيرة صدرت أيضاً من الإمام الهادي عليه‌السلام وهو في سامراء ، فأملاها على موسى بن عمران النخعي رحمه‌الله عندما قال له : (علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم ، فقال : «إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين وأنت على غسل ، فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : الله أكبر ثلاثين مرة ، ثم امش قليلاً وعليك السكينة والوقار وقارب بين خطاك ، ثم قف وكبر الله عزوجل ثلاثين مرة ، ثم ادْنُ من القبر وكبر الاله أربعين مرة تمام مثة تكبيرة ، ثم قل : السلام عليك يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرسالة ، وخزان العلم ... الخ».

والزيارة الجامعة كزيارة الغدير نَصٌّ معصومٌ ، في نحو عشر صفحات ، يزور بها الشيعة أئمتهم عليهم‌السلام فيتلونها في مشاهدهم ، كما يتلونها في مساجدهم وحسينياتهم وبيوتهم.

ونظراً إلى هذا الغنى الفكري والأصالة العقائدية في هذين النصين ، نجد أنهما

١٠

يحتاجان إلى دراسة متعمقة ومفصلة. وقد أَنِست بهذا الكتاب من النجف الأشرف لمؤلفه فضيلة الأستاذ السيد عبد المطلب الموسوي دامت بركاته من أسرة السادة الخرسان المعروفة بولائها وعلمائها ، لأنّه يساهم في إحياء زيارة الغدير ونشر مفاهيمها ، وشرح جواهرها ومضامينها.

وقد ركز فيه المؤلف على توثيق مطالب الزيارة من القرآن والسنة والسيرة ، وهو جنب مهم من الشرح ، يفتح الباب لجوانب أخرى تركز على عمق ألفاظها وأبعاد معانيها وظلالها ، وتركز على مضامينها العقدية ، أو على مطالبها العرفانية.

ولعل بعض المخالفين يرى في بعض فقراتها غلواً في أمير المؤمنين عليه‌السلام أو تنقيصاً لحق الآخرين ، ولكنَّه تصورٌ خاطئ ، لأن كل مضامينها عين الحق ، صدرت من منبع الحق إلى من قال فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّه مع الحق والحق معه ، لا يفتقرقان ولا يختلفان.

وقد سألني بعضهم عن قوله عليه‌السلام : (أشهد يا أمير المؤمنين أَنَّ الشاك فيك ما آمن بالرسول الأمين ، وأن العادل بك غيرك عادل عن الدين القويم الذي ارتضاه لنا ربّ العالمين ، فأكمله بولايتك يوم الغدير). فأجبته بأن الخطاب متوجه إلى من عاصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً عليه‌السلام ، فقد كانت الأدلة ومبررات الموضوعية للتصديق في علي عليه‌السلام كافية لحصول الإيمان واليقين ، كالأدلة التي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن لم يؤمن بهذه لم يؤمن بتلك ، وإن ادعى أنّه يؤمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدون علي عليه‌السلام فهو يُفرِّق بين موضوعين متساويين في الأدلة!

بل يمكن القول إن علياً عليه‌السلام من أكبر أدلة نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدق دعواه ، فالشك فيه في الحقيقة شك في المدلول. وتعميم ذلك إلى كل من تمت له مبررات التصديق في أي عصر.

١١

كما أنَّ قوله عليه‌السلام : (وأن العادل بك غيرك عادل عن الدين القويم) يمكن تفسيره بأهل عصره الذين تمّت لهم وسائل الإثبات وحقت عليهم حجته ، ثم تعميمه إلى كل من هو مثلهم في كل عصر.

صلوات الله على الإمام الهادي صاحب هذه الدرر السماوية ، وعلى أمير المؤمنين عليه‌السلام صاحب الأوسمة الربانية ، وجزى الله المؤلف الفاضل خير الجزاء ، ونفع بكتابه ، ووفقه للمزيد من خدمة أهل البيت الطاهرين ، ونصوصهم البليغة المقدسة عليهم‌السلام

حرره بقم المشرفة

علي الكوراني العاملي

غرة ربيع الثاني ١٤٢٧

١٢

مقدمة المؤلف

الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأكمل لنا بها الدين ، وأتمَّ علينا بها النعمة ، ورضي لنا الإسلام بها ديناً ، والصلاة والسلام على من أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، محمد وأهل بيته الغرر الميامين ، سادات الخلق أجمعين.

يوم الغدير :

يوم مشهود في تاريخ الإسلام ، عزَّ نظيره في سائر الأيام ، فهو يوم من أيام الله .. اليوم الذي بَلّغ فيه الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمراً خطيراً يتوقف عليه تبليغ رسالته ، فولاية الإمام علي عليه‌السلام ركن أساس ، يكمِّل تبليغه تبليغ الرسالة ، لذا كان التبليغ بالولاية حجة على جميع المسلمين سواء في ذلك : من حضر منهم وسمع التبليغ بها ، ومن لم يحضر ؛ لأنَّ النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألزم الحاضرين بتبليغ مَن لم يشهد ذلك الموقف.

إنَّه يوم عيد كبير للمسلمين ، وكيف لا يكون كذلك وقد أكمل الله عزوجل فيه الدين لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأتم النعمة عليهم ، ورضي لهم الإسلام دينا؟! وقد التزم أهل البيت عليهم‌السلام ، وشيعتهم بالاحتفاء بهذا اليوم الأغر وتقديسه ، ومن أهم مظاهر الإحتفاء عندهم : زيارة المرقد الطاهر للإمام علي عليه‌السلام ، وتجديد العهد والبيعة له بمناسبة تنصيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياه إماماً وهادياً وولياً للمؤمنين ، أولى بهم من أنفسهم.

وقد رُويت لهذه المناسبة الغراء زيارات عديدة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، لعل

١٣

أهمَّ هذه الزيارات وأشهرها : الزيارة المروية عن الإمام علي الهادي عليه‌السلام ، حيث حوت ـ على وجازتها ـ الكثير من فضائل الإمام علي عليه‌السلام ومآثره ، ومواقفه المشرفة من أجل رفع راية الإسلام ، ونشر دعوته ، والمحافظ عليها ، وصيانتها من أيدي المنحرفين والمنافقين.

أجل ، جاء في الزيارة حشد من مآثر هذا الإمام الطاهر عليه‌السلام ، وبعبارات وجيزة ، تحمل في طيّاتها معانٍ كبيرة جداً ، لذا رأيت أن أبذل ـ مستعيناً بالله عزوجل ـ ما أملك م جهد متواضع في وضع شرح لهذه الزيارة ، يبيِّن ويوضِّح ما جاء فيها ، معتمداً في ذلك على ما جاء في كتب إخواننا السنة المعتبرة لديهم في التفسير والحديث ، داعماً ما يحتاج إلى الإستدلال بالأدلة الواضحة.

ومنهجي في هذا الشرح يتلخص بما يأتي :

التمهيد بموضوعات تتضمن : فكرة عن حجة الوداع ، وعلاقتها بغدير خم وما جرى فيه ، ونص الخطبة المباركة ، ثمَّ التعليق عليها بما يناسب هذا الموجز ، ونقل سند الزيارة ونصها ، كما روته أوثق المصادر وأصحها.

أمّا الشرح فيعتمد على تقسيم الزيارة إلى جمل ، أو فقرات ، أضع لكلٍّ منها عنواناً يتناسب مع مضمونها ، وبما أنَّ الزيارة تتضمن عبارات متكررة ، فإنّي أشرح العبارة في المرّة الأولى لورودها ، وأشير عند تكرارها إلى موضع شرحها السابق ، وإن اقتضى الأمر إضافة شيء جديد لما تقدم أضفته ، ومن الله عزوجل أستمد العون ، وأسأله التسديد في البحث ، راجياً منه القبول والرضوان ، إنَّه سميع مجيب ، وله الحمد أولاً وآخراً.

السيد عبد المطلب الموسوي الخرسان

الجمعة ٢٠ / ١٢ / ١٤٠٥ هـ

المصادف ٦ / ٩ / ١٩٨٥ م

١٤

تمهيد

يوم الغدير وحجّة الوداع (١) :

خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة المنورة متوجهاً إلى الحج ، وخرج معه أهل بيته عليهم‌السلام ، والمهاجرون ، والأنصار ، وجمهور من قبائل العرب ، وهي الحجة الوحيدة التي أداها بعد الهجرة ، وقد سميت حجة الوداع ؛ لأنَّها كانت قبيل وفاته في السنة العاشرة للهجرة ، وكان قد أعلم الناس بقرب أجله ، ودعاهم للحج معه ، ليعلِّمهم مناسك الحج ، وأحكامه ، ويبلغهم أحكام دينهم.

قُدِّر عدد من خرج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة المنورة بين تسعين ألفاً ، وبين مائة وأربعة وعشرين ألفاً ـ على اختلاف الروايات ـ ولا يدخل في هذا العدد من حضر الموسم من أهل مكة ، ومن قصد مكة من بلاد أخرى كاليمن.

أدّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناسك الحج ، وخطب الناس خطباً عديدة ، علَّمهم فيها معالم دينهم ، ومناسك حجهم ، وبعد أن أنهى مناسك حجه ، وبلَّغهم ما أُمر بتبليغه ، عزم على العودة إلى دار هجرته ، فخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج معه أهل بيته عليهم‌السلام ، والمهاجرون ، والأنصار ، وسائر من حضر الموسم ، وعندما بلغ (غدير خم) قريباً من الجحفة ـ وهي مفترق طرق إلى شتى البلاد ـ جاءه بالوحي بالآية الكريمة :

(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ

__________________

(١) بتصرف وتلخيص عن : كتاب الغدير ١ : ٢٧ ـ ٣٠.

١٥

النَّاسِ (١))(٢)

نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غدير خم ، وأمر أصحابه بالنزول معه ، ثمَّ أرسل رسلَه إلى الناس ، ليأمروا السابقين بالرجوع ، والمتأخرين بأن يلحقوا.

امتثل المسلمون أمره ، فاجتمعوا في ذلك المكان عند دوحات نزل تحتهن ، وكان الوقت حاراً ، وقد اجتمعوا تحت وطأة الشمس ، وعلى الصعيد المنصهر بها ، ليسمعوا ما أمر الوحي بتبليغه ، فكان الرجل يضع بعض ثيابه تحته ، وبعضها الآخر فوقه ليتقي بها الحر.

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) روى نزولها في الغدير : أسباب النزول ١٣٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٧ ، الدر المنثور ٢ / ٢٩٨ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٤٩ ـ ٢٥٢ ، الغدير ١ / ٢١٤ ـ ٢٢٣ عن ثلاثين مصدراً من كتب السنة ، فتح القدير ٢ / ٦٠.

١٦

نص خطبة الغدير

صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم ، ثمَّ أمر بأن يُصنع له منبرٌ من أحداج الإبل ، فصُنِع ، فارتقاه في وسط القوم ، ورفع صوته ـ بحيث يسمعه جميع من حضر ـ وخطب قائلاً : «الحمد لله ، نستعينه ، ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيِّئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن ضلَّ ، ولا مضلَّ لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله.

أمّا بعد : أيّها ال ناس ... قد نبَّأني اللطيف الخبير : أنَّه لم يعمِّر نبي إلّا مثل نصف عمر الذي قبله ، وإنّي أوشك أن اُدعى فأجيب ، وإنّي مسئول ، وأنتم مسئولون ، فماذا أنتم قائلون؟. قالوا : نشهد أنَّك قد بلّغت ، ونصحت ، وجهدت ، فجزاك الله خيراً.

قال : ألستم تشهدون : أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله ، وأنَّ جنَّتَه حق ، وناره حق ، وأن الموت حقّ ، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنَّ الله يبعث من في القبور.

قالووا : بلى ، نشهد بذلك. قال : اللّهم اشهد. ثمَّ قال : أيّها الناس ... ألا تسمعون؟. قالوا : نعم. قال : فإني فرطٌ على الحوض ، وأنتم واردون عليَّ

١٧

الحوض ، وإنَّ عرضه ما بين صنعاء وبُصرى (١) ، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة ، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟.

فنادى منادٍ : وما الثقلان يا رسول الله؟. قال : الثقل الأكبر : كتاب الله ، طرف بيد الله عزوجل ، وطرف بأيديكم ، فتمسكوا به ، لا تضلوا. والآخر الأصغر : عترتي ، وإنَّ اللّطيف الخبير نبَّأني : أنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. فسألت ذلك لهما ربّي. فلا تقدَّموهما ، فتهلكوا ، ولا تقصِّروا عنهما ، فتهلكوا ، ثمَّ أخذ بيد علي ، فرفعها حتى رُؤي بياض آباطهما ، وعرفه القوم أجمعون. فقال : أيّها الناس ، من أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟. قالوا : الله ورسوله أعلم.

قال : إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ـ يقولها ثلاث مرات ، وفي لفظ أحد إمام الحنابلة أربع مرات ـ.

ثمَّ قال : اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبَّ من أحبَّه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.

ثمَّ لم يتفرقوا حتى اُنزل أمين وحي الله بقوله عزوجل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (٢))(٣) ، فقال رسول الله : «الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب برسالاتي ، والولاية لعلي من

__________________

(١) بُصرى في موضعين (بالضم والقصر ر) : أحدهما بالشام من أعمال دمشق ، وهي : قصبة كورة حوران ، مشهورة عند العرب قديماً وحديثاً. (معجم البلدان ١ / ٤٤١).

(٢) المائدة : ٣.

(٣) روى نزولها يوم الغدير : البداية والنهاية ٥ / ٢٣٢ ، ٧ / ٣٨٥ ، تاريخ بغداد ٨ / ٢٨٤ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٣ ، الدر المنثور ٢ / ٢٥٧ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠٨ ، الغدير ١ / ٢٣٠ ـ ٢٣٧.

١٨

بعدي».

ثمَّ طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وممَّن هنَّأه في مقدم الصحابة عمر بن الخطاب حيث قال له مهنئاً : «بخ .. بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنه (١)». واستأذن حسان بن ثابت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أن ينشد في المناسبة شعراً ، فإذن له. فقال : يا معشر مشيخة قريش ، أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ، ثمَّ قال (٢) :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخمٍّ فأسمع بالنبي مناديا

فقال : فمن مولاكم ونبيكم

فقالوا ـ ولم يبدوا هناك التعاميا ـ

إلهك مولانا ، وأنت نبينا

ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه ، فهذا وليه

فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا : اللهم وال وليَّه

وكن للذي عادا علياً معاديا

شاح خبرُ ما حدث يوم الغدير في مختلف البلدان ، فبلغ الحرث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقةٍ له ، حتى أتى الأبطح ، فنزل عن ناقته ، فقبلناه مناك ، وأمرتنا بالزكاة ، فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً ، فقبلنا ، ثمَّ لم ترضَ بهذا ، حتى رفعت بضبعي ابن عمك ، ففضَّلته علينا ، وقلت : «من كنت مولاه فعلي

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ / ٣٨٦ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٣٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٢٠٠ ، الغدير ١ / ٢٧٢ ـ ٢٨٣ عن ستين مصدراً من كتب السنة.

(٢) الغدير ٢ / ٣٤ في ترجمة حسان ، وفيه مختلف الروايات للأبيات ، قصص الأنبياء للراوندي ٣٥٤ نظم درر السمطين ١١٢.

١٩

مولاه» ، فها شيء منك ، أم من الله (عزوجل)؟!. فقال : «والذي لا إله هو ، إنَّ هذا من الله». فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته ، وهو يقول : «اللهم إن كان ما يقول محمدٌ حقاً ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم». فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر ، فسقك على هامته ، وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله (عزوجل) : (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِّنَ اللَّـهِ ذِي الْمَعَارِجِ (١))(٢).

__________________

(١) المعارج : ١ ـ ٣.

(٢) تفسير القرطبي ١٨ / ٢٧٨ ، شواهد التنزيل ٢ / ٣٨١ ـ ٣٨٥ ، وفيه روايات تختلف في اسم من سأل العذاب ، الغدير ١ / ٢٤٠ عن ثلاثين مصدراً من كتب السنة ، نظم درر السمطين ٩٣ ، ينابيع المودة ٢ / ٣٦٩.

٢٠